حاشية السّيالكوتى على كتاب المطوّل

عبد الحكيم السيالكوتي

حاشية السّيالكوتى على كتاب المطوّل

المؤلف:

عبد الحكيم السيالكوتي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات الشريف الرضي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٣

عليه منشأها عدم التدبر فى كلامه وانت خبير بالفرق بين الوجه الذى ذكرناه وبين الوجه الذى ذكره السيد فان ما ذكرنا يدل على عدم كون الجملة دالة على حال شئ آخر وما ذكره يدل على عدم كونها دالة على حال الجملة فتدبر (قوله لدفع توهم تجوز او غلط) سواء كان للسهو او للنسيان او لسبق اللسان وقد مر فى بحث تأكيد المسند اليه ان التأكيد المعنوى قد يكون لدفع توهم الغلط نحو جاءنى الرجلان كلاهما فانه يدفع توهم الغلط بتلفظ التثنية مكان المفرد او الجمع دون تثنية اخرى على ان كلامه لا يدل على ان يكون كل واحد من التأكيد المعنوى واللفظى لدفع كلا الامرين من الغلط والتجوز فليكن على سبيل التوزيع (قوله مع الاختلاف فى المعنى) المراد بالاختلاف والاتحاد ههنا الاتحاد والاختلاف فى المعنى المقصود لا فى المعنى المدلول فانه لا بد منه (قوله وهذا على تقدير الخ) اى كونها مؤكدة بالنسبة الى ذلك الكتاب على هذا التقدير بخلاف ما اذا اعتبر (الم ذلِكَ الْكِتابُ) جملة واحدة فان لا ريب فيه موكدة ايضا لكن لا بالنسبة الى ذلك الكتاب (قوله جملة مستقلة) اسمية بان يكون التقدير الم هذا او هذا الم او فعلية بان يكون التقدير اقسم بالم فيكون الجار محذوفا او اذكر فيكون منصوبا وعلى التقادير الم اما اسم السورة او القرآن او اسم من اسماء الله تعالى او مأول بالمؤلف من هذه الحروف (قوله او طائفة من الحروف الخ) واقعة فى اوائل السور على سبيل التعداد للتحدى من غير ان يكون لها محل من الاعراب كما ذهب اليه صاحب الكشاف (قوله كان ما عداه الخ) كان الظاهر ان يقول كان ما عداه من الكتب بالنسبة اليه ليس بكتاب كما قال كان ما سواه بالنسبة اليه ليس برجل او يقول وما عداه بالنسبة اليه ناقص الا انه اورد كان رعاية للتأدب فى اطلاق النقصان على ما عداه من الكتب الالهية كذا قيل والاوجه انه اشارة الى ان المقصود من حصر الجنس الدلالة على كماله فيه لا التعريض بنقصان غيره كما مر من ان قولك زيد الشجاع قد يقصد به مجرد كمال شجاعته وقد يتوسل بذلك الى التعريض بنقصان شجاعة غيره ممن يدعى مساواته فى الشجاعة (قوله نفيا لذلك التوهم) فتوهم الجزاف فى ذلك الكتاب بمنزلة توهم التجوز فى جاءنى زيد لاشتراكهما فى البناء على المساهلة ودفع هذا التوهم على تقدير كون الضمير المجرور فى لا ريب فيه راجعا الى الكلام السابق اعنى ذلك الكتاب ظاهر كانه قيل لا ريب فيه ولا مجازفة وان كان راجعا الى الكتاب كما هو الظاهر فبناء على انه اذا لم يكن ريب فى كونه كاملا غاية الكمال لم يكن قول ذلك الكتاب بالمجازفة* قال قدس سره ذكر صاحب الكشاف الخ* فى الرضى اختلفوا فى التأكيدات المجتمعة فقال

٣٨١

ابن برهان ان كل واحد منها تأكيد لما قبله وقال غيره بل كل واحد منها تأكيد للمؤكد الاول فاختلاف الشيخين فى هدى للمتقين فى انه تأكيد للاريب فيه او لذلك الكتاب مبنى على ذلك الاختلاف والاتجاه المذكور بقوله فيتجه عليه ان الانسب الخ ليس بشئ لان كل واحد من التأكيدين اذا كان متحدا بالمؤكد كان كل واحد منهما متحددا بالآخر فيكون بينهما ايضا كمال الاتصال كما كان بالقياس الى المؤكد (قوله لما فى تنكير هدى الخ) يعنى يفيد تعظيم الهداية وتعظيم الهادى يفهم بسبب حمله عليه وجعله عين الهدى (قوله هذا داخل فى الهداية) هذا انما يفيد لو كان السند مساويا والجواب التام ان يقال التقديم للحصر مبالغة اعتناء بشان هذا التفاوت بتنزيل غيره منزلة العدم (قوله لكن ذكر الشيخ الخ) كان الشيخ نظر الى ان المقصود من نفى الريب فيه اثبات كونه كتابا كاملا غاية الكمال فيتحد الجملتان فى المعنى والظاهر ما قاله السكاكى رحمه الله تعالى فان المقصود منه نفى الريب فيه بالكلية ويتوسل بذلك الى كونه بالغا غاية الكمال فيختلفان فى المعنى المقصود مع تقرير الثانية للاولى باعتبار لازمها (قوله او كغير الوافية) لكونها مجملة او خفية الدلالة (قوله اى بشان المراد) فلابد من اتمامه وايفائه ولم يرجع الضمير الى تمام المراد لان الاعتناء بشان المراد يقتضى ان يبالغ فى التمام (قوله او فظعيا الخ) فلفضاعته او لكونه عجيبا او لطيفا لا يدركه العقل ابتداء يكون اعتناء بشانه فيبدل عنه ليتقرر فى ذهن السامع (قوله لما بين البدل والمبدل منه من كمال الاتصال) بان لوحظ ان الجملة الاولى مذكورة فترك العاطف لكمال الاتصال وان اعتبر انها غير مذكورة حكما لكونها فى حكم المنحى فالترك لكون الجملة الثانية عارية عن المعطوف عليه وفى كلام المفتاح اشارة الى الوجه الثانى ايضا* قال قدس سره ثم الجمل الخ* لا يخفى انه لم يبين معنى لا سيما فانه يقتضى ان لا يتحقق كونه مقصودا بالنسبة فى الجملة مطلقا مع رجحان عدم تحققه فى الجملة لا محل لها ووجهه ان كونه مقصودا بالنسبة فرع كونه منسوبا اليه او منسوبا والجملة من حيث هى جملة ليست كذلك الا اذا اولت بالمفرد فالجمل التى لا محل لها ارجح لعدم قبولها التأويل بخلاف التى لها محل فانه لا يتصور فيها كونها مقصودة بالنسبة من حيث انها جمل ويتصور فيها ذلك من حيث وقوعها موقع المفرد وتأويلها به واما ما قيل فى توجيهه من ان المراد ان الجمل لا يتحقق فيها مجموع الامرين لا سيما فيما لا محل لها من الاعراب فانه لا يتحقق فيها شئ منهما فتعسف* قال قدس سره ولهذا جاز الخ* لا يخفى انه يمكن اعتبار هذا المعنى فى بدل الكل ايضا بان يكون

