شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

[قال الرضى :]

ترتقي أبنية مصدر الثلاثي إلى اثنين وثلاثين ، في الأغلب ، كما يجيئ في التصريف ، وأمّا في غير الثلاثي ، فيأتي قياسا ، كما تقول مثلا : كل ما ماضيه على أفعل ، فمصدره على إفعال ، وكل ما ماضيه على فعّل فمصدره على تفعيل ، وكل ما ماضيه على فعلل فمصدره على فعللة ؛

ويجوز ، أيضا ، أن يرتكب قياس واحد لجميع الرباعي والمزيد فيه ، (١) وهو أن يقال : ننظر إلى الماضي ونزيد ألفا قبل الآخر ، فإن كان قبل الآخر في الماضي متحركان ، كسرت أولهما فقط ، كما تقول في أفعل : إفعال ، وفي فعلل : فعلال ، وفي فعلى : فعلاء وفي فاعل : فيعال وفي فعّل : فعّال ، وإن كان ثلاث متحركات ، كسرت الأولين ، كانفعال وافتعال واستفعال ، وافعلال وافعيلال ، إذ أصل ماضيها : انفعل ، وافتعل واستفعل ، وافعلل ، وافعالل ؛ وليس هذا بناء على أن المصدر مشتق من الفعل ، بل ذلك لبيان كيفية مجيئ المصدر قياسا لمن اتفق له سبق علم بالفعل ؛

والأشهر في مصدر فعّل ، وفعلل ، وفاعل ، وتفعّل ، خلاف القياس المذكور ، وهو : تفعيل ، وفعللة ومفاعلة ، وتفعّل ، وأمّا فعال في مصدر فاعل كقتال ، فهو مخفّف القياسيّ ، إذ أصله : قيتال ؛ ولم يأت في تفعلل وتفاعل ، وما ألحق بتفعلل ، من تفوعل وتفعيل ، ونحوهما ، إلا خلاف القياس ، كالتفعلل والتفاعل ؛

وتجيئ أحكام هذه المصادر في شرح مقدمة (٢) التصريف ، إن شاء الله تعالى ؛

__________________

(١) أشرنا إلى رأي الرضى هذا في تفسيره للكلام في أول الكتاب ؛

(٢) رسالة الشافية في الصرف لابن الحاجب عرفت باسم المقدمة ؛

٤٠١

[عمل المصدر]

[وما يتعلق به من أحكام]

[قال ابن الحاجب :]

«ويعمل عمل فعله ، ماضيا وغيره ، إذا لم يكن مفعولا»

«مطلقا ولا يتقدم معموله عليه ، ولا يضمر فيه ، ولا يلزم»

«ذكر الفاعل ، وتجوز إضافته إلى الفاعل ، وقد يضاف إلى»

«المفعول ، واعماله باللام قليل ؛ فإن كان مطلقا فالعمل»

«للفعل ، وإن كان بدلا منه فوجهان» ؛

[قال الرضي :]

قوله : «ويعمل عمل فعله ماضيا وغيره» ؛ اعلم أن معنى المصدر عرض ، لا بدّ له في الوجود من محل يقوم به ، وزمان ، ومكان ؛ ولبعض المصادر (١) مما يقع عليه ، وهو المتعدي ، ولبعضها من الآلة ، كالضرب ؛ لكنه وضعه الواضع لذلك الحدث مطلقا من غير نظر إلى ما يحتاج إليه في وجوده ؛

ولا يلزم أن يكون وضع الواضع لكل لفظ ، على أن يلزمه في اللفظ ما يقتضي معنى ذلك اللفظ معناه ؛ ألا ترى أنه وضع الألفاظ الدالة على الأعراض ، كالحركة والسكون ، ولا يلزمها في اللفظ : الألفاظ الدالة على محالّها ، فنقول :

إذا قصد تبيين زمان الحدث الذي هو أحد الأزمنة الثلاثة معيّنا ، مع ذكر بعض ما هو من لوازمه من محلّه الذي يقوم به ، أو زمانه الخاص غير الأزمنة الثلاثة ، أو مكانه ، أو ما وقع عليه : صيغ من هذا المصدر الذي هو موضوع لساذج الحدث ، صيغة : إمّا بمجرّد تغيير حركاته وسكناته ، كضرب في : الضرب ، أو بتغييرهما مع الحذف ، كاستخرج

__________________

(١) يعني ولا بد لبعض المصادر مما يقع عليه ،

٤٠٢

في الاستخراج ، أو بتغييرهما مع الزيادة ، كيضرب واضرب ، في الضرب ، بحيث تدل تلك الصيغة بنفسها على أحد الأزمنة الثلاثة معيّنا ، وتقتضي وجوب ذكر ما قام به الحدث بعدها ، فتسمّى تلك الصيغة فعلا مبنيا للفاعل ويسمّى ما قام به الحدث فاعلا ، أو تقتضي وجوب ذكر أحد لوازمه الأخر ، من الزمان المعيّن ، كاليوم ، والليلة ، والصبح والظهر والمساء ونحو ذلك ، أو المكان ، أو ما وقع عليه ، أو الآلة ، أو غير ذلك ، وعلى الجملة كل ما كان عند المتكلم ، ذكره أهم من باقي لوازمه ، فتسمّى تلك الصيغة فعلا مبنيا للمفعول ، وذلك اللازم المذكور بعدها ، مفعول ما لم يسمّ فاعله ؛

فالمقصود من وضع الفعل ذكر شيئين : أحد أزمنة الحدث الثلاثة معينا ، وبعض لوازمه الأخر ، الأهم عند المتكلم ؛

ولما أمكن التنبيه بالصيغة على أحد الأزمنة ، اكتفى بها ، ولم يمكن التنبيه بها على سائر اللوازم ، في الأغلب ، فجيئ بما كان منها ذكره أهم ، بعدها ، وإنما قلت في الأغلب ، لأنه أمكن في بعضها ذلك ، كأضرب ، ونضرب ، ولكنه لما كان الأغلب : ما لم يمكن فيه ذلك ، استمر هذا المدلول عليه بالصيغة ، أيضا ، بعدها طردا للباب فأضمر «أنا» بعد أضرب ، و «نحن» بعد نضرب ، بدلالة العطف عليهما في : أضرب أنا وزيد ؛

