شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

وحكى سيبويه عن بعض العرب : قال فلانة ، استغناء بالمؤنث الظاهر عن علامته ، أنكره المبرد ؛ ولا وجه لانكار ما حكى سيبويه مع ثقته وأمانته ؛

كان الرافع نعم وبئس ، فكل واحد من الحذف والاثبات فصيح ، نحو :؟؟؟ هند ، ونعمت المرأة هند ، لمشابهتهما للحرف بعدم التصرف ؛

ولا تلحق نحو أكرم بهند في التعجب ، عند من أسند أكرم إلى هند ، كما لا تلحقه الضمائر ، نحو قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) ، لكون الفعلين غير متصرفين وأيضا للزوم كون الفاعل في صورة المفعول ، والفعل في صورة ما يطلبه بالمفعولية ، أمّا نحو قولك ما جاءتني من امرأة وكفت بهند ، فليس انجرار الفاعل بلازم ولا الفعل في صورة ما يطلب المجرورين بالمفعولية ؛

وإن كان منفصلا عن رافعه ، فان كان بالّا ، نحو ما قام الا هند ، فالأجود : ترك التاء في الرافع ، لأن المستثنى منه المقدر ، هو الذي كان في الأصل مرفوعا بالفاعلية ، على ما مرّ في باب الاستثناء ، فالمستثنى قام مقامه في الارتفاع مع الفصل بإلّا ، أو نقول : المسند اليه هو : الّا مع المستثنى ، من حيث المعنى وان كان في اللفظ هو المستثنى ، كما ذكرنا في باب الاستثناء ؛

وإن كان بغير إلّا ، نحو : قامت اليوم امرأة ، فالالحاق أجود ، لأن المسند اليه في الحقيقة هو المرتفع في الظاهر ، وأمّا الحذف فانما اغتفر لطول الكلام ، ولكون الإتيان بالعلامة ، اذن ، وعدا بالشيء مع تأخير الموعود ؛

وإن كان الظاهر غير حقيقي التأنيث ، فان كان متصلا ، نحو : طلعت الشمس ، فالحاق العلامة أحسن من تركها ، والكل فصيح ؛

وإن كان منفصلا ، فترك العلامة أحسن ، اظهارا لفضل الحقيقي على غيره ، سواء كان بإلّا أو بغيرها ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(٢).

__________________

(١) الآية ٣٨ في سورة مريم ،

(٢) الآية ٢٧٥ في سورة البقرة ،

٣٤١

هذا كله حكم ظاهر المفرد والمثنى ، وأما ضميرهما فان كان متصلا ، فالعلامة لازمة لرافعه ، سواء كان التأنيث حقيقيا ، كهند خرجت ، أو غيره كالشمس طلعت ، الا لضرورة الشعر نحو قوله :

فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل أبقالها (١) ـ ٢

على تأويل الأرض بالمكان ؛ وإنما لزمت العلامة لخفاء الضمير المتصل مرفوعا ، وكونه كجزء المسند ، بخلاف الظاهر والضمير المنفصل ؛

وإن كان منفصلا فهو كالظاهر لاستقلاله بنفسه ؛

وأمّا الجمعان المذكوران ، فان أسند الى ظاهرهما سواء كان واحد المكسر حقيقي التذكير أو التأنيث ، كرجال ونسوة ، أو مجازي التذكير أو التأنيث كأيام ، ودور ، وكذا واحد المجموع بالألف والتاء ينقسم هذه الأقسام الأربعة ، نحو : الطلحات والزينبات ، والجبيلات والغرفات ؛ فحكم (٢) المسند الى ظاهرهما حكم المسند الى ظاهر المؤنث غير الحقيقي إلا من شيء واحد ، وهو أن حذف العلامة من الرافع بلا فصل مع الجمع نحو : قال الرجال ، أو النساء ، أو الزينبات ، أحسن منه مع المفرد والمثنى ، لكون تأنيثه بالتأويل وهو كونه بمعنى جماعة ؛

وإنما لم يعتبروا التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد نحو قال النسوة ، لأن المجازي الطارئ أزال حكم الحقيقي ، كما أزال التذكير الحقيقي في رجال ، وإنما لم تبطل التثنية التذكير الحقيقي في رجلان ، ولا التأنيث الحقيقي في «الهندان» ، ولم يبطل الجمع بالواو والنون التذكير الحقيقي في «الزيدون» ، لبقاء لفظ المفرد فيه فاحترموه ،

وكان قياس هذا أن يبقى التأنيث الحقيقي في المجموع بالألف والتاء أيضا نحو الهندات لبقاء لفظ الواحد فيه أيضا ؛ إلا أنه لما كان يتغيّر ذلك المفرد ذو العلامة إمّا بحذفها إن كان تاء نحو : الغرفات ، أو بقلبها إن كان ألفا كما في الحبليات والصحراوات ؛

__________________

(١) من الشواهد التي وردت في الجزء الأول ؛

(٢) جواب قوله : وأما الجمعان ..

