شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

اسم الجمع كالرهط والقوم ؛ والأكثر أنه إذا كان المفسّر أحدهما : فصل بمن ، نحو : ثلاثة من الخيل ، وخمس من التمر ، وذلك لأنهما ، وإن كانا في معنى الجمع ، لكنهما بلفظ المفرد فكره إضافة العدد إليهما ، بعد ما تمهّد من إضافته إلى الجمع ؛

وقال الأخفش : لا يجوز إضافة العدد إليهما ؛ وهو باطل ، لقوله تعالى : (تِسْعَةُ رَهْطٍ)(١) ، وقالوا : ثلاثة نفر ، وقال :

٥٢٧ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزمان على عيالي (٢)

ثم نقول : إن لم يكن للمعدود إلا جمع قلة ، أضيف العدد إليه ، وإن لم يكن له إلا جمع كثرة ، أضيف العدد إليه ؛ كثمانية أقلام (٣) وأربعة رجال ، وإن كان له الجمعان معا ، أضيف العدد في الغالب إلى جمع القلة ، لمطابقة العدد للمعدود قلّة ، نحو ثلاثة أجبال ، وقد جاء : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٤) ، مع وجود أقراء ، وليس بقياس ؛

وقال المبرد : يجوز قياسا : ثلاثة كلاب ، بتأويل : ثلاثة من كلاب ، وليس بمشهور ؛

قوله : «الا في : ثلثمائة إلى تسعمائة» ، استثناء من قوله : مجموع ، لأن المائة المضاف إليها ثلاثة إلى تسعة : مفردة غير مجموعة ، وكان القياس ثلاث مئات ، لأن للمائة جمعين : أحدهما في صورة جمع المذكر السالم ، وهو : مئون ، وقد تقدم أن العدد لا يضاف إليه ،

__________________

(١) الآية ٤٨ من سورة النمل وتقدمت قريبا

(٢) قاله الحطيئة وكان قد نزل منزلا ومعه امرأته وابنته وثلاث ذود ، سرحها فلما أراد أن يرحل افتقد أحدها فلم يجده ، فقال :

أذئب القفر أم ذئب أنيس

أصاب البكر أم حدث الليالي

ونحن ثلاثة وثلاث ذود ، هكذا ورد ، وورد مثل هذا البيت في قصيدة لأعرابي نقلها البغدادي عن أمالي الزجاجي ؛

(٣) القلم جاء جمعه على قلام مثل جبل وجبال ، ولكنه قليل الاستعمال ؛ وجمع القلة أفصح وهو لغة القرآن ؛

(٤) من الآية ٢٢٨ في سورة البقرة ،

٣٠١

فلم يبق إلا مئات يضاف إليها ، لعوز جمع التكسير (١) ، كما في (ثَلاثُ عَوْراتٍ)(٢) لكنهم كرهوا أن يلي التمييز المجموع بالألف والتاء ، بعد (٣) ما تعوّد المجيئ بعد ما هو في صورة المجموع بالواو والنون ، أعني : عشرين إلى تسعين ، فاقتصر على المفرد ، مع كونه أخصر ، وارتفاع (٤) اللبس ؛

وقد جاء في ضرورة الشعر : ثلاث مئين ، وخمس مئين ؛ قال :

٥٢٨ ـ ثلاث مئين للملوك وفى بها

ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم (٥)

وبعضهم يقول في مئون : مؤون بضم الميم ، وبعضهم يشمّ كسر ميم مائة في الواحد أيضا ، شيئا من الضم ، ولا يبيّن الضم ، وذلك هو الإخفاء ،

قال الأخفش : لو صممت ميم مئات فقلت : مؤات كما في مؤون جاز ، وبعضهم يجعل نون مئين معتقب الإعراب كسنين كما يجيئ في الجمع ؛

وقال الأخفش : هو فعلين في الأصل كغسلين فحذفت اللام ؛ فهو عنده مفرد ، وليس بشيء ، إذ لو كان مفردا ، لقيل لمائة واحدة : مئين ، ولعله عنده اسم جمع ، وقال بعضهم : هو : فعيل ، كعصيّ (٦) فأبدلت الياء الأخيرة نونا ؛ وقوله :

__________________

(١) أى لفقده وعدم وجوده

(٢) الآية ٥٨ من سورة النور وتقدمت ،

(٣) متعلق بقوله يلي وتقديره : أن يجيء بعد ...

(٤) معطوف على كونه أخصر

(٥) رواية البيت : فدا لسيوف من تميم وفى بها .. وهو للفرزدق الذي دفع رداءه لسليمان بن عبد الملك رهنا وكان سليمان قد خطب في الناس بمكة فذكر غدر بني تميم في قصة طويلة فقام الفرزدق وقدم رداءه وقال يا أمير المؤمنين هذا ردائي رهن لك بوفاء بني تميم والذي بلغك كذب ، وبعد هذا البيت :

شفين حزازات الصدور ولم تدع

علينا مقالا في وفاء للائم

(٦) وزن عصيّ : فعول بضم الفاء ولكنه صوّره هكذا باعتبار اللفظ نظرا لكسر أوله إتباعا ،

٣٠٢

٥٢٩ ـ وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

عند الأخفش ، في الأصل : المئين ، حذف النون ضرورة ، وحكى عن يونس (١) أنه مطروح الهاء كتمرة وتمر ؛ وليس بمستقيم إذ القياس ، إذن ، مئى ، كمعى ، كما تقول في لثة : لثى ، وفي ظبة : ظبى ،

وقد قيل : أصله مئيّ ، ككليب ، كسرت الفاء كما قيل في شعير : شعير ، وفي رغيف : رغيف لكون العين حرف حلق ، كما يجيئ في التصريف ، ثم خفف لأجل القافية ؛ ومئيّ ، ككليب غير مسموع ، ففي هذا القول نظر ؛