وإنما جعل لما قام به الحدث صيغة مختصة به ، أعني المبني للفاعل ، وللمبني لباقي اللوازم صيغة مشتركة بينها ، اهتماما بمحل الحدث ، فإن الحدث إلى محله أحوج منه إلى غيره ، من سائر اللوازم ، ولهذا كان المبني للفاعل أكثر استعمالا من المبني للمفعول ؛ فرفع كل ما يرفعه الفعل دليل على كون ذكره أهم من بين لوازم الحدث ، سواء تقدم على سائر اللوازم في اللفظ ، نحو : ضرب زيد عمرا يوم الجمعة أمامك بالسوط ، أو تأخر عنها كلها ، أو توسطها ؛ ولو لم يكن الرفع دليلا على هذا لم يكن للرفع وجه إذا تأخر المرفوع عن المنصوب نحو : ضرب عمرا زيد ، وسير يوم الجمعة فرسخان ؛

فظهر أنّ ما قيل : ان تقديم المفعول على الفاعل ، وحده ، أو على الفعل ، يفيد كونه أهمّ ، ليس بشيء ، بل المرفوع أهم على كل حال ، ففائدة تقديم المنصوب على الفاعل وحده : التوسع في الكلام فقط ، وفائدة تقديمه على الفعل ، إمّا تخصيص المفعول بالفعل

٤٠٣

من بين ما يمكن تعلقه به ، كقوله تعالى : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ)(١) ، أي : من دون الأصنام ؛ أو كون تعلق الفعل به أولى منه بسائر ما تعلق به نحو : زيدا ضربت وعمرا وبكرا ؛

فالمرفوع بالفعل ، لما كان ذكره أهمّ ، صار كجزء الفعل ؛ اتصل به ، أو انفصل ؛ فثبت بهذا التطويل أن وضع الفعل على أن يكون مصدره مسندا إلى شيء مذكور بعده لفظا ، بخلاف نفس المصدر ، فإنه ليس موضوعا على أنه منسوب إلى شيء في اللفظ ؛

وإنما وجب ذكر المرفوع بعد الفعل لأنه مقتضاه ، كما مرّ ، والمقتضي مرتبته التقدم على مقتضاه ؛ وكان حقّ الفعل : ألّا يطلب غير المسند إليه ولا يعمل إلا فيه ، لأنه ليس موضوعا لطلبه كالمصدر ، لكنه عمل في غير المسند إليه من المفعولات التي لم تقم مقام الفاعل تبعا لاقتضائه للفاعل وضعا ، وعمله فيه لأنه فتح له باب الطلب والعمل ، فصار الفعل أصلا في العمل في المسند إليه وغيره ، وغير الفعل ، من المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة فروعا (٢) عليه ، وإن دلّ كل واحد منها ، أيضا ، على المصدر ، الذي بسببه كان الفعل يطلب الفاعل والمفعول ويعمل فيهما ، وذلك لأن طلب الفعل للمرفوع وضعي ، وطلبه للمنصوب تابع للوضعي ، كما بيّنا ؛ وأمّا طلب المصدر واسم الفاعل واسم المفعول لهما فليس بوضعي ولا تابع للوضعي ، بل هو عقلي ، وقد طرأ الوضع على العقل وأزال حكمه ، لأن الواضع نظر إلى ماهيّة الحدث لا إلى ما قام به ، فلم يطلب ، إذن ، في نظره ، لا فاعلا ، ولا مفعولا ، وكذا اسم الفاعل ، فإن لفظه في نظره دال على الفاعل، فلا يطلب لفظا آخر دالّا عليه ، وكذا اسم المفعول ، فإنه وضع دالا على المفعول ؛

فكان حق هذه الأشياء ألّا تعمل لا في الفاعل ولا في المفعول ، لكنها شابهت الفعل فعملت عمله ، ومشابهة اسم الفاعل والمفعول أقوى من مشابهة المصدر ، لفظا ومعنى ، كما مرّ في باب الإضافة ، فلزم عملهما في جميع المواضع عمل الفعل ، وشرط فيهما لنصب المفعول دون رفع الفاعل ، كما مرّ في باب الإضافة : الحال والاستقبال ، لتحصل

__________________

(١) من الآية ٦٦ في سورة الزمر ؛

(٢) يعني : وصار غير الفعل ... فروعا عليه ؛

٤٠٤

مع المشابهة اللفظية أعني الموازنة : المشابهة المعنوية أيضا ، وألزما المسند إليه كالفعل ، حوّز الإضمار فيهما كالفعل ، والأصل في إضمار المسند إليه : الفعل ، إذ طلبه له كما؟؟؟ وضعيّ ، فجاز أن يتصل به غاية الاتصال ، وهو إضماره مستترا ؛ ولمّا لم يكن؟؟؟ بها له مشابهة اسمي الفاعل والمفعول ، لا لفظا بالموازنة ، ولا معنى ، لأنه لا يقع موقعه بلا ضميمة ، كما يقع اسم الفاعل والمفعول بل يحتاج إلى تقدير «أن» (١) ، لم يلازم عمل الفعل (٢) ، ولا يلزم مجيئ المسند إليه بعده ، ولا جوّز الإضمار فيه وأمّا اشتراط الحال أو الاستقبال في نصب اسم الفاعل والمفعول دون نصب المصدر ، فلما مرّ في باب الإضافة ؛

فإن قلت : فإذا كانت مشابهته للفعل ناقصة لفظا ومعنى ، كان حقه ألّا يعمل ، قلت : إلا أنه لما كان بنفسه يطلب الفاعل والمفعول عقلا ، فبأدنى مشابهة لطالبهما وضعا ، أعني الفعل ، يتحرّك ذلك الوجد الكامن ، فجاز أن يطلبهما ويعمل فيهما ، وإن لم يكن ذلك الطلب لازما ، كما في اسمي الفاعل والمفعول ، ولا ذاك العمل ، واسم الفاعل والمفعول يطلبانهما لتضمنها المصدر ، فطلب المصدر عقلا ، أقوى من طلبهما ، وقد مرّ شطر صالح من هذا ، في باب الإضافة ، فليرجع إليه ؛

وأيضا ، لو ألزم المصدر ذكر المسند إليه بعده ، وأحد الأزمنة الثلاثة ، صار اشتقاق الفعل منه عبثا ، لأنا ذكرنا أن وضع الفعل ، لبيان أحد الأزمنة ، مع ذكر المسند إليه ؛

