محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨
وحكى سيبويه عن بعض العرب : قال فلانة ، استغناء بالمؤنث الظاهر عن علامته ، أنكره المبرد ؛ ولا وجه لانكار ما حكى سيبويه مع ثقته وأمانته ؛
كان الرافع نعم وبئس ، فكل واحد من الحذف والاثبات فصيح ، نحو :؟؟؟ هند ، ونعمت المرأة هند ، لمشابهتهما للحرف بعدم التصرف ؛
ولا تلحق نحو أكرم بهند في التعجب ، عند من أسند أكرم إلى هند ، كما لا تلحقه الضمائر ، نحو قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) ، لكون الفعلين غير متصرفين وأيضا للزوم كون الفاعل في صورة المفعول ، والفعل في صورة ما يطلبه بالمفعولية ، أمّا نحو قولك ما جاءتني من امرأة وكفت بهند ، فليس انجرار الفاعل بلازم ولا الفعل في صورة ما يطلب المجرورين بالمفعولية ؛
وإن كان منفصلا عن رافعه ، فان كان بالّا ، نحو ما قام الا هند ، فالأجود : ترك التاء في الرافع ، لأن المستثنى منه المقدر ، هو الذي كان في الأصل مرفوعا بالفاعلية ، على ما مرّ في باب الاستثناء ، فالمستثنى قام مقامه في الارتفاع مع الفصل بإلّا ، أو نقول : المسند اليه هو : الّا مع المستثنى ، من حيث المعنى وان كان في اللفظ هو المستثنى ، كما ذكرنا في باب الاستثناء ؛
وإن كان بغير إلّا ، نحو : قامت اليوم امرأة ، فالالحاق أجود ، لأن المسند اليه في الحقيقة هو المرتفع في الظاهر ، وأمّا الحذف فانما اغتفر لطول الكلام ، ولكون الإتيان بالعلامة ، اذن ، وعدا بالشيء مع تأخير الموعود ؛
وإن كان الظاهر غير حقيقي التأنيث ، فان كان متصلا ، نحو : طلعت الشمس ، فالحاق العلامة أحسن من تركها ، والكل فصيح ؛
وإن كان منفصلا ، فترك العلامة أحسن ، اظهارا لفضل الحقيقي على غيره ، سواء كان بإلّا أو بغيرها ، نحو قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ)(٢).
__________________
(١) الآية ٣٨ في سورة مريم ،
(٢) الآية ٢٧٥ في سورة البقرة ،
هذا كله حكم ظاهر المفرد والمثنى ، وأما ضميرهما فان كان متصلا ، فالعلامة لازمة لرافعه ، سواء كان التأنيث حقيقيا ، كهند خرجت ، أو غيره كالشمس طلعت ، الا لضرورة الشعر نحو قوله :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل أبقالها (١) ـ ٢ |
على تأويل الأرض بالمكان ؛ وإنما لزمت العلامة لخفاء الضمير المتصل مرفوعا ، وكونه كجزء المسند ، بخلاف الظاهر والضمير المنفصل ؛
وإن كان منفصلا فهو كالظاهر لاستقلاله بنفسه ؛
وأمّا الجمعان المذكوران ، فان أسند الى ظاهرهما سواء كان واحد المكسر حقيقي التذكير أو التأنيث ، كرجال ونسوة ، أو مجازي التذكير أو التأنيث كأيام ، ودور ، وكذا واحد المجموع بالألف والتاء ينقسم هذه الأقسام الأربعة ، نحو : الطلحات والزينبات ، والجبيلات والغرفات ؛ فحكم (٢) المسند الى ظاهرهما حكم المسند الى ظاهر المؤنث غير الحقيقي إلا من شيء واحد ، وهو أن حذف العلامة من الرافع بلا فصل مع الجمع نحو : قال الرجال ، أو النساء ، أو الزينبات ، أحسن منه مع المفرد والمثنى ، لكون تأنيثه بالتأويل وهو كونه بمعنى جماعة ؛
وإنما لم يعتبروا التأنيث الحقيقي الذي كان في المفرد نحو قال النسوة ، لأن المجازي الطارئ أزال حكم الحقيقي ، كما أزال التذكير الحقيقي في رجال ، وإنما لم تبطل التثنية التذكير الحقيقي في رجلان ، ولا التأنيث الحقيقي في «الهندان» ، ولم يبطل الجمع بالواو والنون التذكير الحقيقي في «الزيدون» ، لبقاء لفظ المفرد فيه فاحترموه ،
وكان قياس هذا أن يبقى التأنيث الحقيقي في المجموع بالألف والتاء أيضا نحو الهندات لبقاء لفظ الواحد فيه أيضا ؛ إلا أنه لما كان يتغيّر ذلك المفرد ذو العلامة إمّا بحذفها إن كان تاء نحو : الغرفات ، أو بقلبها إن كان ألفا كما في الحبليات والصحراوات ؛
__________________
(١) من الشواهد التي وردت في الجزء الأول ؛
(٢) جواب قوله : وأما الجمعان ..
