شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

لم يجز الا التثنية عند الكوفيين ، وهو الحق ، كما يجيء ، تقول قلعت عينيهما إذا قلعت من كل واحد عينيه ؛

وأمّا قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) فانه أراد أيمانهما ، بالخبر والاجماع (٢) ،

وفي قراءة ابن مسعود : «فاقطعوا أيمانهما» ؛ وانما اختير الجمع على الافراد لمناسبته للتثنية في أنه ضم مفرد الى شيء آخر ، ولذلك قال بعض الأصوليين : إن المثنى جمع ؛ ولم يفرق سيبويه بين أن يكون متحدا في كل واحد منهما ، نحو : قلوبكما ، أو لا يكون نحو : أيديكما ، استدلالا بقوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ،

والحق ، كما هو مذهب الكوفيين ، أن الجمع في مثله لا يجوز الا مع قرينة ظاهرة كما في الآية ، وقد جمع بين اللغتين من قال :

٥٥٨ ـ ظهراهما مثل ظهور الترسين (٣)

فان فرّق المتضمنان بالعطف ، اختير الافراد على التثنية والجمع ، نحو : نفس زيد وعمرو ، ليكون ظاهر المضاف موافقا لظاهر المضاف اليه ؛

وان لم يكن المضاف جزأي المضاف اليه ، بل كانا منفصلين ، فان لم يؤمن اللبس نحو : لقيت غلامي الزيدين ، فتثنية المضاف واجبة ، وإن أمن ، جاز جمعه قياسا ، وفاقا للفراء ويونس ، خلافا لغيرهما ، فانهم يجوّزونه سماعا ، نحو : ضع رحالهما ، وانما أمن اللبس لأنه لا يكون للبعيرين إلا رحلان ؛

والضمير الراجع إلى كل ما ذكرنا مما لفظه يخالف معناه ، يجوز فيه مراعاة اللفظ والمعنى ، نحو : نفوسكما أعجبتاني وأعجبتني ، وكذا الوصف والاشارة ، ونحو ذلك ؛

__________________

(١) من الآية ٣٨ في سورة المائدة

(٢) يعني بالخبر ، السنة ، وما جاء في ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

(٣) ضمير المثنى في : ظهراهما يعود إلى المهمهين اللذين يتحدث عنهما ، والترس من الآت الحرب ؛ والرجز لخطام المجاشعي وقبله : ومهمهين قذفين مرتين ، والمهمه القذف البعيد ، والمرت بسكون الراء : الذي لا ماء فيه ،

٣٦١

[وقوع المفرد]

[موقع المثنى والجمع]

وقد يقع المفرد موقع المثنى فيما يصطحبان ولا يفترقان (١) ، كالرجلين والعينيين تقول : عيني لا تنام ، أي عيناي ، وقريب منه قوله :

٥٥٩ ـ حشاي على جمر ذكيّ من الغضى

وعيناي في روض من الحسن ترتع (٢)

وقد يقع المفرد موقع الجمع كقوله تعالى : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ، (٣) وقوله تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) (٤) ، وذلك لجعلهم كذات واحدة في الاجتماع والترافد كقوله صلّى الله عليه وسلم : «المؤمنون كنفس واحدة» ، ومن قيام المفرد مقام الجمع قوله :

٥٦٠ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا

فان زمانكم زمن خميص (٥)

وقد يقوم «افعلا» (٦) مقام : «افعل» ، كقوله تعالى : (أَلْقِيا في جهنم) (٧) ، إمّا على تأويل : ألق ألق ، اقامة [لتكرير الفعل مقام تثنية الفاعل (٨)] للملابسة التي بينهما ، وبمثله فسّر قوله تعالى : (رَبِّ ارْجِعُونِ) (٩) أي : ارجعني ارجعني ارجعني ، وامّا لأن أكثر الرفقاء

__________________

(١) أوضح من هذه العبارة ما جاء في بعض النسخ ، وهو : فيما يصطحب من الاثنين ، ولا يفارق أحدهما الآخر ، كالرجلين .. الخ!

(٢) من قصيدة للمتنبي ، مطلعها :

حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا

فلم أدر أيّ الظاعنين أشيّع

ومعنى قول الشارح إنه قريب من وقوع المفرد موقع المثنى ، ان المراد عيني فهو عكس ما يتحدث عنه ، ويمكن أن يكون منه بالنسبة لقوله ترتع أي ترتعان ؛

(٣) من الآية ٨٢ سورة مريم ؛

(٤) من الآية ٥٠ سورة الكهف ،

(٥) من أبيات سيبويه التي لم يعرف لها قائل ، وهو في سيبويه ١ / ١٠٨

(٦) أي صيغة فعل الأمر المتصلة بضمير المثنى ؛

(٧) الآية ٢٤ في سورة ق

(٨) العبارة هكذا في الأصل المطبوع ويبدو أنها معكوسة وأن الصواب : إقامة لتثنية الفاعل مقام تكرير الفعل ؛

(٩) الآية ٩٩ في سورة المؤمنون ؛

٣٦٢

ثلاثة فكل واحد منهم يخاطب صاحبيه في الأغلب ، فيخاطب الواحد أيضا مخاطبة الاثنين ، لتمرّن ألسنتهم عليه ؛

وقد يقدّر تسمية جزء باسم كل ، فيقع الجمع مقام واحده أو مثناه نحو قولهم : جبّ مذاكيره (١) ، وبعير أصهب العثانين (٢) ، وقطع الله خصاه ؛ (٣)

ويجوز تثنية اسم الجمع ، والمكسّر ، غير الجمع الأقصى على تأويل فرقتين ، قال :

٥٦١ ـ لنا ابلان ، فيهما ما علمتم

فعن أيهما ما شئتم فتنكبوا (٤)

وقال :

٥٦٢ ـ لأصبح الحيّ أوبادا ولم يجدوا

عند التفرق في الهيجا جمالين (٥)

