وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي

وصول الأخيار إلى اصول الأخبار

المؤلف:

الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢١١

الاجازة. وأما عندنا فالذي يظهر أنه يستعمل في الاعم منها ومن القراءة والسماع.

الخامس : المسلسل

وهو ما تتابع رجال اسناده على صفة أو حالة تارة للرواة وتارة للرواية.

قال الشيخ محيى الدين : أنا أروي ثلاثة أحاديث مسلسلة بالدمشقيين.

وقد اعتنى العامة بهذا القسم ، وقل أن يسلم لهم منه شئ الا بتدليس أو تجوز أو كذب يزينون به مجالسهم وأحوالهم.

وهو مع ندرة اتفاقه عديم الجدوى وقد نقلنا منه عنهم أنواعا ك (المسلسل بالاولية) و (التشبيك باليد) و (العد فيها) و (الضيافة) ونحو ذلك.

وقد يكون باتفاق أسماء الرجال أو صفاتهم أو بصفات الرواية ك (المسلسل بسمعت فأخبرنا) و (أخبرنا فلان والله).

وقد اعترف نقادهم بأنه لا يكاد يسلم من خلل (١) ، حتى حديث المسلسل بالاولية تنتهي السلسلة فيه الى سفيان بن عيينة ، ومن رواه مسلسلا الى منتهاه فقد وهم ، كما اعترف به نقادهم.

وأما علماؤنا ومحدثونا فهم أجل شأناً وأثقل ميزاناً من الاعتناء بمثل ذلك.

السادس : المضمر وهو ما يقول فيه الصحابي أو أحد أصحاب الائمة عليهم السلام (سألته عن كذا فقال كذا) أو (أمرني بكذا) أو ما أشبه ذلك ، ولم يسم المعصوم ولا ذكر

__________________

١. كما قاله امامهم الحافظ الضابط محيى الدين يحيى بن شرف المعروف بالنووى في كتابه التقريب .. انظر مقدمة شرح الكرماني ١ / ٣٢ ط بيروت.

١٠١

ما يدل على أنه هو المراد.

وهذا القسم غير معروف بين العامة ، وكثيراً ما كان يفعله أصحابنا للتقية ، لعلم المحديث اسم مفعول بالامام في ذلك الخطاب.

وهو مضعف للحديث ، لاحتمال أن يكون المراد غير الامام وان كان ارادة الامام بقرينة المقام أظهر.

السابع : المجهول وهو المروي عن رجل غير موثق ولا مجروح ولا ممدوح ، أو غير معروف أصلا ، ومنه قولهم (عن رجل) أو (عمن حدثه) أو (عمن ذكره) أو (عن) غير واحد) أو نحو ذلك.

وبعض العامة يخصه باسم (المنقطع) ، والاول أشهر وأحسن.

وهو قد يكون مجهول الاول أو الوسط أو الاخر أو الطرفين أو مع الوسط أيضاً.

تنبيه : لو قال (عن ثقة) أو (عن بعض الثقات) أو نحو ذلك وقبلنا توثيق الواحد من غير ذكر السبب لم يكن مجهولا من هذه الحيثيه.

وقال بعض العامة : لا يجزي ذلك ، لانه لابد من تسمية المعدل وتعيينه ، لانه قد يكون ثقة عنده وغيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده واضرابه عن اسمه مريب في القلوب.

وليس بشئ ، إذ الاصل عدم ذلك ، ومثل هذا الاحتمال غير مضر ولا قادح.

١٠٢

الثامن : المرفوع

وهو ما أضيف الى النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الائمة عليهم السلام ، من أي الاقسام كان ، متصلا كان أو منقطعاً ، قولا كان أو فعلا أو تقريراً ، وكل واحد من هذه الثلاثة اما أن يكون صريحاً أو في حكمه ، فالاقسام ستة : ١ ـ المرفوع صريحاً من قولهم : مثل قول الصحابي وأصحاب الائمة عليهم السلام (سمعت رسول الله) أو (الصادق يقول كذا) أو نحوه.

٢ ـ المرفوع من فعلهم صريحاً : مثل (رأيته يفعل كذا) أو (فعل كذا).

