امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

الشيخ علي ربّاني الخلخالي

امّ البنين عليها السلام النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين

المؤلف:

الشيخ علي ربّاني الخلخالي


المترجم: السيد علي الحسيني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: مطبعة ستار
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٣

وألححت كثيراً على المولى أمير المؤمنين عليه‌السلام وفاطمة الزهراء عليها‌السلام وأم البنين عليها‌السلام.

ومضى علينا أسبوع قبل أن تخرج النتيجة من المختبر ، وبعد أسبوع رأيت في عالم الرؤيا شخصاً ينادي ، وأنا أسمع صوته ولا أرى وجهه ، فقال : يا جعفر زاده ؛ بشراك إننا شافينا زوجتك ، فاستيقظت على هذا الصوت منشرحاً ، فصلّيت نافلة الليل وسجدت لله شكراً ، وصلّيت صلاة الصبح وعدت إلى النوم ، فرأيت مرة ثانية في عالم الرؤيا الامام علي عليه‌السلام ومعه أم البنين عليها‌السلام وقد شرفانا في بيتنا ، فجلست أنا بين يدي مولاي وجلست أم البنين عليها‌السلام قريباً من زوجتي ومسحت بيدها المباركة على موضع الغدة ، وعندئذٍ استيقظت من نومي فجأة وفتحت عيني وأنا أشكر الله ـ تبارك وتعالى ـ على هذه الموهبة العظيمة ، وشكرت سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأم البنين عليها‌السلام. وتيقنت أنّ زوجتي قد شوفيت مما فيها ، فدعوت الناس وأقمت مجلس العزاء في بيتي تعبيراً عن شكري لألطاف أهل البيت عليهم‌السلام كلّ ذلك قبل أن نستلم جواب التحليل ، فلما استلمناه ذهبنا به إلى الطبيب فنظر فيه ونظر إلى موضع الغدة وتبسم في وجوهنا وهو لا يعلم أنّ الطبيب الأصلي أبا الفضل العباس قد سبقه إلى العلاج.

ثم ذيل رسالته بأبيات رائعة بالفارسية في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام وزوجته.

سفرة أم البنين عليها‌السلام :

حدّث السيد صادقي واعظ ، وهو من الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة ومن المبرزين في الحوزة العلمية في قم قال :

كنت أرتقي المنبر في طهران ، وكان اليوم التاسع من المحرم ، فاكتريت سيارة للذهاب إلى مسجد السيد أحمد البروجردي رحمه‌الله حيث كنت أرتقي المنبر هناك ، وكان علينا أن نمر بساحة «الشهداء» باتجاه منطقة «صد دستگاه» حيث يقع المسجد المذكور ، وكان الشارع مزدحماً جداً لا تكاد السيارة تقطع الطريق إلّا بشق

١٦١

الأنفس ؛ وذلك لكثرة المواكب المنطلقة ذلك اليوم ، فتساءل السائق قائلاً : ماذا حدث؟ لماذا كلّ هذا الزحام؟

فقلت له : ألست مسلماً؟! ألا تدري أنّ اليوم هو اليوم التاسع من المحرم ، وهو يوم عزاء أهل البيت عليهم‌السلام ومصابهم.

قال : كلا أنا مسيحي.

قلت : اليوم هو يوم العباس عليه‌السلام.

قال : نعم أنا أعرف أبا الفضل العباس جيداً ، واستطرد قائلاً :

كنت عقيماً محروماً من نعمة الولد ، وبعد زمان رزقت ولداً إلّا أنّه كان مشلولاً مقعداً ، فصرفت كلّ ما عندي وبعت بيتي وسيارتي وأنفقتها في علاجه دون نتيجة.

وفي ذات ليلة دخلت بيتي ـ وكنت مستأجراً أسكن مع صاحب الدار ـ فرأيت زوجتي تبكي فقلت لها : ماذا حدث؟

قالت : إنّ صاحبة الدار دعتني للحضور على سفرة أم البنين عليها‌السلام.

قلت : من هي أم البنين؟

فشرحت لي ما سمعته عنها ثم قالت : لقد أخذت ولدي وأجلسته على سفرة أم البنين عليها‌السلام ، فتعال نجلس هذا الطفل في حجرنا هذه الليلة ونتوسل بأبي الفضل العباس معاً.