كان ذلك التغيير كنوع من التكسير ، وكأن تأنيث الواحد قد زال لزوال علامته ، ثم حمل عليه ما التاء فيه مقدّرة فلا يظهر فيه التغيير كالزينبات والهندات ، لأن المقدر عندهم في حكم الظاهر ؛
والدليل على أن تأنيث نحو : الزينبات مجازي ، قول الحماسي :
٥٤٠ ـ حلفت بهدي مشعر بكراته |
|
تخبّ بصحراء الغبيط درادقه (١) |
وحكم البنين : حكم الأبناء ، وان كان بالواو والنون لعدم بقاء واحده ، وهو : ابن ؛ قال :
٥٤١ ـ لو كنت من مازن لم تستبح إبلى |
|
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا (٢) |
وكذا حكم المجموع بالواو والنون المؤنث واحده ، كالسنون والأرضون : حكم المجموع بالألف والتاء ، لأن حقه الجمع بالألف والتاء كما يجيء ؛ فالواو والنون فيه ، عوض من الألف والتاء ؛
ويساوي التاء في اللزوم وعدمه : تاء مضارع الغائبة ، ونون التأنيث الحرفية في نحو :
__________________
(١) البيت لشاعر جاهلي يقال له عارق الطائي ، أورده أبو تمام ، وقول الشارح : الحماسي يعني من شعراء الحماسة ، وجواب القسم في بيت بعده ، وهو قوله :
لئن لم تغيّر بعض ما قد صنعتم |
|
لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه |
وكثر في كلام الشعراء : الحلف بالكعبة وبالساعين إليها ؛ والهدى : ما يهدى إلى البيت الحرام من الإبل والنعم ، والمشعر بصيغة اسم المفعول ما أسيل دمه ليعرف أنه هدى فهو كالعلامة له ، وبكرات جمع بكرة وتحريك الكاف إتباع كما هو حكم جمع المؤنث السالم ، وهي الشابة من الإبل ، والغبيط اسم مكان في الصحراء بين مكة والبصرة ، والدرادق جمع دردق بوزن جعفر : جماعات الإبل الصغار.
والخطاب موجّه لعمرو بن هند ملك الحيرة : وكان قد عزم على قتل جماعة من طيء فيهم الشاعر ، واسمه قيس ولكنه لقب بعارق بسبب هذا الشعر ، ولذلك قصة طويلة أوردها البغدادي في الخزانة ؛
(٢) أحد أبيات مشهورة قالها قريط بن أنيف العنبري ، أولها :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي |
|
بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا |
ومنها بعض شواهد في هذا الشرح وفي غيره من كتب النحو ؛
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه |
|
بحوران يعصرن السليط أقاربه (١) ـ ٣٦٦ |
فظهر بهذا كله معنى قوله : «وحكم ظاهر الجمع مطلقا غير المذكر السالم حكم ظاهر غير الحقيقيّ ؛
وأمّا ان أسند الى ضمير الجمع ، وهو قوله : «وضمير العاقلين» الى آخر الباب فنقول :
ضمير الجمع إمّا أن يكون ضمير العاقلين ، أو ، لا ، والعاقلون امّا بالواو والنون ، أو ، لا ، فضمير العاقلين بالواو والنون ، هو الواو ، لا غير ، نحو : الزيدون قالوا ؛ ولا يجوز : قالت ، لبقاء لفظ المذكر الحقيقي ؛
وإنما خصوا العاقلين بالواو ، دون النون ، لأن أصل ما يزاد : حروف اللين ، والألف أخذه المثنى ؛ والجمع بالواو أولى منه بالياء ، لأن ثقل الواو مناسب للكثرة التي في الجمع ، وكان الواو ، لأصالته في الجمع أولى بالعاقلين ؛ لأصالتهم لغير العاقلين (٢) ، وصارت الياء للواحد المؤنث في : تفعلين ، وافعلي ، فلم يبق لجمع غير العاقلين من حروف المد شيء ، فجيئ بالنون لمناسبة بينها وبين الواو في الغنّة ؛
وضمير العاقلين لا بالواو والنون إمّا واو ، نحو : الرجال والطلحات : ضربوا ، نظرا إلى العقل ؛ وإمّا ضمير المؤنث الغائب نحو : الرجال والطلحات فعلت ، وتفعل ، وفاعلة ، نظرا إلى طرءان (٣) معنى الجماعة على اللفظ ؛
وأمّا غير العاقلين ، وهو ثلاثة أقسام : مذكر لا يعقل كالأيام والجبيلات ؛ (٤) ومؤنث يعقل ، كالنسوة والزينبات ، ومؤنث لا يعقل كالدور والظلمات ؛ فيجوز أن يكون ضمير جميعها : الواحد المؤنث الغائب بتأويل الجماعة ، وأن يكون النون ، لكونها جمع غير
__________________
(١) من شعر الفرزدق ، وتقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح.