واعلم أن المصدر إنما يشابه الفعل إذا كان بتقدير حرف المصدر والفعل ، وذلك إذا لم يكن مفعولا مطلقا ، وذلك لأنه لا يصح ، إذن (٣) ، تقديره بأن والفعل ، إذ ليس معنى ضربت ضربا أو ضربة أو ضربا شديدا : ضربت أن ضربت ؛ وأمّا قولك ضربته ضرب الأمير اللصّ ، فالمصدر العامل ليس مفعولا مطلقا في الحقيقة ، بل المفعول المطلق محذوف تقديره : ضربا مثل ضرب الأمير اللصّ ؛

__________________

(١) اشارة إلى ما اشترطوه لإعمال المصدر من أنه لا بد أن يصح حلول فعل مقرون بأن محله ؛

(٢) هذه الجملة جواب قوله : ولما لم يكن المصدر مشابها .. الخ ؛

(٣) يعني حين يكون مفعولا مطلقا ؛

٤٠٥

وتقديرهم للمصدر بأن والفعل لا يتم إلا إذا كان بمعنى الحال ، لأنّ «أن» إذا دخلت على المضارع خلصته للاستقبال ، بخلاف ما إذا دخلت على الماضي فإنه يبقى معها على معنى المضي ، لكنهم قدّروه بأن دون «ما» و «كي» ، وإن كان في الحال أيضا ، نحو : ضربك الآن زيدا : شديد ، لكونها أشهر وأكثر استعمالا فيهما ،

ولتقديرهم له بأن والفعل ، وهم بعضهم وظنّ أنه لا يعمل حالا ، لتعذر تقديره ، إذن ، بأن ؛

قوله : «ولا يتقدم معموله» ، قيل : لأنه عند العمل مؤوّل بحرف مصدري مع الفعل ، والحرف المصدري موصول ، ومعمول المصدر في الحقيقة : معمول الفعل الذي هو صلة الحرف ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول ، كما مرّ في باب الموصولات ؛ قالوا وكذا لا يجوز الفصل بينه وبين معموله بأجنبي ، نحو : أعجبني ضربك اليوم أمس زيدا ، على أن أمس ظرف لأعجبني ، لأن الفصل بين بعض الصلة وبعضها ، لا يجوز ، فقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً)(١) ، بمعنى : صوموا أياما ؛ وكذا لا يجوز حذف المصدر وإبقاء معموله ، لأنه يكون كحذف الموصول مع بعض الصلة وإبقاء البعض ، إلّا أن يدل دليل قوي عليه فيكون كالمذكور ، كما مرّ في المفعول معه ؛ هذا ما قالوا ؛

وأنا لا أرى منعا من تقدم معموله عليه إذا كان ظرفا أو شبهه ، نحو قولك : اللهم ارزقني من عدوّك البراءة ، وإليك الفرار ، قال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ)(٢) ، وقال : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)(٣) ، وفي نهج البلاغة : «وقلّت عنكم نبوته» (٤) ، ومثله في كلامهم كثير ، وتقدير الفعل في مثله تكلف ، وليس كل مؤوّل بشيء : حكمه حكم ما أوّل به ، فلا منع من تأويله بالحرف المصدري من جهة المعنى ، مع أنه لا يلزمه أحكامه ؛

__________________

(١) من الآيتين ١٨٣ ، ١٨٤ في سورة البقرة ؛

(٢) الآية ٢ من سورة النور

(٣) من الآية ١٠٢ في سورة الصافات ؛

(٤) من خطبة للامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ وفيها يتحدث عن الموت فيقول : وقد أعلقتكم حبائله ... وعظمت فيكم سطوته وتتابعت عليكم عدوته وقلت عنكم نبوته ؛ ص ٢٧٨ من نهج البلاغة طبعة دار الشعب

٤٠٦

بلى ، لا يتقدم عليه المفعول الصريح لضعف عمله ، والظرف وأخوه ، يكفيهما رائحة الفعل ، حتى إنه يعمل فيهما ما هو في غاية البعد من العمل ، كحرف النفي في قوله تعالى : (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)(١) ؛ فقوله بنعمة ربك ، متعلق بمعنى النفي أي : انتفى بنعمة الله وبحمده عنك الجنون ، ولا معنى لتعلقه بمجنون ، وكذا تقول : لم أقم لك لما سلّمت لأهينك بترك قيامي ، فاللام متعلقة بالنفي لا بالقيام ،

وكذا يعمل فيهما الضمير ، كما في قوله :

٥٨١ ـ وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجّم (٢)

أي ما حديثي عنها ؛ وكذا يجوز أن يكون العامل في الظرف ، أعني يومئذ ، في قوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ)(٣) ؛ اسم الإشارة ، لأن المراد به : النقر (٤) ؛ ويجوز ، أيضا ، الفصل بينه وبين معموله بأجنبي ، على هذا ، فلا يقدّر الفعل لقوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)(٥) ، وكذا يجوز إعماله مضمرا مع قيام الدليل عليه ؛

قوله : «ولا يضمر فيه» ، يعني كما يضمر في الصفة ، وقد ذكرناه ، وقد علّل المصنف ترك الاضمار في المصدر بوجه قريب ، وهو أنه لو أضمر المفرد ، لأضمر المثنى والمجموع أيضا ، ولو أضمر فيه المثنى والمجموع لجمع له المصدر وثنيّ ، وإلّا التبست ضمائر المثنى والمجموع والمفرد بعضها ببعض ، ولو ثنّي المصدر وجمع باعتبار الفاعل ، وهو مستحق لذلك باعتبار مدلوله ، لم يخل أن يؤتى فيه بعلامتي التثنية وعلامتي الجمع وهو مستثقل ، أو تحذف إحداهما ، وهو مؤدّ إلى اللبس ، ولا يلزم ذلك في اسم الفاعل والمفعول وغيرهما ، إذ ما يقع عليه اسم الفاعل هو ما يقع عليه مرفوعه ، وكذا اسم المفعول والصفة

__________________

(١) الآية ٣ في سورة القلم ،

(٢) من معلقة زهير بن أبي سلمى يحرض قومه وحلفاءهم على الصلح ويحذرهم من معاودة الحرب التي ذاقوا ويلاتها وهو يقول لهم ان حديثي عن الحرب ليس من قبيل الرجم بالظن بل هو شيء ذقتموه وجربتموه وأدركتم ما تجر عليكم من خراب ودمار ،

(٣) الآية ٩ سورة المدثر ،

(٤) النقر المستفاد من الآية التي قبلها : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) ،

(٥) الآية المتقدمة من سورة البقرة ؛

٤٠٧

المشبهة ، فتثنية أحدهما وجمعه : تثنية الآخر وجمعه ؛

ولقائل أن يقول : يجوز أن يتحمّل ضمير المثنى والمجموع ولا يثنى ولا يجمع كاسم الفعل والظرف ؛