٣٨٢

فى الجملة الثانية من زيادة التفصيل او الايضاح او التقرير ما ليس فى الاولى وان اتحدتا فى المعنى وبهذا يتميز عن بدل البعض والاشتمال وتلك الزيادة توجب الاعتناء بشانها واستيناف القصد بها فينزل الثانية منزلة بدل الكل ولذا قال الشارح رحمه الله تعالى فى شرح المفتاح وتبعه السيد ان الجملة الثانية فى قوله تعالى (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) يشبه ان يكون بدل الكل من الكل الا ان اتحادهما فى المعنى يقوى جانب التأكيد (قوله والمقام يقتضى اعتناء بشانه) اى بشان التنبيه المذكور (قوله لكونه مطلوبا فى نفسه) لان ايقاظهم عن سنة غفلتهم عنها مطلوب فى نفسه فانه مبدأ كل خير (قوله او ذريعة الى غيره) اى التقوى المذكور قبله بقوله (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) بان يعلموا بذلك التنبيه ان من قدر ان يتفضل بهذه النعمة فهو قادر على الثواب والعقاب فاتقوه ومن لم يفهم جعل الضميرين المجرورين راجعين الى نعم الله تعالى بتأويل المذكور وفسر النعم المطلوبة فى نفسه بالاكل والشرب والذريعة بما يتوسل به اليهما وكلمة او للتعميم (قوله فان المراد الخ) بقرينة لو له والافكن فى السر والجهر مسلما كما سيجئ والا فمعناه الحقيقى طلب الرحلة ثم ان دلالته على اظهار الكراهة بتلك القرينة ظاهرة واما دلالته على كمال اظهار الكراهة للم ببينه الشارح رحمه الله تعالى ههنا لادعائه الظهور حيث قال فى شرح المفتاح كون المقصود من ارحل كمال اظهار كراهة اقامته مما لا يشتبه على من له ادنى معرفة الكلام وقال السيد فى شرحه وذلك ان الرجل اذا كره اقامة من يصاحبه لمخالفة سره عليه ربما رمز الى كراهته رمزة خفية وربما ارسله فيما لا يعنيه فاذا قال له رحل فقد كمل اظهار الكراهة لانه يدل على ارادة الارتحال المستلزم لكمال الكراهة انتهى وعلى هذا الوجه يكون فى لا تفم مع قطع النظر عن التأكيد دلالة على كمال اظهار الكراهة ايضا لانها اقوى من دلالة الرمز والارسال الا ان دلالة ارحل على كمال اظهار الكراهة التزامية ودلالة لا تتم عليه مطابقية فيكون وفى بتأدية المراد من ارحل من وجهين هذا الوجه ووجه اشتماله على التأكيد دون ارحل وهذا ما اختاره فى شرح المفتاح لكون عبارته صريحة فى ذلك حيث وقع فيه فصل لا تقيمن من ارحل لقصد البدل لان المقصود من كلامه هذا كمال اظهار الكراهة لاقامته بسبب خلاف سره العلن وقوله لا تقيمن عندنا او فى بتأدية هذا المقصود من ارحل لدلالة ذلك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد ودلالة هذا عليه بالمطابقة مع التأكيد فانه صريح فى ان لا تقيمن او فى من وجهين الدلالة بالمطابقة وكونه مشتملا على التأكيد ويمكن ان يقال ان دلالة ارحل على كمال

٣٨٣

اظهار الكراهة لانه يدل على اظهار الكراهة بواسطة قوله والا فكن فى السر والجهر مسلما فيلزم منه اظهار الكراهة مع التنبيه كانه قيل ارحل لمخالفة سرك علنك فيكون دلالته على اظهار الكراهة اقوى وهو معنى كمال الاظهار وعلى هذا الوجه لا يكون لا تقيمن بدون اعتبار التأكيد دالا على كمال الاظهار بل بواسطة التأكيد ويكون لا تقيمن او فى من ارحل من وجه واحد وهو انه دال على كمال الاظهار بالمطابقة وارحل بالالتزام وهذا ما ذكره الشارح رحمه الله تعالى فى الجواب من ان لا تقم يدل على مجرد اظهار الكراهة ولا تقيمن على كمال اظهار الكراهة وعبارة المتن تحتمل التوجيهين بان يكون قوله مع التأكيد متعلقا بالدلالة فيفيد مقارنة الدلالة مع التأكيد فى كون لا تقيمن او فى وان يكون حالا من ضمير دلالته فيفيد ان دلالته عليه بالمطابقة حال كونه مع التأكيد دون حال خلوه عنه والى التوجيه الثانى اشار فى الجواب والى الاول فى قوله وقريب من هذا ما يقال الخ فان قوله مع انه ليس فيه شئ من التأكيد يدل على ان فى لا تقيمن دلالة بالمطابقة مع شئ من التأكيد فما توهم ان ما ذكره فى الجواب مخالف لما فى المتن منشأه قلة التدبر فتدبر* قال قدس سره اذ ليس المقصود كمال الاظهار فقط الخ* هذا مجرد دعوى لا دليل عليه لم لا يجوز ان يكون المقصود اظهار الكراهة بحيث لا تبقى فيه شبهة وان كانت الكراهة غير كاملة بان يكون المخاطب (٧) مما يكفه الكراهة القليلة من المتكلم اذا علمها يقينا* قال قدس سره لان الاعتناء بشان الخ* او لان المقصود الفرق بين الجملتين بكون الثانية او فى ولا مدخل فى ذلك لكون الكراهة شديدة او ضعيفة* قال قدس سره يدل فى الجملة* لان الاعتناء باظهار شئ يكون فيما يعتنى بشانه فى الاغلب* قال قدس سره يدل على كراهة شديدة باعتبار اشتماله على التأكيد* وفيه اشارة الى اختيار التوجيه الثانى* قال قدس سره كمال اظهارها* لكون الدلالة واضحة واظهار كمالها لدلالتها على الكراهة الشديدة* قال قدس سره فيقول الخ* على صيغة الغيبة معطوف على لا يفرق للاشارة الى ان مذهبه عدم الفرق بين الطلب المخصوص اعنى طلب الفعل من الغير وبين ارادته منه لا عدم الفرق بين مطلق الطلب والارادة اذ لم يذهب احد الى عدم الفرق بين الارادة والطلب باقسامه الخمسة* قال قدس سره فيكون مدلول الامر الخ* لان النهى مقابل الامر فاذا كان مدلوله الارادة كان مدلول النهى ضدها فافهم فانه قد خفى على بعض الناظرين فاعترض بما يمجه الاسماع* قال قدس سره واذا اكد الخ* فيه ايضا اشارة الى التوجيه الثانى* قال قدس سره

__________________

(٧) مما يكفيه الخ نسخه

٣٨٤

وذلك الخ* وخلاصته ان الشارح رحمه الله تعالى قال انه حقيقة عرفية وذلك القائل بانه مقصود منه قصدا صريحا سواء كان حقيقة او مجازا مشهورا فهذا لكونه اعم مما قاله الشارح رحمه الله تعالى قريب منه* قال قدس سره اذا فهم منه معنى الخ* اى من غير قرينة كما فى لا تقيمين لا يخلو عن ان يكون حقيقه عرفية او مجازا مشهورا فاندفع ما قيل يجوز ان يكون فهم المعنى الغير الموضوع له قصدا وصريحا بواسطة وضوح القرينة الدالة* قال قدس سره قد حققنا الكلام الخ* يعنى ان قوله ارحل لا تقيمن حكاية عما يقوله الشاعر فى زمان الاستقبال فهو مثال باعتبار المحكى ولا محل له من الاعراب وعند الشارح رحمه الله تعالى هو مثال لمجرد بدل الاشتمال من غير اعتبار الحكايه والمحكى وقد عرفت تحقيقه* قال قدس سره لا يخفى ان الاولى ايراد مثال الخ* لا ايراد مثالين لشئ واحد اعنى ما هو كغير الوافية (قوله بالتضمن على مفهوم لا تقم) ومعلوم ان كمال الاظهار مفهوم منهما لكون دلالة كل منهما اظهر من دلالة الرمز والارسال فكمال اظهار الكراهة مفهوم مطابقى عرفى للاتقم بدون التأكيد وجزء من مفهوم ارحل لدلالته عليه مع طلب الرحلة ولا تقيمن فيه التأكيد الذى ليس فى ارحل فيكون لا تقيمن بدل الاشتمال لا رحل لا بدل البعض ولا حاجة فى هذا البيان الى اعتبال ان النهى موضوع للكراهة انما يحتاج اليه اذا قيل ان اظهار الكراهة مدلول مطابقى لغوى للاتقم كما اختاره السيد فى شرحه للمفتاح فانه حينئذ مدلوله طلب الكف عن الاقامة لاظهار الكراهة فيحتاج الى اعتبار ان النهى مدلوله الكراهة كما ان الامر مدلوله الارادة فتدبر فانه ممازل فيه اقدام الناظرين وعرضت لهم الشكوك فيه (قوله ولا يجوز ان يقال الخ) لا يخفى انه لم يذهب احد من النحويين الى كون الفعل عطف بيان للفعل وانما منشأ هذا الجواز انهم قالوا يكون الفعل بدلا عن الفعل بدل الكل باتفاق ومتلو لقوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ) * وبقوله متى تأتنا تلمم بنا فى ديار* وقال الرضى لا ادرى فرقا بين عطف البيان وبدل الكل فحصل من هاتين المقولتين سؤال جواز كون قال عطف بيان لوسوس فدفعه الشارح رحمه الله تعالى بانه اذا اعتبر مطلق القول بدون اعتبار الفاعل لم يكن بيانا لمطلق الوسوسة اذ الابهام فى مفهوم الوسوسة فانه القول الخفى بقصد الاضلال ولا فى مفهوم القول ايضا حينئذ بخلاف ما اذا اعتبر الفاعل فانه حينئذ يكون المراد منهما فردا صادرا من الشيطان ففيه ابهام يزيله قول مخصوص صادر منه فما قيل لم لا يجوز ان يكون القول المقيد بالمفعول بيانا للوسوسة المقيدة بكونها الى آدم عليه