قوله : «ومميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين : منصوب مفرد» ، أما نصبه ، فلتعذر الإضافة إليه ؛ أمّا من أحد عشر إلى تسعة عشر ، فلكراهتهم أن تجعل ثلاثة أسماء كاسم واحد ؛

فإن قلت : فقد قالوا : ثلاثة عشر زيد ، وخمسة عشرك ، فجازت الإضافة إلا في اثني عشر ، كما مرّ في باب المركب ؛

قيل : ليس هذا مثله ، لأن المضاف إليه إذا كان مميزا فهو المقصود بالأول في المعنى وإنما جيئ به لبيانه ، فكأنّ الجميع كالشيء الواحد ، والمضاف إليه في نحو : ثلاثة عشرك :

شيء آخر ؛

__________________

(١) هو كما قال أبو زيد الأنصاري في النوادر لامرأة تفخر بأخوالها من اليمن وقبله :

جيدة خالي ولقيط وعلي

وحاتم الطائيّ وهّاب المئي

ولم يكن كخالك العبد الداعي ... الخ ما قالت ،

وقال البغدادي : إن العينى جعله من رجز لقصيّ بن كلاب ، خطأه في ذلك بأن حاتما بعد قصيّ بزمن. ورجز قصيّ فيه قبل هذا الشطر عند العيني أمّهتي خندف والياس أبي .. ؛

(٢) يونس بن حبيب شيخ سيبويه ، وتقدم ذكره في هذا الجزء وفي سابقيه ؛

٣٠٣

وأمّا عشرون وأخواته ، فلأن النون ليست للجمع حقيقة حتى تحذف ، بل هي مشبهة بها ؛

فإن قيل : فقد يقال : أرضو زيد ، وكرو عمرو ، وهذه النون مثلها ، قلت : بل نون «عشرون» وأخواتها أبعد منها من نون الجمع ، لأن «أرضون» ، جمع أرض ، حقيقة ، وإن لم يكن قياسا ، بخلاف «عشرين» وأخواتها ، فإنها ليست جمع عشر ، وثلاث وأربع ، لما مرّ في أول الباب ؛

ولم تمكن الإضافة مع إثبات النون أيضا ، لمشابهتها لنون الجمع ؛ وربّما جاء : عشرو درهم ، وأربعو ثوب ، وهو قليل ؛

وأمّا إفراده ، فلأن جمعيته الأصلية التي كانت له حين كان موصوفا إنما حوفظ عليها حال الإضافة إليه لأن المضاف إليه غير فضلة بل من تمام الأول كالموصوف ، فما بقيت الجمعية له مضافا ، كما كانت له موصوفا ، فلما تعذرت الإضافة ، ونصب على التمييز ، وهو في صورة الفضلات ، لم يبق كالموصوف الذي هو عمدة حتى يجب مراعاة حاله ، والجمعية مفهومة من العدد المتقدم ، والمفرد أخصر ، فاقتصر عليه ،

ومع صيرورة المعدود في صورة الفضلات ، يراعى أصله حين كان موصوفا ، فلا يوصف ، في الأغلب ، إلا هو ، دون العدد ، لأنه هو المقصود من حيث المعنى والمعدود ، وإن كان مقدما ، كالوصف له ؛

تقول : عندي عشرون رجلا شجاعا ، كما يوصف هو إذا كان مضافا إليه ، قال الله تعالى : (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ)(١) ، ويجوز وصف العدد أيضا لكن على قلة ؛

قوله : «وتثنيتهما ، وجمعه» أي تثنية المائة والألف ، وجمع الألف ، إذ المائة لا تجمع مضافا إليها ثلاث وأخواته ، كما مرّ ، وإن لم يضف إليها ثلاث وأخواته ، جمعت وأضيف ذلك الجمع إلى المفرد ، نحو : مئات رجل ؛

__________________

(١) من الآية ٤٣ في سورة يوسف ؛

٣٠٤

قوله : «مخفوض مفرد» ، أمّا خفضه فعلى الأصل ، كما ذكرنا في نحو : ثلاثة رجال ، وأمّا إفراده ، فلما جرّأهم عليه إفراد المميز المنصوب الذي قبله ، مع أنه أخف من الجمع ، ولفظ العدد كاف في الدلالة على الجمع ؛ ومرتبة الآحاد جمع قلة وحكم جمع القلة عندهم حكم الإفراد في كثير من الأشياء ، كتصغيرهم له على لفظه ، وجمعهم له مرة بعد أخرى جمع التكسير ، وأمّا هذه المرتبة فمشهور كثرتها ، لا كمرتبة الآحاد ، فأغنت عن جمع تمييزها ؛

وقد يجمع مميز المائة ، نحو مائة رجال ؛ وقد يفرد منصوبا ، قال :

٥٣٠ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب اللذاذة والفتاء (١)

قال المصنف ، ونعم ما قال ، فيمن قرأ قوله تعالى : (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ)(٢) بالتنوين ، وهي من عير حمزة ، والكسائي ، : أنه على البدل ، لا على التمييز ، وإلا لزم الشذوذ من وجهين : جمع مميز المائة ونصبه ؛ فكأنه قال : ولبثوا سنين ، قال : وكذا قوله تعالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً)(٣) ، وإلا لزم الشذوذ بجمع المميز ؛

قال الزجاج : لو انتصب سنين ، على التمييز ، لوجب أن يكونوا ، لبثوا تسعمائة سنة ، ووجهه : أنه فهم أن مميز المائة ، واحد من مائة ، كقولك : مائة رجل ، فرجل : واحد من المائة ، فلو كان «سنين» تمييزا ، لكان واحدا من ثلثمائة ، وأقل السنين : ثلاثة ، فكأنه قال : ثلاثمائة ثلاث سنين ، فتكون تسعمائة ،

__________________

(١) من أبيات للربيع بن ضبع الفزاري قالها بعد أن كبر ، وكان من المعمرين يقول في أوله :