قوله : «ولا يلزم ذكر الفاعل» ، قد تقدم علّته ؛ قال المصنف : إنما ذلك ، لأن التزامه كان يؤدي إلى الإضمار فيه إذا كان لغائب متقدم ذكره ، قياسا على الفعل ، واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ؛

ولقائل أن يمنع القياس ، لأداء القياس إلى الإضمار الممتنع على زعمه ، بخلاف الفعل وغيره ؛

قوله : «ويجوز إضافته إلى الفاعل» ، وهو الأكثر ، لأنه محلّه الذي يقوم به ، فجعله معه كلفظ واحد بإضافته إليه ، أولى من رفعه له ؛ ومن جعله مع مفعوله كلفظ واحد ، وأيضا ، طلبه للفاعل شديد من حيث العقل ، لأنه محله الذي يقوم به ، وعمله ضعيف لضعف مشابهته للفعل ، فلم يبق إلّا الإضافة ؛

قالوا : والإضافة إلى الفاعل جائزة في المصدر دون اسم الفاعل ، وسيجيئ الكلام فيه ، في اسم الفاعل ؛

وليس أقوى أقسام المصدر في العمل : المنون ، كما قيل ، بل الأقوى : ما أضيف إلى الفاعل ، لكون الفاعل ، إذن ، كالجزء من المصدر ، كما يكون في الفعل ، فيكون عند ذلك أشدّ شبها بالفعل ؛

وإنما يضاف إلى المفعول إذا قامت القرينة على كونه مفعولا ، إمّا بمجيئ تابع له منصوب حملا على المحل ، نحو : أعجبني ضرب زيد الكريم ، أو بمجيئ الفاعل بعده صريحا ، كقوله :

٤٠٨

٥٨٢ ـ أمن رسم دار مربع ومصيف

لعينيك من ماء الشئون وكيف (١)

أو بقرينة معنوية نحو : أعجبني أكل الخبز ؛

ويجوز أن يؤوّل بفعل مبني للمفعول فيرفع المفعول وذلك مع القرينة المعنوية ، نحو أعجبني أكل خبز ، أي أن أكل خبز ، فتجوز الإضافة إليه مع القرينة الدالة على كون المضاف إليه مرفوع المحل ، كما تجيئ للمجرور بتابع مرفوع ، نحو يعجبني أكل الخبز النقيّ ؛ وإذا أضيف إلى الظرف جاز أن يعمل فيما بعده ، رفعا ونصبا ، نحو عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا ؛

قوله : «وإعماله باللام قليل» ، إنما قلّ لتعذر دخول اللام على ما يقدّر المصدر العامل به وهو الحرف المصدري ، وليس كذا : اللام التي في اسمي الفاعل والمفعول ، لأنها موصولة داخلة على الفعل ، وأمّا اللام التي في الصفة المشبهة ، فلم تضعف بها ، لأن عملها لمشابهة اسم الفاعل ، كما يجيئ ، لا لمشابهة الفعل ، قيل : ولم يأت في القرآن شيء من المصادر المعرّفة باللام عاملا في فاعل أو مفعول صريح ؛ بلى قد جاء معدّى بحرف الجر ، نحو قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ [إِلَّا مَنْ ظُلِمَ])(٢) ؛ ويجوز أن يقال : ان من ظلم فاعل المصدر ، أي أن يجهر ، على البناء للفاعل ، والإستثناء متصل ، ويجوز أن يقال : ان التقدير أن يجهر على البناء للمفعول فيكون الإستثناء منقطعا ، ويجوز أن يقال هو متصل ، والمضاف محذوف أي الا جهر من ظلم ؛

وسيبويه (٣) والخليل جوّزا اعمال المصدر المعرف باللام مطلقا نحو قوله :

__________________

(١) الشاهد : ان قوله مربع ومصيف ، فاعل للمصدر المضاف إلى مفعوله وهو رسم لأن المطر المراد من قوله مربع ومصيف ، رسم الدار أي صيرّها رسما ؛ والوكيف مصدر وكف والشئون مجاري الدمع ، والبيت مطلع قصيدة للحطيئة في مدح سعيد بن العاص والي الكوفة من قبل عثمان بن عفان ، يقول فيها :

اليك سعيد الخير جبت مهامها

يقابلني آل بها وتنوف

الآل : السراب ، والتنوف اسم جنس جمعى واحده تنوفة وهي الفلاة الواسعة ؛

(٢) الآية ١٤٨ سورة النساء ؛

(٣) سيبويه ج ١ ص ٩٩ وفيه الشاهد الآتي

٤٠٩

٥٨٣ ـ ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل (١)

وقوله :

٥٨٤ ـ لقد علمت أولى المغيرة أنني

كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا (٢)

فينبغي ، على هذا ، أن يجوز : عجبت من الضربك زيدا على أن الكاف مفعول ؛

والمبرد منعه ، قال : لاستفحال (٣) الاسمية فيه ، وقال في قوله : أعداءه ، (٤) أي : في أعدائه ، قال : أو يكون منصوبا بمصدر منكر مقدر ، أي ضعيف النكاية نكاية اعداءه ، فيضمر المصدر لقوة القرينة الدالة عليه ؛

قوله : «وإن كان مطلقا» ، أي مفعولا مطلقا ، فالعمل للفعل ؛ إنما كان العمل للفعل المقدر لما ذكرناه من تعذر تقدير المفعول المطلق بأن مع الفعل ، سواء كان الفعل ظاهرا ، أو مضمرا جائز الإظهار ، وأمّا إن كان واجب الإضمار ، فيجيئ الكلام عليه ، وهو قوله : «وإن كان بدلا منه فوجهان» ؛

اعلم أن المفعول المطلق لا يكون بدلا من الفعل حقيقة ، إذ لو كان (٥) ، لم يقدّر الفعل قبله ، كما مرّ في باب المفعول المطلق فلم ينتصب ، بلى ، يكون بدلا من الفعل إذا صار اسم فعل كما مرّ ؛ (٦) وإنما يقال له بدل من الفعل مجازا ، إذا لم يجز إظهار الفعل مكانه ، فكأنه بدل منه لمّا لم يجز أن يجمع بينه وبين الفعل لفظا ، كما لا يجمع بين البدل والمبدل منه ؛ فإذا حذفت الفعل حذفا لازما ، فعند سيبويه : الناصب هو المصدر لكونه كالقائم

__________________

(١) قال البغدادي إنه من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها قائل ؛

(٢) من قصيدة لمالك بن زغبة الباهلي ، شاعر جاهلي ، وهو في سيبويه ١ / ٩٩ ، وهي في وصف وقعة أصيب فيها مسمع بن شيبان من بني قيس ، وقوله أولى المغيرة ، أي الأولون من الطائفة المغيرة علينا وبعد هذا البيت ؛

ولو أن رمحي لم يخنّي انكساره

لغادرت طيرا تقتفيه وأضبعا

(٣) يعني لقوتها بدخول أل ، وبعده عن شبه الفعل ؛

(٤) في البيت السابق : ضعيف النكاية ..

