امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: السيد علي الحسيني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٣

ولا تجامع أهلك على سقوف البنيان ، فانه إن قضي بينكما ولد يكون منافقاً مرائياً مبتدعاً (١).

ولكي نختم كلامنا هنا بالمسك نذكر درراً من كلمات المولى زين العابدين وسيد الساجدين الامام علي بن الحسين عليه‌السلام في حقوق الزوجة.

حق الزوجة :

قال عليه‌السلام : وأما حق الزوجة : فان تعلم أنّ الله ـ عزّ وجل ـ جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله ـ عزّ وجل ـ عليك فتكرمها وترفق بها ـ وإن كان حقك عليها أوجب ، فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك ، وتطعمها وتكسوها ، واذا جهلت عفوت عنها (٢).

* * *

__________________

(١) أنظر للمزيد : الفقيه ٣ / ٥٥٣ باب النوادر ، وسائل الشيعة ٢٠ / ٢٥٢ ، بحار الأنوار ١٠٠ / ٢٨٢ باب ٨ آداب الجماع وفضله ، الاختصاص : ١٣٤ أحاديث وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ، أمالي الصدوق : ٥٦٩ المجلس ٨٤ ، مكارم الأخلاق : ٢١١ الفصل الرابع في آداب الزفاف.

(٢) الفقيه ٢ / ٦٢١ باب الحقوق ح ٣٢١٤ ، وسائل الشيعة ١٥ / ١٧٢ باب ٣ ح ٢٠٢٢٦ ، أمالي الصدوق : ٣١٨ المجلس ٥٩ ح ١ ، الخصال ٢ / ٥٦٧ الحقوق الخمسون ح ١ ، مكارم الأخلاق : ٤١٩ الفصل الأول في ذكر الحقوق (لزين العابدين عليه‌السلام.

٤١

الفصل السادس

قانون الوراثة

٤٢

قانون الوراثة

لقد نص قانون الوراثة في الاسلام على أنّ ما يقدمه الرجل من خير وفضيلة طلباً لرضا الله ـ تعالى ـ يعود عليه وعلى ولده وذريته.

روى في البحار عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ، ثم ذكر الغلامين فقال : (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) ألم تر أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما (١).

وفي الارشاد للديلمي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله يحفظ الرجل في ولده وولد ولده ودويرات حوله.

قال : وجاء في تأويل قوله تعالى (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) إنّه كان بينهما وبين أبيهما الصالح سبعة أجداد وقيل : سبعين جداً (٢).

وقد قدّم أبو طالب عليه‌السلام كلّ خدمة ، وضحى بكلّ شيء من أجل رعاية يتيم أخيه عبد الله وحفظه والقيام بشؤونه ، وكان بذلك أكفأ من نفذ وصية عبد المطلب في

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ / ٣١٢ باب ١٠ ح ٤٩ عن تفسير العياشي ٢ / ٣٣٧.

(٢) الارشاد (للديلمي) ١ / ١٤٣.

٤٣

حفيده ، فعوّضه الله عن تلك التضحية ولداً فذاً فريداً عقمت عن مثله النساء كأمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فانك لا ولم ولن تجد له نداً قط. فقد آمن بالنبي ورسالته وهو في العاشرة من عمره ، فنال وسام «أول من آمن» ، وشارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كل مواقفه وأيامه ومصائبه ومحنه ، وكان عضده وحامل رايته وسيفه الذي أقام به أسس رسالته ، وشيّد بيده أركان دينه ، ولم يتخلف عنه في موقف مهما كان صغيراً أو كبيراً.

فدخل معه الشعب وتحمل ما تحمل معه هناك من مضايقات ومصاعب ، وختم جهاده في مكة بعد ثلاثة عشر عاماً بالفداء ليلة المبيت حيث فدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه وشراها الباري منه بأغلى ثمن ، وأنزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة.

ثم هاجر معه إلى المدينة فكان هناك السبّاق إلى المكرمات والمضحي الأول الذي ذبّ الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان المقدام الذي اقتحم غمار الموت في كلّ حروب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغزواته من أجل ترسيخ دعائم الدين الحنيف.