٣٤٢

كان ذلك التغيير كنوع من التكسير ، وكأن تأنيث الواحد قد زال لزوال علامته ، ثم حمل عليه ما التاء فيه مقدّرة فلا يظهر فيه التغيير كالزينبات والهندات ، لأن المقدر عندهم في حكم الظاهر ؛

والدليل على أن تأنيث نحو : الزينبات مجازي ، قول الحماسي :

٥٤٠ ـ حلفت بهدي مشعر بكراته

تخبّ بصحراء الغبيط درادقه (١)

وحكم البنين : حكم الأبناء ، وان كان بالواو والنون لعدم بقاء واحده ، وهو : ابن ؛ قال :

٥٤١ ـ لو كنت من مازن لم تستبح إبلى

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا (٢)

وكذا حكم المجموع بالواو والنون المؤنث واحده ، كالسنون والأرضون : حكم المجموع بالألف والتاء ، لأن حقه الجمع بالألف والتاء كما يجيء ؛ فالواو والنون فيه ، عوض من الألف والتاء ؛

ويساوي التاء في اللزوم وعدمه : تاء مضارع الغائبة ، ونون التأنيث الحرفية في نحو :

__________________

(١) البيت لشاعر جاهلي يقال له عارق الطائي ، أورده أبو تمام ، وقول الشارح : الحماسي يعني من شعراء الحماسة ، وجواب القسم في بيت بعده ، وهو قوله :

لئن لم تغيّر بعض ما قد صنعتم

لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

وكثر في كلام الشعراء : الحلف بالكعبة وبالساعين إليها ؛ والهدى : ما يهدى إلى البيت الحرام من الإبل والنعم ، والمشعر بصيغة اسم المفعول ما أسيل دمه ليعرف أنه هدى فهو كالعلامة له ، وبكرات جمع بكرة وتحريك الكاف إتباع كما هو حكم جمع المؤنث السالم ، وهي الشابة من الإبل ، والغبيط اسم مكان في الصحراء بين مكة والبصرة ، والدرادق جمع دردق بوزن جعفر : جماعات الإبل الصغار.

والخطاب موجّه لعمرو بن هند ملك الحيرة : وكان قد عزم على قتل جماعة من طيء فيهم الشاعر ، واسمه قيس ولكنه لقب بعارق بسبب هذا الشعر ، ولذلك قصة طويلة أوردها البغدادي في الخزانة ؛

(٢) أحد أبيات مشهورة قالها قريط بن أنيف العنبري ، أولها :

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

ومنها بعض شواهد في هذا الشرح وفي غيره من كتب النحو ؛

٣٤٣

ولكن ديافيّ أبوه وأمّه

بحوران يعصرن السليط أقاربه (١) ـ ٣٦٦

فظهر بهذا كله معنى قوله : «وحكم ظاهر الجمع مطلقا غير المذكر السالم حكم ظاهر غير الحقيقيّ ؛

وأمّا ان أسند الى ضمير الجمع ، وهو قوله : «وضمير العاقلين» الى آخر الباب فنقول :

ضمير الجمع إمّا أن يكون ضمير العاقلين ، أو ، لا ، والعاقلون امّا بالواو والنون ، أو ، لا ، فضمير العاقلين بالواو والنون ، هو الواو ، لا غير ، نحو : الزيدون قالوا ؛ ولا يجوز : قالت ، لبقاء لفظ المذكر الحقيقي ؛

وإنما خصوا العاقلين بالواو ، دون النون ، لأن أصل ما يزاد : حروف اللين ، والألف أخذه المثنى ؛ والجمع بالواو أولى منه بالياء ، لأن ثقل الواو مناسب للكثرة التي في الجمع ، وكان الواو ، لأصالته في الجمع أولى بالعاقلين ؛ لأصالتهم لغير العاقلين (٢) ، وصارت الياء للواحد المؤنث في : تفعلين ، وافعلي ، فلم يبق لجمع غير العاقلين من حروف المد شيء ، فجيئ بالنون لمناسبة بينها وبين الواو في الغنّة ؛

وضمير العاقلين لا بالواو والنون إمّا واو ، نحو : الرجال والطلحات : ضربوا ، نظرا إلى العقل ؛ وإمّا ضمير المؤنث الغائب نحو : الرجال والطلحات فعلت ، وتفعل ، وفاعلة ، نظرا إلى طرءان (٣) معنى الجماعة على اللفظ ؛

وأمّا غير العاقلين ، وهو ثلاثة أقسام : مذكر لا يعقل كالأيام والجبيلات ؛ (٤) ومؤنث يعقل ، كالنسوة والزينبات ، ومؤنث لا يعقل كالدور والظلمات ؛ فيجوز أن يكون ضمير جميعها : الواحد المؤنث الغائب بتأويل الجماعة ، وأن يكون النون ، لكونها جمع غير

__________________

(١) من شعر الفرزدق ، وتقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح.

(٢) يعني لأن العاقل أصل بالنسبة لغير العاقل ،

(٣) مصدر نادر للفعل طرأ ؛

(٤) جمع لتصغير جبل ؛

٣٤٤

العاقلين ، وقد تقدم أن النون موضوع له ، فتقول : الأيام والجبيلات ، والنساء والزينبات والدور والغرفات ، فعلت ، ويفعلن ؛

وهذه التفرقة بين جمع المذكر العاقل وغيره جارية في جميع الضمائر على اختلافها ، تقول في المرفوع المنفصل : أنتم وأنتن وهم وهنّ ، وفي المنصوب المتصل : ضربكم وضربكنّ ، وضربهم وضربهنّ ، وفي المنصوب المنفصل : اياهم اياكنّ ، إياهم اياهنّ ، وفي المجرور : لكم لكنّ ، لهم لهنّ ، والأصل : انتموا ، وضربكموا ، واياكموا ، ولكموا ؛

وأما اسم الجنس فيجوز اجراء ظاهره وضميره مجرى ظاهر المفرد المذكر ، والمؤنث ، وضميرهما ، ولا يمتنع اجراء ضميره مجرى ضمير جمع التكسير ، نحو : انقعر النخل ، وانقعرت النخل ، والنخل انقعر وانقعرت وانقعرن ،

وأما اسم الجمع فبعضه واجب التأنيث كالابل والغنم والخيل ، فحاله : كحال جمع التكسير ، في الظاهر والضمير ، وبعضه يجوز تذكيره وتأنيثه كالركب ، قال :

٥٤٢ ـ فعبّت غشاشا ثم مرّت كأنها

مع الصبح ركب من أحاظة مجفل (١)

