شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

كون المتنازع فيه كجزء كل واحدة منهما ، فهو الرابط بينهما ؛

وإن أعملت الأول في مسألتنا ، قلت ، أيضا ، في الاخبار بالذي : الذي ضرب وأكرم زيد ، جعلت مقام زيد ضميرا ، فاستتر في «ضرب» ، لأن الغرض أنه فاعله ؛ وكذا في الاخبار بالألف واللام نحو : الضارب وأكرم زيد ، وعند الأخفش : الضارب والمكرم زيد ، وقياس قول المازني : الضارب والمكرم هو : زيد ، لتكون الاسمية معطوفة على الاسمية بين جزأي المعطوف عليها ، كما كان في الأصل : الفعلية معطوفة على الفعلية بين جزأيها ،

وإذا وجّه العاملان من جهة المفعولية ، وأعمل الثاني نحو : ضربت وأكرمت زيدا ، قلت مخبرا عن التاء الأولى بالذي : الذي ضرب وأكرم زيدا : أنا ، وإنما جعلت تاء أكرمت ، أيضا ، ضمير غائب ، وإن كان المخبر عنه هو التاء في الجملة الأولى فقط ؛ لأن الثانية عطف على الأولى ، فلا بدّ فيها ، أيضا ، من ضمير راجع إلى الموصول وقد تقدم أن الموصول إذا كان مبتدأ ، وهو متكلم أو مخاطب من حيث المعنى ، لم يجز حمل الضمير على المعنى ، فلا يقال : الذي ذهبت : أنا ، لعدم فائدة الاخبار ؛ والتنازع ههنا باق على حاله ، لجواز انتصاب (١) «زيدا» بضرب ؛ وقولك : أكرم ، وإن فصل بين بعض الصلة وبعض ، إلا أنه ليس بأجنبي ، كما يجيئ في هذا الباب ؛

وتقول مخبرا باللام : الضارب وأكرم زيدا : أنا ؛ وعند الأخفش : الضارب والمكرم زيدا : أنا ؛ والتنازع غير باق ، لأن «زيدا» لا يجوز انتصابه بضارب ، إذ لا يعطف على الموصول مع بقاء بعض الصلة ؛ (٢)

وقياس قول المازني : الضارب أنا ، والمكرم زيدا : أنا ؛

وكذا تخبر عن تاء أكرمت ، بالذي ، وبالألف واللام ، سواء (٣) ؛ على المذاهب الثلاثة ؛

__________________

(١) لأن الفعل «ضرب» باق على صلاحيته للعمل ،

(٢) يعني قبل انتهاء الصلة ،

(٣) تقدير الكلام : هما سواء على المذاهب الثلاثة التي يتعرض لها في أكثر الأمثلة ، وهي مذهب الجمهور ومذهب الأخفش ومذهب المازني ،

٤١

وتقول في الاخبار عن «زيد» بالذي : الذي ضربت وأكرمته : زيد ؛ وبالألف واللام : الضاربه أنا وأكرمته : زيد ، أبرزت ضمير المفعول في : الضاربه وإن كان محذوفا في الأصل ، لأن ضمير الألف واللام لا يحذف ، كما ذكرنا ، وأبرزت «أنا» لجري الصفة على غير من هي له ؛

وبعض المتقدمين يحذف ضمير اللام في مثله ، نظرا إلى الأصل ؛ (١)

وتقول على مذهب الأخفش : الضاربه أنا والمكرمه أنا : زيد ، وعند المازني : الضارب أنا ، على أنه مبتدأ وخبر ، والمكرمه أنا : زيد ، جملة معطوفة على جملة أخرى ؛

وتقول في هذه المسألة إذا أعمل الأول نحو : ضربت وأكرمته زيدا ، بالهاء في «أكرمته» على المختار ، كما مرّ في باب التنازع ، مخبرا عن التاء الأولى بالذي : الذي ضرب وأكرمه زيدا : أنا ، وبالألف واللام : الضارب وأكرمه زيدا : أنا ، والتنازع باق في الموضعين ؛ وعند الأخفش : الضارب زيدا والمكرمه : أنا ، قدّمت زيدا إلى جنب عامله إذ لا يعطف على الموصول مع بقاء بعض صلته ، وعند المازني : الضارب زيدا أنا والمكرمه أنا ؛

والاخبار عن تاء «أكرمت» كالاخبار عن تاء «ضربت» سواء عند كلهم (٢) ؛ وأمّا الاخبار عن «زيدا» بالذي فتقول فيه : الذي ضربته وأكرمته زيد ، تصل الضمير القائم مقام زيد بعامله لعدم ما يوجب انفصاله وكذا بالألف واللام : الضاربه أنا وأكرمته : زيد ، الهاء في «الضاربه» هو الضمير القائم مقام زيد ، وأبرزت «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ؛ وعند الأخفش : الضاربه أنا والمكرمه أنا : زيد ، وعند المازني : الضاربه أنا والمكرمه أنا هو : زيد ، وزيد خبر للضاربه ، لأنه كان في الأصل مفعول ضربت ؛ والجملة المعطوفة ، أعني : المكرمه .. متوسطة بين جزأي المعطوف عليها ؛

__________________

(١) أي إلى صورة التنازع الأصلية التي هي موضوع التدريب ؛

(٢) نص الرضى ، كغيره من النحاة ، على أن «كل» المضاف إلى الضمير لا يقع تاليا للعوامل اللفظية فلا يقع إلا مبتدأ أو توكيدا معنويا ، وهو ، مع ذلك ، يستعمل هذا الأسلوب كثيرا في هذا الشرح ؛

٤٢

وتقول في : ضربني وضربت زيدا ، عند إعمال الثاني مخبرا عن الياء أو التاء بالذي : الذي ضربه وضرب زيدا : أنا ، ولا تقول : ضربني ولا ضربت ، لما مرّ ، والتنازع باق على حاله ؛

