شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

قال مبرمان (١) : سألت المبرد : إذا قال لك رجل : رأيت زيدا وأردت أن تسأله عن صفته ؛ قال : تقول : آلمنيّ ، كأني قلت : آلظريفيّ ، أو : آلعالميّ ، أو : آلبزّازي ؛

قال السيرافي : هذا تفريع منه وقياس وليس بمسموع ؛ قلت كأنه جعل الياء في : الظريفيّ ونحوه للتأكيد ، كما قيل في : أحمريّ ودوّاريّ ؛ (٢)

وإن كانت صفة العلم منسوبة إلى ما لا يعقل ، كالمكيّ والبصريّ ، فلا يجوز : آلمنيّ ، اتفاقا ، قال المبرد : القياس : آلمائيّ ، أو : آلماويّ ؛ (٣) قال السيرافي : هو تفريع منه وليس بمسموع ؛

وأجاز الأخفش الاستفهام بأيّ ، على وفق : آلمنيّ ، قياسا ، فيقال : آلآبيّ ، فيصلح للمنسوب إلى العاقل وإلى غيره ، والوجه المنع لعدم السماع ولاستثقال الياءات ؛ والله أعلم ؛

__________________

(١) محمد بن علي بن اسماعيل الملقب بمبرمان ، تلميذ المبرد ، وكانت له تصرفات يضيق بها الناس ، وكأنه لقب بمبرمان لذلك ، توفي في منتصف القرن الرابع. وتقدم ذكره ، وقد ذكره الرضى في بعض المواضع بابن مبرمان ، ولا وجه لكلمة ابن ؛

(٢) إذا نسب إلى الوصف المجرد من معنى المبالغة قيل أحمريّ وكان الغرض من ذلك تأكيد الوصف ، وإذا نسب إلى صيغة المبالغة نحو دوّاريّ كان القصد المبالغة في تأكيد الوصف ؛

(٣) كأنه نسب إلى «ما» فضوعف ثانيها وقلب همزة ، وعند النسب تبقى الهمزة أو تقلب واوا كما هو موضح في باب النسب ؛

٨١
٨٢

[أسماء الأفعال]

[أنواعها ـ علة بنائها ـ تنوينها]

[قال ابن الحاجب :]

«أسماء الأفعال : ما كان بمعنى الأمر أو الماضي ، مثل :»

«رويد زيدا أي أمهله ، وهيهات ذاك أي بعد» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أنه إنما بنى أسماء الأفعال لمشابهتها مبنيّ الأصل ، وهو فعل الماضي والأمر ، ولا تقول إن «صه» اسم ل «لا تتكلم» ومه ، اسم ل «لا تفعل» ، إذ لو كانا كذلك ، لكانا معربين ، بل هما بمعنى : اسكت ، واكفف ، وكذا لا نقول ان «أفّ» بمعنى أتضجرّ ، و «أوه» بمعنى أتوجّع ، إذ لو كانا كذلك لأعربا كمسمّاهما ، بل هما بمعنى : تضجرت وتوجّعت الإنشائيّين ؛

ويجوز أن يقال : ان أسماء الأفعال بنيت لكونها أسماء لما أصله البناء ، وهو مطلق الفعل ، سواء بقي على ذلك الأصل كالماضي والأمر ، أو خرج عنه كالمضارع ، فعلى هذا لا يحتاج إلى العذر المذكور ؛

والذي حملهم على ان قالوا : إن هذه الكلمات وأمثالها ليست بأفعال مع تأديتها معاني الأفعال: أمر لفظي، وهو أن صيغها مخالفة لصيغ الأفعال ، وأنها لا تتصرف تصرفها ،

٨٣

وتدخل اللام (١) على بعضها ، والتنوين في بعض ، وظاهر كون بعضها ظرفا ، وبعضها جارّا ومجرورا ؛ (٢)

وأمّا تعيين أصولها ، وأنها عن أيّ شيء نقلت ، فنقول :

النقل عن المصادر والظروف في بعضها ظاهر ، كرويد زيدا ، وبله زيدا ، بنصب المفعول به ؛ وفداء لك الأقوام ، بالكسر ، وأمامك زيدا ، وعليك زيدا ؛ إذ استعمال هذه الكلمات على أصلها كثير ، كرويد زيد ، وبله زيد ، بالإضافة ، وفداء لك (٣) ، بالرفع والنصب ، وأمامك زيد ، برفع زيد ؛

وبعضها يشبه أن يكون مصدرا في الأصل ، وإن لم يثبت استعماله مصدرا ، كوشكان ، وسرعان ، وبطآن ، وشتّان ، فإنها ، كليّان في المصادر ، وكهيهات فإنه كقوقاة ، ونزال ، فإنه كفجار ، وتيد ، كضرب ؛ فنقول : إنها كانت في الأصل مصادر ، لأنه قام دليل قطعي على كونها منقولة إلى معاني الأفعال عن أصل ، وأشبه ما يكون أصلها : المصادر ، للمناسبة بينهما ، وزنا ، ولإلحاقها بأخواتها من نحو : رويد وبله وفداء ؛

والظاهر في بعضها أنها كانت أصواتا ثم نقلت إلى المصادر ثم منها إلى أسماء الأفعال ؛ ثم نقول : الأصوات المنقولة إلى باب المصادر على ضربين : ضرب لزم المصدرية ولم يصر اسم فعل ، نحو : ايها في الكف ، وويها في الاعزاء ، وواها في التعجب والاستطابة ، ولعا ، ودعدعا ، في الانتعاش ، وويلك ، وويحك وويك ووي لعمرو ، على ما مرّ في باب المفعول المطلق ؛ (٤) وبعضها انتقل من المصادر إلى أسماء الأفعال ، نحو : صه ، ومه ، وها ، ودع أي انتعش ، وبس أي ارفق ، وهيا ، وهلا ، وحيّ ، وايه ، وهيك وهيك وهيت ، وستجيئ معانيها ؛ ويجوز أن يدّعى في الضرب الأول أنه انتقل

__________________

(١) أي أداة التعريف ، والرضى يعبّر عنها باللام مرة ، وبالألف واللام أخرى وهما رأيان في أصل وضعها ؛

(٢) أي منقولا عن الظرف ، أو عن الجار والمجرور ،

(٣) إشارة إلى بيت شعر سيأتي ذكره كاملا في الشرح ،

(٤) في الجزء الأول.