وبعد ذلك كلّه دعا الله مخلصاً أن يؤتيه ولداً شجاعاً وفياً ينصر ابن بنت نبيه كما نصر هو بنفسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتاه الله «العباس بن علي عليه‌السلام». فكان ناصراً ومعيناً لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام.

* * *

٤٤

الفصل السابع

فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام

٤٥

فضائل

أمير المؤمنين عليه‌السلام

لما كان الكتاب الحاضر في حياة أم البنين عليها‌السلام ومكارمها كان المناسب أن نتعرض لشطر من فضائل زوجها مولى المتقين وأمير المؤمنين عليه‌السلام تيمناً وتبركاً ، نسمعها من أفواه أعدائه وأحبائه ، ثم نعود مرة أخرى للحديث عن أم البنين عليها‌السلام وأبنائها.

* * *

٤٦

الأول

علي عليه‌السلام

في القرآن والسنة

ذكر العلامة الحلي في كتاب «نهج الحق» ثمانية وثمانين دليلاً من القرآن الكريم لاثبات إمامة الامام علي عليه‌السلام حيث شهد أهل السنة أنفسهم أنها نزلت في علي عليه‌السلام.

وأضاف اليها في «ملحقات إحقاق الحق» أربعة وتسعين موضعاً استند فيها إلى كتب العامة.

وقد ورد في كتبهم أنّه ما نزلت آية فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا وكان علي عليه‌السلام سيدهم وأميرهم.

والأحاديث النبوية في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام قد تجاوزت حدّ الاحصاء والحصر ، وقد ذكر في «ملحقات إحقاق الحق» فقط ثمانية مجلدات ضخمة في فضائله المروية عن طريق السنة (١).

وسنروي لك باقة منها كنموذج ليس إلّا.

__________________

(١) اسلام شناسي (للشيخ أبي طالب تجليلي التبريزي) : ١٩٢.

٤٧

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله ـ تعالى ـ أوحى إليّ في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي : أنّه سيد المسلمين ، وامام المتقين ، وقائد الغر المحجلين (١).

٢ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

٣ ـ عن بريدة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لكلّ نبي وصي ووارث وإنّ علياً وصيي ووارثي (٣).

٤ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل وقد نشر جناحيه فاذا فيها مكتوب على أحدهما «لا اله الا الله محمد النبي» ومكتوب على الآخر «لا إله إلّا الله علي الوصي» (٤).

٥ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٥).

٦ ـ وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي بن أبي طالب يزهر في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا (٦).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٢٠٦ ، ذخائر العقبى : ٧٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢١ ، المعجم الصغير ٢ / ١٩٢ ح ١٠١٢.

(٢) البحار ٣٨ / ١٢ باب ٥٦ ، مودة القربى : ٢٢ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٩٩ الباب ٥٦ ح ٨٥٥.

(٣) ذخائر العقبى : ٧١ وقال : أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة ، المناقب للخوارزمي : ٨٤ ح ٧٤ ، المناقب لابن المغازلي : ٢٠٠ ح ٢٣٨ ، ينابيع المودة ١ / ٢٣٥ باب ١٥ ح ٥.

(٤) كشف الغمة ١ / ٢٩٧ في ذكر أنّه أقرب الناس إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كشف اليقين : ١٠ الفصل الاول ، الصراط المستقيم ١ / ٢٤٣ الفصل ٢٤ ، البحار ٢٧ / ٩ باب ١٠.

(٥) البحار ٣٩ / ٣٩ باب ٧٣ ، عن كتاب المصنف في فضائل الصحابة للبيهقي ، إرشاد القلوب ٢ / ٢١٧ ، الصراط المستقيم ١ / ٢١٢ الفصل ١٨ ، كشف الغمة ١ / ١١٤ ، كشف اليقين : ٥٣ المبحث الثاني ، نهج الحق : ٢٣٦ الثاني العلم ، ينابيع المودة ٢ / ٨٣ باب ٥٦ ، الفردوس للديلمي ٣ / ٩٠ ح ٣٩٩٧.

(٦) البحار ٤٠ / ٧٦ باب ٩١ ، العمدة : ٣٦٣ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٨ ح ٥٥٩٩.

