شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

[مبحث العدد]

[العدد وتحديد معناه]

[قال ابن الحاجب :]

«أسماء العدد : ما وضع لكميّة آحاد الأشياء»

[قال الرضى :]

مقصوده : تحديد ألفاظ العدد ، وكميّة الشيء : عدده المعيّن ، لأن الكمية : ما يجاب به عن السؤال بكم ، وهو العدد المعيّن ، كما أن ماهيّة الشيء : حقيقته المعيّنة التي يستفهم عنها بما ، الموضوعة للاستفهام عن الحقيقة ؛

وكيفية الشيء : وصفه المعيّن الذي يستفهم عنه بكيف ، فكأنه قال : اسم العدد : ما وضع للعدد المعيّن ، احترازا عن الجمع فإنه وضع لعدد غير معيّن ، ويخرج منه : المئات والألوف ؛

وقوله : آحاد ، جمع واحد ، (١) فينبغي ألّا يكون : واحد ، واثنان ، من ألفاظ العدد ، لأن «واحدا» لم يوضع لكمية آحاد الأشياء ، لأنه يقال : كم درهما عندك فتقول واحد ، فليس هناك آحاد أشياء ، وكذا إذا قلت : اثنان ، في جواب : كم درهما .. ؛

ولو دخل «واحد ، واثنان» ، لدخل نحو : رجل ورجلان ، لأنهما وضعا لكمية الشيء ، أيضا ، وإن كانا وضعا ، مع ذلك ، لماهية الشيء أيضا ؛

__________________

(١) مقتضى القياس أن آحاد جمع أحد لا جمع واحد؛ ولكنه نظر إلى المعنى وإلى ان واحد يستعمل مكان أحد ؛

٢٨١

ولو قال : العدد ما وضع لكميّة الشيء ، فحسب (١) ، لم يدخل نحو : رجل ورجلان ، ولم يخرج : واحد ، واثنان ، لأن لفظ الشيء ، يقع على كل ذي عدد ، من المفرد ، والمثنى وما فوق ذلك ؛

ويجوز أن يقال : ما وضع للكميّة فحسب ؛ ولا خلاف عند النحاة أن لفظ واحد واثنان ، من ألفاظ العدد ؛ وعند الخشاب (٢) : ليس الواحد من العدد ، لأن العدد عندهم : هو الزائد على الواحد ؛ ومنع بعضهم كون الاثنين من العدد ؛ قالوا : لأن الفرد الأول ليس بعدد ، فكذا ينبغي أن يكون الزوج الأوّل ؛ والنزاع فيه راجع إلى المراد بالعدد ، فعلى تفسيرهم العدد بكونه زائدا على الواحد : لا يدخل الواحد ، ويدخل الاثنان ، لأنه زائد عليه ، وعلى تفسير النحاة ، أي الموضوع للكمية ، يدخل الواحد والاثنان ؛

[أصول العدد]

[قال ابن الحاجب :]

«أصولها : اثنتا عشرة كلمة : واحد إلى عشرة ، ومائة وألف» ؛

[قال الرضى :]

يعني أن الألفاظ التي يرجع إليها جميع أسماء العدد : اثنتا عشرة كلمة ، وإن كانت تلك الأسماء غير متناهية ؛ وما عدا تلك الألفاظ متفرع منها ، بتثنية ، كمائتان ، وألفان ؛

__________________

(١) فحسب ، من كلام الرضى أي أن المصنف كان يكفيه أن يقول : ما وضع لكمية الشيء ؛ ، وكذلك العبارة الآتية ؛

(٢) هو يريد : ابن الخشاب ، وقد يكون ذلك من التحريف المطبعي ، وابن الخشاب ؛ هو : أبو محمد ، عبد الله بن أحمد بن نصر بن الخشاب من علماء القرن السادس ، وله آراء في النحو وألف بعض المصنفات ، في اللغة والنحو ؛

