شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

وقال الكوفيون : اللام في «الوجه» بدل من الضمير ، كما في قوله :

لحافي لحاف الضيف والبرد برده (١) ـ ٢٨٤

فالوجه ، باق على الفاعلية كما كان في الأصل ؛

وقد تقدم أن إبدال اللام من الضمير فيما يشترط فيه الضمير ، قبيح عند البصريين ؛

ومسألتان فيهما وجه حسن ، لكن قلّ استعمالهما ، لاستنكار (٢) في الظاهر ؛ وهما : الحسن الوجه وحسن الوجه ، بنصب الوجه ، فيهما ، أمّا وجه حسنهما فلكون النصب توطئة للجر وهو حسن ، كما مرّ ، وأمّا استنكار ظاهرهما فنصب ما هو فاعل حقيقة ، لا على التمييز ؛

وعند الكوفيين : نصب المعرّف في مثله على التمييز لتجويزهم تعريف المميّز ، كما مرّ في بابه ؛

وثلاث مسائل قبيحة لا تجوز إلا في ضرورة الشعر عند البصريين ، جائزة في السّعة بلا قبح عند الكوفيين ، وهي : الحسن وجهه وحسن وجهه ، بنصب وجهه فيهما ، وحسن وجهه ، بجرّ وجهه ، كما مرّ ؛

ومسألتان باطلتان اتفاقا : الحسن وجهه ، الحسن وجه ، بجرّ المعمول فيهما كما تقدم ، والمجموع ثماني عشرة مسألة ؛

ولنا أن نعلّل استقباح المسائل الثلاث القبيحة الممنوعة في السعة ، بعلّة واحدة ، فنقول : لما استكنّ ضمير المسبّب في صفة السبب ، لما ذكرنا من الأمرين ، أعني جريها على المسبب ، واستلزامها الصفة له في نفسه فصارت بذلك صفة السبب كصفة المسبب صار السبب كالفضلة ، وذلك لمجيئه بعد الفاعل ، أي الضمير المستجنّ (٣) ، فنصب تشبيها بالمفعول

__________________

(١) تقدم في باب الإضافة من الجزء الثاني ،

(٢) أي لوجود استنكار ؛

(٣) أي المستتر وهو يعبر عنه بالمستجن ، وبالمستكن ،

٤٤١

في نحو : الضارب زيدا ، أو جرّ بالإضافة لزوال المانع من الإضافة إلى السبب ، لأن المانع منها ، إنما كان رفعه ، كما ذكرنا ، فلما استتر ضمير المسبب في الصفة ، استقبح مجيئه في السبب أيضا ، لأنه إنما كان محتاجا إليه في السبب ليتبيّن كونه سببا ، وإضمار الضمير في الصفة دالّ على أنه السبب ، لأنك لم تضمره فيها إلا لدلالة صفة سببه على صفة نفسه كما تقدم ، فأغنى الضمير في الصفة عن الضمير في السبب ، فلو أتي به فيه كان قبيحا ؛ وليس اسم الفاعل في نحو : زيد ضارب غلامه كذا (١) ، لأن الضمير في ضارب ليس لدلالة صفة سبب سببه على صفة نفسه ؛ وانضم هذا القبح في : الحسن وجهه بجرّ المعمول ، إلى عدم حصول التخفيف في الإضافة اللفظية ، فتأكد امتناعه ؛

قوله : «والنصب على التشبيه بالمفعول في المعرفة ، وعلى التمييز في النكرة» ، هذا عند البصريين ، وقال الكوفيون : بل هو على التمييز في الجميع ؛

وقال بعض النحاة على التشبيه بالمفعول في الجميع ؛ والأولى التفصيل ؛ (٢)

قوله : «ما كان فيه ضمير واحد أحسن ، وما فيه ضميران حسن» ؛ قد ذكرنا ما عليه ؛

قوله : «ومتى رفعت بها فلا ضمير فيها» ، لما كان معرفة الحسن والأحسن والقبيح ، عنده ، على ما ذكرنا ، مبنية على الضمير مهّد قاعدة يتبيّن بها الضمير ، والضميران ، والتجرد عن الضمير فقال : (٣)

الضمير إمّا أن يكون في الصفة أو في معمولها ، فإن كان في المعمول فهو ظاهر لبروزه ، نحو : وجهه أو : الوجه منه ؛ وإن كان في الصفة فذلك إذا لم ترفع ظاهرا ، فتؤنث لتأنيث الضمير ، وتثنى وتجمع لتثنيته وجمعه ، فإن رفعت ظاهرا ، فهي كالفعل ، تؤنث لتأنيث الفاعل وتفرد ، عند إفراد الفاعل ، وتثنيته وجمعه ، كما ذكرنا في باب النعت ؛

__________________

(١) أي ليس كالصفة المشبهة في ذلك ؛

(٢) على الوجه الذي تقدم شرحه ؛

(٣) هذا تلخيص لقول ابن الحاجب وشرح لما جاء في المتن ،

٤٤٢

ثم اعلم أن حكم المعمول إذا كان معرّفا باللام : حكمه إذا كان مضافا إلى المعرّف بها أو إلى المضاف إليه ، بالغا ما بلغ ، نحو : مررت برجل حسن الوجه ، وحسن وجه الغلام ، وحسن وجه أبي الغلام ، وكذا لو زدت (١) ؛ وكذا حكم المعمول المضاف إلى المضمر : حكم المضاف إلى المضاف إلى المضمر ، وهلم جرّا ؛ نحو : مررت برجل حسن وجهه ، وحسن وجه غلامه ، وحسن وجه أبي غلامه ؛ وكذا لو زدت ،

وكذا إن كان فيه ضمير ولم يكن مضافا إليه ، كقوله :

