شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

[قال الرضى :]

أبنية المبالغة العاملة اتفاقا من البصريين : ثلاثة ، وهذه الثلاثة مما حوّل إليها أسماء الفاعلين التي من الثلاثي عند قصد المبالغة ، قال :

٥٨٧ ـ فيا لرزام رشّحوا بي مقدّما

على الحرب خوّاضا إليها الكتائبا (١)

وفي كلامهم : أنه لمنحار بوائكها ، أي سمانها ، وقال :

ضروب بنصل السيف سوق سمانها

إذا عدموا زادا فإنك عاقر (٢) ـ ٢٨٣

وربّما بني فعّال ومفعال وفعول ، من أفعل ، نحو : حسّاس ودرّاك ، من أحسّ وأدرك ، وقال :

٥٨٨ ـ شمّ مهاوين أبدان الجزور مخا

ميص العشيات ، لا خور ولا قزم (٣)

جمع مهوان ، من أهان ،

قال سيبويه (٤) : فاعل ، إذا حوّل إلى فعيل ، أو فعل ، عمل أيضا ، وأنشد :

٥٨٩ ـ حتى شآها كليل موهنا عمل

باتت طرابا وبات الليل لم ينم (٥)

فكليل : مبالغة «كالّ» ، يعني البرق ، وشآها ، أي ساقها ، والضمير للأتن ؛ ومنع ذلك غير سيبويه ، وقالوا : إن موهنا ظرف لشآها ، لأن «كليل» لازم ، ولو كان لكليل (٦) ، أيضا ، فلا استدلال فيه ، لأنه ظرف يكفيه رائحة الفعل ؛ واعتذر له بأن كليل بمعنى

__________________

(١) من أبيات حماسية لسعد بن ناشب ، وكان متهما في جناية فلما بحثوا عنه ولم يجدوه هدموا بيته فقال هذه الأبيات ، ومنها :

عليكم بداري فاهدموها فإنها

تراث كريم لايهاب العواقبا

إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه

ونكّب عن ذكر العواقب جانبا

(٢) تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح وهو من شعر أبي طالب بن عبد المطلب ،

(٣) من شعر الكميت بن زيد ، وقيل انه لتميم بن مقبل ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٥٩

(٤) سيبويه ١ / ٥٨ ،

(٥) من قصيدة لساعدة ابن جؤيّة الهذلي مطلعها :

يا ليت شعري ولا منجى من الهرم

أم هل على العيش بعد الشيب من ندم

(٦) أي ولو كان الظرف معمولا لكليل ..

٤٢١

مكلّ ، فموهنا مفعوله على المجاز ، كما يقال : أتعبت يومك ، ففعيل ، إذن ، مبالغة مفعل ؛

قلت : لا استدلال بالمحتمل ، ولا سيما إذا كان بعيدا ، واستدل سيبويه على عمل فعل ، بقوله :

٥٩٠ ـ حذر أمورا ما تخاف ، وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار (١)

ومنعه غيره ، وقال إن البيت مصنوع يروى عن اللاحقي (٢) أن سيبويه سألني عن شاهد في تعدّي «فعل» فعملت له هذا البيت ؛

أمّا إذا لم يكن فعيل وفعل مما حوّل إليه اسم الفاعل ، كظريف وكريم ، وطبن (٣) وفطن ، فلا خلاف في أنهما لا ينصبان ، إذ كلامنا في أبنية المبالغة ، لا في الصفات المشبهة ؛

وقد جاء فعيل مبالغة مفعل، كقوله تعالى: (عذاب أليم) (٤) ، على رأي ، وقوله:

٥٩١ ـ أمن ريحانة الداعي السميع

يؤرّقني وأصحابي هجوع (٥)

وأمّا الفعيل بمعنى المفاعل ، كالجليس والحليف ، فليس للمبالغة ، فلا يعمل اتفاقا ،

وعند الكوفيين ، لا يعمل شيء من أبنية المبالغة ، لفوات الصيغة التي بها شابه اسم الفاعل الفعل ، وإن جاء بعدها منصوب ، فهو ، عندهم ، بفعل مقدّر ؛

وقال البصريون : إنما تعمل مع فوات الشبه اللفظي ، لجبر المبالغة في المعنى ، ذلك (٦) النقصان ، وأيضا ، فإنها فروع لاسم الفاعل المشابه للفعل ، فلا تقصر عن الصفة المشبهة

__________________

(١) هذا مما عدّه النقاد عيبا في كتاب سيبويه ، وعذر سيبويه أنه أخذه واثقا من صاحبه الذي صنع له البيت ،

(٢) المراد : ابان بن عبد الحميد اللاحقي أحد رواة الشعر في عهد سيبويه ، والبيت في سيبويه ج ١ ص ٥٨.