٣ ـ المرفوع من تقريرهم صريحاً : مثل (فعلت بحضرته كذا) أو (فعل فلان بحضرته كذا) ولم يذكر انكاراً ولا كان موضع تقية بالنسبة الى الامام.

٤ ـ ما له حكم المرفوع من القول : مثل أقوال الحصابة وأصحاب الائمة عليهم السلام فيما لا مدخل للاجتهاد فيه ، كالاخبار عن الجنة والنار وأحوال يوم القيامة والقبر ، والاخبار عما يحصل على فعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، والاخبار عن بدو الخلق إذا لم يكونوا أخذوه من الكتب القديمة وأقوال المنجمين.

فهذا في حكم قولهم (قال المعصوم كذا) وكذا قولهم (أمرنا بكذا) و (نهينا عن كذا) و (من السنة كذا) ، فان الارجح أنه ملحق بالمرفوع حكما.

٥ ـ ما له حكم المرفوع من الفعل :

١٠٣

مثل أن يفعلوا ما لا مدخل للاجتهاد فيه ، كالصلاة بالهيئة المخصوصة.

٦ ـ ما له حكم المرفوع من التقرير :

كأن يخبر الصحابي وأصحاب الائمة عليهم السلام أنهم كانوا يفعلون في زمن المعصوم كذا مما يبعد خفاؤه عنهم لتوفر دواعيهم على السؤال عن أمر دينهم ، فلا يستمرون على فعل شئ الا وقد علموا به وأقروا عليه أو أمروا به ابتداءاً وان لم ينقل الامر.

واعلم أن من المرفوع قول الراوي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به الى قول النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الائمة عليهم السلام ، فمثل هذا يقال له الان (مرفوع) وان كان منقطعاً أو مرسلا أو معلقاً بالنسبة الينا الان.

فقول محمد بن يعقوب مثلا في الكافي : علي بن ابراهيم رفعه الى ابى عبد الله عليه السلام قال : طلبة العلم ثلاثة ـ الى آخره كما ننقله فيما يأتي ، يقال له مرفوع لاتصاله بالمعصوم عليه السلام وان كان منقطعاً بل معلا.

وأما علي ابن ابراهيم فانه بالنسبة إليه يمكن أن يكون متصلا ، وكذا بالنسبة الى محمد بن يعقوب إذا كان علي بن ابراهيم قد رواه اياه متصلا ومحمد بن يعقوب هو الذي حذف السند فقطعه.

التاسع : الموقوف

وهو المروي عن الحصابة أو أصحاب الائمة عليهم السلام قولا لهم أو فعلا ، متصلا كان أو منقطعاً صحيحاً أو غيره.

ويستعمل في غيرهم مقيداً ، فيقال (وقفه فلان على فلان) مثلا إذا لم يكن من أصحاب المعصومين.

١٠٤

وبعض الناس يسمي الموقوف (أثراً) كالمقطوع الاتي ، وليس بحجه وان صح سنده.

واعلم أن من الموقوف قول الراوي (كنا نقول) أو (نفعل كذا) أو (كانوا لا يرون بأساً بكذا) إذا لم يضف ذلك الى زمان المعصوم ، أما إذا أضيف فقد يكون مرفوعاً إذا دلت قرائن الاحوال على أمرهم بذلك أو عدم خفائه عنهم كما تقدم.

وقال بعض المحدثين : تفسير الصحابي مرفوع.

وهو قريب إذا كان مما لا دخل للاجتهاد فيه ، كشأن النزول ونحوه ، والا فهو موقوف.

العاشر المقطوع

وهو المروي عن التابعين قولا لهم أو فعلا.

وأصحابنا لم يفرقوا بينه وبين الموقوف فيما يظهر من كلامهم.

الحادى عشر : المنقطع بالمعنى الاعم

وهو ما لم يتصل اسناده الى معصوم على أي وجه كان ، وهو ستة أقسام ، لان الحذف اما من الاول أو من الوسط أو من الاخر اما واحد أو اكثر : ١ و ٢ ما حذف من أول اسناده واحد أو اكثر : وهو (المعلق) ، مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال فيه.