ألا أبلغ بنيّ بني ربيع

فأشرار البنين لكم فداء

بأني قد كبرت ورق عظمي

فلا تشغلكم عني النساء

ومنها البيت الذي يستشهد به على مجيىء كان تامة : وهو :

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فإن الشيخ يهدمه الشتاء

(٢) من الآية ٢٥ سورة الكهف ،

(٣) من الآية ١٦٠ سورة الاعراف ،

٣٠٥

قال المصنف ، وهذا يطرد في قوله تعالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) ، فلو كان تمييزا ، لكانوا ستّة وثلاثين ، على رأيه (١) ، قال : وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائي ، لأنهما قرآ : ثلاثمائة سنين ، بالإضافة ، فسنين عندهما تمييز ، لا غير ، وإن لم يكن منصوبا ،

ولا شك أن قراءة الجماعة أقيس من قراءتهما عند النحاة ، وما ذكره الزجاج غير لازم ، وذلك لأن الذي ذكره مخصوص بأن يكون التمييز مفردا ، أما إذا كان جمعا ، فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا في نحو ثلاثة أثواب ، مع أن الأصل في الجميع : الجمع ، وإنما عدل إلى المفرد لعلة ، كما تقدم ، فإذا استعمل المميز جمعا ، استعمل على الأصل ؛

وما قاله الزجاج ، إنما كان يلزم أن لو كان ما استعمل جمعا : استعمل كما استعمل المفرد أمّا إذا استعمل الجمع على أصله ، فيما وضع العدد له ، فلا ؛

هذا آخر كلام المصنف ،

وإذا وصفت المميّز ، جاز لك في الوصف ، اعتبار اللفظ والمعنى ، نحو : ثلاثون رجلا ظريفا ؛ وظرفاء ، ومائة رجل طويل وطوال ، قال :

٥٣١ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم (٢)

واعلم أن سيبويه (٣) ، وجماعة من النحاة ، يستقبحون كون مميز العدد ، في أي درجة

__________________

(١) أي الزجاج ؛ بناء على رأيه الذي حكاه الشارح ؛

(٢) من معلقة عنترة العنسبي ، والضمير في قوله : اثنتان وأربعون ، راجع إلى حمولة في قوله قبل هذا البيت :

ما راعني إلا حمولة اهلها

وسط الديار تسفّ حبّ الخمخم

والحمولة الإبل التي يحمل عليها ، وحب الخمخم بخاءين معجمتين أو حاءين مهملتين مع كسرهما في الوجهين ، وهو نبات له حب أسود إذا أكلته الغنم قلّت ألبانها ...

(٣) قال سيبويه ٢ / ١٧٣ : وتقول ثلاثة نسّابات ، جمع نسابة ، وهو قبيح .. ثم قال في ٢ / ١٧٥ بعد أن مثل بقوله : ثلاثة قرشيون ـ بالإتباع .. فهذا وجه الكلام كراهية أن تجعل الصفة كالاسم ، إلا أن يضطر شاعر ؛

٣٠٦

كان : صفة ، نحو قولك : سبعة طوال ، وأحد عشر طويلا ، ومائة أبيض ، لأن المقصود من التمييز : التنصيص ، وهو معدوم في أكثر الأوصاف ، بلى ، إن كانت الصفة مختصة ببعض الأجناس لم يستقبح نحو ثلاثة علماء ، ومائة فاضل ، كما قلنا في : هذا الأبيض ، وهذا العالم ؛

وإذا أضفت العدد المركب نحو : أحد عشرك ، وخمسة عشر زيد ، فعند سيبويه : الاسمان باقيان على بنائهما لبقاء موجبه ، أي التركيب ؛ ... والإضافة عنده ، لا تخلّ بالبناء ، كما لا يخلّ به الألف واللام اتفاقا ، نحو : الأحد عشر ، وإن كانت الإضافة ، واللام ، من خواصّ الأسماء.

وأمّا الأخفش والفراء ، فإنهما فرقا بين اللام والإضافة ، وذلك لأن ذا اللام ، كثيرا ما يوجد في غير هذا الموضع مبنيا ، كالآن ، والذي وأخواته ، والأمس ، عند بعضهم ؛ وأمّا المضاف فلا يكون إلا معربا ، إلا : لدن وأخواته ، ألا ترى إلى إعراب «أيّ» للزوم إضافته ، مع ثبوت علة البناء فيه ، وإلى إعراب قبل ، وبعد ، وأخواتهما مع الإضافة ، والبناء عند القطع عنها ؛

وأمّا بناء «غلامي» ، على مذهب النحاة ، وبناء «حيث» ، وإذا ، ونحو قوله

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألما تصح والشيب وازع (١) ـ ٤٨٨

فقد مضى الكلام عليه في مواضعه ؛

فالأخفش (٢) يعرب ثاني الاسمين قياسا مع الإضافة ، نحو : جاءني خمسة عشر زيد ، إجراء له مجرى «بعلبك» ؛ والفراء يجعل جزأي المركب عند الإضافة معربين إعراب المضاف والمضاف إليه ، لشبهه لفظا بالمضاف والمضاف إليه ، فيكون ؛ خمسة عشر زيد ، كابن عرس زيد ؛

__________________

(١) من قصيدة للنابغة الذبياني وتقدم في هذا الجزء في باب الظروف ؛

(٢) تفصيل لمخالفة الأخفش والفراء في التفرقة بين اللام والإضافة ؛

٣٠٧

[اعتبار اللفظ والمعنى]

[في المعدود]

[قال ابن الحاجب :]

«وإذا كان المعدود مؤنثا واللفظ مذكرا ، أو بالعكس»

«فوجهان» ؛

[قال الرضى :]