رحيب قطاب الجيب منها رفيقة

بجسّ الندامى بضّة المتجرّد (٢) ـ ٢٩٢

وبرجل حسن وجه يصونه ؛ وكذا المجرد (٣) عن اللام والإضافة إلى الضمير ، حكم المضاف إلى المجرّد عنهما بالغا ما بلغ ؛ فحكم نحو مررت برجل حسن وجه ، حكم : برجل حسن وجه غلام ، وحسن وجه أبي غلام ، وكذا لو زدت ؛

قوله : «واسما الفاعل والمفعول غير المتعدّيين ... إلى آخره» ؛ يعني باسم المفعول غير المتعدي : اسم المفعول من الفعل المتعدي إلى واحد فقط ، كمضروب الغلام ، واسم المفعول من الفعل المتعدي إلى اثنين : هو المتعدي إلى واحد ، نحو : زيد معطى غلامه درهما ، ومن المتعدي إلى ثلاثة هو المتعدي إلى اثنين ، نحو : زيد معلم أخوه عمرا كريما ؛

تقول في اسم الفاعل اللازم ، زيد خارج الغلام ، وشامخ النسب ، وفي اسم المفعول اللازم : مضروب الغلام ومؤدّب الخدام ، سواء كانا بمعنى الماضي أو بمعنى المضارع ، أو للاستمرار ، أو للإطلاق ، فإن رفعهما للمسند إليه ، لا يحتاج إلى شرط زمان ، كما مرّ في باب الإضافة ، فإذا جاز في معمولهما الرفع ، جاز النصب والجر ، أيضا لأنهما فرعاه ، كما مرّ ، فيجيئ في كل واحد منهما الثماني عشرة مسألة ، وكذا إنما يجوز انتقال الضمير إليهما من المعمول ، ثم نصب المعمول أو جرّه ، إذا كان يحصل لصاحبهما المتقدم

__________________

(١) يعني مهما كثرت الإضافات ، وكذلك فيما سيأتي ،

(٢) تقدم في الجزء الثاني في باب الإضافة ،

(٣) يعني وكذا حكم المجرد أو يقدر فيما يأتي : حكمه حكم المضاف ؛

٤٤٣

وصف باتصاف مرفوعهما بمضمونهما ، كما قلنا في الصفة المشبهة سواء ؛ (١) فلا يجوز : زيد قائم أبا ، ولا قائم ابن العم بجر المعمول ، ولا مضروب مملوك أخ ، ولا مشروب ماء الأخ ؛

هذا ؛ وأمّا إذا كانا متعدّيين ، نحو : زيد ضارب غلامه عمرا ، ومعطى أخوه درهما ، أو معطى عمرو ثوبه ، فإن حذفت المفعول ، لم يجز نصب الفاعل وجرّه اتفاقا ، لئلا يشتبه بالمفعول بخلاف الصفة المشبهة واسمي الفاعل والمفعول اللازمين ، فإنه لا مفعول لها حتى يشتبه المنصوب والمجرور به ؛ وإن ذكرت المفعول منصوبا بعد الفاعل فإن أمن التباس المنصوب أو المجرور بالمفعول ، لم يمتنع ، عند أبي علي ، نصب الفاعل أو جره ، إجراء له مجرى : حسن الوجه ، ومنعه غيره ؛

وقد يجري بعض الأسماء الجامدة مجرى الصفات المشبهة ، نحو : فلان شمس الوجه ، أي حسن الوجه ، فتجيئ فيه المسائل المذكورة ، وهو قليل ؛

قيل : (٢) لا تعمل الصفة المشبهة في الأجنبي ، كما يعمل اسما الفاعل والمفعول ، بل تعمل في السبب فقط ؛ وليس اطلاقهم هذا القول بوجه ، بل تعمل في غير السبب إذا كان في معمول آخر لها ضمير صاحبها نحو : برجل طيّب في داره نومك ، وكذا إذا اعتمدت على حرف الاستفهام أو النفي ، نحو : أحسن الزيدان ، وما قبيح الزيدون ، فإنه لا صاحب لها ههنا حتى تعمل في سببه ؛

وأمّا نحو : ما زيد قائم الجارية ولا حسن وجهها بجرّ الوجه ، أو : ولا حسنا وجهها برفع «وجهها» ، فإن وجهها ، وإن لم يكن سببا لزيد ، إلا أنه سبب للجارية التي هي سببه ، فجاز خلوّ الصفة المعطوفة ومتعلقها المرفوع ، عن الضمير الراجع إلى صاحبها ، لأن الضمير الذي أضيف «وجه» إليه راجع إلى جاريته التي هي مضافة إلى ضمير الموصوف ، فكأنه قيل : ما زيد حسنا وجه جاريته ، فهو حمل على المعنى ، كقولك : مررت برجل

__________________

(١) أي هما سواء ،

(٢) كلام جديد لبيان بعض أحكام الصفة المشبهة ومناقشته

٤٤٤

حسنة جاريته لا قبيحة ، وبرجل قائم غلاماه لا قاعدين ؛

ومن هذا الباب عند المبرد : «جونتا مصطلاهما (١)» ، كما مرّ ، لأن أصله : جون مصطلاهما ، أي مصطلى الأعالي ، أي : مصطلى أعاليهما ، فلما قصد الإضافة حذف الضمير الذي أضيف إليه «أعالي» ، واستتر في جون ، فصار : جونتا ، وأدخل اللام في «أعالي» ، ليتعرّف باللام ، كما كان متعرّفا بالإضافة ، ثم أقام موضع الأعالي ضميرا راجعا إليه ، لتقدم ذكره ، وجعله مثنى ، لكون الأعالي ههنا في معنى الأعليين ، فليس عنده ، إذن ، من باب : حسن وجهه بالإضافة ، لأنك لا تحذف الضمير ههنا من «وجهه» كما حذفت من : أعاليهما ؛