٣٨٥

السّلام من غير اعتبار الفاعل فى كليهما فلا يكون الجملة عطف بيان للجملة بشئ اذ لا منشأ لهذا الاحتمال ولا معنى لاعتبار الفعل بدون الفاعل واعتباره مع المفعول* قال قدس سره لانه اعم منه* فيه ان كون الثانى اعم من الاول لا يضر فى كونه عطف بيان اذ اللازم فيه حصول البيان باجتماعهما لاكون الثانى اخص من الاول (قوله لانه او فى على جنس العذاب) فى التاج الايفاع بر بالا شدن وانما كان او فى لان الذبح فى نفسه عذاب وذبح الابناء اشد منه ثم عند استحياء الامهات اشق منه قيل بقى الكلام فى اختصاص آية البقرة بترك العطف وآية سورة ابراهيم بالعطف وعندى ان القصة واحدة عبر عنها بتعبيرين فمقتضى البلاغة ان يكون لكل تعبير نكتة واما طلب النكتة لتخصيص التعبير فانما يتجه اذ كان موضع التعبير متعددا كما مر فى قوله تعالى (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) فى قصة رسل انطاكية وفى قوله تعالى (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) فى قصة موسى عليه السّلام ثم نقول لعل نكتة تخصيص آية البقرة بترك الواو ان قوله تعالى (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) عطف على نعمتى فى قوله تعالى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) عطف الخاص على العام اظهارا لشرافته وعظمته فاللائق ان يكون سوء العذاب نفس الذبح فيكون التخليص منه اعظم النعم واما اذا كان عبارة عن مطلقه فالتخليص منه نعمة كسائر النعم بخلاف ما وقع فى سورة ابراهيم فان القائل به موسى عليه السّلام كما قال الله تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) الاية والخلاص منه ومن الذبح نصب عينه فبعد ذكر مطلق سواء العذاب والنجاة منه عطف عليه الذبح ليكون التخصيص بعد التعميم دالا على عظمة نعمة التخليص عنده (قوله فانه بين الخ) يعنى ان جملة الى الله مرجعكم مبتدأ وخبر مبين للعذاب باعتبار مدلوله التزامى ولو قدر العائد فيه يجوز ان يكون صفة ليوم لكن الاول ابلغ (قوله مما يؤدى الخ) بيان للغير والمراد بتأديته الى فساد تأدية العطف عليه وجعله حالا من عطفها فاسد لانه يفيد تقييد الابهام حال كون العطف مؤديا الى فساد المعنى (قوله انه يشتمل على مانع من العطف الخ) مع وجود المصحح وهو التغاير بخلاف كمال الاتصال فان المصحح فيه منتف فمن قال ان المانع فى كمال الاتصال ايضا موجود فلا بد من اعتبار قيد مع التغاير فى المعنى حتى يكون صورة الابهام شبيهة لكمال الانقطاع فقط فقد وهم (قوله ابغى بها بدلا الخ) الباء للمقابلة فما قيل ان بها بمعنى عنها حال عن بدلا والمعنى اطلب بدلا عنها تكلف مستغنى عنه واراها بصيغة

٣٨٦

المجهول شاع بمعنى الظن وانما جعل ضلالها مظنونا مع ان المناسب دعوى اليقين رعاية لمقابلة الظن بالظن وقيل للتأدب عن نسبة الضلال اليها يقينا (قوله فيكون هذا ايضا الخ) وما قيل ان هذا التوهم باق بعد القطع لانه يجوز ان يكون اراها خبرا بعد خبرا وحالا او بدلا من ابغى فمدفوع بان الاصل فى الجمل الاستقلال وانما يصار الى كونه فى حكم المفرد اذا دل عليه الدليل على ان الشيخ عبد القاهر نص بان ترك العطف بين الجمل الواقعة اخبارا لا يجوز* قال قدس سره وهو ان يكون قبل الجملة الخ* ظاهره يدل على انه اذا كان قبل الجملة كلامان احدهما مشتمل على المانع والثانى لا مانع فيه يقطع الجملة عنه لكن نص فى شرح المفتاح بان القطع انما يجب اذا كان الكلام المشتمل على المانع متأخرا عما لا مانع فيه فلا يجوز العطف واما اذا كان بالعكس فيجوز العطف لانه لا يتوهم العطف على البعيد المشتمل على المانع مع وجود القريب الذى لا مانع فيه فلا بد من ان يراد بقوله قبل الجملة قبلية بلا فصل كما هو المتبادر وان يقال قوله وكلام لا مانع فيه بتقدير وقبله كلام لا مانع فيه اى قبل ذلك الكلام كلام لا مانع فيه* قال قدس سره وكانه المراد من العطف على الجملة الشرطية* اى الجملة التى اعتبر الشرط جزأ منها لا الجملة التى حكم فيها بين الشرط والجزاء حتى يرد ما ذكرت* قال قدس سره وهذا القدر كاف فى المنع* لا نقول (٨) انه لم يعطف الله يستهزئ بهم على قالوا سواء اعتبر التقييد بالشرط مقدما على العطف او متأخرا لان المتبادر منه اشتراكهما فى القيد وفيه ان هذا انما يتم اذا كان المعطوف عليه حال التقييد بالشرط وعدمه جملة واحدة وليس كذلك فان المعطوف عليه حال التقييد مجموع الشرط والجزاء وحال عدم التقييد جزؤه اعنى قالوا فقط فالقطع عن العطف على المجموع لدفع الايهام الحاصل من العطف على جزئه اعنى قالوا فيكون القطع للاحتياط ولعله لاجل هذا اورد الاعتراض المذكور فى شرحه للمفتاح ولم يجب عنه* قال قدس سره فان قلت فما ذا تقول اه الظاهر ترك الفائين لان ايراد الاولى فى الاسؤلة للاشعار بان مورد السؤال ما تقدم وليس مورد هذا السؤال ما تقدم فانه استفسار محض لوجه العطف فى الآية وايراد الثانية للاشعار بان منشأه ما تقدم وقد ذكره بقوله حيث زعمت ان المتبادر هو الاشتراك* قال قدس سره قلت قد يخالف الظاهر الخ* خلاصته ان المانع اعنى التبادر المذكور فى الآية قد زال بواسطة القرينة الواضحة فلذا جاز العطف فيه بخلاف ما نحن فيه فانه لخفأ القرينة تبادر الاشتراك فلا يجوز العطف وفيه ان الاستمرار التجددى المستفاد من يستهزئ قرينة واضحة على عدم التقييد بالشرط (قوله فتفصل الثانية الخ) اى اذا نزلت الاولى منزلة