(٢) يعني لأن العاقل أصل بالنسبة لغير العاقل ،
(٣) مصدر نادر للفعل طرأ ؛
(٤) جمع لتصغير جبل ؛
العاقلين ، وقد تقدم أن النون موضوع له ، فتقول : الأيام والجبيلات ، والنساء والزينبات والدور والغرفات ، فعلت ، ويفعلن ؛
وهذه التفرقة بين جمع المذكر العاقل وغيره جارية في جميع الضمائر على اختلافها ، تقول في المرفوع المنفصل : أنتم وأنتن وهم وهنّ ، وفي المنصوب المتصل : ضربكم وضربكنّ ، وضربهم وضربهنّ ، وفي المنصوب المنفصل : اياهم اياكنّ ، إياهم اياهنّ ، وفي المجرور : لكم لكنّ ، لهم لهنّ ، والأصل : انتموا ، وضربكموا ، واياكموا ، ولكموا ؛
وأما اسم الجنس فيجوز اجراء ظاهره وضميره مجرى ظاهر المفرد المذكر ، والمؤنث ، وضميرهما ، ولا يمتنع اجراء ضميره مجرى ضمير جمع التكسير ، نحو : انقعر النخل ، وانقعرت النخل ، والنخل انقعر وانقعرت وانقعرن ،
وأما اسم الجمع فبعضه واجب التأنيث كالابل والغنم والخيل ، فحاله : كحال جمع التكسير ، في الظاهر والضمير ، وبعضه يجوز تذكيره وتأنيثه كالركب ، قال :
٥٤٢ ـ فعبّت غشاشا ثم مرّت كأنها |
|
مع الصبح ركب من أحاظة مجفل (١) |
فهو كاسم الجنس ، نحو : مضى الركب ، ومضت الركب ، والركب مضى ، ومضت ومضوا ، والله أعلم ؛
__________________
(١) من قصيدة الشنفري الأزدي المسماة بلامية العرب وهو في وصف سرب القطا بعد أن شرب ، وإحاظة اسم قبيلة من اليمن أو من الأزد ، والمجفل : المسرع ، وقوله : غشاشا بكسر الغين ، قيل معناه شربت على عجل ، وقيل معناه شربت قليلا ، أو شربت شربا غير مرو ، ومن هذه القصيدة عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛
[المثنى]
[تعريفه]
[قال ابن الحاجب :]
«المثنى : ما لحق آخره ألف ، أو ياء مفتوح ما قبلها ، ونون»
«مكسورة ، ليدلّ على أنّ معه مثله من جنسه» ؛
[قال الرضى :]
يريد بالجنس ههنا ، على ما يظهر من كلامه في شرح هذا الكتاب (١) : ما وضع صالحا لأكثر من فرد واحد ، بمعنى جامع بينها في نظر الواضع ، سواء كانت ماهيّاتها (٢) مختلفة ، كالأبيضين ، لانسان وفرس ، فان الجامع بينهما في نظره : البياض ، وليس نظره إلى الماهيتين ، بل إلى صفتهما التي اشتركا فيها ؛ أو متفقة كما تقول : الأبيضان لانسانين ، والبيض ، لأفراس ، وسواء كان الواضع واحدا كالرجل ، أو أكثر ، كالزيدين ، والزيدين ، فان نظر كل واحد من الواضعين ، في وضع لفظة زيد ليس الى ماهية ذلك المسمّى ، بل الى كون ذلك المسمّى ، أيّ ماهية كان ، متميزا بهذا الاسم عن غيره ، حتى لو سمّي بزيد انسان ، وسمّي به فرس ، فالنظر في الوضعين الى شيء واحد ، كما في الأبيضين ونحوه ، وهو كون تلك الذات متميزة عن غيرها بهذا الاسم ؛
وهذا الذي ذهب اليه المصنف ، خلاف المشهور من اصطلاح النحاة ، فانهم يشترطون
__________________
(١) أي شرح الكافية ؛
(٢) أي ماهيات الأفراد المستفادة من قوله كل فرد ؛
في الجنس وقوعه على كثيرين بوضع واحد ، فلا يسمّون زيدا ، وان اشترك فيه كثيرون : جنسا ؛ (١)
وعند المصنف تردد في جواز تثنية الاسم المشترك ، وجمعه ، باعتبار معانيه المختلفة ، كقولك : القرءان : للطهر والحيض ، والعيون ، لعين الماء وقرص الشمس (٢) وعين الذهب ، وغير ذلك ؛ منع من ذلك (٣) في شرح الكافية لأنه لم يوجد مثله في كلامهم مع الاستقراء ، وجوّزه على الشذوذ في شرح المعضل ؛
وذهب الجزولي ، والأندلسي ، وابن مالك (٤) ، الى جواز مثله ؛ قال الأندلسي : يقال : العينان في عين الشمس ، وعين الميزان (٥) ، فهم يعتبرون في التثنية ، والجمع : الاتفاق في اللفظ دون المعنى ، وهذا المذهب قريب من مذهب الشافعي (٦) رحمه الله ، وهو أنه إذا وقعت الأسماء المشتركة بلفظ العموم. نحو قولك : الأقراء ، حكمها كذا ، أو في موضع العموم كالنكرة في غير الموجب نحو : ما لقيت عينا ، فانها تعمّ في جميع مدلولاتها المختلفة كألفاظ العموم ، سواء ؛ (٧)
ولا يصح أن يستدل بتثنية العلم وجمعه على صحة تثنية المشترك وجمعه باعتبار معانيه المختلفة بأن يقال : نسبة العلم الى مسمّياته كنسبة المشترك الى مسّمياته ، لكون كل واحد منهما واقعا على معانيه لا بوضع واحد ؛
أمّا عند المصنف (٨) فلأنه يشترط في التثنية والجمع كون المفردات بمعنى واحد ، سواء
__________________
(١) مفعول ثان لقوله لا يسمّون ،
(٢) في القاموس أن من معاني العين : قرص الشمس ، وشعاعها ؛
(٣) تفصيل لقوله وعند المصنف تردّد ؛
(٤) جميع هؤلاء الأعلام تقدم ذكرهم في الأجزاء السابقة ؛
(٥) يقال عين الميزان ويراد لسانه الذي يتحرك لتحديد الوزن ويقال له ميل الميزان ؛
(٦) الإمام محمد بن إدريس الشافعي ثالث أئمة المذاهب الفقهية ؛
(٧) يعني هي والفاظ العموم سواء ،
(٨) يعني أمّا تعليل ذلك وبيان عدم صحة الاستدلال ، عند المصنف ؛
كان بوضع واحد أو أكثر ؛ ومعاني المشترك ليست واحدة بخلاف الأعلام ، كما مر ؛
