امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: السيد علي الحسيني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٣

الثالث عشر من جمادي الثاني ، وكان يوم جمعة ، فدخل الفضل بن العباس عليه‌السلام ، وهو باك حزين ، وهو يقول :

لقد ماتت جدتي أم البنين ، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله ...».

ثم عثرت بعد ذلك بمدة على خبر آخر في هامش « وقائع الشهور والأيام » للبيرجندي ونصه ما يلي :

«وفيه ـ يقصد الثالث عشر من جمادي الثاني ـ توفيت أم البنين الكلابية سنة (٦٤ هـ) عن الأعمش».

وعليه فهذان المصدران في تاريخ وفاة أم البنين أحدهما يذكر اليوم والآخر يذكر السنة التي توفيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى بعد أن قامت بأدوارها الهامة في حياتها ، من رعاية شؤون الحسنين عليهما‌السلام ـ كما تقدم ـ وتربية بنيها وتوجيههم ، مضافاً إلى توجيه أبيهم الامام علي عليه‌السلام ، وتضحيتها بهم في سبيل الله بين يدي الحسين عليه‌السلام ، واقامتها المآتم على الحسين عليه‌السلام ، وتقديمه على كلّ عزيز ومفقود ، ومشاطرتها العقيلة زينب والامام زين العابدين عليه‌السلام في الحزن والأسى ، والقيام بتربية أبناء ولدها العباس ، ووفاءها لزوجها أمير المؤمنين ، ولسيدتها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، حتى لقيت ربّها وهو عنها راض.

فمنها من الكرامات ما أظهر ـ وما زال يظهر ـ شخصيتها أكثر ، فلحقت ببعلها أمير المؤمنين عليه‌السلام وبينها الغر الميامين في جوار المصطفى الأمين وآله الأطهار في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.

فهي خالدة في النعيم هناك ، وخالدة في أعماق قلوب المؤمنين ، ولا زالت أنّتها ودموعها تسيل من كلّ عين ، ولا زالت ندبتها للحسين ولولدها تسيل أسى وجمرات في زفرات الشيعة والموالين.

٢٠١

لله من أم لنصر الدين لم

تحزن وقد ضحت له أولادها

تجري بصفحة ندبهم ندباً له

جعلت سواد العين ثم مدادها

فلولدها من ذاك أربعة ولي

ما زاد ندب السبط نص ودادها

* * *

٢٠٢

الفصل

الرابع عشر

المزارات في المدينة وضواحيها

٢٠٣

البقيع والمزارات والمساجد

المعروفة في المدينة وضواحيها

قبل أن نتعرّف على البقيع والمزارات الأخرى وقبر أم البنين عليها‌السلام ينبغي التعرّف ـ ولو بشكل إشارات ـ على مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن ثم نعود للحديث عن البقيع :

* * *

٢٠٤

القسم الأول

مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : مكة حرم الله ، والمدينة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والكوفة حرمي ، لا يريدها جبار بحادثة إلّا قصمه الله (١).

أسماء المدينة الطيبة :

ذكر السمهودي في كتابه «وفاء الوفاء» أربعة وتسعين اسماً لهذه البلدة المقدسة ، ورد بعضها في القرآن الكريم منها :

١ ـ المدينة :

قال تعالى : (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ) (٢).

٢ ـ أرض الله :

قال الله تعالى : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٦٤ ، التهذيب ٦ / ١٢ ح ٢١ ، وسائل الشيعة ١٤ / ٣٦٠ ح ١٩٣٨٦ باب ١٦.

(٢) سورة التوبة : ١٢٠.

(٣) سورة النساء : ٩٧.

٢٠٥

وفي هذه الاضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى.

٣ ـ الدار والايمان :

قال تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) (١).

عن عبد الله بن جعفر : سمّى الله المدينة الدار والايمان.

وقال البيضاوي في تفسيره : قيل : سمى الله المدينة بالايمان لأنّها مظهره ومصيره.

