شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

ومنها : عشرون الى تسعين ، وقد مضت ؛ (١)

ومنها : أرضون ، وإنما فتحت الراء لأن الواو والنون في مقام الألف والتاء ، فكأنه قيل : أرضات ، أو للتنبيه على أنها ليست بجمع سلامة حقيقة ويجوز اسكان راء أرضون ؛

ومنها ؛ أبون ، وأخون وهنون ، وشذوذها لكونها غير وصف ولا علم ، وأمّا ذو مال فوصف ؛

ومنها : بنون في ابن ، لأن قياسه ابنون ، وإنما جمع على أصل ابن ، وهو بنو على حذف اللام نسيا منسيا في الجمع كما حذف في الواحد ؛

ومنها : قولهم ، بلغت مني البلغين والدّرخمين ، بضم الفاء فيهما (٢) ، ولقيت منك البرحين بضم الفاء وكسرها ، وكذا : الفتكرين ، كلها بمعنى الدواهي ، والشدائد ، وقولهم : ليث عفرّين ، يجوز أن يكون شاذا ، من هذا الباب ؛ جعل النون معتقب الاعراب ؛

واعلم أنه قد شاع الجمع بالواو والنون ، مع أنه خلاف القياس ، فيما لم يأت له تكسير من الاسم الذي عوّض من لامه تاء التأنيث المفتوح ما قبلها ، مغيّرا أوائل بعض تلك الجموع تنبيها على أنها ليست في الحقيقة بجمع سلامة ؛ فقالوا في المفتوح الفاء نحو : سنة ، سنون بكسر الفاء، وجاء سنون بضمها ، وهو قليل ، ولمثل هذا التنبيه كسروا عين عشرين ؛

وجاء في بعض ما هو مضموم الفاء : الكسر مع الضم ، كالقلون والثبون ، وليس بمطرد ، اذ : الظبون والكرون ، لم يسمع فيهما الكسر ؛ وأمّا المكسور الفاء ، فلم يسمع فيه التغيير ؛ كالعضين ، والمئين والفئين والرئين ، ولعل ذلك لاعتدال الكسرة بين الضمة والفتحة ، وجاء قليلا ، مثل هذا الجمع ، لما ثبت تكسيره ، أيضا ، كالثبين والأثابيّ ،

__________________

(١) في باب العدد من هذا الجزء ؛

(٢) بضم أولها الذى هو فاء الكلمة ،

٣٨١

في الثبة ، وربّما جاء أيضا في المحذوف الفاء ، كرقة ، ورقين ، ولدة ، ولدين ؛ (١) وفيما قلبت لامه ألفا ، كالأضاة (٢) والقناة ، لكن تحذف لامه نسيا منسيا حتى يصير كالسنة ، فيقال : أضون ، وقنون ، ولو اعتبرت لاماتها لقيل : القنون والأضون ، لكونهما بعد حذف التاء مقصورين ، كالأعلون ، وعلى هذا قال :

ولكني أريد به الذّوينا (٣) ـ ١٦

ولو اعتبر اللام ، لقال : الذوين كالأعلين ، فإن «ذو» مفتوح العين عند سيبويه ، كما مرّ في باب الاضافة ؛ لكنه لما حذفت لامه في المفرد نسيا منسيا لم يعتبرها في الجمع ؛

وربّما جاء هذا الجمع في المضعّف أيضا ، كإوزّين ، وحرّين (٤) ، وحكي عن يونس : أحرّون بفتح الهمزة ، وكسرها ، قيل : قد جاء : أحرّة في الواحد ؛ وقيل : لم يجىء ذلك ، ولكن زيدت الهمزة في الجمع تنبيها على كونه غير قياسي ،

وعلّل النحاة جمع ما حذفت لامه أو فاؤه ، هذا الجمع ، بأن هذا الجمع أفضل الجموع ، كما ذكرنا ، لكونه خاصا بالعلماء ، فجبر بهذا الأفضل : ما لحق الاسم من النقصان بالحذف نسيا ؛ قالوا : وأمّا : حرّون وإوزّون ، فلما لحقهما من الوهن بالادغام ، وبعضهم يقول : للنقص المتوهم ؛ وذلك أن حرف العلة قد يبدل من أحد حرفي التضعيف ، كما في تظنّيت ؛ (٥)

وقد يجعل النون في بعض هذه الجموع التي جاءت على خلاف القياس : معتقب الاعراب ، تنبيها على مخالفته للقياس ، فكأنه مكسّر ، فجرى فيه اعراب المكسّر ، فيدخله التنوين ولا يسقط بالاضافة ، قال :

__________________

(١) لدة ، بمعنى الشخص الذي يولد مع الانسان في زمن واحد ، ويقال له الترب ؛

(٢) الأضاة : مستنقع الماء : الغدير.

(٣) تقدم ذكره في الجزء الأول ، وهو من شعر الكميت بن زيد ؛

(٤) الأوزة : الطائر المعروف ، والحرّة بتشديد الراء :

(٥) أصله تظننت بنونين

٣٨٢

٥٧٠ ـ ذراني من نجد فان سنينه

لعبن بنا شيبا وشيّبننا مردا (١)

وقال :

٥٧١ ـ وما ذا يدّري الشعراء مني

وقد جاوزت حدّ الأربعين (٢)

وقال :

٥٧٢ ـ حسان مواقع النقب الأعالي

غراث الوشح صامتة البرين (٣)

وقال :

٥٧٣ ـ وإن لنا أبا حسن عليّا

أب برّ ونحن له بنين (٤)

__________________

(١) من قصيدة للصمّة القشيري شاعر أمويّ ، ونسب ابن الأعرابي بيت الشاهد وحده إلى محجن بن مزاحم الغنوي ، وكان الصمة خرج من نجد غاضبا لأن عمه لم يزوجه من ابنته فعاش غريبا ومات غريبا وكان يذكر نجدا فيذمها ويحنّ اليها وأول هذه القصيدة :