فهو كاسم الجنس ، نحو : مضى الركب ، ومضت الركب ، والركب مضى ، ومضت ومضوا ، والله أعلم ؛

__________________

(١) من قصيدة الشنفري الأزدي المسماة بلامية العرب وهو في وصف سرب القطا بعد أن شرب ، وإحاظة اسم قبيلة من اليمن أو من الأزد ، والمجفل : المسرع ، وقوله : غشاشا بكسر الغين ، قيل معناه شربت على عجل ، وقيل معناه شربت قليلا ، أو شربت شربا غير مرو ، ومن هذه القصيدة عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛

٣٤٥
٣٤٦

[المثنى]

[تعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«المثنى : ما لحق آخره ألف ، أو ياء مفتوح ما قبلها ، ونون»

«مكسورة ، ليدلّ على أنّ معه مثله من جنسه» ؛

[قال الرضى :]

يريد بالجنس ههنا ، على ما يظهر من كلامه في شرح هذا الكتاب (١) : ما وضع صالحا لأكثر من فرد واحد ، بمعنى جامع بينها في نظر الواضع ، سواء كانت ماهيّاتها (٢) مختلفة ، كالأبيضين ، لانسان وفرس ، فان الجامع بينهما في نظره : البياض ، وليس نظره إلى الماهيتين ، بل إلى صفتهما التي اشتركا فيها ؛ أو متفقة كما تقول : الأبيضان لانسانين ، والبيض ، لأفراس ، وسواء كان الواضع واحدا كالرجل ، أو أكثر ، كالزيدين ، والزيدين ، فان نظر كل واحد من الواضعين ، في وضع لفظة زيد ليس الى ماهية ذلك المسمّى ، بل الى كون ذلك المسمّى ، أيّ ماهية كان ، متميزا بهذا الاسم عن غيره ، حتى لو سمّي بزيد انسان ، وسمّي به فرس ، فالنظر في الوضعين الى شيء واحد ، كما في الأبيضين ونحوه ، وهو كون تلك الذات متميزة عن غيرها بهذا الاسم ؛

وهذا الذي ذهب اليه المصنف ، خلاف المشهور من اصطلاح النحاة ، فانهم يشترطون

__________________

(١) أي شرح الكافية ؛

(٢) أي ماهيات الأفراد المستفادة من قوله كل فرد ؛

٣٤٧

في الجنس وقوعه على كثيرين بوضع واحد ، فلا يسمّون زيدا ، وان اشترك فيه كثيرون : جنسا ؛ (١)

وعند المصنف تردد في جواز تثنية الاسم المشترك ، وجمعه ، باعتبار معانيه المختلفة ، كقولك : القرءان : للطهر والحيض ، والعيون ، لعين الماء وقرص الشمس (٢) وعين الذهب ، وغير ذلك ؛ منع من ذلك (٣) في شرح الكافية لأنه لم يوجد مثله في كلامهم مع الاستقراء ، وجوّزه على الشذوذ في شرح المعضل ؛

وذهب الجزولي ، والأندلسي ، وابن مالك (٤) ، الى جواز مثله ؛ قال الأندلسي : يقال : العينان في عين الشمس ، وعين الميزان (٥) ، فهم يعتبرون في التثنية ، والجمع : الاتفاق في اللفظ دون المعنى ، وهذا المذهب قريب من مذهب الشافعي (٦) رحمه الله ، وهو أنه إذا وقعت الأسماء المشتركة بلفظ العموم. نحو قولك : الأقراء ، حكمها كذا ، أو في موضع العموم كالنكرة في غير الموجب نحو : ما لقيت عينا ، فانها تعمّ في جميع مدلولاتها المختلفة كألفاظ العموم ، سواء ؛ (٧)

ولا يصح أن يستدل بتثنية العلم وجمعه على صحة تثنية المشترك وجمعه باعتبار معانيه المختلفة بأن يقال : نسبة العلم الى مسمّياته كنسبة المشترك الى مسّمياته ، لكون كل واحد منهما واقعا على معانيه لا بوضع واحد ؛

أمّا عند المصنف (٨) فلأنه يشترط في التثنية والجمع كون المفردات بمعنى واحد ، سواء

__________________

(١) مفعول ثان لقوله لا يسمّون ،

(٢) في القاموس أن من معاني العين : قرص الشمس ، وشعاعها ؛

(٣) تفصيل لقوله وعند المصنف تردّد ؛

(٤) جميع هؤلاء الأعلام تقدم ذكرهم في الأجزاء السابقة ؛

(٥) يقال عين الميزان ويراد لسانه الذي يتحرك لتحديد الوزن ويقال له ميل الميزان ؛

(٦) الإمام محمد بن إدريس الشافعي ثالث أئمة المذاهب الفقهية ؛

(٧) يعني هي والفاظ العموم سواء ،

(٨) يعني أمّا تعليل ذلك وبيان عدم صحة الاستدلال ، عند المصنف ؛

٣٤٨

كان بوضع واحد أو أكثر ؛ ومعاني المشترك ليست واحدة بخلاف الأعلام ، كما مر ؛

وأما عند غيره فقال المصنف : (١) ولو سلّم أن نسبة العلم الى مسمّياته كنسبة المشترك الى مسمّياته ، فبينهما فرق ، وذلك أن المشترك له أجناس ، تؤخذ آحادها فتثنى أو تجمع ، كالقرأين للطهرين ، والقروء للأطهار ، فلو ثنى أو جمع باعتبار معانيه المختلفة لأدّى الى اللبس ، وليس للعلم جنس تؤخذ آحاده فتثنى أو تجمع حتى إذا ثنى أو جمع باعتبار معانيه المختلفة أورث اللبس ؛