٤ ـ مدخل صدق :

قال الله تعالى : (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ...) (٢).

قال بعض المفسرين : مدخل صدق : المدينة ومخرج صدق : مكة (٣).

الموقع الجغرافي :

تقع المدينة المنورة شرق مدينة جدّة ، وشمال مكة المكرمة ، وتبعد عن الأولى حدود «٤٢٥» كيلومتر ، وعن الثانية حدود «٤٩٨» كيلومتر.

خصائص المدينة المنورة :

ذكر السمهودي في «وفاء الوفاء» تسعة وتسعين خصيصة للمدينة المنورة.

وقال : وهي كثيرة لا تكاد تنحصر ومنها :

الخاصة الأولى : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلق من طينتها.

الثانية : إنّها مدفن النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثالثة : إنّها محفوفة بالشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات الله بين يدي نبيه كشهداء «بدر» و «أحد» ، وهي مدفن لكثير من الصحابة.

__________________

(١) سورة الحشر : ٩.

(٢) سورة الاسراء : ٨٠.

(٣) انظر للتفصيل وفاء الوفاء ١ / ٨ وما بعدها.

٢٠٦

الرابعة : إنّ الله اختارها داراً وقراراً لأفضل خلقه وأكرمهم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الخامسة : إنّ الله اختار أهلها للنصرة والايواء.

السادسة : إنّ سائر البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت هي بالقرآن.

السابعة : إنّ الله ـ تعالى ـ افتتح منها سائر بلاد الاسلام ، حتى مكة المشرفة ، وجعلها مظهر دينه القويم.

الثامنة : تأسيس مسجدها الشريف على يده صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمل فيه بنفسه.

التاسعة : اختصاصها المسجد الذي أنزل الله فيه (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) (١).

العاشرة : اختصاصها بالروضة «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

الحادية عشرة : إنّ إتيان مسجد «قبا» يعدل عمرة.

الثانية عشرة : اختصاصه بمزيد الأدب وخفض الصوت ، لكونه بحضرة سيد المرسلين.

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) (٢).

الثالثة عشرة : وجوب شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن زاره بها (٣).

الحثّ على الاقامة بها :

لقد ورد الحثّ على السكن في المدينة والاقامة فيها ، فان في كلّ خطوة من أرضها ما يذكر بالرسول الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الميامين وصحبه المنتجبين ،

__________________

(١) سورة التوبة : ١٠٨.

(٢) سورة الحجرات : ٢.

(٣) انظر للمزيد وفاء الوفاء ١ / ٧٣ وما بعدها.

٢٠٧

وتلك الأيام الغرّ التي صارت فيها هذه الأرض الطيبة مهبطاً للوحي ، ومختلفاً للملائكة والروح المكين.

وقد ورد عن الحسين بن الجهم قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : أيّهما أفضل المقام بمكة أو بالمدينة؟

فقال : أي شيء تقول أنت؟

فقلت : وما قولي مع قولك؟!

قال : إنّ قولك يردّ إلى قولي.

قال : فقلت له : أمّا أنا فأزعم أنّ المقام بالمدينة أفضل من الاقامة بمكة.

فقال : أمّا لئن قلت ذلك لقد قال أبو عبد الله عليه‌السلام ذلك يوم فطر ، وجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم عليه ثم قال : لقد فضلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وعن مرازم قال : دخلت أنا وعمار وجماعة على أبي عبد الله عليه‌السلام بالمدينة فقال : ما مقامكم؟

فقال عمار : قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتى به إلى خمسة عشر يوماً.

فقال : أصبتم المقام في بلد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة في مسجده ، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم ، إنّ الرجل قد يكون كيّساً في الدنيا فيقال : ما أكيس فلاناً ، وإنّما الكيّس كيّس الآخرة (٢).

