امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: السيد علي الحسيني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٣

الوديعة ، وأخذت الرهينة ، وأخلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.

أمّا حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، وهم لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد وقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هظمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم ، فان انصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

واهاً واهاً ، والصبر أيمن وأجمل ، ولو لا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.

فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ، وتهضم حقها ، ويمنع إرثها ، ولم يتباعد العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله ـ يا رسول الله ـ أحسن العزاء ، صلى الله عليك وعليها‌السلام والرضوان (١).

الظلمة يلاحقون فاطمة بعد الشهادة :

عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل : ... فلمّا أصبح أبو بكر وعمر .. فلقيا رجلاً من قريش فقالا له : من أين أقبلت؟

قال : عزّيت علياً بفاطمة.

قالا : وقد ماتت؟

قال : نعم ، ودفنت في جوف الليل ...

__________________

(١) البحار ٤٣ / ١٩٤.

٢٦١

ثم أقبلا إلى علي عليه‌السلام فلقياه فقالا له : والله ما تركت شيئاً من غوائلنا ومسائتنا ، وما هذا إلّا من شيء في صدرك علينا .. هل هذا إلّا كما غسلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دوننا ولم تدخلنا معك؟؟؟!!! وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن : انزل عن منبر أبي ....

فأجابهم أمير المؤمنين عليه‌السلام عن افتراءاتهم ثم قال : وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها ، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما ، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها ، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إليّ فيكما.

فقال عمر : دع عنك هذه الهمهمة ، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلّي عليها.

فقال له علي عليه‌السلام : والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً ـ وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك ـ فاني كنت لا أعاملك إلّا بالسيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك.

فوقع بين علي عليه‌السلام وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل ... (١).

وفي عيون المعجزات : ... ودفنها ... وجدّد أربعين قبراً ، فاستشكل على الناس قبرها ، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا إنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ، ولا نعرف قبرها فنزورها.

فقال من تولّى الأمر : هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليها‌السلام فنصلّي عليها ونزور قبرها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه ، ودرّت أوداجه ، وعليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة ، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع ، فسار الناس من أنذرهم وقال :

__________________

(١) البحار ٤٣ / ٢٠٥.

٢٦٢

هذا علي قد أقبل كما ترونه وهو يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين.

فتلقاه الرجل ومن معه من أصحابه وقال له : مالك يا أبا الحسن ، والله لننبشن قبرها ونصلّي عليها.

فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض وقال : يابن السوداء ، أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم ، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفسي علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم ، فان شئت فافعل يا ثاني.

وجاء الأول وقال له : يا أبا الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلّا خلّيت عنه فانا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه ، فخلى عنه وتفرّق الناس ولم يعودوا إلى ذلك (١).

* * *

__________________

(١) دلائل الامامة : ٤٧.

٢٦٣

أسماء بنت عميس

أسماء بنت عميس بن سعد بن الحارث بن تميم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الخثعمي ، ولذا عرفت أسماء بالخثعمية.

وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث من كنانة.

وقد تزوجت هند مرتين :

الأول : هو الحارث بن حزن بن جبير الهلالي.

والثاني : عميس بن سعد.

وولدت منهما بنات كريمات زوجتهن من رجال كرام ، وقال فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي أكرم عجوز جمعت على الأرض أصهاراً.

فبناتها :

ميمونة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأم الفضل زوجة العباس.

وأسماء بنت عميس التي سنتحدث عنها.

وسلمى زوجة حمزة سيد الشهداء.

وسلمة زوجة عبد الله بن كعب الخثعمي.

٢٦٤

وقد وعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء الأخوات بدخول الجنة كما روى المرحوم الصدوق ـ طاب ثراه ـ في العلل والمرحوم المجلسي في البحار عن أبي بصير عن أبي جعفر الأول عليه‌السلام قال : سمعته يقول :

رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسماهن : أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسلمى بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت حمزة ، وخمس من بني هلال : ميمونة بنت الحارث ، وكانت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأم الفضل عند العباس ، واسمها هند ، والغميصاء (وقيل : القميصان) أم خالد بن الوليد ، وكانت أنصارية لازمت أمير المؤمنين عليه‌السلام في صفين ، وغرة ، وكانت في ثقيف عند الحجاج بن غلاظ بن خالد بن حوز بن هلال المكنى بأبي عبد الله ، سكن المدينة وبنا بها مسجداً (١).