٨٤

إلى اسم الفعل ؛ والتنوين فيه كما في : صه ، ومه ، وايه ، وهي مفتوحة لا منصوبة ، وفي الضرب الثاني ، بقاؤه على المصدرية ، وبناؤه لأصله ، أعني اسم الصوت ، كما مرّ الفعول المطلق ؛ (١)

: أخ ، وكخ ، وأفّ ، وأوّه ، وبخ ، إذا لم تستعمل استعمال المصادر وهو أن تنصب ، نحو : أفّا ، أو تبيّن بالحرف ، كأفّ لك فالأولى أن يقال ببقائها على ما كانت عليه وأنها لم تصر مصادر ولا أسماء أفعال لعدم الدليل عليه ، كما أن الأولى في : فرطك بمعنى تقدم ، أو احذر من قدّامك ، وبعدك ، أي احذر من خلفك ؛ وحذارك عمرا ، والنجاءك ؛ أن يقال : انها باقية على المصدرية ، إذ لم يقم دليل على انتقالها إلى أسماء الأفعال ؛ والفرط : التقدم ، أي : تقدّم تقدما ، أو : احذر فرطك أي تقدمك ، وبعدك ، أي : ابعد بعدا ، وحذرك وحذارك عمرا ، أي احذر عمرا حذرا ، أو حذارا ، والنجاءك أي : انج النجاء ، والكاف حرف ، كما في : ذلك ؛

فإذا تقرر هذا ، ثبت أن جميع أسماء الأفعال منقولة ، إمّا عن المصادر الأصلية ، أو عن المصادر الكائنة في الأصل أصواتا ، أو عن الظروف ، أو عن الجار والمجرور ، فلا تقدح ، إذن ، باعتبار الأصل ، لا في حدّ الاسم ، ولا في حدّ الفعل ، وعدم استعمال بعضها على أصله لا يضر ، لمّا ثبت كونه (٢) عارضا بالدليل ، إذ ربّ أصل مرفوض ، وعارض لازم ؛»

وأما «آمين» فقيل : سريانيّ ، وليس إلّا من أوزان الأعجمية ، كقابيل ، وهابيل ، بمعنى (٣) : افعل ، على ما فسّره النبي عليه السّلام حين سأله ابن عباس رضي الله عنه ، وبني على الفتح ، ويخفف بحذف الألف ، فيقال : أمين ، على وزن كريم ، ولا منع أن يقال : أصله القصر ثم مدّ ، فيكون عربيا ، مصدرا في الأصل ، كالنذير ، والنكير ، ثم جعل اسم فعل ؛

__________________

(١) في الجزء الأول أيضا.

(٢) يعني عدم استعمال بعضها على أصله ،

(٣) المراد أن «آمين» بمعنى افعل

٨٥

وكان القياس ألّا يقال لاسم الفعل الذي هو في الأصل جار ومجرور ، نحو : عليك ، وإليك : اسم فعل ، لأنا نقول لمثل صه ورويد ، انه اسم بالنظر إلى أصله ، والجار والمجرور لم يكن اسما ، إلا أنهم طردوا هذا الاسم في كل لفظ منقول إلى معنى الفعل نقلا غير مطرد كالمطرد (١) ، في نحو : رحمك الله ، ولم يضرب ، فيصح أن يقال في : كذب العقيق (٢) بالنصب : ان «كذب» اسم فعل كما يجيء ،

ثم اعلم أن بعضهم يدّعي أن أسماء الأفعال مرفوعة المحل على أنها مبتدأة لا خبر لها ، كما في : أقائم الزيدان ؛

وليس بشيء ، لأن معنى قائم ، معنى الاسم وإن شابه الفعل ، أي : ذو قيام ، فيصح أن يكون مبتدأ ، بخلاف اسم الفعل ، فإنه لا معنى للاسمية فيه ، ولا اعتبار باللفظ ، فإن في قولك : «تسمع بالمعيديّ» (٣) تسمع مبتدأ ، وإن كان لفظه فعلا لأن معناه الاسم ، فاسم الفعل ، إذن ، ككاف «ذلك» ، وكالفصل (٤) عند من قال انه حرف ، كان لكلّ واحد منهما محل من الاعراب لكونهما اسمين فلما انتقلا إلى معنى الحرفية ، لم يبق لهما ذلك ، لأن الحرف لا إعراب له ، فكذا اسم الفعل ، كان له في الأصل محل من الاعراب (٥) فلما انتقل إلى معنى الفعلية ، والفعل لا محل له من الإعراب في الأصل ، لم يبق له محل من الاعراب ، كما ذكرنا في المفعول المطلق ؛ (٦)

وما ذكره بعضهم من أنّ أسماء الأفعال منصوبة المحل على المصدرية ، ليس بشيء ، إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة ، فلم تكن قائمة مقام الفعل ، فلم تكن مبنية ؛

__________________

(١) يعني كالنقل المطرد في جعل الجملة الخبرية الماضية دعائية ، وجعل المضارع المنفي بلم ماضيا ،

(٢) إشارة إلى بيت شعر سيأتي كاملا في الشرح ؛

(٣) تقدم شرحه

(٤) أي صيغة الضمير التي يسمونها فصلا.