(٥) أي إذ لو كان بدلا ،

(٦) بيّن الشارح في أسماء الأفعال أن كثيرا منها أصله المصدر ،

٤١٠

مقام الفعل ، نحو : ضربك زيدا ، أي اضرب زيدا ضربا ، فالمصدر عمل في المفعول لكونه كالفعل ، لا لتأويله بأن والفعل ؛ ودليل كونه كالفعل : امتناع استعمال الفعل معه ، وذلك بإضافته إلى الفاعل ، كما ذكرنا في المفعول المطلق ؛ (١)

وقال السيرافي : بل العامل هو ذاك المقدر ، فعلى مذهبهما يجوز تقديم المنصوب على المصدر ، لأنه إمّا عامل لا بتقدير «أن» وهو المانع من تقديم المعمول ؛ وإمّا غير عامل ؛

قال المصنف : وإن لم يكن حذف الفعل حذفا لازما ، كما في : ضربا زيدا ، إذ يجوز : اضرب ضربا زيدا ، فالعمل للفعل لا للمصدر ؛ والظاهر من كلام النحاة أن المفعول المطلق المحذوف فعله ، لازما كان الحذف أو جائزا ؛ فيه خلاف ، هل هو العامل ، أو الفعل هو العامل ؛ والأولى أن يقال : العمل للفعل على كل حال ، إذ المصدر ليس بقائم مقامه حقيقة ، بل هو كالقائم مقامه ، كما ذكرنا ،

والتصغير يمنع المصدر من العمل ، كما يمنع اسم الفاعل والمفعول ، لضعف معنى الفعل بسبب التصغير الذي لا يدخل الأفعال ، ومن ثمة يمنع الوصف ثلاثتها من العمل ؛

ويجوز حمل توابع ما أضيف إليه المصدر على اللفظ ، وهو الأرجح لقصد المشاكلة في ظاهر الإعراب ، وإنما يصار إلى المحلّ ، إذا تعذّر الحمل على اللفظ الظاهر ، كما مرّ في باب الاستثناء ، وتحمل التوابع على محل المجرور أيضا ، خلافا للجرميّ ، (٢) في الصفة ، قال : لأن الصفة هي الموصوف في المعنى ، والعامل فيهما واحد ،

قال ابن جعفر (٣) : هذه العلة موجودة في التأكيد ، وعطف البيان أيضا ، بخلاف البدل ، فإنه جملة أخرى ، والعامل فيه غير العامل في الأول عنده ، وكذا في عطف النسق ؛

قال الأندلسيّ (٤) : الظاهر من كلام سيبويه منع الحمل على موضع المجرور باسم الفاعل

__________________

(١) هذا مذكور بتفصيل واسع في باب المفعول المطلق في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٢) صالح بن إسحاق الجرمي ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ،

(٣) ابن جعفر : محمد بن جعفر الأنصاري تقدم ذكره في هذا الجزء وفيما قبله ؛

(٤) القاسم بن أحمد تكرر ذكره في هذا الجزء وما قبله ؛

٤١١

وبالصفة المشبهة وبالمصدر ؛ فإن جاء ما يوهم الحمل على المحل ، أضمروا له ناصبا ، أو رافعا ، إمّا فعلا ، أو منونا من جنس ذلك المضاف ؛

ويجوز مثل هذا الإضمار لقوة القرينة الدالة ؛ وهذا الذي ذكره سيبويه : هو الحق ، لأنه إنما يترك الظاهر إلى المقدر ، إذا كان المقدر أقوى من الظاهر ، من حيث كونه إعرابا والظاهر حركة بناء ، كما في : يا زيد الظريف ، أو إذا تعذر الحمل على الظاهر ، كما مرّ ؛ فقوله :

حتى تهجّر في الرواح وهاجه

طلب المعقب حقّه المظلوم (١) ـ ١١٨

إنما ارتفع «المظلوم» فيه لكونه فاعل «حقّه» ، أي غلبه المظلوم بالحق ؛

ويعمل اسم المصدر عمل المصدر ، وهو شيئان : أحدهما : ما دلّ على معنى المصدر مزيدا في أوله ميم، كالمقتل والمستخرج، والثاني : اسم العين مستعملا بمعنى المصدر ، كقوله :

٥٨٥ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عني

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢)

أي إعطائك ؛ والعطاء في الأصل : اسم لما يعطى ؛

ويستعمل المصدر بمعنى اسم الفاعل ، نحو : ماء غور ، أي غائر ، وبمعنى اسم المفعول ، كقوله :

دار لسعدى اذه من هواكا (٣) ـ ٨٢

فيستوي فيه المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع ، اعتبارا للأصل ، ويجوز تثنيته وجمعه أيضا ؛ ويجوز أن يكونا محذوفي المضاف ، أي ماء ذو غور ، ومن ذوات هواك ؛ وفي التقدير الأول مبالغة ، كأن ذا لحدث (٤) تجسّم من الحدث ، لكمال اتصافه به ؛

__________________

(١) من شعر لبيد وتقدم في الجزء الأول ،

(٢) من قصيدة للقطامي في مدح زفر بن الحارث الكلابي الذي حماه من القتل في معركة بين قيس وتغلب فأراد قوم من بني قيس قتله بعد أن أسره زفر ، فحال زفر بينهم وبينه ومنّ عليه وأعطاه مائة من الإبل ؛ ولذلك يقول القطامي في هذه القصيدة :

فلو بيدي سواك غداة زلّت

بي القدمان لم أرج اطّلاعا

لم أرج اطلاعا ، أي نجاة ، والرتاع صفة للمائة المراد بها النوق والرتاع جمع راتعة ،

(٣) تقدم ذكره في الجزء الأول ؛

(٤) أي صاحب الحدث

٤١٢

[اسم الفاعل]

[تعريفه ، وصيغه المختلفة]