لحى الله نجدا ، كيف يترك ذا الندى

بخيلا ، وحرّ الناس تحسبه عبدا

ثم يقول : على أنه قد كان للعين قرة

وللبيض والفتيان منزله حمدا

(٢) يدّري بتشديد الدال يريد ما ذا يقصدون بخداعي ، ويروى : وما ذا يبتغي وهو من أبيات لسحيم بن زنيل الرياحي قالها حين أراد بعض الشعراء اختبار قوته على الشعر بعد أن كبر .. وتقدم بعض الشواهد منها ، ومنها قوله :

عذرت البزل إذ هي خاطرتني

فما بالي وبال ابني لبون

(٣) من قصيدة للطرماح بن حكيم ، وقبله :

ظعائن كنت أعهدهن قدما

وهنّ لدى الأمانة غير خون

وبعده : طوال مثل أعناق الهوادي

نواعم بين أبكار وعون

وحسان جمع حسناء ، وأراد بمواضع النقب : الوجه ، وخص الأعالي لأنها تظهر للشمس أكثر ، فهي عرضة للتأثر بها ؛ وغراث جمع غرثان أي جائع وكنى بفراث الوشح عن دقة الخصر ، والبرين جمع برة وهي الخلخال وكنى بصمته عن امتلاء الساق حتى لا يتحرك فيها الخلخال ، والقصيدة كلها غزل ؛

(٤) المراد بأبي حسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو من أبيات لسعيد بن قيس الهمداني قالها في أحد أيام صفّين وفيها يقول مخاطبا معاوية قبل هذا البيت :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

ورجم الغيب يكشفه اليقين

بأنا لا نزال لكم عدوا

طوال الدهر ما سمع الحنين

وأن لنا أبا حسن ... وبعده :

وأنا لا نريد سواه يوما

وذاك الرشد والحق المبين

وبذلك يتبين أن قوله : وأن لنا .. بفتح الهمزة من أنّ ؛

٣٨٣

ويلزمها الياء ، اذن ، كما يلزم إذا سمّي بجمع سلامة المذكر [كما مضى (١)] في باب العلم ، وأكثر ذلك في الشعر ؛

هذا قبل العلمية ، وأمّا بعدها ، فكون النون معتقب الاعراب شائع في الاختيار في هذا النوع ، كما في الجموع القياسية مع العلمية ؛

وحكي عن أبي عبيدة وأبي زيد (٢) : جعل نون «مقتوين» معتقب الإعراب ، ولعلّ ذلك لأن القياس : مقتويّون بياء النسب ، فلما حذفت ياء النسب صار : مقتوون ، كقلون ؛ وقوله :

متى كنا لأمك مقتوينا (٣) ـ ٥٣٨

الألف (٤) فيه بدل من التنوين ، ان كان النون معتقب الاعراب ، وإلّا ، فالألف للاطلاق ؛

وحكيا (٥) جميعا : رجل مقتوين ورجلان مقتوين ورجال مقتوين ، قال أبو زيد ، وكذا للمرأة والمرأتين والنساء ؛ ولعل سبب تجرّئهم على جعل مقتوين ، للمثنى والمفرد في المذكر والمؤنث مع كونه في الأصل جمع المذكر : كثرة مخالفته للجموع ، وذلك من ثلاثة أوجه : كون النون معتقب الاعراب ، وحذف ياء النسب التي في الواحد ، وهو مقتويّ ، والحاق علامة الجمع بما بقي منه وهو مفتوح مع عدم استعماله ، ولو استعمل ، لقلب واوه ألفا فقيل مقتى ، ولجمع على : مقتون كأعلون ، لا على مقتوون ، وإنما قلنا ان واحده «مقتو» المحذوف الياء ، كما قال سيبويه في : المهلبون ، والمهالبة : انه سمّى كل واحد منهم باسم من نسب اليه ، فكأن كلّا منهم : مهلّب ؛ لأن الجمع في الظاهر

__________________

(١) زيادة لا بد منها ، وليست في النسخة المطبوعة ولا أشير اليها على أنها من بعض النسخ ، فلا شك أنها ساقطة من الطبع ؛

(٢) أبو عبيدة : معمر بن المثنى ، وأبو زيد الأنصاري صاحب النوادر ، وكلاهما تقدم ذكره ؛

(٣) تقدم ذكره في أول باب المذكر والمؤنث من هذا الجزء ؛

(٤) تفصيل لبيان حكم مقتوينا ، يعني أنه إما معرب بالحركات والألف مبدلة من التنوين لأنه منصوب بالفتحة ، وإما معرب بالحروف فهو منصوب بالياء ، والألف للاطلاق ،

(٥) المراد أبو عبيدة وأبو زيد ،

٣٨٤

للمحذوف منه ياء النسب ؛ ويجوز أن يقال ان ياء النسب في مثل : مقتوون ، والأشعرون ، والأعجمون ، حذف بعد جمعه بالواو والنون ، وكان الأصل : مقتويون ، وأشعريون وأعجميّون ؛

وحكى أبو زيد في : مقتوين ؛ فتح الواو قبل الياء فيمن جعل النون معتقب الاعراب ، نحو : مقتوين ، وذلك ، أيضا ، لتغييره عن صورة الجمع بالكلية ، لما خالف ما عليه جمع السلامة ؛

واعلم أن التذكير غالب للمؤنث ، كما تقدم ، في المثنى والمجموع ، فيكفي كون البعض مذكرا نحو : زيد وهند ضاربان ، وزيد والهندات ضاربون ، وكذا العقل في بعضهم كاف ، نحو : زيد والحمير مقبلون ؛

وشذّ ضبعان في الضبع التي للمؤنث والضّبعان الذي للمذكر ، والقياس ضبعانان (١) ، ولعل ذلك لكون ضبعان أخف منه ، مع أن بعض العرب يقول للمذكر ، أيضا ، ضبع ؛

والعلم المركب الذي يبني جزؤه الأوّل للتركيب : ان لم يكن جزؤه الثاني مبنيا ، كبعلبك ، ومعديكرب ، ثني وجمع ، نحو : البعلبكان والبعلبكون ، لأن الجزأين ككلمة معربة ، والتثنية والجمع للمعربات ، وأمّا اللذان واللتان واللذين واللّتين ، وذان ، وتان ، وذين ، وتين ، فصيغ مستأنفة ؛