ولا يجوز : لنا مساجدان ؛

__________________

(١) المذاكير : جمع ذكر والجميع باعتبار الذكر مع الخصيين ؛

(٢) العثنون : شعيرات طوال تحت حنك البعير والصّهبة من الألوان ؛

(٣) أي خصيتيه ؛

(٤) فعن أيهما بإسكان الياء من غير تشديد ، وهو مخفف من أيّهما بالتشديد وروي : فعن أيها بتشديد الياء وإفراد ضمير المؤنث ؛ والبيت بهذه الرواية منسوب لشاعر إسلامي اسمه شعبة بن نمير ، وقال بعضهم انه بيت مفرد ، وأورد آخرون معه بعض الأبيات ؛ والشطر الأول وقع في قصيدة لعوف بن عطية الحزع صدرا لمطلعها وهو قوله :

هما ابلان فيهما ما علمتم

فأدّوهما إن شئتم أن نسالما

(٥) قائله عمرو بن عدّاء الكلبي ؛ وكان معاوية بن أبي سفيان أرسل ابن أخيه : عمرو بن عقبة بن أبي سفيان ساعيا على صدقات بني كلب فأخذ منهم أكثر مما يلزمهم فقال عمرو بن عدّاء : :

سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا

فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

لأصبح الحيّ أوبادا ، ولم يجدوا

عند التفرق في الهيجا جمالين

قال البغدادي من الخزانة ان «عقالا» وعقالين ، منصوبان على الظرفيّة ، والتقدير : مدة عقال ومدة عقالين ، وفسّر العقال بأنه صدقة عام واحد ، والعقالان صدقة عامين ، والسّبد : الشعر والوبر ويكنى بهما عن الابل ، واللبد الصوف ويكنى به عن الغنم ، ويقال ما ترك له سبد ولا لبد ويراد أنه افتقر ، واللام في قوله لأصبح في جواب شرط مستفاد من البيت الأول والتقدير : لو أنه سعى عقالين أي أخذ صدقات عامين لأصبح الحي أوبادا ، وهو جمع وبد على وزن كتف أي سيّئ الحالة ، يقول : لأصبحنا في أسوأ حال ولم نجد ما يحملنا إلى الحرب ، وتثنية الجمال لأن للركوب طائفة منها ولحمل الأمتعة أخرى ؛

٣٦٣
٣٦٤

[الجمع]

[تعريف الجمع]

[والفرق بين ما دل على متعدد]

[كاسم الجمع واسم الجنس]

[قال ابن الحاجب :]

«المجموع : ما دلّ على آحاد مقصودة بحروف مفرده بتغيير مّا»

«فنحو : تمر ، وركب ، ليس بجمع على الأصح ،»

«ونحو فلك : جمع» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «ما دل على آحاد» ، يشمل المجموع وغيره ، من اسم الجنس ، كتمر ، ونخل ، واسم الجمع ، كرهط ، ونفر ، والعدد ، كثلاثة وعشرة ، ومعنى قوله : «مقصودة بحروف مفرده بتغيير ما» أي تقصد تلك الآحاد ، ويدل عليها بأن يؤتى بحروف مفرد ذلك الدال عليها ، مع تغيير مّا ، في تلك الحروف ، إمّا تغيير ظاهر ، أو مقدر ، فالظاهر ، إمّا بالحرف ، كمسلمون ، أو بالحركة ، كأسد ، في أسد ، أو بهما ، كرجال ، وغرف ، والتغيير المقدر ، كهجان وفلك ، فقوله : بتغيير ما ، أي : مع تغيير ، وهو حال من قوله : حروف مفرده ، أي كائنة مع تغيير مّا ؛ ودخل في قوله : تغيير ما ؛ جمعا السلامة ، لأن الواو والنون ، في آخر الاسم ، من تمامه ، وكذا الألف والتاء ، فتغّيرت الكلمة بهذه الزيادات ، الى صيغة أخرى ، وخرج بقوله : «مقصودة بحروف مفرده بتغيير ما» : اسم الجمع نحو ابل وغنم ، لأنها وان دلت على آحاد ، لكن لم يقصد الى

٣٦٥

تلك الآحاد بأن أخذت حروف مفردها وغّيرت بتغيير ما ، بل آحادها ألفاظ من غير لفظها ، كبعير ، وشاة ؛

فان قيل : فنحو ركب في راكب ، وطلب في طالب ، وجامل وباقر في جمل وبقر ، داخل فيه ، إذا آحادها من لفظها كما رأيت ، أخذ «راكب» مثلا ، وغيرّت حروفه ، فصار : ركب ؛

قلت : ليس «راكب» بمفرد «ركب» وان اتفق اشتراكهما في الحروف الأصلية ، وإنما قلنا ذلك ، لأنها لو كانت جموعا لهذه الآحاد ، لم تكن جموع قلة ، لأن أوزانها محصورة ، كما يجيء ، بل جموع كثرة ، وجمع الكثرة لا يصغر على لفظه ، بل يردّ الى واحده كما يجيء في باب التصغير ؛ وهذه لا تردّ ، نحو : ركيب ، وجويمل ، وأيضا ، لو كانت جموعا لردّت في النسب الى آحادها ولم يقل : ركبيّ وجامليّ ، وأيضا ، لو كانت جموعا ، لم يجز عود الضمير الواحد اليها ، قال :

٥٦٣ ـ فان تك ذا شاء كثير فانهم

لهم جامل ما يهدأ الليل سامره (١)

وقال :

فعبّت غشاشا ثم مرت كأنها

مع الصبح ركب من أحاظة مجفل (٢) ـ ٥٤٢

ويخرج ، أيضا ، اسم الجنس ، أي الذي يكون الفرق بينه وبين مفرده إمّا بالتاء نحو : تمرة وتمر ، أو بالياء نحو : روميّ وروم ؛ وذلك لأنها لا تدل على آحاد اذ اللفظ لم يوضع للآحاد بل وضع لما فيه الماهية المعيّنة ، سواء كان واحدا ، أو مثنى ، أو جمعا ؛ ولو سلّمنا الدلالة عليها ، فانه لا يدل عليها بتغيير حروف مفرده ؛