٢٨٢

أو بجمع ، كعشرين وأخواته ، الجارية (١) مجرى الجمع ؛ أو بعطف ، كثلاثة وعشرين ، وأحد ومائة ، ومائة وألف ، وكذا أحد عشر وأخواته ، لأن أصلها العطف كما تقدم ، (٢) وامّا بإضافة نحو : ثلاثمائة ، وثلاثة آلاف ؛ وقد يدخل العطف على جميع هذه الأقسام سوى العطف (٣) ، نحو (٤) : ثلاثمائة وثلاثة آلاف ونحو ذلك ؛

ثم شرع في كيفية استعمالها للمذكر والمؤنث ، فقال :

[تفصيل استعمال]

[ألفاظ العدد]

[الواحد والاثنان]

[قال ابن الحاجب]

«واحد واثنان ، واحدة واثنتان ، وثنتان» ؛

[قال الرضى]

يعني : أن ، واحد ، واثنان ، للمذكر ، وواحدة واثنتان ، وثنتان للمؤنث ، جرى واحد واثنان في التذكير والتأنيث على القياس : ذو التاء للمؤنث والمجرد عنها للمذكر ؛

والواحد : اسم فاعل من : وحد يحد وحدا ، وحدة ، أي انفرد ، فالواحد بمعنى المنفرد ، أي العدد المنفرد ، ويستعمل في المعدود ، كسائر ألفاظ العدد ، فيقال : رجل

__________________

(١) الجارية : صفة لعشرين وأخواته

(٢) تقدم ذلك في باب المركبات

(٣) يعني سوى العدد المعطوف ،

(٤) هذا تمثيل لما دخله حرف العطف

٢٨٣

واحد ، وقوم واحدون ، والتكسير : وحدان وأحدان ، كشابّ وشبّان ، والهمزة بدل من الواو ؛ ويقال في الصفة المشبهة منه : وحد ، بفتح الحاء ، وكسره ، ووحيد ، وتبدل الواو في هذا التركيب همزة ، أمّا في أحدان ، فقياس ، إذ الواو المضمومة ، يجوز إبدالها همزة ، في الأول كانت ، كأجوه ، أو في الوسط كفؤوس ، وأمّا في : أحد ، فشاذ ، عند الجميع ؛ وأمّا إحدى ، فهو قياس عند المازني (١) ، أي إبدال الواو المكسورة في الأول همزة ، كإلدة (٢) ، وإشاح ؛ شاذ عند غيره ؛

وإذا استعمل في الأعداد المنيّفة : اختاروا لفظ أحد ، وإحدى على : واحد وواحدة ، تخفيفا ، وقد يقع في التنييف (٣) : واحد وواحدة ، أيضا ، لكن قليلا ، فيقال : واحد عشر ، وواحدة عشرة ، وواحد وعشرون ، وواحدة وعشرون ، وربّما قيل : وحد عشر ؛ ويستعمل أحد ، وإحدى ، في غير التنييف أيضا ، مضافتين مطردا ، نحو أحدهم ، وإحداهن ، ولا يستعمل إحدى ، إلا في التنييف أو مع الإضافة ؛ وأمّا أحد ، فيستعمل مطردا لعموم العلماء ، (٤) بعد نفي أو نهي أو استفهام ؛ أو شرط ، نحو : ما جاءني أحد ، ويلزمه الإفراد والتذكير ؛ قال الله تعالى : (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)(٥) ، وتعريفه حينئذ نادر ؛ وقد يستغنى عن نفي ما قبله بنفي ما بعده إن تضمّن ضميره ، نحو : انّ أحدا لا يقول كذا ، كما مرّ في باب الاستثناء ؛ ولا يقع أحد ، في إيجاب يراد به العموم ، فلا يقال : لقيت أحدا إلا زيدا ؛ خلافا للمبرد ، ويستعمل «واحد» ، أيضا ، في عموم العقلاء في غير الموجب لكن يؤنث ، نحو : ما لقيت واحدا منهم ، ولا واحدة منهنّ ،