وقد يثنى ويجمع غير المتفقين في اللفظ ، كالعمرين ، وذلك بعد أن يجعلا متفقي اللفظ بالتغليب ؛ بشرط تصاحبهما وتشابههما حتى كأنهما شخص واحد : في شيء ، كتماثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقالوا : العمران ، وكذا : القمران ، والحسنان ؛ (٢) وينبغي أن يغلّب الأخف لفظا ، كما في : العمرين والحسنين ، لأن المراد بالتغليب : التخفيف ، فيختار ما هو أبلغ في الخفة ؛

وان كان أحدهما مذكرا ، والآخر مؤنثا ، لم ينظر الى الخفة ، بل يقلب المذكر ، كالقمرين في : الشمس والقمر ؛

ولزوم الألف في المثنى ، في الأحوال : لغة بني الحارث بن كعب ، قال :

٥٤٣ ـ أحبّ منك الأنف والعينانا

ومنخرين أشبها ظبيانا (٣)

وقال :

٥٤٤ ـ ان أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها (٤)

__________________

(١) أي وأمّا عند غير المصنف ففيه تفصيل ؛ نقله عن المصنف أيضا؛ وهو قوله : ولو سلم أن نسبة العلم .. الخ؛

(٢) المراد : الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنه ؛

(٣) ظبيان بفتح الظاء ، اسم رجل ، والمعنى أشبها منخري ظبيان ، والرواية : أعرف منها الجيد ... وهو من رجز أورده أبو زيد الأنصاري في النوادر وقال انه لرجل من ضبّة ، قبيلة من العرب ،

(٤) اضطربت الأقوال في نسبة هذا الرجز فبعضهم نسبه لأبي النجم العجلي ، وبعضهم نسبه لرجل من بني الحارث وهم الذين ينطقون بهذه اللغة ، وبعضهم نقله عن أبي الغول منسوبا لبعض أهل اليمن وربطه بالشاهد المتقدم في باب الظروف وهو قوله : ـ ـ

٣٤٩

وقيل : ان قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(١) ، على هذه اللغة ؛

وفتح نون التثنية لغة ، كما في قوله : العينانا ، وقوله :

٥٤٥ ـ يا ربّ خال لك من عرينه

لا تنقضي فسوته شهرينه

شهري ربيع وجماديينه (٢)

وقرئ في الفعل أيضا في الشواذ : (أتعِدَانَني) (٣) ، وقد تضم أيضا ، نون المثنى ، وقرئ في الفعل ، في الشواذ أيضا : (تُرْزَقانِهِ)(٤)

قيل أصل المثنى والمجموع : العطف بالواو ، فلذلك يرجع اليه المضطر ، قال :

٥٤٦ ـ ليث وليث في مجال ضنك

كلاهما ذو أشر ومحك (٥)

وقال :

٥٤٧ ـ كأن بين فكها والفك

فأرة مسك ذبحت في سكّ (٦)

وقد يجيء العطف نثرا في الشذوذ ؛

وأمّا إذا قصد التكثير ، كما في قوله :

__________________

طاروا علاهن فطر علاها

واشدد بمثنى حقب حقواها

وقد فنّد البغدادي هذه الروايات كلها ولم ينته إلى نسبته إلى شخص معيّن.

(١) الآية ٦٣ في سورة طه ،

(٢) قال أبو زيد الأنصاري : روينا عن قطرب لامرأة من فقعس ، وأورد هذا الرجز وبعد الشطر الأول قولها : حجّ على قليّص جوينة ؛ ولم يرد في نسبة هذا الرجز أكثر من هذا ؛

(٣) من الآية ١٧ من سورة الأحقاف ،

(٤) من الآية ٣٧ من سورة يوسف

(٥) لشاعر من أهل اليمامة اسمه جحدر بن مالك ، وقيل إنه لوائلة بن الأسفع قاله في إحدى غزوات المسلمين وقد اشتبك مع أحد بطارقة الروم والله أعلم ، ولكل من القولين قصة في خزانة الأدب ،

(٦) من رجز لمنظور بن مرثد الأسدي وقبله : يا حبذا جارية من عكّ ... الخ

وعكّ اسم قبيلة ، وفأرة المسك حيوان معروف وهو فصيلة من الفأر يستخرج منه المسك ، وقيل إن المراد بالفأرة وعاء يوضع فيه المسك، ومعنى ذبحت ، على هذا : شقّت وافرغت في سكّ ، وهو نوع من الطيب أيضا ؛

٣٥٠

٥٤٨ ـ لو عدّ قبر وقبر كان أكرمهم

بيتا وأبعدهم عن منزل الذّام (١)

أو فصل بينهما بفصل ظاهر ، نحو : جاءني رجل طويل ورجل قصير ، أو بفصل مقدر نحو : جاءني رجل فأكرمت الرجل ، والرجل الذي ضربته ، أي الرجل الجائي والرجل الذي ضربته ؛ فيجوز العطف كما رأيت من غير شذوذ ولا ضرورة ؛

وقد يكرّر للتكثير بغير عطف كقوله تعالى : (صَفًّا صَفًّا)(٢) ، و : (دَكًّا دَكًّا) ، (٣) وقد يثنى ، أيضا للتكثير ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(٤) ، وقولهم : لبّيك وسعديك ؛

ومذهب الزجاج أن المثنى والمجموع ، مبنيان لتضمنهما واو العطف ، كخمسة عشر ، وليس الاختلاف فيهما اعرابا عنده ، بل كل واحد صيغة مستأنفة ، كما قيل في : اللذان ، وهذان ، عند غيره ؛

وليس بشيء ، لأنه لم يحذف المعطوف في خمسة عشر ، بل حذف حرف العطف ، فتضمنه المعطوف فبني ، أمّا في المثنى والمجموع ، فقد حذف المعطوف مع حرف العطف ، لو سلمّ أنه كان مكررا بحرف العطف ، فلم يبق المتضمّن لمعنى حرف العطف ؛