وإن كان الثاني مبنيا إمّا للتركيب كخمسة عشر أو لغيره كسيبويه ، فالقياس أن يقال : ذوا سيبويه ، وذوو سيبويه ، وكذا : ذوا خمسة عشر ، وذوو خمسة عشر ، وهذا كما يقال في الجمل المسمّى بها : ذوا تأبط شرا ، وذوو تأبط شرا ، اتفاقا ، وذواتا شاب قرناها ، وذوات شاب قرناها ، لأن الجمل يجب حكايتها ، فلا يلحقها علامتا التثنية والجمع ؛ وكذا يلزم أن يقال في المثنى والمجموع على حدّه ، المسمّى بهما ، إذا لم تجعل

__________________

(١) أي بتثنية الاسم الخاص بالمذكر ،

٣٨٥

نوناهما معتقب الاعراب ، نحو : جاءني ذوا مسلمين وذوو مسلمين ، لئلا يجتمع على آخر الاسم اعرابان بالحروف ؛ وشذ في الاثنين : الأثانين ؛

واضافة «ذو» ومتصرفاته ههنا ، من اضافة المسمّى الى اسمه ، كما في : ذات مرّة ؛

والمبرد يجيز في نحو سيبويه : السيبويهان والسيبويهون مع بناء الجزء الثاني ؛ وكذا يلزم تجويزه في نحو خمسة عشر ، علما ، وأمّا مع اعراب الجزء الثاني فيهما ، فلا كلام في تجويز ذلك كما في بعلبك ومعديكرب ؛

والعلم المركب تركيبا اضافيا ، يثنى ويجمع منه المضاف ، نحو : عبدا مناف ، وعبدو مناف ، وإذا كان كنية ، جاز تثنية المضاف والمضاف اليه معا كقولك : في أبو زيد : أبوا الزيدين ، وآباء الزيدين ؛ والاقتصار على تثنية المضاف وجمعه فيها أيضا ، أولى ،

وأما جمع : ابن كذا ، وذو كذا ، علمين كانا أو ، لا ، فان كانا لعاقل قلت : بنو كذا ، وذوو كذا ، أو أبناء كذا وأذواء كذا ؛ وان لم يكونا لعاقل سواء جاء لمؤنثه : بنت كذا وذات كذا ، نحو : ابن اللبون وبنت اللبون ، وجمل ذو عثنون (١) وناقة ذات عثنون ، أو لم يأت لمؤنثه ذلك ، نحو : ابن عرس ، وذى القعدة ، جمع على : بنات كذا نحو بنات لبون وبنات عرس ، وعلى ذوات كذا نحو : جمال ذوات عثانين وذوات القعدة ، الحاقا لغير العقلاء في الجمع ، بالمؤنث ، على ما يجيء ،

وروى الأخفش : بنو عرس ، وبنو نعش (٢) ، أيضا ، اعتبارا للفظ ابن ، وان كان غير عاقل ، قال :

٥٧٤ ـ شربت بها والديك يدعو صباحه

إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا (٣)

كأنه جعله جمعا لابن نعش وان لم يستعمل ،

__________________

(١) تقدم تفسيره بأنه شعيرات تحت حنك البعير ؛

(٢) اسم لعدد من النجوم معروف الموقع عند علماء الفلك

(٣) البيت من شعر النابغة الجعدي ، وقبله في وصف الخمر : ـ

٣٨٦

[جمع المؤنث]

[السالم]

[قال ابن الحاجب :]

«المؤنث : ما لحق آخره ألف وتاء ، وشرطه إن كان صفة»

«وله مذكر ، فأن يكون مذكره جمع بالواو والنون ، فان»

«لم يكن له مذكر ، فأن لا يكون مجرّدا كحائض ،»

«وإلّا جمع مطلقا» ؛

[قال الرضى :]

أي الجمع المؤنث السالم ، ولا ينتقض حده بنحو : سلقاة ، لأن قوله قبل ، وهو صحيح ومكسّر ، والصحيح لمذكر ومؤنث ؛ بيّن أن المؤنث ما دلّ على آحاد مقصودة بحروف مفرده بتغيير مّا ، وعلى هذا ، كان مستغنيا ، أيضا في حد المذكر عن قوله : ليدل على أن معه أكثر منه ؛

والأولى أن يقال : انه ليس من الحدّ ؛ وإنما جلب له علامتان ليكونا كزيادتي جمع المذكر ؛ وإنما خصّت الزيادة بالألف والتاء ، لأنه عرض فيه : الجمعيّة ، وتأنيث غير حقيقي ؛ وكل واحد من الحرفيين قد يدل على واحد من المعنيين كما في : رجال ، وسكرى ، والجمالة والضاربة ؛

قوله : «شرطه ان كان صفة .. الى آخره» ؛ ينظر الى المؤنث ، إمّا أن يكون صفة أو ، لا ، فان لم يكن صفة ، قال المصنف : جمع مطلقا ، أي لا يشترط شرط ، وهو

__________________

وصهباء لا تخفي القذى وهي دونه

تصفّق في راووقها ثم تقطب

تمززتها والديك .. الخ

وأما رواية شربت بها فعلى أن الباء بمعنى من كقوله شربن بماء البحر أو على تضمين شربت معنى رويت ؛ وقوله تصفق معناه تدار من إناء إلى إناء ، وتقطب أي تمزج بالماء مثلا ؛

