امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: السيد علي الحسيني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٣

بل إنّ السبب الأقوى وراء هذه القصة هو موقفهم من الولاية والسعي لطمس آثارها وإطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا أن يتم نوره.

فقد ورد عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن «حي على خير العمل» لم تركت من الأذان؟

فقال : تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟

قلت : أريدهما جميعاً.

فقال : أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالاً على الصلاة ، وأما الباطنة فان «خير العمل» الولاية ، فأراد من أمر بترك «حي على خير العمل» عن الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاء اليها (١).

هذا ؛ مع اتفاق الجميع أنها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وأنّ بلالاً نادى بها (٣).

قال السيد المرتضى : وقد روت العامة أنّ ذلك مما كان يقال في أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما أدعي أن ذلك نسخ ورفع ، وعلى من ادعى النسخ الدلالة له ، وما يجدها (٤).

وبالرغم من محاولات عمر واتباعه فقد بقي جماعة من الصحابة والتابعين على النداء بها في الأذان والاقامة كعبد الله بن عمر ، وقد رواه عنه مالك بن أنس وليث بن سعد ومحمد بن سيرين وعبد الرزاق وابن أبي شيبة بأسانيدهم عن ابن عمر (٥).

وروى الطبري وغيره بأسانيدهم ذلك عن «سهل بن حنيف» أيضاً.

__________________

(١) البحار ٨١ / ١٤٠ باب ٣٥ ح ٣٤ ، عن علل الشرائع ٢ / ٥٦ ، والأحاديث في تفسير «خير العمل» بالولاية وبـ «فاطمة عليها‌السلام» وذريتها وولايتها كثيرة.

(٢) أنظر : سعد السعود : ١٠٠ ، البحار ٨١ / ١٠٧ ح ٥.

(٣) أنظر : سنن البيهقي ٢ / ١٩٨.

(٤) الانتصار : ٣٩.

(٥) أنظر : السنن الكبرى (للبيهقي) ٢ / ١٩٧ ، شرح التجريد (للقوشجي) : ٤٨٤.

٦١

وروى التنوخي عن أبي الفرج أنّ الأذان في عصرهم كان ينادى به بـ «حي على خير العمل» (١).

وروى في البداية والنهاية : أنّ صلاح الدين لما استقرت له دمشق بحذافيرها نهض إلى حلب مسرعاً ، فنزل على جبل «جوشن» ، ثم نودي في أهل حلب بالحضور في ميدان باب العراق ، فاجتمعوا ، فأشرف عليهم ابن الملك نور الدين ، فتودد اليهم وتباكى لديهم وحرضهم على قتال صلاح الدين ، وذلك عن إشارة الأمراء المقدمين ، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته على كلّ أحد ، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الأذان بـ «حي على خير العمل» وأن يذكر في الأسواق ....

فاجيبوا إلى ذلك كلّه فأذّن بالجامع وسائر البلد بـ «حي على خير العمل» (٢).

وروى الحلبي : أنّ الأذان كان بـ «حي على خير العمل» في زمن آل بويه في أذان الشيعة ، فلمّا حكم السلجوقيون ألزموا الشيعة بترك الأذان بـ «حي على خير العمل» وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح «الصلاة خير من النوم» مرتين ... (٣).

التثويب في الأذان :

اقتدى العامة بعمر فتركوا «حي على خير العمل» ونادوا مكانها بـ «الصلاة خير من النوم».

والتثويب أن يقول في أذان الفجر : «الصلاة خير من النوم» (٤).

__________________

(١) نشوار المحاضرة ٢ / ١٣٣.

(٢) البداية والنهاية ، المجلد ٦ الجزء ١٢ / ٣٠٩ في أحداث سنة (٥٧٠).

(٣) أنظر : البداية والنهاية ٦ / ٧٣ أحداث سنة (٤٤٨).

(٤) سنن الترمذي ١ / ١٢٧ باب ١٤٥ ذيل ح ١٩٨.

٦٢

وقد ورد هذا المعنى في كتب الفقه الشيعي أيضاً ، فقد عقد صاحب الوسائل باباً تحت عنوان «باب عدم جواز التثويب في الأذان والاقامة وهو قول : «الصلاة خير من النوم».