فان قال : بل المفرد الذي لحقته علامتا التثنية والجمع ، تضمّن معنى حرف العطف ، لوقوعه على الشيئين أو الأشياء ، وعلامة التثنية دليل تضمن ذلك المفرد واوا واحدة ، وعلامة الجمع دليل تضمنه أكثر من واو ، فهو مثل تضمّن «من» لهمزة الاستفهام ، أو «ان» الشرطية ؛

__________________

(١) نسبه الجاحظ في البيان والتبيين لشاعر جاهلي اسمه عصام بن عبيد الزّمّاني يعاتب شخصا اسمه أبو مسمع ، وكان قد أذن لقوم في الدخول عليه قبله ، فقال عصام :

أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة

وفي العتاب حياة بين أقوام

والمعنى في قوله : لوعدّ قبر .. أنه لو ذكر الأجداد الذين في القبور من قومي ومن قوم هؤلاء الذين قدمتهم عليّ ، لكنت أكرمهم بيتا وأبعدهم عما يعيب ويشين ؛

(٢) من الآية ٢٢ في سورة الفجر ،

(٣) من الآية ٢١ في سورة الفجر أيضا

(٤) من الآية ٤ في سورة الملك

٣٥١

قلنا : بل أهدر معنى العطف لو سلمنا أن أصله كان ذلك ، وجعل المفرد في المثنى واقعا على شيئين بلفظ واحد لا على وجه العطف ، كلفظ «كلا» ، سواء ؛ الّا أن «كلا» لم يقع على المفرد فيحتاج الى علامة المثنى ، بخلاف زيد ، فانه احتاج عند التثنية الى علامتها ، لئلا يلتبس بالواحد ، وكذا نقول : جعل المفرد في المجموع جمع السلامة واقعا على أشياء ، كلفظ «كلّ» فاحتاج إلى علامة الجمع رفعا للّبس ؛

فاذا ثبت هذا ، قلنا : ليس كل مفرد يقع على ذى أجزاء متضمنا لواو العطف ، والا وجبّ بناء «عشرة» و «خمسة» ، وغير ذلك من ألفاظ العدد ، ونحو : كلّ ، وجميع ، ورجال ؛ بل نقول : وقوع اللفظ على الجزأين المتساويين في نسبة الحكم اليهما ، أو على الأجزاء المتساوية فيها ، على وجهين : إمّا بواو العطف ظاهرا نحو جاءني زيد وعمرو ، أو مقدرا كجاءني خمسة عشر ، وذلك إذا لم توضع كلمة واحدة للمجموع ؛ وإمّا بكلمة صالحة للمجموع وضعا ، وهذا على ضربين : إمّا أن توضع الكلمة للمجموع بعد وضعها للمفرد ، كلفظ المثنى والمجموع ، أو توضع للمجموع أوّلا ، نحو : كلا ، وجميع ، وما فوق الواحد الى العشرة من ألفاظ العدد ؛

ويبطل مذهب الزجاج اعراب نحو : مسلمات ورجال اتفاقا مع اطراد ما ذكره فيهما ، أيضا ؛

[المقصور والممدود]

[كيفية تثنيتهما]

[قال ابن الحاجب :]

«والمقصور ان كان ألفه عن واو ، وهو ثلاثي ، قلبت واوا ،»

«والّا فبالياء ؛ والممدود ان كانت همزته أصلية ثبتت ،»

«وان كانت للتأنيث قلبت واوا ، والّا فالوجهان» ؛

٣٥٢

[قال الرضى :]

يعني بالمقصور : ما آخره ألف لازمة ، احترازا من نحو : زيدا ، في الوقف ؛ وسمّي مقصورا ، لأنه ضد الممدود ، أو لأنه محبوس عن الحركات ، والقصر : الحبس ؛ فان كانت ألفه عن واو (١) ، أي عوضا من الواو ، وهو ثلاثي ، أي المقصور ثلاثي ، قلبت واوا ،

اعلم أن الكلمة قد يلحقها التغيير عند التثنية ، فتعرّض المصنف لذكر ذلك ، وهو (٢) في ثلاثة أنواع : المقصور ، والممدود ، والمحذوف آخره اعتباطا ؛

فالمقصور ان كان ثلاثيا وألفه بدل من الواو ، ردّ الى أصله ولم يحذف للساكنين ، لئلا يلتبس بالمفرد عند حذف النون للاضافة ؛ وإذا ردّ الى الأصل سلمت الواو ، والياء ؛ ولم يقلب ألفا ، لئلا يعاد الى ما فرّ منه ؛

وإنما جاز (٣) ردّ الواوي من الثلاثي الى أصله دون الواوي ممّا فوقه ، لخفة الثلاثي ، فلم تستثقل معه الواو ؛

وإن كانت الألف الثالثة أصلا غير منقلبة عن شيء ، كمتى ، وعلى وإلى ، وإذا ، أعلاما ، فان الألف في الأسماء العريقة في البناء أصل ؛ أو كانت مجهولة الأصل ، وذلك بأن تقع في متمكن الأصل ولم يعرف أصلها ، فان سمع فيها الإمالة ولم يكن هناك سبب للامالة غير انقلاب الألف عن الياء ، وجب قلبها ياء ، وان لم تسمع فالواو أولى ، لأنه أكثر ؛ وقال بعضهم بل الياء في النوعين أولى ، سمعت الإمالة ، أو ، لا ، لكونها أخفّ من الواو ؛