(٣) هو بمعنى الفطنة والذكاء ؛

(٤) وردت كثيرا في القرآن ، وهذا الجزء من الآية ١٠ في سورة البقرة ؛

(٥) مطلع قصيدة لعمرو بن معديكرب الزبيدي ؛

(٦) مفعول جبر ؛

٤٢٢

في مشابهة اسم الفاعل ، ومن ثمّة لم يشترط فيها معنى الحال والاستقبال كما لم يشترط ذلك في الصفة المشبهة ؛

وقال ابن بابشاذ (١) : لا تعمل بمعنى الماضي كاسم الفاعل ؛ والأبيات المنشدة ظاهرة في كونها للإطلاق المفيد للاستمرار ؛

ويعمل مثنى المبالغة ومجموعها ، صحيحا كان أو مكسّرا ، قال :

٥٩٢ ـ ثم زادوا أنهم في قومهم

غفر ذنبهم غير فخر (٢)

وتقديم منصوب أبنية المبالغة عليها جائز ، كما في اسم الفاعل ؛ ومنعه الفراء ، لضعفها ، وهذا دليل على أن العمل لها عنده ؛

قوله : «والمثنى والمجموع مثله» ، أي يعملان عمل اسم الفاعل ؛ أمّا المثنى وجمعا السلامة فظاهرة ، لبقاء صيغة الواحد التي بها كان اسم الفاعل يشابه الفعل ؛

وأمّا جمع المكسّر ، فلكونه فرع الواحد ، قال :

٥٩٣ ـ ممّن حملن به وهنّ عواقد

حبك النطاق فشبّ غير مهبّل (٣)

[حذف النون]

[من اسم الفاعل المجموع]

[قال ابن الحاجب :]

«ويجوز حذف النون مع العمل والتعريف تخفيفا» ؛

__________________

(١) طاهر بن أحمد بن بابشاذ ، وتقدم ذكره ،

(٢) من قصيدة لطرقة بن العبد وهي التي يقول فيها :

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

لا ترى الآدب فينا ينتقر

(٣) من قصيدة لأبي كبير الهذلي يتحدث فيها عن تأبط شرا ، وكان أبو كبير تزوج من أم تأبط شرا وأعجب بشجاعته وصادقه بعد أن كان يريد التخلص منه ، ومنها قوله :

ما إن يمس الأرض إلّا منكب

منه وحرف الساق طيّ المحمل

٤٢٣

[قال الرضى :]

يعني بالتعريف دخول اللام ، وبالعمل : النصب كقوله :

الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم نطف (١) ـ ٢٨٩

وذلك لأن اللام موصول وقد طالت الصلة بنصب المفعول فجاز التخفيف بحذف النون ، كما حذفت في الموصول في قوله :

أبني كليب انّ عمّيّ اللذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (٢) ـ ٤١١

وقال :

وان الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد (٣) ـ ٤١٤

وأمّا حذف النون مع الجر ، فللإضافة ؛

ويشترط في عمل اسمي الفاعل والمفعول : ألّا يكونا مصغّرين ولا موصوفين ، لأن التصغير والوصف يخرجانه عن تأويله بالفعل ، ولم تخرجهما التثنية والجمع (٤) ؛ وجوّز بعضهم عمل المصغّر والموصوف قياسا على المثنى والمجموع ، وليس بشيء ، لما ذكرنا ، وأمّا قولهم : أنا مرتحل فسويّر فرسخا (٥) ، فإنما جاز لكون المعمول ظرفا ، ويكفيه رائحة الفعل ؛

واعلم أنه قد جاء في الشذوذ فصل اسم الفاعل المضاف إلى مفعوله عنه بظرف ، قال :

٥٩٤ ـ وكرّار خلف المجحرين جواده

إذا لم يحام دون أنثى حليلها (٦)

أي : كرّار جواده ؛ وقد شذ ، أيضا ، الفصل بالمفعول نحو : معطي الدرهم عمرو ،

__________________

(١) تقدم ذكره في الجزء الثاني ؛ وفي هذا الجزء

(٢) تقدم في باب الموصول في أول هذا الجزء ،

(٣) وهذا أيضا تقدم في باب الموصول ،

(٤) لأن كلا من المثنى والمجموع يبقى على صيغته وتلحقه العلامة في آخره ، وأما التصغير فهو تغيير لبنية الكلمة ؛

(٥) فرسخا مفعول لاسم الفاعل المصغر وهو سويّر ؛

(٦) من شعر الأخطل يصف رجلا بالشجاعة ، وأنه يركص جواده خلف المجحرين أي المغيرين فيدافع عن عرضه ، إذا نكص غيره فلم يحم الزوج حليلته ؛ والبيت في سيبويه ١ / ٩٠ ،

٤٢٤

كما جاء في المصدر في نحو قوله تعالى : (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(١) ،

فإن عطفت على المجرور باسم الفاعل ، فإن كان بمعنى الماضي نحو : هذا ضارب زيد أمس وعمرو ، فالمختار جرّ المعطوف حملا على اللفظ ؛

والنصب جائز ، لكن بإضمار فعل يفسّره لفظ اسم الفاعل وإن لم يعمل ؛ ولذلك ضعف ، ولا يكون ذلك المقدر إلا ماضيا ، ليوافق المفسّر ، إلا أن يكون هناك ما يدل على خلافه ، نحو : هذا ضارب زيد أمس وعمرا غدا ؛

وإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، جاز النصب والجر ، والحمل على اللفظ أولى ، ويبقى هنا الخلاف في أن النصب حملا على المحل ، أو بعامل مقدر ، فإن كان بعامل مقدر كما هو مذهب سيبويه ، فتقدير اسم الفاعل أولى من تقدير الفعل ليوافق المقدر الظاهر ، أنشد سيبويه :

٥٩٥ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق (٢)

__________________

(١) الآية ١٣٧ في سورة الأنعام

(٢) نسبه بعضهم لشاعر اسمه جابر بن رألان ، وقيل انه من أبيات سيبويه المجهولة القائل ، وهو في سيبويه ١ / ٨٧ كما أنه نسب لجرير ، وقال بعضهم انه مصنوع ؛

٤٢٥
٤٢٦

[اسم المفعول]

[تعريفه ، وعمله ، وصيغه]