وقال أبو علي : همزة «أحد» المستعمل في غير الموجب أصلية ، لا بدل من الواو ،

__________________

(١) تقدم ذكره في هذا الجزء وما سبقه ، ،

(٢) جمع ولد

(٣) أي العدد الذي بين العقدين ،

(٤) يعني يعم العاقل ، وهو يعبر عن العاقل بالعالم ،

(٥) الآية ٣٢ من سورة الأحزاب ،

٢٨٤

وأمّا في الموجب نحو قوله تعالى : (قل هو الله أحد) (١) ، فهي بدل اتفاقا ، كأنه لمّا لم يرد في نحو : ما جاءني أحد : معنى الوحدة ، ارتكب كون الهمزة أصلا ، والأولى أن نقول : همزته في كل موضع بدل من الواو ، ومعنى ما جاءني أحد : ما جاءني واحد ، فكيف ما فوقه؟ ؛

وقد يستعمل ، قليلا ، «أحد» في الموجب بلا تنييف ولا إضافة استعمال واحد ، قال الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، (٢)

وقد يقال في المدح ونفي المثل : هو أحد الأحدين ، وهو إحدى الإحد ، جمعوا «إحدى» على «إحد» تشبيها بسدرة وسدر ، فمعنى هو إحدى الأحد : داهية هي إحدى الإحد (٢) ، قال :

٥٢٥ ـ حتى استثاروا بي إحدى الإحد (٣)

ويستعمل استعمال «أحد» في الاستغراق في غير الموجب ألفاظ ، وهي : عريب ، وديّار ، وداريّ ، ودوريّ ، وطوريّ ، وطؤويّ ، وطاويّ ، وأرم وأريم ، وكتيع ، وكرّاب ، ودعويّ ، وشقر ، وقد تضم شينه ، وقد لا يصحب نفيا ؛ ودبّيّ ، ودبّيج ، ووابر ؛ وآبز ، بالزاي ، وتامور ، وتومور ، وتومريّ ونمّيّ ؛ (٤)

__________________

(١) أول سورة الاخلاص ؛

(١) أول سورة الاخلاص ؛

(٣) للمرار الفقعسي في رجز يدفع به عن نفسه اتهامه بأنه يروغ من الأعداء كما يروغ الثعلب ، وذلك قوله :

عدّوني الثعلب عند العدد

حتى استثاروا بي إحدى الاحد

ليثا هزبزا ذا سلاح معتدي

يرمي بطرف كالحريق الموقد

يعني أن جعلهم له كالثعلب ، أثاره وهيّجه ، والباء في بي ، للتجريد ؛

(٤) عقد البغدادي بعد الكلام على الشاهد المتقدم بحثا شرح فيه هذه الألفاظ التي أوردها الشارح وضبطها ، وقال إنها مختلفة في النسخ وفيها كثير من التغيير وقد اكتفيت بنقل الضبط عنه بالشكل المثبت هنا!

٢٨٥

وأمّا «اثنان» فهو لفظ موضوع لواحدين (١) ؛ من الثّني ؛ واثنتان محذوف اللام ، والتاء للتأنيث ، وثنتان : مثل : بنت ، تاء التأنيث فيه بدل من الياء ، وهو قليل ، وإبدال التاء من الواو كثير ، كأخت وبنت ، وتراث ، وتكأة ؛

[استعمال]

[الثلاثة والعشرة وما بينهما]

[قال ابن الحاجب :]

«ثلاثة إلى عشرة ، ثلاث إلى عشر» ؛

[قال الرضى :]

يعني أن : ثلاثة إلى عشرة ، للمذكر ، نحو : ثلاثة رجال وأربعة رجال ؛ و : ثلاث إلى عشر ، للمؤنث نحو : ثلاث نسوة وتسع نسوة ؛