وقال الكسائي : إن كانت الألف الثالثة المنقلبة عن الواو في كلمة مضمومة الأول ،

__________________

(١) أي منقلبة عن واو ، وهو المراد بقوله : عوضا أي بدلا ؛

(٢) أي الذي تعرض له المصنف وهو لحاق التغيير للكلمة عند التثنية ؛

(٣) أراد بالجواز عدم المنع ، لأن ذلك واجب كما هو معروف من القواعد ؛

٣٥٣

كالضحى ، أو مكسورته ، كالربا ، وجب قلبها ياء ، لئلا تتثاقل الكلمة بالواو في العجز ، مع الضمة أو الكسرة في الصدر ، فيميل مثل هذه الألف ، ويكتبها ياء ؛ وعموم قلب كل ثالثة أصلها واو : أشهر ؛

قوله : «والا فبالياء» أي وإن لم يجمع الشرطين ، وهما كونه ثالثا ، وعن واو ، وذلك إمّا بأن يكون ثالثا عن ياء ، كالفتى والرحى ، أو زائدا على الثلاثة عن واو ، كالأعلى ، والمصطفى والمستصفى ، أو ياء ، كالمرمى ، والمرتمى ، والمستسقى ، أو زائدا على الثلاثة زائدا للتأنيث كالحبلى ، والقصيرى والخلّيفى ؛ أو للالحاق كالأرطى ، والحبنطى ، أو للتكثير كالقبعثرى ، والكمثرى.

وقد تحذف الألف الزائدة ، خامسة فصاعدا ، في التثنية والجمع بالألف والتاء ، كما في : زبعرى وقبعثرى ، ولا يقاس عليه خلافا للكوفيين ؛

وانما قيل : مذروان ، لا مذريان ، لأنهم إنما يقلبون الألف الثابتة في المفرد ياء عند التثنية ، وههنا لم تثبت ألف قط ، حتى تقلب ياء إذ هو مثنى لم يستعمل واحده ،

قوله : «وان كان ممدودا .. الى آخره» ، الممدود على أربعة أضرب ، لأن الهمزة ، إمّا مبدلة من ألف التأنيث كحمراء ، أو للالحاق كعلباء ، أو منقلبة عن واو ، أو ياء أصلية ، ككساء ورداء ، أو أصلية ، كقرّاء لجيّد القراءة (١) ؛ فالتي للتأنيث تقلب في الأشهر واوا ، أمّا القلب فلكونها زيادة محضة ، فهي بالابدال الذي هو أخف ، أولى من غيرها ، مع قصد الفرق ، وامّا قلبها واوا دون الياء ، فلوقوعها بين ألفين ، فبالغوا في الهرب من اجتماع الأمثال ، لأن الياء أقرب الى الألف من الواو ، ولكون الواو والهمزة متقاربين في الثقل ؛ وربّما صححت فقيل : حمراءان ؛ وحكى المبرد عن المازني قلبها ياء نحو حمرايان ؛

والأعرف في الأصلية بقاؤها في التثنية همزة ؛ وحكى أبو علي (٢) ، عن بعض العرب قلبها واوا نحو : قرّاوان ؛

__________________

(١) وان أمكن أن يكون جمع قارئ ، ولكنه حمله على ما قال لأنه يتحدث عن التثنية والأغلب تثنية المفرد لا لا تثنية الجمع ؛

(٢) الفارسي ، وتكرر ذكره ؛

٣٥٤

وأمّا التي للالحاق ، والمنقلبة عن الواو ، والياء الأصليتين ، فيجوز قلبها واوا ، وبقاؤها همزة ، لأن عين (١) همزتها ليست بأصلية ، فشابهت همزة حمراء ، واحداهما منقلبة عن أصلية ، والأخرى عن واو أو ياء ملحقة بالأصل ، فشابهتا همزة قرّاء ؛ إلا أن ابدال الملحقة واوا ، أولى من تصحيحها ، لأنها ليست أصلا ولا عوضا من أصل ، بل هي عوض من زائد ملحق بالأصل ، فنسبتها الى الأصلية بعيدة ، وأمّا المبدلة من أصل فتصحيحها أولى من ابدالها لقرب نسبتها من الأصلية ، لأنها بدل من أصل ؛

وقد تقلب المبدلة من أصل ياء ، ولا يقاس عليه ، خلافا للكسائي ؛

وإنما صححوا : ثنايين (٢) ، لأنهم إنما يقلبون الواو أو الياء المتطرفة بعد الألف الزائدة همزة ، كما في كساء ورداء ، ثم في التثنية إمّا أن يصححوا الهمزة ، أو يقلبوها واوا ؛ وههنا لم تتطرف الياء حتى تقلب همزة ، اذ لم يستعمل واحد ثنايين ، فالألف والنون ههنا لازمان ، كما في مذروان ، فثنايان ، كسقاية وعماية ؛

وجاء حذف زائدتي التأنيث إذا كانتا فوق الأربعة ، نحو : قاصعان وخنفسان ، للطول (٣) وليس بقياس ، خلافا للكوفيين ؛

وأمّا ما حذف آخره اعتباطا ، فان كان المحذوف ردّ (٤) في الاضافة ، وجب رده في التثنية ، أيضا ، وهو : أب ، وأخ وحم ، وهن ، لا غير ، تقول : أبوان وأخوان وحموان وهنوان ، وربّما قيل : أبان وأخان ؛

وأمّا «فوك» فلم ترد اللام في التثنية ، لما لم ترد في الإضافة ، وإنما يثنى بقلب واوه ميما ، كما في الإفراد ، نحو : فمان ، وانما لم يقل فوان ، كما قيل ذوا مال ، لأن

__________________

(١) عين همزتها ، أي ذاتها أي لأن الهمزة بذاتها ليست أصيلة ؛

(٢) الثنايان : طرفا الحبل الذي يعقل به البعير ، يقال عقلته بثنايين ولا مفرد له من الاستعمال لأنه لا بد من استعمال طرفي الحبل في عقل البعير :

(٣) أي لطول الكلمة التي تتكون من خمسة أحرف إذا زيد عليها علامة التثنية وهي حرفان ،