[قال ابن الحاجب :]

«اسم المفعول : ما اشتق من فعل ، لمن وقع عليه ، وصيغته»

«من الثلاثي على مفعول كمضروب ، ومن غيره على صيغة»

«المضارع بميم مضمومة وفتح ما قبل الآخر كمخرج»

«ومستخرج ، وأمره في العمل والاشتراط ، كأمر الفاعل ،»

«مثل : زيد معطي غلامه درهما» ؛

[قال الرضى :]

يعني جرى عليه أو جرى مجرى الموقوع عليه ، ليدخل فيه نحو : أوجدت ضربا ؛ فهو موجد ، وعلمت عدم خروجك فهو معلوم ، وسمّي اسم المفعول مع أن اسم المفعول في الحقيقة هو المصدر ، إذ المراد : المفعول به الضرب ، أي أوقعته عليه ، لكنه حذف حرف الجر ، فصار الضمير مرفوعا فاستتر ، لأن الجارّ والمجرور ، كان مفعول ما لم يسمّ فاعله ؛

وكان قياسه أن يكون على زنة مضارعه كما في اسم الفاعل فيقال : ضرب يضرب فهو مضرب ، لكنهم لما أداهم حذف الهمزة في باب أفعل ، إلى مفعل ، قصدوا تغيير أحدهما للفرق ، فغيّروا الثلاثي ، لما ثبت التغيير في أخيه ، وهو اسم الفاعل لأنه ، وإن كان في مطلق الحركات والسكنات كمضارعه ، لكن ليس الزيادة في موضع الزيادة في الفاعل ، ولا الحركات في أكثرها كحركاته ، نحو ينصر فهو ناصر ، ويحمد فهو حامد ،

٤٢٧

وأمّا اسم الفاعل من أفعل ، فهو كمضارعه في موضع الزيادة وفي عين الحركات ؛

فغيّروه (١) بزيادة الواو ، ففتحوا الميم ، لئلا يتوالى ضمّتان بعدهما واو ، وهو مستثقل قليل ، كمغرود وملمول (٢) ، وعصفور ، فبقي اسم المفعول من الثلاثي بعد التغيير ، كالجاري على الفعل ، لأن ضمة الميم مقدّرة ، والواو في حكم الحرف الناشئ من الإتباع كقوله :

وإنني حيثما يدني الهوى بصري

من حيثما سلكوا ، أدنو فأتطور (٣) ـ ١١

وصيغته من جميع الثلاثي على وزن مفعول ، ومن غير الثلاثي على وزن اسم الفاعل منه ، إلّا في فتح ما قبل الآخر ، لأنه كذلك في مضارعه الذي يعمل عمله ، أعني المضارع المبني للمفعول ؛ وقد شذّ : أضعفت الشيء فهو مضعوف ، أي جعلته مضاعفا ؛

قوله : «وأمره في العمل والاشتراط كاسم الفاعل» ؛ يعني أن حاله في عمله عمل فعله ، أي المضارع المبني للمفعول ، كحال اسم الفاعل في عمله عمل فعله الذي هو المضارع المبني للفاعل ، وحاله في اشتراط الحال والاستقبال والاعتماد على صاحبه أو حرفي الاستفهام والنفي ، كحال اسم الفاعل ، فلا وجه لإعادته ، فلا يحتاج في عمل الرفع إلى شرط زمان كما تبيّن في باب الإضافة ؛ وليس في كلام المتقدمين ، ما يدل على اشتراط الحال أو الاستقبال في اسم المفعول ، لكن المتأخرين كأبي علي ومن بعده ، صرّحوا باشتراط ذلك فيه كما في اسم الفاعل ؛

ويبنى اسم المفعول من الفعل المتعدي مطلقا ، فإن كان متعديا إلى واحد ، فاسم المفعول يطلق على ذلك الواحد ، نحو : ضربت زيدا فهو مضروب ، وإذا تعدّى إلى اثنين ليسا بمبتدأ وخبر ، فهو يطلق على كل واحد منهما ، نحو : أعطيت زيدا درهما ، فكل واحد من : زيد ، والدرهم ، معطى ، وكذا نحو : أقرأت زيدا الكتاب ،

وإن كانا في الأصل مبتدأ وخبرا ، فاسم المفعول في الحقيقة واقع على مضمون الجملة

__________________

(١) مرتبط بقوله فغيّروا الثلاثي ، وهو تفصيل لما تقدم ،

(٢) الملمول : الميل الذي يكتحل به والمغرود : نوع من الكمأة ؛

(٣) تقدم في الجزء الأول ، وهو من الأبيات المجهولة القائل ؛

٤٢٨

أعني مصدر الخبر مضافا إلى المبتدأ ، فالمعلوم في قولك : علمت زيدا قائما : قيام زيد ، وكذا في قولك : جعلت زيدا غنيا ، المجعول : غنى زيد ؛ ويصح أن يقال للمفعول الأول هنا ؛ مفعول ، لكن لا مطلقا ، بل بقيد الخبر (١) ، فيقال في علمت زيدا قائما : زيد معلوم على صفة القيام ، وفي جعلت زيدا غنيا : زيد مجعول على صفة الغنى ؛

وإن كان متعديا إلى ثلاثة ، وقع اسم المفعول على كل واحد من الأول ، ومن مضمون الثاني والثالث ، أعني مصدر الثالث مضافا إلى الثاني ؛ ففي قولك أعلمتك زيدا منطلقا : المخاطب معلم ، وانطلاق زيد ، أيضا معلم ؛