٣٨٧

قوله : والا جمع مطلقا ؛ وليس بسديد ، لأن الأسماء المؤنثة بتاء مقدرة ، كقدر ونار ، وشمس وعقرب وعين ، من الأسماء التي تأنيثها غير حقيقي لا يطرد فيها الجمع بالألف والتاء ، بل هو فيها مسموع ، كالسماوات ، والكائنات ، والشمالات في الرياح ، وذلك لخفاء هذا التأنيث لأنه ليس بحقيقي ، ولا ظاهر العلامة ؛ فلا يجمع ، اذن ، هذا الجمع قياسا من الأسماء المؤنثة الا علم المؤنث ، ظاهرة كانت فيه العلامة ، كعزّة وسلمى وخنساء ، أو مقدّرة ، كهند ، أو ذو تاء التأنيث الظاهرة ، سواء كان مذكرا حقيقيا كحمزة ، أو ، لا ، كغرفة ، ومنه قولك الاكرامات ، والتخريجات والانطلاقات ، ونحوها ، لأن الواحد : إكرامة ، وتخريجة بتاء الوحدة ، لا : اكرام وتخريج ؛ وجمع المجرد : أكاريم وتخاريج عند اختلاف الأنواع ، فالاكرامات ، كالضربات ، والقتلات ، والأكاريم ، كالضروب والقتول ، فلذا يقال : ثلاث اكرامات وتخريجات بتجريد العدد من التاء ، وثلاثة أكاريم وتخاريج ، إذا قصدت ثلاثة أنواع من الاكرام ؛ أو ذو ألف التأنيث ، إذا لم يسمّ به المذكر الحقيقي ، كالبشرى والضرّاء ، وإذا سمّي به المذكر الحقيقي جمع بالواو والنون ، كما مرّ ذكره ، أو ما يصح تذكيره وتأنيثه إذا لم يأت له مكسّر ، ولم يجز جمعه بالواو والنون ، كالألفات والتاءات ، إلى أخرها ، (١) وذلك لانسداد أبواب الجموع الا هذا ؛

ويجمع هذا الجمع ، أيضا ، مطردا ، وان لم يكن مؤنثا ، علم غير العاقل المصدر باضافة «ابن» أو «ذو» ، نحو : ابن عرس وابن مقرض (٢) ، وذو القعدة وذو الحجة ، كما ذكرنا ؛

ويجمع هذا الجمع ، غالبا ، غير مطرد ، نوعان من الأسماء : أحدهما : اسم جنس مذكر لا يعقل ، إذا لم يأت له تكسير ، كحمّامات وسرادقات ؛ وكذا كل خماسي أصلي الحروف ، كسفرجلات ، لأن تكسيره مستكره كما يجيء ؛

__________________

(١) المراد حروف الهجاء ؛

(٢) كنيبة الفأر ، وتقدم ذلك في باب العلم

٣٨٨

وعند الفراء : هذا القسم ، أيضا ، مطرد ؛ وأمّا إذا جاء له تكسير فإنه لا يجمع هذا الجمع ، فلم يقولوا : جوالقات ، لقولهم : جواليق ، وأمّا : بوانات (١) ، مع ثبوت بون ، فشاذ ؛

وثانيهما : الجموع التي لا تكسّر ، نحو : رجالات ، وصواحبات ، وبيوتات ، فلا يقال : أكلبات ، لقولهم أكالب ؛

وإن كان المؤنث صفة ، فلا يخلو من أن يكون فيه علامة التأنيث ، أو ، لا ، فان كانت فيه جمع بالألف والتاء ، سواء كان صفة لمذكر حقيقي ، كرجال ربعات وعلّامات ، أو ، لا ، كضاربات ، وحبليات ونفساوات ؛ إلا أن يكون فعلى فعلان ، أو فعلاء أفعل ، فأنهما لا يجمعان بالألف والتاء ، حملا على مذكريهما اللذين لم يجمعا بالواو والنون ، لما ذكرنا ،

وأجاز ابن كيسان ، كما ذكرنا : حمراوات وسكرانات ، كما أجاز في المذكر أحمرون وسكرانون ؛

فان غلبت الاسمية على أحدهما ، جاز اتفاقا ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : «ليس في الخضراوات صدقة» ؛ وكذا كل فعلاء ، أو فعلى ، سمّيت به غير المذكر الحقيقي ؛

وإن لم يكن في الصفة المؤنثة علامة تأنيث ظاهرة ، ولم تكن خماسية أصلية الحروف ، لم يجمع بالألف والتاء ، سواء كان له مذكر يشاركه في اللفظ كجريح وصبور ، وسائر ما يستوي مذكره ومؤنثة ، حملا لها على مذكراتها الممتنعة من الجمع بالواو والنون ؛ أو لم يكن له مذكر أصلا ، كحائض وطالق ، ومرضع ، ومطفل (٢) ؛ فرقا بين ما جرّد من التاء وبين ذي التاء ، فانّ ذا التاء فيه معنى الحدوث الذي هو معنى الفعل ، وفعل المؤنث يلحقه ضمير جمع المؤنث نحو : يضربن ، فالحق ذو التاء ، أيضا ، علامة جمع المؤنث أي

__________________

(١) البوان بكسر الباء : أحد أعمدة البيت أو الخيمة ؛

(٢) المطفل : الظبية أو الناقة معها طفلها وتقدم ،

٣٨٩

الألف والتاء ؛ وأمّا المجرد ، فلم يكن فيه معنى الفعل فلم يجر مجراه ، في لحاق علامة جمع المؤنث إياه ، بل جمع جمع التكسير نحو : حوائض وحيّض وطوالق ، ومطافل ،

وإن كانت صفة المؤنث المجردة من العلامة ، سواء اشترك فيها المذكر والمؤنث ، أو اختصت بالمؤنث ، خماسيّة أصلية الحروف ، كالرجل أو المرأة : الصّهصلق ، والمرأة الجحمرش (١) ، جمعت بالألف والتاء لاستكراه تكسيرها ، فيقال : نسوة صهصلقات ، وجحمرشات ؛

ويجمع أيضا هذا الجمع مطردا : صفة المذكر الذي لا يعقل ، سواء كان حقيقيا كالصافنات ، للذكور من الخيل ، وجمال سبحلات ، أي ضخمات ، وسبطرات أي طوال على وجه الأرض ، وكذا بنات اللبون ، وجمال ذوات عثانين ، في ابن اللبون ، وجمل ذو عثنون (٢) ، أو غير حقيقي التذكير ، كالأيام الخاليات ، وكذا مصغر ما لا يعقل كجميلات وحميّرات وكتيبّات ، لأن المصغر فيه معنى الوصف ، وإن لم يجر على الموصوف ؛ وإنما جمع المذكر في الموضعين جمع المؤنث لأنهم قصدوا فيهما الفرق بين العاقل وغيره ، وكان غير العاقل فرعا عن العاقل ، كما أن المؤنث فرع عن المذكر ، فألحق غير العاقل بالمؤنث وجمع جمعه ؛