خولف بباب التذكر والتأنيث من ثلاثة إلى عشرة ، فأنث للمذكر وذكّر للمؤنث ؛ وعلّل ذلك بوجوه ، والأقرب عندي أن يقال : ان ما فوق الاثنين من العدد ، موضوع على التأنيث في أصل وضعه وأعني بأصل وضعه أن يعبّر به عن مطلق العدد ، نحو : ستة ضعف ثلاثة ، وأربعة نصف ثمانية ، قبل أن يستعمل بمعنى المعدود ، كما في : جاءني ثلاثة رجال ؛ فلا يقال في مطلق العدد : ست ضعف ثلاث ، وإنما وضع على التأنيث في الأصل ، لأن كل جمع إنما يصير مؤنثا في كلامهم بسبب كونه دالّا على عدد فوق الاثنين ، فإذا صار المذكر في نحو رجال مؤنثا بسبب عروض هذا العرض ، فتأنيث العرض في نفسه أولى ؛ وأمّا كون العدد عرضا ، فلأنه من باب الكمّ ، وهو عرض ، على

__________________

(١) تثنية واحد ،

٢٨٦

ما يذكر في موضعه ؛ (١) ثم انه غلب على ألفاظ العدد : التعبير بها عن المعدود ، فطرأ عليها ، إذن ، معنى الوصف الذي هو معنى الأسماء المشتقة ، إذ صار معنى : رجال ثلاثة ، رجال معدودة بهذا العدد ، لكنه مع غلبة معنى الوصف عليها ، كان استعمالها غير تابعة لموصوفها أغلب ، فاستعمال نحو : ثلاثة رجال ، أغلب من استعمال رجال ثلاثة ، وإن كان الثاني ، أيضا ، كثير الاستعمال ، وذلك لأجل مراعاة أصل هذه الألفاظ في الجمود ، ولقصد التخفيف أيضا ، إذ بإضافتها إلى معدوداتها يحصل التخفيف بحذف التنوين ؛

فصار ، على هذه القاعدة : أصل جميع ألفاظ العدد أن تضاف إلى معدوداتها ، فإن لم تضف ، كما (٢) بين : أحد عشر ، إلى مائة ، فالعلة كما يجيئ ، فإضافة ثلاثة رجال ومائة درهم كإضافة : جرد قطيفة وأخلاق ثياب ، على الخلاف المذكور بين أهل المصرين (٣) ، هل أضيفت الصفة إلى ما كان موصوفها ، وهل المضاف إليه الآن باق على موصوفيته ، كما هو مذهب الكوفيّة ؛ أو موصوف المضاف محذوف عام والمضاف إليه مبيّن له ، كما هو مذهب البصرية؟ فيه (٤) الخلاف المذكور في باب الإضافة ؛

فلا منع أن يقال : تجويز الكوفية نحو : الثلاثة الأثواب ، بتعريف المضاف ، لأن الإضافة عندهم في مثله لفظية ، فلم ينكر دخول اللام في الأوّل أيضا ، وإن كان تعرف الثاني هو تعرفه ، كما مرّ في باب الإضافة ، وليس ذلك بمطرد ، لأنه لم يسمع : الجرد القطيفة ، لكن لما ورد السماع به في العدد ، فالوجه (٥) هذا ؛

فلمّا ثبت معنى الوصف في ألفاظ العدد ، وجرت تابعة لألفاظ المعدودات كثيرا ،

__________________

(١) موضعه علم المنطق والمقولات ؛

(٢) أي كالاعداد التي بين أحد عشر ، ومائة ؛

(٣) أي البصرة ، والكوفة

(٤) جملة فيه الخلاف : جواب الاستفهام الذي ذكره ،

(٥) أي مبرر الاستعمال ،

٢٨٧

نحو : رجال ثلاثة ، والناس كابل مائة ؛ (١) وإذا لم تجر على الموصوف أتي بما كان موصوفا ، بعدها إمّا مضافا إليه نحو ثلاثة رجال ومائة رجل ، وإمّا بمن نحو : ثلاثة من الرجال ، وأمّا منصوبا نحو : عشرون درهما : جاز (٢) اجراؤها مجرى الصفات المشتقة في الفرق بين المذكر والمؤنث ، بالتاء مطردا ، فإن هذا الفرق مطرد في الصفات المشتقة ، كضارب وضاربة ، وأمّا في الجوامد فقليل ، نحو : رجل ورجلة ، وغلام وغلامة ؛