وأما عند غيره فقال المصنف : (١) ولو سلّم أن نسبة العلم الى مسمّياته كنسبة المشترك الى مسمّياته ، فبينهما فرق ، وذلك أن المشترك له أجناس ، تؤخذ آحادها فتثنى أو تجمع ، كالقرأين للطهرين ، والقروء للأطهار ، فلو ثنى أو جمع باعتبار معانيه المختلفة لأدّى الى اللبس ، وليس للعلم جنس تؤخذ آحاده فتثنى أو تجمع حتى إذا ثنى أو جمع باعتبار معانيه المختلفة أورث اللبس ؛
وقد يثنى ويجمع غير المتفقين في اللفظ ، كالعمرين ، وذلك بعد أن يجعلا متفقي اللفظ بالتغليب ؛ بشرط تصاحبهما وتشابههما حتى كأنهما شخص واحد : في شيء ، كتماثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقالوا : العمران ، وكذا : القمران ، والحسنان ؛ (٢) وينبغي أن يغلّب الأخف لفظا ، كما في : العمرين والحسنين ، لأن المراد بالتغليب : التخفيف ، فيختار ما هو أبلغ في الخفة ؛
وان كان أحدهما مذكرا ، والآخر مؤنثا ، لم ينظر الى الخفة ، بل يقلب المذكر ، كالقمرين في : الشمس والقمر ؛
ولزوم الألف في المثنى ، في الأحوال : لغة بني الحارث بن كعب ، قال :
٥٤٣ ـ أحبّ منك الأنف والعينانا |
|
ومنخرين أشبها ظبيانا (٣) |
وقال :
٥٤٤ ـ ان أباها وأبا أباها |
|
قد بلغا في المجد غايتاها (٤) |
__________________
(١) أي وأمّا عند غير المصنف ففيه تفصيل ؛ نقله عن المصنف أيضا؛ وهو قوله : ولو سلم أن نسبة العلم .. الخ؛
(٢) المراد : الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنه ؛
(٣) ظبيان بفتح الظاء ، اسم رجل ، والمعنى أشبها منخري ظبيان ، والرواية : أعرف منها الجيد ... وهو من رجز أورده أبو زيد الأنصاري في النوادر وقال انه لرجل من ضبّة ، قبيلة من العرب ،
(٤) اضطربت الأقوال في نسبة هذا الرجز فبعضهم نسبه لأبي النجم العجلي ، وبعضهم نسبه لرجل من بني الحارث وهم الذين ينطقون بهذه اللغة ، وبعضهم نقله عن أبي الغول منسوبا لبعض أهل اليمن وربطه بالشاهد المتقدم في باب الظروف وهو قوله : ـ ـ
وقيل : ان قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(١) ، على هذه اللغة ؛
وفتح نون التثنية لغة ، كما في قوله : العينانا ، وقوله :
٥٤٥ ـ يا ربّ خال لك من عرينه |
|
لا تنقضي فسوته شهرينه |
شهري ربيع وجماديينه (٢) |
وقرئ في الفعل أيضا في الشواذ : (أتعِدَانَني) (٣) ، وقد تضم أيضا ، نون المثنى ، وقرئ في الفعل ، في الشواذ أيضا : (تُرْزَقانِهِ)(٤)
قيل أصل المثنى والمجموع : العطف بالواو ، فلذلك يرجع اليه المضطر ، قال :
٥٤٦ ـ ليث وليث في مجال ضنك |
|
كلاهما ذو أشر ومحك (٥) |
وقال :
٥٤٧ ـ كأن بين فكها والفك |
|
فأرة مسك ذبحت في سكّ (٦) |
وقد يجيء العطف نثرا في الشذوذ ؛
وأمّا إذا قصد التكثير ، كما في قوله :
__________________
طاروا علاهن فطر علاها |
|
واشدد بمثنى حقب حقواها |
وقد فنّد البغدادي هذه الروايات كلها ولم ينته إلى نسبته إلى شخص معيّن.
(١) الآية ٦٣ في سورة طه ،
(٢) قال أبو زيد الأنصاري : روينا عن قطرب لامرأة من فقعس ، وأورد هذا الرجز وبعد الشطر الأول قولها : حجّ على قليّص جوينة ؛ ولم يرد في نسبة هذا الرجز أكثر من هذا ؛
(٣) من الآية ١٧ من سورة الأحقاف ،
(٤) من الآية ٣٧ من سورة يوسف
(٥) لشاعر من أهل اليمامة اسمه جحدر بن مالك ، وقيل إنه لوائلة بن الأسفع قاله في إحدى غزوات المسلمين وقد اشتبك مع أحد بطارقة الروم والله أعلم ، ولكل من القولين قصة في خزانة الأدب ،
(٦) من رجز لمنظور بن مرثد الأسدي وقبله : يا حبذا جارية من عكّ ... الخ
وعكّ اسم قبيلة ، وفأرة المسك حيوان معروف وهو فصيلة من الفأر يستخرج منه المسك ، وقيل إن المراد بالفأرة وعاء يوضع فيه المسك، ومعنى ذبحت ، على هذا : شقّت وافرغت في سكّ ، وهو نوع من الطيب أيضا ؛
٥٤٨ ـ لو عدّ قبر وقبر كان أكرمهم |
|
بيتا وأبعدهم عن منزل الذّام (١) |
أو فصل بينهما بفصل ظاهر ، نحو : جاءني رجل طويل ورجل قصير ، أو بفصل مقدر نحو : جاءني رجل فأكرمت الرجل ، والرجل الذي ضربته ، أي الرجل الجائي والرجل الذي ضربته ؛ فيجوز العطف كما رأيت من غير شذوذ ولا ضرورة ؛
وقد يكرّر للتكثير بغير عطف كقوله تعالى : (صَفًّا صَفًّا)(٢) ، و : (دَكًّا دَكًّا) ، (٣) وقد يثنى ، أيضا للتكثير ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(٤) ، وقولهم : لبّيك وسعديك ؛
ومذهب الزجاج أن المثنى والمجموع ، مبنيان لتضمنهما واو العطف ، كخمسة عشر ، وليس الاختلاف فيهما اعرابا عنده ، بل كل واحد صيغة مستأنفة ، كما قيل في : اللذان ، وهذان ، عند غيره ؛
وليس بشيء ، لأنه لم يحذف المعطوف في خمسة عشر ، بل حذف حرف العطف ، فتضمنه المعطوف فبني ، أمّا في المثنى والمجموع ، فقد حذف المعطوف مع حرف العطف ، لو سلمّ أنه كان مكررا بحرف العطف ، فلم يبق المتضمّن لمعنى حرف العطف ؛