فان قيل : أليس آحاده أخذت وغيّرت حروفها بحذف التاء أو الياء؟ قلت : ليس

__________________

(١) للحطيئة في مدح بغيض بن شمّاس بن لأي ، والتعريض بالزبرقان بن بدر ، وهو ابن عمّ لشمّاس ، يقول فيها مخاطبا الزبرقان :

فدع آل شماس بن لأي فانهم

مواليك ، أو كاثر بهم من تكاثره

إلى أن قال :

فإن تك ذا شاء كثير ، فإنهم

لهم جامل .. الخ

والجامل اسم جمع للجمل أو هو الجمال ورعاتها والقائمون عليها ،

(٢) من قصيدة الشنفري المسماة بلامية العرب ، وتقدم ذكره في باب المذكر والمؤنث من هذا الجزء

٣٦٦

ذو التاء ، ولا ذو الياء مفردين لاسم الجنس للأوجه الثلاثة (١) المذكورة في اسم الجمع ، وتزيد عليه ، أن اسم الجنس يقع على القليل والكثير فيقع التمر ، على التمرة ، والتمرتين والتمرات ، وكذا : الروم ، فان أكلت تمرة أو تمرتين ، وعاملت روميا أو روميّين ، جاز لك أن تقول : أكلت التمر ، وعاملت الروم ، ولو كانا جمعين ، لم يجز ذلك ، كما لا يقع رجال ، على رجل ، أو رجلين ، بلى ، قد يكون بعض الأجناس ممّا اشتهر في معنى الجمع ، فلا يطلق على الواحد والاثنين ، وذلك بحسب الاستعمال لا بالوضع ، كلفظ الكلم ؛ وعند الأخفش : جميع أسماء الجموع التي لها آحاد من تركيبها ، كجامل وباقر ، وركب : جمع ، خلافا لسيبويه ؛ وعند الفرّاء : كل ماله واحد من تركيبه سواء كان اسم جمع كباقر وركب ، أو اسم جنس كتمر ، وروم فهو جمع ، والا فلا ؛

وأمّا اسم الجمع واسم الجنس اللذان ليس لهما واحد من لفظهما فليسا بجمع اتفاقا ، نحو ابل ، وتراب ، وإنما لم يجىء لمثل تراب ، وخل ، مفرد بالتاء ، إذ ليس له فرد مميّز عن غيره ، كالتفاح ، والتمر ، والجوز ؛

والفرق بين اسم الجمع واسم الجنس مع اشتراكهما في أنهما ليسا على أوزان جموع التكسير ، لا الخاصة بجمع القلة ، كأفعلة وأفعال ، ولا المشهورة فيه كفعلة نحو : نسوة ؛ أن اسم الجمع لا يقع على الواحد والاثنين ، بخلاف اسم الجنس ، وأن الفرق بين واحد اسم الجنس وبينه (٢) فيما له واحد متميز ، إمّا بالياء ، أو التاء بخلاف اسم الجمع ؛

فان قيل : فقد خرج بقولك : مقصودة بحروف مفرده بعض الجموع أيضا ، أعني جمع الواحد المقدّر نحو عباديد وعبابيد بمعنى الفرق ، ونسوة في جمع امرأة ، فينبغي أيضا ، أن يكون من أسماء الجموع ، كابل وغنم ،

قلت : إن أسماء الجموع ، كما مرّ ، هي المفيدة لمعنى الجمع مخالفة لأوزان الجموع الخاصة بالجمع والمشهورة فيه ، ونحو عباديد ، وعبابيد ، وزن خاص بالجمع ، ونحو : نسوة مشهور فيه ، فوزنها أوجب أن تكون من الجموع ، فيقدر لها واحد ، وإن لم يستعمل ،

__________________

(١) وهي التصغير على لفظه وعدم رده في النسب إلى المفرد وعود الضمير عليها مفردا ؛ وهي مذكورة قبل قليل ؛

(٢) أي وبين اسم الجنس ، ومراده ما يسمّى باسم الجنس الجمعي ،

٣٦٧

كعبّاد ، وعبدود ، ونساء كغلام وغلمة فكأن له مفردا غيّر تغييرا مّا ؛

وقد ألحق بجمع الواحد المقدر ، نحو مذاكير في جمع ذكر ، ومحاسن في جمع حسن ، ومشابه في جمع شبه ، وان كان لها واحد من لفظها ، لّما لم يكن قياسيّا ، فكأن واحدها مذكور ، او مذكار ، ومحسن ومشبه ، وكذا : أحاديث (١) النبي صلّى الله عليه وسلم ، في جمع الحديث ، وليس جمع الأحدوثة المستعملة ، لأنها : الشيء الطفيف الرذل ، حوشي صلّى الله عليه وسلّم عن مثله ،

وما يقع على الجمع وعلى الواحد أيضا مما ليس في الأصل مصدرا وصف به ، يعرف كونه لفظا مشتركا بين الواحد والجمع أو كونه اسم جنس ، بأن ينظر ؛ فان لم يثنّ إلّا ، لاختلاف النوعين ، فهو اسم جنس ، كالتمر والعسل ، وإن ثني ، لا ، لاختلاف النوعين ، فهو جمع مقدر تغييره ، كهجان (٢) ، بمعنى الأبيض ، وكالفلك ، والدلاص (٣) ، تقول في التثنية : هجانان وفلكان ، ودلاصان ، فهجان ودلاص ، في الواحد ، كحمار وكتاب ، وفلك ، كقفل ، وفي الجمع : كرجال وخضر ، الحركات والحرف المزيد ؛ غير حركات المفرد وحرفه تقديرا ؛

وأمّا الوصف الذي كان في الأصل مصدرا ، نحو صوم وغور (٤) ، فيجوز أن يعتبر الأصل فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، قال الله تعالى : (حديث ضَيف ابراهيم المكرمين)(٥) ، وقال : (نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ)(٦) ؛ ويجوز اعتبار حاله المنتقل اليها ، فيثنى ويجمع ، فيقال : رجلان عدلان ، ورجال عدول ، وأمّا تاء التأنيث فلا تلحقه لأنها لا تلحق من