وغير العدد من المقادير يوصف به أيضا ، نحو : ثوب ذراع ، وبرّ قفيز ، لكن لا كالأعداد في الكثرة ؛

فنقول : (٣) بقيت الأعداد إذا كانت صفة لجمع المذكر على تأنيثها الموضوعة هي عليه ، بأن تجعل التاء الدالة على تأنيث ما لحقته : دالة على تأنيث موصوفه ، وذلك ، من الثلاثة إلى العشرة ، لكونها صفة الجمع ، والجمع مؤنث ، بخلاف لفظ الواحد ، والاثنين ، فإنهما لا يقعان صفة للجمع ، فقيل : رجال ثلاثة ، كرجال ضاربة ، وإذا جيئ بما كان موصوفا لها ، مضافا إليه نحو : ثلاثة رجال صارت الأعداد للمضاف إليه في التأنيث ، وذلك ، لأن لفظ المميز هو لفظ الموصوف بعينه ، أخرّ للغرضين المذكورين ؛

أمّا إذا كان المميز مفردا ، وذلك : ما فوق العشرة ، فلم يؤنث العدد ، لأنه لم يبق عين الموصوف المؤنث ، كما يجيئ ، فأصل عشرون درهما : دراهم عشرون ، وكذا أصل مائة رجل وألف درهم ؛ رجال مائة ودراهم ألف ؛ ولم توافق الاعداد موصوفاتها المجموعة في التأنيث إذا جرت عليها ، كما ذكرنا ، لأن أواخر : عشرون وأخواتها ، لزمها الواو والنون ، ولزم آخر : مائة التاء ، لما يجيئ ، فتبعها الألف (٤) ، في ترك الموافقة ، لمّا استقرّ

__________________

(١) جزء من حديث نبوى وتمامه : لا تجد فيها راحلة ، ومائة صفة لإبل ؛

(٢) جواب قوله : فلما ثبت معنى الوصف .. الخ

(٣) شروع في تعليل مخالفة الثلاثة والعشرة وما بينهما للمعدود في التذكير والتأنيث.

(٤) يقصد الألف الذي هو عدد ،

٢٨٨

بها الفطام (١) عن العادة ، فلما لم توافق موصوفاتها إذا جرت عليها ، لم توافقها أيضا ، إذا أضيفت إليها ، فقيل ألف رجل وألف امرأة ، ومائة رجل ، ومائة امرأة ؛

وإنما بقي الثلاثة إلى التسعة مع التنييف أيضا ، على حالها قبل التنييف وإن لم يكن لها مميز مجموع ولا موصوف مجموع ؛ لأن مميزها المجموع محذوف اكتفى بالمميز الأخير عنه ، إذ عادة ألفاظ العدد ، إذا ترادفت ، (٢) أنه يجتزأ بمميّز العدد الأخير من جملتها ، تقول : مائة وثلاثة وثلاثون رجلا ، كان الأصل : مائة رجل ، وثلاثة رجال وثلاثون رجلا ؛ وكذا : ثلاثة عشر رجلا ، أصله : ثلاثة رجال وعشر رجلا ، ومميز العشر إذا لم يكن مع النيف يخالف مميّزه مع النيّف ، إذ هو مع الأول مجموع مجرور ، ومع الثاني مفرد منصوب ؛ بخلاف سائر العقود ، فإن مميزها في الحالين واحد ، نحو : ثلاثون رجلا ، وثلاثة وثلاثون رجلا ؛ وكذا قولك : ثلاثة ومائة رجل ، في الأصل : ثلاثة رجال ومائة رجل ؛ فلما كان مميزها (٣) المقدر مجموعا ، عوملت معاملتها مع المميز الظاهر ؛