__________________

(١) في البيت الذي تقدم ذكره : أقامت على ربعيهما جارتا صفا .. الخ

٤٤٥
٤٤٦

[اسم التفضيل]

[وأحكامه]

[تعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«اسم التفضيل : ما اشتق من فعل ، لموصوف بزيادة على»

«غيره ، وهو : أفعل» ؛

[قال الرضى :]

ينتقض بنحو فاضل ، وزائد ، وغالب ؛ ولو احترز عن مثله بأن قال : ما اشتق من فعل لموصوف بزيادة على غيره فيه ، أي في الفعل المشتق منه ، لانتقض بنحو : طائل ، أي زائد في الطول على غيره ، وشبهه من اسم الفاعل المبني من باب المغالبة ؛

والأولى أن يقال : هو المبني على أفعل لزيادة صاحبه على غيره في الفعل ، أي في الفعل المشتق هو منه ، فيدخل فيه : خير ، وشرّ ، لكونهما في الأصل : أخير وأشرّ ، فخففا بالحذف لكثرة الاستعمال ، وقد يستعملان على القياس ؛

[شروط صوغه]

[وحكم ما لم يستوف الشروط]

[قال ابن الحاجب :]

«وشرطه أن يبنى من ثلاثي مجرّد ليمكن البناء ، وليس بلون»

٤٤٧

«ولا عيب ، لأن منهما أفعل ، لغيره ؛ نحو : زيد أفضل»

«الناس فإن قصد غيره توصّل إليه بأشدّ ونحوه ، مثل : هو»

«أشدّ استخراجا ، وبياضا ، وعمى ؛ وقياسه للفاعل ،»

«وقد جاء للمفعول ، نحو : أعذر وألوم وأشغل وأشهر» ؛

[قال الرضى :]

شرط أفعل التفضيل أن يبنى من ثلاثي مجرّد ، جاء منه فعل تامّ ، غير لازم للنفي ، متصرف ، قابل معناه للكثرة ؛ فقولنا : جاء منه فعل ، احتراز من : أيدى ، وأرجل ، من اليد ، والرجل فإنه لم يثبت ؛ وقولهم : أحنك الشاتين ، أي آكلهما ، من الحنك ؛ وأوّل : شاذ (١) ، وكذا قولهم : آبل من حنيف الحناتم ، (٢) لم يستعمل منه فعل ، على ما قال سيبويه ، وقال الجوهري : أبل يأبل إبالة ، مثل : شكس يشكس شكاسة ، إذا قام بمصلحة الإبل (٣) ، وهو أفرس من غيره ، من الفروسيّة ، ولم يستعمل منها فعل ، أيضا ؛ وقولنا : تامّ ، احتراز عن الأفعال الناقصة ، ككان ، وصار ، فإنه لا يقال أكون وأصير ، كما قيل ، ولعلّ ذلك لكون مدلول الناقصة : الزمان دون الحدث ، كما توهّم بعضهم ؛ .. والأفعل ، موضوع للتفضيل في الحدث ؛

والحق أنها دالة على الحدث أيضا ، كما سيجيئ في بابها ، فلا منع ، وإن لم يسمع ، أن يقال : هو أكون منك منطلقا ، وهو أصير منك غنيا ، أي أشدّ انتقالا إلى الغنى ؛ وقولنا : غير لازم للنفي ، احتراز عن نحو : ما نبس بكلمة ، فإنه لا يقال : هو أنبس منك ، لئلا يصير مستعملا في الإثبات ، فإن قيل : لا أنبس ، قلت : ليس «لا أنبس»

__________________

(١) راجع إلى كل من المثالين ، والشذوذ في أول باعتبار أنه من مادة وول ، وليس منها فعل ؛ ويأتي قريبا تفصيل الكلام فيه ؛

(٢) حنيف : رجل من بني ثعلبة كان مشهورا بحسن القيام على الإبل ، والحناتم السحائب السود ، وكان يتحراها في الرعي ،

(٣) تفسير للفعل : أبل يأبل إبالة ، والمصدر بكسر الهمزة لأنه من الحرف مثل حياكة.

٤٤٨

لنفي الحدث الذي هو التكلم ، ونبس ، موضوع له ، بل هو لنفي الفضل في التكلم ؛ وقولنا : متصرّف ، احتراز عن نحو : نعم ، وبئس ، وليس ؛ إذ لا يقال : أنعم وأبأس ، وأليس ؛

وقولنا : قابل معناه للكثرة ، احتراز عن نحو : غربت الشمس وطلعت ، فإنه لا يقال : الشمس اليوم أغرب منها أمس ، ولا أطلع ؛ ويصح أن يحترز به عن بعض العيوب الظاهرة كالعور والعمى ؛ وقوله : ثلاثي ، احترازا عن الرباعي نحو : دحرج ، قوله «مجرّد» ، احتراز عن ثلاثي ذي زائد ، نحو : أخرج ، وعلّم ، وانقطع ، واستخرج ، ونحوها ؛

قوله : «ليمكن ...» ، أي لو لم يكن ثلاثيا بل كان رباعيا نحو دحرج ، أو لم يكن مجرّدا ، بل كان ذا زائد كاستخرج وأخرج ، لم يمكن بناء أفعل ، منه ،

أمّا إن أردت بناءه من غير حذف شيء منه فواضح الاستحالة ، لأن أفعل ، ثلاثي مريد فيه الهمزة للتفضيل ؛ وأمّا إن أردت البناء مع حذف حرف ، أو حرفين ، فإنه يلتبس المعنى ، إذ لو قلت في دحرج : أدحر ، لم يعلم أنه من تركيب دحرج ، وكذا لو قلت : في أخرج : أخرج بحذف الهمزة ، لالتبس بأخرج من الخروج ، وكذا في غيره من المتشعّبة (١) ، وهذا كله بناء على أنه لا صيغة للتفضيل إلا أفعل ، وإنما اقتصروا عليه ، اختصارا ؛