(٥) أي حين كان مصدرا ، وذلك هو رأي الرضى في أسماء الأفعال وأنها منقولة عن المصادر ولو تقديرا ،

(٦) تقدم في الجزء الأول ،

٨٦

ولا نقول في : أمامك (١) بمعنى تقدم ، انه منصوب بفعل مقدّر ، بل النصب فيه صار كفتح فاء جعفر ؛ وكذا لا تقول في : عليك ، وإليك ، اسمي فعل ؛ إنهما حرفا جرّ مع مجرورهما متعلقان بمقدر ، بل المضاف والمضاف إليه ، في الأول صارا ككلمة ، وكذا الجار والمجرور في الثاني ؛

فصار اسم المصدر والصوت إذا كانا اسمي فعل : كالفضل ، وببّة ، علمين لذات ، وصار المضاف والمضاف إليه ، والجار والمجرور في نحو : أمامك وعليك ، اسمي فعل ، كعبد الله ، وتأبط شرّا ، علمين ، فهي منقولة عن أصولها إلى معنى الفعل نقل الأعلام ؛ وليس ما قال بعضهم : ان «صه» مثلا اسم للفظ «اسكت» الذي هو دال على معنى الفعل ، فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه : بشيء ؛ (٢) إذ العربي القحّ (٣) ، ربّما يقول : صه ، مع أنه لا يخطر بباله لفظ : اسكت ، وربّما لم يسمعه أصلا ، ولو قلت انه اسم ل : اصمت أو امتنع أو كفّ عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى ، لصحّ ، فعلمنا أن المقصود منه المعنى لا اللفظ ؛

وقد صار الفعل اسم فعل ، كما في قول عنترة ؛

٤٤٠ ـ كذب العتيق وماء شنّ بارد

إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي (٤)

إذ روي بنصب العتيق ، وكذا في قول من نظر إلى بعير نضو (٥) ، فقال لصاحبه : كذب عليك البزر والنوى ، بنصب البزر ،

__________________

(١) أي في كل ما كان منقولا عن ظرف ،

(٢) خبر عن قوله : وليس ما قال بعضهم ،

(٣) أي الخالص الباقي على سليقته العربية ،

(٤) أحد أبيات لعنترة العبسيّ يوجه فيها الحديث إلى امرأته التي لامته على إيثار فرس له بسقي اللبن، يقول فيها:

لا تذكري فرسي وما أطعمته

فيكون جلدك مثل جلد الأجرب

إن الغبوق له. وأنت مسوءة

فتأوّهي ما شئت ثم تحوّبي

والغبوق : اللبن يشرب في المساء ، والصبوح : اللبن يشرب في الصباح ؛ فهو يقول لها : اكتفي بالعتيق أي القديم من التمر ، وبالشرب من ماء الشنّ وهو القربة البالية ولا تطالبيني بأكثر من ذلك وإلا فاذهبي عني ، والبيت منسوب لغير عنترة في سيبويه ٢ / ٣٠٢ ،

(٥) أي مهزول من قلة الطعام ،

٨٧

قال محمد بن السّريّ (١) إن مضر تنصب به ، واليمن ترفع ، فمعنى كذب عليك البزر ، أي الزمه وخذه ؛ ووجه ذلك أن الكذب عندهم في غاية الاستهجان وممّا يغرى بصاحبه وبأخذه (٢) المكذوب عليه ؛ فصار معنى كذب فلان الإغراء به ، أي : الزمه وخذه فإنه كاذب ، فإذا قرن بعليك صار أبلغ في الإغراء ، كأنك قلت : افترى عليك فخذه ، ثم استعمل في الإغراء بكل شيء ، وإن لم يكن مما يصدر منه الكذب ، كقولهم : كذب عليك العسل ، أي عليك بالعسلان ، (٣) قال :

وذبيانية أوصت بنيها

بأن كذب القراطف والقروف (٤) ـ ٣٢٣

أي عليكم بهما ، وكذب الحج ، أي عليك به ، فكما جاز أن يصير نحو : عليك وإليك بمعنى فعل الأمر ، فينصب به ، جاز أن يصير «كذب» ، و «كذب عليك» بمعنى الأمر ، فينصب به كما ينصب ب «الزم» ؛

قال أبو علي (٥) في : كذب عليك البزر ، ان فاعل «كذب» مضمر ، أي كذب السّمن ، أي لم يوجد (٦) ، والبزر منصوب بعليك ، أي : الزمه ؛

ولا يتأتى له هذا في قول عنترة : كذب العتيق .. على رواية نصب العتيق ، وما ذكرناه أقرب ؛

وأسماء الأفعال حكمها في التعدي واللزوم : حكم الأفعال التي هي بمعناها ، إلا أن الباء تزاد في مفعولها كثيرا ، نحو : عليك به ، لضعفها في العمل ، فتعمد بحرف عادته إيصال اللازم إلى المفعول ؛

ولا تتقدم ، عند البصريين ، منصوباتها عليها ، نظرا إلى الأصل ، لأن الأغلب فيها

__________________

(١) المراد : أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السّراج ،

(٢) أي يغريه المتكلم بأن يأخذ المكذوب عليه ، فالمصدر «أخذ» مضاف إلى مفعوله ،

(٣) العسل والعسلان : مشى فيه سرعة

(٤) تقدم هذا الشاهد في باب الاضافة من الجزء الثاني

(٥) أي الفارسي

(٦) باعتبار أن هذا الكلام قبل في شأن بعير مهزول ، فالسّمن غير موجود فيه ؛

٨٨

إمّا مصادر ، ومعلوم امتناع تقدم معمولها عليها ، وإمّا صوت جامد في نفسه منتقل إلى المصدرية ثم منها إلى اسم الفعل ، وإمّا ظرف أو جار ومجرور ، وهما ضعيفان قبل النقل أيضا ، لكون عملهما لتضمينهما معنى الفعل ؛ وجوّز الكوفيون ذلك استدلالا بقوله :

٤٤١ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا

إني رأيت الناس يحمدونكا (١)

ودونك ، عند البصريين ههنا ليس باسم فعل ، بل هو ظرف ، خبر لدلوي ، أي : دلوي قدامك فخذها ؛

وأكثر أسماء الأفعال بمعنى الأمر ، إذ الأمر كثيرا ما يكتفي فيه بالإشارة عن النطق بلفظه ، فكيف لا يكتفي بلفظ قائم مقامه ، ولا كذلك الخبر ،