فلما قصدوا إجراءها مجرى الصفات المشتقة ، بإثبات التاء فيها إذا كانت موصوفاتها مؤنثة ، وحذفها منها مع تذكير الموصوفات ؛ ولا موصوف لها مذكرا ، إذ لا تصلح إلا صفة للجمع ، والجمع مؤنث ، جمع مذكر كان ، أو جمع مؤنث ، فلو أثبتوا التاء فيها مع الجمعين لم يتبيّن ما قصدوه من إجرائها مجرى الصفات المشتقة ، ولظنّ أن التاء هي التي كانت لتأنيث مطلق العدد في الأصل غير مجعولة لتأنيث الموصوف ، لأن الجوامد ذوات التاء ، إذا لم تكن للوحدة ، لزمها التاء في الأغلب ، كالصفّة ، والغرفة ، والعنصوة ، (٤) والحجارة ؛ فمن ثمّ لم يقلبوا لام شقاوة ، وعباية : همزة ؛ وإن لم يلزمهما التاء ، إذ يقال (٥) :

__________________

(١) أي انصرفا عن الأمر المعتاد ، ونسياه ، كالطفل يطول منعه من الرضاع فينصرف عنه ،

(٢) أي جاء بعضها في إثر بعض ، كما إذا كانت معطوفة أو مركبة ،

(٣) أي مميز الثلاثة وأخواتها في حالة التركيب ،

(٤) الشعر القليل المتفرق في رأس الانسان

(٥) تعليل لعدم لزوم التاء ،

٢٨٩

عباء ، وشقاء ، وذلك لأن مبنى التاء التي ليست للوحدة في الجوامد على اللزوم ، فحملوهما على نحو : طفاوة ، (١) وخزاية (٢) ، ونحوهما مما يلزمه التاء ؛

وأمّا في الصفات وفي المقصود به الوحدة فهي غير لازمة ، فلذا تقول : غزّاءة (٣) ، واستقاءة (٤) ؛

فلو ثبتت التاء فيها في الجمعين ، لشابهت تاء نحو الصّفّة والغرفة من الجوامد ، فأسقطوها مع جمع المؤنث ، لأنّ تأنيثه خفيّ ، فكأنه مذكّر ؛ بالنسبة إلى تأنيث جمع المذكر ؛ وإنما قلت ذلك ، لأن تأنيث جمع المؤنث المعتبر ، هو العارض بسبب الجمعية كتأنيث جمع المذكر ، لا الذي كان قبلها ، بدليل أنه لو كان الأصليّ معتبرا ، لم يجز في السعة : (وَقالَ نِسْوَةٌ)(٥) كما لا يجوز فيها ، قال امرأة ، فكما أزال التأنيث العارض ، التذكير الأصلي ، في رجال ، وأيام ، أزال التأنيث الأصلي أيضا في نسوة ، لكن هذا الطارئ ، ظاهر مشهور في رجال ، خفيّ في نسوة ، لأن الشيء لا ينفعل عن مثله ، انفعاله عن ضدّه ؛ فصار نسوة كأنه مذكر ، لخفاء تأنيثه ، فقيل : رجال ثلاثة ، ونسوة ثلاث ، فصارت التاء التي كانت في الأصل لتأنيث مجرّد العدد ، على ما قرّرنا ، لتأنيث (٦) المعدود ؛

هذا كله ، في الجمع المكسر ؛ وأمّا الجمع السالم فلا يقع مميزا للعدد عند سيبويه ، إن كان وصفا ، إلا نادرا ، فلا يقال : ثلاثة مسلمين ، ولا ثلاث مسلمات ، إذ المطلوب من التمييز تعيين الجنس ، والصفات قاصرة في هذه الفائدة ، إذ أكثرها للعموم ، فلذا لا نقول في الجمع المكسّر وصفا : ثلاثة ظرفاء ؛

__________________

(١) من معاني الطفاوة : الهالة التي تبدو حول الشمس أو القمر ، ومن معانيها : ما يطفو فوق القدر من الزبد عند الغليان ،

(٢) مصدر خزى بمعنى استحيا

(٣) صيغة مبالغة من الفزو ،

(٤) اسم مرة من : استقى الماء ، يستقيه ؛

(٥) أول الآية ٣٠ من سورة يوسف

(٦) متعلق بقوله صارت ..