وبالفعل اتفقنا وفعلنا ذلك حتى أخذنا التعب ، فتركنا الصبي لحاله واضجعنا في الايوان (البلكون) ، وفي منتصف الليل رأيت ـ بهذه عيني ـ الطفل وقد قام معتمداً على رجليه وأخذ يركض ، ففزعت وصرخت به : ماذا حدث؟

قال : من هذا السيد الفارس الذي جاءني؟

هذه هي معجزة أبي الفضل العباس عليه‌السلام التي رأيتها بعيني فكيف لا أعرفه؟!

* * *

١٦٢

الفصل

الثاني عشر

كرامات أم البنين عليها‌السلام

١٦٣

١ ـ أريد تأشيرة (فيزا)

إلى كربلاء وأريدها اليوم بالذات وليس غداً

قال آية الله الحاج السيد طيب الجزائري ـ حفظه الله ـ ضمن رسالة بعث بها إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه‌السلام» :

كنت أسكن في النجف الأشرف في سنة (١٩٦٢ م) ، وكنت أسافر في كلّ سنة أيام محرم الحرام إلى الپاكستان للتبليغ ، وفي سنة من السنين التقيت في مشهد المقدسة بأحد العلماء الپاكستانيين فسألته عن وجهته بعد زيارة المشهد الرضوي عليه‌السلام فقال : أرجع إلى الپاكستان فقلت له : سماحة السيّد أليس من الخسارة أن تقطع كلّ هذه المسافة فتأتي مشهد المقدسة ثم ترجع من هنا ولا تزور كربلاء والنجف الأشرف؟! في حين أنّ المسافة الباقية هي نصف المسافة إذا احتسبت من مشهد.

فأثر فيه كلامي وعزم على أن يأتي إلى كربلاء ، فاتفقنا وتوجهنا معاً إلى طهران ، ومن هناك إلى السفارة العراقية للحصول على التأشيرة «الفيزا».

فلمّا وصلنا إلى هناك وجدنا أبواب السفارة مغلقة والزوّار مزدحمين على باب السفارة في وضع يرثى له حيث كان الكثير منهم قد فرش فراشه وجلس هناك في الانتظار ، وقد تداخلت صفوفهم وتشابكت بسطهم ، فسألنا فإذا منهم من قد قضى

١٦٤

هناك ليلتين ، ومنهم من قضى ثلاث ليالي ، وأقل من ذلك وأكثر يبيتون على الرصيف ، وباب السفارة لا يفتح إلّا نادراً ، فالتفت إلى صاحبي وقلت له : هل أنت عازم على السفر إلى كربلاء؟

فقال : عجباً!! ولماذا إذن جئت من مشهد إلى هنا؟!

فقلت له : كيف تريد الذهاب إلى كربلاء ووضع التأشيرة كما ترى؟!

قال : لا أعلم.

قلت : أنا أعرف الحلّ!

قال : وما هو؟

قلت له : تنذر ألف صلوات (أي تقول ألف مرة : اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد) لأُم البنين وأنا أيضاً أفعل ذلك وستحصل التأشيرة إن شاء الله.

فنذرنا معاً ألف صلوات على النبي وآله هدية لأُم البنين عليها‌السلام ، ثم وقفنا قليلاً مقابل باب السفارة فلم نر أي طارق يتحرك ذهاباً أو إياباً ، دخولاً أو خروجاً ، فليس من والج ولا من خارج وكأنّ بناية السفارة على ضخامتها مهجورة وليس فيها ديار.

بصيص أمل :

وفجأة قال صديقي : تذكرت الآن أنّي أحمل رسالة إلى سكرتير السفير الپاكستاني ، فلنذهب إليه ونسلمها إياه ما دمنا قد وصلنا إلى هنا ومن ثُمّ نعود إلى هنا لننظر ماذا يكون.