وروى فيه عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان والاقامة؟

فقال : ما نعرفه (١).

ونقل صاحب «الجواهر» القول بتحريمه عن النهاية والوسيلة والسرائر والبيان والموجز وجامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان ... وغيرها.

وحكى الاجماع على ذلك عن السرائر.

والتثويب من «ثاب يثوب» إذا رجع ، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة ، فانّ المؤذن إذا قال «حي على الصلاة» فقد دعاهم اليها ، فاذا قال بعدها : «الصلاة خير من النوم» فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة اليها (٢) ومن ثم سميت الاقامة تثويباً ؛ لأنها رجوع إلى فصول الأذان (٣).

وللتثويب معان أخرى ذكرها الترمذي في سننه ، ولكن التثويب في الأذان هو ما ذكرناه (٤) ، واختاره الأكثر منهم الترمذي (٥).

وقد وقع الخلاف في التثويب وحكمه وقال في المنتهى : التثويب في أذان الغداة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ / ٤٢٥ باب ٢٢ ح ٦٩٩٤ ، الفقيه ١ / ١٨٨ ح ٨٩٥ ، الكافي ١ / ٣٠٣ ح ٦ ، مستطرفات السرائر : ٩٣ ح ٢.

(٢) فتح الباري ٢ / ٨٥ ، الحدائق الناضرة ٧ / ٤١٩.

(٣) صحيح مسلم ١ / ٢٩١ (لم أجده).

(٤) شرح البخاري (للكرماني) : ٧١٥.

(٥) سنن الترمذي ١ / ١٢٧ باب ١٤٥.

٦٣

وغيرها غير مشروع ، وهو قول «الصلاة خير من النوم» ، ذهب اليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي .. (١).

ومن العجب أنّ الخليفة نفسه سماه بدعة.

فقد روى صاحب كنز العمال عن ابن جريج قال : أخبرني عمر بن حفص أنّ سعداً [القرظ] أول من قال : «الصلاة خير من النوم» في خلافة عمر فقال عمر : بدعة (٢).

وكان ابنه لا يصلي في مسجد يثوّب فيه.

فقد روى عن مجاهد أنّه قال : دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً ، وقد أذّن فيه ، ونحن نريد أن نصلي فيه ، فثوّب المؤذن ، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال : اخرج بنا من عند هذا المبتدع ، ولم يصل فيه (٣).

ولو لاحظنا عشرات الأخبار الواردة في تشريع الأذان نجدها خالية من التثويب من ما رواه سعد القرظ عن أذان بلال (٤).

وروى مالك بن أنس ـ إمام الملكية ـ في الموطأ خبراً في بدو ظهور هذه البدعة فقال : إنّه بلغه أنّ المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : الصلاة خير النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح (٥).

وقد حاول بعض المرتمزقة أن يبرروا بدعة عمر ، فوضعوا حديثاً عن بلال أنّه كان ينادي بالصبح فيقول «حي على خير العمل» ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل مكانها

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٧ / ٤١٨.

(٢) كنز العمال ٨ / ٣٥٧ ح ٢٣٢٥٢.

(٣) سنن الترمذي ١ / ١٢٨ باب ١٤٥.

(٤) أنظر : سنن الدار قطني ١ / ٢٣٦ باب ذكر سعد القرظ.

(٥) الموطأ (لمالك) : ٦٩ ح ٨.

٦٤

«الصلاة خير من النوم» وترك «حي على خير العمل» (١).

والحال ؛ أنّ عشرات الأخبار الواردة عن طرق العامة تؤكد أنّ «الصلاة خير من النوم» لم تكن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال البيهقي : «قال الشيخ : وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما علّم بلالاً وأبا محذورة ، ونحن نكره الزيادة وبالله التوفيق» (٢).