وقد استعمله بعضهم في حذف كل الاسناد ، كقولهم (قال النبي) أو (قال الصادق كذا) أو (قال ابن عباس كذا).

وقد ألحقه العامة بالصحيح ، ولا يسمى عندهم تعليقاً الا إذا كان بصيغة الجزم ك (قال) و (فعل) و (أمر) و (نهى) لا مثل (يروى) و (يحكى).

١٠٥

تنبيه :

لا تظنن ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار عن الحسين بن سعيد ونحوه ممن لم يلحقهم ، وكذا ما رواه في الفقيه عن أصحاب الائمة عليهم السلام وغيرهم معلقاً ، بل هو متصل بهذه الحيثية ، لان الرجال الذين بينهم وبين من رووا عنهم معروفة لنا ، لذكرهم لها في ضوابط بينوها بحيث لم يصر فرق بين ذكرهم لهم وعدمه وانما قصدوا الاختصار.

نعم ان كان شئ من ذلك غير معروف الواسطة ـ بأن يكون غير مذكور في ضوابطهم ـ فهو معلق ، وقد رأيت منه شيئاً في التهذيب ، لكنه قليل جداً.

٣ و ٤ المنقطع بالمعنى الاخص : وهو ما حذف من وسط اسناده واحد أو أكثر.

واعلم أن القطع في الاسناد قد يكون معلوماً بسهولة ـ كأن يعلم أن الراوي لم يلق من روى عنه ـ وهو واضح ، وقد يكون خفياً لا يدركه الا المتضلع بعلم الرجال ومعرفة مراتبهم ، وهو المدلس.

وقد يقع ذلك من سهو المصنف أو الكاتب.

٥ و ٦ المرسل :

وهو ما رواه عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة أو بواسطة نسيها أو تركها عمداً أو سهواً ، أو أبهمها ك (عن رجل) أو (بعض أصحابنا) ، واحداً كان المتروك أو اكثر.

وقد اتفق علماء الطوائف كلها على أن قول كبراء التابعين (قال رسول الله كذا) أو (فعل كذا) يسمى مرسلا.

وبعض العامة يخص (المرسل) بهذا ويقول : ان سقط قبل النبي اثنان فهو

١٠٦

منقطع وان سقط اكثر فهو معضل ، والمشهور في الفقه وأصوله ان الكل يطلق عليه اسم (المرسل).

وقد اختلف العماء في الاحتجاج به : فقيل يحتج به مطلقا (١) ، وقيل لا مطلقا وقيل يحتج به إذا اعتضد بفحوى الكتاب أو سنة متواترة أو عمومهما أو دليل العقل أو كان مقبولا بين الاصحاب أو انضم إليه ما يؤكده ، كأن جاء من وجه آخر مسنداً وان لم يكن صحيحاً ، فيكون له كالشاهد ، إذا لو كان صحيحاً كان العمل به دون المرسل ، أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح ، ولهذا قبلت الاصحاب مراسيل ابن ابى عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن ابى نصر البزنطي لانهم لا يرسلون الا عن ثقة.

ولا بأس بذلك ، وان كان في تحقق ذلك نظر ، لان مستند العلم ان كان استقراء أحاديثه فوجد أنها مسندة ـ كما يظهر من كلام أصحابنا ، وقد نازعهم صاحب البشرى ومنع دعواهم ـ فهذا اسناد ولا بحث فيه إذا كان الاستقراء تاماً ، والا فأشكل.

وان كان حسن الظن فهو غير كاف شرعاً.

وان كان استناداً الى اخباره فمرجعه الى شهادته بعدالة الراوي المجهول ، وسيأتي ما فيه.

وليس من المرسل عندنا ما يقال فيه (عن الصادق قال قال النبي كذا) ، بل هو متصل من هذه الحيثية ، لما نبينه انشاء الله تعالى.

ويعلم الارسال بعدم الملاقاة ، ومن ثم احتيج الى التاريخ.

__________________

١.أي سواء كان ارسله الصحابي أم غيره ، وسواء كان المرسل جليلا أم لا.