وقوله : «شرطه إن كان صفة وله مذكر ، فأن يكون ..» ، أي : فهو أن يكون ، والضمير راجع إلى المبتدأ ، الذي هو «شرطه» والجملة الشرطية مع الجزاء في محل خبر المبتدأ ؛ ومعنى هذا الكلام : أن المؤنث إذا كان صفة ، على ضربين : إمّا أن يكون له مذكر ، أو ، لا ، فإن لم يكن له مذكر فشرطه ألّا يكون مجردا عن التاء ، كحائض ؛ وإن كان له مذكر فشرطه أن يكون ذلك المذكر جمع بالواو والنون ، فخرج بهذا القيد فعلاء أفعل ، وفعلى فعلان ، وجميع الأمثلة التي يستوي مذكرها ومؤنثها كصبور وجريح ؛ وثيبّات شاذ ، ووجهه أن فيعلا قياسه لحاق التاء في المؤنث ، كسيّدة وميّتة ؛ وخرج عنه ،

__________________

(١) أي العجوز المسنّة ،

(٢) تقدم تفسيره ،

٣٩٠

أيضا ، الوصف ذو التاء الذي يشترك فيه المذكر والمؤنث ، كربعة ، ويفعة (١) وعلّامة ومعطارة ، ونحوها ، ولا يجوز ، لأنه يجمع بالألف والتاء ؛

وتقول في جمع بنت ، وابنة : بنات ، وهي جمع لأصلها ، لأن الأصل : بنوة ، كما أن بنون جمع أصل ابن ، أي بنو ، على حذف اللام نسيا في الجمعين ؛

وكذا أخوات جمع أصل أخت ، أي أخوة بغير حذف اللام ، وأخون جمع أخ على حذف اللام نسيا ؛

والثلاثي المحذوف اللام المعوّض عنها التاء ، على ثلاثة أضرب : إمّا مفتوح الفاء ، وردّ اللام في جمعه بالألف والتاء أكثر ، كهنوات وسنوات وضعوات ، في : هنة وسنة وضعة (٢) ، وذلك لخفة الفتحة ، وجاء بحذف اللام أيضا ، كذوات وهنات ؛ وجاء منه ما لم يجمع جمع السلامة لا بالواو والنون ، ولا بالألف والتاء ، استغناء بجمع التكسير ، وذلك كأمة وشفة وشاة ؛

وإمّا مكسور الفاء ، وترك الردّ فيه أكثر ، كمئات ورئات (٣) ، لثقل الكسرة وقد جاء عضوات ؛ وإمّا مضموم الفاء ، ولم يرد فيه الردّ ، كثبات وظبات وكرات ، لكون الضم أثقل الحركات ،

وجاء في بعض اللغات فيما لم يردّ فيه المحذوف : فتح التاء حالة النصب ، قالوا : سمعت لغاتهم ، وجاء في الشاذ : «انفروا ثباتا» (٤) ، ولعلّ ذلك لأجل توهمهم تاء الجمع عوضا من اللام كالتاء في الواحد ، وكالواو والنون في : كرون ، وثبون ، وقال أبو علي : بل هي تاء الواحد ، والألف قبلها هي اللام المردودة ، فمعنى سمعت لغاتهم : سمعت لغتهم ، قال : وذلك لأن سيبويه قال : إن تاء الجمع لا يفتح في موضع ؛ وفيما قال نظر ، إذ

__________________

(١) اليفعة بفتح الفاء والعين ، الغلام اليافع ، ويقال للمؤنث ،

(٢) الضعة : الكثيف الملتف ، وأما محذوفة الفاء فهي مصدر معناه الدناءة ،

(٣) جمع رئة ،

(٤) من الآية ٧١ في سورة النساء

٣٩١

المعنى في سمعت لغاتهم ، وقوله : انفروا ثباتا : الجمع ؛

وحكى الكوفيون في غير محذوف اللام : استأصل الله عرقاتهم بفتح التاء ؛ وكسرها أشهر ، فإمّا أن يقال انه مفرد ، والألف للإلحاق بدرهم ، أو يقال : إنه جمع فتحت تاؤه شاذا ، فالعرق ، إذن ، كالبوان ، مذكر له جمع مكسّر وهو العروق ، جمع بالألف والتاء مثله ؛ (١)

[من أحكام]

[المجموع بالألف والتاء]

ولنذكر شيئا من أحكام المجموع بالألف والتاء وإن كان المصنف يذكره في قسم الصرف ، فنقول :

كل ما هو على وزن فعل وهو مؤنث بتاء ظاهرة أو مقدرة كدعد ، وجفنة ، فإن كان صفة كصعبة أو مضاعفا كمدّة أو معتلّ العين كبيضة وجوزة ، وجب إسكان عينه في الجمع بالألف والتاء ، وإن خلا من هذه الأشياء وجب فتح عينه ، كتمرات ودعدات ؛ والتزم في جمع لجبة (٢) لجبات بفتح العين لأن في «لجبة» لغتين ، فتح العين وإسكانها ، والفتح أكثر ، فحمل الجمع على المفرد المشهور ؛ وقيل : لما لزمت التاء في لجبة ، لكونها صفة للمؤنث ، ولا مذكر لها ، يقال شاة لجبة ، إذا قل لبنها ، صار كالأسماء في لزوم التاء نحو : جفنة وقصعة ؛ وأجاز المبرد إسكان عين لجبات قياسا لا سماعا ؛

وغلب الفتح في جمع «ربعة» لتجويز بعضهم فتح عين الواحد ، وقيل إنها كانت في الأصل اسما ثم وصف به فلوحظ فيه الأصل ، كما يقال في جمع امرأة كلبة : نسوة