٤٨

٧ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ... يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : هذا علي فأحبوه بحبي ، وأكرموه بكرامتي ، واتبعوه ، إنه مع القرآن والقرآن معه ، وإنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلكم على الردى ، فان جبرئيل أخبرني بالذي قلته لكم عن الله عزّ وجل (١).

٨ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي خير البشر من شكّ فيه فقد كفر (٢).

٩ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام «لا إله الا الله محمد رسول الله وعلي أخوه» (٣).

١٠ ـ عن ابن مسعود قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيت زينب بنت جحش وأتى بيت أم سلمة ـ وكان يومها ـ فجاء علي فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أم سلمة ؛ هذا علي أحبيه ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي.

واسمعي واشهدي ؛ إنه قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ، وهو قاصم أعدائي ، ومحيي سنتي.

واسمعي واشهدي ؛ لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام بين الركن والمقام ، ولقى الله ـ تعالى ـ مبغضاً لعلي أكبّه الله على منخريه في جهنم يوم القيامة (٤).

__________________

(١) ذخائر العقبى : ٧٠ فضائل علي ٧ ، ينابيع المودة ٢ / ١٦١ الباب ٥٦ ح ٤٥٥ ، بحار الانوار ٤٠ / ٥٩ باب ٩١ ، تفسير فرات : ١٦٣ سورة التوبة.

(٢) كنوز الحقائق : ٩٨ ، الفردوس (للديلمي) ٣ / ٨٩ ح ٣٩٩٤ ، ينابيع المودة ٢ / ٧٨ باب ٥٦ ح ٨٠ ، مودة القربي : ١٤ ، منتخب كنز العمال ٥ / ٣٥.

(٣) المناقب (لابن المغازلي) : ٩١ ح ١٣٤ ، حلية الأولياء ٧ / ٢٥٦ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١١ ، منتخب كنز العمال ٥ / ٣٥ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٣٧ باب ٥٦ ح ٦٦٢.

(٤) فرائد السمطين ١ / ٣٣١ ح ٦٥٧ ، ينابيع المودة ١ / ٣٩٠ باب ٤٤ ح ٢ ، ذيل اللئالي : ٦٥.

٤٩

١١ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على ولده (١).

١٢ ـ وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل الرجل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن جسده فيم أبلاه ، وعن ماله ممّ كسبه وفيم أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت ... (٢).

١٣ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ علي براءة من النار (٣).

١٤ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ عبداً عبد الله مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهباً فانفق في سبيل الله ، ومدّ في عمره حتى يحج ألف عام على قدميه ، ثم سعى بين الصفا والمروة ، ثم قتل مظلوماً ، ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها (٤).

١٥ ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ؛ لو أنّ أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا ، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ، ثم أبغضوك لأكبهم الله ـ تعالى ـ على وجوههم في النار (٥).

__________________

(١) كنوز الحقائق (للمناوي) : ٦٩ ، الفردوس (للديلمي) ٢ / ١٣٢ ح ٢٦٧٤ ، فرائد السمطين ١ / ٢٩٧ ح ٢٣٥ ، ينابيع المودة ١ / ٣٧٠ باب ٤١ ح ٥ ، المناقب (للخوارزمي) : ٣١٠ ح ٣٠٦ ، المناقب (لابن المغازلي) : ٤٧ ح ٧٠.

(٢) المناقب (للخوارزمي) : ٧٦ ح ٥٩ ، جواهر العقدين ٢ / ٢٤٦ ، المناقب (لابن المغازلي) : ١١٩ ح ١٥٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ٣٤٦ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٦ ح ٢٥٣٢ (كتاب صفة القيامة) ، كنز العمال ١٤ / ٣٧٩ ح ٣٨٩٨٢ ، ينابيع المودة ٢ / ٣٦٠ باب ٥٨ ح ٢٧ و ٢٨.

(٣) كنوز الحقائق : ٦٧ ، الفردوس (للديلمي) ٢ / ٢٢٦ ح ٢٥٤٥ ، مودة القربى : ٢٠ ، ينابيع المودة ٢ / ٧٥ باب ٥٦ ح ٥٥.

(٤) مودة القربى : ٢١ ، المناقب (لابن شهر آشوب) ٣ / ١٩٨ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٩٣ باب ٥٦ ح ٨٤٥.