اكترينا سيارة وتوجهنا إلى سفارة الپاكستان ، وبالفعل فقد وجدنا الشخص المطلوب وسلمناه الرسالة ، وكان استقباله لنا حاراً وقد أحاطنا بالحفاوة والتكريم وسألنا : أين ستذهبون بعد طهران؟

١٦٥

قلنا : لقد عزمنا على الذهاب إلى العراق فيما لو حصلنا على التأشيرة.

فقال : من حسن الحظ أنّي ـ أيضاً ـ أريد أن أذهب إلى العراق فاصبروا هنا قليلاً حتى أهيئ وثائقي ونذهب جميعاً إلى السفارة فآخذ لكم تأشيرة معي.

قال ذلك ودخل غرفته واشتغل بطبع الوثائق.

تبدد الأمل مرة أُخرى :

وبعد فترة خرج من الغرفة وقال : تعطلت آلة الطابعة فأرجو أن تصبروا قليلاً حتى استطيع طباعة الوثيقة ثم أصطحبكما إلى السفارة ، قال ذلك ثم دخل الغرفة مرة أُخرى يحاول الاستمرار في الكتابة على آلة الطابعة ....

وبعد حين امتلكني القلق على التأشيرة لأن الوقت المعلن لمنح التأشيرات الذي كتبته السفارة العراقية في لوحة إعلاناتها هي الساعة الواحدة بعد الظهر فيما كانت الساعة الحادية عشر ونحن في السفارة الپاكستانية وصاحبنا غائب لا نعلم أين ذهب وماذا حلّ به وبوثائقه ، والوقت يمضى بسرعة تحطم الأعصاب ، ولكن سرعان ما خرج صاحبنا من الغرفة وهو يحمل رسالة وقال : آسف لا أدري أي مصلحة وراء الأمر فان آلة الطابعة تعطلت تماماً فلم استطع من كتابة الوثيقة الخاصة بي إلّا أنّها عملت بمقدار ما كتبت فيه كتاباً للقنصل العراقي بطلب التأشيرة لكما وأرجو أن توفقا لذلك.

أخذت الرسالة منه فوراً وخرجنا من السفارة واكترينا سيارة وتوجهنا إلى السفارة العراقية ، فنظرت إلى ساعتي فإذا هي الثانية عشرة تماماً.

كانت السيارة تسير بسرعة وتلتهم الطريق التهاماً نحو السفارة ، وأنا أحدّث نفسي وأقول : إنّ الموانع أمامنا ليست باليسيرة ولا بالقليلة ، فكم من مانع يعترضنا :

فأولاً : إنّنا لا ندري أنّ هذه الرسالة موجهة لأي شخص في السفارة ، فلا ندري لمن ينبغي تسليمها سيما وأنّ باب السفارة لا تفتح لأحد من الناس.

١٦٦

وثانياً : إنّهم لن يسمحوا لنا بلقاء القنصل بأي حال.

وثالثاً : هب أننا عرفنا الشخص ووصلنا إلى القنصل ، ولكن من قال أنّ هذه الرسالة ستؤثر لأننا لسنا من العاملين في السفارة الپاكستانية وإنما نحن أفراد عاديين.

وحينئذ توجهت لسيدتي أُم البنين عليها‌السلام وخاطبتها قائلاً : يا سيدتي يا أُم البنين عليها‌السلام إنّي أريد تأشيرة إلى كربلاء وأريدها اليوم بالذات وليس غداً ؛ وذلك لأني لو حصلت عليها في الغد فهو أمر عادي ، وأنا أريد أن أحصل عليها بشكل خارق للعادة ؛ لأنني أعلم أنّ الحصول على التأشيرة اليوم وفي هذا الوقت الضيق والحرج قضية مستحيلة فإذا حصلت على التأشيرة اليوم فاني سأتيقن بما لا يعتريه الشك أن ذلك من ألطافكم.