[قال ابن الحاجب :]

«اسم الفاعل : ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث»

«وصيغته من الثلاثي المجرّد على فاعل ، ومن غير الثلاثي على»

«صيغة المضارع بميم مضمومة وكسر ما قبل الآخر» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «ما اشتق من فعل» أي مصدر ، وذلك على ما تقدم ، أن سيبويه سمّى المصدر : فعلا ، وحدثا ، وحدثانا ، والدليل على أنه لم يرد بالفعل نحو ضرب ويضرب ، وإن كان مذهب السيرافي أن اسم الفاعل واسم المفعول مشتقان من الفعل والفعل مشتق من المصدر : أن (١) الضمير في قوله : لمن قام به ، راجع إلى الفعل ، والقائم هو المصدر والحدث ؛

قوله : «لمن قام به» ، الأولى أن يقول : لما قام به ، وذلك لما ذكرناه ، أن المجهول أمره يذكر بلفظة «ما» ، ولعله قصد التغليب ؛ (٢)

ويخرج بقوله : لمن قام به : اسم المفعول والآلة ، والموضع ، والزمان ، ويدخل فيه : الصفة المشبهة ؛ ولا يشمل جميع أسماء الفاعلين ، نحو : زيد مقابل عمرو ، وأنا مقترب من فلان ، ومبتعد عنه ، ومجتمع معه ، فإن هذه الأحداث نسبة بين الفاعل والمفعول ، لا تقوم بأحدهما معيّنا دون الآخر ؛

__________________

(١) خير قوله : والدليل ..

(٢) يعني تغليب المعلوم على المجهول ؛ فعبر عن الجميع بما هو للمعلوم ؛

٤١٣

قوله : «بمعنى الحدوث» يخرج الصفة المشبهة ، لأن وضعها على الإطلاق ، لا الحدوث ولا الاستمرار ، وإن قصد بها الحدوث ، ردّت إلى صيغة اسم الفاعل ، فتقول في حسن : حاسن الآن أو غدا ، قال تعالى في ضيّق : لما قصد به الحدوث : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)(١) ؛ وهذا مطرد في كل صفة مشبهة ، ويخرج بهذا القيد ، أيضا ، ما هو على وزن الفاعل إذا لم يكن بمعنى الحدوث ، نحو : فرس ضامر ، وشازب ، ومقوّر ؛ (٢) وعذره أن يقال : إن قصد الاستمرار فيها عارض ، ووضعها على الحدوث ، كما في قولك : الله عالم ، وكائن أبدا ، وزيد صائم النهار وقائم الليل ؛

قوله : «الثلاثي المجرد» ، أي غير المزيد فيه نحو : أخرج واستخرج ، قال المصنف : وبه سمّى ، أي بلفظ الفاعل الذي هو وزن اسم الفاعل الثلاثي ، لكثرة الثلاثي فجعلوا أصل الباب له ، فلم يقولوا : اسم المفعل ولا المستفعل ، وفيما قال نظر ، لأنه ليس القصد بقولهم : اسم الفاعل : اسم الصيغة الآتية على وزن اسم الفاعل ، ولا المستفعل ، بل المراد : اسم ما فعل الشيء ؛

ولم يأت المفعل والمنفعل والمتفعّل بمعنى الذي فعل الشيء حتى يقال : اسم المفعل ، بلى ، لو قال انهم اطلقوا اسم الفاعل على من لم يفعل الفعل كالمنكسر والمتدحرج ، والجاهل ، والضامر ، لأن الأغلب فيما بنى له هذه الصيغة ، أن يفعل فعلا كالقائم والقاعد ، والمخرج والمستخرج ، لكان (٣) شيئا ؛

قوله : «ومن غير الثلاثي» ، يشمل الثلاثي ذا الزيادة ، والرباعي المجرّد والملحق بالرباعي ومتشعبه (٤) الرباعي ، يكون الجميع بوزن مضارعه المبني للفاعل ، بميم مضمومة في موضع حرف المضارعة ، وكسر ما قبل الآخر ، وإن لم يكن في المضارع مكسورا : كمتدحرج ومتضارب ؛ وربّما كسر ميم مفعل اتباعا للعين ، أو تضمّ عينه اتباعا للميم ،

__________________

(١) الآية ١٢ من سورة هود ،

(٢) شازب ومقوّر ، كلاهما بمعنى ضامر ؛

(٣) جواب قوله : بلى لو قال انهم .. الخ ،

(٤) أي الأوزان المتفرعة عنه ؛

٤١٤

قالوا في منتن : منتن ومنتن ؛ وربّما استغنى عن مفعل بفاعل ، نحو : أعشب فهو عاشب ، وأورس فهو وارس (١) ، وأيفع فهو يافع ، ومنه قوله تعالى : (وأرسلنا الرياح لواقح) (٢) ؛ على بعض التأويلات ؛ (٣)

وقد استغني عن مفعل بكسر العين بمفعل بفتحها في نحو : أسهب فهو مسهب وأحصن فهو محصن ، وألفج ، أي أفلس ، فهو ملفج ؛

قالوا : وقد جاء فاعل بمعنى مفعول نحو : ماء دافق أي ماء مدفوق ، وعيشة راضية أي مرضية ؛ والأولى أن يكونا على النسب ، كنابل وناشب ، إذ لا يلزم أن يكون فاعل الذي بمعنى النسب مما لا فعل له ، كنابل ، بل يجوز أيضا كونه مما جاء منه الفعل ، فيشترك النسب واسم الفاعل في اللفظ ؛ (٤)

وكذا قيل : يكون اسم الفاعل بوزن المفعول ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا)(٥) أي آتيا ، والأولى أنه من أتيت الأمر أي فعلته ، فالمعنى : أنه كان وعده مفعولا ، كما في الآية الأخرى ؛

[عمل اسم الفاعل]

[وشرطه]

[قال ابن الحاجب :]

«ويعمل عمل فعله بشرط معنى الحال أو الاستقبال ،»

«والاعتماد على صاحبه ، أو الهمزة ، أو ، ما ؛ فإن كان»

__________________

(١) أورس المكان اصفرّ ورقه فصار كأن عليه ملاءة صفراء ؛

(٢) الآية ٢٢ سورة الحجر ؛

(٣) وهو أنه جمع ملقحة ، وقبل انه جمع لاقحة ، يقال لقحت الناقة فهي لاقح إذا طلبت اللقاح وتهيأت له ، وهو في الأصل من صفات الإبل شبهت بها الرياح التي تحمل الخير والمطر ؛