١٠٧

تتميم :

كثيراً ما استعمل قدماء المحدثين منا ومن العامة قطع الاحاديث بالارسال ونحوه ، وهو مكروه أو حرام إذا كان اختياراً الا إذا كان لسبب كنسيان ونحوه ، فقد روينا بطرقنا الى محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه وعن احمد ابن محمد بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن ابى عبد الله عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حدثتم بحديث فأسندوه الى الذي حدثكم ، فان كان حقاً فلكم وان كان كذباً فعليه (١).

وروينا عن ابى عبد الله عليه السلام أنه قال : اياكم والكذب المخترع.

قيل له : وما الكذب المخترع؟ قال : أن يحدثك الرجل بحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه (٢).

الثاني عشر : المعضل

وهو من أعضله أي صعبه ، وما هو ما سقط من اسناده اثنان أو كثر من الوسط أو الاول أو الاخر ، فهو عبارة عن الثلاثة الاقسام من الستة المذكورة في المنقطع.

الثالث عشر : الشاذ والنادر والمنكر أما (الشاذ) و (النادر) فهو عندنا وعند الشافعي ما خالف المشهور وان كان

__________________

١. الكافي ١ / ٥٢.

٢. الكافي ١ / ٥٢. وفيه (المفترع) بدل المخترع في الموضعين ، وهو بمعنى الكذب المبتذل المتعارف بين الناس ، ومن افنرع البكر : إذا افتضها.

١٠٨

رواية ثقة ، لا أن يروي ما لا يرويه غيره.

وقد عمل به بعضهم ، كما اتفق للشيخين في صحيحة زرارة فيمن دخل في الصلاة بتيمم ثم أحدث : أنه يتوضوء حيث يصيب الماء ويبني على الصلاة (١).

وان خصاها بحالة الحديث تأسياً.

وأما (المنكر) فما خالف المشهور وكان روايه غير ثقه.

وقد يطلق (الشاذ) عندنا خاصة على ما لم يعمل بمضمونة العلماء وان صح اسناده ولم يعارضه غير أو تكرر.

وقال بعض العامة : الشاذ ما ليس له الا اسناد واحد تفرد به ثقة أو غيره.

وهو مشكل ، فان اكثر أحاديثنا وأحاديثهم من هذا القبيل ولم يطلق عليها أحد اسم الشاذ.

وقد يطلق على الشاذ اسم المنكر.

وقال بعض المحدثين : انشاذ هو الفرد الذي لا يعرف متنه من غير راويه.

وفصل ابن الصلاح (٢) من العامة فقال : الحديث ان خالف من تفرد به أحفظ منه وأضبط فشاذ مردود ، وان لم يخالف وهو عدل ضابط فصحيح ، وان رواه غير عدل ضابط لكن لا يبعد عنهما فحسن ، وان بعد فمنكر.

فالمنكر على هذا ما يرويه الضعيف مخالفاً لما رواه الناس كما قدمناه.

واعلم أن قول الفقهاء والمحدثين (هذا الحديث تفرد به فلان) أو (لم يروه سوى فلان) لا يقتضي ذلك في الحديث شذوذاً ولا نكراً ، بل يبقى له حكم المقرر

__________________

١. تهذيب الاكام ١ / ٢٠٥.

٢. الشيخ الحافظ المحقق أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح ، له كتاب في الموضوع سماه علوم الحديث. اختصره النووي فسماه الارشاد ..

٣. راجع التقريب للنووي ص ٩.

١٠٩

وأولى بذلك ما لو قالوا : تفرد به أهل الحجاز أو العراق.

تتميمان :

(الاول) الشذوذ قد يكون بزيادة لفظ في الحديث قد رواه الثقات أو غيرهم ناقصاً.

ومذهب الجماهير منا ومن العامة قبول الزيادة مطلقا إذا كانت على شرط ما يقبل.

وقيل : تقبل ان رواها غير من رواه ناقصاً ولا يقبل ممن رواه ناقصاً. والمعتمد الاول.

(الثاني) إذا روى بعض الثقات الحديث مرسلا وبعضهم رواه متصلا أو بعضهم موصلا وبعضهم موقوفاً ، أو رفعه الراوي الواحد في وقت ووقفه في آخر ، أو وصله في وقت وأرسله في آخر أو نحود ذلك فالصحيح أن الحكم للارفع ، سواء كان المخالف له مثله أو اكثر منه وأقوى ، لان ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة.