وتقول في التثنية على مذهب البصريين : الذي ضرباه وضرب الزيدين أنا ، وعند الكسائي : الذي ضربه وضرب الزيدين : أنا ، بحذف الفاعل ،

وتقول بالألف واللام : الضاربه هو وضرب زيدا : أنا ، أبرزت «هو» لجري الصفة على غير صاحبها ، والتنازع باق ؛

وعلى مذهب الأخفش : الضاربه هو والضارب زيد أنا ، والأولى أن يقال : الضاربه زيد ، لأن الإضمار قبل الذكر ، إنما جاز في الأصل لكونه من باب التنازع ، مع مخالفة الكسائي فيه أيضا ، وليس بقياس في جميع المواضع ،

وعند المازني في الاخبار عن الياء : الضاربه هو : أنا ، والضارب زيدا : أنا ، والأولى أن يقال : الضاربه زيد ، لما ذكرنا ؛ وفي الاخبار عن التاء : الضاربي هو ، مبتدأ وخبر والضارب زيدا : أنا ، والأولى : الضاربي زيد ، لما مرّ ؛

وإن أخبرت عن «زيدا» بالذي ، قلت : الذي ضربني وضربته : زيد ، لا يمكن بقاء التنازع ، إذ لا تنازع في ضمير متصل ، كما مرّ ،

وبالألف واللام : الضاربي وضربته : زيد ، وعند الأخفش : الضاربي والضاربه أنا : زيد ، بإبراز «أنا» ، لجري «ضاربه» على غير من هوله ، وعند المازني : الضاربي هو ـ والأولى الضاربي زيد ـ والضاربه أنا : زيد ،

وإن أعملت الأول ، والمختار (١) : ضربتني وضربتها هند ، بإظهار ضمير المفعول ،

__________________

(١) هذا استطراد لبيان الصورة المختارة عند إعمال الأول من المتنازعين وهي إبراز ضمير المفعول ، مهّد به لصورة الاخبار التي قصدها ؛

٤٣

كما مرّ في باب التنازع ؛ قلت في الإخبار عن الياء ، أو التاء بالذي : الذي ضربته وضربها هند : أنا ، والتنازع باق ،

وبالألف واللام : الضاربته وضربها هند : أنا ، وهند ، فاعل ضاربته ؛ وعند الأخفش : الضاربته هند والضاربها : أنا ، قدّمت هندا إلى جنب عامله ، لئلا يفصل بين بعض الصلة وبعض بالأجنبي ، وعند المازني : الضاربته هند : أنا ، والضاربها : أنا ،

وفي الاخبار عن هند بالتي : التي ضربتني وضربتها : هند ، وبالألف واللام : الضاربتي وضربتها هند ، وعند الأخفش : الضاربتي والضاربها أنا : هند ، وعند المازني : الضاربتي والضاربها أنا : هند ،

وتقول مخبرا عن التاء أو الياء في : ضربتني وضربت : هند ، عند إعمال الثاني ، الذي ضرب وضربته هند : أنا ، ولا يجوز : ضربتني لما تقدم ، وبالألف واللام : الضارب وضربته هند : أنا ، وعند الأخفش : الضارب والضاربته هند : أنا ، ويقول المازني مخبرا عن التاء : الضارب والضاربتي هند : أنا ، والضارب مبتدأ وأنا خبره ، وعن الياء : الضارب أنا ، والضاربته هند : أنا ؛

وإن أخبرت عن هند قلت : التي ضربت وضربتني : هند ، والضاربها أنا وضربتني هند ، أظهرت المفعول في : ضاربها ، لأن عائد الموصول لا يحذف ، وبعض المتقدمين يحذفه مراعاة للأصل ، وأبرزت «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ؛

وعند الأخفش : الضاربها أنا والضاربتي : هند ، وعند المازني : الضارب أنا ، على أنه مبتدأ وخبر ، والضاربتي : هند ؛

وإن أعملت الأول ، قلت مخبرا بالذي عن التاء أو الياء : الذي ضرب وضربته هند : أنا ، وبالألف واللام : الضارب وضربته هند : أنا ، والتنازع باق فيهما ، وعند الأخفش : الضارب هندا والضاربته هي : أنا ، بتقديم «هندا» إلى جنب عامله ، كما مرّ ، ويقول المازني : مخبرا عن التاء : الضارب هندا والضاربتي هي : أنا ، وأنا ، خبر : الضارب ، وعن الياء : الضارب هندا : أنا ، والضاربته هي : أنا ؛

٤٤

وتقول مخبرا عن «هندا» بالتي : التي ضربتها وضربتني هند ، وباللام : الضاربها أنا وضربتني : هند ، وعند الأخفش : الضاربها أنا والضاربتي : هند ، وعند المازني : الضاربها أنا ، والضاربتي هي : هند ، وهند خبر : الضاربها ،

وتقول في : أعطيت وأعطاني زيد درهما ، مخبرا عن التاء أو الياء بالذي : الذي أعطى وأعطاه زيد درهما : أنا ؛ وباللام : المعطي وأعطاه زيد درهما : أنا ، والتنازع باق في الصورتين ؛ وعند الأخفش : المعطي والمعطيه زيد درهما : أنا ؛ وأمّا المازني فإنه يرد في مثله كلّ ما حذف منه ، فيرد مفعولي الأول نحو : المعطي زيدا درهما ، والمعطيه هو إياه : أنا ؛ وليس بوجه لمخالفته الأصل في الفعل الأول بردّ مفعوليه ، وفي الثاني بإقامة الضميرين مقام معموليه الظاهرين بلا ضرورة ، ولو سلك في هذا الباب سبيله في المتعدي إلى واحد أعني جعل الكلام جملتين لقال : المعطي زيدا درهما : أنا ، والمعطيه هو إياه : أنا ؛