(٤) ردّ .. خبر كان ، وقد بين الشارح في باب خبر كان جواز وقوع خبرها فعلا ماضيا بدون ذكر لفظة قد ولا تقديرها ؛

٣٥٥

«ذو» لازم الإضافة بخلاف «فم» فواوه متحصن من الحذف لأمنه من التنوين (١) ، فأجري مثنى كل منهما (٢) ، مجرى مفرده لعروض التثنية ؛ وقد جاء في الشعر : فموان قال :

هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النابح العاوي أشدّ رجام (٣) ـ ٣١٦

فقيل : هو جمع بين العوض والمعوض منه ، فيكون ضرورة ، وقيل : هو مما اعتقب على لامه : الواو والهاء (٤) ، كسنيهة وسنيّة (٥) ، فلا يكون ، اذن ، ضرورة ، وقد جاء : فميان ، وهو أبعد ،

وردّ لام «ذات» في التثنية ، لا ، لام «ذو» ، فقالوا : ذواتا مال ، وقد جاء ، أيضا ، ذاتا مال ، وهو قليل ؛

وأما نحو : غد ، ويد ، ودم ، ممّا لم ترد لامه في الاضافة ، فلا ترد أيضا في التثنية ، يقال : دمان ويدان ، وأما يديان ، قال :

٥٤٩ ـ يديان بيضاوان عند محلّم

قد تمنعانك أن تضام وتضهدا (٦)

فعلى لغة من قال في المفرد : يدى ، كرحى ، وقد جاء دميان ودموان ، قال :

٥٥٠ ـ فلو أنا على حجر ذبحنا

جرى الدميان بالخبر اليقين (٧)

__________________

(١) أي للأمن من دخول التنوين المؤدي إلى حذف المعتل للزومه للإضافة ،

(٢) أي كل من فو ، وذو ،

(٣) من شعر الفرزدق وتقدم في الجزء الثاني ،

(٤) أي أن في لامه وجهين يعني لغتين ،

(٥) كلاهما تصغير سنة بحسب اللغتين في اللام ؛

(٦) رواه الجوهري : أن تضام وتهضما ، وقال البغدادي بعد أن شرحه إنه مع كثرة تداوله في كتب النحو واللغة لم يعرف قائله ؛

(٧) نسبه ابن دريد لعلي بن بدّال بن سليم ، وأورد قبله :

لعمرك إنني وأبا رياح

على طول التجاور منذ حين

ليبغضني وأبغضه وأيضا

يراني دونه وأراه دوني

ورواه بعضهم ضمن أبيات من قصيدة المثقب العبدي التي يقول فيها

فإما أن تكون أخي بصدق

فأعرف منك غثي من سميني .. الخ

٣٥٦

قال الجوهري (١) : لامه واو ، وإنما قالوا : دمي يدمى كرضى يرضى (٢) من الرضوان ، ولعل ذلك (٣) ، لأن ذوات الواو أكثر ، فدميان ، شاذ عنده ،

قال سيبويه : هو ساكن العين ، لجمعه على دماء ، ودميّ ، كظباء وظبيّ ودلاء ودليّ ، ولو كان كقفا ، لم يجمع على ذلك ، فدميان ، أو دموان ، عنده ، مثنى «دمى» لأنه لغة في «دم» ، ومثنى «دم» : دمان فقط ،

وقال المبرد : أصله فعل محرك العين ، ولامه ياء ، فدموان شاذ عنده ، قال : ودليل تحرك عينه تثنيته على دميان، قال: ألا ترى أن الشاعر لما اضطر أخرجه على أصله في قوله :

٥٥١ ـ فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أعقابنا يقطر الدّما (٤)

قال : فان قيل قد جاء يديان كدميان ، مع أن «يد» ساكنة العين اتفاقا ، فالجواب : أنه مثنى «يدى» وهي لغة في يد ، لا مثنى يد ؛

قلت : ولسيبويه ، أيضا ، أن يقول : دما ، لغة في دم ، كيدى لغة في يد ، والمشهور أن يدا ، في الأصل ساكن العين ، لأن الأصل السكون ولا يحكم بالحركة الا بثبت ؛ (٥) ولم يستبعد السيرافي أن يكون أصل يد ، فعل متحرك العين كقوله :

٥٥٢ ـ يا رب سار بات ما توسّدا

الا ذراع العنس أو كفّ اليدا (٦)

__________________

ـ والصواب ما قاله ابن دريد ؛

(١) صاحب الصحاح وتكرر ذكره ،

(٢) أبدلت الواو ياء لكسر ما قبلها وهي طرف ،

(٣) أي ما ذهب اليه الجوهري ؛

(٤) من أبيات للحصين بن الحمام المري ، وقبله :

تأخرت استبقي الحياة فلم أجد

لنفسى حياة مثل أن أتقدما

والحمام بضم الحاء وتخفيف الميم ، والمري نسبة إلى مرّة أبي قبيلة من العرب ؛

(٥) أي إلّا بدليل ،

(٦) يعني كان ذراع الناقة هو الوسادة له ، أو كانت وسادته كفّ يده ، واليدا مضاف إلى الكف وهو مقصور على إحدى اللغات ؛ والبيت مجهول القائل ،

٣٥٧

فأمّا ما حذف لامه لعلة موجبة ، فهو امّا مقصور منون ، وقد ذكرناه ، واما منقوص كذلك ؛ ولا تحذف الياء في تثنية المنقوص مع أن بعدها ساكنا ، كما حذفت مع التنوين ، لأن ياءه واجبة الفتح مع ذلك الساكن فلا يلتقي ساكنان ، كما لم يلتقيا مع التنوين في حال النصب ، نحو رأيت قاضيا ؛ تقول : قاضيان ، وقاضيين ؛

[حذف النون]

[وتاء التأنيث]