قوله : «ليس بلون ولا عيب» ، صفة أيضا لقوله ثلاثي ؛ وقوله : «لأن منهما أفعل لغيره» (٢) ، يعني : إنما لم يبن من باب الألوان والعيوب ، لأنه جاء منهما «أفعل» من غير اعتبار الزيادة على غيره ، فلو بني منهما أفعل التفضيل ، لالتبس أحدهما بالآخر ، لو قلت : زيد الأسود ، على أنه للتفضيل ، لم يعلم أنه بمعنى ذو سواد أو بمعنى الزائد في السواد ؛ وهذا التعليل إنما يتم إذا بيّن أن أفعل الصفة مقدم بناؤه على أفعل التفضيل ، وهو كذلك ، لأن ما يدل على مطلق ثبوت الصفة مقدم بالطبع على ما يدل على زيادة على الآخر في الصفة ؛ والأولى موافقة الوضع لما هو بالطبع ؛

__________________

(١) أي الصيغ المتفرعة من الثلاثي بزيادة حرف أو أكثر ؛

(٢) أي لغير التفضيل

٤٤٩

وينبغي أن يقال (١) من الألوان والعيوب الظاهرة ، فإن الباطنة يبنى منها أفعل التفضيل ، نحو : فلان أبلد من فلان وأجهل منه وأحمق وأرعن وأهوج وأخرق ، وألدّ وأشكس ، وأعيا وأعجم وأنوك ؛ مع أن بعضها يجيئ منه أفعل لغير التفضيل أيضا ، كأحمق وحمقاء ، وأرعن ورعناء وأهوج وهوجاء ، وأخرق وخرقاء وأعجم وعجماء ، وأنوك ونوكاء ، فلا يطرد أيضا تعليله بأن منهما أفعل لغيره ؛ فالأولى أن يقال : لا يبنى أفعل التفضيل من الألوان ، والعيوب الظاهرة دون الباطنة لأن غالب الألوان أن تأتي أفعالها على : افعلّ وافعالّ ، كأبيضّ ، واسودّ ، واحمارّ واصفارّ ، فحمل كل ما جاء من الثلاثيّ عليهما ، وأما العيوب المحسوسة ، فليس الغالب فيها المزيد فيه ، لكن بعضها : المزيد فيه أكثر استعمالا فيه من غيره ، كاحولّ واعورّ ، فإنهما أكثر استعمالا من حول وعور ، ولذلك لم يقلب واوهما (٢) حملا على احولّ واعورّ ؛ وما لم يجئ منه افعلّ ولا افعالّ ، كالبخر والفقم ، والعرج والعمى ، لم يبن منها لكون بعضها مما لا يقبل الزيادة والنقصان كالعمى ، والبواقي محمولة على القسمين المذكورين في الامتناع ؛

وأجاز الكوفيّون بناء أفعل التفضيل من لفظي السواد والبياض ؛ قالوا لأنهما أصلا الألوان ، قال :

٥٩٨ ـ أبيض من أخت بني إباض (٣)

وقال :

٥٩٩ ـ ابعد بعدت بياضا لا سواد له

لأنت أسود في عيني من الظلم (٤)

__________________

(١) يريد التمهيد للاعتراض على تعليل المصنف

(٢) أي واو الفعلين حول وعور وما ماثلهما

(٣) من رجز لرؤبة ، وقبله : جارية في درعها الفضفاض ، تقطع الحديث بالايماض

ومن الممكن تأويله بغير ما قال من أنه شاذ ، وكذلك بيت المتنبي الآتي ،

(٤) من قصيدة للمتنبي أولها قوله يقصد الشيب :

ضيف ألمّ برأسي غير محتشم

 ـ وتقدم منها الشاهد

قبلتها ودموعي مزج أدمعها

وقبلتني على خوف فما لفم

وقدمنا أن الرضى يورد كثيرا من أشعار المحدثين كالمتنبي وأبي تمام وأن بعض العلماء يرى جواز ذلك ، ومن الممكن أن يقال ان الرضى يوردها للتمثيل إذا ثبت الدليل من شاهد آخر ؛

٤٥٠

وهما عند البصريين شاذان ؛ (١)

قوله : «فإن قصد غيره» ، يعني قصد التفضيل من معاني الأشياء التي تعذّر بناء أفعل التفضيل من ألفاظها ؛ وهي ذو الزيادة والرباعي والألوان والعيوب الظاهرة ، بنى أفعل من فعل يصح بناء أفعل ، منه ، في حسن ، أو كثرة ، أو غير ذلك على حسب غرضك الذي تقصده ثم يؤتى بمصادر تلك الأفعال التي امتنع بناء أفعل منها ، فتنصب على التمييز ، لتحقق معنى التمييز عن النسبة فيها ، نحو : أقبح عورا ، وأشدّ بياضا ، وأسرع انطلاقا ، وأكثر دحرجة ، ونحو ذلك ؛

وهو عند سيبويه : قياس من باب أفعل مع كونه ذا زيادة ، ويؤيده كثرة السماع ، كقولهم : هو أعطاهم للدينار ، وأولاهم للمعروف ، وأنت أكرم لي من فلان ، وهو كثير ؛ ومجوّزه قلة التغيير ، لأنك تحذف منه ، وتردّه إلى الثلاثي ثم تبني منه أفعل التفضيل ، فتخلف همزة التفضيل همزة الإفعال (٢) وهو عند غيره سماعيّ مع كثرته ؛

ونقل عن المبرد والأخفش ، جواز بناء أفعل التفضيل من جميع الثلاثي المزيد فيه ، كانفعل واستفعل ونحوهما ، قياسا ؛ وليس بوجه ، لعدم السماع وضعف التوجيه فيه بخلاف أفعل ؛