وقيل الحكم للادنى ، وقيل للاكثر ومع التساوي فالاقوى بالضبط ونحوه والتحقيق ما قلناه.

وليس وصل الحديث تارة وارساله أخرى مثلا قادحاً في عدالة الراوي أو في الحديث ، وقال بعض العامة : يقدح في عدالته وصل ما أرسله الحفاظ وليس بشئ ، فيكون لهذا الموصل حكمه من القبول ان جمع شرائطه.

وكذا لو رفع ما أوقفوه ، لان ذلك كالزيادة ، وهي مقبولة بشروطها.

ان قلت : الارسال قادح في الاتصال ، فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل فيقدم.

١١٠

قلت : الجرح انما قدم لما فيه من زيادة العم ، والزياة هنا مع الواصل.

الرابع عشر : الغريب والغريز

كل من يجمع الحديث ويروى عنه لعدالته وضبطه كالحسين بن سعيد وابن ابى عمير ، إذا تفرد عنه بالحديث رجل سمي (غريباً) ، فان رواه اثنان أو ثلاثة سمي (غريزا) وان رواه جماعة سمي (مشهوراً).

ويدخل في الغريب ما انفرد روايه بزيادة في متنه أو في سنده ، وهو قد يكون صحيحاً وقد يكون غير صحيح.

وهو أيضاً اما أن يكون غريباً متناً واسناداً ـ وهو ما انفرد برواية متنه واحد أو اسناداً لا متناً ـ كحديث يعرف متنه جماعة عن رجل إذا تفرد واحد برواية متنه عن آخر.

ولا يوجد ما هو غريب متناً لا اسناداً ، الا إذا اشتهر الحديث المفرد فرواه عمن تفرد به جماعة كثيرة ، فانه يصير غريباً مشهوراً ، كحديث (انما الاعمال بالنيات) (١) فان اسناده متصف بالغرابة في طرفه الاول وبالشهرة في طرفه الاخر.

وكذا سائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف ثم اشتهرت.

الخامس عشر : المعلل

والعلة عبارة عن سبب غامض خفي مضعف للحديث اما في متنه أو في سنده مع أن ظاهره السلامة ، وانما يتفطن لها غالباً الماهر في فن الحديث طرقه ومتونه ومراتب روايته.

__________________

١. غوالى اللالى ١ / ٨١ ، سنن البيهقى ٧ / ٣٤١ ، صحيح البخاري ١ / ٢ ، ١٣ ، ٢ / ٧٥٩ ، ٧٩٣.

١١١

ويقال للحديث الواقع فيه العلة (المعلل) بفتح اللام ، ولحن من قال (معلول).

أما وقوع العلة في المتن فكركة تركيبه أو مخالفته لقواعد العربية أولدليل قاطع أو بوقوع الاضطراب فيه من الراوي الواحد ، فيدل على عدم ضبطه وعدم تحققه.

وأما وقوعه في السند فكاشتراك الراوي بين الثقة وغيره ، ورواية الراوي عمن لمن يلقه قطعاً ، أو مخالفة غيره له في السند مع قرائن أخرى تنبه الحاذق على وهم بارسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو ادخال سند في سند أو نحو ذلك بحيث يغلب على ظنه الخلل فيحكم بعدم الصحة أو يتوقف فيه.

وقد يطلق العلة على غير ما ذكرنا ، ككذب الراوي وغفلته وقطعه الحديث وارساله ونحو ذلك مما يوجب ضعفه.

السادس عشر : المضطرب [وهو ما اختلف لفظ روايه] (١) والاضطراب هو الاختلاف.

وهو قد يكون في السند ، كأن يرويه مرة عن ابن ابى عمير ومرة عن محمد ابن مسلم ، وقد يكون في المتن ، كأن يرويه مرة زائداً ومرة ناقصاً ، أو يرويه مرة بما يخالف المرة الاخرى (٢) ، وقد يكون ذلك من راو واحد وهو أقبح ، وقد يكون من اكثر.

__________________

١. الزيادة من النسخة المخطوطة.