وان أخبرت عن زيد ، قلت : الذي أعطيت وأعطاني درهما : زيد ؛ والمعطيه أنا ، وأعطاني درهما زيد ، بإبراز عائد اللام ، وبعض المتقدمين يجوّز حذفه لمطابقة الأصل ، كما مرّ ، وبإبراز «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ، وعند الأخفش : المعطيه أنا والمعطيّ ، بالإضافة ، أو المعطي إيّاي ، كما تبيّن في المضمرات ، درهما : زيد ؛ ويجوز : المعطي أنا ، مراعاة للأصل ؛

والمازني يقول : من أظهر الضمير في المعطيه ، أظهر المفعول الثاني ، وليس بوجه ، لأن إبراز الضمير لأجل اللام فإنه لا يحذف عائده ، كما مرّ ، وليس «أعطي» من أفعال القلوب حتى يلزم ذكر الثاني بذكر الأول ؛

فإن رددنا مفعولي الأول ، كما هو مذهب المازني قلنا : المعطيه أنا درهما ، والمعطيه أو المعطيّ إياه : زيد ، كما ذكرنا في المضمرات في نحو : ضربي إياك وضربيك ، ولو قلت : المعطيه أنا إياه والمعطيّ درهما : زيد ، على أن يكون «إياه» عائد إلى «درهما» لأضمرت المفعول قبل الذكر في غير باب التنازع ، وهذا لا يجوز في باب التنازع ، كما مرّ ؛ وإن أخبرت عن الدرهم قلت : الذي أعطيت وأعطانيه زيد : درهم ، وصلت الضمير ، إذ لا موجب للفصل ؛

٤٥

وباللام : المعطيه أنا وأعطانيه زيد : درهم ، وعند الأخفش : المعطيه أنا ، أو المعطي أنا ، بحذف الضمير ، والمعطيه أو المعطي إياه زيد : درهم ، كضربيك وضربي ايّاك ؛ والمازني يرد المحذوف ، نحو : المعطيه أنا زيدا ، والمعطيه أو المعطي إياه هو : درهم ؛ وتقول في : ظننت وظنّني زيد أخاك، مخبرا عن التاء أو الياء ، بالذي : الذي ظنّ وظنّه زيد أخاك : أنا ؛

وباللام : الظانّ وظنه زيد أخاك : أنا ، بحذف المفعول الأول ، كما كان في الأصل ؛ وعند الأخفش : الظانّ والظانّه زيد أخاك : أنا ؛

والمازني ، لو جعله جملتين وردّ المحذوف ، قال : الظانّ زيدا أخاك : أنا ، والظانّه هو إياه : أنا ، فالمتصل ضمير اللام والمنفصل ضمير «أخاك» ، و «هو» ضمير زيد ، أبرزته لجري الصفة على غير صاحبها ؛

وإن أخبرت عن زيد قلت : الذي ظننت وظنني أخاك : زيد ، (١) والظانه أنا أخاك وظنني إياه أو ظننيه : زيد ، نحو : خلتكه وخلتك إياه على ما مضى في المضمرات ، أظهرت ضمير المفعول في : الظانه ، لكونه ضمير اللام فلا يحذف ، وبعضهم يحذفه مراعاة للأصل ، وأظهرت ثاني مفعولي : الظانّه ، لأن أفعال القلوب يجب ، في الأغلب ، بذكر أحد مفعوليها ذكر الآخر ؛ وأبرزت «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ؛

وعند الأخفش : الظانه أنا أخاك والظانّيه أو الظانّي إيّاه : زيد ؛

وإن أخبرت عن «أخاك». قلت : الذي ظننت وظنّنيه زيد ؛ أو ظنني زيد إياه : أخوك ؛ والظان أنا زيدا إياه وظنّنيه أو ظنني إياه : أخوك ، وأجاز بعضهم : الظانه أنا زيدا ، والأولى أنه لا يجوز ذلك لما ذكرنا في باب الضمائر أن ثاني المفعولين يجب انفصاله عند الالتباس بأولهما ؛

وعند الأخفش : الظان أنا زيدا إياه ، والظانّي هو ايّاه : أخوك ، أو : الظانّيه هو :

__________________

(١) لم يذكر رأي المازني في هذه الصورة وفيما يأتي من الصور إلى آخر ما بقي من الأمثلة

٤٦

أخوك ، كما مرّ في : خلتكه وضربيك ؛ وإبراز الضمير في : الظانيه هو ، والظانّي إياه ، لكون الصفة للألف واللام التي هي الأخ والضمير لزيد ، وزيد ، وإن كان الأخ من حيث المعنى لكن المعاملة مع ظاهر اللفظ في هذا الباب ؛

وتقول في : أعلمت وأعلمني زيد عمرا منطلقا ، مخبرا عن التاء أو الياء بالذي : الذي أعلم وأعلمه زيد عمرا منطلقا : أنا ؛

وباللام : المعلم وأعلمه زيد عمرا منطلقا : أنا ، وعند الأخفش : المعلم والمعلمه زيد عمرا منطلقا : أنا ؛

وإن أخبرت عن «زيد» بالذي ، قلت : الذي أعلمت وأعلمني عمرا منطلقا : زيد ، وباللام : المعلمه أنا وأعلمني عمرا منطلقا : زيد ، هذا عند من يجيز الاقتصار على المفعول الأول ، وعند سيبويه (١). المعلمه أنا عمرا منطلقا وأعلمنيه إياه : زيد ، وعند الأخفش : المعلمه أنا والمعلمي عمرا منطلقا : زيد ، إذا اقتصر على أول المفاعيل ، وإن لم يقتصر : فالمعلمه أنا عمرا منطلقا والمعلمي إياه إياه : زيد ؛ فإياه الأول لعمرو ، والثاني لمنطلقا ، ويجوز : المعلميه إياه : زيد ، نحو ضربيك وضربي إياك ؛