ولو تتبعنا كتب الحديث والفقه والتاريخ عند أهل السنة لوجدنا تناقضاً مذهلاً واختلافاً مدهشاً في تحديد العبارة بعد قول «حي على الفلاح» في الأذان ، بعد الاقرار من الجميع أنها كانت على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «حي على خير العمل» وكذا في عهد أبي بكر وصدراً من أيام عمر ، وإنّما حذفها الأخير خوفاً من توجه العامة إلى الصلاة وتركهم العبادة ، واستبدلها بـ «الصلاة خير من النوم» لئلا يكون مكانها فارغاً مثيراً ، وحينئذٍ انبرى الانتهازيون والنفعيون من المرتزقة فوضعوا الأحاديث المتناقضة لعلهم ينسبوا بدعة عمر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتخرج عن دائرة الابتداع إلى دائرة المشروعية ، كما هو صنيعهم مع بدعه الأخرى.

«حي على خير العمل» تهزم الطواغيت :

ومن القصص النادرة المرتبطة بـ «حي على خير العمل» بنحو ما : ما رواه أبو الفرج في «مقاتل الطالبين» من أنّ «حي على خير العمل» كانت شعار الثورة المتفق عليه بين أنصار الحسين بن علي صاحب فخ.

فلما أراد الخروج اتجه إلى مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما أذن المؤذن لصلاة الصبح

__________________

(١) سنن البيهقى ٢ / ١٩٨.

(٢) سنن البيهقي ٢ / ١٩٨ ، وأنظر سنن الترمذي ١ / ١٢٧ ، كنز العمال ٨ / ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ، موطأ مالك : ٦٩ ، سنن الدار قطني ١ / ٢٣٦.

٦٥

دخلوا المسجد ثم نادو «أحد .. أحد» وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذن بـ «حي على خير العمل» فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه «العمري» ـ والي المدينة ـ فأحس بالشر ودهش وصاح : اغلقوا البغلة ـ أي الباب ـ وأطعموني حبتي ماء.

قال علي بن ابراهيم في حديثه : فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء (١).

الشهادة الثالثة :

الشهادة الثالثة في الأذان هي أن يقال «أشهد أنّ علياً ولي الله» أي الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الشهادة بالتوحيد والشهادة بالنبوة للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن الشائع اليوم أن ترفع هذه الشهادة في الأذان والاقامة في جميع المناطق التي يقطنها الشيعة.

ويمكن استشفاف التاريخ لمعرفة أنّ هذه الشهادة رفعت في الأذان منذ عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أقرها النبي وأمضاها.

روى الشيخ المراغي المصري في كتاب «السلافة في أمر الخلافة» :

إنّ سلمان الفارسي ذكر في الأذان والاقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل رجل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله سمعت أمراً لم أسمع قبل ذلك؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هو؟

فقال : سلمان قد يشهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : سمعتم خيراً.

__________________

(١) مقاتل الطالبين : ٣٧٥.

٦٦

وروى هو أيضاً في نفس الكتاب المذكور : إنّ رجلاً دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا رسول الله ؛ إنّ أبا ذر يذكر في الأذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول : «أشهد أنّ علياً ولي الله».

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كذلك ، أو نسيتم قولي في غدير خم «من كنت مولاه فعلي مولاه» فمن ينكث فانما ينكث على نفسه (١).

ومن هنا نعلم أنّ الشهادة الثالثة لها جذور عريقة وممتدة إلى عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويستفاد من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إمضاؤها ، فهي اذن من سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ السنة هي قول المعصوم أو فعله أو إمضاؤه.

أضف إلى ذلك أنّ سلمان وأبا ذر ليسا ممن يقدما على عمل دون استئذان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ سيما إذا كان العمل عبادياً ـ وهما بالمنزلة التي لا تخفى على أحد حيث قال النبي في سلمان «سلمان منا أهل البيت» (٢).

وقال في أبي ذر : «ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر» (٣).

أما في العهد الأموي والعباسي فان الشيعة كانوا في شدّة وتحت ضغوط لا ترحم ، فلم يتسنى لهم أن يعلنوا شعارهم ـ الشهادة الثالثة ـ بأي حال من الأحوال ، ولو كان فيهم من يتفوه بها فانما يقدم على ذلك ضمن ظروف التقية المشدّدة ، في ثنايا الخفاء الذي لا يتعدى جدران التستر والحيطة ، بل كان الأمر في ذينك العهدين على العكس تماماً حيث كان سبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فرماناً ظالماً أصدره معاوية وعممه في جميع الاصقاع ؛ ليكون سنة أموية في الأذان والقنوت

__________________

(١) جواهر الولاية : ٣٧٩ ، الشهادة الثالثة : ٣٢٣.