__________________

(١) أي مثل البوان

(٢) اللجبة : الشاة التي جف لبنها بعد زمن من ولادتها ،

٣٩٢

كلبات بفتح العين ، ولا يقاس عليه غيره نحو : ضخمات ، وصعبات ، خلافا لقطرب (١) ؛ ويجوز إسكان ما استحق الفتح من عين فعلات للضرورة ، قال ذو الرمة :

٥٧٥ ـ أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه

خفوقا ورفضات الهوى في المفاصل (٢)

وجاء في المعتل اللام نحو : أخوات وجديات (٣) : تسكين عينهما ، وقد يقاس عليهما قصدا للتخفيف ، لأجل الثقل الحاصل من اعتلال اللام ، ويجوز أيضا في القياس أن يقال : نسوة كلبات ، اعتبارا للصفة العارضة كما تقول : صعبات بفتح العين إذا سمّيت بصعبة ؛

وأهل ، في الأصل : اسم دخله معنى الوصف فقيل في جمعه أهلون وأدخلوا التاء فيه فقالوا أهلة ، قال :

٥٧٦ ـ وأهلة ودّ قد تبرّيت ودّهم

وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي (٤)

أي : وجماعة مستأهلة للودّ ، قال :

٥٧٧ ـ فهم أهلات حول قيس بن عاصم

إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا (٥)

__________________

(١) محمد بن المستنير الملقب بقطرب أحد الملازمين لسيبويه وهو الذي لقبه بقطرب وتقدم ذكره في هذا الجزء ؛

(٢) من قصيدة غزلية لذي الرمة وقبله :

إذا قلت ودّع وصل خرقاء واجتنب

زيارتها تخلق حبال الوسائل

فقوله : ابت ذكر جواب إذا ، ويروى أتت بالتاء ،

(٣) جديات : الجدية كيس يحشى بمثل القطن ويوضع تحت دفتي السرج أو الرحل ؛

(٤) من شعر أبي الطمحان القيني ، ومعنى تبرّيت ودّهم : تعرضت له وبذلت فيه طاقتي ؛ ومن المستجاد في شعر أبي الطمحان قوله :

وأني من القوم الذين هم هم

إذا مات منهم سيد قام صاحبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

(٥) من قصيدة للمخبل السعدي يذكر فيها بغضه للعيش الذي أدّى به إلى أن يرى غيره من العظمة بحيث يحج الناس إليه ويعظمونه وفيها يقول :

ألم تعلمي يا أم عمرة أنني

تخاطأني ريب الزمان لأكبرا

٣٩٣

ويقال : أهلات ، أيضا ، بسكون الهاء ، اعتدادا بالوصف العارض ؛

وتفتح هذيل العين المعتلة كجوزات وبيضات ، وقال :

٥٧٨ ـ أخو بيضات رائح متأوب

رفيق بمسح المنكبين سبوح (١)

وقرئ في الشواذ (٢) : «ثلاث عورات» (٣) ؛

وإنما سكنت عين الصفة وفتحت عين الاسم فرقا ، وكانت الصفة بالسكون أليق ، لثقلها باقتضائها الموصوف ومشابهتها للفعل ، ولذلك كانت إحدى علل منع الصرف ؛ وسكن المضاعف والمعتل العين استثقالا ، أي فرارا من الثقل العارض بتحريك أوّل المثلين ، وتحريك الواو والياء ؛ فإن قيل : فلتقلبا ألفا ، لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ؛

قلت : إن الحركة عارضة في الجمع ، ولذلك لم تقبلهما هذيل مع تحريكهما ، كما لم تقلب واو خطوات المضموم ما قبلها ياء لعروض الضمة ؛

وأمّا فعلة بضم الفاء وسكون العين كغرفة ، وكذا فعل المؤنث كجمل فإن كانت مضاعفة ، فالإسكان لازم مع الألف والتاء ، كغدّات ، وإن كانت معتلة العين ولا تكون إلا بالواو ، كسورة ، فلا يجوز الإتباع إجماعا ، وقياس لغة هذيل جواز فتحها كما في بيضات وروضات ، لأنهم عللوه بخفة الفتحة على حرف العلة وبكونها عارضة ؛ لكن سيبويه (٤) ، قال : لا تتحرك الواو في : دولات ، والظاهر أنه أراد بالضم (٥) ،

__________________

يريد بقوله تخاطأني : أنه غفلت عنه أحداث الزمان وأخطأته حتى كبر ، وقوله : يدعون كوثرا ، الكوثر : الجواد الكثير العطاء ، وقال بعضهم ان كلمة كوثر كانت شعارا لهم يتنادون بها في الليل وفي الحرب.

(١) البيت في وصف ذكر النعام ويبدو أنه ذكر هذا الوصف لذكر النعام ليشبه به الناقة وأنها في سيرها سريعة كسرعة ذكر من النعام يسير ليلا ونهارا ليصل إلى بيضاته والمراد بيضات أنثاه ، ومع أنهم شرحوا البيت بهذا وبينوا المراد منه ، لم ينسبه أحد إلى قائل معيّن ولا ذكروا شيئا قبله ولا بعده ؛

(٢) قال أبو حيان : هي قراءة الأعمش ، وهي لغة هذيل

(٣) من الآية ٥٨ في سورة النور ؛

(٤) انظر سيبويه ٢ / ١٨٨ ،

(٥) يعني أن سيبويه أراد : لا تتحرك بالضم ،

٣٩٤

وإن كانت صحيحة العين ، فإن كانت صفة ، كحلوة فالإسكان لا غير ، وإن كانت اسما فإن لم تكن اللام ياء ، جاز في العين الإسكان والفتح والإتباع ، سواء كان اللام واوا ، كخطوات ، أو ، لا ، كغرفات ، والإتباع ههنا أكثر منه في فعلة ، وإن كان الكسر أخف ، وذلك لأن نحو عنق ، أكثر من نحو إبل ؛ وإن كانت اللام ياء لم يجز الإتباع اتفاقا للثقل ؛ وأمّا الفتح ، فالمبرّد نصّ على جوازه ، وليس في كلام سيبويه (١) ما يدل عليه ، وأمّا «أمّ» ، فلفظ أمّهات في الناس أكثر من أمّات ، وفي غيرهم : بالعكس ، والهاء زائدة بدليل الأمومة وقيل أصلية بدليل تأمّهت ، لكونه على وزن تفعّلت ، قال :