فثبت بهذا التقرير أن المفعول به إمّا أن يكون واحدا ، أو اثنين أولهما غير ثانيهما فضربت زيدا ، متعد إلى واحد ، وكذا علمت زيدا قائما في الحقيقة ؛ وأعطيت زيدا درهما متعدّ إلى مفعولين أولهما غير الثاني ، وكذا : أعلمتك زيدا منطلقا في الحقيقة ؛ لكنهم لما كان ما هو المفعول حقيقة : مضمون جملة ابتدائية ، نصبوهما معا ، وسمّوا الأول مفعولا أول ، والثاني مفعولا ثانيا ، وفي نحو : أعلمتك زيدا فاضلا : سمّوهما ثانيا وثالثا ، وإنما نصبوهما معا لأن ما هو المفعول في الحقيقة مضمونهما معا ، لا مضمون أحدهما ؛

وإن كان الفعل لازما ، فإن لم يتعدّ بحرف جرّ ، لم يجز بناء اسم المفعول منه كما لم يجز بناء الفعل المبني للمفعول منه ، إذ المسند لا بدّ له من المسند إليه ، فلا يقال : المذهوب ، كما لا يقال : ذهب ، وإن تعدّى إلى المجرور ، جاز بناء اسم المفعول مسندا إلى ذلك الجار والمجرور ، نحو : سرت إلى البلد ، فهو مسير إليه ، وعدلت عن الطريق فهو معدول عنه ؛

وكذا في متعدّ (٢) حذف منه ما هو المفعول به وعدّي بحرف الجر ، نحو رميت عن القوس ، فهي مرميّ عنها ، والمرميّ هو السهم ؛

__________________

(١) بأن تقيد صيغة اسم المفعول بما يستفاد من الخبر ،

(٢) يعني وكذلك في فعل متعد بأن يقيد المفعول أيضا بما عدى به الفعل كما مثّل ؛

٤٢٩

ومنهم قولهم : اسم المفعول ، أي اسم المفعول به ، والمفعول هو المصدر ، كما ذكرنا ؛ وإن أسند اللازم إلى الظرف ، فلا يطلق عليه إلا مع الحرف ، نحو سرت اليوم فرسخا ، فاليوم مسير فيه ، وكذا الفرسخ ؛ وإن أسند إلى المصدر فلا يطلق اسم المفعول عليه فلا تقول في ضرب ضرب شديد ، ان الضرب الشديد مضروب ،

ثم ان اسم المفعول ، ان أضيف إلى ما هو مفعوله ، سواء كان مفعول ما لم يسمّ فاعله ، كمؤدّب الخدّام ، أو ، لا نحو : زيد معطى درهم غلامه ، أي : معطى درهما غلامه ، فإضافته غير حقيقية ، لأنه مضاف إلى معموله ، وإن لم يضف إلى معموله فإضافته حقيقية ، سواء كان المضاف إليه فاعلا من حيث المعنى ، نحو : زيد مضروب عمرو ، أو ، لا ، كقولنا : الحسين رضي الله عنه قتيل الطفّ (١) ، أخزى الله قاتليه ؛

__________________

(١) الطف بتشديد الفاء جزء من أرض كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما ، ويقال له أيضا قتيل كربلاء ؛

٤٣٠

[الصفة المشبهة]

[تعريفها]

[قال ابن الحاجب :]

«الصفة المشبهة : ما اشتقّ من فعل لازم ، لمن قام به على معنى»

«الثبوت» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «من فعل» ، أي مصدر ، قوله : «لازم» ، يخرج اسمي الفاعل والمفعول المتعدّيين ؛ قوله : «لمن قام به» ، يخرج اسم المفعول اللازم المعدّى بحرف الجر ، كمعدول عنه ، واسم الزمان والمكان والآلة ؛

قوله : «على معنى الثبوت» ؛ أي الاستمرار واللزوم ، يخرج اسم الفاعل اللازم ، كقائم وقاعد ، فإنه مشتق من لازم لمن قام به ، لكن على معنى الحدوث ، ويخرج عنه نحو : ضامر ، وشازب ، وطالق ، وإن كان بمعنى الثبوت ، لأنه في الأصل للحدوث ، وذلك لأن صيغة الفاعل موضوعة للحدوث ، والحدوث فيها أغلب ، ولهذا ، اطرد تحويل الصفة المشبهة إلى فاعل ، كحاسن وضائق عند قصد النص على الحدوث ؛

والذي أرى : أن الصفة المشبهة ، كما أنها ليست موضوعة للحدوث في زمان ، ليست ، أيضا ، موضوعة للاستمرار في جميع الأزمنة ، لأن الحدوث والاستمرار قيدان في الصفة ولا دليل فيها عليهما ، فليس معنى «حسن» في الوضع إلا ذو حسن سواء كان في بعض الأزمنة أو في جميع الأزمنة ، ولا دليل في اللفظ على أحد القيدين ، فهو حقيقة في القدر

٤٣١

المشترك بينهما ، وهو الاتصاف بالحسن ، لكن لما أطلق ذلك ، ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ، ولم يجز نفيه في جميع الأزمنة ، لأنك حكمت بثبوته فلا بدّ من وقوعه في زمان ، كان (١) الظاهر ثبوته في جميع الأزمنة إلى أن تقوم قرينة على تخصيصه ببعضها ، كما تقول : كان هذا حسنا فقبح أو : سيصير حسنا ، أو : هو الآن حسن فقط ، فظهوره في الاستمرار ليس وضعيا ؛ [على ما ذكرنا ، بل بدليل العقل ، وظهوره في الاستمرار عقلا ، هو الذي غرّه ، حتى قال : مشتق لمن قام به على معنى الثبوت](٢) ؛