__________________

(١) يعني لفظة أحاديث التي يراد بها أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم ،

(٢) الهجان هي الإبل البيضاء ؛

(٣) الدلاص : الدرع الدلاص التي تبرق وتلمع

(٤) ماء غور ، أي غائر وذاهب في الأرض ،

(٥) الآية ٢٤ سورة الذاريات

(٦) الآية ٢١ سورة ص ؛

٣٦٨

الصفات الا ما وضع وصفا ؛ وأمّا قوله تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)(١) ، وقوله : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)(٢) فليس باسم الجنس ، اذ يقال : عدوّان ، وضدّان ، لا ، لاختلاف النوعين ، ولا مشتركا بين الواحد والجمع ، كهجان ، لأنهما ليسا على وزن الجمع ؛ ولا اسمي جمع كإبل ، لوقوعهما على الواحد أيضا ، ولا ممّا هو في الأصل مصدر ، إذ لم يستعملا مصدرين ، بل هما مفردان أطلقا على الجمع ، كما ذكرنا قبل

[أنواع الجمع]

[جمع المذكر السالم]

[قال ابن الحاجب :]

«وهو صحيح ومكسر ؛ الصحيح لمذكر ومؤنث ، المذكر :»

«ما لحق آخره واو مضموم ما قبلها ، أو ياء مكسور»

«ما قبلها ، ونون مفتوحة ليدلّ على أنّ معه أكثر منه فان»

«كان آخره ياء قبلها كسرة حذفت ، مثل : قاضون ،»

«وان كان مقصورا ، حذفت الألف وبقي ما قبلها مفتوحا ،»

«مثل مصطفون» ؛

[قال الرضى :]

قيل : قد تكسر نون الجمع ضرورة ، قال :

٥٦٤ ـ عرفنا جعفرا وبني رياح

وأنكرنا زعانف آخرين (٣)

__________________

(١) من الآية ٥٠ سورة الكهف وتقدمت

(٢) الآية ٨٢ سورة مريم ، وتقدمت ،

(٣) أحد أبيات لجرير يخاطب فضالة العرني وكان جرير هجا سليط بن الحارث وهو خال فصالة ، فقال فضالة ـ

٣٦٩

ويمكن أن يكون ، جعل النون معتقب الاعراب ؛ أي زعانف قوم آخرين ؛ ولا يخلو المفرد في جمع المذكر السالم أن يكون صحيحا ، أو ، لا ، وقد مضى حكم الصحيح ، والمعتل إمّا أن يكون منقوصا أو مقصورا أو غير ذلك ، فما هو غير ذلك ، في حكم الصحيح ، كظبيون ، ودلوون في العاقل المسمّى بظبي ودلو ؛ والمنقوص تحذف ياؤه ، وذلك لأنها تنضم قبل الواو ، وتنكسر قبل الياء ، والضم والكسر : مستثقلان على الياء المكسور ما قبلها طرفا ، كما في : جاءني القاضي ومررت بالقاضي وهذه الياء مع واو الجمع ويائه في حكم الطرف لعدم لزومهما ، فحذفا. (١) فالتقى ساكنان ، فحذف أولهما كما هو القياس في الساكنين اللذين أولهما حرف مد ، فضمّ ما قبل الواو ، لمناسبتها للضمة كما في الصحيح ، ولو أبقيت الكسرة مع بقاء الواو بعدها ، لتعسّر النطق بها ، ولو قلبت الواو ياء ، لم يبق فرق بين رفع الجمع وغيره من النصب والجر ،

فان قيل : فكذا في نحو : مسلميّ

قلت : ذلك لياء الاضافة التي هي على شرف الزوال ، وأمّا في حال النصب ، والجر ، فحذفت الياء ، وبقيت الكسرة على حالها ، لكون ياء الجمع بعدها ؛

ولم تحذف ياء المنقوص في المثنى لأنها تنفتح ، كما ذكرنا ، قبل ألف المثنى ويائه ، والفتحة لا تستثقل على الياء ، كما في رأيت القاضي ؛

وان كان الاسم مقصورا ، حذفت الألف في الأحوال (٢) ، للساكنين ، نحو : مصطفون ، ومصطفين ، والعيسون والعيسين ؛ وإنما حذفت في الجمع وقلبت في المثنى

__________________

لجرير : أتهجو خالي والله لأقتلنك ، فقال جرير :

اتوعدني وراء بني رياح

كذبت ، لتقصرن يداك دوني

وروى قوله عرفنا جعفرا .. الخ : عرفنا جعفرا وبني أبيه ، وفي الخزانة : وبني عبيد ، والزعانف جمع زعنفة وأصلها أهداب الثوب والمراد هنا الإتباع ،

(١) يعني ياء الجمع وواوه ؛

(٢) أي أحوال الاعراب الثلاثة ؛

٣٧٠

مع التقاء الساكنين فيه أيضا ، وكون أولهما حرف مد ، إمّا لأنه لو حذفت في المثنى ، أيضا ، لالتبس في الرفع إذا أضيف ، بالمفرد نحو : جاءني : أعلا اخوتك (١) ، بخلاف الجمع ، فانك تقول فيه أعلو اخوتك ، وأعليهم ، فلا يلتبس به ؛ وإمّا لأن فتحة الواو والياء قبل الألف أو الياء في نحو : عصوان وعصوين ، ورحيان ورحيين ، أخف من ضمتهما أو كسرتهما قبل الواو والياء ؛ ومن ثمة ، لا ترى في الطرف نحو : غزووت ورمييت ، كما ترى نحو : غزوان وغليان ؛ فاذا لم يأت ذلك في الطرف ، مع كون الواو المضمومة في نحو غزووت ، والياء المكسورة في رمييت في حكم الوسط للزوم الواو والياء بعدهما ، كما في : سبروت (٢) ، وعفريت ، فما ظنك بنحو : أعلوون ، وأعليين مع عدم لزوم واو الجمع ويائه ، بل يجيء مثله في الوسط نحو : قوول وطويل ، وغيور ، وبييع ،