ومعاني أسماء الأفعال ، أمرا كانت أو غيره : أبلغ وآكد من معاني الأفعال التي يقال ان هذه الأسماء بمعناها ، أمّا ما كان مصدرا في الأصل ، والأصوات الصائرة مصادر ثم أسماء أفعال ، فلما تبيّن في المفعول المطلق (٢) ، فيما وجب حذف فعله قياسا ؛ وأمّا الظرف ، والجار والمجرور فلأن نحو : أمامك ، ودونك زيدا ، بنصب زيدا ، بنصب زيدا ، كان في الأصل : أمامك زيد ، ودونك زيد ، فخذه فقد أمكنك ، فاختصر هذا الكلام الطويل ، لفرض حصول الفراغ منه بسرعة ، ليبادر المأمور إلى الامتثال ، قبل أن يتباعد عنه زيد ؛ وكذا ، كان أصل عليك زيدا : وجب عليك أخذ زيد ، وإليك عني : أي ضمّ رحلك وثقلك إليك واذهب عني ، ووراءك أي : تأخر وراءك ، فجرى في كلها (٣) الاختصار لغرض التأكيد ؛

__________________

(١) منسوب لراجز جاهلي من بني أسيد ، في قصة قتل فيها بنو أسيد : وائل بن صريم بطرحه في بئر ، وجعلوا ينشدون حوله هذا الرجز الذي قاله أحدهم تهكما به ، ونقل البغدادي في الخزانة انه لأحدى جواري بني مازن ، وكان ناجية بن جندب السلمي قد نزل بئرا بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في إحدى الغزوات ، فطرحت الجارية دلوها إليه ليملأها ، وردّ عليها ناجية برجز آخر ، وفي قصة هذا الرجز حكايات أخرى ، والله أعلم ؛

(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح ،

(٣) تكرر التنبيه إلى استعمال الرضى لفظ كل المضاف إلى الضمير تاليا للعوامل اللفظية مع أنه هو قد نبّه إلى ضعف هذا الاستعمال في باب التأكيد ؛

٨٩

وكل ما هو بمعنى الخبر ، ففيه معنى التعجب ، فمعنى هيهات ، أي ما أبعده ، وشتان ، أي ما أشد الافتراق ، وسرعان ، ووشكان ، أي : ما أسرعه ، وبطآن أي ما أبطأه ، والتعجب هو التأكيد المذكور ، وكلها بلا علامة للمضمر المرتفع بها ، وبروزه في شيء منها دليل فعليته ، وأنه ليس منها ، كهلمّ ، وهيهات ، على ما يجيئ ،

وليس لحاق كاف الخطاب ، ولا التنوين في جميع هذه الأسماء قياسا ، بل سماع فيقتصر على المسموع ، فنقول :

الكاف إذا اتصل بهذه الأسماء ، نظر ، فإمّا أن يكون متصلا بما هو ظرف ، أو حرف جر في الأصل ، نحو : أمامك وإليك ، أو ، لا ، فهو في الأول اسم مجرور ، نظرا إلى أصله ؛ وفي الثاني ينظر ، فإن كان الاسم الذي اتصل به كاف الخطاب مما جاء مصدرا مضافا ، واسم فعل معا ، نحو : رويد زيد ، وزيدا ، احتمل أن يكون الكاف اسما مجرورا نظرا إلى كون الاسم مصدرا مضافا إلى فاعله ، وأن يكون حرف خطاب نظرا إلى كون الاسم اسم فعل ، نحو : رويدك زيدا ، وإن لم يجز كون الكاف مضافا إليه فهو حرف ، كما في : هاك ، إذ لم يأت : ها زيد ، بالإضافة ، كما جاء في : رويد زيد ، ومثله : النجاءك ، وإن لم يكن اسم فعل ، على ما ذهبنا إليه ؛

وقال الفرّاء : الكاف في جميعها : مرفوع لكونه في مكان الفاعل ؛ وليس بشيء ، لأنا نعرف أن الكاف في : عليك وإليك ودونك ، هو الذي كان قبل نقل هذه الألفاظ إلى معنى الفعل ، وقد كان مجرورا ؛ بلى ، يمكن دعوى ذلك في نحو : حيّهلك ، وهاك ، لأن الكاف لم يثبت مع هذين الاسمين قبل صيرورتهما اسمي فعل ، مع أن وضع بعض الضمائر موضع بعض خلاف الأصل ؛ وينبغي له أن يقول إن في نحو : رويد ، وها ، مجرّدين عن الكاف، ضميرا مستترا كما في : اضرب ، ولا يقول بحذف الكاف، لأن الفاعل لا يحذف ؛

وقال الكسائي. الكاف في الجميع منصوب. وهو أضعف ، لأن المنصوب قد يجيئ بعدها صريحا ، نحو : رويدك زيدا وعليك زيدا ؛

٩٠

وقال ابن بابشاذ : (١) الكاف في الجميع حرف خطاب ، كما في ذلك ؛ ويبطل قوله بما أورد على الفرّاء ؛

وأمّا التنوين اللاحق لبعض هذه الأسماء ، فعند الجمهور للتنكير ، وليس لتنكير الفعل الذي ذلك الاسم بمعناه ، إذ الفعل لا يكون معرّفا ولا منكرا ، كما ذكرنا في علامات الأسماء ، بل التنكير راجع إلى المصدر ، الذي ذلك الاسم قبل صيرورته اسم فعل ، كان بمعناه ، لأن المنون منها إمّا مصدر أو صوت قائم مقام المصدر أوّلا ، ثم ينتفل عنه إلى باب اسم الفعل ثانيا ، كما مرّ ؛ فصه ، بمعنى سكوتا ، وايه بمعنى زيادة ، فيكون المجرّد من التنوين ، مما يلحقه التنوين ، كالمعرّف ، فمعنى صه : اسكت السكوت المعهود المعيّن ، وتعيين المصدر بتعيين متعلقه ، أي المسكوت عنه ، أي : افعل السكوت عن هذا الحديث المعيّن ، فجاز ، على هذا ، ألّا يسكت المخاطب عن غير الحديث المشار إليه ؛ وكذا مه ، أي كفّ عن هذا الشيء ، وايه ، أي ، هات الحديث المعهود ، فالتعريف في المصدر راجع إلى تعريف متعلقه ، وأمّا التنكير فيه ، فكأنه للإبهام والتفخيم كما في قوله :