وفي الحديث مدح لهؤلاء الأخوات معاً ، يعني أنهن جميعاً من أهل الجنة لا تخرج منهن واحدة.

أسماء عند جعفر :

هاجرت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر إلى الحبشة فراراً من مشركي مكة ، وولدت هناك ثلاثة أولاد : عبد الله وعون ومحمد.

وكان عبد الله أشهر أولادها من جعفر ، وكان من الأجواد الأربعة ، ولد للنجاشي ولد أيام ولادة عبد الله فسماه باسمه تيمناً وتبركاً ، وأمر أن يرضع ولده بلبن عبد الله بن جعفر.

تزوج عبد الله بن جعفر السيدة زينب بنت أمير المؤمنين ، فولدت له ولدين استشهدا يوم الطف بين يدي الحسين الشهيد عليه‌السلام.

__________________

(١) البحار ٢٢ / ١٩٥ ح ٨ باب ٢.

٢٦٥

بقيت أسماء في الحبشة مع جعفر وأبنائه إلى السنة السابعة للهجرة وقدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قلاع خيبر مع جماعة ، فلما قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أو بقدوم جعفر» (١).

ثم نظر إلى جعفر وبكى وقال له : «ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟! فقال : بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلّمه الصلاة المعروفة باسم «صلاة جعفر» ، وفضلها معروف ، وهي مذكورة في كتب الأدعية والأخبار».

والعاقبة أنّ جعفر استشهد في البلقاء في أقصى أرض يثرب والحجاز على حدود الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ، ووجد في جسده تسعون جراحة.

وأخبر جبرئيل النبي في المدينة بمقتل جعفر ، فبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعى لذريته فقال : «اللهم إنّ جعفر قدم اليك فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك» (٢).

وبشّر أسماء بنت عميس أنّ الله أعطى جعفراً جناحين يطير بهما في الجنة ، ثم أمر سلمى أن تصنع طعاماً شهياً من الشعير والزيت وتطعم أيتام جعفر ، وكان يصحبهم معه أينما ذهب ثلاثة أيام يدور بهما على نسائه (٣).

وكان جعفر أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلقاً ، وكان يكنى «أبو المساكين» لأنه كان يحبهم ويطعمهم (٤).

أسماء عند أبي بكر :

استشهد جعفر فأخلف على أسماء بنت عميس أبو بكر بن أبي قحافة ، فولدت له

__________________

(١) البحار ٢١ / ٢٥ ح ٢٢ باب ٢٢.

(٢) البحار ٢١ / ٥٦ ح ٨.

(٣) أنظر : البحار ٢١ / ٥٥ ح ٨ باب ٢٤.

(٤) البحار ٢٢ / ٢٧٥ ح ٥.

٢٦٦

محمداً ، ومحمد بن أبي بكر يعزّ له النظير في جلالة القدر ورفعة الشان وعلو المقام وصلابة الايمان والثبات والاستقامة على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام حتى استشهد في مصر بايعاز من معاوية ، فقتل قتلة شنيعة ، فلما سمع أمير المؤمنين خبر شهادته قال : شهادته قصمت ظهري ، ثم تكلّم كلاماً ترتعد له الفرائص وترتجف له القلوب (١).

وكان أبو بكر قد خطب أسماء في الاسلام وعنده حبيبة بنت الحارث الأنصاري ، فلما توفي أبو بكر أوصى إلى أسماء بنت عميس أن تغسله ، كما رواه الطبرسي ، فقبلت أسماء الوصية ـ ولا مناص لها إلّا القبول (٢) ـ وتحملت عناء التنفيذ.

وهذه الوصية إنّما تدلّ على طهارة أسماء وتقواها ، وكمال إيمانها وتدينها : لأنه أوصى لها من دون المسلمين ومن دون بقية أزواجه ، وكان له ثلاث زوجات غيرها هن : أسماء بنت عبد العزى ، ولد منها عبد الله ، وأسماء ذات النطاقين ، وأم رومان بنت عامر بن عمير من بني كنانة ، ولد منها عبد الرحمن وعائشة وحبيبة.