(٤) ويفرق بينهما بالقرائن اللفظية أو المعنوية ؛

(٥) الآية ٦١ سورة مريم ؛

٤١٥

«للماضي ، وجبت الإضافة معنى ، خلافا للكسائي ، وإن»

«كان معمول آخر فبفعل مقدّر ، نحو زيد معطي عمرو»

«درهما أمس ، فإن دخلت اللام مثل مررت بالضارب أبوه»

«زيدا أمس ، استوى الجميع» ؛

[قال الرضى :]

إنما اشترط فيه الحال أو الاستقبال للعمل في المفعول ، لا في الفاعل ، كما ذكرنا في باب الإضافة ، أنه لا يحتاج في الرفع إلى شرط زمان ، وإنما اشترط أحد الزمانين لتتم مشابهته للفعل لفظا ومعنى ، لأنه إذا كان بمعنى الماضي شابهه معنى لا لفظا ، لأنه لا يوازنه مستمرا ، وقد ذكرنا في باب الإضافة أنه لا يحتاج للرفع إلى شرط زمان ، وقد ذكرنا هناك كثيرا من أحكامه المحتاج إليها ههنا فليرجع إليه ؛

قوله : «والاعتماد على صاحبه» ، اعلم أن اسمي الفاعل والمفعول ، مع مشابهتهما للفعل لفظا ومعنى ، لا يجوز أن يعملا في الفاعل والمفعول ابتداء كالفعل ، لأن طلبهما لهما ، والعمل فيهما ، على خلاف وضعهما ، لأنهما وضعا ، على ما ذكرنا ، للذات المتصفة بالمصدر ، إمّا قائما بها كما في اسم الفاعل ، أو واقعا عليها ، كما في اسم المفعول ، والذات التي حالها كذا ، لا تقتضي لا فاعلا ، ولا مفعولا ، فاشترط للعمل : إمّا تقوّيهما بذكر ما وضعا محتاجين إليه ، وهو ما يخصصهما ، كرجل ضارب أو مضروب ، بخلاف الآلة والموضع والزمان ، كالمضرب والمضرب فإنها وضعت للذات المبهمة المتصفة بحدثها غير المختصة بما بعينها قبل ؛ وإمّا وقوعهما بعد حرف هو بالفعل أولى كحرفي الاستفهام والنفي ؛

ويعني بصاحبه : المبتدأ إمّا في الحال ، نحو : زيد ضارب أخواه ، أو في الأصل ، نحو : كان زيد ضاربا أخواه ، وظننتك ضاربا أخواك ، وإن زيدا ذاهب غلاماه ؛ والموصوف نحو : جاءني رجل ضارب زيدا ؛ وذا الحال نحو : جاءني زيد راكبا جملا ؛

قال المصنف : إنما اشترط الاعتماد على صاحبه لأنه في أصل الوضع ، وصف ، فإذا أظهرت صاحبه قبله تقوّى واستظهر به لبقائه على أصل وضعه فيقدر حينئذ على العمل ؛

٤١٦

وقال ابن مالك (١) : وهو حال كونه خبرا للمبتدأ ، أو حالا أيضا ، معتمد على الموصوف ، لكنه مقدّر ، وفيه تكلف ، ولا سيّما في الحال فإن مجيئ الحال جامدا موصوفا بالمشتق كقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)(٢) ، قليل ، وهو الذي يسمّى بالحال الموطئة ؛

قوله : «أو الهمزة أو ، ما» ؛ هذا هو الثاني ؛ والأولى ، كما قال الجزولي (٣) حرف الاستفهام أو حرف النفي ، ليشمل نحو : هل ضارب الزيدان ، ولا ضارب أخواك ، ولا مضروب أبواك ، ولا ضاربا زيدا ، (٤) وإن قائم أبواك ؛

وقد يكون النفي غير ظاهر ، بل هو مؤوّل به ، نحو : إنما قائم الزيدان ، أي : ما قائم إلا الزيدان ، ويقدر الاستفهام أيضا ، نحو : قائم الزيدان أم قاعدان ،

والأخفش يجوّز عمله من غير اعتماد على شيء من الأشياء المذكورة ، نحو قائم الزيدان ، كما مرّ في باب المبتدأ ؛

قوله : «وإن كان للماضي ، وجبت الإضافة معنى» ، يعني يجب أن يضاف إلى ما يجيئ بعده مما يكون في المعنى مفعولا ، نحو : ضارب زيد أمس ، وتكون إضافته معنوية ، هذا إن جاء بعده ذلك ، وإلا جاز ألّا يضاف ، نحو : هذا ضارب أمس ، ويرفع مع كونه ماضيا كما تكرّر ذكره ، ولا ينصب إلا الظرف أو الجار والمجرور ، نحو : زيد ضارب أمس بالسوط ، لأنه يكفيهما رائحة الفعل فيعمل فيهما اتفاقا ؛

وأجاز الكسائي أن يعمل بمعنى الماضي مطلقا ، كما يعمل بمعنى الحال والاستقبال سواء ، (٥) وتمسّك بجواز نحو : زيد معطي عمرو أمس درهما ، وظانّ زيد أمس كريما ،

__________________

(١) الامام جمال الدين بن مالك صاحب التسهيل والألفية والرضى ينقل عنه كثيرا ، وهو يكاد يكون معاصرا له ، وتقدم ذكره في هذا الجزء وفي الجزأين قبله ؛

(٢) الآية ٢ سورة يوسف.

(٣) تقدم ذكره في هذا الجزء واللذين قبله ؛

(٤) المراد بهذا المثال : الشبيه بالمضاف المسبوق بلا النافية للجنس ؛ والشارح يريد تعداد الأمثلة للنفي ؛

(٥) تقديره : الأمران سواء ؛

٤١٧

قال تعالى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً)(١) ، قال السيرافي : إن الأجود ههنا أن يقال : إنما نصب اسم الفاعل ، المفعول الثاني ضرورة حيث لم يمكن الإضافة إليه ، لأنه أضيف إلى المفعول الأول ، فاكتفى في الإعمال بما في اسم الفاعل بمعنى الماضي من معنى الفعل ، قال : ولا يجوز الإعمال من دون مثل هذه الضرورة ، ولهذا لم يوجد عاملا فى المفعول الأول في موضع من المواضع مع كثرة دوره في الكلام ؛

وقال أبو علي ، وجماعة معه : بل هو منصوب بفعل مدلول عليه باسم الفاعل كأنه لمّا قال : معطى زيد ، قيل : وما أعطي؟ قال : درهما أي أعطاه درهما ؛ كقوله في الفاعل :