وإن أخبرت عن عمرو ، بالذي ، قلت : الذي أعلمت وأعلمنيه زيد منطلقا : عمرو وباللام : المعلم أنا زيد إياه منطلقا ، وأعلمنيه إياه زيد : عمرو ، أبرزت «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ، وإيّاه ضمير اللام ، لم يجز حذفه ، لأن عائد اللام لا يحذف على الأصح ، وجعلته منفصلا ، إذ لو قدّمته ووصلته بالمعلم فقلت : المعلمه أنا ، لالتبس بالمفعول الأول كما مرّ ، في مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وإنما ذكرت «منطلقا» ، لأن ذكر الثاني في هذا الباب يوجب ذكر الثالث ؛

قيل : ووجب هنا ذكر المفعول الأول أعني «زيدا» لئلّا يلتبس الثاني بالأول ؛

ولقائل أن يقول : (٢) إذا ذكرت في هذا الباب مفعولين فقط لم يجز أن يكون أحدهما

__________________

(١) انظر سيبويه ١ / ٢٠ ، وما قاله الرضى منقول بمعناه من كلام سيبويه ؛

(٢) هذا تعقيب من الرضى على الرأي الذي حكاه بقوله : وقيل يجب هنا ذكر المفعول وسيشير إليه بعد قليل عند

٤٧

الأول ؛ والثاني أحد الباقيين ، لأن ذكر أحد الباقيين يوجب ذكر الثاني ، فيتعيّن أن المفعولين هما الثاني والثالث ؛ بلى ، يمكن أن يقال : وجب ههنا ذكر الأول ليتبيّن من أول الأمر أن الضمير ليس المفعول الأول ؛

وتقول على مذهب الأخفش : المعلم أنا زيدا إياه منطلقا ، والمعلمي هو إياه ، إياه : عمرو ؛ فإياه الذي بعد «هو» ضمير اللام ، وهو القائم مقام عمرو ، المخبر عنه ، والثاني : ضمير «منطلقا» ؛

وإن أخبرت عن «منطلقا» بالذي قلت : الذي أعلمت وأعلمني زيد إياه : منطلق ، والمعلم أنا زيدا عمرا إياه وأعلمني إياه : منطلق ، أبرزت «أنا» لجري الصفة على غير صاحبها ، وفصلت الضمير العائد إلى اللام ، أعني : إياه ، الذي بعد «عمرا» لئلا يلتبس لو اتصل ، بالمفعول الأول ، وذكرت الثاني أعني «عمرا» لذكرك الثالث ، أعني ضمير اللام ، وأمّا ذكر الأول ، أعني «زيدا» ففيه النظر المذكور ، ويجوز : أعلمنيه إياه ؛

وعند الأخفش : المعلم أنا زيدا عمرا إياه ، والمعلمي هو إياه : منطلق ، أو : المعلميه إياه هو ؛ وإنما أبرزت «هو» لجري الصفة على غير صاحبها ؛

وهذا القدر من التمرين كاف لمن له بصيرة (١) ؛

__________________

الاخبار عن كلمة «منطلقا» في المثال ؛

(١) أطال الرضى بل وأسرف في التطرق إلى مسائل مفروضة ، ولكن ذلك لا يخلو من فائدة على أي حال ، رحم الله الرضى وأمثاله من أسلافنا العلماء وجزاهم خيرا ،

٤٨

[استعمالات]

[ما الاسمية]

[قال ابن الحاجب :]

«وما ، الاسمية : موصولة ، واستفهامية ، وشرطية وموصوفة ،»

«وتامّة بمعنى شيء ، وصفة»

[قال الرضى :]

لما كان في المبنيات ما يوافق لفظه لفظ الموصول ، لم يجعل له باب برأسه ، بل بيّن في ضمن الموصولات ، كما بيّن ما وافق اسم الفعل في اللفظ من المبنيات في أسماء الأفعال ، كباب «فجار (١)» وباب «فساق» وباب «قطام» ، الموافقة لباب «نزال» ، ولو لا قصد الاختصار ، ورعاية المناسبة اللفظية ، لكان القياس يقتضي أن تجعل أبوابا برأسها ،

فمنها «ما» ؛ قوله «وما الاسمية» ، اعلم أن «ما» تكون حرفية أيضا ، وهي ، حينئذ ، على أقسام ، أيضا ، ولما كان هو في قسم الأسماء ، تعرّض لأقسام «ما» الاسمية ، وترك أقسام الحرفية إلى قسم الحروف ؛

قوله : «موصولة» ، كما ذكرنا ، والاستفهامية نحو : ما صناعتك؟ وما صنعت؟

ويدخلها معنى التحقير ، كقوله :

__________________

(١) المراد به : باب الأعلام الجنسية للمصادر ، كما أن المراد بباب فساق : الوصف المختص بالنداء في سب المؤنث ، وباب قطام ، المراد به الأعلام الشخصية المؤنثة.

٤٩

٤٢٢ ـ يا زبرقان أخابني خلف

ما أنت ويب أبيك والفخر؟ (١)

ومعنى التعظيم ، كقوله :

٤٢٣ ـ يا سيّدا ما أنت من سيّد

موطّأ الأكناف رحب الذراع (٢)

و : (الحاقَّة ما الحاقَّة) (٣) ، ومعنى الإنكار نحو : (فيم أنت مِن ذكراها) (٤) ، أي : لا تذكرها ، على أحد التأويلات ؛ وقد تحذف ألف «ما» الاستفهامية في الأغلب عند انجرارها بحرف جر أو مضاف ، وذلك لأن لها صدر الكلام لكونها استفهاما ، ولم يمكن تأخير الجارّ عنها فقدّم عليها وركب معها حتى يصير المجموع ككلمة واحدة موضوعة للاستفهام ، فلا يسقط الاستفهام عن الصدر ، وجعل حذف الألف دليل التركيب ، ولم يحذف آخر «من» وكم ، الاستفهاميتين مجرورتين ، لكونه حرفا صحيحا ؛ ولا آخر «أيّ» ، لجريه مجرى الصحيح في تحمّل الحركات ؛

وقد جاء الألف ثابتا ، قال :

٤٢٤ ـ على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرّغ في رماد (٥)

__________________

(١) للمخبّل السعدي في هجاء الزبرقان بن بدر ، وهو ابن عمه ، وبنو خلف : رهط الزبرقان ، وهو هجاء مقذع ، يقول في بعض أبياته :

ما أنت إلا في بني خلف

كالأسكتين علاهما البظر

(٢) ورد هذا البيت في إحدى المفضليات ، وهي للسفاح بن بكير ، في رثاء يحيى بن ميسرة أحد أنصار مصعب ابن الزبير ، ظل وفيّا له إلى أن قتل معه ، ومن هذه القصيدة البيت المستشهد به في باب الفاعل.