(٥) فرائد السمطين ١ / ٥١ باب ٤ حديث ١٦ ، المناقب (لابن المغازلي) : ٩٠ ح ١٣٣ و ٢٩٧ ح ٣٤٠ ، مقتل الحسين (للخوارزمي) : ١٠٨ ح ٢٥٠ ، المستدرك (للحاكم) ٣ / ١٦٠ ، كفاية الطالب : ٣١٨ ، ترجمة الامام علي (لابن عساكر) ١ / ١٤٣ ح ١٧٩ ، ينابيع المودة ١ / ٢٧١ ح ٥ باب ٢٠.

٥٠

١٦ ـ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجن حساب ، والانس كتاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (١).

١٧ ـ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء ، فأوحى الله ـ تعالى ـ إليّ : سلهم يا محمد بماذا بعثتم؟

فقالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله الا الله وحده ، وعلى الاقرار بنبوتك ، والولاية لعلي بن أبي طالب (٢).

١٨ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا اجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب ما خلق الله النار (٣).

١٩ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليلة أسري بي إلى السماء أمر بعرض الجنة والنار عليّ فرأيتهما جميعاً ، رأيت الجنة وألوان نعيمها ، ورأيت النار وألوان عذابها ، وعلى كلّ باب من أبواب الجنة الثمانية : «لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله» (٤).

٢٠ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رأيت ليلة أسري بي إلى السماء الرابعة ديكاً ، بدنه درة بيضاء ، وعيناه ياقوتتان حمراوان ، ورجلاه من الزبرجد الأخضر ، وهو ينادي : «لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ولي الله فاطمة وولدها الحسن والحسين صفوة الله ، يا غافلين اذكروا الله ، على مبغضيهم لعنة الله» (٥).

__________________

(١) مائة منقبة (لابن شاذان) : ح ٩٩ ، المناقب (للخوارزمي) : ٣٢٨ ح ٣٤١ ، كفاية الطالب : ١٥١ ، ينابيع المودة : ٢ / ٢٥٤ باب ٥٦ ح ٧١٣.

(٢) ينابيع المودة ٢ / ٢٤٦ باب ٥٦ ح ٦٩٢ ، الصراط المستقيم : ١٤١ ، روضه الواعظين ١ / ٥٩.

(٣) الفردوس (للدليمي) ٣ / ٤١٩ ح ٥١٧٥ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٤٤ باب ٥٦ ح ٦٨٤.

(٤) البحار ٢٧ / ١٠ باب ١٠ ح ٢٤.

(٥) البحار ٣٧ / ٤٧ باب ٥٠ ح ٢٤ ، اليقين : ٣٩١ باب ١٤١.

٥١

نقش خاتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «علي ولي الله» :

التختم من السنن الشرعية ، وهو زينة للانسان ، وفيه من المنافع المعنوية والنفسية والقيم الجمالية الشيء الكثير.

وكان في سالف الزمان لكلّ فرد خاتم ينقش عليه كلمة أو عبارة خاصة تعد بمثابة «الختم» في العصور المتأخرة ، فكما يضرب بالختم في نهاية الكتاب الرسمي أو ما شاكل لتأكيد الانتساب ، كان الخاتم في ذلك الزمان يؤدي نفس الدور.

وقد روى لنا المولى أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام ذكرى جميلة عن خاتم جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام خاتماً لينقش عليه «محمد بن عبد الله» فأخذه أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعطاه النقاش فقال له : انقش عليه «محمد بن عبد الله» ، فنقش النقاش عليه «محمد رسول الله».

فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : ما فعل الخاتم؟

فقال : هو ذا.

فأخذه ونظر إلى نقشه فقال : ما أمرتك بهذا!

قال : صدقت ، ولكن يدي أخطأت.

فجاء به إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ما نقش النقاش ما أمرت به ، وذكر أنّ يده أخطأت ، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونظر اليه فقال : يا علي أنا محمد بن عبد الله وأنا محمد رسول الله ، وتختم به.

فلما أصبح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى خاتمه فاذا تحته منقوش «علي ولي الله» ، فتعجب من ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء جبرئيل عليه‌السلام فقال : كان كذا وكذا.