فان قال : بل المفرد الذي لحقته علامتا التثنية والجمع ، تضمّن معنى حرف العطف ، لوقوعه على الشيئين أو الأشياء ، وعلامة التثنية دليل تضمن ذلك المفرد واوا واحدة ، وعلامة الجمع دليل تضمنه أكثر من واو ، فهو مثل تضمّن «من» لهمزة الاستفهام ، أو «ان» الشرطية ؛
__________________
(١) نسبه الجاحظ في البيان والتبيين لشاعر جاهلي اسمه عصام بن عبيد الزّمّاني يعاتب شخصا اسمه أبو مسمع ، وكان قد أذن لقوم في الدخول عليه قبله ، فقال عصام :
أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة |
|
وفي العتاب حياة بين أقوام |
والمعنى في قوله : لوعدّ قبر .. أنه لو ذكر الأجداد الذين في القبور من قومي ومن قوم هؤلاء الذين قدمتهم عليّ ، لكنت أكرمهم بيتا وأبعدهم عما يعيب ويشين ؛
(٢) من الآية ٢٢ في سورة الفجر ،
(٣) من الآية ٢١ في سورة الفجر أيضا
(٤) من الآية ٤ في سورة الملك
قلنا : بل أهدر معنى العطف لو سلمنا أن أصله كان ذلك ، وجعل المفرد في المثنى واقعا على شيئين بلفظ واحد لا على وجه العطف ، كلفظ «كلا» ، سواء ؛ الّا أن «كلا» لم يقع على المفرد فيحتاج الى علامة المثنى ، بخلاف زيد ، فانه احتاج عند التثنية الى علامتها ، لئلا يلتبس بالواحد ، وكذا نقول : جعل المفرد في المجموع جمع السلامة واقعا على أشياء ، كلفظ «كلّ» فاحتاج إلى علامة الجمع رفعا للّبس ؛
فاذا ثبت هذا ، قلنا : ليس كل مفرد يقع على ذى أجزاء متضمنا لواو العطف ، والا وجبّ بناء «عشرة» و «خمسة» ، وغير ذلك من ألفاظ العدد ، ونحو : كلّ ، وجميع ، ورجال ؛ بل نقول : وقوع اللفظ على الجزأين المتساويين في نسبة الحكم اليهما ، أو على الأجزاء المتساوية فيها ، على وجهين : إمّا بواو العطف ظاهرا نحو جاءني زيد وعمرو ، أو مقدرا كجاءني خمسة عشر ، وذلك إذا لم توضع كلمة واحدة للمجموع ؛ وإمّا بكلمة صالحة للمجموع وضعا ، وهذا على ضربين : إمّا أن توضع الكلمة للمجموع بعد وضعها للمفرد ، كلفظ المثنى والمجموع ، أو توضع للمجموع أوّلا ، نحو : كلا ، وجميع ، وما فوق الواحد الى العشرة من ألفاظ العدد ؛
ويبطل مذهب الزجاج اعراب نحو : مسلمات ورجال اتفاقا مع اطراد ما ذكره فيهما ، أيضا ؛
[المقصور والممدود]
[كيفية تثنيتهما]
[قال ابن الحاجب :]
«والمقصور ان كان ألفه عن واو ، وهو ثلاثي ، قلبت واوا ،»
«والّا فبالياء ؛ والممدود ان كانت همزته أصلية ثبتت ،»
«وان كانت للتأنيث قلبت واوا ، والّا فالوجهان» ؛
[قال الرضى :]
يعني بالمقصور : ما آخره ألف لازمة ، احترازا من نحو : زيدا ، في الوقف ؛ وسمّي مقصورا ، لأنه ضد الممدود ، أو لأنه محبوس عن الحركات ، والقصر : الحبس ؛ فان كانت ألفه عن واو (١) ، أي عوضا من الواو ، وهو ثلاثي ، أي المقصور ثلاثي ، قلبت واوا ،
اعلم أن الكلمة قد يلحقها التغيير عند التثنية ، فتعرّض المصنف لذكر ذلك ، وهو (٢) في ثلاثة أنواع : المقصور ، والممدود ، والمحذوف آخره اعتباطا ؛
فالمقصور ان كان ثلاثيا وألفه بدل من الواو ، ردّ الى أصله ولم يحذف للساكنين ، لئلا يلتبس بالمفرد عند حذف النون للاضافة ؛ وإذا ردّ الى الأصل سلمت الواو ، والياء ؛ ولم يقلب ألفا ، لئلا يعاد الى ما فرّ منه ؛
وإنما جاز (٣) ردّ الواوي من الثلاثي الى أصله دون الواوي ممّا فوقه ، لخفة الثلاثي ، فلم تستثقل معه الواو ؛
وإن كانت الألف الثالثة أصلا غير منقلبة عن شيء ، كمتى ، وعلى وإلى ، وإذا ، أعلاما ، فان الألف في الأسماء العريقة في البناء أصل ؛ أو كانت مجهولة الأصل ، وذلك بأن تقع في متمكن الأصل ولم يعرف أصلها ، فان سمع فيها الإمالة ولم يكن هناك سبب للامالة غير انقلاب الألف عن الياء ، وجب قلبها ياء ، وان لم تسمع فالواو أولى ، لأنه أكثر ؛ وقال بعضهم بل الياء في النوعين أولى ، سمعت الإمالة ، أو ، لا ، لكونها أخفّ من الواو ؛
وقال الكسائي : إن كانت الألف الثالثة المنقلبة عن الواو في كلمة مضمومة الأول ،
__________________
(١) أي منقلبة عن واو ، وهو المراد بقوله : عوضا أي بدلا ؛
(٢) أي الذي تعرض له المصنف وهو لحاق التغيير للكلمة عند التثنية ؛
(٣) أراد بالجواز عدم المنع ، لأن ذلك واجب كما هو معروف من القواعد ؛
كالضحى ، أو مكسورته ، كالربا ، وجب قلبها ياء ، لئلا تتثاقل الكلمة بالواو في العجز ، مع الضمة أو الكسرة في الصدر ، فيميل مثل هذه الألف ، ويكتبها ياء ؛ وعموم قلب كل ثالثة أصلها واو : أشهر ؛
قوله : «والا فبالياء» أي وإن لم يجمع الشرطين ، وهما كونه ثالثا ، وعن واو ، وذلك إمّا بأن يكون ثالثا عن ياء ، كالفتى والرحى ، أو زائدا على الثلاثة عن واو ، كالأعلى ، والمصطفى والمستصفى ، أو ياء ، كالمرمى ، والمرتمى ، والمستسقى ، أو زائدا على الثلاثة زائدا للتأنيث كالحبلى ، والقصيرى والخلّيفى ؛ أو للالحاق كالأرطى ، والحبنطى ، أو للتكثير كالقبعثرى ، والكمثرى.