والعجيب أنّه في مدة خلافته القليلة ـ سنتين وثلاثة أشهر وأيام ـ كانت أسماء في بيته تغذي ابنها محمد محبة أمير المؤمنين وولايته على مرأى ومسمع من أبي بكر ، فخرّجت من بيته من جُبلوا على محبة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكأن أسماء كانت هي أشرف الأبوين لمحمد بن أبي بكر حيث ما فتأت توصيه دائماً بولاية آل طه وأهل بيت النبوة ، فشبّ على ذلك ، ولم يحد عنه بل بقي ثابتاً راسخاً.

ومن غرائب الوقائع وعجائب الدهر التي تكشف عن شهامة هذه المخدرة المكرمة وشدّة ولائها وصلابة إيمانها وشجاعتها أنها كانت في حبائل أبي بكر إلّا أنّها شهدت عليه ، وردّت قوله في قصة فدك ، ووقفت لتعلن على رؤوس الأشهاد

__________________

(١) أنظر : البحار ٣٣ / ٥٦٢ ح ٧٢٢ باب ٣٠.

(٢) أنظر : تاريخ الطبرسي ٣ / ٤٢١ أحداث سنة (١٣) قال : إنّ أسماء بنت عميس قالت : قال لي أبو بكر : غسليني قلت : لا أطيق ذلك قال : يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصب الماء.

٢٦٧

كذب زوجها وتدليسه وغصبه لحق آل البيت عليهم‌السلام ، فشهدت خلافاً لهوى زوجها وهوى الآخرين ، ولم تفزع من تهديداتهم ، ولم تستسلم لقهرهم ، وقالت لهم بشجاعة العارف بالله وبأهل بيته : «إنّكم ظلمة جائرون غصبتم حقّ من له الحق فأعيدوه إلى نصابه».

ولما أرادوا قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام وأمروا خالد بن الوليد بتنفيذ ذلك في الصلاة بعثت جاريتها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقالت له : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (١).

فقال أمير المؤمنين للجارية : قولي لها : «إنّ الله يحول بينهم وبين ما يريدون».

أو أنّه قال : «فمن يقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وإنّ الله بالغ أمره»؟!

فهدأ روعها وسكن قلبها وسلّمت لما قاله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وبالفعل فقد ندم أبو بكر ـ وهو في الصلاة ـ على ما اتفق عليه مع خالد ، وخاف من سيوف بني هاشم المسلولة ونفوسهم الأبية ، وحال الله بينه وبين ما يريد ، فقال قبل تسليم الصلاة : «أي خالد لا تفعل ما أمرتك» ثم سلم ... إلى آخر الخبر (٢).

أسماء عند أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فلمّا توفي أبو بكر انتقلت أسماء بكامل الخلوص والوفاء والصفاء الى حجرة سيد الأولياء ، وسعدت بشرف الدخول في عداد زوجات سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأولدها يحيى وعون (٣).

ويكفي أسماء بنت عميس من الفضل أمور :

__________________

(١) سورة القصص : ٢٠.

(٢) أنظر : البحار ٢٨ / ٣٠٥ ح ٤٨ باب ٤.

(٣) أنظر : تذكرة الخواص : ٥٧ الباب الثالث في ذكر أولاده عليه‌السلام.

٢٦٨

منها : أنّ النبي شهد لها بأنها من أهل الجنة.

منها : أدعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ولذريتها.

ومنها : أنّها كانت ممن شهد لفاطمة الزهراء عليها‌السلام في قصة فدك (بالرغم من ظروفها الخاصة) فصارت في ذلك قرينة لأم أيمن ، وصارت ممن لازم الحق في تلك الفتنة العمياء في قصة شهادتها لفاطمة عليها‌السلام.

ومنها : ما قاله عمر من محبتها لآل أبي طالب وأنها تشهد لبني هاشم (١).

ومنها : الأخبار المروية في حقها عن الحضرة النبوية والعلوية والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

ومنها : أنّها شهدت وفاة فاطمة عليها‌السلام ، وشاركت أمير المؤمنين عليه‌السلام في غسلها ، ويا لها من مفخرة عظيمة.