لما عصى أصحابه مصعبا

أدّى إليه الكيل صاعا بصاع

وزعم بعضهم أن الشعر لغير السفاح بن بكير ، وأن المرثى به غير يحيى وربما كان السبب وجود قصيدة أخرى مشابهة لهذه ، والله أعلم ؛

(٣) أول الحاقة ،

(٤) الآية ٤٣ سورة النازعات

(٥) من شعر لحسان بن ثابت في هجاء بني عابد بن عبد الله بن مخزوم يقول فيه مخاطبا أحد بني عابد وكان هجا حسان بن ثابت ؛

فإن تصلح فإنك عابدي

وصلح العابديّ إلى فساد

وقد روى بيت الشاهد : ففيم تقول يشتمني لئيم ؛ كما أنه ورد في المطبوعة : كخنزير تمرغ في دمان ، والدمان : من معانيه : الرماد ؛ ولكن صواب الرواية ما أثبتناه ،

٥٠

وإذا جاء «ذا» بعد «ما» الاستفهامية ، لم تحذف ألفها ، نحو : بماذا تشتغل ، وذلك لأن «ذا» لمّا لم تثبت زيادته ، ولا كونه موصولا ، إلا مع «ما» ، صار «ما» مع «ذا» ككلمة واحدة ، فصار الألف كأنه في وسط الكلمة ، والحذف قليل في الوسط ، لتحصنه من الحوادث ، ولذا لم يحذف الألف من «ما» الشرطية المجرورة ، وإن شاركت الاستفهامية في التصدر في نحو : ما تصنع أصنع ؛ (١)

والنكرة الموصوفة ، إمّا بمفرد ، نحو : مررت بما معجب لك ، وإمّا بجملة ، كقوله :

٤٢٥ ـ ربّما تكره النفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال (٢)

وجاز أن تكون «ما» ههنا ، كافة ، كما في قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣) ، قال المصنف : إلّا أن النحاة اختاروا كونها (٤) موصوفة لئلّا يلزم حذف الموصوف وإقامة الجار والمجرور ، وهو «من الأمر» مقامه ، وذلك قليل إلا بالشرط المذكور في باب الصفة (٥)

هذا قوله ، ولا يمتنع أن تكون «من» متعلقة ب «تكره» ، وهي للتبعيض كما في : أخذت من الدراهم ، أي : من الدراهم شيئا ، فكذا هنا ، معناه : تكره من الأمر شيئا ، وقوله : له فرجة ، صفة للأمر ، لأن اللام غير مقصود قصده ، ويجوز ، أيضا ، تضمين «تكره» معنى : تشمئز وتنقبض (٦) ؛

__________________

(١) هكذا ورد المثال في النسخة المطبوعة ، وهو لا يطابق موضوع الحديث أي حالة الجر بالحرف إلا إذا كان القصد مجرد التمثيل للتصدر بصرف النظر عن كونه مجرورا أو غيره ، والمثال المطابق : بما تنطق أنطق ، مثلا ،

(٢) من قصيدة لأميّة بن أبي الصّلت من شعراء الجاهلية المتقدمين ، ذكر فيها قصة سيدنا إبراهيم الخليل وما حدث من رؤياه أنه يذبح ولده إسماعيل ، .. ويقول أمية في فداء إسماعيل :

بينما يخلع السرابيل عنه

فكّه ربّه بكبش جلال

وجلال بضم اللام أي عظيم.

ونسبه بعضهم لأمية ، أيضا ، في أبيات أخرى يقول فيها :

لا تضيقنّ بالأمور فقد تك

شف غماؤها بغير احتيال

(٣) الآية ٣ سورة الحجر.

(٤) أي كلمة ما في البيت المستشهد به ،

(٥) وهو أن يكون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في ،

(٦) فتكون «من» متعلقة بتكره ؛

٥١

ويعني بالتامة : نكرة غير موصوفة ، وذلك نحو «ما» التعجبية عند سيبويه ، ونعمّا هي ، أي نعم شيئا هي ، عند الزمخشري ، وأبي علي (١) ؛

وتكون ، أيضا ، معرفة تامة ، أي غير موصوفة ، ولا موصولة عند سيبويه ، بمعنى الشيء ، قال في : «فنعّما هي» ، أي : نعم الشيء هي ، وكذا في : دققته دقّا نعمّا ، أي : نعم الشيء ونعم الدقّ ؛

و «ما» المصدرية : حرف عند سيبويه ، اسم موصول عند الأخفش والرمّاني ، والمبرد (٢) ، كما مرّ قبل ؛

وأمّا «الذي» المصدرية فلا خلاف في اسميتها للّام فيها ، نحو قول علي رضي الله عنه في النهج : «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء (٣)» ، أي نزولا كالنزول الذي نزلته في الرخاء ؛

قوله : وصفة ، اختلف في «ما» التي تلي النكرة لإفادة الإبهام والتنكير ، فقال بعضهم : اسم ، فمعنى قوله تعالى : (مثلاً ما) (٤) ، أيّ مثل ، وقال بعضهم : زائدة فتكون حرفا ، لأن زيادة الحروف أولى من زيادة الأسماء. لاستبدادها بالجزئية ؛ ولهذا استعظم الخليل وتعجّب من الفصل لكونه اسما زيد لفائدة الفصل (٥) ؛ وأيضا ، ثبتت زيادتها ، نحو : (فبما رحمة من الله) (٦) ، ووصفيتها لم تثبت ، فالحمل على ما ثبت ، في موضع الالتباس : أولى ؛