والكوفيون يلحقون ذا الألف الزائدة بالمنقوص جوازا ، فيقولون : العيسون بضم السين ، والعيسين بكسرها ؛

[شرط جمع المذكر]

[قال ابن الحاجب :]

«وشرطه : إن كان اسما فمذكر علم يعقل ، وان كان صفة»

«فمذكر يعقل وأن لا يكون أفعل فعلاء ، مثل أحمر .. ،»

«ولا فعلان فعلى ، مثل سكران ، ولا مستويا فيه مع المؤنث»

«مثل جريح وصبور ، ولا بتاء مثل علّامة» ؛

__________________

(١) الذي هو مثنى أعلى ؛

(٢) من السّبر ، ومعناه الخبير بمسالك الأرض

٣٧١

[قال الرضى :]

قوله : وشرطه ، أي شرط الجمع المذكر السالم إذا كان اسما ، أي غير صفة ؛

قال في الشرح (١) : كان مستغنيا عن قوله : مذكر ، لأن الكلام في جمع المذكر ، وإنما ذكره ليرفع وهم من يظن أن قوله : جمع المذكر السالم كاللقب الذي يطلق على الشيء وان لم يكن تحته معنى ، كما يسمّى الأبيض بالأسود ، فيقال : جمع المذكر لغير جمع المذكر ، أو ليرفع وهم من يذهل عن تقدم التذكير ؛

ولا شكّ في برودة هذين العذرين ؛ ثم قال : أو يظنّ ان طلحة داخل ، فيجمعه على طلحون ، وهذا ، أيضا ، ليس بشيء ، لأن نحو طلحة ان خرج بقوله فمذكر ، يخرج ، أيضا ، بقوله : جمع المذكر ، وان لم يخرج بالأول لأنه مذكر المعنى لا مذكر اللفظ ، لم يخرج بالثاني ، أيضا ؛

وكان عليه أن يقول : شرطه التجرد عن التاء ، ليدخل فيه نحو : ورقاء ، وسلمى اسمي رجلين ، فانهما يجمعان بالواو والنون اتفاقا ، ويخرج نحو طلحة وحده ،

واعلم أن شروط جمع المذكر بالواو والنون ، على ضربين ؛ عام للصفات والأسماء ، وخاص بأحدهما ؛ فالعامّ لهما شيئان : أحدهما التجرد عن تاء التأنيث ، فلا يجمع نحو طلحة في الأسماء ، وعلّامة في الصفات ، بالواو والنون ، خلافا للكوفيين وابن كيسان (٢) في الاسم ذى التاء ، فانهم أجازوا : طلحون بسكون عين الكلمة ، وابن كيسان يفتحها ، نحو : طلحون ، قياسا على الجمع بالألف والتاء ، كالطلحات والحمزات ، وذلك لأن حقه الألف والتاء ، كما قالوا أرضون ، بفتح الراء ، لما كان حقه الألف والتاء ؛

والذي قالوه مخالف للقياس والاستعمال ، أمّا الاستعمال فنحو قوله :

٥٦٥ ـ نضّر الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات (٣)

__________________

(١) أي شرحه على الكافية

(٢) أبو الحسن محمد بن إبراهيم بن كيسان ممنّ تقدم ذكرهم في هذا الجزء ، وما قبله ؛

(٣) أول أبيات لابن قيس الرقيات في رثاء طلحة الطلحات ، والرواية المشهورة رحم الله أعظما .. وطلحة الطلحات

٣٧٢

وأمّا القياس فلأن التاء ، لو بقيت مع الواو والنون لاجتمعت علامتا التذكير والتأنيث ، وان حذفت ، كما عملوه ، حذف الشيء مع عدم ما يدل عليه ، وغلب على الظنّ أنه جمع المجرد عنها ، لكثرة جمع المجرد عنها بالواو والنون ؛ ولو جاز في الاسم لجاز في الصفة ، نحو : ربعون وعلّامون ، ولا يجوز اتفاقا ، وان قاسوا ذا التاء على ذى الألف ، فليس لهم ذلك ، لأن الألف الممدودة تقلب واوا فتنمحي صورة علامة التأنيث ، وإنما قلبوها واوا دون الياء ، لتشابههما في الثقل ، كما قيل في صحراوات ، والألف المقصورة تحذف ، وتبقى الفتحة قبلها دالّة عليها ؛ وإنما لم تحذف الممدودة ، والمقصورة نسيا ، حذف التاء (١) ، للزومهما الكلمة ، فكأنهما لامها ؛

وذكر أن المازني ، كان يجيز في : ورقاؤون ، الهمز في الواو لأجل الضمة ، قال السيرافي ، هذا سهو ، لأن انضمامها لواو الجمع بعدها فهو كانضمام واو : دلوك ، وانضمام واو : أعلو القوم ، ولا يجوز الهمز فيهما اتفاقا ؛ وإنما يجوز همز الواو المضمومة ضمة لازمة ، كما يجيء في التصريف ؛

وإذا سمّي بسعاد وزينب وهند ، مذكر عالم (٢) ، جمعت أيضا بالواو والنون ، كما يجمع نحو زيد ، بالألف والتاء إذا سمّي به مؤنث ، وكذا إذا سمّي بأحمر مذكر عالم قلت أحمرون ، وأحامر ، وان سمّي به مؤنث قلت : أحمرات وأحامر ؛ والثاني من الشرطين العامّين أن يكون من أولي العلم ؛ فلا يجمع نحو : أعوج ، وفرس طويل ، بالواو والنون ؛

وقد يشبه غير ذوي العلم بهم في الصفات إذا كان مصدر تلك الصفات من أفعال

__________________

هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي قالوا سبب تسميته بذلك أن أمه صفية بنت الحارث بن طلحة بن أبي طلحة ، وأخوها طلحة بن الحارث ، واسمه هو طلحة ؛ والله أعلم ؛ وقيل انه فاق في الجود خمسة اسم كل منهم طلحة ؛