٢. كخبر اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرح بخروجه من الجانب الايمن فيكون حيضاً أو بالعكس ، فرواه في الكافي بالاول ، وكذا في التهذيب في كثير من النسخ ، وفى

١١٢

وهو يضعف الحديث ، للاشعار بعدم الضبط.

نعم ان رجحت احدى الروايتين بحفظ راويها وضبطه ونحو ذلك فالحكم للراجحة ، ويخرج بذلك من الاضطراب.

السابع عشر : المقلوب

والقلب عبارة عن أن يكون الحديث عن راو فيجعل عن آخر ليرغب فيه ، كأن يكون عن محمد بن قيس فيجعل عن محمد بن مسلم.

وهو حرام لتضمنه الكذب ، ومن عرف به سقطت عدالته.

الثامن عشر : المدلس

وهو ما أخفي عيبه ، والتدليس مأخوذ من الدلس بالتحريك.

وهو قسمان : تدليس الاستاد ، وتدليس الشيوخ.

أما تدليس الاستاد : فكأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهماً سماعه ، قائلا (قال فلان) أو (عن فلان) ، بأن يأخذه من كتابه أو يحدثه به رجل آخر ، وقصده بذلك ترويج الحديث وتحسينه أو علو الاسناد أو الترفع عن أن يرويه عمن رواعنه.

وهو مكروه جداً بين أهل الحديث ، حتى قال بعضهم : من عرف به صار

__________________

بعضها بالثاني ، واختلف في ذلك حتى من الفقيه الواحد ، مع أن الاضطراب يمنع من العمل بمضمون الحديث ، وربما قيل يترجح الثاني.

ووقع الاضطراب من حيث عمل الشيخ في النهاية بمضمومة ، وبأن الشيخ أضبط من الكليني وأعرف بوجوه الحديث. وفيهما معاً نظر ، يعرفه من وقف على أحوال الشيخ وطرق فتواه (منه).

هذه التعليقة ادمجت في النسخة المخطومة بالمتن وهى لا توجد في المطبوعة.

١١٣

مجروحاً مردود الرواية.

أما لو قال (سمعت) أو (حدثني) وعلم أنه ليسمع منه كان ذلك جرحاً لا محالة.

ولو احتمال سماعه منه لم يحكم عليه بالتدليس حملا للمسلم على الصحة.

وهذا القسم من التدليس لا يخرج عن الاقسام المتقدمة من (التعليل) و (القطع) و (الارسال).

وأما تدليس الشيوخ : فبأن يسمي شيخاً أو يكنيه أو ينسبه بما لا يعرف به لغير ضرورة.

وكراهته أخف من الاول ، وسبب الكراهة فيه توعر (١) طريق معرفتة.

ويختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ، ككون المدلس ضعيفاً أو صغيراً أو سمع منه كثيراً فامتنع من تكراره لئلا يسمج أو نحو ذلك.

التاسع عشر : المدرج

والادراج أن يذكر الراوي حديثاً ثم يتبعه كلاماً لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلا ، فيتوهم أنه من الحديث.

ويقال للزائد (مدرج) بفتح الراء ، وللحديث (مدرج فيه).

ومن أقسام الادراج أن يكون عنده حديثان باسنادين فيرويهما بأحدهما ، أو يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في اسناده أو متنه فيرويه عنهم باتفاق.

وكله حرام ، وانما يتفطن له الحذاق.

وكثيراً ما يقع عن غير عمد ، كأن يلحق الراوي بالحديث تفسيراً أو نحوه لقصد التوضيح فيتوهمه من بعده منه.

__________________

١. الوعر : العصب وزناً ومعنى.

١١٤

ومثل هذا يتطرق في اجازات الكتب كثيراً ، وقد وقع لنا في كتاب التهذيب مواضع حكمنا فيها بالادراج ومواضع يغلب فيها ذلك على الظن ومواضع يشك فيها.

وسبب ذلك عدم فصل النساخ الحديث عن غيره بدائرة ونحوها ، فإذا وقع كلام للمصنف مناسب للحديث أوهم كونه منه.

المكمل عشرين : الموضوع

وهو شر الاحاديث ، ويحرم روايته مع العلم به ، من أي الاقسام كان الا مع البيان.