وأخيراً توقفت السيارة أمام مبنى السفارة العراقية ، وما أن وصلنا إلى الباب حتى رأينا باب السفارة تفتح وخرج منها رجل انجليزي ، فدخلنا أنا وصاحبي فوراً فسألنا البواب : لماذا دخلتم؟ فلم نجبه وإنّما قدمنا له الرسالة المذكورة فأخذها البواب وأغلق الباب وقال : قفا مكانكما حتى أعود ، قال ذلك وذهب مسرعاً إلى الداخل. فقمنا هناك وقوفاً على أقدامنا والهواجس تعصف في قلوبنا ، فحدثت نفسي : إنّ هذا البواب سيعود ويجيبنا بالرد ، وعلى فرض أنّه لم يردنا فانه سوف يؤجلنا إلى غد أو بعد غد ؛ لأنّ هذا هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن تصوره فيما لو لم يردنا إلّا أن تحدث معجزة ، وفي هذه الاثناء جاء البواب يحمل معه إستمارتين وسألنا : هل معكما صور فتوغرافية قلنا : نعم. قال : إذن املأوا هذه الاستمارات.

فكّرنا أنّ علينا أن نملأ الاستمارات بدقة لئلا نخطأ في الجواب على الأسئلة الكثيرة والمعقدة التي فيها ، فمن المحتمل أن يرد طلبنا إذا كانت ثمة إشباهات أو إرتباكات في الأجوبة ، ولهذا كنا نحتاج إلى وقت أكثر لملأ الاستمارات ، بيد أنّ

١٦٧

البواب استعجلنا ولم يمهلنا وقال : تعجلوا ولا تتأخروا فانّ القنصل على وشك الخروج من السفارة. فاضطربنا وملأنا الاستمارات كيف ما اتفق وبحط ردئ لا يكاد يسلم منه حرف ، فكتبنا مكان اسم الأب اسم الأُم ، ومكان اسم الأُم اسم الأب ، وهكذا قدمنا الاستمارات والصور والجوازات ، فأخذها البواب وقال : اذهبوا الآن وانتظروا في الخارج إلى الساعة الواحدة وستسمعون الجواب من البوابة الصغيرة التي نسلّم منها الوثائق.

خرجنا إلى الشارع فنظرت إلى ساعتي فوجدت أنّ علينا أن ننتظر عشرين دقيقة أُخرى حتى تكون الساعة الواحدة ، فتوجهنا إلى البوابة الصغيرة (النافذة) وقلوبنا تخفق ولها وجيب ؛ لأننا لا ندري ماذا ستكون النتيجة؟

وفي تمام الساعة الواحدة انفتحت النافذة وأخذوا ينادون بالأسماء الواحد تلو الآخر ، وكان الاسم الأول هو اسمي ومن بعده اسم صاحبي ، فدفعوا إلينا الجوازات فأخذتها وقلبي يخفق لأني لم أكن بعد مصدّقاً ، ففتحت الجواز متوجساً مترقباً قلقاً مضطرباً ، فوجدت فيه تأشيرة لثلاثة أشهر ، فغمرتني الفرحة وامتلكني البكاء ، فتحادرت دموع الفرح من عيني.

أخذنا الجوازات وتوجهنا من هناك فوراً إلى حرم السيد عبد العظيم الحسني عليه‌السلام في ري وبعد الزيارة والصلاة أدى كل واحد منا ألفي صلوات بدل الألف التي نذرها ، وأهديناها لأُم البنين عليها‌السلام.

نرجو من الله أن يقضي حوائج جميع المؤمنين ببركة أُم باب الحوائج قمر بني هاشم أبي الفضل العباس عليه‌السلام. آمين.

١٦٨

٢ ـ شملتنا رحمة الله

حدثني الشيخ علي مير خلف زاده عن أحد المؤمنين قال : اشتريت بيتاً سنة (١٩٨٦ ـ ١٩٨٧ م) وكان قديماً متهاوياً على أثر الأمطار وإهمال الورثة ، وكان مهجوراً ولا تزيد مساحته على ثلاثين متراً مربعاً ، فعزمت على بناء مرافق صحية له ، فلمّا باشرنا العمل كانت ضربة المعول الأُولى كافية لانهيار سقف الغرفة بالكمال والتمام ، بيد أنّ رحمة الله الرؤوف الرحيم شملتنا فلم نصب بأذى ، والحمد لله ، ولكن مصيبتي صارت مصائب عديدة لأني لا أمتلك ما يساعدني على إعادة بناء الغرفة ، ولا ترميم البيت المتداعي على أثر الخراب الذي لحقه فوق ما فيه.