(٢) فيض الغدير ٤ / ١٠٦.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٣٣٤ ح ٣٨٩٠.

٦٧

وخطبة الجمعة ، وكان المرتزقة يتزلفون بذلك للنظام الحاكم إلى عهد عمر بن عبد العزيز حيث رفع السبّ رسمياً ، ولقي في ذلك تصلّباً وعنتاً من أشياع الأمويين ، فاضطر إلى استخدام القوة أحياناً كما حدث في إصفهان يومذاك.

فلما رأى الشيعة عناد خصومهم وتعنتهم رفعوا الشهادة الثالثة كشعار لهم في الأذان والاقامة ، فصدحت بها مآذنهم ومنائرهم في كلّ يوم خمس مرات ، فامتزجت هذه السنة الحسنة الموروثة من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أمثال سلمان وأبي ذر بالثقافة الشيعية ، وصارت جزءً من شعائرهم التي توارثتها الأيدي كابراً عن كابراً ضمن السيرة العلمائية المقدسة الممتدة.

وبالرغم من معارضة جملة من المتحذلقين فانّ الشيعة استمروا على ذلك ولم يروا فيها أي إشكال شرعي ، ولم يجدوا أي ردع من الشارع يمنعنهم عنها ، بل الأمر بالعكس تماماً ؛ لأنّ الشهادة الثالثة «أشهد أنّ علياً ولي الله» إنمّا هي مفاد ما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع في حديث «غدير خم» المتواتر عند الفريقين «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

إضافة إلى الحثّ والتأكيد الصريح الوارد عن الأئمة المعصومين حيث أمروا بالحاق الشهادة بالتوحيد والشهادة بالنبوة بالشهادة بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام :

١ ـ فقد روى الطبرسي في الاحتجاج في حديث قاسم بن معاوية عن الصادق عليه‌السلام ـ في حديث ـ : فاذا قال أحدكم : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، فليقل : «علي أمير المؤمنين».

قال المجلسي : فيدلّ على استحباب ذلك عموماً والأذان من تلك المواضع (١).

٢ ـ وعن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث : .. من أراد أن يتمسك بالعروة

__________________

(١) البحار ٨١ / ١١٢ ، الاحتجاج (للطبرسي) ١ / ١٥٨.

٦٨

الوثقى فليقل : «لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (١).

أضف إلى هاتين الروايتين الروايات الكثيرة التي تؤكد على عدم إمكان التفكيك بين الشهادة بالولاية والشهادة بالرسالة وأنّهما متلازمان تمام التلازم ، نذكر طائفة منها على سبيل المثال :

٣ ـ روى الكليني في الكافي مسنداً عن سنان بن طريف عن أبي عبد الله يقول :

قال : إنا أول أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : «أشهد أن لا إله إلّا الله» ـ ثلاثاً ـ «أشهد أنّ محمداً رسول الله» ـ ثلاثاً ـ «أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً» ـ ثلاثاً ـ (٢).

٤ ـ عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم وقال : الحمد لله ، فأوحى الله ـ تعالى ـ اليه ؛ حمدتني عبدي ـ وعزتي وجلالي ـ لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.

قال : إلهي فيكونان مني؟

قال : نعم يا آدم ؛ ارفع رأسك وانظر. فرفع رأسه فاذا مكتوب على العرش : «لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله نبي الرحمة ، وعلي ولي الله مقيم الحجة ، من عرف حقّ علي عليه‌السلام زكى وطاب وطهر ، ومن أنكر حقّه كفر وخاب ، أقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني وأقسم بعزتي أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني» (٣).

٥ ـ سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن لواء الحمد فقال :

... مكتوب فيه ثلاثة أسطر الأول : بسم الله الرحمن الرحيم.

__________________

(١) إحقاق الحق ٤ / ١٢٩.

(٢) الكافي ١ / ٤٤١ باب مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ح ٨.

(٣) مائة منقبة : ٨٣ المنقبة الخمسون ، كشف اليقين : ٧ الفصل الاول ، الفضائل : ١٥٢ ، إرشاد القلوب ٢ / ٢١٠ ، بحار الانوار ٢٧ / ١٠ باب ١٠ ح ٢٢.