وفائدة «ما» هذه : إمّا التحقير ، نحو : هل أعطيت إلّا عطاء مّا ، أو للتعظيم نحو :

__________________

(١) أي الفارسي ،

(٢) تقدم ذكر هؤلاء الأعلام في هذا الجزء

(٣) هذا من كلام لسيدنا علي بن أبي طالب مما نسب إليه في نهج البلاغة ص ٢٤١ طبع دار الشعب ،

(٤) من الآية ٢٦ في سورة البقرة

(٥) انظر ما جاء في هذا نقلا عن سيبويه في الكلام على ضمير الفصل ، في آخر الجزء الثاني ،

(٦) الآية ١٥٩ سورة آل عمران ،

٥٢

لأمر مّا جدع قصير أنفه (١) ؛ و :

عزمت على إقامة ذي صباح

لأمر ما يسوّد من يسود (٢) ـ ١٦٤

؟؟؟ ، نحو : اضربه ضربا ما ، أي نوعا من أنواع الضرب أي نوع كان ،

؟؟؟ هذه المعاني كلها في الإبهام وتأكيد التنكير ؛ أي عطيّة لا تعرف من حقارتها ، وأمر مجهول لعظمته ، وضربا مجهولا غير معيّن ؛

__________________

(١) هذا مثل مما ورد في قصة الزبّاء ملكة اليمن مع قصير بن سعد القضاعي ، حين أراد أن يحتال للانتقام من الزباء بسبب قتلها جذيمة الأبرش فاتفق قصير مع عمرو بن ربيعة ، ابن أخت جذيمة ، فجدع أنفه وجلد ظهره وذهب إلى الزباء مدعيا أن عمرا فعل به ذلك واستمر يحتال عليها حتى قضى عليها في قصة طويلة ،

(٢) أورده سيبويه في الكتاب ج ١ ص ١١٦ ونسبه لرجل من خثعم ، لم يسمه ، ولم يسمه الأعلم أيضا ، وتقدم البيت في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

٥٣

[أوجه استعمال]

[من]

[قال ابن الحاجب :]

«ومن كذلك إلا في التمام والصفة»

[قال الرضى :]

أمّا «من» الموصولة فنحو : لقيت من جاءك ، والشرطية نحو : من تضرب أضرب ، والاستفهامية نحو : من غلامك ومن ضربت؟ ، والنكرة الموصوفة بالمفرد كقوله :

٤٢٦ ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النبي محمد إيّانا (١)

وبالجملة ، كقوله :

٤٢٧ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع (٢)

ولا تجيئ تامة أي غير محتاجة إلى الصفة والصلة إلا عند أبي علي ، فإنه جوّز كونها

__________________

(١) نسب هذا البيت لكل من حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ولغيرهم ، ولم يذكر من تحدث عن البيت شيئا يتعلق به ، غير أن السيوطي بعد أن ذكر نسبته لكل من الشعراء الثلاثة أورد قبله :

نصروا نبيّهم بنصر وليّه

فالله عزّ ، بنصره سمّانا

(٢) من قصيدة طويلة من جيد الشعر ، للشاعر الجاهلي : سويد بن أبي كاهل اليشكري مطلعها :

بسطت رابعة الحبل لنا

فوصلنا الحبل منها ما اتسع

وبعد بيت الشاهد :

ويراني كالشجا في حلقه

عسيرا مخرجه ما ينتزع

٥٤

نكرة غير موصوفة ، وتجيئ عند الكوفيين حرفا زائدا. وأنشدوا :

٤٢٨ ـ آل الزبير سنام المجد قد علمت

ذاك القبائل ، والأثرون من عددا (١)

وهي عند البصريين موصوفة ، أي : الأثرون إنسانا معدودا ؛

وأنشدوا أيضا :

٤٢٩ ـ يا شاة من قنص لمن حلّت له

حرمت عليّ وليتها لم تحرم (٢)

والمشهور : يا شاة ما قنص ؛

وعلة بناء «ما» و «من» الشرطيتين ، والاستفهاميتين والموصولتين ظاهرة ، وأما الموصوفتان ، فإمّا لاحتياجهما إلى الصفة وجوبا ، وإمّا لمشابهتهما لهما موصولتين لفظا ، وكذا : «ما» التامة ؛

و «من» في وجوهها لذي العلم ، ولا تفرد لما لا يعلم ، خلافا لقطرب (٣) ، وتقع على ما لا يعلم تغليبا ، كقوله تعالى : (ومَن لستم له برازقين) (٤) ،

وتقول : اشتر من في الدار ، غلاما كان أو جارية أو فرشا ، ومنه قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، [وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ] وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (٥) وذلك لأنه قال تعالى : (وَمِنْهُمْ) ، والضمير عائد إلى : كل دابة ، فغلّب العلماء في الضمير ، ثم بنى على هذا التغليب ، فقال من يمشي على بطنه ، ومن يمشي على أربع ؛

و : «ما» في الغالب ، لما لا يعلم ، وقد جاء في العالم قليلا ، حكى أبو زيد (٦) :

__________________

(١) من الأبيات التي وردت في أكثر كتب النحو ، ولم يذكر أحد نسبته إلى قائل معين ، ولا شيئا مما يتصل به ؛

(٢) من معلقة عنترة العبسي ، وفي هذا الشرح استشهاد بعدد من أبياتها ،

(٣) محمد بن المستنير ، تلقى على سيبويه وعلى شيوخ سيبويه أيضا كعيسى بن عمر ، ولكنه كان ملازما لسيبويه أكثر من غيره ، وسيبويه هو الذي لقبه بهذا اللقب إذ قال له إنما أنت قطرب ليل ، والقطرب دويبة لا تهدأ عن السعي في طلب الرزق ،