وعن علي بن الحسين قال : لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة قال : اللهم حبّب الينا المدينة كما حبّبت الينا مكة وأشدّ ، وبارك في صاعها ومدّها ، وانقل حماها ووباءها إلى الجحفة (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ / ٥٥٧ ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٢٥٥٧ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ / ٣٣٧ ح ١٥٦٩. والأحاديث جميعاً في الوسائل ١٤ / ٣٤٧ وما بعدها باب ١٠.

٢٠٨

القسم الثاني

مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قدم إلى المدينة مهاجراً ، القى زمام ناقته فمشت حتى بركت عند باب المسجد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا المنزل إن شاء الله».

ثم أخذ في النزول فقال : (وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) ، وبنى مسجده على أرض تقدر مساحتها بـ «٣٥ × ٣٠» متر ، وأقامه على عشرة أساطين من جذوع النخل ، وزاد فيه السنة السابعة للهجرة حتى صار مربعاً.

واستمر الخلفاء والسلاطين في توسيعه وإعماره جيلاً بعد جيل حتى بلغ اليوم ـ وبعد ألف وأربعمائة سنة من الهجرة ـ «١٦٣٢٦» متراً ، وكانت آخر توسعة له في العهد السعودي زهاء «٦٠٢٤» متراً.

وكان لهذه التوسعات أثراً بالغاً في دثر معالم المسجد الذي بناه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بيديه الكريمتين وبأيدي أصحابه ، إلّا أنّه ـ ومن حسن الحظ ـ لا زالت المعالم الأصلية من قبيل موضع حجراته صلى‌الله‌عليه‌وآله وحدوده الأصلية محددة من خلال تعليم الاسطوانات المنصوبة في الجهات الأربعة في المسجد (١).

__________________

(١) أنظر : ما يخص المسجد النبوي الأعظم مفصلاً في وفاء الوفاء ١ / ٣٢٢ الباب الرابع.

٢٠٩

الحجرة الشريفة وحجرة فاطمة الصديقة :

لمّا بنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده الشريف بنى لأزواجه حجراً ، وبنى حجرة لفاطمة عليها‌السلام ، وكانت هذه الحجرة باقية على حالها إلى سنة (٨٨) هجرية ، وكانت الحجرة الشريفة في يد الامامين الحسنين (عليهما‌السلام).

قال المؤرخون : إنّ حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أدخلت في المسجد بأمر الوليد بن عبد الملك.

قال عطاء الخراساني : أدركت حجرات أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جريد على أبوابها المسوح من شعر أسود ، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يُقرأ يأمر بادخال حجر أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم (١).

محراب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لم يكن في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله محراباً على عهد النبي ، وزمان بعده ، وكان اول من أحدث المحراب عمر بن عبد العزيز حيث بناه في الموضع الذي كان يصلي فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

القبر الشريف :

دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته ويقال لموضع قبره «الحجرة المطهرة» ، وطولها «١٦» متراً وعرضها «١٥» متراً ، ومساحتها الاجمالية «٢٤٠» متراً مربعاً.

وفي زوايا الحجرة الشريفة اسطوانات من الرخام المحكوك بدقة عالية بحيث تميزت عن سائر اسطوانات المسجد.

__________________

(١) انظر للزيادة وفاء الوفاء : الجزء الأول الباب التاسع والباب السادس عشر.

(٢) أنظر : وفاء الوفاء ١ / ٥٢٥ الفصل السابع عشر.

٢١٠

أساطين المسجد النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كان في المسجد النبوي الشريف عدّة أساطين ، بيد أن بعضها صار معلّماً وذا اسم خاص لمناسبة تاريخية أو حادثة مهمة اقترنت بها ، ومنها :

١ ـ أسطوانة التوبة.

٢ ـ أسطوانة السرير.

٣ ـ أسطوانة المحرس.

٤ ـ أسطوانة الوفود.

٥ ـ أسطوانة المهاجرين.

٦ ـ أسطوانة مقام جبرئيل.

٧ ـ أسطوانة التهجد.