٦٩

الثاني : الحمد لله ربّ العالمين.

الثالث : لا الله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله ... (١).

٦ ـ عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل : ... لما أسري بي إلى السماء قال لي جبرئيل : قد أمرت الجنة والنار أن تعرض عليك ، فرأيت الجنة وما فيها من النعيم ، ورأيت النار وما فيها من العذاب ....

فقال لي جبرئيل : اقرأ يا محمد ما على الأبواب ، فقرأت ذلك ... فعلى أول باب منها مكتوب «لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله» ... (٢).

٧ ـ عن زيد الشهيد عن الامام علي بن الحسين : أنّ نقش خاتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (٣).

وروى الحافظ أبو محمد ابن أبي الفوارس في «كتاب الأربعين» مثله عن طرق العامة (٤).

وقد وردت في الشهادة الثالثة في خصوص الأذان والاقامة أحاديث ذكرنا حديثين منها في صدر البحث ونذكر الآن حديثين آخرين ، ومما يؤسف له أنّ نص هذين الحديثين لم تصل الينا بأسانيدها وإنّما وصلت إلى العلماء المتقدّمين كالصدوق والطوسي ، قال الطوسي في المبسوط :

«فأمّا قول «أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان. ولو فعله الانسان لم يأثم به» (٥).

__________________

(١) إحقاق الحق ٧ / ١٣٣ ، جامع الأخبار : ١٢٦ الفصل ٨٤.

(٢) الفضائل : ١٥٢ ، بحار الانوار ٨ / ١٤٤ باب ٢٣ ح ٦٧.

(٣) أنظر : الأمالي (للطوسي) : ٧٥ المجلس ٤١ ، البحار ١٦ / ٩١ باب ٦ ح ٢٦ ، إثبات الهداة ١ / ٢٩٩.

(٤) إحقاق الحق ٤ / ١٤٣.

(٥) البحار ٨١ / ١١١ باب ٣٥.

٧٠

والحديث الشاذ يطلق على الحديث الصحيح الذي يرويه الثقاة بطريق واحد ، ولكنه يبتلى بروايات معارضة أخرى (١) ، أو أنّه ـ كما قال المجلسي : الخبر الصحيح المخالف للمشهور (٢).

وليت الصدوق والطوسي رضوان الله عليهما رويا الحديث بسنده تاماً كاملاً لنأخذه ونحدد تكليفنا على أساسه مع ملاحظة الأخبار المعارضة ، فقد يفتح الله علينا اليوم ما كان مبهماً بالأمس.

الفقهاء :

ذهب مشهور الفقهاء المعاصرين إلى أنّ الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان والاقامة ، ولا إشكال بالاتيان بها بقصد التبرك والتيمن ، وجزم أخرون بأنها جزءاً منها ، نذكر بعضهم على سبيل المثال :

١ ـ الشيخ عبد النبي العراقي رحمه‌الله : حيث كتب تلميذه الفاضل الشيخ محمد حسين آل طاهر رسالة قرر فيها بحثه الخارج في الفقه في مسألة الشهادة الثالثة في الأذان والاقامة ، وقد سماها «رسالة الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والاقامة جزءاً كسائر الأجزاء» وقد استدل فيها على ما ذهب اليه بعشرة أدلة وقال :

«فالدليل على مشروعية الشهادة بالولاية على نحو الجزئية وزان سائر الأجزاء ...».

وقال بعد إتمام استدلاله على هذه المسألة :

«قد انقدح عما ذكرنا من الأدلة استحباب الشهادة بالولاية لعلي باحدى الصيغتين (٣) في الأذان والاقامة ، فان مقتضى القاعدة الأولية وجوب الشهادة فيهما

__________________

(١) مقياس الهداية : ٤٥.

(٢) شرح الفقيه ١ / ١٨٢.

(٣) الصيغتان هما : «أشهد أنّ علياً ولي الله» و «أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين».

٧١

كما فصلنا ، لكن دعوى الشهرة على الخلاف يمنعنا عن القول بالوجوب ، فلابد أن نقول بها وأنّها مشروعة فيهما بنحو الجزئية الندبية ...» (١).