(١) أي مثل حذف التاء ؛

(٢) نائب فاعل سمي ؛

٣٧٣

العلماء ، كقوله تعالى : (أتينا طائعين)(١) ، وقوله : (فظلت أعناقهم لها خاضعين)(٢) ، و : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)(٣) ، ومثله في العقل : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٤) ،

وقول المصنف : علم يعقل ومذكر يعقل ؛ الأولى فيه أن يقول «يعلم» ، ليشمل نحو قوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٥) ، إذ لا يطلق عليه تعالى أنه عاقل ، لإيهام العقل للمنع من القبائح الجائزة على صاحبه ، تعالى الله عنها علوّا كبيرا ؛

وإنما خص أولو العلم بالجمع المصحح بالواو والنون ، لأنهم أشرف من غيرهم والصحة في الجمع أشرف من التكسير ، وأما اختصاصهم بالواو ، فلما مرّ في تعليل تخصيص ضمير العقلاء في نحو : الرجال ضربوا ، بالواو ؛ (٦)

وخصّ بهذا الجمع من بين العلماء : الوصف والعلم دون غيرهما ، نحو رجل وانسان ، أما العلم فتحصينا له بالتصحيح عن جمع التكسير الذي يكثر التصرف في الاسم باعتباره ؛ وعادة العلم جارية بالمحافظة عليه من التصرف بقدر ما يمكن ، وأيضا ، فان العلم يلحقه الوهن بالجمع بسبب زوال التعريف العلميّ كما مضى ، فيجبر بالتصحيح ، كما جبر في نحو : قلون وكرون ؛ [ولهذا تشارك باب العلم المجموع هذا الجمع وباب كرون في جواز جعل النون معتقب الاعراب] ؛ (٧)

وأمّا الوصف فلأنه لما وضع مشابها للفعل ، مؤدّيا معناه ،. معلّا باعلاله ، مصحّحا بتصحيحه ، كما نبّين في التصريف ؛ أريد أن تكون العلامة الدالة على صاحبه الذي يجري الوصف عليه في الجمع ، كعلامة الفعل وهي في الفعل واو ، نحو : الرجال فعلوا ،

__________________

(١) من الآية ١١ في سورة فصلت

(٢) من الآية ٤ في سورة الشعراء

(٣) من الآية ٤ في سورة يوسف

(٤) من الآية ٤٠ في سورة يس

(٥) من الآية ٤٨ في سورة الذاريات

(٦) متعلق بقوله تخصيص ؛

(٧) زيادة مفيدة ، وردت في بعض النسخ التي أشير إليها بهامش المطبوعة التركية.

٣٧٤

ويفعلون ، فجعلت في الوصف أيضا واوا ، وان كان واو الفعل اسما ، وواو الاسم حرفا ، ولتناسب الواوين ، قبح قام رجل قاعدون غلمانه ، كما قبح : يقعدون غلمانه ، ولّما لم يكن في غير الوصف ، والعلم ما اختصّا به من المقتضيين للتصحيح لم يجوّزوا تصحيحه ؛

والوصف الذي يجمع بالواو والنون : اسم الفاعل ، واسم المفعول وأبنية المبالغة ، إلّا ما يستثنى ، والصفة المشبهة ، والمنسوب ، والمصغر ، نحو رجيلون ، إلّا أن المصغّر مخالف لسائر الصفات من حيث لا يجري على الموصوف جريها ؛

وإنما لم يجر ، لأن جري الصفات عليه إنما كان لعدم دلالتها على الموصوف المعيّن ، كالضارب والمضروب والطويل والبصريّ ، فانها لا تدل على موصوف معّين ، وأمّا المصغّر فانه دال على الصفة والموصوف المعّين معا ، اذ معنى رجيل : رجل صغير ، فوزانه وزان (١) : رجل ورجلين ، في دلالتهما على العدد والمعدود معا فلم يحتاجا الى ذكر عدد قبلهما ، كما تقدّم ، وكل صفة تدل على الموصوف المعّين لا يذكر قبلها ، كالصفات الغالبة ؛ ويفارقها ، أيضا ، من حيث إنه لا يعمل في الفاعل عملها ، لأن الصفات ترفع بالفاعلية ، ما هو موصوفها معنى ، والموصوف في المصغر مفهوم من لفظه فلا يذكر بعده ، كما لا يذكر قبله ، فلما لم يعمل في الفاعل وهو أصل معمولات الفعل لم يعمل في غيره من الظرف ، والحال ، وغير ذلك ؛

وأمّا الخاص (٢) من شروط الجمع بالواو والنون ، فشيئان : العلمية ، وقبول تاء التأنيث ، فالعلميّة مختصة بالأسماء ، لما ذكرنا ، وقبول تاء التأنيث مختص بالصفات ، فلم يجمع هذا الجمع : أفعل فعلاء وفعلان فعلى ، وما يستوي مذكره ومؤنثه ، كما ذكرنا في باب التذكير والتأنيث ؛

وإنما اعتبر في الصفات قبول التاء ، لأن الغالب في الصفات أن يفرق بين مذكرها ومؤنثها بالتاء ، لتأديتها معنى الفعل ، والفعل يفرق بينهما فيه بالتاء نحو : الرجل قام ،

__________________

(١) يريد أن حاله كحال رجل ورجلين ، وليس المراد معنى الوزن الصرفي ؛

(٢) عودة إلى الحديث عن شروط جمع المذكر السالم ؛

٣٧٥

والمرأة قامت ، وكذا في المضارع التاء ، (١) وان كان في الأول ، نحو تقوم ؛ والغالب في الأسماء الجوامد أن يفرق بين مذكرها ومؤنثها بوضع صيغة مخصوصة لكل منهما ، كعير ، وأتان ؛ وجمل وناقة ، وحصان وحجراء ، (٢) أو يستوي مذكرها ومؤنثها ، كبشر وفرس ، هذا هو الغالب في الموضعين ، وقد جاء العكس أيضا في كليهما نحو : أحمر وحمراء ، والأفضل والفضلى وسكران وسكرى ، في الصفات ، وكامرئ وامرأة ورجل ورجلة في الأسماء ؛ فكل صفة لا تلحقها التاء ، فكأنها من قبيل الأسماء ، فلذا لم يجمع هذا الجمع ؛ أفعل فعلاء ، وفعلان فعلى ؛ وأجاز ابن كيسان : أحمرون وسكرانون واستدل بقوله :