قوله : «وقياسه للفاعل» يعني قياسه أن يكون لتفضيل الفاعل على غيره في الفعل ، كأضرب ، أي ضارب أكثر ضربا من سائر الضاربين ، ولا يقال : أضرب ، بمعنى مضروب أكثر مضروبيّة من سائر المضروبين ؛

وإنما كان القياس في الفاعل دون المفعول ، لأنهم لو جعلوه مشتركا بين الفاعل والمفعول ، لكثر الاشتباه لاطراده ، وأمّا سائر الألفاظ المشتركة فاغتفر فيها الاشتباه لقلّتها ، لكونها سماعيّة ، فأرادوا جعله في أحدهما أظهر دون الآخر ، فجعلوه في الفاعل قياسا لكونه أكثر من المفعول ، إذ لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب ، ولا ينعكس ، وإنما قلنا في الأغلب ،

__________________

(١) تقدم أنه من الممكن تأويلهما بمثل ما سيقوله الشارح في قوله : ولست بالاكثر منهم حصى ، ونحوه ،

(٢) وهي الموجودة في أول الفعل الذي على وزن أفعل ؛

٤٥١

احترازا عن نحو مجنون ومبهوت ؛ فلو جعلوه حقيقة في المفعول لبقي اسم الفاعل ، مع أنه أكثر ، عريّا (١) عمّا يطلب فيه من معنى التفضيل إلا بالقرينة ، لعدم اللفظ الدال عليه حقيقة ؛ وقد استعملوه في المفعول ، أيضا على غير قياس ، نحو : أعذر ، وأشهر ، وألوم ، وأشغل ؛ أي : أكثر معذورية ومشهورية ، وملوميّة ومشغولية ؛

[أوجه استعماله]

[ومعنى كل وجه]

[قال ابن الحاجب :]

«ويستعمل على أحد ثلاثة أوجه : مضافا ، أو بمن ، أو»

«معرّفا باللام ؛ فإذا أضيف فله معنيان : أحدهما وهو الأكثر :»

«أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه ، ويشترط أن»

«يكون منهم ، نحو : زيد أفضل الناس ، ولا يجوز :»

«يوسف أحسن إخوته ، لخروجه عنهم ، بإضافتهم إليه»

«والثاني : أن يقصد زيادة مطلقة ، ويضاف للتوضيح ،»

«فيجوز : يوسف أحسن إخوته ، ويجوز في الأول : الإفراد»

«والمطابقة لمن هو له ، وأمّا الثاني والمعرف باللام فلا بدّ»

«فيهما من المطابقة ؛ والذي بمن مفرد مذكر لا غير ، فلا»

«يجوز : زيد الأفضل من عمرو ، ولا زيد أفضل ، إلا أن»

«يعلم» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أنه يلزم استعمال أفعل التفضيل مع أحد الثلاثة المذكورة ، فلا يخلو عن الجميع ،

__________________

(١) يعني : لبقي اسم الفاعل عريا ، أي خاليا ـ عما يطلب فيه الخ ،

٤٥٢

ولا يجتمع منها اثنان إلا نادرا ؛ وإنما لم يخل عن الجميع لأن وضعه الأهمّ لتفضيل الشيء على غيره ، ومع «من» والإضافة : ذكر المفضّل عليه ظاهرا ، ومع اللام هو في حكم المذكور ظاهرا ، لأنه يشار باللام إلى معيّن مذكور قبل ، لفظا أو حكما ، كما ذكرنا في اللام العهدية في بابها ، فتكون اللام إشارة إلى أفعل ، المذكور معه المفضل عليه ، كما إذا طلب شخص هو أفضل من زيد ، فقلت : عمرو الأفضل ، أي ذلك الأفضل أي الشخص الذي قلنا انه أفضل من زيد ؛ فعلى هذا لا يجوز أن تكون اللام في أفعل التفضيل في موضع من المواضع إلا للعهد ، لئلا يعرى عن ذكر المفضل عليه رأسا ، فلو خلا عن الثلاثة ، خلا عن ذكر المفضل عليه فلا يتم فهم المقصود الأهمّ من وضعه ؛ وإذا علم المفضول جاز حذفه غالبا ، إن كان «أفعل» خبرا ، كما يقال لك : أنت أسنّ أم أنا ، فتجيب بقولك : أنا أسنّ ؛ ومنه قولنا : الله أكبر ، وقوله :

٦٠٠ ـ إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعز وأطول (١)

وقوله :

٦٠١ ـ ستعلم أيّنا للموت أدنى

إذا أدنيت لي الأسل الحرارا (٢)

ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع : ان المحذوف هو المضاف إليه ، أي أكبر كل شيء ، وأعزّ دعامة ، ولم يعوّض منه التنوين لكون «أفعل» غير منصرف ، فاستبشع ذلك ، وأمّا نحو جوار فقد ذكرنا قصدهم بتعويض التنوين فيه ،

ويجوز أن يقال : ان «من» مع مجروره محذوف ؛ أي أكبر من كل شيء ؛

ويقلّ الحذف في غير الخبر ، نحو : جاءني رجل أفضل في جواب من قال : ما

__________________

(١) هو للفرزدق : أول قصيدة في هجاء جرير ، ومع روعة هذا المطلع ، امتلأت القصيدة بأفحش الألفاظ وأقبح الشتائم ؛

(٢) من شعر عنترة العبسي في مخاطبته لعمارة العبسي ويتصل به البيت المتقدم في باب الحال ، وفي باب الصفة المشبهة وهو قوله :

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا

٤٥٣

جاءك رجل أفضل من زيد ، كأنه لما كان حذف الخبر أكثر من حذف الوصف ، والحال ، كان حذف بعضه (١) ، أيضا ، أكثر ،