وبعد مرور عدة شهور شملتنا عناية المولى صاحب الأمر والزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فاستطعت من إعادة بناء البيت ، فاضطررت هذه المرة ـ طبق القانون ـ إلى استأذان «البلدية» ، ولمّا دخل المسؤولون إلى البيت أخذوا يمطرونا بالاشكالات التي تذكرك ببني إسرائيل وتدقيقاتهم ، ويضعوا الموانع تلو الموانع ، ويؤجلونا كلّ يوم إلى بعده ، فرأيت أنّ الأمر إذا دام كذلك فانه يلزم أن تستمر القضية إلى شهور عديدة ، فنذرت مائة صلوات لأُم البنين عليها‌السلام اقرؤها بقصد طلب السلامة للامام صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه ـ فلعل الله أن يرحمني وينجز عملي بسرعة.

١٦٩

وما أن شرعت بها حتى ناداني المهندس المسؤول وقال : لا تقلق فليس في عملك أي إشكال وسأنجز لك ما تحتاجه من قضايا قانونية بنفسي.

وبالفعل فقد تمّ ما كان ينبغي أن يتم في عدة شهور خلال يومين فقط ببركة ذلك النذر وببركة «اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» (١).

__________________

(١) عن كتاب «داستانهايى از صلوات بر محمد وآل محمد» : ٩٩ ـ ١٠٠.

١٧٠

٣ ـ لماذا رفضت زيارة أُمي؟

حدّث المرحوم الحاج عبد الرسول علي الصغار ، التاجر المعروف ، ورئيس غرفة تجارة بغداد حينذاك قال :

في الخمسينات تشرفت بحج بيت الله الحرام وزيارة النبي وأهل بيته العظام ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ وكان زملائي في السفرة كلّ من السيد هادي مگوطر ، من السادة المحترمين ومن رؤساء عشائر الفرات من رجال ثورة العشرين ضدّ المستعمر الانجليزي ، والشيخ عبد العباس آل فرعون ، رئيس عشائر آل فتلة ، وهي أعرق وأكبر عشائر الفرات الأوسط في العراق.

ولمّا وصلنا المدينة المنوّرة للتشرف بزيارة المرقد الطاهر للرسول الأعظم ومراقد أهل بيته الطاهرين ـ صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ـ ، وفي عصر أحد الأيام قصدنا كالعادة زيارة مراقد الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام في «بقيع الغرقد» وبعد الانتهاء من مراسيم الزيارة قصدنا زيارة قبور المنتسبين إلى أهل البيت عليهم‌السلام وبعض الصحابة الكرام حتى انتهينا إلى قبر السيدة فاطمة بنت حزام الكلابية «أُم البنين» أُم العباس عليه‌السلام.

فقلت لعبد العباس آل فرعون : تعال نزور قبر «أُم البنين».

١٧١

فأجابنا بتعاليه وغطرسته المعهودتين : دعنا من هذا ، أتريدنا نزور النساء هذه المرة ونحن رجال.

وتركنا وخرج من البقيع ، ذهبت أنا والسيد هادي المگوطر لزيارتها.

وفي فجر اليوم التالي استيقظت من نومي وتفقدت عبد العباس فلم أجده في فراشه ، وكنا في غرفة واحدة ، فانتظرته قليلاً وقلت في نفسي : ربما ذهب إلى الحمام ، ولكن طال انتظاري ولم يعد ، فقلقت عليه ، وأيقظت زميلي الآخر السيد هادي المگوطر وقلت له : أين ذهب يا ترى؟ فهذه بعض ملابسه ، كما أنّ هميانه لا يزال تحت وسادته ، فاشتد قلقنا عليه أكثر فأكثر. ولما طالت مدة غيابه بدأنا نفكر إلى أين نذهب؟ وكيف نبحث عنه؟ ومن نسأل؟ وممن نستفسر؟

وبعد فترة قصيرة فتح باب الغرفة ودخل علينا وهو في حالة مثيرة من شدة تأثره ، وعيناه حمراوان كعلقة الدم من شدة البكاء ، فقمنا بوجهه وقلنا له : خيراً إن شاء الله ، أين كنت ، وما هذه الحالة التي نراك عليها؟ قال : دعوني استريح حتى أحدثكم : وبعد أن استقرّ به المقام واستراح قال : تذكرون حادثة عصر يوم أمس عندما رفضت زيارة قبر اُم البنين عليها‌السلام وخرجت من البقيع؟

قلنا : نعم نتذكرها جيداً.