فما وجدت بنات بني نزار

حلائل أسودينا وأحمرينا (٣) ـ ٢٤

وهو عند غيره شاذ ؛ وأجاز ، أيضا ، حمراوات ، وسكريات ، بناء على تصحيح جمع المذكر ؛ والأصل ممنوع فكذا الفرع ؛

وقد شذّ من هذا الأصل : أفعل التفضيل ، فانه يجمع بالواو والنون مع أنه لا تلحقه التاء ، ولعل ذلك ، جبرا لما فاته من عمل الفعل في الفاعل المظهر والمفعول مطلقا ، مع أن معناه في الصفة أبلغ وأتمّ من اسم الفاعل الذي إنما يعمل فيهما لأجل معنى الصفة ؛ كما جبروا بالواو والنون : النقص في نحو : قلون وكرون ، وأرضون ، على ما يجيء ؛

وأجاز سيبويه قياسا ، لا سماعا : ندمانون ، في قولهم ندمان ، لقبوله التاء ، كندمانة ، وكذا سيفانون ، لقولهم سيفانة ، قال سيبويه (٤) : لا يقولون ذلك ، وذلك لأن الأغلب في فعلان الصفة ، الا تلحقه التاء ، فندمانة وسيفانة ، كأنهما من قبيل الشذوذ ، فالأولى ألّا يجمعا هذا الجمع حملا على الأعم الأغلب ؛

وأمّا نحو عريانون ، وخمصانون ، فيجوز اتفاقا ، لأن فعلان الصفة بضم الفاء ، ليس أصله عدم لحوق التاء ؛

__________________

(١) يعني أن بدء المضارع بالتاء فيه تفرقة بين المسند إلى المذكر والمسند إلى المؤنث ؛

(٢) الأنثى من الخيل ،

(٣) تقدم في الجزء الأول في : ما لا ينصرف.

(٤) انظر سيبويه ٢ / ٢١٢.

٣٧٦

ولمّا ندرت من بين الصفات التي يستوي مذكرها ومؤنثها : عدوّة ، حملا (١) على صديقة ، ومسكينة ، حملا على فقيرة ؛ قال بعضهم (٢) : فيجوز في مسكين وعدو ، مسكينون وعدوّون ، ثم يجوز في المؤنث حملا على المذكر : مسكينات وعدوّات ، وهذا قياس لا سماع ؛ كما قال سيبويه في : ندمانون ؛

وشذّت من هذا الأصل صفة على خمسة أحرف أصلية ، كصهصلق (٣) ، فانه يستوي مذكره ومؤنثه ، مع أنه يقال : صهصلقون ، وصهصلقات ، لأن تكسير الخماسي مستكره ، كما يجيء في بابه ، فلم يبق إلا التصحيح ؛

قوله : «وشرطه إن كان اسما فمذكر علم» ، عبارة ركيكة ، وذلك لأنه لا يجوز أن يكون قوله : إن كان اسما فمذكر ، شرطا وجزاء ، خبرا لقوله : وشرطه ، لأن المبتدأ المقدر ، اذن ، بعد الفاء ، ضمير راجع الى «اسما» أي : فهو علم ، فتخلو الجملة من ضمير راجع الى المبتدأ ، الذي هو : «شرطه» ؛ مع أنه لا معنى ، اذن ، لهذا الكلام ؛ ومعنى الكلام : إن كان اسما فشرطه أن يكون علما فيكون ، على هذا ، جواب الشرط مدلول الجملة التي هي قوله : شرطه .. فمذكر ، وفيه محذورات : الأول دخول الفاء في خبر المبتدأ مع خلوه من معنى الشرط كقوله :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم (٤) ـ ٧٦

عند الأخفش ؛ والثاني : أن الشرط كونه مذكرا ، وليس في الخبر ما يجعله بمعنى المصدر ، والثالث : أنّ إلغاء الشرط المتوسط بين المبتدأ والخبر ضرورة ، كقوله :

٥٦٦ ـ إنك أن يصرع أخوك تصرع (٥)

__________________

(١) تعليل للتأنيث النادر في عدوة ،

(٢) جواب قوله ولما ندرت .. الخ

(٣) من معاني الصّهصلق : العجوز الكثيرة الصخب ، واسم للصوت الشديد ؛

(٤) تقدم في الجزء الأول في باب ما أضمر عامله على شريطة التفسير ؛

(٥) من رجز لعمرو بن خثارم البجلى ، والمخاطب به الأقرع بن حابس الصحابي رضي الله عنه ، وأول الرجز :

يا أقرع بن حابس يا أقرع ...

وبعده :

اني أخوك فانظرن ما تصنع ؛

٣٧٧

كما يجيء في بابه ، فلا يقال : زيد ، إن لقيته ، مكرمك ؛

ويمكن أن يعتذر (١) بأن الشرط والجزاء : خبر المبتدأ ، والتقدير : فهو حصول مذكر ، على أن الضمير المقدر بعد الفاء راجع الى قوله : شرطه ، والمضاف الى الخبر محذوف ، مع تعسف في هذا العذر ؛ وكذا قوله بعد : وان كان صفة فمذكر .. ؛

قوله : «ولا مستويا فيه مع المؤنث» ، عبارة أسخف من الأولى ، لأن «مستويا» عطف على : أفعل فعلاء ، فيكون المعنى : وألّا يكون الوصف المذكر مستويا في ذلك الوصف مع المؤنث ، ولا معنى لهذا الكلام ، وكيف يستوي الشيء في نفسه مع غيره ، ولو قال : ولا مستويا فيه المذكر مع المؤنث ، لكان شيئا ؛

[حذف نون الجمع]

[وما شذ جمعه بالواو والنون]

[قال ابن الحاجب :]