وإنما لم يجتمع من الثلاثة المذكورة شيئان ، لأن كل واحد منهما (٢) يغني عن الآخر في إفادة ذكر المفضول ، كما ذكرنا ، ولا فائدة في ذكر واحد منهما إلا ذاك ، فكان ذكر الآخر ، لو ذكر أحدهما ، لغوا ، وأما قوله :

٦٠٢ ـ ولست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزة للكاثر (٣)

فقيل : من ، فيه ليست تفضيليّة ، بل للتبعيض ، أي : لست من بينهم بالأكثر حصى ، وهذا كما تقول مثلا : أريد شخصا من قريش أفضل من عيسى عليه السّلام فيقال : محمد عليه الصلاة والسّلام الأفضل ، من قريش ، أي : أفضل من عيسى من بين قريش ، ويجوز أن يحكم بزيادة اللام ، و «من» تفضيلية ، كما في قوله :

٦٠٣ ـ ورثت مهلهلا والخير منه

زهيرا ، نعم ذخر الذاخرينا (٤)

ويجوز في البيتين ، على ما قيل ، أن يقدّر «أفعل» آخر ، عاريا من اللام ، يتعلق به «من» أي لست بالأكثر ، أكثر منهم حصى ، والخير خيرا منه ، ولا منع من اجتماع الإضافة و «من» التفضيلية إذا لم يكن المضاف إليه مفضلا عليه ، كقولك : زيد أفضل البصرة من كل فاضل ، فإضافته للبصرة للتوضيح ، كما تقول : شاعر بغداد ، لكنهم لم يستعملوه لأن هذه الإضافة دالة على أن صاحب أفعل ، مفضل على غيره مطلقا ، فأغنى ذلك عن ذكر المفضل عليه ؛

ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى إمّا تحقيقا ، كما في :

__________________

(١) أي بعض أجزاء الخبر وهو من التفضيلية ومجرورها إذا كان التفضيل خبرا ،

(٢) التثنية باعتبار الاثنين اللذين قال إنها لا يجتمعان ؛

(٣) من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس فضّل فيها عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة ، في منافرة جرت بينهما في الجاهلية ،

(٤) من معلقة عمرو بن كلثوم ؛

٤٥٤

زيد أحسن من عمرو ، وامّا تقديرا ، كما في قول علي رضي الله عنه : «لأن أصوم يوما من شعبان ، أحبّ إليّ من أن أفطر يوما من رمضان» ؛ لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف ، فقدّره علي رضي الله عنه محبوبا إلى نفسه أيضا ، ثم فضل صوم يوم من شعبان عليه فكأنه قال : هب أنه محبوب عندي أيضا ، أليس صوم يوم من شعبان أحبّ منه ؛ وقال رضي الله عنه : «اللهم أبدلني بهم خيرا منهم» (١) ، أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر فإنه ليس فيهم خير ، «وأبدلهم بي شرا مني» ، أي في اعتقادهم أيضا ، وإلا فلم يكن فيه ، كرم الله وجهه ، شرّ ، ومثله قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)(٢) ، كأنهم (٣) لما اختاروا موجب النار ، اختاروا النار ،

ويقال في التهكم : أنت أعلم من الحمار ، فكأنك قلت : إن أمكن أن يكون للحمار علم ، فأنت مثله مع زيادة ، وليس المقصود بيان الزيادة ، بل الغرض : التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه عن الحمار ؛

وأمّا نحو قولهم : أنا أكبر من الشعر ، وأنت أعظم من أن تقول كذا ، فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر ، والمخاطب على القول ، بل المراد : بعدهما عن الشعر والقول ؛ وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه ، فمن في مثله ليست تفضيلية بل هي مثل ما في (٤) قولك : بنت من زيد ، وانفصلت منه ، تعلقت بأفعل المستعمل بمعنى متجاوز ، وبائن ، بلا تفضيل ، فمعنى قولك أنت أعزّ عليّ من أن أضربك ، أي بائن من أن أضربك من فرط عزّتك عليّ ، وإنما جاز ذلك ، لأن «من» التفضيلية تتعلق بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى ، ألا ترى أنك إذا قلت : زيد أفضل من عمرو ، فمعناه : زيد متجاوز في الفضل عن مرتبة عمرو ، فمن ، فيما نحن فيه كالتفضيلية ، إلّا في معنى التفضيل ، ومنه قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ؛ «ولهي بما تعدك من نزول البلاء

__________________

(١) في نهج البلاغة ص ٧٩ مطبعة دار الشعب ، وكذلك الجملة الثانية ؛

(٢) الآية ٢٤ سورة الفرقان

(٣) أي أصحاب النار المفهومين من تفضيل أصحاب الجنة ،

(٤) يعني هي مثل كلمة من التي في قولك الخ ،

٤٥٥

بجسمك ، والنقص في قوّتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرّك (١)» أي : هي متجاوزة من فرط صدقها عن الكذب ؛

ويجب أن تلي «من» التفضيلية : أفعل التفضيل لأنها من تمام معناه ، أو تلي معموله ، قال :

٦٠٤ ـ فإنا رأينا العرض أحوج ساعة

إلى الصّون من ربط ملاء مسهّم (٢)

وقد يفصل بينهما بلو ، وفعلها نحو قولك : هي أحسن ، لو أنصفت ، من الشمس ، وقد تتقدم عليه في الشعر ، كقوله :

٦٠٥ ـ واستنزل الزبّاء قسرا وهي من

عقاب لوح الجوّ أعلى منتمى (٣)

ويلزم ذلك إذا كان المفضول اسم استفهام ، نحو : ممّن أعلم زيد؟ ، أو مضافا إلى اسم استفهام نحو قولك : من غلام أيهم أكرم أنت؟ ؛