فقال : يا محمد كتبت ما أردت وكتبنا ما أردنا (١).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٧٠٥ المجلس ٤١ ح ٢ ، البحار ٤٠ / ٣٧ باب ٩١ ح ٧٢.

٥٢

اعتراف عمر بأن عين علي عليه‌السلام عين الله :

جاء رجل يستعدى عمر على علي عليه‌السلام فقال : يا أمير ... إنّ علياً لطم عيني.

فوقف عمر حتى مرّ علي فقال : ألطمت عين هذا يا أبا الحسن؟

فقال علي عليه‌السلام : نعم رأيته يتأمل حرم المؤمنين.

فقال عمر : أحسنت يا أبا الحسن.

ثم قال للرجل : اذهب وقعت عليك عين من عيون الله ، وحجاب من حجب الله ، تلك يد الله اليمنى يضعها حيث يشاء (١).

اعتراف معاوية :

قال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب :

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن ذلك ، فلما بلغه قتله قال : ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب.

فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام.

فقال له : دعني عنك (٢).

وقال معاوية لضرار صف لي علياً.

قال : اعفني يا أمير ....

قال : لتصفنه.

قال : أما إذا لابد من وصفه ، فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، ويستوحش من

__________________

(١) فيض القدير ٤ / ٣٥٧ ، انظر البحار ٣٩ / ٨٨ ، المناقب (لابن شهر آشوب) ٣ / ٢٧٢.

(٢) الاستيعاب ٣ / ٤٤ حرف العين ـ القسم الاول ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بحار الانوار ٣٣ / ١٧١ باب ٧ ح ٤٥١ ، العدد القوية : ٢٥٠.

٥٣

الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له ، يعظم أهل الدين ، ويقرّب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غري غيري ، إليّ تعرضت؟! أم اليّ تشوّقت؟! هيهات! هيهات! قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن كان ـ والله ـ كذلك (١) ...

وقال معاوية : والله لو كان عند علي جبل من تبن وجبل من تبر لأنفق تبره قبل تبنه.

النظر إلى وجه علي عليه‌السلام عبادة :

روى ابن المغازلي وغيره مسنداً عن عائشة قالت : رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه علي فقلت : يا أبة أراك تكثر النظر إلى وجه علي عليه‌السلام؟

فقال : يا بنية ؛ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : النظر إلى وجه علي عبادة (٢).

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ٤٤ ترجمة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) ابن المغازلي في المناقب : ٢٠٦ و ٢٤٤ وما بعدها ، الخوارزمي في المناقب : ٣٦١ ح ٣٧٣ ، فرائد السمطين ١ / ١٨١ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٤١ و ١٤٢ ، حلية الاولياء ٥ / ٥٨ و ٢ / ١٨٣ ، بحار الانوار ٣٨ / ٢٠٠ باب ٦٤.

٥٤

وروى ابن كثير من حديث أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعمران بن حصين وأنس وثوبان وعائشة وأبي ذر وجابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «النظر إلى وجه علي عبادة».

وعن عائشة «ذكر علي عبادة» (١).

قال المناوي في فيض القدير : ... النظر إلى علي أمير المؤمنين عليه‌السلام عبادة : أي رؤيته تحمل النطق بكلمة التوحيد ، لما علاه من سيماء العبادة.

قال الزمخشري عن ابن العربي : إذا برز قال الناس : لا إله الا الله ما أشرق هذا الفتى؟! ما أعلمه؟! ما أكرمه؟! ما أحلمه؟! ما أشجعه؟! فكانت رؤيته تحمل النطق بالعبادة فيالها من سعادة (٢).

وقال المناوي : وكان عمر يتعوذ من كلّ معضلة ليس لها أبو الحسن ، ولم يكن أحد من الصحب يقول : «سلوني» إلا هو ....

وأخرج أحمد أن عمر أمر برجم امرأة فمر بها علي فانتزعها فأخبر عمر فقال : ما فعله إلّا لشيء ، فأرسل اليه فسأله.

فقال : أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : رفع القلم عن ثلاث ... الحديث؟

قال : نعم.

قال : فهذه مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها.