٥٧٩ ـ أمّهتي خندف والياس أبي (٢)

ووزنها : فعّلة ، فحذفت اللام ؛

وأمّا فعلة بكسر الفاء ، وفعل مؤنثا ، كهند ، فإن كانت مضاعفة فلا تجمع بالألف والتاء إلا بسكون العين نحو : قدّات (٣) ، وإن كانت معتلة العين ولا يكون إلا ياء إمّا أصلية ، كبيعة ، أو منقلبة كديمة ، فلا يجوز فيه الإتباع إجماعا ، ولا الفتح إلا على قياس لغة هذيل ؛ وعيرات في جمع عير ، شاذ عند غير هذيل ؛ وإن كانت صحيحة العين فإن كانت صفة ، فالإسكان ، كعلجات (٤) ، وإن كانت اسما ، فإن كانت اللام واوا ، امتنع الإتباع إتفاقا للاستثقال ، وجاز الفتح والإسكان على ما نص المبرّد ، ومنع الأندلسي الفتح ، وإن كانت اللام ياء ، كلحية ، جاز الفتح والإسكان ، وأمّا الإتباع فمنعه سيبويه ، لقلة باب فعل في الصحيح ، فكيف بالمعتل اللام ؛ وأجازه السيرافي لعروض الكسر ، وقياسا على خطوات ؛ وإن صحت اللام ، نحو كسرة ، جاز الإتباع ، والفتح والإسكان ؛

__________________

(١) الموضع السابق ؛

(٢) هو من رجز لقصيّ بن كلاب أحد أجداد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وكذلك قال العيني ولكن خلط به الرجز الذي منه الشاهد المتقدم في باب العدد وهو : ـ وحاتم الطائي وهاب المئي ، وقد رد ذلك البغدادي ولكنه لم يكتب على هذا الشاهد في موضعه ؛

(٣) جمع قدّة : سير من جلد غير مدبوغ ،

(٤) جمع علجة مؤنث علج ،

٣٩٥

والفراء يمنع ضم العين مطلقا في المضمومة الفاء ، وكسرها في المكسورة الفاء ، صحت العين أو ، لا ، إلا فيما سمع ، نحو خطوات وغرفات ؛

[جمع التكسير](١)

[قال ابن الحاجب :]

«جمع التكسير : ما تغيّر بناء واحده ، كرجال ، وأفراس ،»

«وجمع القلة أفعل ، وأفعال وأفعلة ، وفعلة ، والصحيح ،»

«وما عدا ذلك جمع كثرة» ؛

[قال الرضى :]

لا شك أن جمع السلامة بالواو ، والنون ، يتغير بناء واحده أيضا بسبب الزيادتين لأنك بنيته بهما بناء مستأنفا ، فالمفرد صار كلمة أخرى بذلك ، كما أن الثمانية مثلا إذا ضممت إليها الاثنين تصير عشرة ، ويكون المجموع الثاني غير المجموع الأول ، وهذا هو التغيير ؛ فقد تغيّر أيضا في جمع السلامة بناء الواحد ، ولهذا قال في حدّ الجمع : بتغيير مّا ، فدخل فيه جمع السلامة ، وكذا الكلام في الجمع بالألف والتاء ، بل التغيير فيه أظهر ، لأن علامات التأنيث الثلاث تتغير فيه ، ولا يبقى على حاله إلا ما التاء فيه مقدرة ؛

فالأولى في حدّ جمع السلامة أن يقال : هو الجمع الذي لم يغيّر مفرده إلا بالحاق آخره علامة الجمع ؛ وجمع التكسير : ما تغيّر بغير ذلك ؛

وأمّا التغيير في نحو تمرات بفتح العين ، وفي نحو خطوات وسدرات بفتحها وإتباعها ، فيقدّر حصول هذه التغييرات بعد سكون عيناتها لغرض ، وإن لم يثبت نحو تمرات ساكن العين ، بخلاف خطوات وسدرات ؛

__________________

(١) حديثه هنا عن جمع التكسير لبيان معناه اجمالا وأما بيان أوزانه وما يتعلق بها فذلك مفصل في شرحه على ـ

٣٩٦

كما كان حذف التاء في المجموع بالألف والتاء بعد لحاقهما لاجتماع التاءين فجميعها من باب جمع السلامة باعتبار الأصل ؛

قوله : «وجمع القلة أفعل .. إلى آخره» ، قالوا : مطلق الجمع على ضربين ، قلّة وكثرة ، والمراد بالقليل من الثلاثة إلى العشرة ، والحدّان داخلان ، وبالكثير : ما فوق العشرة ، قالوا : وجمع القلة من المكسّر أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، وزاد الفراء : فعلة ، كقولهم : هم أكلة رأس ، أي قليلون ، يكفيهم ويشبعهم رأس واحد ؛ وليس بشيء ، إذ القلّة مفهومة من قرينة شبعهم بأكل رأس واحد ، لا من إطلاق فعلة ؛

ونقل التبريزي (١) : أن منها أفعلاء ، كأصدقاء ؛

وجمعا السلامة عندهم منها ، أيضا ، استدلالا بمشابهتهما للتثنية في سلامة الواحد ؛ وليس بشيء ؛ إذ مشابهة شيء لشيء لفظا لا تقتضي مشابهته له معنى ، أيضا ؛ ولو ثبت ما نقل أنّ النابغة قال لحسان ، لما أنشده قوله :

٥٨٠ ـ لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما : (٢)