١ ـ أسطوانة التوبة :

وهي الأسطوانة التي ربط أبو لبابة نفسه اليها ، وحلف لا يحلّ نفسه حتى يحلّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو تنزل توبته.

فلمّا نزلت توبته جاءت فاطمة عليها‌السلام تحلّه.

فقال : لا حتى يحلّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما فاطمة بضعة مني (١).

٢ ـ أسطوانة السرير :

وكان سرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوضع عندها.

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٣ الفصل السابع.

٢١١

٣ ـ أسطوانة المحرس :

وتسمى أسطوانة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكان أمير المؤمنين يجلس في صفحتها التي تلي القبر ، مما يلي باب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يحرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي خلف أسطوانة التوبة من جهة الشمال.

قال الأقشهري : إنّ أسطوان مصلّى علي ـ كرم الله وجهه ـ اليوم أشهر من أن تخفى على أهل الحرم ، ويقصد الأمراء الجلوس والصلاة عندها إلى اليوم. وذكر أنّه كان يقال لها «مجلس القلادة» لشرف من كان يجلس فيه (١).

٤ ـ أسطوانة الوفود :

وكان رسول الله يجلس اليها لوفود العرب إذا جاءته ، وكانت تعرف أيضاً بمجلس القلادة لشرف من كان يجلس اليها من بني هاشم وسروات الصحابة وأفاضلهم (٢).

٥ ـ أسطوانة القرعة :

وهي الأسطوانة التي هي واسطة بين القبر والمنبر عن يمينها إلى المنبر أسطوانتان ، وبينها وبين القبر أسطوانتان ، وبينها وبين الرحبة أسطوانتان ، وهي واسطة بين ذلك. وإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى اليها بضع عشرة المكتوبة ، ثم تقدم إلى مصلاه الذي وجاه المحراب في الصف الأوسط ، وانّ المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها ، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين ، ويقال : الدعاء عندها مستجاب (٣).

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩ الفصل السابع.

(٢) أنظر : وفاء الوفاء ١ / ٤٤٩.

(٣) أنظر : وفاء الوفاء ١ / ٤٤٠.

٢١٢

٦ ـ أسطوانة مقام جِبرائيل :

كانت باب بيت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المربعة التي في القبر ، وكان مسلم بن أبي مريم وغيره يقول : لا تنس حظك من الصلاة اليها ، فانّها باب فاطمة عليها‌السلام الذي كان علي يدخل عليها منه.

ومن فضلها ما أسنده يحيى عن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحاً يجيىء إلى باب علي وفاطمة وحسن وحسين حتى يأخذ بعضادتي الباب ويقول : السلام عليكم أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).

وفي رواية له : رابطت بالمدينة سبعة أشهر كيوم واحد ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب عليّ كلّ يوم فيقول : الصلاة الصلاة ثلاث مرات (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (١).

٧ ـ أسطوانة التهجد :

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج حصيراً كلّ ليلة إذا انصرف الناس إلى منازلهم ، فيطرح وراء بيت علي ، ثم يصلي صلاة الليل (٢).

وقد دخلت بعض هذه الأسطوانات داخل شباك القبر الشريف ، فحرم المؤمنون من فضيلة الصلاة عندها.

أصحاب الصفة :

الصفة : ظلّة في مؤخر مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأوي اليها المساكين وضعفاء المسلمين ممن لا مأوى له ولا أهل ، واليها ينسب «أهل الصفة».

__________________

(١) و (٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٠.

٢١٣

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر كلّ رجل ، فينصرف برجل أو اكثر ، فيبقى من بقي ، فيؤتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشائه فيتعشى معهم ، فاذا فرغوا قال : ناموا في المسجد ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يجالسهم ويأنس اليهم ، وإذا أتته الصدقة بعث بها اليهم ولم يتناول منها شيئاً ، وإذا أتته هدية أرسل اليهم وأصاب منها وأشركهم منها (١).

عن فضال بن عبيد قال : كنّا نصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيخرّ قوم من قامتهم من الخصاصة.