٢ ـ الميرزا إبراهيم الاصطهباناتي النجفي رحمه‌الله : نقل عنه السيد المقرم في رسالته : انّه يعتقد الجزئية واقعاً ، ولكن الظروف لم تساعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على إعلام الأمة بها (٢).

وثمة طائفة أخرى من الفقهاء لم يجزموا كالطائفة الأولى وإن كانوا قد استقربوا أن تكون جزءاً منهما مثل :

١ ـ العلامة المجلسي (ت ١١١٠) قال رحمه‌الله :

لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للاذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها (٣).

٢ ـ المرحوم صاحب «الحدائق» الشيخ يوسف البحراني : حيث نقل عبارة المجلسي وقال : ـ «ونعم ما قال» (٤).

٣ ـ الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر رحمه‌الله : قال في جواهره :

«بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصية ، والأمر سهل» (٥).

وعلّق عليه السيد المقرم فقال : «فصاحب الجواهر قدّس سرّه يقوى في نفسه دعوى جزئية الشهادة بالولاية في الأذان غير أنّ إعراض العلماء عن الجزئية أوقفه عن الفتوى بها ، وهذا المعنى فوق القول باستحباب الاتيان بالشهادة» (٦).

__________________

(١) الشهادة الثالثة : ١٠٥ ، عن الهداية : ٤٩.

(٢) الشهادة الثالثة : ١٠٤ ، عن سر الايمان : ٢٦.

(٣) البحار ٨١ / ١١١.

(٤) أنظر : الحدائق ٧ / ٤٠٣.

(٥) الجواهر ٩ / ٨٧.

(٦) عن رسالة سر الايمان : ٤٤.

٧٢

٤ ـ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه‌الله : قال في حاشيته على العروة الوثقى :

«يمكن استفادة كون الشهادة بالولاية والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أجزاء مستحبة في الأذان والاقامة من العمومات» (١).

٥ ـ الشيخ أحمد النراقي رحمه‌الله : قال في مستند الشيعة :

«.. وعلى هذا فلا يبعد القول باستحبابها فيه ـ أي الأذان ـ» (٢).

٦ ـ السيد محسن الحكيم رحمه‌الله : حيث لم يستبعد وجوبها مع عدم الاعتقاد بعدم جزئيتها قال رحمه‌الله في مستمسك العروة الوثقى :

«كما أنّه لا بأس بالاتيان به بقصد الاستحباب المطلق لما في خبر الاحتجاج ... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الايمان ورمز إلى التشيع فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً ، بل قد يكون واجباً ، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان» (٣).

وذهبت طائفة من الفقهاء إلى استحبابها لا على نحو الجزئية منهم :

١ ـ العلامة محمد باقر المجلسي (ت ١١١٠) (٤).

٢ ـ السيد نعمة الله الجزائري (ت ١١١٢) (٥).

٣ ـ السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض (ت ١٢٣٠) (٦).

٤ ـ الآخوند الملا أحمد فاضل النراقي (ت ١٢٤٤) (٧).

٥ ـ حجة الاسلام الشفتي (ت ١٢٦٠).

__________________

(١) عن سر الايمان : ٥٤.

(٢) مستند الشيعة كتاب الصلاة.

(٣) عن المستمسك ٥ / ٥٤٥.

(٤) البحار ٨١ / ١١٨.

(٥) الأنوار النعمانية ١ / ١٦٩.

(٦) رياض المسالك كتاب الصلاة.

(٧) مستند الشيعة كتاب الصلاة.

٧٣

٦ ـ الشيخ مرتضى الأنصاري (ت ١٢٨١).

٧ ـ الميرزا محمد حسن الشيرازي (ت ١٣١٢).

٨ ـ السيد إسماعيل الصدر (ت ١٣٣٨).

٩ ـ السيد محمد كاظم اليزدي صاحب العروة (ت ١٣٣٧).

١٠ ـ الميرزا محمد تقي الشيرازي (ت ١٣٣٩).

١١ ـ الملا علي الزنجاني (ت ١٢٩٠) في شرحه على القواعد.

١٢ ـ الشيخ عبد الله المازندراني (ت ١٣٠٩).