وقد تحذف الألف الزائدة ، خامسة فصاعدا ، في التثنية والجمع بالألف والتاء ، كما في : زبعرى وقبعثرى ، ولا يقاس عليه خلافا للكوفيين ؛
وانما قيل : مذروان ، لا مذريان ، لأنهم إنما يقلبون الألف الثابتة في المفرد ياء عند التثنية ، وههنا لم تثبت ألف قط ، حتى تقلب ياء إذ هو مثنى لم يستعمل واحده ،
قوله : «وان كان ممدودا .. الى آخره» ، الممدود على أربعة أضرب ، لأن الهمزة ، إمّا مبدلة من ألف التأنيث كحمراء ، أو للالحاق كعلباء ، أو منقلبة عن واو ، أو ياء أصلية ، ككساء ورداء ، أو أصلية ، كقرّاء لجيّد القراءة (١) ؛ فالتي للتأنيث تقلب في الأشهر واوا ، أمّا القلب فلكونها زيادة محضة ، فهي بالابدال الذي هو أخف ، أولى من غيرها ، مع قصد الفرق ، وامّا قلبها واوا دون الياء ، فلوقوعها بين ألفين ، فبالغوا في الهرب من اجتماع الأمثال ، لأن الياء أقرب الى الألف من الواو ، ولكون الواو والهمزة متقاربين في الثقل ؛ وربّما صححت فقيل : حمراءان ؛ وحكى المبرد عن المازني قلبها ياء نحو حمرايان ؛
والأعرف في الأصلية بقاؤها في التثنية همزة ؛ وحكى أبو علي (٢) ، عن بعض العرب قلبها واوا نحو : قرّاوان ؛
__________________
(١) وان أمكن أن يكون جمع قارئ ، ولكنه حمله على ما قال لأنه يتحدث عن التثنية والأغلب تثنية المفرد لا لا تثنية الجمع ؛
(٢) الفارسي ، وتكرر ذكره ؛
وأمّا التي للالحاق ، والمنقلبة عن الواو ، والياء الأصليتين ، فيجوز قلبها واوا ، وبقاؤها همزة ، لأن عين (١) همزتها ليست بأصلية ، فشابهت همزة حمراء ، واحداهما منقلبة عن أصلية ، والأخرى عن واو أو ياء ملحقة بالأصل ، فشابهتا همزة قرّاء ؛ إلا أن ابدال الملحقة واوا ، أولى من تصحيحها ، لأنها ليست أصلا ولا عوضا من أصل ، بل هي عوض من زائد ملحق بالأصل ، فنسبتها الى الأصلية بعيدة ، وأمّا المبدلة من أصل فتصحيحها أولى من ابدالها لقرب نسبتها من الأصلية ، لأنها بدل من أصل ؛
وقد تقلب المبدلة من أصل ياء ، ولا يقاس عليه ، خلافا للكسائي ؛
وإنما صححوا : ثنايين (٢) ، لأنهم إنما يقلبون الواو أو الياء المتطرفة بعد الألف الزائدة همزة ، كما في كساء ورداء ، ثم في التثنية إمّا أن يصححوا الهمزة ، أو يقلبوها واوا ؛ وههنا لم تتطرف الياء حتى تقلب همزة ، اذ لم يستعمل واحد ثنايين ، فالألف والنون ههنا لازمان ، كما في مذروان ، فثنايان ، كسقاية وعماية ؛
وجاء حذف زائدتي التأنيث إذا كانتا فوق الأربعة ، نحو : قاصعان وخنفسان ، للطول (٣) وليس بقياس ، خلافا للكوفيين ؛
وأمّا ما حذف آخره اعتباطا ، فان كان المحذوف ردّ (٤) في الاضافة ، وجب رده في التثنية ، أيضا ، وهو : أب ، وأخ وحم ، وهن ، لا غير ، تقول : أبوان وأخوان وحموان وهنوان ، وربّما قيل : أبان وأخان ؛
وأمّا «فوك» فلم ترد اللام في التثنية ، لما لم ترد في الإضافة ، وإنما يثنى بقلب واوه ميما ، كما في الإفراد ، نحو : فمان ، وانما لم يقل فوان ، كما قيل ذوا مال ، لأن
__________________
(١) عين همزتها ، أي ذاتها أي لأن الهمزة بذاتها ليست أصيلة ؛
(٢) الثنايان : طرفا الحبل الذي يعقل به البعير ، يقال عقلته بثنايين ولا مفرد له من الاستعمال لأنه لا بد من استعمال طرفي الحبل في عقل البعير :
(٣) أي لطول الكلمة التي تتكون من خمسة أحرف إذا زيد عليها علامة التثنية وهي حرفان ،
(٤) ردّ .. خبر كان ، وقد بين الشارح في باب خبر كان جواز وقوع خبرها فعلا ماضيا بدون ذكر لفظة قد ولا تقديرها ؛
«ذو» لازم الإضافة بخلاف «فم» فواوه متحصن من الحذف لأمنه من التنوين (١) ، فأجري مثنى كل منهما (٢) ، مجرى مفرده لعروض التثنية ؛ وقد جاء في الشعر : فموان قال :
هما نفثا في فيّ من فمويهما |
|
على النابح العاوي أشدّ رجام (٣) ـ ٣١٦ |
فقيل : هو جمع بين العوض والمعوض منه ، فيكون ضرورة ، وقيل : هو مما اعتقب على لامه : الواو والهاء (٤) ، كسنيهة وسنيّة (٥) ، فلا يكون ، اذن ، ضرورة ، وقد جاء : فميان ، وهو أبعد ،