يعني مثل قولك : شخص ، إذا أطلقته على امرأة ، وقولك : نفس ، إذا أطلقتها على رجل ، ففي الأول : المعدود وهو المرأة مؤنث ، ولفظ الشخص مذكر ، وفي الثاني : المعدود وهو رجل مذكر ولفظ النفس مؤنث ، فلك أن تعتبر اللفظ وهو الأقيس والأكثر في كلامهم ، لما ذكرنا في الموصولات ، فتقول : ثلاثة أشخص أي نساء ، وثلاث أنفس أي رجال ، ويجوز اعتبار المعنى ، كثلاثة أنفس ، للرجال ، وثلاث أشخص ، للنساء ، قال :

٥٣٢ ـ فكان مجنيّ دون من كنت أتقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (١)

[الواحد والاثنان]

[لا يميّزان]

[قال ابن الحاجب :]

«ولا يميّز : واحد ، ولا اثنان ، استغناء بلفظ التمييز عنهما»

«نحو : رجل ورجلان ، لإفادة النص المقصود بالعدد» ؛

__________________

(١) من قصيدة مشهورة لعمر بن أبي ربيعة المخزومي ، منها بعض الشواهد في هذا الشرح ، والكاعبان تثنية كاعب وهي الفتاة حين يبدو ثديها للظهور ، والمعصر بكسر الصاد ، الفتاة أول ما يدركها الحيض ؛

٣٠٨

[قال الرضى :]

إنما لم يميّز ، واحد ، واثنان ، لأن ألفاظ العدد قصد بها الدلالة على نصوصيّة (١) العدد ، لمّا لم يكن الجمع يفيد ذلك ، فلو قالوا : رجال ، لم يعلم عددهم ، ولو قالوا ثلاثة واقتصروا ، لم يعلم ما هي؟ فلما كان نحو رجل ورجلان يفيد المعنيين معا ، استغنى عن ذكر لفظ العدد معه فلم يقولوا واحد رجل ولا واحد رجلين ، ولا واحد رجال ، لأن لفظة رجل وحدها ، تفيد الوحدة والمعدود ، ولم يقولوا : اثنا رجل ولا : اثنا رجال ، لأن لفظة رجلين تفيد الاثنينيّة ، وقوله :

٥٣٣ ـ كأن خصييه من التدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حفظل (٢)

ضرورة ؛

قوله : «استغناء بلفظ التمييز عنهما» ، يعني لم يقولوا : واحد رجل ولا اثنا رجلين لأن التمييز الأول يفيد الوحدة ، والثاني يفيد الاثنينية ؛

وهذا الاستدلال لا يستمر في نحو : واحد رجال ، واثنا رجال ، وثنتا حنظل ؛

[تعريف العدد (٣)]

واذا قصد تعريف العدد ، فان كان مفردا ، أي غير مضاف ولا مركب ، أدخل اللام عليه ، واحدا كان أو أكثر ، كالعشرون رجلا ، والثلاثة والأربعون جملا ، والعشرة

__________________

(١) تكررت الإشارة إلى أن هذه كلمة مولدة معناها كون الشيء لا يحتمل غيره ،

(٢) من رجز لخطام المجاشعي ، أوله :

يا رب بيضاء بوعس الأرمل

شبيهة العين بعين مغزل

وأخذ يصف نفورها من زوجها ، وأنها تدعو عليه ، وفي الرجز كثير من الفحش ؛

(١) تكررت الإشارة إلى أن هذه كلمة مولدة معناها كون الشيء لا يحتمل غيره ،

٣٠٩

والمائة بعير (١) ، وان كان مضافا ، فعلى المضاف اليه ، وان كان مضافا الى المضاف ، فعلى المضاف اليه الأخير ، فالأول ، كثلاثة الدراهم ، ومائة الدرهم ، وثلاث المائة وأربعة الآلاف ؛ والثاني ، نحو ثلاثمائة الألف ، وثلاثمائة ألف الدرهم ، وثلاثمائة ألف الف الدرهم ؛

وقد يدخل حرف التعريف على المضاف والمضاف اليه معا شذوذا ، (٢) نحو : الثلاثة الأثواب ، وعند الكوفيين هو قياس ، كما مر في باب الاضافة ، (٢)

وان كان مركبا ، دخل على الأول ، نحو : الأحد عشر درهما ، ولا يجوز دخوله على التمييز لوجوب تنكيره ولا على ثاني جزأى المركب ، لأنه يكون كأنه داخل في وسط الكلمة ، وقد يدخل على الجزأين بضعف نحو : الأحد العشر درهما ، وهو عند الأخفش والكوفيين قياس ؛ وقد يدخل على الجزأين والتمييز بقبح ، نحو : الأحد العشر الدرهم ، وهو قياس عند بعض الكوفيين ؛

[التغليب]

[في تمييز العدد]

واعلم أن العدد المميز بمذكر ومؤنث معا ، امّا أن يكون مفصولا بينه وبينهما بلفظ «من» أو «بين» ؛ أو ، لا (٣) ، فإن كان ، فالغلبة للتذكير ، نحو : اشتريت عشرة بين عبد وأمة ، ورأيت خمسة عشر من النوق والجمال ؛ الا أن يكون المميّزان «يوما» و «ليلة» فالغلبة ، اذن. للتأنيث ، قال :

__________________

(١) التمثيل بالعشرة والمائة بعير معا على أنهما عدد واحد ،

(٢) في الجزء الثاني ،

(٣) يعني أو لم يكن مفصولا بينه وبينهما ؛

٣١٠

٥٣٤ ـ فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

وكان النكير أن تضيف وتجأرا (١)

اذ التاريخ مبني على الليالي ، كما يجيىء ، فلهذا ، اذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالي ، جرى اللفظ على التأنيث ، نحو قولك : أقام فلان خمسا ؛ قال الله تعالى : (.. يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٢)

وانما غلب التأنيث لذلك ، وللفصل ، اذ كأنه مع الفصل لم يذكر المميّز قال سيبويه (٣) : يجوز في القياس خمسة عشر من بين يوم وليلة ، لكنه ليس بحدّ كلام العرب ؛