ألا أيها الطير المربّة بالضحى

على خالد، لقد وقعت على لحم (٢) ـ ٣٣٨

أي : لحم وأيّ لحم ، فكأنّ معنى صه : اسكت سكوتا وأيّ سكوت أي : سكوتا بليغا ، أي : اسكت عن كل كلام ؛

وليس ترك التنوين في جميع أسماء الأفعال عندهم دليل التعريف ، بل تركه فيما يلحقه تنوين التنكير : دليل التعريف ؛

وقال ابن السكّيت (٣) ، والجوهري (٤) ، دخوله فيما يدخل عليه منها دليل كونه موصولا بما بعده ، وحذفه دليل الوقف عليه ، تقول : صه صه ، ومه مه ، بتنوين الأول وسكون

__________________

(١) تقدم ذكره في أول باب الموصول من هذا الجزء ،

(٢) تقدم في الجزء الثاني ،

(٣) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكّيت من أبرز علماء اللغة والنحو ، كوفي المذهب ، كما كان راوية للشعر ، شرح بعض دواوين الشعراء القدامى ، ومن أشهر كتبه : إصلاح المنطق ، توفي سنة ٢٤٤ ه‍ ،

(٤) اسماعيل بن حمّاد الجوهري صاحب معجم الصحاح ، تقدم ذكره في هذا الشرح ؛

٩١

هاء الثاني ؛ وقالا (١) ، في قول ذي الرمة ؛

٤٤٢ ـ وقفنا فقلنا ايه عن أمّ سالم

وما بال تكليم الديار البلاقع (٢)

إنما جاء غير منون وقد وصل ، لأنه نوى الوقف ؛ فيكون التنوين عندهما في الأصل ، تنوين التمكن الدال على كون ما لحقه موصولا بما بعده غير موقوف عليه ، جرّد عن معنى التمكن في هذه الأسماء وجعل للدلالة على المعنى المذكور فقط ؛

هذا هو الكلام على هذه الأسماء إجمالا ؛

وأمّا الكلام عليها تفصيلا فنقول : هي إمّا متعدية ، أو لازمة ؛ فمن المتعدّية : «ها» وهو اسم «خذ» ، وفيه ثماني لغات :

الأولى : ها ، بالألف مفردة ساكنة للواحد والاثنين والجمع مذكرا كان أو مؤنثا ؛

الثانية : أن تلحق هذه الألف المفردة كاف الخطاب الحرفية ، وتصرّفها ، نحو : هاك ، هاكما ، هاكم ، هاك ، هاكنّ ؛

الثالثة : أن تلحق الألف همزة ، مكان الكاف وتصرفها تصريف الكاف ، نحو : هاء هاؤما ، هاؤم ، هاء ، هاؤما (٣) ، هاؤنّ ؛

الرابعة : أن تلحق الألف همزة مفتوحة قبل كاف الخطاب وتصرف الكاف ؛

الخامسة : هأ ، بهمزة ساكنة بعد الهاء للكل ؛

السادسة : أن تصرف هذه الخامسة ، تصريف : دع وذر ،

__________________

(١) الضمير راجع إلى ابن السكيت والجوهري ،

(٢) من قصيدة طويلة لذي الرمة ، مطلعها :

خليليّ عوجا عوجة ناقتيكما

على طلل بين القلات وشارع

قلات ، وشارع اسما موضعين ، وليس بيت الشاهد مطلع القصيدة كما قال بعضهم ؛

(٣) لا حاجة لتكرار المثال الخاص بالمثنى ، إذ لا فرق بين تثنية المذكر وتثنية المؤنث ، وهو لم يكرره في اللغة التي قبل هذه ،

٩٢

السابعة : أن تصرّفها تصريف : خف ؛ ومن ذلك ما حكى الكسائي ، من قول من قيل له هاء ، فقال : إلام أهاء وإهاء؟ بفتح الهمزة وكسرها ، (١)

الثامنة : أن تلحق الألف همزة وتصرّفها تصريف : ناد (٢) ،

والثلاثة الأخيرة أفعال غير متصرفة ، لا ماضي لها ولا مضارع ، وليست بأسماء أفعال ؛ قال الجوهري : هاء بكسر الهمزة بمعنى هات ، وبفتحها بمعنى خذ ، وإذا قيل لك : هاء ، بالفتح ، قلت : ما أهاء ، أي : ما آخذ ، وما أهاء ، على ما لم يسمّ فاعله ، أي : ما أعطي؟ وهذا الذي قال ، مبني على السابعة ، نحو : ما أخاف ، وما أخاف ؛

ومنها : هات ، بمعنى أعط ، وتتصرف بحسب المأمور ، افرادا وتثنية وجمعا ، وتذكيرا وتأنيثا ، فتقول : هات ، هاتيا ، هاتوا ، هاتي ، هاتين ، وتصرّفه دليل فعليته ، تقول : هات لا هاتيت ، وهات إن كان بك مهاتاة ، وما أهاتيك ، كما أعاطيك ؛ قال الجوهري : لا يقال منه : هاتيت ، ولا ينهى عنه ، فهو ، على ما قال ، ليس بتامّ التصرف ؛

وقال الخليل : أصل هات : آت ، من آتى يؤتى إيتاء ، فقلبت الهمزة هاء ؛

ومن قال هو اسم فعل ، قال : لحوق الضمائر به لقوّة مشابهته لفظا للأفعال ، ويقول في نحو : مهاتاة ، وهاتيت : إنه مشتق من : هات ، كأحاشي من حاشى ، وبسمل من بسم الله ؛

ومنها : بله ، أي دع ، ويستعمل مصدرا ، واسم فعل ، كما ذكرنا ، فيقال : بله زيد بالاضافة إلى المفعول ، كترك زيد ، وبله زيد ، كدع زيدا ،

وحكى أبو علي ، عن الأخفش أنه يجيئ بمعنى «كيف» فيرفع ما بعده ، وينشد قوله :

__________________

(١) على لغة من يكسر أول المضارع ، فيكون مثل إخال ،

(٢) أمر من نادى ،

٩٣

٤٤٣ ـ تذر الجماجم ضاحيا هاماتها

بله الأكف ، كأنها لم تخلق (١)