ويعرف الوضع باقرار واضعه أو معنى اقراره أو ركاكة لفظه أو قرينة في الواضع أو الموضوع له ، كما وضعه الغلاة في حق علي عليه السلام ، وكما وضع لبني أمية من الاحاديث في أن الامامة لهم.

والواضعون أقسام ، أعظمهم ضراراً قوم ينتسبون الى الزهد ووضعوا أحاديث حسبة في زعمهم ، فتلقى الناس موضوعاتهم بالقبول ثقة بهم.

وجوزت الكرامية الوضع في الترغيب والترهيب ، وهو خلاف اجماع المسلمين.

ومن الموضوع الاحاديث المروية عن أبى بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة ، كما ذكره بعض العامة حتى ضمنها أكابر المفسرين تفاسيرهم.

وقد صنف ابن الجوزي من العامة في الموضوعات مجلدات ، وللحسن بن محمد الصغاني (الدر الملتقط في تبيين الغلط).

[ويتبع ذلك ألقاب أخرى اصطلح عليها أهل الرواية : منها : رواية الاقران وهي بأن يستوي الراوي والمروي عنه في السن أو اللقاء ، وهو الاخذ عن

١١٥

المشائخ كالشيخ والمرتضى ، فان الشيخ أخذ عن المرتضى وقرأ عليه مصنفاته وكلاهما أخذ عن الشيخ المفيد.

سمي ذلك (رواية الاقران) لان أحدهما روى عن قرينه.

ومنها : المدبج بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة آخر جيم.

وهو أن يروي كل من القرنين عن الاخر ، مأخوذ من ديباجة الوجه ، كأن كلا منهما بذل ديباجة وجهه للاخر.

وهو أخص من الاول ، وذلك كروايات الصحابة بعضهم عن بضع.

ومنها : رواية الاكابر عن الاصاغر كرواية الصحابي عن التابعي.

ومن هذا القسم رواية الاباء عن الابناء ، كرواية العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الصلاتين بالمزدلفة.

ولكن الاكثر العكس.

ثم قد تكون الرواية عن أبيه فقط ، وهو كثير لا يحصر ، وقد تتصاعد في الاجداد] (١).

(اصل)

ينبغي للحاذق التنبه للزيادة في السند والنقص ، فالزيادة أن يزيد الراوي في أول السند أو وسطه أو آخره رجلا أو اكثر والمحل مستغنى عنه ، بأن يكون الراوي قد روى عن شخص بغير واسطة ، فيزيد راوي الحديث بينهما رجلا أو اكثر.

__________________

١. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١١٦

وانما يتفطن له المتفطنون ، وهو عندنا وعند العامة نادر الوقوع ، بل لا أعلم أني وقفت مه على شئ.

وأما النقص فبأن يروي الرجل عن آخر ومعلوم أنه لم يلحقه أو لحقه ولم يرو عنه ، فيكون الحديث مرسلا أو منقطعاً.

وانما يتفطن له المتضلع بمعرفة الرجال ومراتبهم ونسبة بعضهم الى بعض.

وقد يقع من سهو الناسخ كثيراً ، كما وقع في كثير من التهذيب فتنبهنا له وأصلحناه من فهرست الشيخ الطوسي أو من باقي كتب الاحاديث.

ومما يعين على ذلك معرفة أصحاب الائمة عليهم السلام واحداً واحداً ، ومن لحق من الرواة الائمة ومن لم يلحقه.

وقد صنف أصحابنا في أصحاب الائمة عليهم السلام كتباً ذكروا فيها أصحاب كل امام ومن لحق منهم امامين أو اكثر.

وكتاب ابن داود رحمه الله في الرجال مغن لنا عن جميع ما صنف في هذا الفن ، وانما اعتمادنا الان في ذلك عليه.

ومطالعة الفهرست للشيخ الطوسي تفيد في ذلك فائدة جليلة ويفتح فهى باباً واسعاً.

(فصل)

من المهم على الفقيه في الاحاديث معرفة ناسخها ومنسوخا ، فان كثيراً من الاختلاف فيها وفي الاحكام انما نشأ من ذلك.