[صيغها ، وعملها]

[قال ابن الحاجب :]

«وصيغتها مخالفة لصيغة الفاعل ، على حسب السماع ،»

«كحسن وصعب ، وشديد ؛ وتعمل عمل فعلها» ؛

[قال الرضى :]

صيغ الصفة المشبهة ليست بقياسية كاسم الفاعل واسم المفعول ، ويجيئ في مقدمة التصريف إن شاء الله تعالى ،

وقد جاءت من الألوان ، والعيوب الظاهرة قياسية ، كأسود وأبيض ، وأدعج وأعور ، على وزن أفعل ؛

وإنما عملت الصفة المشبّهة وإن لم توازن صيغها الفعل ، ولا كانت للحال والاستقبال ، واسم الفاعل يعمل لمشابهته الفعل لفظا ومعنى كما مرّ ؛ لأنها شابهت اسم الفاعل ، لأن

__________________

(١) جواب قوله : لكن لما أطلق ذلك .. الخ

(٢) زيادة من بعض النسخ التي أشير اليها بالهامش ، وفيها توضيح ؛

٤٣٢

الصفة ما قام به الحدث المشتق هو منه ، فهو بمعنى ذو ، مضافا إلى مصدره ، فحسن بمعنى : ذو حسن ، كما أن اسم الفاعل ، ومنه ، [ما حوّل عنها](١) أعني حاسنا ، كذلك : محل للحدث المشتق هو منه ، فضارب بمعنى ذو ضرب ، لا فرق بينهما إلا من حيث الحدوث في أحدهما وضعا ، والإطلاق في الآخر كما ذكرنا ؛ وقيل عملت لمشابهتها اسم الفاعل بكونها تثنى وتجمع وتؤنث ، كما أن اسم الفاعل صفة تثنى وتجمع وتؤنث ؛ ومن ثمّ لم يعمل أفعل التفضيل ، لأن أصل استعماله أن يكون معه «من» وما دام معه «من» لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، ولم يقصدوا أن تثنيتها وجمعها وتأنيثها كتثنية اسم الفاعل وجمعه وتأنيثه ، سواء ، لأنه لا يطرد ذلك في الألوان والعيوب ، لأنك لا تقول : أبيضون ، وأبيضة ، كما تقول ضاربون وضاربة ، مع عمل أفعل فعلاء عمل سائر الصفات المشبهة ؛

فإن قيل : المشابهة التي ذكرتها أنت ، حاصلة في أفعل التفضيل ، لأنه يشابه اسم الفاعل المبني من باب المغالبة ، نحو : طاولته فطلته فأنا طائل ، أي ذو طول ، أي ذو غلبة عليه ، بالطول ، فأطول منك ، بمعنى طائل المبني من باب المغالبة إلا في معنى الحدوث ، كما ذكرت في سائر الصفات المشبهة ؛

قلت : أوّل ما يقال : ان باب المغالبة ليس بقياس مطرد من جميع الثلاثي الذي يبنى منه أفعل التفضيل ، ثم إن الذي ورد منه ، ليس بمعنى أفعل التفضيل إذ لو كان (٢) ، لوجب جواز تعدي الأفعل ، إلى المفعول بنفسه أو باللام كاسم الفاعل من باب المغالبة ، لأن جميعه متعدّ ، فكان ينبغي أن يجوز : أنا أطول القوم ، أو : أطول للقوم ، كما تقول : أنا طائل القوم ، وأنا طائل للقوم ، نحو : أنا ضارب زيدا ، وأنا ضارب لزيد ؛ ولا يتعدّى أفعل التفضيل إلى مفعوله المغلوب إلّا بمن الابتدائية ، بخلاف اسم الفاعل من باب المغالبة ، فعلمنا أنه ليس بمعناه ، وإن لزم منه معنى الغلبة على مفعوله كما في باب المغالبة ، فليس معنى أطول من القوم : ذو طول أو ذو غلبة ، بالطول ، بل معناه : آخذ في الزيادة في

__________________

(١) هذه زيادة لا بد منها لاستقامة المعنى ؛

(٢) أي إذ لو كان بمعنى التفضيل ..

٤٣٣

الطول من مبدأ القوم بعد مشاركته إياهم فيه ؛ ومخالفة تعدّيه لتعدّي اسم الفاعل من المغالبة : دليل مباينة معناه لمعناه ؛

وقال المصنف : لم يعمل ، لأن المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، إنما كانت تعمل ، لمّا أمكن تقديرها بفعل منها يفيد فائدتها فتعمل عمل ذلك الفعل ؛ وليس لأفعل التفضيل فعل يفيد فائدته ويقوم مقامه ؛

فإن قيل : فعل المغالبة يفيد فائدته ، فالجواب : ما مرّ ؛

قوله : «وتعمل عمل فعلها» ، يعني من غير شرط زمان من الأزمنة الثلاثة ، لأنها موضوعة على معنى الإطلاق ، وأمّا الاعتماد على أحد الأشياء الخمسة ، (١) فلا بدّ منه ، لما قلنا في اسم الفاعل ، بل هو فيها أولى لضعفها ؛

[صور استعمال]

[الصفة المشبهة وأحكامها]

[قال ابن الحاجب :]

«وتقسيم مسائلها أن تكون الصفة باللام ، ومجرّدة ، ومعمولها»