ليبك يزيد ضارع لخصومة (٢) ـ ٤٥

فيتخلّص بهذا التأويل من الاضطرار إلى إعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي ؛

قال الأندلسيّ ردّا على الفارسيّ : لا يستقيم ذلك في مثل : هذا ظانّ زيد أمس قائما ، للزوم حذف أحد مفعولي ظانّ ؛ وللفارسيّ أن يرتكب (٣) جواز ذلك مع القرينة ، وإن كان قليلا ، كما يجيئ في أفعال القلوب ؛

ويضعف مذهب السيرافي قولهم : هذا ضارب زيد أمس وعمرا ، إذ لا اضطرار ههنا إلى نصب عمرا ، لأن حمل التابع على إعراب المتبوع الظاهر أولى ؛

ولا استدلال للكسائي في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ)(٤) ؛ لأنه حكاية الحال الماضية ؛ قال الأندلسي : معنى حكاية الحال أن تقدر نفسك ، كأنك موجود في ذلك الزمان ، أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن ، ولا يريدون به أن اللفظ الذي في ذلك الزمان محكيّ الآن على ما تلفظ به كما في قوله : دعنا من تمرتان ، بل المقصود بحكاية الحال : حكاية المعاني الكائنة حينئذ ، لا الألفاظ ؛

__________________

(١) من الآية ٩٦ سورة الأنعام ،

(٢) تقدم في باب الفاعل

(٣) هذا دفاع عن رأي أبي علي الفارسي

(٤) من الآية ١٨ سورة الكهف.

٤١٨

قال جار الله (١) ، ونعم ما قال : معنى حكاية الحال : أن يقدّر أن ذلك الفعل الماضي واقع في حال التكلم ، كما في قوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ)(٢) ؛ وإنما يفعل هذا في الفعل الماضي المستغرب ، كأنك تحضره للمخاطب وتصوّره له ليتعجب منه ، تقول : رأيت الأسد ، فآخذ السيف فأقتله ؛

فإذا تقرّر أنه لا يعمل بمعنى الماضي ثبت أن إضافته معنوية ، يتعرّف إذا أضيف إلى المعرفة ، نحو : مررت بزيد ضاربك أمس ، وأمّا اسم الفاعل بمعنى الاستمرار فقد تقدم شرحه في باب الإضافة (٣) ؛

قوله : «فإن دخل اللام استوى الجميع» ، أي عمل بمعنى الماضي والحال والاستقبال.

وقال أبو علي ، في كتاب الشعر ، والرماني (٤) : إن اسم الفاعل ذا اللام لا يعمل إلا إذا كان ماضيا ، نحو : الضارب زيدا أمس : عمرو ، ولم يوجد في كلامهم عاملا إلّا ومعناه المعنيّ ، ولعلّ ذلك لأن المجرّد من اللام ، لم يكن يعمل بمعنى الماضي ، فتوسّل إلى إعماله بمعناه ، باللام ، وإن لم يكن مع اللام اسم فاعل حقيقة ، بل هو فعل في صورة الاسم كما قد تكرّر ذكره ؛ ونقل ابن الدّهان (٥) ذلك أيضا ، عن سيبويه ، ولم يصرّح سيبويه بذلك ، بل قال : الضارب زيدا ، بمعنى ضرب ، ويحتمل تفسيره بذلك أي أنه إذا عمل بمعنى الماضي فالأولى جواز عمله بمعنى الحال والاستقبال ، إذ كان مع التجريد يعمل بمعناهما ؛

وجوّز المبرد وغيره عمله بمعنى الماضي والحال والاستقبال ، واستدلوا بقوله :

٥٨٦ ـ فبت والهمّ تغشاني طوارقه

من خوف رحلة بين الظاعنين غدا (٦)

__________________

(١) الزمخشري ، وتكرر ذكره ،

(٢) من الآية ٩١ سورة البقرة ،

(٣) في الجزء الثاني

(٤) أبو الحسن علي بن عيسى الرماني ممن تقدم ذكرهم ،

(٥) أبو محمد ناصح الدين بن الدهان تقدم ذكره ،

(٦) من شعر جرير ، وقد بيّن الشارح وجه الاستشهاد فيه وما يمكن أن يقال فيه ،

٤١٩

ويحتمل انتصاب «غدا» برحلة ، وببين (١) ، وبالظاعنين ، والاستدلال بالمحتمل ضعيف مع أن كلامنا فيما ينصب مفعولا به ، والظرف يكفيه رائحة الفعل ؛

وإنما عمل ذو اللام مطلقا ، لكونه في الحقيقة فعلا ، وقال الأخفش ، إنما نصب ذو اللام بمعنى الماضي تشبيها للمنصوب بالمفعول ، لا ، لأنه مفعول به ، كما في : زيد الحسن الوجه ؛ وضعف ما قال : ظاهر ؛

ونقل عن المازني أن انتصاب المنصوب بعده ، بفعل مقدّر ؛ وإنما ارتكب ذلك لأن اللام عنده ليس بموصول ، كما مرّ في الموصولات ، فليس ذو اللام في الحقيقة عنده فعلا ،

واعلم أنه يجوز لاسم الفاعل والمصدر المتعدّيين إلى المفعول به بأنفسهما أن يعمدا باللام. نحو : أنا ضارب لزيد وأعجبني ضربك لزيد ، وذلك لضعفهما لفرعتيهما للفعل ، كما يجوز أن يعمد الفعل باللام إذا تقدم عليه المنصوب ؛ كقوله تعالى : (إن كنتم لرؤيا تعبرون) (٢) ، وقولك : لزيد ضربت ، واختصاص اللام بذلك من بين حروف الجر ، لإفادتها التخصيص المناسب لتعلق الفعل بالمفعول ؛ وعمد ما كان من نحو : علم وعرف ودرى وجهل ، بالباء ، لا غير ، نحو : أنا عالم به ، لجواز زيادتها مع أفعالها ، أيضا ؛ كما يجيئ ؛

[صيغ المبالغة]

[أوزانها وعملها]

[قال ابن الحاجب :]

«وما وضع منه للمبالغة ، كضرّاب وضروب ومضراب»

«وعليم ، وحذر ، مثله ، والمثنى والمجموع مثله» ؛

__________________

(١) يعني بلفظ بين الذي هو مصدر بمعنى الفراق ،

(٢) الاية ٤٣ سورة يوسف ،

٤٢٠