٢٩٠

وأمّا غير الوصف فإن كان علما ، قلّ وقوعه مميزا ، لأن جمع العلم لا بدّ فيه من اللّام ، والغرض الأهمّ من تمييز العدد : بيان الجنس ، لا التعيين ، فمميزه منكر في الأغلب وإن كان مجرورا ، فلذا ، قلّ : ثلاثة الزيدين ، وثلاث الزينبات ؛

وإن لم يكن علما ، فإن جاء فيه مكسّر ، لم يجز السالم في الأغلب ، فلا يقال : ثلاث كسرات ، بل تقول : ثلاث كسر ، لقلة تمييز العدد بالسالم في غير هذا الموضع ؛ وقد جاء قوله تعالى : (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ)(١) مع وجود سنابل ؛ وإن لم يأت له مكسّر ، ميّز بالسالم ، كقوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ)(٢) ، فثبت أن الأغلب في تمييز الثلاثة إلى العشرة ، الجمع المكسر ، فبني أمر تأنيثها وتذكيرها عليه ، دون جمع السلامة ؛

فإذا تقرّر هذا (٣) ، قلنا : ينظر في تأنيث الثلاثة وأخواتها إلى واحد المعدود ، إن كان المعدود جمعا ، لا إلى لفظ المعدود ، فإن كان المعدود مؤنثا حقيقة ، كثلاث نسوة (٤) ، وطوالق ، أو مجازا ، كثلاث غرف وعيون ، حذفت التاء فيهما ، كما رأيت ، وإن كان الواحد منه مذكرا ، أثبتّ التاء فيها ، سواء كان في لفظ الجمع علامة التأنيث ، كأربعة حمّامات ، وثلاثة بنات عرس وبنات آوى ، والواحد : حمّام ، وابن عرس ، وابن آوى ؛ أو لم تكن فيه علامة التأنيث كثلاثة رجال ؛

وإن جاء تذكير الواحد وتأنيثه ، كساق ولسان ، جاز تذكير العدد وتأنيثه ، نحو : خمسة ألسنة ، وخمس ألسن ، وخمسة سوق وخمس سوق (٥) ؛

وإن كان المعدود صفة نائبة عن الموصوف ، اعتبر حال الموصوف لا حال الصفة ،

__________________

(١) من الآيتين : ٤٣ ، ٤٦ في سورة يوسف ،

(٢) من الآية ٥٨ في سورة النور

(٣) هو ما بيّنه من السبب في مخالفة العدد للمعدود تذكيرا وتأنيثا ،

(٤) التمثيل بنسوة هنا مبني على ما يراه بعض النحاة من أنه جمع تكسير من صيغ القلّة مثل فتية وحبية ، وغيرهم يراه اسم جمع ؛

(٥) جمع ساق ، والأغلب عليه التأنيث ،

٢٩١

قال الله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ، (١) وإن كان المثل مذكرا ، إذ المراد بالأمثال : الحسنات ، أي عشر حسنات أمثالها ؛

وإن لم يكن المعدود جمعا ، بل هو امّا اسم جمع ، كخيل ، أو جنس ، كتمر ، وستعرف الفرق بينهما في باب الجمع ، نظر ، فإن كان مختصا بجمع المذكر ، كالرهط ، والنفر والقوم ، فإنها بمعنى الرجال : فالتاء في العدد واجب ، (٢) قال الله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)(٣) ، وقالوا : ثلاثة رجلة ، وهو اسم جمع قائم مقام رجال ؛