وان لم يفصل بينهما ، فان كان العدد مضافا الى المعدود ، فالغلبة للأسبق ، نحو : خمسة أعبد وآم (٤) ، وخمس آم وأعبد ، اذ الاضافة اليه تفيد فضل اختصاص ، وكذا في عدد عطف عليه هذا العدد المضاف نحو : ثلاثة ومائة رجل وامرأة ، وثلاث وألف ناقة وجمل ؛

وان كان المعدود منصوبا على التمييز ، فان كان المذكر من المميزين عاقلا ، سواء كان المؤنث عاقلا ، أو ، لا ، فالاعتبار بالمذكر ، نحو : خمسة عشر امرأة ورجلا ، وخمسة وعشرون ناقة ورجلا ، لاحترام التذكير المقارن للعقل ؛ وان لم يكن المذكر منهما عاقلا ، فالاعتبار بأسبقهما نحو : ثلاثة عشر جملا وناقة وأربعة عشر بيتا وصفّة وأربعة وعشرون يوما وليلة ؛

__________________

(١) من قصيدة النابغة الجعدي التي مدح بها النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وهو في هذا الجزء من القصيدة يصف بقرة وحشية أكل السبع ولدها فظلت تبحث عنه ثلاثا ، أي ثلاثة أيام وثلاث ليال ، ولا تنكر شيئا مما حولها الا الجزع والإشفاق والجؤار أي الصياح ، ثم انتقل إلى المدح ومما قاله في ذلك :

أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى

ويتلو كتابا كالمجرّة نيّرا

وقد استجاد النبي شعره ودعا له قائلا لا يفضض الله فاك ؛

(٢) الآية ٢٣٤ سورة البقرة ؛

(٣) سيبويه ٢ / ١٧٤

(٤) جمع أمة ، جمع قلة على وزن أفعل ، وأصله أأمو ، تحوّل إلى منقوص وأبدلت الهمزة الثانية مدة ، وحذفت ياء المنقوص للتنوين ..

٣١١

هذا ، وإذا كان المميّزان : يوما ، وليلة ، نحو : سرت أربعة عشر يوما وليلة فالمراد : أربع عشرة ليلة وأربعة عشر يوما ، لأن مع الليالي أياما بعدّتها ؛ ولا كذا ، نحو : اشتريت عشرة بين عبد وأمة ، أو خمسة عشر جملا وناقة ، بل المعنى أن مجموع عدد الإماء والعبيد عشرة ، فبعض العشرة عبيد ، وبعضها إماء ، ويجوز أن يتساويا ، فيكون : خمسة عبيد وخمس إماء ، ويجوز أن يختلفا ؛

والنكرة المضاف اليها «بين» في مثل هذا ، أي في موضع القسم (١) ، يقصد بها الجنس ، ولفظة «بين» مستعارة من الظرف المكاني ؛ فقولك : القوم : بين رجل وامرأة ، أي ليسوا بخارجين من هذين القسمين ، ومن هذين الجنسين ، كما أن ما يكون بين الشيئين لا يكون خارجا من المكان المتوسط بينهما ؛

[كيفية التاريخ]

واعلم أن الليل في تاريخ العرب ، مقدم على اليوم ، لأن السنين عندهم مبنية على الشهور القمرية ، وذلك لكون أكثرهم أهل البراري ، الذين يتعسّر عليهم معرفة دخول الشهر الا بالاستهلال ، فاذا أبصروا الهلال عرفوا دخول الشهر ، فأول الشهر عندهم : الليل ، لأن الاستهلال يكون في أول الليل ؛

فيقال في أول ليلة من الشهر : كتب لليلة خلت ، واللام هي المفيدة .. للاختصاص ، الذي هو أصلها ؛ (٢) والاختصاص ههنا على ثلاثة أضرب ، امّا أن يختص الفعل بالزمان لوقوعه فيه ، نحو : كتبته لغرّة كذا ، أو يختص به لوقوعه بعده ، نحو : لليلة خلت ، أو يختص به لوقوعه قبله ، نحو : لليلة بقيت ، وذلك بحسب القرينة ، فمع الاطلاق ،

__________________

(١) أي التقسيم ؛

(٢) قال الرضى في حروف الجر ان من معاني اللام أن تكون بمعنى قبل ، أو بعد ، وعقب على ذلك بأن الأولى أن تكون باقية على أصلها من الاختصاص كما شرحه هنا ، والنحاة يسمونها في مثل ذلك لام التوقيت ؛

٣١٢

يكون الاختصاص بوقوعه فيه ، ومع قرينة نحو : خلت ، يكون بوقوعه بعده ، ومع قرينة نحو : بقيت ، يكون بوقوعه قبله.

وتقول في الليلة الثانية : كتبت للّيلة الثانية من كذا ، وعلى هذا القياس الى آخر الشهر ؛ وان وقع الفعل في الليل ، ولم يقصد الى ذكر وقوعه فيه ، جاز أن يكتب فيه ما يكتب في الأيام ، وذلك أنك تقول ، في ثاني الأيام : لليلتين خلتا ، وفي ثالثها : لثلاث ليال خلون ، وكذا الى عشر ليال خلون ، ويجوز : لثلاث ليال خلت ، الى : عشر ليال خلت ، والأول أولى ليرجع النون الذي هو ضمير الجمع الى الجمع ،

وفي الحادي عشر : لإحدى عشرة ليلة خلت ، الى أن تكتب في الرابع عشر ؛ لأربع عشرة ليلة خلت ، ويجوز : خلون ، حملا على المعنى ، والأول أولى ، مراعاة للّفظ ،

وقريب من ذلك (١) : ما حكى المازني : الأجذاع انكسرن ، والجذوع انكسرت ، جعل ضمير الأجذاع ، وهو جمع قلة ، ضمير الجمع وهو النون ، لأنك لو صرحت بعدد القلة ، أي من ثلاثة الى عشرة ، لكان مميّزه جمعا نحو : ثلاثة أجذاع ، وجعل ضمير الجذوع ، وهو جمع الكثرة ، ضمير الواحدة ، أي المستكن في انكسرت ، لأنك لو صرّحت بعدد الكثرة ، أي ما فوق العشرة لكان مميّزه مفردا ، نحو : ثلاثة عشر جذعا ؛