فقال عمر : لو لا علي هلك عمر.

واتفق له مع أبي بكر نحوه ـ أي أن أبا بكر كان يقول أيضاً ـ لولا علي لهلك أبو بكر.

فأخرج الدار قطنى عن أبي سعيد أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن.

__________________

(١) البداية والنهاية المجلد الرابع / الجزء السابع : ٣٧١.

(٢) فيض القدير ٦ / ٢٩٩.

٥٥

وفي رواية : لا أبقاني الله بعدك يا علي (١).

ولا يخفى أنّ عمر قد قال كلمته هذه عشرات المرات أمام الملأ ، كما قالها أبو بكر وعثمان كذلك.

فقد أخرج الحافظ العاصمي في كتاب «زين الفتى في شرح سورة هل أتى» : أنّ رجلاً أتى عثمان بن عفان وهو أمير ... وبيده جمجمة انسان ميت فقال : إنكم تزعمون النار يعرض على هذا ، وإنه يعذب في القبر ، وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحسّ منها حرارة النار.

فسكت عنه عثمان ، وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره.

فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل : أعد المسألة فأعادها.

ثم قال عثمان بن عفان : أجب الرجل عنها يا أبا الحسن.

فقال علي : ايتوني بزند وحجر ، والرجل السائل والناس ينظرون اليه ، فأتي بهما ، فأخذهما وقدّح منهما النار ، ثم قال للرجل : ضع يدك على الحجر ، فوضعها عليه ، ثم قال : ضع يدك على الزند ، فوضعها عليه.

فقال : هل أحسست منهما حرارة النار ، فبهت الرجل.

فقال عثمان : لو لا علي لهلك عثمان (٢).

محبو علي في درجة الأنبياء يوم القيامة :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : من أحبك ـ يا علي ـ كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة ، ومن مات وهو يبغضك فلا يبالي مات يهودياً أو نصرانياً (٣).

__________________

(١) فيض القدير ٤ / ٣٥٧.

(٢) الغدير ٨ / ٢٥٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٥٨ باب ٣١ ح ٢٢١ ، بحار الانوار ٢٧ / ٧٩ باب ٤ ح ١٦ ، مودة القربي : ٢٢٠ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٩١ باب ٥٦ ح ٨٣٧.

٥٦

الثاني

اسم الامام علي عليه‌السلام

يزيّن الاذان

ينبغي أن نتعرض هنا إلى عظمة وليد الكعبة أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أمر بذكر اسمه الشريف بعد اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان ، فنذكر آراء العلماء في ذلك ، ونتعرض إلى بدعة التثويب التي ابتدعها عمر وجعلها بدلاً عن قول «حي على خير العمل».

كيف شرّع الأذان؟

عن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ولده ـ أنّه سئل عن قول الناس في الأذان : أنّ السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بالأذان؟!

فقال الحسين عليه‌السلام : الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد ، والأذان وجه دينكم ، وغضب عليه‌السلام وقال :

بل سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : أهبط الله ـ عزّ وجل ـ ملكاً حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وساق حديث المعراج بطوله إلى أن قال :

٥٧

فبعث الله ملكاً ، لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فاذّن مثنى مثنى ، وأقام مثنى ، وذكر كيفية الأذان ثم قال :

قال جبرئيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمد هكذا أذّن للصلاة (١).

حي على خير العمل :

قال السيد المرتضى في الانتصار :

«ومما انفردت به الامامية أن يقول في الأذان والاقامة بعد قوله «حي على الفلاح» «حي على خير العمل» والوجه في ذلك إجماع الفرقة المحقّة عليه» (٢).

وروى السنة كما في سنن البيهقي : أنّ ابن عمر كان إذا أذن وقال « » قال على إثرها : « حي على خيرالعمل »

وأنّ علي بن الحسين عليه‌السلام كان يقول في أذانه إذا قال : «حي على الفلاح» قال : «حي على خير العمل» ويقول : هو الأذان الأول.

إلّا أنّه قال : قال الشيخ : وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله!!! .. ونحن نكره الزيادة فيه (٣).