وروى آخر فقال : لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ، ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء قد ربطوه ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين ، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (٢).

القبة الخضراء :

وهي قبة خضراء جعلت على ما يحاذي سقف الحجرة الشريفة بأعلى سقف المسجد ، تميزاً لها ، وهي مشيدة بالحجر الأخضر ، تبدو للقادم إلى المدينة عن بعد ، وتشدّ اليها روح الناظر ، وتعرج به إلى سماء الحنين إلى سيد البشر وخاتم النبيّين صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الضريح المقدس :

صنع الضريح المقدس من الفولاد ، وله أربعة أبواب :

باب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطرف الجنوبي.

باب فاطمة عليها‌السلام في الجانب الشرقي.

__________________

(١) أنظر : وفاء الوفاء ١ / ٤٥٣ وما بعدها.

(٢) وفاء الوفاء ١ / ٤٥٤.

٢١٤

باب التهجد في الطرف الشمالي.

باب الوفود في الجانب الغربي.

وتوجد في جهة الرأس الشريف عمامة من الزمرد الأخضر تقدر بالمليارات (١).

* * *

__________________

(١) أنظر : كتاب «أقرأ قبل الحج» لآية الله الحاج الشيخ علي الافتخاري الگلپايگاني.

٢١٥

القسم الثالث

المساجد المعروفة في المدينة وضواحيها

في المدينة المنورة مساجد كثيرة نشير إلى أسماء بعضها :

١ ـ مسجد قبا.

٢ ـ مسجد ذو القبلتين.

٣ ـ مسجد الجمعة.

٤ ـ مسجد الفضيخ.

٥ ـ مسجد الفتح.

٦ ـ مسجد الامام علي عليه‌السلام.

٧ ـ مسجد فاطمة عليها‌السلام.

٨ ـ مسجد الغمامة.

٩ ـ مسجد المباهلة.

١٠ ـ مسجد الشجرة.

١١ ـ مسجد أبو ذر.

١٢ ـ مسجد مشربة أم إبراهيم.

٢١٦

١٣ ـ مسجد ردّ الشمس.

١٤ ـ مسجد الاجابة.

١٥ ـ مسجد العسكر.

١٦ ـ مسجد الظفر.

١٧ ـ مسجد النفس الزكية.

١٨ ـ مسجد الأبواء.

١٩ ـ مسجد الجحفة.

٢٠ ـ مسجد غدير خم.

٢١ ـ مسجد بدر.

١ ـ مسجد قبا :

«قبا» قرية تبعد عن المدينة زهاء ميلين ، وقد نزل فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هجرته قبل دخوله المدينة ، حيث أقام هناك ينتظر قدوم أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفواطم.

وفي المعجم الكبير للطبراني عن جابر بن سمرة قال :

لما سأل أهل «قبا» النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبني لهم مسجداً.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام أبو بكر ، فركبها فحرّكها ، فلم تنبعث ، فرجع فقعد.

فقام عمر ، فركبها فلم تنبعث ، فرجع فقعد.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : ليقم بعضكم فيركب الناقة.

فقام علي عليه‌السلام ، فلمّا وضع رجله في غرز الركاب وثبت به.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرخ زمامها وابنوا على مدارها فانّها مأمورة (١).

__________________

(١) وفاء الوفاء ١ / ٢٥١.

٢١٧

وهو المسجد الذي نزل فيه قوله تعالى (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (١).

وتبلغ مساحة المسجد اليوم زهاء (١٣٥٠٠) متراً مربعاً ، وبنايته غاية في الجمال والابداع.

٢ ـ مسجد القبلتين :

ويقع إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة ، وسمي بـ «مسجد القبلتين» لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي فيه صلاة الظهر ، فأمر أن يتوجه إلى الكعبة ونزل قوله تعالى (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) (٢) فاستدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة.

تبلغ مساحة المسجد الحالية زهاء (٣٩٢٠) متراً مربعاً.