وتكتب في الخامس عشر : للنصف من كذا ، وهو أولى من قولك ؛ لخمس عشرة ليلة خلت ، ومن قولك لخمس عشرة ليلة بقيت أو بقين ، مع جوازهما أيضا ، وذلك لأن الأوّل أخصر منهما ؛

وفي السادس عشر : لأربع عشرة ليلة بقيت أو بقين ، كما قلنا ، وبعضهم يقول من الخامس عشر الى الأخير : «ان بقيت (٢)» لتجويز نقصان الشهر ؛ الى أن تكتب في

__________________

(١) يريد الاختلاف في عود الضمير مفردا مؤنثا أو مجموعا

(٢) يعني يأتي بجملة ان بقيت ، بعد ذكر التاريخ ؛ لتجويز نقصان الشهر كما قال ؛

٣١٣

العشرين لعشر ليال بقين ؛ وهو أولى من : بقيت ، كما ذكرنا مع جوازه ، أيضا ، الى أن تكتب في الثامن والعشرين : لليلتين بقيتا ، وفي التاسع والعشرين : لليلة بقيت ، وفي الليلة الأخيرة : لآخر ليلة منه أو سلخه ، أو انسلاخه ، وفي اليوم الأخير : لآخر يوم من كذا ، أو سلخه أو انسلاخه ؛

[الاشتقاق]

[من ألفاظ العدد]

[قال ابن الحاجب :]

«وتقول للمفرد من المتعدد باعتبار تصييره : الثاني والثانية»

«الى : العاشر والعاشرة ، لا غير ، وباعتبار حاله : الأول»

«والثاني والأولى والثانية ، الى : العاشر والعاشرة ، والحادي»

«عشر والحادية عشرة ، والثاني عشر والثانية عشرة ؛ إلى»

«التاسع عشر ، والتاسعة عشرة ، ومن ثم ، قيل في الأول»

«ثالث اثنين ، أي : مصيّرهما من ثلثتهما ، وفي الثاني :»

«ثالث ثلاثة أي أحدها ، وتقول : حادي عشر أحد»

عشر ، على الثاني خاصة ، وان شئت : حادي ، أحد عشر ،»

«الى تاسع تسعة عشر ، فتعرب» ؛

[قال الرضى :]

يعني بالمفرد : الواحد ، وبالمتعدد : المعدود ، وقد تقدم أن جميع ألفاظ العدد ، كانت في الأصل لمجرّد العدد ، كما في قولك : ثلاثة نصف سنة ، ثم استعملت في المعدودات ، كما في : رجال ثلاثة ، وستة رجال ، فاذا كان هناك معدود معيّن كعشرة رجال مثلا ، وقصدت ذكر واحد منهم ، فان أردت ذكره بلا ترتيب ، جئت بواحد ، أو أحد ، الذي هو أوّل تلك الألفاظ الاثني عشر ، فقلت : هذا واحد العشرة ، أو :

٣١٤

أحدهم ؛ وان قصدت الى واحد منهم مع حفظ الترتيب العددي ، فذلك على وجهين :

أحدهما : أن تقصد الى ذلك الواحد ، المعيّن درجته ومرتبته العددية بالنظر الى حاله ، أي درجته التي هو فيها من العدد ، لا باعتبار عدد آخر ، كالثالث أي الواحد من الثلاثة ، والثاني ، أي الواحد من الاثنين ، وهو معنى قوله : «باعتبار حاله».

والثاني : أن تقصد الى ذلك الواحد المراعى درجته العددية مع النظر الى الدرجة التي تحت درجته ، أيضا ، فيكون واحدا من درجته بسبب تصييره الدرجة التي تحت درجته ممحوّة ذاهبة الاسم ، وجعله للمجموع اسم درجة نفسه بسبب انضمامه الى ما تحته ، نحو : ثالث اثنين ، أي واحد من ثلاثة بسبب انضمامه الى اثنين وجعله للمجموع اسم ثلاثة ، حتى صار واحدها ، ومحوه عن المجموع اسم الاثنين ، فمعنى ثالث اثنين : مصيّر اثنين ثلاثة بنفسه ، اذ صار «اثنان» معه ، ثلاثة ، وهذا معنى قوله : باعتبار تصييره ،

فاذا قصدت اليه باعتبار التصيير ، لم يجز أن يبنى من واحد ، إذ ليس تحت الأحد عدد ، يصير أحدا ، بانضمامه الى الأحد ؛ ويجوز أن يبنى من الاثنين نحو : ثاني واحد ، أي : مصيّر واحد : اثنين بنفسه ؛

فاذا جئت بعده بمفعول هذا المصيّر ، إمّا مجرورا أو منصوبا ، وجب أن يكون أنقص من العدد المشتق منه هذا المصيّر بدرجة ، كرابع ثلاثة وخامس أربعة ، ولا يجوز أن يكون أنقص بأكثر من درجة ، ولا أزيد بشيء ، إذ المعنى : أنه صيّر مفعوله بانضمامه اليه على العدد المشتق هو منه ، وهذا المعنى لا يتم الا في الناقص بدرجة فقط ؛

وإذا نصبت به فانما تنصب إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال لا بمعنى الماضي ، كما يجيء في اسم الفاعل ، والاضافة في هذا ، أكثر من النصب بخلاف سائر أسماء الفاعلين ، فانهما متساويان فيهما ، أو النصب أكثر ،

وانما قلّ النصب ههنا لأن الانفعال والتأثر في هذا المفعول غير ظاهر الا بتأويل ، وذلك لأن نفس الاثنين لا تصير ثلاثة أصلا ، وان انضم اليها واحد ، بل يكون المنضم والمنضم اليه معا ، ثلاثة ؛