بنصب الأكف ورفعه وجره ،

وإذا كان بمعنى «كيف» جاز أن يدخله «من» ، حكى أبو زيد (٢) : إن فلانا لا يطيق أن يحمل الفهر ، فمن بله أن يأتي بالصخرة ، أي كيف ومن أين ، ويروى من بهل ، بالقلب ؛

وذكر الأخفش في باب الاستثناء في قوله :

٤٤٤ ـ حمّال أثقال أهل الود آونة

أعطيهم الجهد مني بله ما أسع (٣)

أنّ «بله» حرف جر ، كعدا ، وخلا ، بمعنى سوى ، قيل : ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «بله ما أطلعتم عليه» ؛ (٤)

ومنها : تيد زيدا ، أي أمهله ، وحكى البغداديون : تيدك زيدا ، قال أبو علي : لم يحك أحد لحاق الكاف ببله ، قال : وقياس قول من جعله اسم فعل ، جواز الحاقها به ، فعلى ما قال ، كأنه جعل لحاق الكاف الحرفية بجميع أسماء الأفعال قياسا ، وفيه نظر ، كما مرّ ،

قال أبو علي : تيد ، من التؤدة ، قلبت التاء واوا ، وأبدلت الهمزة ياء ، كما حكى سيبويه : بيس الرجل ، في : بئس ؛

ومنها رويد زيدا ، وهو في الأصل تصغير «إروادا» مصدر : أرود أي رفق ، تصغير

__________________

(١) من قصيدة لكعب بن مالك الأنصاري أحد شعراء النبي صلّى الله عليه وسلّم ، قال هذه القصيدة في غزوة الخندق ، وهي من جيّد الشعر ، ومعنى : ضاحيا هاماتها أي منفصلة ،

(٢) تقدم ذكر أبي زيد الأنصاري قريبا ،

(٣) من قصيدة لأبي زبيد الطائي ، أولها :

من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا

أن الفؤاد اليهم شيّق ولع

(٤) لفظ الحديث القدسي : يقول ، أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتم عليه ؛ ويروى : من بله ما أطلعتم عليه ، أي من غير الذي عرفتموه ؛

٩٤

الترخيم ، أي ارفق به رفقا وإن كان صغيرا قليلا ، ويجوز أن يكون تصغير «رود» بمعنى الرفق ، عدّي إلى المفعول به ، مصدرا واسم فعل لتضمنه الامهال وجعله بمعناه ، ويجيئ على ثلاثة أقسام ؛

أولها المصدر ، وهو أصل الباقيين ، نحو : رويد زيد بالإضافة إلى المفعول ، ك : (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١) ، ورويدا زيدا ، كضربا زيدا ؛

الثاني : أن يجعل المصدر بمعنى اسم الفاعل إمّا صفة للمصدر نحو : سر سيرا رويدا أي مرودا ، أو حال نحو : سيروا رويدا ، أي مرودين ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف وقوله تعالى : (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(٢) يحتمل المصدر وصفة المصدر والحال ؛

والثالث ، أن ينقل المصدر إلى اسم الفعل لكثرة الاستعمال بأن يقام المصدر مقام الفعل ولا يقدّر الفعل قبله ، نحو : رويد زيدا ، بنصب زيدا ، وإنما فتح (٣) رعاية لأصل الحركة الاعرابية ؛

وقولهم : رويدك زيدا يحتمل أن يكون اسم فعل والكاف حرف ، وأن يكون مصدرا مضافا إلى الفاعل ، كما مرّ ؛

وقد تزاد «ما» على رويد ، اسم فعل ، كما قال بعض العرب ، لصاحبه : لو أردت الدراهم لأعطيتك ، رويد ما الشعر ، أي دع الشعر ، (٤).

ومن اللازمة : صه ، أي اسكت ، ومه ، أي اكفف ، وإيه ، أي زد في الحديث

__________________

(١) من الآية ٤ سورة القتال ،

(٢) الآية ١٧ سورة الطارق

(٣) أي الدال من رويد ،

(٤) قال سيبويه ١ / ١٢٤ : سمعناه من العرب ، وقال السيرافي نقلا عن المبرد : هذا رجل مدح رجلا ، فقال الممدوح للمادح هذا الكلام ؛ وكأن السيرافي لم يرتض هذا الذي نقله عن المبرد فقال معقبا : وقد يقال إن سائلا سأل آخر أن ينشده شعرا وكان انشاده عليه سهلا ، فقال ذلك ؛ يعني : لو طلبت مني الدراهم التي يصعب إعطاؤها لأعطيتك ، فدع الشعر الذي يسهل أمره ؛ جاء ذلك بها من النسخة المطبوعة في بولاق من كتاب سيبويه في الموضع السابق ذكره ؛

٩٥

أو في العمل ؛ وصه ومه ، يستعملان منونين وغير منونين ، والكسر مع التنوين للساكنين ؛ وزعم الأصمعي (١) : أن العرب لا تستعمل «إيه» إلا منونا ، وخطّأ ذا الرمة في قوله :

وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم (٢) ... ٤٤٣

وقال ابن السّرى ، إنه أراد المنون ، إذ معناه : هات حديثا أي حديث كان عن أم سالم ، فتركه للضرورة ؛

ومنها : إيها ، أي كف عن الحديث واقطعه ، ويستعمل لمطلق الزجر ؛ ويجوز أن يكون صوتا قائما مقام المصدر معربا منصوبا ، كسقيا ورعيا ، أي : كفّا ، يقال : إيها عنّا ؛ ويجوز أن يكون اسم فعل مبنيا ، فالتنوين ، إذن ، كما في صه ومه ، وكذا كل تنوين بعد المفتوح من هذه الأسماء يحتمل الوجهين ، نحو : رويدا وحيّهلا وويها ،

وجوّز ابن السّري في : أيها الفتح من غير تنوين على قلّة ، وأوجب غيره تنوينه ، وقد تبدل همزة إيه وأيها ، هاء فيقال : هيه ، وهيها ؛

ومنها : فداء بالكسر مع التنوين ، قال :

٤٤٥ ـ مهلا فداء لك الأقوام كلهم

وما أثّمر من مال ومن ولد (٣)

أي : ليفدك ؛

ومنها : هيت ، مفتوح الهاء مثلث التاء ، كثاء حيث ، وفيه لغة رابعة ، وهي كسر الهاء وفتح التاء ، ومعناه أقبل وتعال ؛ وقال الزمخشري : أسرع ، وإذا بيّن باللام نحو :

__________________

(١) عبد الملك بن قريب بن عبد الملك الأصمعي ، نسبة إلى جدّه أصمع ، إمام من أئمة اللغة ، روى عن أبي عمرو بن العلاء وغيره من المتقدمين ؛

(٢) تقدم ذكره قريبا.