[قال ابن الحاجب :]

«وتحذف نونه للاضافة ، وحذفت تاء التأنيث في : خصيان ،»

«وأليان» ؛

[قال الرضى :]

إنما تحذف النون في الاضافة لما مرّ في أوّل الكتاب ، من أنها دليل تمام الكلمة ، وقد تسقط للضرورة ، كقوله :

٥٥٣ ـ هما خطتا : امّا اسار «ومنة»

وإمّا دم والقتل بالحر أجدر (١)

برفع «إسار» أمّا إذا جرّ فبالاضافة ، و «إمّا» فصل ، وقد تسقط لتقصير الصلة ، كالضاربا زيدا بالنصب على ما يجيء في اسم الفاعل ؛

__________________

(١) أحد أبيات لتأبط شرا ؛ يتحدث فيها عن إحاطة قوم من هذيل به ، وانه احتال على التخلص منهم ، وآخر هذه الأبيات قوله :

فإبت إلى فهم وما كدت آيبا

وكم مثلها فارقتها وهي تصغر

وهو من شواهد النحو ، وسيأتي في قسم الأفعال ؛

٣٥٨

قوله : «وحذفت تاء التأنيث في خصيان ، وأليان» ، اعلم أنه يجوز خصيتان وأليتان اتفاقا ، قال :

٥٥٤ ـ متى ما تلقني فردين ترجف

روانف أليتيك وتستطارا (١)

وقال :

٥٥٥ ـ بلى ، أير الحمار وخصيتاه

أحبّ الى فزارة من فزار (٢)

فأما خصيان ، وأليان ، فقال أبو علي : الوجه في ذلك : أنه لما كان الخصيتان لا تنفرد احداهما عن صاحبتها ، صار اللفظ الدال عليهما معا ، أي لفظ التثنية موضوعا وضعا أوّل على التثنية ، كما في : مذروين ، وكذا أليان ، وليس خصية ، وألية ، بمفردين لخصيان وأليان ، بل مفرداهما : خصي وألي ، في التقدير ، ومثنيا خصية وألية : خصيتان وأليتان ؛

وقيل : بل أليان وخصيان من ضرورات الشعر ، فانهما لم يأتيا الا فيه ، قال :

٥٥٦ ـ يرتجّ ألياه ارتجاج الوطب (٣)

__________________

(١) روانف الآليتين طرفاهما ، وهما رانفتان وإنما جمع حذرا من اجتماع تثنيين فيما لا لبس فيه والبيت من شعر عنترة العبسي يخاطب عمارة بن زياد العبسي وأولها :

أحولي تنفض استك مذرويها

لتقتلني فها أنا ذا عمارا

(٢) من أبيات للكميت بن ثعلبة ، شاعر إسلامي من بني فقعس ، ويسمّى الكميت الأكبر ، وهو جد شاعر اسمه الكميت بن معروف ، وكلاهما غير الكميت بن زيد صاحب الهاشميات التي مدح بها آل البيت وهو من بني أسد ؛ والأبيات التي منها الشاهد هجاء لبني فزارة ، وكانوا يعيّرون بأكل أير الحمار ، وهي ثلاثة أبيات وقبل الشاهد :

نشدتك يا فزار ، وأنت شيخ

إذا خيّرت ، تخطىء في الخيار؟

أصيحانية أدمت بسمن

أحبّ إليك أم أير الحمار؟

والصيحاني تمر معروف ، وبعد هذين البيتين البيت المستشهد به ؛

(٣) شطر من رجز في وصف رجل بإنه عظيم العجز رخوه حتى إنه ليهتز كما يهتز زق اللبن، وقبل هذا الشطر :

كأنما عطية بن كعب

ظعنية واقفة في ركب

والرجز مجهول القائل ، كما قال البغدادي ؛

٣٥٩

وقال :

كأن خصييه من التدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١) ـ ٥٣٣

وفي غير الضرورة لا تحذف التاء منهما ؛

وقيل : خصى «وألى» ، مستعملان ، وهما لغتان في خصية وألية ، وان كانتا أقل منهما استعمالا ؛

[من أحكام المثنى](٢)

[حكم اضافة المثنى الى متضمنه]

واعلم أنه إذا أضيف ، لفظا ، أو معنى : الجزءان الى متضمنيهما ، فان كان المتضمنان بلفظ واحد ، فلفظ الإفراد في المضاف أولى من لفظ التثنية ، قال :

٥٥٧ ـ كأنه وجه تركيّين قد غضبا

مستهدف لطعان غير منجحر (٣)

والاضافة معنى ، كقولك : حيّا الله وجها للزيدين ؛

ثم لفظ الجمع فيه أولى من الإفراد ، كقوله تعالى : (فقد صغت قلوبكما) (٤) ، وذلك لاستكراههم في الاضافة اللفظية الكثيرة الاستعمال : اجتماع مثنيين مع اتصالهما لفظا ومعنى ، أمّا لفظا فبالاضافة ، وأمّا معنى فلأن الغرض أن المضاف جزء المضاف اليه ، مع عدم اللبس بترك التثنية ، ثم حملت المعنوية على اللفظية ، فان أدّى الى اللبس

__________________

(١) تقدم ذكره في باب العدد ؛

(٢) استطراد من الرضى ، كعادته لاستعمال ما لم يذكره ابن الحاجب ؛

(٣) من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير امتلأت بالفحش ؛ ومنها قوله :

ما تأمرون عباد الله أسألكم

في شاعر حوله درجان مختمر.

، وقوله : حوله درجان ، تثنية درج وهو وعاء للطيب ، ومختمر أي لابس للخمار شبهه بالمرأة ؛ واستمر في ذلك حتى وصف فرجه ، على أنه امرأة .. الخ ،

(٤) من الآية ٤ في سورة التحريم ؛

٣٦٠