قوله : «فإذا أضيف فله معنيان : أحدهما ، وهو الأكثر ، أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه» ؛ وإنما كان هذا أكثر ، لأن وضع أفعل ، لتفضيل الشيء على غيره ، فالأولى ذكر المفضول ؛ وليس قوله : على من أضيف إليه بمرضيّ ، لأنه مفضل على من سواه من جملة ما أضيف إليه وليس مفضلا على كل من أضيف إليه ، وكيف ذلك وهو من تلك الجملة ، فيلزم تفضيل الشيء على نفسه ؛ وقول المصنف في دفع هذه الشبهة ، ان زيدا لم يذكر في الناس في قولك : زيد أفضل الناس لغرض التفضيل عليه معهم بل لغرض التشريك معهم في أصل الفضل : ليس بشيء ؛ (٤) لأنه لا يحتاج لحصول هذا

__________________

(١) من إحدى خطب سيدنا علي رضى الله عنه التي وردت في نهج البلاغة ، وهي في ذم الدنيا والتحذير من الاغترار بها والضمير في قوله : لهي راجع إلى الدنيا ، انظر ص ٢٧٣ من النهج طبعة دار الشعب بالقاهرة

(٢) من قصيدة لأوس بن حجر ، والريطة الملاءة التي تكون قطعة واحدة ، والريط بدون تاء : الجنس ، والمسهّم المخطط ، وذلك مما يحتاج إلى الصّون والحرص عليه ،

(٣) من مقصورة ابن دريد الامام اللغوي وقد أورد الرضى بعضا من أبياتها في هذا الشرح ؛ والبيت إشارة إلى قصة الزباء ملكة اليمن وما انتهى إليه أمرها ،

(٤) خبر عن قوله : وقول المصنف في دفع هذه الشبهة : الخ ؛

٤٥٦

الغرض ، أي التشريك في أصل الفضل إلى واسطة ، لأن لفظ «أفعل» يكفي في هذا ، لما ذكر المصنف بعينه ، بعد هذا ، وهو قوله : لأفعل ، جهتان ، ثبوت أصل المعنى والزيادة فيه ، الزيادة فرع ثبوت أصله ، ولا يحصل الفرع إلا بعد الأصل ؛

فنقول : لفظ «أفعل» يدل على اتصاف صاحبه ، بأصل الفعل ، فلا يحتاج ، لأجله إلى شيء آخر ، والأولى في تعليل دخوله في جملة المضاف إليه : ما مرّ في باب الإضافة (١) ، فليرجع إليه ؛

وقوله بعد هذا في الشرح : انّ لأفعل جهتين .. إلى آخر الكلام ، قد مضى الكلام فيه في باب الحال على الكمال ؛ (٢)

قوله : «والثاني أن يقصد زيادة مطلقة» ، أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقا ، لا على المضاف إليه وحده ، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرّد التخصيص ، والتوضيح ، كما تضيف سائر الصفات ، نحو : مصارع مصر ، وحسن القوم ، مما لا تفضيل فيه ؛ فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه ، فيجوز أن تضيفه إلى جماعة هو أحدهم كقولك : نبينا صلّى الله عليه وسلّم أفضل قريش ، أي أفضل الناس من بين قريش ؛ وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلا فيهم ، كقولك : يوسف أحسن إخوته ، فإن يوسف ، لا يدخل في جملة : إخوة يوسف ، ولا يكون بعضهم ، بدليل أنك لو سئلت عن عدّ إخوة يوسف ، لم يجز لك عدّه فيهم ، بلى ، يدخل ، لو قلت : أحسن الإخوة ، أو : أحسن بني يعقوب عليه السّلام ؛ ـ وأن تضيفه إلى غير جماعة ، نحو : فلان أعلم بغداد ، أي : أعلم ممّن سواه ، وهو مختص ببغداد ، لأنها منشؤه أو مسكنه ؛

وإن قدّرت المضاف ، أي أعلم أهل بغداد ، فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم ؛

قوله : «ويجوز في الأول الإفراد ..» ، يعني أوّل معنيي المضاف ؛ اعلم أن الأصل

__________________

(١) انظر باب الإضافة في الجزء الثاني ،

(٢) هو في الجزء الثاني من هذا الشرح

٤٥٧

في أفعل التفضيل أن يذكر معه ما اقتضاه وضعه ، وهو «من» التفضيلية ، لانه بصوغه على هذه الصيغة المفيدة لهذا المعنى تعدّى إلى المفعول بمن الابتدائية ، كما ذكرنا ، فأفعل التفضيل يتميّز عما يشاركه في هذه الصيغة من الوصف ، كأحمر ، والاسم ، كأفكل ، في بدء النظر ، بمن التفضيلية ، فصارت كأنها من تمام الكلمة ، فلهذا لا يفصل بينهما إلا بمعمول أفعل ، وذلك أيضا قليل ،

فما دام معه «من» لا يطابق به صاحبه تثنية وجمعا وتأنيثا ، بل يلزم في الأحوال (١) صيغة المفرد المذكر نحو : زيد ، أو الزيدان ، أو الزيدون ، أو هند ، أو الهندان ، أو الهندات : أفضل من كذا ؛ إذ لو ثني وجمع وأنث ، لكان كتثنية الاسم وجمعه وتأنيثه قبل كماله ؛

فإذا أضفته وأردت تفضيل صاحبه على من سواه من أجزاء المضاف إليه ، كان كأفعل المصاحب لمن في لزومه صيغة واحدة ، وذلك لكونه مثله ، في كون المفضول مذكورا بعده ، مجرورا ، ولا سيّما أنّ أفعل المصاحب لمن مضارع للمضاف ، كما تبيّن في باب المنادى ، ولا فرق بينهما من حيث المعنى إلا من حيث إن المجرور بمن مفضول بجميع أجزائه ، والمجرور بالإضافة جميع أجزائه مفضولة إلا صاحب أفعل الداخل فيه معها ، ولا فرق بينهما لفظا إلّا بذكر «من» في أحدهما دون الآخر ، فجاز إجراء المضاف بهذا المعنى مجرى المصاحب لمن ، وجاز ، أيضا ، تثنيته وجمعه وتأنيثه ، لفوات لفظة «من» المانعة من التصرف ؛