فقال : قبل الفجر رأيت فيما يرى النائم كأني في صحن أبي الفضل العباس عليه‌السلام في كربلاء ، ورأيت الناس يدخلون إلى الحرم الشريف زرافات زرافات لزيارة أبي الفضل العباس ، وعندما هممت بدخول الحرم الشريف مع الداخلين منعت من الدخول فاستغربت وسألت : من الذي منعني؟ لماذا لم يأذن لي بالدخول؟

قال الحارس : إنّ سيدي أبا الفضل قد أمرني بذلك.

فقلت للحارس : لماذا؟

قال : لا أعلم.

١٧٢

وكلما حاولت أن أعرف السبب لم أعرفه ، وهممت بالدخول مراراً فمنعت أشد المنع ، وحيل بيني وبين دخول الحرم حتى وصل بي الأمر إلى التوسل والبكاء على رغم عزة دمعتي وندرتها ـ كما تعلمون ـ حتى أضناني التعب والاجهاد ، ولما لم أجد نتيجة توسلت هذه المرة بالحارس ورجوته أن يذهب إلى سيدي أبي الفضل ويسأله عن سبب منعي من الدخول إلى حرمه؟!

ذهب الحارس برهة ثم رجع وقال : يقول لك سيدي أبو الفضل : لماذا رفضت زيارة قبر أُمي وتعاليت عليها؟ فاني لا آذن لك بالدخول حتى تقصدها وتزورها.

فاستيقظت لهول الرؤيا فزعاً وذهبت إلى البقيع مسرعاً وبدون شعور لزيارة قبر السيدة الطاهرة أُم البنين ، والاعتذار إليها عما صدر مني من التقصير تجاهها ، والتوسل إليها لتشفع لي عند ولدها ليعفو عني ويقبلني ، وها أنا قد رجعت من عندها تواً كما ترون. سلام الله عليهم أجمعين (١).

__________________

(١) ذكرياتي للشاكري ٢ / ١١٧.

١٧٣

٤ ـ إنبهار لجنة الأطباء

بعث الحاج السيد جواد الموسوي الزنجاني إمام جمعة «شهرك قدس» برسالة إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه‌السلام» ضمنها الكرامة التالية لأُم البنين عليها‌السلام. قال : رجعت ابنتي من المدرسة إلى البيت قبيل الغروب ، بيد أنها لم تكن كعادتها بشوش منطلقة ؛ بل كانت منكمشة تشكو صداعاً شديداً وآلاماً مبرحة في رأسها ، وكانت تأنّ وتتضور وتتقيأ بين الفنية والأُخرى ، فلما رأيتها بتلك الحالة داخلني حزن شديد واضطراب وقلق ، فسارعت بها إلى الدكتور «شمس» ففحصها الطبيب ولم يستطيع من تشخيص المرض وقال : إنّه زكام ، وكتب لها وصفة طويلة عريضة تراكمت فيها الأدوية ثم قال : خذها إلى البيت واعطها الأدوية فان حسنت فالحمد لله وإلّا فيمكنك الاتصال بي وأنا اليوم طبيب خفر في مستشفى «سينا».

أخذتها إلى البيت وأعطيتها الأدوية فلم تتحسن ، فاتصلت بالطبيب الخفر وقلت له : إنّ المريض لم تتحسن حالته على أثر الدواء بل ازدادت سوءاً ، وهي الآن يغمى عليها ساعة بعد ساعة.

فقال : انقلها فوراً إلى مستشفى «مهر».

فنقلناها فوراً إلى هناك ، فلما فحصها الطبيب المتخصص قال : إنّها مصابة بـ «منزيت» حاد قد سرى إلى تمام أرجاء المخ ولم يبق فيه منطقة سالمة ، وهذا

١٧٤

النوع من الالتهاب الحاد لا يمكن معالجته بعد أن يصل إلى هذا الحد ، لقد فات الأوان لأن الجراحة استوعبت كل مكان.