(٣) من معلقة النابغة الذبياني التي أولها :

يا دارمية بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأمد

والخطاب في بيت الشاهد للنعمان بن المنذر ، والرفع في : فداء ، على أنه خبر والأقوام مبتدأ ، وتكرر الاستشهاد بأبيات من هذه القصيدة التي يعتبرها بعضهم إحدى المعلقات ؛

٩٦

(هيت لك) (١) فهو صوت قائم مقام المصدر ، ك : (أُفٍّ لَكُما)(٢) ، إلا أن «أف» يجوز إعرابه إعراب المصادر نحو : أفّا لك ، وهيت ، واجب البناء ، نظرا إلى الأصل مع كونه مصدرا ، وإذا لم يبيّن باللام فهو صوت قائم مقام المصدر القائم مقام الفعل ، فيكون اسم فعل ، مع أنّا قد بينّا في المفعول المطلق أن جميع الأصوات القائمة مقام المصادر ، التي يقال إنها أسماء أفعال ، يجوز فيها : أن يقال ببقائها على مصدريّتها ؛ وبناؤها ، نظرا إلى أصلها حين كانت أصواتا ، وهو الأقوى في نفسي ، إذ لا ضرورة ملجئة إلى دعوى خروجها عن ذلك الباب ، على ما بينّا هناك (٣) ؛ فالأولى ، إذن ، أن نقول : إن ما هو في صورة المنصوب ، نحو : أفّا وتفّا ، مبني على الفتح والتنوين فيه ، كما في صه ، لأنّ الأصل بقاء كل شيء على ما كان عليه ،

ومنها : دع ، ودعا ، ولعا ، ولعلعا ، أي انتعش ، ودعدعا : تكرير دع ، للتوكيد ، وقد اشتق منه : الدعدعة بمعنى قول دع دع ، للعاثر ؛

ومنها : هلا ، وله معنيان : اسكن ، وأسرع ، قال :

٤٤٦ ـ ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا

فقد ركبت أمرا أغرّ محجّلا (٤)

أي : أسرعي ،

ومنها : هيّا ، وقد يلحقه الكاف نحو : هيّاك ، وقد يحذف الألف فيلزمه الكاف نحو : هيّك ، وقد يخفف فيقال هيك والمعنى : أسرع ؛

ومنها : قدك ، وقطك ، وبجلك ، وكأن الأصل : قدّك وقطّك ، أي : اقطع هذا الأمر قطعا ، فهو في الأصل مصدر مضاف إلى الفاعل ، فأقيم مقام الفعل ، فبنى ، فحذف

__________________

(١) من الآية ٢٣ في سورة يوسف ؛

(٢) من الآية ١٧ سورة الأحقاف.

(٣) أي في باب المفعول المطلق في الجزء الأول.

(٤) أول أبيات للنابغة الجعدي في مهاجاة جرت بينه وبين ليلى الأخيلية الشاعرة ، وردّت عليه ليلى بأبيات من الوزن والقافية ؛ وقوله أمرا أغرّ محجلا ، يريد أمرا واضحا منكشفا يراه كل الناس وهي الرواية الصحيحة في البيت ، وبعضهم يحرفه إلى : ركبت أيرا ، وقد خطأ البغدادي هذه الرواية ؛

٩٧

المدغم فيه تخفيفا ، لما قلنا إن وضع أسماء الأفعال على التخفيف ؛

وكذا بجلك ، أي : اكتفاءك ، يقال : أبجلني أي كفاني ، إلا أن الضمير قد يحذف من بجل ، بخلاف: قد ، وقط ، فمعنى : قدك ، أي اكتف ، ومعنى قدني : لأكتف ؛ قال:

قدني من نصر الخبيبين قدي

ليس الأمام بالشحيح الملحد (١) ـ ٣٩١

وقال :

٤٤٧ ـ ومتى أهلك فلا أحفله

بجلي الآن من العيش بجل (٢)

ولم يصر «حسب» ، وإن كان قريبا منها في المعنى : اسم فعل ، بل هو معرب متصرف ، يقع مبتدأ وحالا كما مرّ ، في باب الإضافة ؛

ويجب نون الوقاية في قد ، وقط ، دون بجل ، في الأعرف (٣) ، لكونهما على حرفين دونه ، كما مرّ في باب المضمرات ،

ومنها : حيّ ، أي أقبل ، يعدّى بعلى نحو : حيّ على الصلاة ، أي أقبل عليها ، وعن أبي الخطاب (٤) ، أن بعض العرب يقول : حيّهل الصلاة (٥) ، وقد جاء «حيّ» متعدّيا بمعنى : ائت قال :

٤٤٨ ـ أنشأت أسأله ، ما بال رفقته

حيّ الحمول فإن الركب قد ذهبا (٦)

وقد يركب «حيّ» مع «هلا» الذي بمعنى «أسرع» ، و «استعجل» ، فيكون المركب بمعنى : أسرع ، أيضا ، فيعدّى : إمّا بإلى ، نحو : حيّهل إلى الثريد ، وإمّا بالباء ،

__________________

(١) تقدم ذكره في الجزء الثاني.