__________________

(٨) لانا نقول آه نسخة

٣٨٧

السؤال كانت الاولى سؤالا منزلا ففصلت الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال (قوله لما بينهما من الاتصال) اى الاتصال الشبيه بكمال الاتصال فكما ان الجملة الاولى فى الاقسام الثلاثة من كمال الاتصال مستتبعة للثانية ولا يوجد الثانية بدون الاولى كذلك السؤال مستتبع للجواب والجواب لا يوجد بدون السؤال فكلا صورتى السؤال والجواب والاستيناف من شبه كمال الاتصال وهو الظاهر من التشبيه وقيل المراد من الاتصال كمال الاتصال فصورة السؤال والجواب من كمال الاتصال وفيه ان كمال الاتصال منحصر فى الاقسام المذكورة وليس صورة السؤال والجواب داخلة فى شئ منها وما قيل انهم لم يعدوها فى تفصيل الاتصال لان السؤال والجواب لا يحتاج الفصل بينهما الى اعتباره لانهما يكونان كلامى متكلمين ولا يعطف كلام متكلم على كلام متكلم آخر فمنع كونه غير صحيح فى نفسه لانه يقال وعليكم السّلام معطوفا على السّلام عليكم لا ينفع فى شرح كلام المصنف رحمه الله لانه صريح فى ان الفصل بينهما للاتصال وقيل انها داخلة فى قوله بيانا لان الجواب بيان مبهم السؤال وليس بشئ لانه لا يدفع الابهام الذى فى السؤال اذ لا ابهام فيه انما يدفع الابهام الذى فى مورد السؤال (قوله بفحواه) اى بمعناه فالتقييد به لزيادة الايضاح والمورد على صيغة اسم الفاعل فان الكلام بسبب كونه منشأ للسؤال كأنه يورده وقرئ بصيغة اسم المكان وينزل ويطلب بالرفع اى فحينئذ ينزل الخ ويجوز نصبهما عطفا على يكون ويقطع بالرفع ولا يجوز نصبه اذ ليس من تمام الحالة المقتضية للقطع بل هو مقتضاها اى فيقطع هذا الثانى عن السابق لذلك اى لطلب وقوعه جوابا للسؤال المنزل منزلة الواقع او لاجل ذلك السؤال المقدر اى ليدل على تقدير السؤال فانه لو عطف لم يكن دليل على السؤال المقدر (قوله وتنزيل السؤال بالفحوى) اى حال كون السؤال مدلولا عليه بالفحوى* قال قدس سره منهم من ادعى الى آخره* والتفصيل ان السؤال والجواب ان نظر الى معنييهما فبينهما شبه كمال الاتصال وان نظر الى لفظيهما فبينهما كمال الانقطاع لكون السؤال انشاء والجواب خبرا وان نظر الى قائليهما فكل منهما كلام مبتدأ وعلى جميع التقادير فالفصل متعين واما ما قيل انه قد ورد الواو فى قوله تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ) الآية والحال انه جواب لسؤال نشأ مما قبله وهو قوله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية فليس بشئ منشأه الغفلة عن شان نزوله فانه نزل فى منع الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلم عن استغفار ابيه وامه وعمه والمؤمنين عن استغفار آبائهم

٣٨٨

محتجين فى ذلك بان ابراهيم عليه الصلاة والسّلام استغفر لابيه على ما فى الكشاف فالآية الاولى منع لهم عن استغفار الآباء والاقربين والثانية جواب لتمسكهم باستغفار ابراهيم عليه الصلاة والسّلام عطفت احديهما على الاخرى للتناسب وليست جوابا عن سؤال نشأ من الآية الاولى وكذا ما قيل فى جوابه من ان الواو للاستيناف فانه لم يعهد دخول الواو على الجملة المستأنفة البيانية اعنى جواب السؤل انما تدخل على قلة على المستأنفة النحوية اعنى الجملة الابتدائية وكذا ما قيل فى الجواب ان المعتبر فى صورة الاستيناف التردد فى حال المسؤل عنه بان حاله كذا ام لا والغرض من السؤال فى الآية الكريمة ونظائرها النقض فليس من صورة الاستيناف والفرق واضح فان المطلوب فى الاول بيان ما اجمل فيعتبر كمال الاتصال الموجب للفصل وفى الثانى دفع ما اورده فكان كل واحد مما يؤدى اليه الغرض من السؤل والجواب فى طرف وكان المقام مقام وصل يقتضى المناسبة من وجه والمغايرة من وجه آخر ليس بشئ لانه على تقدير ان يكون الذين يؤمنون الآية استينافا يكون جوابا لقوله ما بال المتقين هذا الكتاب هدى لهم مع انه ليس فيه تردد فى حال المسؤل عنه بان حاله كذا ام كذا* قال قدس سره والاختلاف* خبر او انشاء من عطف الخاص على العام لبيان جهة كمال الانقطاع وذلك الاختلاف فى الاغلب فانهما قد يكونان انشائين كما اذا قيل اضرب زيدا لمن قال من اضرب* قال قدس سره وادراكه ان الكلام الخ* حيث اورد الجواب قبل ان يسأل* قال قدس سره وعدم تنبهه الخ* حيث لم يورد السؤال بعد القاء المتكلم الجملة التى هى منشأ السؤال (قوله لان كون الجملة الاولى الخ) فيه خفاء لان مجرد كونها منشأ السؤال لا يوجب شبهة الاتصال بالجواب الا اذا لوحظ ان المتصل بالمتصل بالشئ متصل بذلك الشئ وهذا انما يتم اذا كان جهتا الاتصال واحدة والا فيجوز ان يكون كالمنقطعة عنه بناء على تباين جهتى الاتصال فلا بد من تنزيلها منزلة السؤال ليكون كالمتصلة والسكاكى رحمه الله تعالى انما لم يعتبر التنزيل لانه جعل الحالة المقتضية للقطع نوعين احدهما عدم قصد اشتراك الثانى فى حكم الاول والثانى ان يكون الكلام السابق بفحواه كالمورد للسؤال فيقطع الثانى عنه ليكون دليلا على تقدير السؤال وجعله كالمحقق ولو اورد الواو لم يكن شئ دليلا على تقدير السؤال واعتباره ولم يعتبر فيه كون الثانى كالمتصل بالاول حتى يحتاج الى اعتبار التنزيل ومن هذا ظهر ان ما نقله من الكشاف ليس مؤيدا لما ادعاه من كفاية كونها منشأ للسؤال فى كونها كالمتصلة لانه لا يدل الا على تقدير السؤال ولا دلالة على جعله له بهذا الاعتبار

٣٨٩

كالمتصلة (قوله وانه مبنى على تقدير سؤال) كانه قيل ما بال المتقين خصوا بالهداية وهو محل استشهاد الشارح رحمه الله تعالى وقد عرفت انه لا استشهاد على انه يجوز ان يكون اقتصاره على تقدير السؤال لكفايته فى كونه كالجارى عليه من غير حاجة الى التنزيل (قوله عن سبب الحكم مطلقا) بان يكون التصديق بوجود السبب حاصلا والمطلوب بالسؤال تصور حقيقة السبب كما فى البيت المذكور فان التصديق بوجود العلة يوجب التصديق بوجود السبب الا انه جاهل عن حقيقته فيطلب بما شرح ماهيته ولذا يسأل بما والتصديق الحاصل بوجود سبب معين ضمنى ليس مقصودا للسائل وقد سبق فى بحث الاستفهام تحقيقه فى كلام السيد قدس سره (قوله لان العادة جارية الخ) لا يخفى ان خبر ام ان كان قوله ان يسأل عنه يجب اسقاط انه وان كان قوله انه اذا قيل الخ لا بد من اسقاط ان من ان يسأل ليكون جزاء لقوله اذا قيل والجملة الشرطية تفسيرا لضمير الشان وغاية التوجيه ان يقال ان يسال مبتدأ واذا قيل خبره والجملة خبر ان والضمير للشان (قوله عن سبب علته) فالسائل بهذا الكلام جاهل بنفس السبب لا انه يعلم الاسباب بخصوصها ويتردد فى تعيين احدها ليكون السؤال عن السبب الخاص ولما يجاب بسبب خاص يحصل مطلوبه اعنى تصور سبب المرض مع التصديق بكون السبب الخاص سببا الا ان هذا التصديق لما لم يغاير التصديق الحاصل له قبل السؤال لم يكن هذا السؤال الا لتصور ماهية السبب فافهم فانه قد خفى على بعض الناظرين (قوله وعدم التأكيد الخ) لان السائل طلب التصور والتأكيد انما يجئ لطلب الحكم فلا حاجة الى ما قيل ان هذا اذا اجرى الكلام على مقتضى الظاهر واما اذا اجرى على خلافه فيجوز ان يكون ترك التأكيد لتنزيل المتردد منزلة الخالى (قوله كأنه قيل الخ) وليس السؤال المقدر ما سبب عدم تبرئتك لنفسك على ما يسبق اليه الوهم لانه معلوم وهو الهم المفهوم من قوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) فى الكشاف وما ابرئ نفسى عن الزلل وما اشهد لها بالبراءة الكلية ولا ازكيها ولا يخلو اما ان يريد فى هذه الحادثة لما ذكرنا من الهم الذى هو ميل النفس عن طريق الشهوة البشرية لا عن طريق القصد والعزم واما ان يريد على عموم الاحوال انتهى فالسؤال المقدر هل جنس النفس مجبولة على الامر بالسوء حيث لابراءة لهذه النفس الشريفة المزكاة فاجيب نعم ان جنس النفس آمرة بالسوء مجبولة عليه والتأكيد ان فى الجواب لان للسائل ترددا قريب الانكار او لان احدهما لدفع التردد والثانى للاعتناء بالحكم لانه يستبعد الاوهام كون جنس النفس امارة بالسوء حتى نفوس الانبياء عليهم