«مضافا ، أو باللام ، أو مجرّدا عنها ، فهذه ستة ، والمعمول»

«في كل واحد منها : مرفوع ومنصوب ومجرور ؛ صارت»

«ثمانية عشر فالرفع على الفاعلية ، والنصب على التشبيه»

«بالمفعول في المعرفة وعلى التمييز في النكرة ، والجر على»

«الإضافة ؛ وتفصيلها : حسن وجهه ، ثلاثة ، وكذلك :»

__________________

(١) أي المطلوبة في عمل اسم الفاعل ؛ من الاعتماد على صاحبه : المبتدأ ، أو الموصوف ، أو صاحب الحال ، أو يكون مسبوقا بحرف نفي الخ ما قاله مفصلا في باب الإضافة ؛

٤٣٤

«حسن الوجه ؛ حسن وجه ، الحسن وجهه الحسن الوجه ،»

«الحسن وجه ؛ اثنان منها ممتنعان : الحسن وجهه والحسن»

«وجه ، واختلف في : حسن وجهه ، والبواقي : ما كان»

«فيه ضمير واحد ، أحسن ، وما فيه ضميران : حسن ،»

«وما لا ضمير فيه قبيح ، ومتى رفعت بها ، فلا ضمير فيها»

«فهي كالفعل ، وإلا ففيها ضمير الموصوف فتؤنث وتثنى»

«وتجمع ؛ وأسماء الفاعلين والمفعولين غير المتعدّين ، مثل»

«الصفة في ذلك» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن الصفة المشبهة إمّا أن تكون باللام أو مجرّدة عنها ، وهذه قسمة حاصرة ، وإنما لم يقسّمها بحسب إعرابها في نفسها ، لأن ذلك من أحكام إعراب الصفات ، وقد تقدم ذلك في باب النعت ، والكلام ههنا في عملها ، لا في إيرادها في نفسها ،

ثم معمولها المذكور بعدها ، إمّا أن يكون مضافا ، أو مع اللام ، أو مجرّدا عنهما ، وهذه ، أيضا ، قسمة حاصرة ، صارت ستة أقسام ؛ الصفة باللام ، مع الثلاثة من أقسام المعمول ، والصفة مجردة ، مع تلك الثلاثة ، ثم المعمول في كل واحد من هذه الأقسام الستة إمّا مرفوع أو منصوب أو مجرور ؛ صارت ثمانية عشر ، لأن الستة صارت مضروبة في الثلاثة ؛ وتفصيلها بالتمثيل : حسن وجهه برفع المعمول ونصبه وخفضه ؛ حسن الوجه ، كذلك ؛ حسن وجه ، كذلك فهذه تسعة مع تجرد الصفة عن اللام ، وكذلك : الحسن وجهه ، الحسن الوجه ، الحسن وجه ؛

اثنتان من هذه المسائل الثماني عشرة ممتنعتان باتفاق : احداهما : الصفة باللام مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو : الحسن وجهه وكذا إذا كان المعمول مضافا إلى المضاف إلى الضمير ، نحو : الحسن وجه غلامه والحسن وجه غلام أخيه ؛ وذلك لأنها لم تفد الإضافة فيها خفة ، والمطلوب من الإضافة اللفظية ذلك ؛ وإنما قلنا

٤٣٥

بعدم حصول الخفة ، لأن الخفة تحصل في إضافة الصفة المشبهة ، إمّا بحذف ضمير الموصوف من فاعل الصفة أو مما أضيف إليه الفاعل واستتاره في الصفة ، كالحسن الوجه ، والحسن وجه الغلام ، والحسن وجه أبي الغلام ؛ وإمّا بحذف التنوين من الصفة ، كحسن وجهه وإمّا بهما معا ، كحسن الوجه ، ولم يحصل بإضافة الحسن إلى «وجهه» أحدهما إذ التنوين لم يكن في الصفة ، بسبب اللام ، حتى يحذف والضمير في «وجهه» باق لم يحذف ؛

وأمّا في المثنى والمجموع ، نحو : الحسنا وجهيهما والحسنو وجوههم فالتخفيف حاصل في الصفة ، فيجوز ، عند سيبويه ، لكن على قبح كما في حسن وجهه ، على ما يجيئ من الخلاف ،

والثانية من الممتنعتين : أن تكون الصفة باللام مضافة إلى معمولها المجرد عن اللام والضمير نحو : الحسن وجه ، أو وجه غلام ؛

وإنما امتنعت مع حصول التخفيف فيها بحذف الضمير من «وجهه» ، لأن هذه الإضافة ، وإن كانت لفظية غير مطلوب فيها التخفيف ، لكنها فرع الإضافة المحضة فإذا لم تكن مثلها لجواز تعريف المضاف والمضاف إليه معا ههنا بخلاف المحضة ، فلا أقلّ من ألّا تكون على ضد ما هي عليه ، وهو تعريف المضاف وتنكير المضاف إليه ؛

ومسألة منها مختلف فيها ؛ وهي الصفة مجرّدة عن اللام مضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو حسن وجهه ؛ فسيبويه وجميع البصريين يجوّزونها على قبح في ضرورة الشعر فقط ؛ والكوفيون يجوّزونها بلا قبح في السعة ، وليس استقباحها لأجل اجتماع الضميرين ، فإنّ ذلك زيادة على القدر المحتاج إليه ، وليست بقبيحة كما في : رجل ضارب أباه ، بل لكونهم شرعوا في الإضافة لقصد التخفيف فتقتضي الحكمة أن يبلغ أقصى ما يمكن ، ويقبح أن يقتصر على أهون التخفيفين ، أعني حذف التنوين ولا يتعرّض لأعظمهما مع الإمكان ، وهو حذف الضمير مع الاستغناء عنه بما استكنّ في الصفة ؛