٣١٥

والتأويل : أنه سقط عن المجموع الأول بانضمام ذلك الواحد : اسم الاثنين ، وصار يطلق على المجموع الثاني اسم لثلاثة ، فكأنه صار المجموع الأول هو المجموع الثاني ؛

فعلى هذا ، جاز بناء اسم الفاعل من الاثنين إلى العشرة ، اذ لكل منها فعل ، ومصدر ، نحو : ثنيت الأحد ثنيا ، وثلثت الاثنين ثلثا ، وكذا ربعت الثلاثة ، الى : عشرت التسعة ؛ والمضارع من جميعها بكسر العين الا ما لامه حرف حلق ، كأربع وأسبع وأتسع ؛ وقد يكسر هذا أيضا على الأصل ؛

وقد جاءت هذه الأفعال بهذه المصادر بشرط ضم العين في المضارع إلّا ما لامه حرف حلق ، بمعنى آخر ، وهو قولهم : ثلثت الرجل أي أخذت ثلث ماله ، وكذا ربعته وخمسته الى عشرته ، وليس هذا المعنى مما نحن فيه ، ولا يجيء بهذا المعنى : ثنيت الرجل ، إذ لا معنى له ؛

ولا يتجاوز بهذين المعنيين : العشرة ؛ وأجاز سيبويه (١) أن يتجاوز العشرة ما هو بمعنى التصيير ، خلافا للأخفش ، والمازني ، والمبرد ؛

قال أبو عبيدة : (٢) تقول : كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم ، أي جعلتهم ثلاثين ، وكانوا تسعة وثلاثين فربعتهم ، اي جعلتهم أربعين ، وهكذا الى المائة ؛ قال السيرافي : ان كثيرا من النحويين يمنعون من الاشتقاق بمعنى التصيير فيما جاوز العشرة ، وهذا هو القياس ، قال : ومنهم من يجيزه ، ويشتقه من لفظ النيّف ، فيقول : هذا ثاني أحد عشر ، وثالث اثني عشر ، وينونه ؛ قال المبرد : هذا لا يجوز ، لأن هذا الباب يجري مجرى الفاعل المأخوذ من الفعل ، ونحن لا نقول : ربعت ثلاثة عشر ، ولا أعلم أحدا حكاه ؛

واعلم أنه انما لم يجز الاشتقاق ، فوق العشرة ، بمعنى المصيّر ، وجاز بمعنى أحد ، نحو ثالث ثلاثة عشر ، لأنّ ما هو بمعنى الأحد ، في صورة اسم الفاعل ، وليس به

__________________

(١) انظر سيبويه ٢ / ١٧٣ ،

(٢) المراد معمر بن المثنى ، أما أبو عبيد بدون تاء فهو القاسم بن سلّام تلميذ أبي عبيدة هذا ، وكلاهما تقدم ذكره ،

٣١٦

معنى ، كحائط ، وكاهل ، فلا بأس أن يبنى من أول جزأي المركب ، إذ لا يحتاج فيه الى مصدر ولا فعل ، وأمّا المصيّر فهو اسم فاعل حقيقة ، واسم الفاعل لا بدّ له من فعل ومصدر ، ولم يثبت فعل ولا مصدر مبنيان من العدد الذي فوق العشرة ؛

والذي حكى أبو عبيدة ، إنما هو في العقود من عشرة الى مائة ، كعشرين وثلاثين الى تسعين ، فقط ، وليس من المركب ، والمعطوف ، والظاهر أن سيبويه (١) قاس ما هو بمعنى المصيّر ، على ما هو بمعنى الأحد ، ولم يقل ذلك عن سماع ، فعلى ما قال ، يجوز فيه وجهان : نحو : رابع عشر ثلاثة عشر ، على بناء اسم الفاعل من أول جزأي المركب ، والإتيان بثانيهما كما هو ، ورابع ثلاثة عشر بحذف ثانيهما ، واعراب أولهما ، لزوال التركيب ، ولا يجوز ههنا حذف أول جزأي المركب ، المضاف اليه ، لا على أن تركب «رابع» مع «عشر» الأخير ، فتبنيهما ؛ ولا على أن تضيف «رابع» الى «عشر» ، فتعربه ، أي تعرب «رابع» ، للالتباس برابع عشر بمعنى الأحد ، كما يجيء ؛

وأمّا إن قصدت الى ذلك الواحد باعتبار حاله ، فان لم تضف ، قلت : الأول ، والثاني ، والثالث ، الى العاشر ، وإنما أبدلت الواحد بالأول ؛ لأن الواحد ، كما ذكرنا ، يطلق على كل واحد من مفردات المعدودات ، إذا لم يقصد الترتيب ، فقلت : الأول ، لتبيّن قصد الترتيب ؛

وهذا المبني على وزن الفاعل ، وإن لم يكن اسم فاعل حقيقة ، كما مرّ ، لكن فيه معنى الوصف ، بخلاف نحو الحائط ، وهذا ، يجوز أن تجاوز به العشرة اتفاقا ؛ فتقول : الحادي عشر ، فتقلب الواحد الى الحادي ، بجعل الفاء مكان اللام والعين مكان الفاء ؛ وتقول : الثاني عشر ، فتسكن ياءي الحادي والثاني مع أنهما مركبان ، كما مرّ في : معد يكرب ،

وأمّا العشرون ، والثلاثون الى التسعين ، والمائة والألف ، فلفظ المفرد من المتعدد ،

__________________

(١) انظر عبارة سيبويه في ج ٢ ص ١٧٣ ؛

٣١٧

ولفظ العدد فيهما : واحد ، كما مرّ في باب المركب ، وكان القياس أن يقال : العاشرون والثالثون ؛