٣٩٠

السّلام (قوله فهو جواب للسؤال عن السبب الخاص) والمخاطب به من يعلم اسبابا شتى لطلب العبادة من الاستحقاق وشكر النعمة والتخليس من العذاب والتنعيم فيطلب تعيين واحد منها وهو الاستحقاق ويقول هل العبادة حق له (قوله بيان ظاهر لمطلق السبب الخ) والمخاطب به من هو حال عن طلب السبب والمتكلم به يلق اليه الحكم المعلل ابتداء (قوله ووصل ظاهر) اى ربط للسبب مع المسبب بحيث لاخفأ فيه (قوله بحرف موضوع للوصل) فان قلت الفاء تدل على التعقيب فكيف تدخل على السبب الذى هو مقدم على المسبب قلت باعتبار انه متأخر عنه فى الذكر عند بيان السببية (قوله وصل خفى) لانه جواب للسؤال المقدر والمخاطب به من يصدق ان لطلب العبادة سببا ويطلب شرح ماهيته ويحصل ذلك بذكر السبب المعين والتصديق الحاصل فى ضمنه ليس مقصودا له (قوله وهذا ابلغ الوصلين) اى الوصل التقديرى ابلغ من الوصل الظاهرى لكون الاعتماد فى الاول على العقل وفى الثانى على اللفظ ولان العلم بالسبب بعد السؤال اوقع فى القلب من العلم به من غير السؤال (قوله فيتفاوت هذه الثلاثة الخ) كما عرفت سابقا بيانه (قوله نحو قالوا سلاما قال سلام) السكات المذكورة انما تراعى فى الحكاية لا المحكى لانها الكلام البليغ غاية البلاغة فمن قال يحتمل ان يكون تقاولهم بلغة يعتبر فيها مثل ما يعتبر فى اللغة العربية ويحتمل ان يكون بها لانهم كانو قبل يتكلمون باللغة العربية نعم شيوع هذه اللغة انما كان من اسمعيل عليه السّلام فقد بعد عن المقصود (قوله زعم) اكثر استعماله فى الاعتقاد الباطل وقد يستعمل فى الحق على ما فى القاموس ويدل عليه قول الشاعر صدقوا (قوله اى اوقع عنه الاستيناف الخ) بيان لحاصل المعنى فالفعل اما مسند الى مصدره ويؤيده شيوع هذا التقدير فيه واما الى الجار والمجرور ويؤيده تقديمهما على الاستيناف (قوله نحو احسنت انت) يعنى انه على صيغة الخطاب بقرينة صديقك دون صيغة المتكلم فانه لا معنى لتعليل احسان المتكلم الى زيد بصداقته للمخاطب الا بعد اعتبار امر خارج عن مفيد الكلام كصداقة المخاطب للمتكلم او قرابته له والمقصود من هذا الكلام اعلام المخاطب بانه وقع الاحسان منه بالقياس الى زيد لتقرير الاحسان السابق واستجلاب اللاحق لا افادة لازم الفائدة كما قيل حتى يكون معنى الكلام انى اعلم احسانك الى زيد ويكون السؤال المقدر سؤالا عن سبب علمه والجواب عنه بانى اعلم ذلك بانه حقيق بالاحسان او بانه صديق لك فانه مع بعده عن الفهم يرد عليه ان العلم بكونه حقيقا للاحسان

٣٩١

لا يستلزم العلم باحسان المخاطب اليه ثم ان كون صنع المخاطب احسانا انما يتحقق اذا كان زيد اهلا للاحسان لان الفعل الحس فى عبر موقعه؟ السؤال عن سبب كون زيد محسنا اليه اى اهليته للاحسان فان المخاطب بعد تصديقه للمتكلم فى قوله احسنت الى زيد يصدق بان كونه محسنا اليه له بسبب ما فهو اما جاهل عن نفس السبب طالب لتصوره فيكون السؤال المقدر لماذا احسن اليه على صيغة الماضى المجهول اى لاى سبب صار محسنا اليه اى اهلا للاحسان واما عالم باسباب كونه محسنا اليه من كونه فى نفسه حقيقا للاحسان وكونه صديقا للمخاطب وقريبا له الى غير ذلك وطالب لتعيين السبب فيكون السؤال المقدر هل هو حقيق للاحسان والجواب على التقديرين زيد حقيق بالاحسا من غير اشارة الى سبب استحقاقه او صديقك القديم اهل لذلك مع بيان سبب استحقاقه الا انه على التقدير الاول يكون مقصود السائل تصور السبب المعين والتصديق به تابع له حاصل بالعرض وعلى التقدير الثانى يكون التصديق بالسبب الخاص مقصودا بالذات وتصوره حاصلا بالعرض بقى الاعتراض بانه على التقدير الثانى يستحسن التأكيد لكون السائل مترددا فى تعيين السبب والجواب ان الكلام فى نفس الاستيناف وكونه على طريقين وان الطريق الثانى ابلغ من الاول واما استحسان التأكيد على التقدير الثانى وعدمه على التقدير الاول فخارج عما نحن فيه اذ الوصف قائم مقام التأكيد كما قاله السيد قدس سره وبما حررنا لك ظهر اندفاع اعتراض السيد بان المخاطب اعلم بسبب فعله الاختيارى فلا معنى لسؤاله عن الغير بسبب احسانه لان السؤال المقدر سؤال عن سبب كون زيد محسنا اليه لا عن كون المخاطب محسنا وظهر ان تقدير لماذا احسن اليه صحيح على كل واحد من التقديرين (قوله فالاظهر الخ) اى الظاهر ظهورا تاما او اظهر من كونى اشارة الى نفس الذات فانه ظاهر لاستعمال اسم الاشارة موضع الضمير* قال قدس سره وهذا وجه مرجوح* بالنسبة الى استيناف الذين يؤمنون وذلك لان اجرائه على المتقين مشعر بان الحكم بكون الكتاب هدى مختصا بهم بواسطة تلك الصفات فلا يتجه السؤال عن السائل الا لغفلته عن التأمل فى تلك الصفات ليفصل فيها ولا الجواب الا بالحمل على تنبيه المخاطب على غفلته عن احضار تلك الصفات ولذا اعيدت بالاجمال والا فالجواب اعادة للحكم الذى هو منشأ السؤال بتغيير الاسلوب وزيادة عليه بذكر ثمرته وهو الفلاح فى الاخرة بخلاف ما اذ كان الذين يؤمنون استينافا فان الحكم باختصاص كونه هدى للمتقين ليس فيه اشعار بعلة الاختصاص فالسؤال متجه غاية الاتجاه والجواب