فلما سمعنا كلام الطبيب أسقط ما في أيدينا ، واهتز أرحامي ومن معي للخبر ، حتى أخذ بعضهم يصرخ صراخاً جنونياً في ردهات المستشفى ، وسقط بعض إلى الأرض.

وأخيراً تشكلت لجنة طبية من أطباء المستشفى ومن خارج المستشفى ، ووقف الجميع على سرير المريض ، واتصل وزير الصحة يومذاك وأوصى المسؤولين والأطباء باجراء اللازم والاهتمام الفائق ، فبذلوا ما في وسعهم وحالة ابنتي من سيء إلى أسوء ، ولا زالت في حالة الاغماء الكامل.

وبقيت هكذا إلى ليلة التاسع من المحرم وكنت في حالة عسيرة جداً حيث أنظر إلى ابنتي المريضة فأجدها قد تقطعت بها الأسباب الظاهرية ، وقد يأس الأطباء من علاجها يأساً مطلقاً ، ومن جهة ثانية أرى البيت يغرق في الصراخ والعويل والندبة رجالاً ونساءً ، فأحسست بالاضطرار ، ودخلت غرفتي فصليت ركعتين ، وبعد الفراغ منهما صلّيت على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديتها لأم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس سيدتي ومولاتي أم البنين عليها‌السلام ، وتوجهت اليها بالخطاب فقلت لها : سيدتي إنّ كل ولد صالح يطيع أمه وأنا أرجوك وأتوسل اليك يا سيدتي العظيمة وزوجة أمير المؤمنين الوفية أن تطلبي من ولدك باب الحوائج أبي الفضل العباس أن يطلب شفاء ابنتي من الله ـ عزّ وجل ـ.

وانتظرت حتى وقت السحر فاتصل بي مرافق المريض من المستشفى قبل الفجر وقال : البشرى لقد خرجت المريضة من الاغماء وهي الآن في وعي كامل.

فخرجت مسرعاً أسابق رجلاي ، واقتحمت المستشفى اقتحاماً ، فوجدتها في حالة عادية تتكلم وترى ، في حين كان الأطباء المتخصصون قد أخبرونا أن

١٧٥

احتمال شفاء المريض أقل من واحد بالألف ، وعلى هذا الفرض فلابد أن تفقد بصرها أو سمعها أو تصاب بشلل ، ولا يمكن بحال أن تنجو من كل هذه الحالات أو من واحدة منها ، إلّا أن بركة أم البنين عليها‌السلام وولدها أبي الفضل العباس شفتها شفاءً كاملاً دون أي نقص ، وكانت يومها مخطوبة ، وهي الآن تعيش مع زوجها وقد رزقها الله طفلين سالمين.

والجدير بالذكر : أنّ في نفس تلك الليلة التي شوفيت ابنتي ببركة أبي الفضل العباس أخبرتني إمرأة صالحة من جيراننا أنها رأت أبا الفضل العباس في الرؤيا وقال لها : إنّ الموسوي طلب مني شفاء ابنته وقد أعطاني الله شفاءها ؛ أوصيه أن يهتم بالمآتم التي تقام لي وبمن يقيمون عزائي ، وأنا ـ امتثالاً لأمر المولى ـ استقبل سنوياً في يوم تاسوعاء المواكب في بيتي حيث يقصدونه لطماً على الصدور وضرباً بالسلاسل وأنا أقدم لهم خروفين في كلّ عام.