والذي أجازها بلا قبح ، نظر إلى حصول شيء من التخفيف على الجملة وهو حذف

٤٣٦

لتنوين ؛ ومنعها ابن بابشاذ (١) ، مستدلّا بنسج العنكبوت (٢) ، وهو أنه إضافة الشيء إلى نفسه ؛ فإن أراد به أنه أضيف حسن إلى وجه ، وهو هو في المعنى ، فذلك إنما منعه من منع؟؟؟ الاضافة المحضة ، وكان ينبغي على ما قال ألّا تضاف الصفة إلى ما هو فاعلها في المعنى؟؟؟ هو معلوم الاستحالة ، مع أنا نذكر بعد هذا ، أنهم لما قصدوا إضافة الصفة إلى مرفوعها ، جعلوه في صورة المفعول ، الذي هو أجنبي من ناصبه ، ثم أضيفت إليه حتى لا يستنكر في الظاهر ،

وإن أراد أنه أضيف «حسن» إلى «وجه» المضاف إلى ضمير راجع إلى صاحب «حسن» فكأنك أضفت «حسنا» إلى ضمير نفسه وذلك لا يجوز ، فليس بشيء ، لأن ذلك لو امتنع لامتنع في المحضة أيضا ، وقد قيل فيها : واحد أمه ، وعبد بطنه وصدر بلده وطبيب مصره ، ونحو ذلك ؛

وأنشد سيبويه للاستدلال على مجيئها في الشعر قول الشماخ :

أقامت على ربعيهما جارتا صفا

كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (٣) ـ ٢٩١

وقال المبرد : بل الضمير في «مصطلاهما» للأعالي ، إذ هو جمع في معنى المثنى ، إذ هو للجارتين ، وليس للجارتين إلا أعليان وإنما جمعا بما حولهما (٤) ؛ كقوله :

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (٥) ـ ٥٥٤

فالألف في تستطارا ، راجع إلى روانف ، لأنه بمعنى رانفتين ؛ فكأنه قال : جونتا مصطلى الأعالي ، فليس فيه إلا ضمير واحد وهو المستكن في : جونتا ، فهو كقولك : زيد حسن الغلام قبيح فعله ، أي فعل الغلام ؛

__________________

(١) تقدم ذكره قريبا ،

(٢) إشارة إلى ضعف ما استدل به ابن بابشاذ ،

(٣) تقدم في الجزء الثاني ،

(٤) أي مع ملاحظة ما حولهما

(٥) تقدم في باب المثنى من هذا الجزء ،

٤٣٧

ويعني بمصطلى الأعالي ما تحت الأعالي وهو الموضع الذي أصابه الدخان أكثر ، فأصل الحجر أبيض ، وأعلاه كميت ، وما بينهما جون ، أي أسود ؛

وما ذهب إليه المبرد تكلف ، والظاهر مع سيبويه ؛

ومن المسائل المذكورة مسألتان أخريان قبيحتان عند النحاة ، استحسنهما المصنف ، [وهما اللتان اجتمع في كل منهما ضميران](١) ، وهما الحسن وجهه ، وحسن وجهه بنصب المعمول فيهما ، ووجه استقباحهما : أن النصب في معمول الصفة المشبهة ، إذا كان معرفة إنما جاز مع كونه في المعنى فاعلا ، ليبرز في صورة المفعول فلا تستقبح الإضافة إليه ، إذا قصد التخفيف ، وذلك لأن إضافة الصفة إلى مرفوعها قبيحة في الظاهر ، لأن الصفة الرافعة للظاهر ، هي المرفوع بها في المعنى ، كما في قولك : زيد ضارب غلامه عمرا ، فالضارب هو «غلامه» ، فكان كإضافة الشيء إلى نفسه التي هي مستقبحة في المحضة وهي أصل لغير المحضة ، فجعلوا المرفوع في صورة المفعول ، لأن الصفة الناصبة غير المنصوب بها في المعنى ، ألا ترى أن الضارب ، غير عمرو ، في المثال المذكور ، فإذا أضيفت إليه بعد نصبه كانت كإضافة الشيء إلى الأجنبي ، فنصب معمول الصفة ، إذن ، لأجل توطئة الجر ، فلما كان : الحسن وجهه بالجر ممتنعا ، كان القياس امتناع نصبه أيضا ، وكما لم يجز حسن وجهه بالجر إلا في الشعر ، كان القياس امتناع : حسن وجهه بالنصب أيضا ، إلا في الشعر ، إذ هو تمهيد للجر ، وليس مقصودا بذاته ، لكنهم جوّزوهما على قبح في السعة ، أيضا ، ليظهر النصب فيما كان فاعلا ، سواء جازت الإضافة أو ، لا ، غاية الظهور ، فيتبيّن في المجرور أنه كان قبله منصوبا ، قال :

٥٩٦ ـ أنعتها ، إلى من نعّاتها

كوم الذرى وادقة سرّاتها (٢)

ثم اعلم أن أصل هذه المسائل كلها مسألتان : الحسن وجهه ، وحسن وجهه ، برفع

__________________

(١) زيادة في بعض النسخ وفيها توضيح ،

(٢) رواه ابن الأعرابي لبعض بني أسد ، وفي الأصمعيات أنه من رجز لعمر بن لجأ التميمي ، وصف فيه الإبل وصفا شاملا لكل ما فيها ؛