وعليه ذهب أهل السنة إلى تحريمها في الأذان والاقامة ، فيما ذهب الشيعة إلى أنّ تركها عمداً يوجب بطلان الأذان والاقامة باعتبارها جزء مشرع فيهما (٤).

وما رواه البيهقي يؤكد أنّ هذه العبارة كانت في الأذان الأول ، وهي تشريع

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٤ / ١٧ ـ ١٨ باب ١ ح ٢ ، بحار الانوار ٨١ / ١٥٦ باب ١٣ ح ٥٤ ، الجعفريات : ٤٢ كتاب الصلاة ، دعائم الاسلام ١ / ١٤٢ ذكر الاذان والاقامة.

(٢) الانتصار : ٣٩.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٤) أنظر : وسائل الشيعة.

٥٨

ربّاني أوحاه إلى نبيه الكريم ، إلّا أنّ «أهل السنة» اتبعوا في ذلك عمر وتركوا سنة النبي.

والدليل عليه ما ذكره القوشجي المتوفي سنة (٨٧٩) في «شرح التجريد» في مبحث الامامة : إنّ عمر قال وهو على المنبر : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج ، و «حي على خير العمل» (١).

ثم اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (٢).

ومن العجب أن يقابل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بواحد من أمته ، ويجعل كلاً منهما مجتهداً ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ ، و (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ) فأين هو عن الاجتهاد برد الفرع إلى الأصل واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟!

هذا ؛ بالاضافة إلى أنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية إنّما هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النص المبين ، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله (٣).

على أننا لا نعلم للخليفة علماً يقاس بعوام المسلمين فضلاً عن سيد أولى الألباب وخاتم المرسلين ، فكيف نقول من ثم باجتهاده؟!

أجل ؛ كان ثمة سبب آخر من وراء ذلك سوى قصة الاجتهاد ، وهو أنّ الناس التفتوا بعد حين أن خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حقاً أصبح جليس داره ، وأنّ الآخرين اغتصبوا

__________________

(١) شرح التجريد (للقوشجي) : ٤٨٤ ، الغدير ٦ / ٢٨٣.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) انظر الغدير ٦ / ٢٨٣.

٥٩

مقامه ، وأنّ حكومتهم تفتقد الشرعية ، وأنّ ما تقوم به من فتوح إنّما هو «توسعية» وتوسيع لرقعة الامبراطورية ، وليست جهاداً ، فتقاعسوا عنهم ، فأراد الخليفة أن يعبأ الناس لما يسميه «جهاداً» ، ويعظّم الجهاد في نفوسهم ؛ لئلا يفكر أحدهم أنّ العبادات والصلاة أهم من الجهاد.

فقد روى أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي وغيرهم أنّ «حي على خير العمل» كانت في الأذان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وصدراً من أيام عمر إلّا أنّ عمر أمر بتركها وقال : أخشى أن يتوجه الناس إلى الصلاة ويعرضوا عن الجهاد (١).

وروي عن الباقر عليه‌السلام قال : كان الأذان «حي على خير العمل» على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبه أمروا أيام أبي بكر وصدراً من أيام عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والاقامة ، فقيل له في ذلك فقال : اذا سمع عوام الناس أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه (٢).

وعن عكرمة قال :

قلت لابن عباس : أخبرني لأي شيء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟

قال : أراد عمر بذلك أن يا يتّكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد ؛ فلذلك حذفها من الاذان (٣).

قال المجلسي رحمه‌الله : يدلّ هذا على أنّ عمر وأتباعه يزعمون أنهم أعلم من الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنهما لم يفطنا بهذه المفسدة وتفطن بها هذا الشقي الغبي ، ولم يمنع ذلك أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه ، وأصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الجهاد ، بل كانوا مع مواظبتهم على «حي على خير العمل» أشد اهتماماً بالجهاد من سائر العباد (٤).

__________________

(١) الايضاح : ٢٠٢.

(٢) البحار ٨١ / ١٥٦ باب ٣٥ ح ٥٤ عن دعائم الاسلام.

(٣) البحار ٨١ / ١٤٠ باب ٣٥ ح ٣٤ ، عن علل الشرائع ٢ / ٥٦.

(٤) البحار ٨١ / ١٤٠ ذيل ح ٣٤.

٦٠