٣ ـ مسجد الجمعة :

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج من قباء مقدمه المدينة أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلّاها في بطن الوادي ، وكانت أول جمعة صلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس ، وبني في ذلك الموضع مسجداً سمي بـ «مسجد الجمعة» فكان ثاني المساجد ـ تاريخياً ـ بعد مسجد قبا.

٤ ـ مسجد الفضيخ :

وهو في نهاية شارع العوالي. و «الفضيخ» شراب يتخذ من التمر.

وقيل : إنّ نفراً من المسلمين كانوا يشربون فيه فضيخاً ، فلما حرمت الخمر

__________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٨.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٤٤.

٢١٨

خرج الخبر اليهم ، فحلّوا وكاء السقاء فهراقوه فيه ، وأقاموا مسجداً ، فبذلك سمي مسجد الفضيخ (١).

٥ ـ مسجد الفتح :

وهو المسجد المرتفع على قطعة من جبل «سلع» في المغرب ، غربيه وادي «بطحان» وقد دعا فيه النبي يوم الأحزاب فاستجاب له ربّه ، ونصره على المشركين ، وأباد جحافلهم وهزمهم.

٦ ـ مسجد أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

ويقع جنوب مسجد الفتح مشرفاً على وادي «بطحان» ، وكان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يتعبّد فيه لما كانت المدينة محاصرة من قبل جيوش الأحزاب.

٧ ـ مسجد فاطمة عليها‌السلام :

ويقع بالقرب من مسجد الامام علي عليه‌السلام ، ويعدّ ضمن المساجد السبعة المعروفة ، وتجتمع جميعاً حول مسجد الفتح ومنها «مسجد سلمان».

وقد أغلق باب مسجد «فاطمة عليها‌السلام» في السنين الأخيرة وبني بابه بالآجر في محاولة لمحو هذا المعلم المذكر ببنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن المسلمين والمؤمنين لازلوا يصلون لله ـ تعالى ـ في الساحة الصغيرة من الرصيف الواقع أمام الباب ويأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وهناك مسجد آخر بالقرب من مسجد الغمامة في السوق يقال : أنّه مسجد فاطمة عليها‌السلام أيضاً ، وقد أعيد إعماره في الآونة الأخيرة ، وهو مرتفع عن سطح الأرض عدة أمتار.

__________________

(١) أنظر : وفاء الوفاء ٣ / ٨٢١.

٢١٩

٨ ـ مسجد الغمامة :

قال الواقدي : صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أول صلاة عيد في المدينة في السنة الثانية للهجرة ، فخرج إلى الصحراء ، فبني في ذلك الموضع مسجداً في القرن الثاني للهجرة.

وقيل في سبب تسمية المسجد بمسجد الغمامة : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استسقى هناك ودعا ، فلمّا أتمّ دعاءه تجمع الغمام وهطل المطر.

٩ ـ مسجد المباهلة :

إشارة إلى مباهلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لنصارى نجران حيث خرج صلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم ومعه أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهماالسلام ، فأنزل الله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (١).

وقد تظافرت الروايات عن طرق الخاصة والعامة أنّ المراد من «أبناءنا» الحسن والحسين ، و «نساءنا» فاطمة عليها‌السلام ، و «أنفسنا» أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكانت هذه الآية الشريف خاصة بالأنوار الخمسة.

١٠ ـ مسجد الشجرة :

يبعد هذا المسجد فرسخ ونصف الفرسخ عن المدينة تقريباً ، وإنّما سمي بـ «مسجد الشجرة» لوجود أشجار السدر في المنطقة التي فيها المسجد.

وقد اكتسب هذا المسجد أهمية خاصة من خلال موقعه الخاص ، حيث أحرم منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لحجة الوداع ، وهو الآن ميقات الحجاج الايرانيين ـ وغيرهم ـ للعمرة المفردة وللحج لمن يقصد المدينة قبل أعمال الحج.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

٢٢٠