وردّ لام «ذات» في التثنية ، لا ، لام «ذو» ، فقالوا : ذواتا مال ، وقد جاء ، أيضا ، ذاتا مال ، وهو قليل ؛
وأما نحو : غد ، ويد ، ودم ، ممّا لم ترد لامه في الاضافة ، فلا ترد أيضا في التثنية ، يقال : دمان ويدان ، وأما يديان ، قال :
٥٤٩ ـ يديان بيضاوان عند محلّم |
|
قد تمنعانك أن تضام وتضهدا (٦) |
فعلى لغة من قال في المفرد : يدى ، كرحى ، وقد جاء دميان ودموان ، قال :
٥٥٠ ـ فلو أنا على حجر ذبحنا |
|
جرى الدميان بالخبر اليقين (٧) |
__________________
(١) أي للأمن من دخول التنوين المؤدي إلى حذف المعتل للزومه للإضافة ،
(٢) أي كل من فو ، وذو ،
(٣) من شعر الفرزدق وتقدم في الجزء الثاني ،
(٤) أي أن في لامه وجهين يعني لغتين ،
(٥) كلاهما تصغير سنة بحسب اللغتين في اللام ؛
(٦) رواه الجوهري : أن تضام وتهضما ، وقال البغدادي بعد أن شرحه إنه مع كثرة تداوله في كتب النحو واللغة لم يعرف قائله ؛
(٧) نسبه ابن دريد لعلي بن بدّال بن سليم ، وأورد قبله :
لعمرك إنني وأبا رياح |
|
على طول التجاور منذ حين |
ليبغضني وأبغضه وأيضا |
|
يراني دونه وأراه دوني |
ورواه بعضهم ضمن أبيات من قصيدة المثقب العبدي التي يقول فيها
فإما أن تكون أخي بصدق |
|
فأعرف منك غثي من سميني .. الخ |
قال الجوهري (١) : لامه واو ، وإنما قالوا : دمي يدمى كرضى يرضى (٢) من الرضوان ، ولعل ذلك (٣) ، لأن ذوات الواو أكثر ، فدميان ، شاذ عنده ،
قال سيبويه : هو ساكن العين ، لجمعه على دماء ، ودميّ ، كظباء وظبيّ ودلاء ودليّ ، ولو كان كقفا ، لم يجمع على ذلك ، فدميان ، أو دموان ، عنده ، مثنى «دمى» لأنه لغة في «دم» ، ومثنى «دم» : دمان فقط ،
وقال المبرد : أصله فعل محرك العين ، ولامه ياء ، فدموان شاذ عنده ، قال : ودليل تحرك عينه تثنيته على دميان، قال: ألا ترى أن الشاعر لما اضطر أخرجه على أصله في قوله :
٥٥١ ـ فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
|
ولكن على أعقابنا يقطر الدّما (٤) |
قال : فان قيل قد جاء يديان كدميان ، مع أن «يد» ساكنة العين اتفاقا ، فالجواب : أنه مثنى «يدى» وهي لغة في يد ، لا مثنى يد ؛
قلت : ولسيبويه ، أيضا ، أن يقول : دما ، لغة في دم ، كيدى لغة في يد ، والمشهور أن يدا ، في الأصل ساكن العين ، لأن الأصل السكون ولا يحكم بالحركة الا بثبت ؛ (٥) ولم يستبعد السيرافي أن يكون أصل يد ، فعل متحرك العين كقوله :
٥٥٢ ـ يا رب سار بات ما توسّدا |
|
الا ذراع العنس أو كفّ اليدا (٦) |
__________________
ـ والصواب ما قاله ابن دريد ؛
(١) صاحب الصحاح وتكرر ذكره ،
(٢) أبدلت الواو ياء لكسر ما قبلها وهي طرف ،
(٣) أي ما ذهب اليه الجوهري ؛
(٤) من أبيات للحصين بن الحمام المري ، وقبله :
تأخرت استبقي الحياة فلم أجد |
|
لنفسى حياة مثل أن أتقدما |
والحمام بضم الحاء وتخفيف الميم ، والمري نسبة إلى مرّة أبي قبيلة من العرب ؛
(٥) أي إلّا بدليل ،
(٦) يعني كان ذراع الناقة هو الوسادة له ، أو كانت وسادته كفّ يده ، واليدا مضاف إلى الكف وهو مقصور على إحدى اللغات ؛ والبيت مجهول القائل ،
فأمّا ما حذف لامه لعلة موجبة ، فهو امّا مقصور منون ، وقد ذكرناه ، واما منقوص كذلك ؛ ولا تحذف الياء في تثنية المنقوص مع أن بعدها ساكنا ، كما حذفت مع التنوين ، لأن ياءه واجبة الفتح مع ذلك الساكن فلا يلتقي ساكنان ، كما لم يلتقيا مع التنوين في حال النصب ، نحو رأيت قاضيا ؛ تقول : قاضيان ، وقاضيين ؛
[حذف النون]
[وتاء التأنيث]
[قال ابن الحاجب :]
«وتحذف نونه للاضافة ، وحذفت تاء التأنيث في : خصيان ،»
«وأليان» ؛
[قال الرضى :]
إنما تحذف النون في الاضافة لما مرّ في أوّل الكتاب ، من أنها دليل تمام الكلمة ، وقد تسقط للضرورة ، كقوله :
٥٥٣ ـ هما خطتا : امّا اسار «ومنة» |
|
وإمّا دم والقتل بالحر أجدر (١) |