(٤) الآية ٢٠ سورة الحجر ،

(٥) الآية ٤٥ سورة النور ، والجزء الأوسط منها غير مذكور في النسخة المطبوعة ، لأنه لا يدخل في الاستشهاد ؛

(٦) أبو زيد الأنصاري : صاحب كتاب النوادر ، واسمه سعيد بن أوس بن ثابت وتقدم ذكره في الجزء الأول ،

٥٥

سبحان ما سخركن لنا ، وسبحان ما سبّح الرعد بحمده ، وقال تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١)، وتستعمل، أيضا، في الغالب ، في صفات العالم ، نحو : زيد ما هو؟ وما هذا الرجل؟ فهو سؤال عن صفته ، والجواب : عالم ، أو غير ذلك ، وتستعمل ، أيضا ، استفهاما كانت أو غيره ، في المجهول ماهيته وحقيقته ، ولهذا يقال لحقيقة الشيء : ماهيّته ، وهي منسوبة إلى «ما» والماهية مقلوبة الهمزة هاء ، والأصل : المائية ، أو نقول : إنه منسوب إلى : ما هو ، على تقدير جعل الكلمتين ككلمة ، كقولهم : كنتيّ ،

تقول : ما هذا؟ أفرس أم بقر أم إنسان ، فإذا عرفت أنه إنسان مثلا ، وشككت أنه زيد أو عمرو ، لم تقل : ما هو ، وقلت : من هو؟ ؛

وقول فرعون : (وما ربُّ العالمين) (٢) ، يجوز أن يكون سؤالا عن الوصف ، ولهذا قال موسى عليه السّلام : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣) ، ويجوز أن يكون سؤالا عن الماهية ويكون موسى عليه السّلام أجابه ببيان الأوصاف دون بيان الماهية ، تنبيها لفرعون إلى أنه تعالى لا يعرف إلا بالصفات وماهيته غير معلومة للبشر ؛

وقولهم : سبحان ما سخركنّ لنا ، وسبحان ما سبّح الرعد بحمده ، يجوز أن يكون لكونه تعالى مجهول الماهية ؛

و «من» و «ما» في اللفظ مفردان صالحان للمثنى والمجموع والمؤنث ، فإن عني بهما أحد هذه الأشياء ، فمراعاة اللفظ فيما يعبّر به عنهما من الضمير والإشارة ونحوهما ، أكثر وأغلب ؛ وإنما كان كذلك لأن اللفظ أقرب إلى تلك العبارة المحمولة عليهما من المعنى ، إذ هو (٤) وصلة إلى المعنى ، وكذا في غير «من» و «ما» ؛

تقول : ذلك الشخص لقيته وإن كان مؤنثا ؛ قال تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)(٥) ،

__________________

(١) الآية ٣ سورة النساء ،

(٢) من الآية ٢٣ سورة الشعراء ،

(٣) الآية ٢٤ سورة الشعراء أيضا ؛

(٤) إذ هو ، أي اللفظ ،

(٥) من الآية الأولى في سورة النساء ، ومثلها في الآية ١٨٩ من سورة الأعراف ،

٥٦

والمراد : آدم عليه السّلام ، وتقول : ثلاث أنفس من الرجال ، وثلاثة أشخص من النساء ، فهذا أولى من العكس ، كما يجيئ في باب العدد ؛

وإن تقدم على المحمول على «من» و «ما» وشبههما من المحتملات ما يعضد المعنى ، اختير مراعاة المعنى في ذلك المحمول ، كقولك : منهنّ من أحبّها ، فهو أولى من قولك : أحبّه ، لتقدم لفظة «منهنّ» ؛ فلهذا لم يختلف القراء في تذكير : (ومَن يقنت منكن)(١) ، و : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) ، بخلاف قوله تعالى : (وَتَعْمَلْ صالِحاً) لأنه جاء بعد قوله منكن ، وهو عاضد للمعنى ، فلذا قال : «نؤتها أجرها» ؛

وإن حصل بمراعاة اللفظ لبس وجب مراعاة المعنى ، فلا تقول : لقيت من أحبّه ، وأنت تريد من النسوان ، الا أن يكون هناك قرينة ،

ويجب ، أيضا ، مراعاة المعنى فيما وجب مطابقته للمحمول على المعنى ، نحو : من هي محسنة : أمّك (٢) ، ولا يجوز : محسن ، لأنه خبر لهي المحمولة على معنى «من» الذي بمعنى التي ، والخبر المشتق يجب مطابقته للمبتدأ تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا ؛

وأجاز ابن السرّاج : (٣) من هي محسن ... نظرا إلى أن «هي» مراد به «من» الذي يجوز اعتبار لفظه ومعناه ، فإن حذف «هي» التي هي صدر الصلة ، كما في قولهم : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وقيل : من محسن أمّك ، سهل التذكير ، لأن المقدر لم يعيّن كونه بلفظ المذكر أو المؤنث ، والأصل : الحمل على اللفظ ؛ كما مرّ ، فيقدّر مذكرا ؛

ولكون مراعاة اللفظ أكثر وأولى من مراعاة المعنى ، كان ، إذا اجتمع المراعاتان ، تقديم مراعاة اللفظ أكثر من العكس ، قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٤) حملا على اللفظ ، ثم قال : «خالدين» حملا على

__________________

(١) الأجزاء المذكورة هنا من الآيتين ٣٠ ، ٣١ في سورة الأحزاب ،

(٢) تقديره : التي هي محسنة أمك ، فلفظ أمك ، خبر عن من ،

(٣) تقدم ذكر ابن السراج في هذا الجزء وفي الجزأين السابقين ،

(٤) المذكور في كلام الشارح ، من الآية ١١ سورة الطلاق وذكره مفرقا ؛

٥٧

المعنى ، ولكونها أولى ، أيضا ، رجع سبحانه بعد قوله خالدين ، إلى الحمل على اللفظ فقال : «خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا» ؛