ومنها : أنّها ممدوحة في كتب الشيعة والسنة ، فقد مدحها العدو بالرغم من شدّة عناده ، بل وثقوا ذريتها الكريمة وأثنوا عليهم وقالوا : «إنّهم خيار عباد الله» (٢).

ومنها : أنّها ولدت عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى ، وقد استشهد أولاده بين يدي الحسين عليه‌السلام ، فقدمت بذلك أسماء فداءً للحسين عليه‌السلام ، وولدت محمد بن أبي بكر ، وكان كما قال أمير المؤمنين «محمد ابني من صلب أبي بكر» ، وراح شهيداً في سبيل الله دفاعاً عن ولاية أمير المؤمنين ، وولدت عوناً من أمير المؤمنين وقد استشهد بين يدي الحسين عليه‌السلام في طف كربلاء.

فهنيئاً لها ، والسلام عليها وعلى زوجها أمير المؤمنين وعلى أولادها المستشهدين.

* * *

__________________

(١) أنظر : العوالم ١١ / ٦٣٥ ح ٢٧ باب ٣.

(٢) أنظر : الخصائص الفاطمية للكجوري ترجمة سيد علي أشرف ٢ / ١٦٢ وما بعدها.

٢٦٩

أمامة بنت أبي العاص

أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن العزى بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمه هند بنت خويلد أخت خديجة عليها‌السلام ، واسم أبو العاص «لقيط» أو «مقسم» بكسر الميم ، أو «ياسر» (١) ، أسر يوم بدر ففدته زينب فأطلقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمها زينب بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تزوجها ابن خالتها أبو العاص فولدت له ولداً وبنتاً ، أما الولد فقد مات صغيراً ، وأما البنت فاسمها «أمامة» تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية فاطمة الزهراء عليها‌السلام بعد تسع ليال من وفاة السيدة المخدرة الكبرى ـ حسب رواية المعالم ـ (٢).

ولدت أمامة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يحبها ، وحملها في الصلاة ، وكان إذا ركع أو سجد تركها وإذا قام حملها (٣).

وأهديت له هدية فيها قلادة فدعا أمامة فأعلقها في عنقها (٤).

__________________

(١) أنظر : أسد الغابة ٦ / ١٩٦ ترجمة ٦٠٣٥.

(٢) العوالم ١١ / ١٠٨٢ ح ١٤ ، الخصائص الفاطمية ١ / ٤٥٦ ح ٦.

(٣) أسد الغابة ٧ / ٢٥ ترجمة ٦٧١٧.

(٤) المصدر نفسه.

٢٧٠

وكان على عينها غمص فمسحه بيده (١) الشريفة فعوفيت.

تزوجها أمير المؤمنين عليه‌السلام تنفيذاً لوصية السيدة الصديقة عليها‌السلام حيث قالت عليها‌السلام : .. أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فانها تكون لولدي مثلي ، فان الرجال لابد لهم من النساء (٢).

وفي مصباح الأنوار : قالت : بنت أختي وتحنن على ولدي (٣).

وهذا وسام عظيم قلدته سيدة النساء لأمامة حيث شهدت لها بالولاء والمحبة والتحنن على ابناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولما كبرت أمامة توجعت وجعاً شديداً حتى اعتقل لسانها ، فكان الامامان الحسن والحسين عليهما‌السلام يسألانها وهي تجيبهما بالاشارة (٤).

قيل : إنّها ماتت سنة خمسين للهجرة (٥).

* * *

__________________

(١) الاصابة ٤ / ٢٣٦.

(٢) البحار ٤٣ / ١٩٢.

(٣) البحار ٤٣ / ٢١٧.

(٤) أنظر : التهذيب ٨ / ٢٥٨ ح ٩٣٦.

(٥) البحار ٢١ / ١٨٣.

٢٧١

ليلى النهشلية

وهي ليلى بنت مسعود بن جابر بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم (١).

ولسلم يقول الشاعر :

تسود أقوام وليسوا بسادة

بل السيد الميمون سلم بن جندل

وأم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر ابن عبيد بن الحارث ، وهو مقاعس.