٣٩٢

مشتمل على بيان علة الاختصاص تفصيلا واجمالا (قوله فان قلت ان كان الخ) ايراد على قوله وهذا ابلغ لاشتماله على بيان السبب الموجب المحكم وتقريره ان المراد بالحكم الحكم الذى يتضمنه الجواب يدل عليه التعليل بان ترتب الحكم على الوصف مشعر بالعلية والحكم الذى يتضمنه الجواب هو الحكم المسؤل عن سببه اذ لو كان غيره لم يطابق الجواب السؤال لان بيان سبب الحكم الغير المسؤل عنه لا يكون جوابا للسؤال عن سبب الحكم المسؤل عند فحينئذ يرد عليه ان السؤال ان كان عن سبب الحكم فلا بد من اشتمال الجواب عليه اىّ استيناف كان وان لم يكن سؤالا عنه فلا معنى لاشتماله على بيانه فلا فرق بين الاستينافين بهذا الاعتبار فلا يصح الحكم يكون الثانى ابلغ من الاول فاندفع ما قيل ان ما قاله الشارح رحمه الله من ان السؤال ان كان عن السبب الخ ضعيف منشأه عدم الفرق بين الحكم المتضمن للسؤال والحكم الذى يتضمنه الجواب وظهر ان مجرد الفرق بينهما لا يدفع الاعتراض (قوله وجهه انه الخ) تقريره ان كون الثانى ابلغ بواسطة الاشتمال المذكور ليس فى كل استيناف بل فى استيناف يكون السؤال فيه عن سبب الحكم واذا اريد ان يجاب بان سببه استحقاقه له فالجواب حينئذ ان كان باعادة الصفة كان ابلغ منه ان كان باعادة الاسم لاشتمال الاول على بيان سبب الحكم الذى يتضمنه وهو سبب للحكم المسؤل عنه بخلاف الثانى (قوله ثم قدر سؤال عن سببه) حتى لو لم يقدر السؤال عن السبب كما فى قوله تعالى (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) لا يتصور فيه ذلك وكذلك لو قدر السؤال عن السبب ولم يرد الجواب بان سببه الاستحقاق كما فى قوله سهر دائم وحزن طويل* قال قدس سره هذا كلام مختل الخ* هذا انما يرد لو كان السؤال المقدر سؤالا عن سبب كون المخاطب محسنا الى زيد اما اذا كان سؤالا عن كون زيد محسنا اليه واهلا له فلا وقد مر تفصيله* قال قدس سره فالصواب ان يقال الخ* اى لا يقال ان السؤال المقدر سؤال عن السبب بل يقال انه سؤال عن غير السبب وهو استحقاق زيد ليعلم ان الاحسان فى موقعه اولا واعلم ان ما ذكره المصنف رحمه الله من تقسيم الاستيناف بقوله منه ومنه مأخوذ من الكشاف فى تفسير قوله تعالى (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) وعبارته هكذا واعلم ان هذا النوع من الاستيناف يجئ تارة باعادة اسم من استؤنف عنه الحديث كقولك احسنت الى زيد زيد حقيق بالاحسان وتارة باعادة صفته كقولك احسنت الى زيد صديقك القديم اهل لذلك منك فيكون الاستيناف باعادة الصفة احسن وابلغ لانطوائها على بيان الموجب وتلخيصه انتهى فجعل الشارح رحمه الله قوله هذا

٣٩٣

النوع اشارة الى الاستيناف الذى يكون السؤال فيه عن السبب ويكون الجواب ببيان الاستحقاق لانه المذكور سابقا فى تفسير الآية المذكورة حيث قدر السؤال على تقدير كون الذين يؤمنون استينافا ما بال المتقين مخصوصين بذلك وفسر الجواب اعنى الذين يؤمنون الخ بقوله اى الذين هؤلاء عقائدهم احقاء بان يهديهم الله وكذلك على تقدير كون اولئك على هدى استينافا والسيد لما اشكل عليه كون المقدر فى المثالين المذكورين السؤال عن السبب جعل قوله هذا النوع اشارة الى كون الاستيناف باعادة من استؤنف عنه الحديث سواء كان سؤالا عن السبب كما فى الآية الكريمة اولا كما فى المثالين ولا يخفى انه خروج عن الظاهر المتبادر* قال قدس سره وبذلك يظهر الخ* قد عرفت صحة تقدير هذا السؤال فيما سبق فلا نعيده (قوله وليس يجرى هذا فى سائر صور الاستيناف) وان كان باعادة ما استؤنف عنه الحديث اسما او صفة كما اذا قيل قالوا سلاما على ابراهيم قال او النبى الخليق قال سلام فان كلا الاستينافين جواب لسؤال فما قال ابراهيم وليس احدهما ابلغ من الآخر وكذا لا تفاوت بينهما لو قيل قلت عليل لى سهر دائم او للعاشق سهر دائم فانهما وان كانا جوابين عن السؤال عن السبب لكن ليس الجواب بان سببهما الاستحقاق كما فى نحو احسنت بصيغة المتكلم الى زيد زيد يدفع اعدائى او كامل الشجاعة يدفع اعدائى فالتفاوت بينهما لانه فى الحقيقة جواب بالاستحقاق كأنه قيل زيد حقيق بالاحسان لدفع اعدائى او لدفع اعدائى بالشجاعة الكاملة (قوله لهم الف الخ) فى تاج البيقى الا لاف والالفة والالف بالكسر دوستى كرفتن من حد سمع والايلاف الفت دادن والفت گرفتن والمؤالفة والالاف بكسى پيوستن (قوله فحذف هذا الاستيناف الخ) لك ان تقول يجوز ان يكون الاستيناف مذكورا لان الزعم يدل على الكذب ولذا قيل كنية الكذب الزعم (قوله بل يحتمل التأكيد والبيان) اى بمنزلة احدهما كما مر فى لا ريب فيه وهدى للمتقين لكن المؤكد هناك مذكور وههنا محذوف وذلك لان معنى لهم الف وليس لكم الاف مقرر لمعنى كذبتم وموضح له (قوله فلدفع هذا الوهم الخ) قيل هذا الوهم بعد ايراد الواو باق لانه يجوز ان يكون للعطف على المنفى لا النفى والجواب ان العطف على المحذوف مع وجود المذكور مما لا يذهب اليه الوهم (قوله جئ بالواو العاطفة الخ) فيه اشارة الى انها ليست زائدة او استينافية كما قيل لكونها فى الاصل للعطف فلابصار الى خلافه الا عند الضرورة ولعله ارتكب ذلك هربا من لزوم عطف الانشاء على الاخبار (قوله فوقع فى خبط عظيم) اى لفظا ومعنى اما لفظا فلانه لا بد لاما العاطفة من تقدم اما فى المعطوف عليه ولا يجوز حذفها

٣٩٤

فى السعة حتى يقال انها مقدرة قبل قوله لدفع الايهام واما معنى فلان (قوله والا فالوصل) دل على ان للوصل صورتين كمال الانقطاع مع الابهام والتوسط فالقول بعده بان الوصل اما لدفع الايهام واما للتوسط لغو فالواجب بيان مواضعهما واليه اشار بقوله وقد علم مما مر ان الايهام الخ (قوله لم يذكر الا مثالا واحدا) اى اورد آية واحدة فى ذلك (قوله اى لا تعبدوا الخ) ويؤيده قراءة عبد الله وابى لا تعبدوا ولا بد من ارادة القول وقيل هو جواب قوله اذ اخذنا ميثاق بنى اسرائيل اجراء له مجرى القسم كأنه قيل واذ قسمنا عليهم لا تعبدون وقيل معناه ان لا تعبدوا فلما حذف ان رفع كقوله (الا ايهذا الزاجرى احضر الوغى) ويدل عليه قراءة عبد الله ان لا تعبدوا ويحتمل ان لا تعبدوا ان يكون ان فيه مفسرة وان يكون ان مع الفعل بدلا من الميثاق كأنه قيل اخذنا ميثاق بنى اسرائيل توحيدهم كذا فى الكشاف (قوله كأنه سورع الى الامتثال الى آخره) فان قيل ما ذكره انما يصح لو كان الاخبار بلفظ الماضى قلنا وكذلك بالحال (قوله لانه بمعنى آمنوا) ولذا اجيب بقوله يغفر لكم ويؤيده قراءة ابن مسعود آمنوا كذا فى الكشاف ولان المتعارف فى اخذ الميثاق هو الامر (قوله وفيه نظر الى آخره) هذا النظر والعلاوة اوردهما المصنف رحمه الله تعالى فى الايضاح واجاب عنهما صاحب الكشف بان قوله يا ايها الذين آمنوا متناول للنبى صلّى الله تعالى عليه وسلم وامته كما تقرر فى اصول الفقه فاذا فسر بامنوا وبشر دل على تجارته صلّى الله تعالى عليه وسلم الرابحة وتجارتهم الصالحة وقدم آمنوا لان التبشير بالنصر والمغفرة متأخر عنهما وهما عن الايمان المنتج لهما فناسب ان يقدم الامر بالايمان من هذا الوجه لا لتقدم رتبة الفاعل ولو سلم فلا مانع من العطف على جواب السؤال بما لا يكون جوابا اذا ناسبه فيكون جوابا للسؤال وزيادة كيف وهو داخل فيه كأنهم قالو ادلنا يا ربنا فقيل آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم وفيه من اقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفى موقعه انتهى (قوله بدليل قوله آمنوا بالله ورسوله) اذ لا معنى لتكليفه عليه الصلاة والسّلام بالايمان برسوله وفيه رد للجواب الاول الذى ذكره صاحب الكشف فان قيل لم لا يجوز ان يكون رسوله من اقامة المظهر مقام المضمر كما قاله صاحب الكشف قلت لا يصح التعبير بالضمير فى حق الامة الا ان يقدر قل قبل يا ايها الذين آمنوا وصاحب الكشاف لا يقول به ولانه لا يحتاج الى تأويل تؤمنون بآمنوا لكون بشر معطوفا على قل (قوله الا عند التصريح بالنداء) لعل صاحب الكشاف لا يسلم الحصر المذكور بل يجوز تقدير النداء ايضا