فقد روينا بطريقنا المتصلة عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابى ايوب اخزاز عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه السلام قال : قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان

١١٧

عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه؟ قال : ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (١).

وروينا عنه عن على بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران عن عاصم ابن حميد عن منصور بن حازم قال : قلت لابي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن أصحاب محمد صدقوا عليه (٢) أم كذبوا؟ قال : بل صدقوا.

قلت : فما بالهم اختلفوا؟ قال : أما تعلم ، ان الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ما ينسخ ذلك الجواب ، فنسخت الاحاديث بعضها بعضا (٣).

ومثل ذلك ورد عن علي عليه السلام (٤).

ثم منه ما عرف بتصريح الرسول صلى الله عليه وآله ك (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) (٥) ، ومنه ما يعلم بقول الصحابي ك (كان آخر الامرين من رسول الله ترك الوضوء مما مسته النار) (٦) ، ومنه ما عرف بالتاريخ ، ومنه ما عرف بدلالة الاجماع.

والاجماع لا ينسخ ولا ينسخ ولكنه يدل على ناسخ.

وهذان النوعان لا يوجدان في أحاديث أئمتنا عليهم السلام أصلا ، لعدم النسخ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وانما هم مثبتون لما استقر عليه الشرع

__________________

١. الكافي ١ / ٦٥ وفيه عن فلان وفلان عن رسول الله ..

٢. في المصدر صدقوا على محمد أم كذبوا ..

٣. الكافي ١ / ٦٥.

٤. الظاهر أنه يريد الحديث الاول من باب اختلاف الحديث. الذى أخرجه في الكافي ١ / ٦٢.

٥. سنن ابن ماجة ١ / ٥٠١.

٦. سنن ابى داود ١ / ٤٩ ، سنن الترمذي ١ / ١١٩.

١١٨

نعم قد يدل حديثهم على أن بعض الاحاديث أو بعض الاحكام المستفادة من السنة قد نسخت لا أنها هي بنفسها ناسخة.

(اصل)

ومن المهم أيضاً على الفقيه والمحديث معرفة (المصحف) و (المحرف) وقل أن يتنبه له الا الحذاق.

ويكون في الاسناد والمتن ، فمن الاسناد مثل (بريد بن معاوية) بالباء المضمومة والراء ، ربما يصحف بالياء المثناة من تحت والزاي.

و (العوام ابن المراجم) بالراء والجيم ، صحفه بعضهم (١) بالزاي والحاء.

ومن المتن نحو حديث زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وآله احتجر في المسجد.

أي اتخذ حجرة من حصير صلى فيها ، صحفه بعضهم فقال (احتجم).

وحديث : من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال.

صحفه الصولي (شيئاً) بالمعجمة.

وقد يكون تصحيف سمع ، كحديث عاصم الاحول ، حوله بعضهم فقال واصل الاحدب (٢).

وكتاب ابن داود وايضاح الاشتباه والخلاصة للعلامة (ره) قد تكلفت بأكثر المهم من ذلك (٣) ، ولله الحمد والمنة.

__________________

١. هو يحيى بن معين على ما في الرواشح لميرداماد.

٢. قال الدار قطني على ما في الرواشح : هذا من تصحيف السمع ، لانه لا التباس ولا اشتباه بينهما في الكتابة.

٣. قال السيد ميرداماد في الرواشح ص ١٣٤ : وقد صحف العلامة كثيراً من الاسماء والكنى والالقاب في خلاصة الرجال وفي ايضاح الاشتباه ، فالشيخ تقى الدين حسن بن داود تولى الاعتراض عليه ونبه على كثير من ذلك واصاب اكثرياً.

١١٩

[وقد يكون التصحيف في المعنى ، كما حكي عن ابى موسى محمد بن المثنى العنزي أنه قال : نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة ، صلى الينا رسول الله صلى الله عليه وآله. يريد بذلك ما روي أنه (ص) صلى الى عنزة ، وهي حربة تنصب بين يديه سترة ، فتوهم أنه صلى الى قبيلته. وهو تصحيف معنوى. عجيب] (١).

__________________

١. الزيادة من النسخة المخطوطة.

١٢٠