٤٣٨

المعمول فيهما ، فهما حسنتان كثيرتا الاستعمال ، وإنما كانتا أصلين ، لأن الوجه فاعل في المعنى فالأصل ارتفاعه بالصفة ، وإذا ارتفع بها فلا بدّ من الضمير في متعلق الصفة ، إذ ليس في الصفة (١) ؛ ثم ، لكل واحدة منهما فرعان حسنان في القياس كثيرا الاستعمال : الحسن وجها وحسن وجها على التمييز ، والحسن الوجه وحسن الوجه بالجر على الإضافة ؛

أمّا حسن انتصاب المعمولين في القياس فلأنك قصدت المبالغة في وصف الوجه بالحسن ، فنصبت «وجها» على التمييز ، ليحصل له الحسن إجمالا وتفصيلا ويكون أيضا أوقع في النفس للإبهام أوّلا ثم التفسير ثانيا كما مرّ في باب التمييز ، في نحو : تصبّب زيد عرقا ، فحصل التخفيف اللفظي بحذف الضمير واستتاره في الصفة ، والمبالغة المعنوية ؛

وأمّا حسن انجرار الوجه مع اللام فيه ، فلأنّ في : حسن الوجه ، تخفيفين : أحدهما في الصفة والآخر في معمولها وفي : الحسن الوجه تخفيفا واحدا في المعمول ، وفيهما معا تعريف الوجه باللام التي هي أخف من الضمير ، مراعاة لأصله في التعريف وهذه فائدة لفظية ، وأمّا من حيث المعنى ففيهما الإبهام ثم التفسير ، وإن لم يكن الوجه منصوبا على التمييز ، كما في الأوّلين ، والدليل على انتقال الضمير فيهما إلى الصفة ، قولك : هند حسنة الوجه ، والزيدان حسنا الوجهين ، والزيدون حسنو الوجوه ، ولا تأتي هذه العلامات في الصفة ، إلا وفيها ضمائر مستترة ، إلا في الندرة نحو : قام رجل قاعدون غلمانه ؛

وإنما جاز إسناد الصفة إلى ضمير المسبّب بعد إسنادها إلى السبب ، لكونها في اللفظ جارية على المسبّب خبرا أو نعتا أو حالا ، وفي المعنى دالة على صفة له في نفسه ، سواء كانت هي الصفة المذكورة ، كما في زيد حسن الوجه ، فإنه حسن بحسن وجهه ، أو ، لا ، نحو : زيد غليظ الشفتين أي قبيح ،

فإن لم تجر في اللفظ على المسبّب ، نحو : زيد وجهه حسن ، أو جرت لكنها لم تدل على صفة له في ذاته ، لم يجز استكنان الضمير فيها ، فيقبح : زيد أسود فرس غلام الأخ ،

__________________

(١) أي : إذ ليس في الصفة ضمير ، فلا بد أن يكون في متعلقها ؛

٤٣٩

وزيد أبيض الثور ، وزيد أصغر غلاما ، لأنه لا معنى للجميع إلا أنه صاحب سبب متصف بالوصف المذكور ، فيقبح أن يجعل صفة سببه كصفة نفسه فيضمر فيها ضمير نفسه ، إذ لم تدل صفة سببه على صفة نفسه ؛

فإن قيل : أليس تدل الصفة في نحو : زيد أبيض ثوره ، على صفة له في ذاته ، وهي كونه صاحب ثور كذا ؛

قلت : معنى كونه صاحبه ، مفهوم من كون الثور سببا لزيد ، لا من صفة السبب ، وإنما حسن : جبان الكلب ، لأنه كناية عن كرمه ، أي هو كريم ؛

قال :

٥٩٧ ـ الحزن بابا والعقور كلبا (١)

فعليك العبرة بما ذكرت ؛

ومسألة لا قبيحة ولا في غاية الحسن ، وهي حسن وجه بالجر ، إذ كل ما ذكرنا في : حسن الوجه ، حاصل فيها ، إلا مطابقة المعمول لأصله في التعريف ، أعني : وجهه ،

وأربع مسائل قبيحة قبحا لا ينتهي إلى منعها في حال السّعة وتخصيصها بضرورة الشعر ، وهي : الحسن وجه وحسن وجه والحسن الوجه وحسن الوجه ، برفع المعمول في جميعها ، والأوليان أقبح من الأخريين ، لعدم موافقة المعمول فيهما لأصله في التعريف ؛ ووجه قبح الأربع : خلوّ الصفة من عائد إلى الموصوف ، وحذف الجار مع المجرور قليل قبيح ، أي : وجه منه ، والوجه منه ؛ وقال أبو علي : الوجه ، ووجه ، بدلان من الضمير المستكن في الصفة ، قاله في قوله تعالى : (مفتَّحةً لهم الأبواب) (٢) ؛ وهذا غسل الدم بالدم ، (٣) لأن بدل البعض وبدل الاشتمال لا يخلوان من ضمير المبدل منه في الأغلب ؛

__________________

(١) من رجز لرؤبة بن العجاج وقبله :

فذاك وخم لا يبالي السّبّا ... وهو في سيبويه ١ / ١٠٣

(٢) من الآية ٥٠ في سورة ص ،

(٣) رد على ما ذهب إليه الفارسي وهو شبيه بقولهم وقع فيما فرّ منه ؛

٤٤٠