وأمّا تقديم مراعاة المعنى على مراعاة اللفظ من أول الأمر ، فنقل أبو سعيد (١) عن بعض الكوفيين منعه ، والأولى الجواز على ضعف ، إلا في اللام الموصولة ، فإنه يمتنع ذلك فيها ، فلا يقال : الضاربة جاء ، لخفاء موصوليتها ؛

ثم إنك إن أتيت لها بصاحب من الموصوف أو المبتدأ ، نحو جاء الزيدان الضارب غلامهما ، وهم المؤدّب خدّامهم ، لم يجز فيما يعبّر عنها من الضمير واسم الإشارة مراعاة لفظها وإن كانت صالحة كمن ، وما ، للمفرد والمثنى والمجموع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، وذلك لخفاء موصوليتها ، وكونها كلام التعريف في نحو : هما الحسن غلامهما ، فكأن الضمير راجع إلى صاحبها لا إليها ، وإن لم تجئ بصاحبها ، جاز مراعاة لفظها ، كقوله :

٤٣٠ ـ أو تصبحي في الظاعن الموليّ (٢)

أي في الظاعنين المولّين ، ويجوز أن يكون افراده لكونه صفة [مقدر مفرد اللفظ ، أي في الجمع الظاعن] ؛ (٣)

__________________

(١) كنيته السيرافي ، وتقدم ذكره ،

(٢) من أرجوزة لمنظور بن مرثد الأسدي وقبله : إن تبخلي يا هند أو تعتلّي ، ـ وجواب الشرط قوله :

نسلّ وجد الهائم المغتلّ

ببازل وجناء أو عيهلّ

وقوله : نسلّ مضارع من التسلية ، والمغتلّ من الغلّة وهي شدة العطش وقوله ببازل .. إلخ متعلق بقوله نسلّ

(٣) ما بين القوسين ليس في المطبوعة ، وذكر الجرجاني في تعليقاته انه يوجد في بعض النسخ ، وذكره مفيد ، ليتم به المقصود

٥٨

[أيّ]

[وصور استعمالها]

[قال ابن الحاجب]

«وأيّ ، وأيّة : كمن ، وهي معربة وحدها إلا إذا حذف»

«صدر صلتها» ؛

[قال الرضى :]

قد ذكرنا حكم «أيّ» في التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع ، فأيّ ، الموصولة نحو : اضرب أيّهم لقيت ، والاستفهامية نحو : أيّهم أخوك؟ وأيّهم لقيت؟

والشرطية نحو : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(١) ، والموصوفة نحو : يا أيها الرجل ، ولا أعرف كونها معرفة موصوفة إلا في النداء ؛

وأجاز الأخفش كونها نكرة موصوفة ، كما ، في نحو : مررت بأيّ معجب لك ؛ قيل ، وجاء الذي نكرة موصوفة ، نحو : بالذي محسن إليك ؛

و «أيّ» تقع صفة ، أيضا ، بالاتفاق ، لا ، كما (٢) ، فإن فيها خلافا ، كما مرّ ، فلا أدري لم لم يدكره المصنف ههنا ؛ بل جعلها ، كمن ، التي لا تقع صفة ، ولعلّه رأى أنّ الصفة في الأصل : استفهامية ، لأن معنى برجل أيّ رجل : أي برجل عظيم يسأل

__________________

(١) الآية ١١٠ سورة الاسراء

(٢) أي ليست مثل ما

٥٩

عن حاله ، لأنه لا يعرفه كل أحد حتى يسأل عنه ، ثم نقلت (١) عن الاستفهامية إلى الصفة ، فاعتور (٢) عليها إعراب الموصوف ؛

وأيّ ، معربة من بين أخواتها الموصولات ، على اختلاف في : اللذان واللتان ، وذو ، الطائية ، ومن بين (٣) أخواتها المتضمنة لمعنى الاستفهام والشرط ، وإنما ذلك لإلزامهم لها الإضافة المرجحة لجانب الاسمية ، وليس كل مضاف بمعرب ، بل ما هو لازم الإضافة ، ألا ترى إلى عدم إعراب : خمسة عشرك ، وكم رجل ، لعدم لزومهما الإضافة ، وكذا يضاف «لدن» إلى الفعل أيضا ، كما يضاف إلى الاسم ، والإضافة إليه كلا إضافة ، كما يجيئ في الظروف المبنية ؛

وإنما ألزموها (٤) الإضافة ، لأن وضعها لتفيد بعضا من كل ، كما مرّ في باب الوصف ، فإذا حذف المضاف إليه ، فإن لم يكن مقدّرا ، لم تعرب كما في النداء وإن كان مقدّرا بقيت على إعرابها ؛ كما في قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٥) ، الا في : كأيّن ، فإنه مقطوع عن الإضافة مع إعرابه ، وذلك لأنه يصير كالمبني على ما يجيئ في الكنايات ؛

قوله : «إلا إذا حذف صدر صلتها» ، صلتها : امّا اسمية أو فعلية ؛ والفعلية لا يحذف منها شيء ، فلا تبنى «أي» معها ؛

والاسمية قد يحذف صدرها ، أعني المبتدأ ، بشرط أن يكون ضميرا راجعا إلى «أيّ» ، فلا يحذف المبتدأ في نحو : اضرب أيهم غلامه قائم ، وأيهم زيد غلامه ؛

وإنما يحذف كثيرا مع «أي» دون سائر الموصولات لكونه مستقلا بنفسه مع صلته

__________________

(١) يريد لفظ أيّ ، المستعمل في مثل : برجل أيّ رجل. يعني أنها نقلت من الاستفهام إلى الوصف بها.

(٢) أي تعاقب عليها الاعراب

(٣) يعني : وهي أيضا معربة من بين أخواتها في الاستفهام ؛

(٤) المراد «أيّ» في حالة إعرابها ،

(٥) الآية السابقة من سورة الاسراء،

٦٠