٣٩٥

فانه قال فان قلت علام عطف قوله وبشر المؤمنين قلت على تؤمنون لانه فى معنى الامر كانه قيل آمنوا وجاهدوا يؤيدكم الله وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك ويشهد له قوله تعالى (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) قال قدس سره والعجب من الشارح رحمه الله تعالى الخ* العجب من السيد انه قال لم ينتبه الى آخره والحال انه مذكور فى شرحه للكشاف حيث قال وحاصله انه عطف مجموع على مجموع بلا اعتبار عطف شئ من هذا على شئ من ذلك والا عجب انه قال مع ظهوره من عبارة العلامة فانها ظاهرة فى عطف الجملة على الجملة كما يدل عليه التمثيل وحملها على عطف مجموع الجمل على مجموعها صرف عن الظاهر بقرينة ما ذكره فى عطف ومن الناس من يقول آمنا بالله الى آخره فان عبارته هناك ظاهرة فى عطف القصة كما لا يخفى على الناظرين فيها فعلم ان مقصود الشارح رحمه الله تعالى فى هذا الكتاب الاشارة الى توجيه آخر لعبارة الكشاف بحيث لا يحتاج الى الصرف عن الظاهر بان يقال مقصوده ليس المعتمد بالعطف الامر اى الجملة المشتملة عليه من حيث هى امر اى جملة مشتملة عليه فان التعبير عن الفعل والضمير المستتر فيه بالفعل ثائع فى عباراتهم بل المعتمد جملة وصف ثواب المؤمنين اى الجملة من حيث انها مبينة لثواب المؤمنين مع قطع النظر عن كونها امرا وهذا هو الحق لانه اذا جاز عطف جمل متعددة على جمل متعددة لتناسب الغرضين فلم لا يجوز عطف جملة على جملة اخرى لمناسبة حاصل مضمون احديهما لحاصل مضمون الاخرى مع قطع النظر عن الاخبارية والانشائية فانهما يتعلقان بالالفاظ والمعانى الاول دون الحاصل والخلاصة وبما حررنا ظهر انه لم يرد بالامر صيغته مجردة عن الفاعل وانه لا يلزمه حمل بشر وفاتقوا عليهما مجردتين عن الفاعل كما فهمه السيد* قال قدس سره لان العطف على المسند الخ* اى العطف على احدهما فقط يستلزم الاشتراك فى الآخر فلا يرد ما قيل انهم جوزوا فى زيد قائم وعمرو قاعد ان يكون من عطف المفرد على المفرد وليس فيه الاشتراك فى شئ منهما* قال قدس سره ليوافق ما مثل به* من الآية فيه ان الاية ليس نصا فى عطف المجموع على المجموع حتى يقدر فى المثال المذكور وانه بعد التقدير مثل الآية لا ظهور فيه فى كونه من عطف الجمل على الجمل بالنسبة الى الاية حتى يجعل مثالا لها* قال قدس سره لادقة الخ* لا فرق بين عطف المجموع على المجموع وعطف الجملة على الجملة على ما ذكرنا فى الدقة حيث قطع النظر فيهما عن خصوصية الانشائية والاخبارية انما الفرق بينهما فى ان التناسب فى الاول بين الغرضين وفى الثانى

٣٩٦

بين الحاصلين ولا فى الحسن حيث يوجب كل منهما الخلاص عن التكلفات التى اعتبرت فى عطف الانشائية على الاخبارية انما انتفى الفرق على ما فهمه السيد حيث قال مراد الشارح رحمه الله تعالى انه ليس المقصود عطف الامر مجردا عن الفاعل بل عطف الجملة* قال قدس سره وان اراد الخ* هذا مراد الشارح رحمه الله تعالى ولا نسلم انه من عطف الانشائية على الاخبارية بل من عطف الحاصل على الحاصل مع قطع النظر عن الانشائية والاخبارية* قال قدس سره لم يتنبه لعطف القصة على القصة* والحق انه لم يتنبه لعطف الحاصل من مضمون احدى الجملتين على حاصل مضمون الاخرى ايضا فان التنبه لكل واحد منهما مخلص عن التكلفات* قال قدس سره ولله در جار الله الخ* هكذا كلام جرى من جانب الشارح رحمه الله تعالى على لسان السيد (قوله اى فانذرهم وهو معطوف على قوله فان لم تفعلوا الخ) وعطف الانشاء على الاخبار وبالعكس يجوز بالفاء كما سبق (قوله فكأنه امر النبى عليه السّلام الخ) فلا يرد انه ان لم يدخل قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) الاية فى حيز القول اختل نظم الآية وان دخل كان المعنى (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) وفساده ظاهر وحاصل الجواب انه مأمور بتأدية معنى هذا الكلام بعبارة تليق به بان يقول وان كنتم فى ريب لما نزل الله تعالى علىّ ولا يخفى انه خروج عن السوق فان المعطوف عليه فى حيز القول باعتبار نفسه (قوله كما تقول الخ) فان الغلام مأمور بان يقول اما تستحيى ان تضربنى ومولاى منعم عليك (قوله فى نحو خاتمى ضيق وخفى ضيق) اى فى مقام الاشتغال بذكر الخواتم فانه ينبو عن ذكر الخف بخلاف ما اذا كان مشغولا ببيان احوال الامور التى تتعلق به فانه يصح العطف كان تقول كمى واسع ودارى واسع وخاتمى ضيق وخفى ضيق وغلامى آبق (قوله من القوى المدركة الخ) القوة تطلق على مبدأ الفعل والانفعال جوهرا كان او عرضا فيجوز ان يكون العقل هو النفس الناطقة وان يكون صفة قائمة بها فعلى الاول المدركة للكليات على ظاهره وعلى الثانى من قبيل نسبة الفعل الى الآلة كما يقال للسكين قاطع واراد بالقوة المدركة ما يكمل به الادراك مدركة كانت او معينة (قوله من غير ان يتأدى الخ) زيادة توضيح لان المعانى عبارة عما تقابل الصور (قوله يتأدى اليها الخ) تأدى الادراكات الحسية بواسطه الارواح التى فى الاعصاب الى التى فى مباديها المتصلة بالروح المصبوب فى البطن المقدم والتأدية ههنا استعارة عن ادرك النفس بواسطة الروح المصوب فى كل حس محبوس وبواسطة الروح الذى هو مبدأ مشترك لجميع اى جميع

٣٩٧

المحسوسات واتصال الاعصاب ليس لتمهيد طرق يسير فيها الكيفيات فان الكيفيات لا تنتقل من موضوعاتها وادراك النفس ليس بمتأخر عن ملاقاة الحواس للمحسوسات بزمان يقطع فيه تلك المسافات (قوله بواسطة القوة العاقلة) ان كانت النفس مغايرة للعقل فالعبارة على ظاهرها وان كانت عينه فالمعنى بواسطة انها قوة عاقلة (قوله لا يدرك بذاته الحزئى) اى المادى كما تقرر فى محله (قوله اذ العقل الخ) يعنى ان التماثل فى تصور من تصورات الجملتين انما كان جامعا بينهما لان العقل بتجريد المثلين يرفع التعدد عنهما فيكون راجعا الى اتحاد الجملتين فى التصور (قوله قلت الخ) اى العوارض الكلية ليست موجبة لتعددها عند العقل لجواز صدقها على كل واحد منها عنده بناء على كليتها وان كانت مختصة فى الخارج ببعض منها قوله (وهو ان التماثل الخ) يعنى ان الجامع بين المسندين فى المثال المذكور متحقق فلو كان التماثل بين المسند اليهما جامعا لم يتوقف صحته على امر آخر لتحقق الجامع بينهما باعتبار الجزئين (قوله والجواب الخ) يعنى ليس المراد بالتماثل معناه المشهور اعنى الاتحاد فى الماهية النوعية بل المماثلة فى معنى له مزيد اختصاص اى ارتباط بهما بحيث يصير سببا لاجتماعهما فى المفكرة دون ما عداهما سواء كان ذاتيا او عرضيا فمعنى قوله فان العقل بتجريد المثلين الخ تجريدهما عما سوى ما فيه المماثلة يجعل كل ما سواه داخلا فى التشخص واليه يشير قوله فيما سيجئ ويتوهم ان هذه الثلاثة من نوع واحد وانما اختلفت بالعوارض والمشخصات او معناه كما ان العقل بتجريد المثلين عن التشخص يرفع التعدد عنهما كذلك فيما نحن فيه بعد قطع النظر عما فيه المماثلة يرفع التعدد عنهما وبهذا اندفع ايضا ما قيل ان التشابه والتجانس ايضا يصير جامعا عقليا اذ يصح الانسان كذا والحمار كذا فى مقام بيان احكام انواع الحيوان ويصح زيد الكريم كذا وعمرو الكريم كذا فى مقام بيان افراد الكريم فلا وجه لاختصاص التماثل بالذكر (قوله وسيتضح ذلك الخ) اشار به الى ما ذكره فى شرح قوله ووجه التشبيه ما يشتركان فيه من ان زيد والاسد فى قولنا زيد كالاسد يشتركان فى الوجود والجسمية والحيوانية وغير ذلك من المعانى مع ان شيئا منها ليس وجه التشبيه فالمراد المعنى الذى له مزيد اختصاص بهما وقصد بيان اشتراكهما فيه (قوله وذكر الشارح العلامة الخ) عبارته سواء كان الضايف بين الامور المعقولة كالذى بين العلة والمعلول او بين الامور المحسوسة كالذى بين السفل والعلو وهو تضايف محسوس مكانى او ما يعم القبيلتين كالذى يكون بين الاقل والاكثر لان الكم المنفصل اعنى العدد