وتقول في المعطوف : الثالث والعشرون والثالث والمائة ، والرابع والألف ؛ وان أردت اضافة هذا النوع الى ما هو جزء منه ، ولا يجوز ذلك إلا فيما دون العشرين ، فلك أن تضيفه الى أصله ، وهو الأغلب ، أو الى ما فوقه ، فلفظ الأول ، لا يضاف إلا إلى ما فوقه ، نحو : أول العشرة ، وأوّل الخمسة ، ولا يضاف إلى الأحد ، فلا يقال أول الأحد ، ولا أول الواحد ، لأنّ معنى الاسم المضاف بهذا المعنى : بعض المضاف اليه ، وذلك البعض هو الواحد ، فمعنى ثالث ثلاثة : أحد ثلاثة ؛ وليس للواحد بعض حتى يضاف ذلك البعض اليه ، وأمّا غير لفظ الأول فيجوز فيه الوجهان ، نحو : ثاني اثنين ، وقولك : عطارد ثاني السبعة السيارة ؛

ولا يجوز ، عند الجمهور ، أن ينصب أصله ، إذ ليس باسم فاعل حقيقة ؛

ونقل الأخفش عن ثعلب (١) جواز ذلك ، قال الأخفش : قلت له ، فاذا أجزت ذلك فقد أجريته مجرى الفعل ، فهل يجوز أن تقول : ثلثت ثلاثة ، قال : نعم ، على معنى : أتممت ثلاثة ، وجعلت الثلاثة ثلاثة بضم نفسي الى اثنين ؛

فاذا جاوزت العشرة وأردت الاضافة ، قلت ، على ما أجاز سيبويه (٢) ، وحكاه عن العرب : حادي عشر أحد عشر ، وثالث عشر ثلاثة عشر ، فيكون «حادي عشر» بمنزلة «ثالث» و «أحد عشر» بمنزلة ثلاثة ، فالمركب الأول بجزأيه ، مضاف الى المركب الثاني بجزأيه ، وكلا جزأي المركب : مبنيان ،

وقد أنكر ثعلب هذا الوجه ، وحكاه (٣) عن الكوفيين ، وقال : انهم لا يجوّزون إلا

__________________

(١) أبو العباس أحمد بن يحيى ، من زعماء الكوفيين ، وتقدم ذكره ،

(٢) في سيبويه ٢ / ١٧٣ وقال انه القياس ،

(٣) حكاه أي الإنكار

٣١٨

ثالث ثلاثة عشر ، وحجتهم أنه لا يمكن بناء الفاعل من جزأي المركب ، فتبنيه من الجزء الأول وهو النيّف ؛

وقول سيبويه أولى ، لأنه ليس اسم فاعل على الحقيقة ، وحكايته عن العرب لا تنكر مع ثقته وعدالته ، ولا ريب أن حذف ثاني جزأي المركب المضاف ، أكثر استعمالا ، لخفته ، ولاستثقال تكرار لفظ عشر في المضاف والمضاف اليه ، فاذا حذفته أعربت أول الجزأين بوجوه الاعراب ، لزوال التركيب الموجب لبنائه ، وامتناع تركيبه مع جزأي المركب الأخير ؛

ويجوز حذف أول جزأي المضاف اليه ، أيضا ، فتقول في ثالث ثلاثة عشر : ثالث عشر ، فالذي ذكره سيبويه بعد الحذف : فتحهما جميعا ، أمّا الثاني ، فلتضمن الواو ، وأمّا الأول ، فلقيام ثاني جزأي المضاف اليه ، مقام ثاني جزأي المضاف ؛ وذكر الكوفيون جواز اعراب الأول ، وأمّا الثاني فلا كلام في بنائه ، لتضمنه الحرف ؛ ووجه اعراب الأول : عدم قيام ثاني جزأي المضاف اليه مقام ثاني جزأي المضاف ؛

قال السيرافي : هذا قول قريب ، لم ينكره أصحابنا ، وروى الكسائي الوجهين عن العرب ؛

قال المصنف في الوجه الأول ؛ أعني بناء الجزأين : الظاهر أن هذا اللفظ : لفظ الاسمين الأوّلين بلا اضافة الى المركب الثاني ، لعدم الالتباس ؛

واعلم أن لقولك : ثالث ثلاثة عشر ، باعراب «ثالث» : معنيين ، أحدهما الجزء الثالث من المعدود الذي هو ثلاثة عشر ، وعلى هذا المعنى ، يجوز أن يقال : ثالث اثني عشر ، وثالث أربعة عشر ، لأن «ثالث» من ثلاثة ، لا من ثلاثة عشر ، وثانيهما : أنه الجزء الواحد من ثلاثة عشر وعلى هذا ، لا يجوز : ثالث اثني عشر ، ويجوز : ثالث أربعة عشر ، لأن أصله : ثالث عشر ثلاثة عشر ، وثالث عشر أربعة عشر ؛

واعلم أن حكم فاعل ، المذكور ، سواء كان بمعنى المصّير أو الواحد ، أو غيرهما ، حكم سائر أسماء الفاعلين في التذكير والتأنيث ، فتقول في المؤنث : الثانية والثالثة والرابعة الى العاشرة ، وكذا في جميع المراتب من المركب والمعطوف ، نحو : الثالثة عشرة ،

٣١٩

والثالثة والعشرون ، تؤنث الاسمين في المركب ، للمؤنث ، كما تذكرهما للمذكر ، نحو : الثالث عشر ، وإنما ذكروا الاسمين لأنه اسم لواحد مذكر ، فلا معنى للتأنيث فيه ، بخلاف ثلاثة عشر رجلا، فانه للجماعة ؛ وتقول في المعطوف : الثالث والعشرون والثالثة والعشرون؛

قوله : «ومن ثمّ ، قيل في الأوّل : ثالث اثنين وفي الثاني : ثالث ثلاثة». أي : ومن أجل اختلاف الاعتبارين : اعتبار تصييره ، واعتبار حاله ، اختلفت اضافتاهما ؛

فإضافة المصيّر الى ما دونه ؛ وإضافة ما هو بمعنى الواحد فقط ، الى مثله ، أو إلى ما فوقه ؛

٣٢٠