وأمها عناق بنت عاصم بن سنان بن خالد بن منقر.

وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر.

وأمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم (٢).

في الغارات والبحار قال : لما نكح علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية قالت :

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام للكوفي ٢ / ٤٨.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٥٧.

٢٧٢

ما زلت أحبّ أن يكون بيني وبينه سبب منذ رأيته قام مقاماً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وقال : تزوج علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها وقال : حسب أهل علي ما هم فيه (٢).

وولدت له عبيد الله وأبا بكر (٣).

* * *

__________________

(١) الغارات ١ / ٩٣ ، البحار ٤٢ / ١٣٩.

(٢) المصدر نفسه ، شرح النهج ٢ / ٢٠٢.

(٣) المناقب (للكوفي) ٢ / ٤٨.

٢٧٣

خولة الحنفية

وهي خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا الحنفية

ويقال : بل كانت أمة لبني حنيفة ، سندية سوداء ، ولم تكن من أنفسهم ، وإنّما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم.

وقيل : إنّها كانت من سبي بني حنيفة ، اشتراها علي واتخذها أم ولد ، فولدت له محمداً (١).

وفي الاصابة : رأها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله فضحك ثم قال : يا علي أما إنّك تتزوجها من بعدي ، وستلد لك غلاماً فسمه باسمي ، وكنه بكنيتي وانحله (٢).

عن الكلبي ، عن ميمون بن مصعب المكّي بمكّة قال : كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة ، فذكرنا خولة الحنفيّة ونكاح أمير المؤمنين عليه‌السلام لها فقال : أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني ، قال : بلغني أنّ الباقر محمد بن علي عليهما‌السلام ـ قال ـ :

__________________

(١) الجوهرة في نسب الامام علي عليه‌السلام : ٥٨.

(٢) الاصابة ٤ / ٢٨٩ ترجمة ٣٥٧.

٢٧٤

كان جالساً ذات يوم إذ جاءه رجلان ، فقالا : يا أبا جعفر! ألست القائل أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يرض بإمامة من تقدّمه؟

فقال : بلى.

فقالا له : هذه خولة الحنفيّة نكحها من سبيهم ولم يخالفهم على أمرهم مذ حياتهم؟!

فقال الباقر عليه‌السلام : من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله؟ ـ وكان محجوباً قد كفّ بصره ـ.

فحضر وسلّم على الباقر عليه‌السلام فردّ عليه وأجلسه إلى جانبه.

فقال له : يا جابر! عندي رجلان ذكرا أنّ أمير المؤمنين رضي بإمامة من تقدّم عليه ، فاسألهما ما الحجّة في ذلك؟

فسألهما فذكرا له حديث خولة ، فبكى جابر حتى اخضلّت لحيته بالدموع.

ثم قال : والله ـ يا مولاي ـ لقد خشيت أن أخرج من الدنيا وأن أُسأل عن هذه المسألة ، والله إنّي كنت جالساً إلى جنب أبي بكر ـ وقد سبى بني حنيفة مع مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد ـ وبينهم جارية مراهقة ـ.

فلمّا دخلت المسجد قالت : أيّها الناس! ما فعل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قالوا : قُبض.

قالت : هل له بنية تقصد؟

قالوا : نعم هذه تربته وبنيته.

فنادت وقالت : السلام عليك يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشهد أنّك تسمع صوتي وتقدر على ردّ جوابي ، وإنّنا سبينا من بعدك ، ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك محمّداً رسول الله ...

٢٧٥

ثم جلست فوثب إليها رجلان من المهاجرين أحدهما طلحة والآخر الزبير وطرحا عليها ثوبيهما.

فقالت : ما بالكم ـ يا معاشر الأعراب ـ تغيبون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟

فقيل لها : لأنّكم قلتم لا نصلّي ولا نصوم ولا نزكّي؟

فقال لها الرجلان اللذان طرحاً ثوبيهما : إنّا لغالون في ثمنك.

فقالت : أقسمت بالله وبمحمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه لا يملكني ويأخذ رقبتي إلّا من يخبرني بما رأت أُمّي وهي حاملة بي؟ وأيّ شيء قالت لي عند ولادتي؟ وما العلّامة التي بيني وبينها؟ وإلّا بقرت بطني بيدي فيذهب ثمني ويطالب بدمي.