١٧٦

٥ ـ دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام

في شهر ذي الحجة من عام (١٤١٥ هـ) كان عبد الحسين وعائلته يعودون من سفرة لهم إلى العاصمة بغداد ، وفي الطريق تعطلت السيارة فجاءة ، وكلما حاول عبد الحسين أن يكتشف العطل ليصلحه ويعاود المسير لم يفلح أبداً ، وبقي وسط الطريق حائراً لا يدري ماذا يفعل ، وبدأ الخوف يتسرّب إلى قلبه وقلب مرافقيه وخصوصاً زوجته ، فقد أقبل عليهم الليل وأخذ الظلام يداهمهم رويداً رويداً ، والأرض مقفرة ولا من مستطرق يمر في الشارع ، فالوحدة والغربة والظلام والصحراء والحيوانات واحتمال المداهمة من أي قاطع طريق أو حيوان مفترس أو لص ، وهنا توجهت زوجة عبد الحسين إلى الله سامع الدعوات وقالت : رباه نجنا مما نحن فيه بحرمة أم البنين عليها‌السلام التي يتحدث الركبان بكراماتها يسرّ لنا أمرنا ، وفجاءة لاح لهم قادم من بعيد ، فظن عبد الحسين أنّه يعرف تعمير السيارة ، فقصده وسأله أن يعينه ، فاستجاب الرجل وجاء يتفحص السيارة فلم يكن بأنفع من عبد الحسين نفسه ، وسرعان ما أعلن عن عجزه وتقدم لعبد الحسين باقتراح أن يبحث عن سيارة تجره إلى المدينة!! ثم انصرف إلى حيث يريد ، وزوجة عبد الحسين لا زالت تكرر بصوت متحشرج ولهجة خاضعة خاشعة متوسلة «دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام».

١٧٧

فعاد عبد الحسين إلى سيارته وحاول تشغيلها من جديد فما أن دار المفتاح حتى علا صوت الماكنة وانطلقت السيارة على أحسن ما يرام وأخذت تلتهم الطريق وتسابق الريح حتى وصلت بهم إلى باب الدار ببركة أم البنين عليها‌السلام ، وزوجة عبد الحسين ما فتر لسانها عن تكرار «دخيلك يا أم البنين عليها‌السلام» (١).

__________________

(١) عن كتاب أم البنين : ٤٨ ، للسيد سلمان هادي طعمة.

١٧٨

٦ ـ شكراً لك يا أم البنين عليها‌السلام

توفيق أفندي موظف حكومي من أهل الموصل ، وكان يسكن كربلاء بحكم وظيفته.

وفي أوائل الشهر السابع من سنة (١٩٦١ م) أحس فجأة بآلام مروعة في مثانته ، فراجع الطبيب المتخصص في العاصمة (بغداد) فأجريت له فحوصات وتحليلات أثبتت أنّه يحمل «حصاة» كبيرة جداً وذات شعب بحيث لا يمكن استخراجها إلا بعملية جراحية.

وما أصعب العملية الجراحية يومها إلّا أنّه استسلم للأمر الواقع واتفق مع الطبيب على تاريخ إجراء العملية ثم عزم راجعاً إلى كربلاء بانتظار اليوم الموعود.

فلما وصل إلى كربلاء عرج إلى زيارة الحسين عليه‌السلام وأخيه أبي الفضل العباس قبل أن يدخل بيته ، وفي حرم أبي الفضل رأى توفيق أفندي شاباً واقفاً وبيده كيس صغير فيه «آبنبات» (١) فقدم لتوفيق أفندي وقال له : خذ منه واحدة وانذر لله أن يشفيك فتشتري من هذا كيلو وتوزعه باسم أم البنين عليها‌السلام ، فنذر توفيق أفندي لله واستشفع بأم البنين عليها‌السلام ورجع إلى بيته ، وبات ليلته ، وفي صباح اليوم التالي استيقظ

__________________

(١) نوع من الحلوى تصنع من السكر والزعفران.

١٧٩

وقد استولى عليه الألم وأخذ منه كلّ مأخذ ، فانتبه إلى أن «الحصاة» قد سدّت عليه سبيل البول وبعد عصرة شديدة من الألم الذي هجم عليه رأى «الحصاة» تخرج منه وكانت بشكل مذهل ، فأصابه الذعر ، وبعد لحظة غمره الفرح ، فخرج إلى الشارع وهو يصرخ : الحمد لله .. الله أكبر .. شكراً لك يا أم البنين عليها‌السلام .. وتوجه من هناك إلى حرم أبي الفضل العباس وأدى نذره (١).

__________________

(١) عن أم البنين : ٤٣ ، لسلمان هادي طعمة.

١٨٠