«وتحذف نونه للاضافة ؛ وقد شذ نحو سنين وأرضين» ؛

[قال الرضى :]

[أما حذف النون فقد مضى في المثنى](٢) ، وقد تحذف النون للضرورة كما في المثنى ، أو لتقصير الصلة ، كما في قوله :

الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم نطف (٣) ـ ٢٨٩

__________________

والرجز قيل في منافرة كان الحكم فيها الأقزع بن حابس ، وذلك في الجاهلية ؛

(١) محاولة من الشارح لإصلاح كلام المصنف الذي اعترض عليه ؛

(٢) هكذا بدأ الشارح كلامه في بعض النسخ ؛

(٣) تقدم في الجزء الثاني

٣٧٨

وربّما سقطت قبل لام ساكنة ، اختيارا ، كما جاء في الشواذ (١)(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ)(٢) بنصب «العذاب» تشبيها لها بالتنوين في نحو قوله :

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي (٣) ـ ٥٢٨

قوله : «وقد شذّ نحو سنين» ؛ الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير ؛

منها : أبينون ، قال :

٥٦٧ ـ زعمت تماضر أنني إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (٤)

وهو عند البصريين ، جمع «أبين» وهو تصغير «أبنى» على وزن أفعل ، كأضحى ، فشذوذه عندهم لأنه جمع لمصغّر لم يثبت مكّبره ؛

وقال الكوفيون : هو جمع «أبين» وهو تصغير «أبن» مقدرا ، وهو جمع «ابن» ، كأدل في جمع دلو ، فهو عندهم ، شاذ من وجهين : كونه جمعا لمصغر لم يثبت مكبره ، ومجيء أفعل في فعل ، وهو شاذ ؛ كاجبل وازمن ،

وقال الجوهري : شذوذه لكونه جمع «أبين» تصغير ابن ، بجعل همزة الوصل قطعا ؛ وقال أبو عبيد (٥) : هو تصغير «بنين» على غير قياس ؛

ومنها : دهيدهون وأبيكرون في قوله :

٥٦٨ ـ قد شربت الا الدّهيدهينا

قليّصات وأبيكرينا (٦)

__________________

(١) هي قراءة أبي السمال ،

(٢) الآية ٣٨ سورة الصافات

(٣) تقدم ذكره في باب العدد من هذا الجزء ؛

(٤) تماضر اسم امرأة بدأ الشاعر قصيدته بذكرها. والشاعر هو سلمى بن ربيعة بن السيّد الضبي ، والبيت من قصيدة أوردها أبو تمام في الحماسة ، وبعده :

تربت يداك وهل رأيت لقومه

مثلي على يسري وحين تعلّتى

واسم الشاعر إمّا سلمى بفتح السين وألف التأنيث وإما بضم السين وتشديد الياء ؛

(٥) المراد : القاسم بن سلام ، تلميذ أبي عبيدة بالتاء : معمر بن المثنى ، وتقدم ذكرهما ؛

(٦) هذا من رجز لم يعرف اسم قائله وإنما أورده أبو عبيد في الغريب المصنف ، وأوله :

يا وهب فابدأ ببني أبينا

ثمت ثنّ ببني أخينا

٣٧٩

فهما جمع : دهيده مصغر : دهداه وهو صغار الابل ، وجمع أبيكر تصغير أبكر مقدرا ، كأضحى عند البصريين ، فهو شاذ من وجهين أحدهما كونه بالواو والنون ، من غير العقلاء ، والثاني كونه جمع مصغّر ، لمكبّر مقدّر ؛ وهو عند الكوفيين جمع تصغير أبكر جمع بكر ، فشذوذه من جهة جمعه بالواو والنون فقط ، كالدّهيدهين ،

ومنها : أولو ، فانه جمع «ذو» على غير لفظه ؛ ومنها علّيون ، وهو اسم لديوان الخير ، على ظاهر ما فسّره الله تعالى في قوله : (كتاب مرقوم يشهده المقربون) (١) ، فعلى هذا ، ليس فيه شذوذ ، لأنه يكون علما منقولا عن جمع المنسوب الى : علّيّة ، وهي الغرفة ، والقياس أن يقال في المنسوب اليها : علّيّ ككرسيّ ، المنسوب الى كرسيّ ؛ وان قلنا ان «علّيون» غير علم ، بل هو جمع «علّيّة» وليس بمنسوب اليها وهو بمعنى الأماكن المرتفعة ، فهو شاذ ، لعدم التذكير والعقل ، فيكون التقدير في قوله تعالى : (كِتابٌ مَرْقُومٌ)(٢) : مواضع كتاب مرقوم على حذف المضاف ؛

ومنها : العالمون ، لأنه لا وصف ولا علم ، وأمّا العقل فيجوز أن يكون فيه على جهة التغليب لكون بعضهم عقلاء ، ويجوز أن يدّعى فيه الوصف لأن العالم هو الذي يعلم منه ذات موجده تعالى ويكون دليلا عليه ، فهو بمعنى الدالّ ؛

ومنها : أهلون ، وشذوذه لأنه ليس بصفة ، ويجوز أن يتمحّل له ذلك لأنه في الأصل بمعنى الإنس ، وأمّا قوله :

٥٦٩ ـ ولي دونكم أهلون : سيد عملّس

وأرقط ذهلول وعرفاء جيأل (٣)

فانما جمعه بالواو والنون مع عدم العقل لأنه جعل الذئب والأرقط والعرفاء بدل أهليه؛

__________________

وبين الشطرين المذكورين في الشرح قوله : إلّا ثلاثين وأربعينا

(١) الآيتان ٢٠ ، ٢١ من سورة المطففين ؛

(٢) إحدى الآيتين السابقتين ،

(٣) من لامية العرب للشنفري الأزدي ، وقد بين الشارح المراد بالأرقط والسيد والعرفاء ، والسيّد بكسر السين والعملّس بتشديد اللام السريع القوي على السير ، وبعد هذا البيت من القصيدة :

هم الأهل ، لا مستودع السر ذائع

لديهم ولا الجاني بما جرّ يخذل

٣٨٠