٣٩٨

يعم المعقولات والمحسوسات انتهى ومراده ان العلية والمعلولية لا تعرضان للشئ الا فى الذهن لكونهما من المعقولات الثانية فكان التضايف بينهما تضايفا فى الامور المعقولة والعلو والسفل لا يعرضان الا للامور المحسوسة فكان التضايف بينهما تضايفا فى الامور المحسوسة والاقلية والاكثرية من عوارض العدد وهو يعم المحسوسات والمعقولات فكان تضايفهما يعم القبيلتين وعلى هذا لا يرد اعتراض الشارح رحمه الله لان تلك المفهومات كلها وان كانت صورا معقولة الا ان الاتصاف ببعضها فى الذهن فقط وببعضها فى الخارج فقط وببعضها فى الذهن والخارج معا (قوله ان الوهم يحتال فى ذلك) الامر ويصوره بصورة يصير سببا لاجتماعهما وليس فى الواقع سببا له سواء كان يدركه الوهم كشبه التماثل والتضاد وشبهه الجزئيات اولا ككلياتها والحاصل ان لا يكون الجامع امرا فى الواقع بل باعتبار الوهم وجعله جامعا (قوله يسبق الى الوهم) لعدم غاية الخلاف بينهما (قوله زيد فى احدهما عارض) فالبياص هو الصفرة زيد فيه الاشراق والصفرة هو البياض زيد فيه الكدورة وكلا الامرين خارجان عن ماهية البياض والصفرة فيكونان متماثلين (قوله ويتوهم ان هذه الثلاثة من نوع واحد) بسبب اشتراكهما فى اشراق الدنيا وان كان اشراق الاثنين حسيا واشراق الثالث عقليا بافاضته انواع العدل والاحسان بتنزيل ذلك المعقول منزلة المحسوس لكمال ظهوره (قوله وانما اشتركت فى عارض) وهو اشراق الدنيا وهذا الاشتراك كاف فى صحة العطف بين المفردات كما فى قام زيد وعمرو وبكر لكن حسنه يحصل بابراز الوهم تلك الثلاثة فى معرض الامثال ليفيد استوائها فى الاشراق فان حكا الامثال واحد فاندفع ما قيل انه حقق سابقا ان المراد بالتماثل الاشتراك فى وصف له نوع اختصاص بهما والثلاثة مشتركة فى الاشراق المطلق الشامل للحسى والمعنوى فيكون الجامع بينهما التماثل لا شبهه ثم الجمهور على ان ثلاثة خبر مقدم على المبتدأ والاليق بالمعنى والاغلق بالقلب انها مبتدأ محذوف الخبر اى لنا او فى الوجود ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها وشمس الضحى بدل او عطف بيان او خبر مبتدأ محذوف كذا فى شرحه للمفتاح (قوله وهو التقابل بين امرين الخ) ترك قيد عدم تعقل احدهما بالقياس الى الآخر اذ لا دخل له فى كونه جامعا* قال قدس سره ولعله انما تركه لانه اراد بالوجودى الخ* لا يخفى ان تلك الارادة خلاف التحقيق كما تقرر فى محله وان قسمة الجامع الى الاقسام الثلاثة باصطلاح الفلاسفة فانهم يثبتون الحواس الباطنة فاللائق اجراء الكلام على طريقتهم (قوله على ما فسره المحققون) اراد به على بن سينا فانه قال فى دانش

٣٩٩

نامه علائى دانش دو كونه است يكى دريافتن ودوم كرويدون وياور داشتن وتفصيل هذا المطلب فى شرح المقاصد وفى رسالة الشارح رحمه الله فى تحقيق الايمان (قوله معتبر فى مفهوميهما) اما فى مفهوم الاول فظاهر واما فى مفهوم الثانى فلاعتبار قيد فقط فيه* قال قدس سره كانه اعتبر غاية الخلاف الخ* اعتباره غاية الخلاف لان المصنف رحمه الله جعل البياض والصفرة والخضرة والسواد من قبيل شبه المتماثلين واما ايراد السكاكى رحمه الله الخلاوة والحموضة من امثلة التضاد فلعله مبنى على ما قالوا فى مباحث الطعوم من ان الفاعل اذا كان معتد لا ففى الكثيف تحدث الحلاوة والبارد اذا كان فاعلا فى اللطيف تحدث الحموضة والحار اذا كان فاعلا فى الكثيف تحدث المرارة فبين الحلاوة والحموضة اختلاف فى الفاعل والقابل معا وبين الحلاوة والمرارة اختلاف فى الفاعل فقط فيكون بين الحلاوة والحموضة غاية الخلاف دون الخلاوة والمرارة (قوله ينزلهما منزلة التضايف) يعنى التضاد عنده كالتضايف عند العقل لانه كما لا ينفك احد المتضائفين عن الاخر عند العقل لا ينفك احد المتضادين عن الاخر عنده لا انه يعتبر التضاد داخلا فى التضايف حتى يرد انه اذا كان احد الضدين لا ينفك عن الآخر عنده يكون التضاد جامعا عنده من غير حاجة الى تنزيله منزلة التضايف وان التضاد داخل فى التضايف فلا معنى للتنزيل (قوله انه لا يحضره الخ) وذلك لانهما يحضر ان عنده حين ادراكه التضاد الجزئى المتعلق بهما اذا كانا من المحسوسات فيتوهم من ذلك انه لا انفكاك بينهما فاذا حضره احدهما حضره الآخر وقال السيد فى شرحه للمفتاح وذلك لاشتراكهما فى الضدية التى هى من الاضافات اللازمة لهما لزوما بينا وفيه ان اشتراكهما فى الضدية امر مطابق للواقع وهما بهذا الاعتبار من المتضايفين والجامع بينهما عقلى (قوله يعنى ان ذلك) اى كون التضاد وشبهه جامعا مبنى على حكم الوهم حكما على خلاف الواقع بتلازمهما فى الحضور بناء على حضورهما عنده حين ادراك التضاد الجزئى بينهما (قوله تقارن فى الخيال) اى يكون حصول احدهما فى الخيال مع حصول الآخر فيه لا لعلاقة عقلية او وهمية تقتضى ذلك بل لمجرد الاتفاق بينهما لاسباب مؤدية الى ذلك وليس المراد اجتماعهما فيه مطلقا فان جميع الصور الخيالية كذلك قال السيد فى شرحه للمفتاح والضابط فى الجامع ان الجمع اما بسبب التقارن فى خزانة الصور اولا فالاول هو الخيالى والثانى اما ان يكون بواسطة امر يناسب الجمع ويقتضيه بحسب نفس الامر فهو العقلى او لا فهو الوهمى انتهى لكن بقى وجه ضبط هذه الثلاثة فى اقسامها فاقول الجملتان

٤٠٠