١٣ ـ الشيخ أحمد كاشف الغطاء (ت ١٣٤٤).

١٤ ـ السيد حسن الصدر (ت ١٣٥٤) في المسائل المهمة.

١٥ ـ السيد عبد الحسين شرف الدين (ت ١٣٧٧) في النص والاجتهاد.

١٦ ـ الشيخ محمد حسن المظفر (ت ١٣٠١) في وجيزة المسائل.

١٧ ـ آية الله البروجردي (ت ١٣٨١) في المسائل الفقهية.

١٨ ـ آية الله الخوئي في توضيح المسائل.

وذهبت طائفة منهم إلى أنّه لا بأس بها بقصد القربة المطلقة وإن لم يصرحوا بالاستحباب ومنهم :

١ ـ الميرزا حسين النائيني في منهاج الصالحين.

٢ ـ السيد أبو الحسن الاصفهاني في الحاشية على ذخيرة العباد.

٣ ـ السيد محمد تقي الخونساري في الحاشية على ذخيرة العباد.

٤ ـ آية الله القمي في الحاشية على ذخيرة العباد.

٥ ـ آية الله الگلپايگاني في توضيح المسائل.

وعبّر بعضهم باتيانها بقصد امتثال العمومات منهم :

المحقق الهمداني ، والمرحوم آية الله الشاهرودي.

٧٤

ومنهم من عبر بالاتيان بها باعتبار رجحانها في نفسها مثل :

الآخوند الخراساني ، والشيخ عبد الكريم الحائري.

ومنهم من ذهب إلى أنّها مكملة للشهادتين كالسيد بحر العلوم في المنظومة ، وآية الله الميلاني في الحاشية على العروة.

وقال السيد أبو الحسن القزويني : الشهادة الثالثة ليست جزءاً من الأذان ، وتذكر فيه بقصد إظهار الولاية والايمان.

وقال العلامة الشيخ محمد صالح الحائري المازندراني : تذكر بقصد الاجابة للأمر بالولاية وقبول الشهادتين وصحة الأعمال (١).

وقال الميرزا باقر الزنجاني : على الشباب اتباع سلفهم الصالح والالتزام بهذا الشعار وعدم تركه ؛ لأنّ الفقهاء أفتوا باستحبابه ، وليس لأحد أن يشكل على ذلك (٢).

وذكر آية الله المرعشي النجفي (ت ١٤١١) في حاشيته على العروة أنّها من أوضح شعائر الشيعة.

يبقى شيء وهو :

ما هي العبارة التي تنبغي أن تقال في الشهادة الثالثة؟

فقد ورد في الحديث تعبيران :

أحدهما : أشهد أنّ علياً ولي الله.

والآخر : أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين.

__________________

(بجـ) هداية الأنام : ٩١.

(١) ذخيرة العباد : ٧٧.

(٢) شرح رسالة الحقوق ٢ / ١٢٦.

٧٥

وكلّ واحد منهما مجزىء للعمل بالعمومات ، ويمثل الشعار الايماني المعبر عن الاعتقاد الولائي ، غير أنّ بعض الفقهاء ذهبوا إلى التعبير بـ «أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين ولي الله» جمعاً بين الأحاديث ، وجزماً بحصول الامتثال بكلا الأمرين ، منهم : المرحوم حجة الاسلام الشفتي في تحفة الأبرار ، والمرحوم الملا محمد بار فروشي في شعائر الاسلام.

* * *

٧٦

انكشاف قبر

الامام امير المؤمنين

توفي الامام أمير المؤمنين في السنة الأربعين للهجرة النبوية ، فانطلق روحه الفاتح إلى عالم الملكوت ، وتحرر من هذه الدنيا التي كانت تضيق به ، فنقل الامامان السبطان الجسد الطاهر الزكي إلى ربوة بظهر الكوفة يقال لها «النجف» ودفنوه هناك سراً.