قلّلت (٣) جفانك وسيوفك ، لكان فيه دليل على أن المجموع بالألف والتاء جمع قلة ؛

وقال ابن خروف (٤) : جمعا السلامة مشتركان بين القلة والكثرة ؛

والظاهر أنهما لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما ؛

واستدلوا على اختصاص أمثلة التكسير الأربعة بالقلّة ، بغلبة استعمالها في تمييز الثلاثة

__________________

الشافية لابن الحاجب أيضا ، وكذلك الأمر في الحديث عن المصدر في الفصل الذي بعده ؛

(١) التبريزي : هو أبو زكريا : يحيى بن علي بن الخطيب وقول بعض الناس عنه : الخطيب ، منظور فيه إلى أن أحد أجداده اسمه الخطيب ، وهو من أشهر علماء اللغة وله آثار علمية كثيرة منها شرح ديوان الحماسة وشرح القصائد العشر وغير ذلك من شروح الدواوين الشعرية. توفي سنة ٥٠٢ ه

(٢) قصة هذا الشعر الذي قاله حسان أمام النابغة في سوق عكاظ مشهورة ، وبعضهم يطعن في حدوثها ، وممن قال بأن الجمع بالألف والتاء للقلة سيبويه في ٢ / ١٨١ قال انه لأدنى العدد. وقال إن بيت حسان من وضع القلة موضع الكثرة : والحديث في هذا طويل ؛

(٣) هذا ما قاله النابغة في القصة التي تقدمت الاشارة إليها ؛

(٤) تقدم ذكره ،

٣٩٧

إلى العشرة ، واختيارها فيه على سائر الجموع إن وجدت ؛ واعلم أنه إذا لم يأت للاسم إلا بناء جمع القلة كأرجل في الرّجل ، أو إلا جمع الكثرة ، كرجال في رجل ، وكذا كل جمع تكسير للرباعي الأصلي حروفه ، وما لا يجمع إلا جمعه ، كأجادل (١) ومصانع ، فهو مشترك بين القلة والكثرة ، وقد يستعار أحدهما للآخر مع وجود ذلك الآخر ، كقوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٢) ، مع وجود أقراء ؛

__________________

(١) جمع أجدل ، وهو الصقر ،

(٢) من الآية ٢٢٨ في سورة البقرة ؛

٣٩٨

[المصدر]

[تعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«المصدر اسم الحدث الجاري على الفعل» ؛

[قال الرضى :]

يعني بالحدث معنى قائما بغيره ، سواء صدر عنه كالضرب والمشي ، أو لم يصدر ، كالطول والقصر ؛

والجري في كلامهم يستعمل في أشياء ؛ يقال : هذا المصدر جار على هذا الفعل ، أي أصل له ، ومأخذ اشتق منه ، فيقال في : حمدت حمدا : ان المصدر جار على فعله ، وفي نحو : (وتبتَّل إليه تبتيلا) (١) ، إن تبتيلا ليس بجار على ناصبه ؛ ويقال : اسم الفاعل جار على المضارع ، أي يوازنه في الحركات والسكنات ؛ ويقال : الصفة جارية على شيء ، أي ذلك الشيء : صاحبها ، إمّا مبتدأ لها ، أو ذو حال ، أو موصوف أو موصول ؛ والأولى : صيانة الحدّ عن الألفاظ المبهمة ؛ ولو قال : اسم الحدث الذي يشتق منه الفعل لكان حدّا تامّا على مذهب البصريّة ، فإن الفعل مشتق منه عندهم ، وعكس الكوفيون ؛ قال البصريون : سمّي مصدرا لكونه موضع صدور الفعل (٢) ، وقال الكوفيون : هو مفعل بمعنى المصدر نحو

__________________

(١) الآية ٨ سورة المزمل ،

(٢) فيكون لفظ «المصدر» اسم مكان ، بمعنى موضع الصدور كما قال الشارح ، وأمّا جعله مصدرا ميميا ثم تأويله باسم الفاعل فقد أشار إليه الشارح وهو مذهب الكوفيين ، وواضح أنه ، من هذه الجهة ، أضعف من تأويل البصريين.

٣٩٩

قعدت مقعدا حسنا ، أي قعودا ، والمصدر بمعنى الفاعل ، أي صادر عن الفعل ، كالعدل بمعنى العادل ؛ واستدل الكوفيون على أصالة الفعل بعمله فيه كقعدت قعودا ، والعامل قبل المعمول ؛ وهو مغالطة ، لأنه قبله بمعنى أن الأصل في وقت العمل أن يتقدم لفظ العامل على لفظ المعمول ، والنزاع في أن وضعه غير مقدّم على وضع الفعل ، فأين أحد التقدمين من الآخر؟ ؛ وينتقض ما قالوا بنحو : ضربت زيدا ، و : بزيد ، و : لم يضرب ، فإنه لا دليل فيها على أن وضع العامل قبل وضع المعمول ؛

وقال البصريون : كل فرع يؤخذ من أصل ، ويصاغ منه ، ينبغي أن يكون فيه ما في الأصل ، مع زيادة هي الغرض من الصوغ والاشتقاق ، كالباب من الساج ، والخاتم من الفضة ، وهكذا حال الفعل : فيه معنى المصدر مع زيادة أحد الأزمنة التي هي الغرض من وضع الفعل ، لأنه كان يحصل في قولك : لزيد ضرب : مقصود نسبة الضرب إلى زيد ، لكنهم طلبوا بيان زمان الفعل على وجه أخصر ، فوضعوا الفعل الدال بجوهر حروفه على المصدر ، وبوزنه على الزمان ؛

وسيبويه : يسمّي المصدر فعلا وحدثا وحدثانا ؛ فإذا انتصب بفعله سمّي مفعولا مطلقا ، كما مرّ في بابه ؛

وقوله : «الجاري على الفعل» ، احتراز من : العالميّة والقادريّة ؛ (١)

[القياسي والسماعي]

[من المصادر]

[قال ابن الحاجب :]

«وهو من الثلاثي سماع ، ومن غيره قياس ، تقول : أخرج»

«اخراجا ، واستخرج استخراجا» ؛

__________________

(١) يريد بها : المصادر الصناعية ؛

٤٠٠