(٢) من قصيدة قالها لبيد بن ربيعة عرض فيها لما مضى من أيامه ، وما جرى له مع النعمان بن المنذر وأظهر أسفه على موت النعمان ثم قال : فمتى أهلك فلا أحفله ، أي لا أحفل الهلاك ولا أبالي به ، وبعده :

من حياة قد سئمنا طولها

وجدير طول عيش أن يملّ

(٣) أي الأشهر من الاستعمال ؛

(٤) المراد به : الأخفش الأكبر وهو عبد الحميد بن عبد المجيد أحد شيوخ سيبويه ، ونقل عنه في كتابه ؛

(٥) نقله عنه سيبويه في ج ٢ ص ٥٢ ؛

(٦) من قصيدة لعمرو بن أحمر الباهلي ، نقلها البغدادي عن الروض الأنف للسهيلي وشرحها ؛

٩٨

نحو : حيّهلا بعمر ، أي أسرع بذكره ، والباء للتعدية ، كذهب به ؛ أو بمعنى أقبل فيتعدّى بعلى نحو : حيّهل على زيد ، أو بمعنى : ائت فيتعدّى بنفسه نحو : حيّهل الثريد ؛ وفي المركب لغات : حيّهل ، بحذف ألف «هلا» للتركيب حتى يكون كخمسة عشر ، وقد تشكن هاؤه لتوالي الفتحات نحو : حيّهل ، كما قيل في خمسة عشر ، وقد يلحقهما التنوين مركبين ، فيقال : حيّهلا وحيّهلا ، بفتح الهاء وسكونها ؛ وإذا وقفت على هذين المنونين قلبت تنوينهما ألفا ؛ وإثبات الألف فيهما في الوصل ، لغة رديئة ؛ وقول لبيد :

٤٤٩ ـ يتمارى في الذي قلت له

ولقد يسمع قولي حيّهل (١)

سكن اللام فيه للقافية ، ولا يجوز في غير الوقف ؛

وفي الكتاب الشعري (٢) لأبي علي ، حيّهل بكسر اللام وتنوينه ، وعند أبي علي ، حالهما مع التركيب في احتمال الضمير ، كحال نحو : حلو حامض ، يعني أن في كل منهما ضميرا ، كما كان قبل التركيب ، وفي المجموع بعد التركيب ضمير ثالث ، هو فاعل المجموع ، لكون المجموع بمعنى أسرع أو أقبل أو ائت ؛

وعند غيره أن فيهما ضميرا واحدا ، وليس في كل واحد منهما ضمير لأنه انمحى عن كل منهما بالتركيب حكم الاستقلال ؛ وأمّا قوله :

٤٥٠ ـ وهيّج الحيّ من دار فظلّ لهم

يوم كثير تناديه وحيّهله (٣)

فضمة اللام : حركة إعراب ، وهو مفرد بلا ضمير ، وذلك أن كل لفظ مبني غير

__________________

(١) هذا من قصيدة لبيد المشار إليها قبل قليل ، يذكر رفيقه في السفر وقد أمره بالرحيل وحثه عليه ، ورفيقه يشكّ في ذلك ويتباطأ ؛

(٢) هو كتاب لأبي علي الفارسي تعرض فيه لحل مشكلات إعرابية في بعض الأبيات ، والرضى يسميه كتاب الشعر ، والكتاب الشعري ،

(٣) رواه سيبويه بالواو في أوله ج ٢ ص ٥٢ وقال أنشدناه هكذا (يعني برفع حيّهله) أعرابي من أفصح الناس وزعم أنه شعر أبيه ؛ ولم يسم المنشد ولا أباه ؛ وجاء في الخزانة أنه من شواهد سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل ؛

٩٩

جملة نسب إلى لفظه حكم ، جاز أن يحكى ، كقولك : ضرب فعل ماض ،

قال :

٤٥١ ـ بحيّهلا يزجون كلّ مطية

أمام المطايا سيرها المتقاذف (١)

فحكى ، وجاز أن يجري بوجوه الاعراب ، كقوله :

٤٥٢ ـ ليت شعري وأين مني ليت

إن ليتا وانّ لوّا عناء (٢)

وقوله : تناديه وحيّهله ، فأعرب ، وذلك لأنه صار اسما للكلمة ، كما يجيئ في باب العلم ؛ وقد يقال : حيّهلك ؛

وممّا جاء متعديا ولازما : هلمّ ، بمعنى أقبل ، فيتعدّى ب إلى ، قال تعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا)(٣) ، وبمعنى أحضره نحو قوله تعالى : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ)(٤) ، وهو ، عند الخليل : هاء التنبيه ، ركب معها «لمّ» أمر من قولك : لمّ الله شعثه ، أي جمعه ، أي : اجمع نفسك إلينا ، في اللازم ، واجمع غيرك في المتعدي ؛ ولمّا غيّر معناه بالتركيب ، لأنه صار بمعنى : أقبل ، أو : أحضر ، بعد ما كان بمعنى : اجمع ، صار كسائر أسماء الأفعال المنقولة عن أصولها ، فلم يتصرّف فيه أهل الحجاز مع أن أصله التصرف ، ولم يقولوا : المم ، كما هو القياس عندهم في نحو : اردد ، وامدد ، ولم يقولوا : هلمّ وهلمّ ، كما يجوز ذلك في نحو : مدّ ؛ كل ذلك لثقل التركيب ، قال الله تعالى : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) ولم يقل : هلموا ؛ وقال الكوفيون : أصله : هلا أمّ ، وهلا : كلمة استعجال كما مرّ ، فغيّرت إلى «هل» لتخفيف التركيب ، ونقلت ضمة الهمزة إلى اللام وحذفت ، كما هو القياس في نحو :

__________________

(١) نسبه سيبويه في ج ٢ ص ٥٢ للنابغة الجعدي وتبعه بعض العلماء وشراح شواهده ، وقال جماعة انه لمزاحم العقيلي ، شاعر إسلامي ، وأوردوه في قطعة من الشعر تضمنت هذا البيت :

وقالوا نعرفها المنازل من منى

وما كلّ من وافى مني أنا عارف

وهو من الشواهد المعروفة في النحو ؛

(٢) من أبيات لأبي زبيد الطائي وهو في سيبويه ج ٢ ص ٣٢ ،

(٣) من الآية ١٨ سورة الأحزاب.

(٤) من الآية ١٥٠ سورة الأنعام ؛

١٠٠