لقد شيدت أركان الاسلام بساعد أمير المؤمنين حيث قصم بسيفه ظهر الكفر ، وجدع أنف الشرك وعبد ة الأصنام ، وضحى بكلّ ما أتاه الله لتنتشر تعاليم الاسلام في الجزيرة العربية ، بل في العالم أجمع ، بيد أنّ حثالة المجتمع ممن اشتدّ عوده وقوي وجوده زمن الجاهلية الجهلاء بقيت تكن الحقد ، وتملأ صدورها بالضغينة ، وكيف لا؟! وقد قتل بالأمس صناديدهم وطردهم اليوم عن مراكز القوة والثراء ، وكان يخشى من هؤلاء أن تمتد أحقادهم على الامام الطاهر الطهر إلى ما بعد الوفاة فيتجاسرون على مرقده الزكي المقدس ؛ ولهذا كان الدفن سرياً للغاية.

وبقي المرقد المقدس في الخفاء زهاء (١٥٠ عاماً) لا يعرفه إلّا الأئمة الأبرار وخواص شيعتهم ، فيتحينون الفرص للتزود من تلك التربة المعطاء ، فيزورونها تحت جنح التقية بعيداً عن عيون الظالمين ، بل والناس أجمعين.

٧٧

وهكذا تصرمت السنين ومرت الأيام حتى انقضى عصر الأمويين والمروانيين الذين امتطوا صهوة الملك حيناً من الدهر وغرتهم الأماني ، فجالوا في زخارف الزمن الغدّار ، فلما طفح بهم الكيل وانقضت مدتهم اكتسح ميادينهم بنو العباس ، فخلو الصهوة والأمنيات ، وسلّموها لخلفهم بالحسرات ، فكان الخلف شراً من السلف ، ففعلوا الأفاعيل ، وارتكبوا الجرائم والجنايات ، وعجّ بهم الكون لما أنزلوه من الظلم الفادح ببني عمهم «بني هاشم» فقد لا يبالغ إن قيل أنّهم بيضوا وجوه بني أمية مع ملاحظة الظروف المحيطة بالقبيلين.

فقد طارد العباسيون ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاحقوهم تحت كلّ حجر ومدر ، ولم يسلم من جورهم «سيد» من السادات وشريف من الشرفاء ، فوضعوهم في الاصطوانات ، وبنو عليهم قصورهم ، وكان من أشدهم «هارون الرشيد» الذي تسلّط بالجور والطغيان حتى امتدت يده الأثيمة إلى الامام البار الأمين موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فعذبه في سجونه ، ثم سقاه السم في نهاية المطاف ، فاستشهد الامام المعذّب في قعر السجون ، وانتقل إلى جوار أجداده الطاهرين.

ومع كلّ جوره وحنقه على أهل البيت عليهم‌السلام وعداوته لهم إلّا أنّه صار سبباً لانكشاف قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد يكون العدو سبب خير أحياناً :

روى المجلسي عن الخرائج قال : ومن معجزاته صلوات الله عليه أنّه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول : يا علي .. لا عليك .. لا عليك .. قد قضيت ما عليك ، فما مكث إلّا ثلاثاً حتى ضرب وقال الحسن والحسين عليهما‌السلام : إذا متّ فاحملاني إلى «الغري» من نجف الكوفة ، واحملا آخر سريري فالملائكة يحملون أوله ، وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره ، لما يعلمه من دولة بني أمية بعده.

٧٨

وقال : ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً ، فاحتفرا ، فوجدا ساجة مكتوباً عليها : مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فدفناه فيه وعفيا أثره.

ولم يزل قبره مخفياً حتى خرج هارون الرشيد يوماً يصيد ، وأرسل الصقور والكلاب على الظباء بجانب الغريين ، فجادلتها ساعة ، ثم لجأت الظباء إلى الأكمة ، فرجع الكلاب والصقور عنها ، فسقطت في ناحية ثم هبطت الظباء من الأكمة ، فهبطت الصقور والكلاب ترجع اليها ، فتراجعت الظباء إلى الأكمة ، فانصرفت عنها الصقور والكلاب ، ففعلن ذلك ثلاثاً.

فتعجب هارون وسأل شيخاً من بني أسد : ما هذه الأكمة؟

فقال : لي الأمان؟

قال : نعم.

قال : فيها قبر الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فتوضأ هارون وصلّى ودعا (١).

* * *

__________________

(١) البحار ٤٢ / ٢٢٤ باب ١٢٧ ح ٣٣.

٧٩

الفصل الثامن

على ضفاف الوفاء

٨٠