برفع «إسار» أمّا إذا جرّ فبالاضافة ، و «إمّا» فصل ، وقد تسقط لتقصير الصلة ، كالضاربا زيدا بالنصب على ما يجيء في اسم الفاعل ؛
__________________
(١) أحد أبيات لتأبط شرا ؛ يتحدث فيها عن إحاطة قوم من هذيل به ، وانه احتال على التخلص منهم ، وآخر هذه الأبيات قوله :
فإبت إلى فهم وما كدت آيبا |
|
وكم مثلها فارقتها وهي تصغر |
وهو من شواهد النحو ، وسيأتي في قسم الأفعال ؛
قوله : «وحذفت تاء التأنيث في خصيان ، وأليان» ، اعلم أنه يجوز خصيتان وأليتان اتفاقا ، قال :
٥٥٤ ـ متى ما تلقني فردين ترجف |
|
روانف أليتيك وتستطارا (١) |
وقال :
٥٥٥ ـ بلى ، أير الحمار وخصيتاه |
|
أحبّ الى فزارة من فزار (٢) |
فأما خصيان ، وأليان ، فقال أبو علي : الوجه في ذلك : أنه لما كان الخصيتان لا تنفرد احداهما عن صاحبتها ، صار اللفظ الدال عليهما معا ، أي لفظ التثنية موضوعا وضعا أوّل على التثنية ، كما في : مذروين ، وكذا أليان ، وليس خصية ، وألية ، بمفردين لخصيان وأليان ، بل مفرداهما : خصي وألي ، في التقدير ، ومثنيا خصية وألية : خصيتان وأليتان ؛
وقيل : بل أليان وخصيان من ضرورات الشعر ، فانهما لم يأتيا الا فيه ، قال :
٥٥٦ ـ يرتجّ ألياه ارتجاج الوطب (٣)
__________________
(١) روانف الآليتين طرفاهما ، وهما رانفتان وإنما جمع حذرا من اجتماع تثنيين فيما لا لبس فيه والبيت من شعر عنترة العبسي يخاطب عمارة بن زياد العبسي وأولها :
أحولي تنفض استك مذرويها |
|
لتقتلني فها أنا ذا عمارا |
(٢) من أبيات للكميت بن ثعلبة ، شاعر إسلامي من بني فقعس ، ويسمّى الكميت الأكبر ، وهو جد شاعر اسمه الكميت بن معروف ، وكلاهما غير الكميت بن زيد صاحب الهاشميات التي مدح بها آل البيت وهو من بني أسد ؛ والأبيات التي منها الشاهد هجاء لبني فزارة ، وكانوا يعيّرون بأكل أير الحمار ، وهي ثلاثة أبيات وقبل الشاهد :
نشدتك يا فزار ، وأنت شيخ |
|
إذا خيّرت ، تخطىء في الخيار؟ |
أصيحانية أدمت بسمن |
|
أحبّ إليك أم أير الحمار؟ |
والصيحاني تمر معروف ، وبعد هذين البيتين البيت المستشهد به ؛
(٣) شطر من رجز في وصف رجل بإنه عظيم العجز رخوه حتى إنه ليهتز كما يهتز زق اللبن، وقبل هذا الشطر :
كأنما عطية بن كعب |
|
ظعنية واقفة في ركب |
والرجز مجهول القائل ، كما قال البغدادي ؛
وقال :
كأن خصييه من التدلدل |
|
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (١) ـ ٥٣٣ |
وفي غير الضرورة لا تحذف التاء منهما ؛
وقيل : خصى «وألى» ، مستعملان ، وهما لغتان في خصية وألية ، وان كانتا أقل منهما استعمالا ؛
[من أحكام المثنى](٢)
[حكم اضافة المثنى الى متضمنه]
واعلم أنه إذا أضيف ، لفظا ، أو معنى : الجزءان الى متضمنيهما ، فان كان المتضمنان بلفظ واحد ، فلفظ الإفراد في المضاف أولى من لفظ التثنية ، قال :
٥٥٧ ـ كأنه وجه تركيّين قد غضبا |
|
مستهدف لطعان غير منجحر (٣) |
والاضافة معنى ، كقولك : حيّا الله وجها للزيدين ؛
ثم لفظ الجمع فيه أولى من الإفراد ، كقوله تعالى : (فقد صغت قلوبكما) (٤) ، وذلك لاستكراههم في الاضافة اللفظية الكثيرة الاستعمال : اجتماع مثنيين مع اتصالهما لفظا ومعنى ، أمّا لفظا فبالاضافة ، وأمّا معنى فلأن الغرض أن المضاف جزء المضاف اليه ، مع عدم اللبس بترك التثنية ، ثم حملت المعنوية على اللفظية ، فان أدّى الى اللبس
__________________
(١) تقدم ذكره في باب العدد ؛
(٢) استطراد من الرضى ، كعادته لاستعمال ما لم يذكره ابن الحاجب ؛
(٣) من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير امتلأت بالفحش ؛ ومنها قوله :
ما تأمرون عباد الله أسألكم |
|
في شاعر حوله درجان مختمر. |
، وقوله : حوله درجان ، تثنية درج وهو وعاء للطيب ، ومختمر أي لابس للخمار شبهه بالمرأة ؛ واستمر في ذلك حتى وصف فرجه ، على أنه امرأة .. الخ ،
(٤) من الآية ٤ في سورة التحريم ؛