وقال ابن الدهان (٢) ، وابن السّراج ، وابن يعيش : يجب إجراء المضاف بهذا المعنى مجرى المصاحب لمن ، ولا تجوز مطابقته لصاحبه ، لأنه مثله في ذكر المفضول بعده ؛ ومذهب الجمهور ما ذكرنا أوّلا ؛

وأمّا إذا قصدت بالمضاف : المعنى الثاني ، فلا يشابه المصاحب لمن ، إذ لم يذكر بعده المفضول ، وكذا ذو اللام ، لا يشابه المصاحب لمن لعدم ذكر المفضول بعده صريحا

__________________

(١) يريد الاحوال المتحدث عنها وهي التثنية والجمع والتأنيث ؛

(٢) تقدم ذكر هؤلاء في هذا الجزء وفيما قبله ؛

٤٥٨

فجاز التصرف فيهما ، تثنية وجمعا وتأنيثا ، فوجب مطابقتهما لصاحبهما ؛

وقيل : إنما لم يتصرّف في الذي بمن ، لمشابهته لفظا ومعنى ، لأفعل التعجب ، الفعليّ غير المتصرف ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلأنه لا يتعجّب من شيء إلا وهو مفضل ، فلهذا يبنيان من أصل واحد ، كما يجيئ في أفعل التعجب ؛

وأمّا ذو اللام ، والمضاف بالمعنى الثاني ، فلما لم يكن فيهما علامة التفضيل أي «من» ولا كان معهما المفضول ، ضعف معنى التفضيل فيهما فلم يشابها أفعل التعجب الفعلي مشابهة تامة ، ودخلهما اللام والإضافة ، اللتان من علامات الأسماء فترجح جانب الاسمية فلم يمتنعا من التصرف ؛

وأمّا المضاف بالمعنى الأول ، فجاز التصرف فيه ، نظرا إلى الإضافة التي هي من خواص الأسماء ، وإلى تجرده عن علم التفضيل ، وجاز الإفراد ، أيضا مع التذكير ، لأنه وإن تجرّد عنه ، لكنه لم يتجرد عن المفضول الذي كان مصاحبا له ، أي لعلم التفضيل ؛

واعلم أنه يجوز استعمال أفعل ، عاريا عن اللام والإضافة ومن ، مجردا عن معنى التفضيل مؤوّلا باسم الفاعل أو الصفة المشبهة قياسا عند المبرد سماعا عند غيره ، وهو الأصح ، قال :

٦٠٦ ـ قبحتم يا آل زيد نفرا

ألأم قوم أصغرا وأكبرا (١)

أي : صغيرا وكبيرا ، وقال الآخر :

٦٠٧ ـ ملوك عظام من ملوك أعاظم (٢)

أي عظام ، وتقول : الأحسن والأفضل بمعنى : الحسن والفاضل ؛

__________________

(١) قال البغدادي عن هذا البيت : لم أقف على خبره ؛

(٢) جزء من بيت قاله شخص نزل به عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فذبح له عنزا لم يكن عنده غيرها فأكرمه عبيد الله ومنحه مالا كثيرا وهو من أبيات في مدح عبيد الله يقول فيها :

توسمته لما رأيت مهابة

عليه ، وقلت المرء من آل هاشم

وإلا فمن آل المرار فإنهم

ملوك عظام من ملوك أعاظم

٤٥٩

قيل : ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(١) ، إذ ليس شيء عليه تعالى أهون من شيء ؛ وما كان بهذا المعنى فلزومه صيغة أفعل ، أكثر من المطابقة إجراء له مجرى الأغلب الذي هو الأصل ، أي أفعل التفضيل مع «من» ؛

أمّا «أوّل» ، فمذهب البصريين أنه «أفعل» ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال : جمهورهم على أنه من تركيب «وول» كددن ، ولم يستعمل هذا التركيب إلا في «أول» ومتصرّفاته ، وقال بعضهم : أصله : أوأل ، من : وأل ، أي نجا ، لأن النجاة في السبق ؛ وقيل : أصله أأول من : آل ، أي رجع ، لأن كل شيء يرجع إلى أوّله ، فهو أفعل بمعنى المفعول ، كأشهر ، وأحمد ، فقلبت في الوجهين : الهمزة واوا قلبا شاذا ؛

وقال الكوفيون : هو فوعل من : وأل ، فقلبت الهمزة إلى موضع الفاء ، وقال بعضهم : فوعل ، من تركيب : وول ، فقلبت الواو الأولى همزة ، وتصريفه كتصريف أفعل التفضيل ،

واستعماله بمن مبطل لكونه فوعلا ؛

وأمّا قولهم : أوّلة ، وأوّلتان فمن كلام العوامّ وليس بصحيح ؛

وإنما لزم قلب واو «أولى» همزة على مذهب جمهور البصريين ، كما لزم في نحو أواصل (٢) ، على ما يجيئ في التصريف ؛

وعند من قال هو من : وأل ، أصل ، أولى : وؤلى ، قلبت الواو همزة كما في : أجوه ، ثم قلبت الهمزة الثانية الساكنة واوا ، كما في : أومن ، ولهذا رجع إلى أصل الهمزة في قراءة قالون (٣) : «عادا لؤلى (٤)» لأنه حذفت الأولى وحركت لام التعريف بحركتها ، فزال اجتماع الهمزتين ،

__________________

(١) من الآية ٢٧ من سورة الروم

(٢) يعني لأجل تصدر الواوين ووثانيتهما مد أصلي ،

(٣) أحد الراويين عن نافع أحد القراء السبعة

(٤) الآية ٥٠ سورة النجم

٤٦٠