فقالوا لها : اذكري رؤياك حتى نعبرها لك.

فقالت : الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا منّي؟

فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما وجلسوا ، فدخل أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال : ما هذا الرجف في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

فقالوا : يا أمير المؤمنين امرأة حنفيّة حرّمت ثمنها على المسلمين وقالت : من أخبرني بالرؤيا التي رأت أُمّي وهي حاملة بي يملكني.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما ادّعت باطلاً ، أخبروها تملكوها.

فقالوا : يا أبا الحسن! ما منّا من يعلم ، أما علمت أنّ ابن عمّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قبض وأخبار السماء قد انقطعت من بعده.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أخبرها بغير اعتراض منكم؟

قالوا : نعم.

فقال عليه‌السلام : يا حنفيّة! أخبرك وأملكك؟

فقالت : لعلّك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس؟

٢٧٦

فقال : أنا ذلك الرجل.

قالت : من أجلك نهبنا ، ومن نحوك أتينا ، لأنّ رجالنا قالوا : لا نسلّم صدقات أموالنا ولا طاعة نفوسنا إلّا لمن نصبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا وفيكم علماً.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ أجركم غير ضائع ، وإن الله يوفي كلّ نفس ما عملت من خير.

ثم قال : يا حنفيّة! ألم تحمل بك اُمّك في زمان قحط قد منعت السماء قطرها ، والأرضون نباتها ، وغارت العيون والأنهار حتى أنّ البهائم كانت ترد المرعى فلا تجد شيئاً ، وكانت اُمّك تقول لك : انّك حمل مشوم في زمان غير مبارك ، فلمّا كان بعد تسعة أشهر رأت في منامها كأن قد وضعت بك ، وأنّها تقول : إنّك حمل مشوم في زمان غير مبارك ، وكأنّك تقولين : يا اُمّي لا تتطيّرن بي فإنّي حمل مبارك أنشأ منشأ مباركاً صالحاً ، ويملكني سيّد ، واُرزق منه ولداً يكون للحنفيّة عزّاً؟

فقالت : صدقت.

فقال عليه‌السلام : إنّه كذلك وبه أخبرني ابن عمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقالت : ما العلامة التي بيني وبين اُمّي؟

فقال لها : لمّا وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس وأودعته عتبة الباب ، فلمّا كان بعد حولين عرضته عليك فأقررت به ، فلمّا كان بعد ستّ سنين عرضته عليك فأقررت به ، ثم جمعت بينك وبين اللوح وقالت لك : يا بنيّة إذا نزل بساحتكم سافكٌ لدمائكم ، وناهب لأموالكم ، وسابٍ لذراريكم ، وسبيت فيمن سبي ، فخذي اللوح معك واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلّا من خبرك بالرؤيا وبما في هذا اللوح.

فقالت : صدقت ... يا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثم قالت : فأين هذا اللوح؟

٢٧٧

فقال : هو في عقيصتك.

فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ثم قالت : يا معاشر الناس! اشهدوا أنّي قد جعلت نفسي له عبدة ، فقال عليه‌السلام : بل قولي زوجة ، فقالت : اشهدوا أن قد زوّجت نفسي ـ كما أمرني ـ بعليّ عليه‌السلام. فقال عليه‌السلام : قد قلبتكِ زوجة ، فماج الناس ، فقال جابر : فملكها والله يا أبا جعفر بما ظهر من حجّته وثبت من بيّنته ، فلعن الله من اتّضح له الحقّ ثم جحد حقّه وفضله ، وجعل بينه وبين الحقّ ستراً (١).

* * *

__________________

(١) البحار :

٢٧٨

الصهباء

وهي أم حبيبة بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن جيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل.

وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر حين أغار على بني تغلب بناحية عين تمر ، ولدت له عمر ورقية (١).

* * *

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ١٩ ، البحار ٤٢ / ٩٠.

٢٧٩

أم مسعود

أم مسعود (سعيد) بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي ، وولدت له عليه‌السلام رملة وأم الحسن (١).

* * *

__________________

(١) المصدر نفسه.

٢٨٠