وإن كان مختصا بجمع الاناث فحذف التاء واجب ، نحو : ثلاث من المخاض لأنها بمعنى حوامل النوق ، وإن احتملهما ، كالبط ، والخيل ، والغنم والإبل ، لأنها تقع على الذكور والإناث ، فإن نصصت على أحد المحتملين ، فالاعتبار بذلك النص ، فإن كان ذكورا ، أثبتّ التاء ، وإن كانا اناثا حذفتها ، كيف وقع النص والمعدود ، نحو : عندي ذكور ثلاثة من الخيل ، أو : عندي من الخيل ذكور ثلاثة ، أو عندي من الخيل ثلاثة ذكور ، أو : عندي من الخيل ثلاثة ذكور بالإضافة ، أو عندي ثلاثة ذكور من الخيل ؛ إلا أن يقع النص بعد المميز ، والمميز بعد العدد ، نحو : عندي ثلاث من الخيل ذكور ، فحينئذ ينظر إلى لفظ المميز ، لا النص ، فإن كان مؤنثا لا غير ، كالخيل والإبل والغنم حذفت التاء ، وإن كان مذكرا لا غير ، وما يحضرني له مثال ، أثبّتها ، إلحاقا للمؤنث من هذا الجنس بجمع المؤنث ، وللمذكر منه بجمع المذكر ؛

وإن جاء تذكيره وتأنيثه ، كالبط والدجاج ، جاز إلحاق التاء نظرا إلى تذكيره ، وحذفها نظرا إلى تأنيثه ؛

__________________

(١) من الآية ١٦٠ سورة الأنعام

(٢) التذكير باعتبار أن كلمة التاء : لفظ ، أو على تقدير : فإثبات التاء واجب ،

(٣) الآية ٤٨ سورة النمل

٢٩٢

وما لا يدخله معنى التذكير والتأنيث ينظر فيه إلى اللفظ ، فيؤنث نحو : خمسة من الضرب ، ويذكر نحو خمس من البشارة ، ويجوز الأمران في نحو : ثلاثة من النخل ، وثلاث من النخل ، لأنه يذكر ويؤنث ، قال تعالى : (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(١) ، و : (نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(٢)

وإنما قلت : ثلاثة أشياء ، ولم تنظر إلى لفظ أشياء وإن كان اسم جمع كطرفاء (٣) ، لأنه قائم مقام جمع شيء ، فكأنه جمع ، لا اسم جمع ،

فإذا تقرر أمر التذكير والتأنيث في هذه الألفاظ العشرة ، أعني من واحد إلى عشرة من جملة ألفاظ العدد الاثني عشر ، قلنا : حكم هذه الألفاظ العشرة : ما ذكرنا ، أعني جري الواحد والاثنين على القياس ، وجري الثمانية الباقية على غير القياس ، في الظاهر ، أين وقعت : تحت العشرة أو فوقها ، فلهذا تقول : ثلاثة عشر رجلا ، وثلاثة وثلاثون رجلا ، وثلاثة ومائة رجل ، إلا لفظ عشرة ، عند التركيب فإنه يرجع إلى القياس ، أي تثبت التاء فيه في المؤنث وتسقط في المذكر ، نحو : ثلاثة عشر رجلا ، وثلاث عشرة امرأة ، وإنما رجع إلى القياس ، لأن مميزه ليس بجمع حتى يؤنث العدد بالنظر إليه ، وإنما وافق لفظ عشرة من بين سائر العقود مميزه في التذكير والتأنيث في التنييف ، لأنه كان بلا نيّف ، أيضا ، موافقا لمميزه تذكيرا وتأنيثا كعشرة رجال ، وعشر نسوة ، على ما تقدم من التقرير ؛

وقد تبيّن بما ذكرنا تعليل قوله : (٤)

__________________

(١) الآية ٢٠ سورة القمر ،

(٢) من الآية ٧ في سورة الحاقة ،

(٣) ضرب من الشجر ، وقال في القاموس إنه أنواع ومنه الأثل ؛

(٤) أي قول ابن الحاجب الآتي بعد العنوان ، وهو في المطبوعة التركية متصل بعضه ببعض ، وإنما هذه العناوين وتحديد قول المصنف وقول الشارح من وضعنا كما نبهنا إلى ذلك في أول الكتاب ؛

٢٩٣

[أحد عشر]

[وأخواته]

[قال ابن الحاجب :]

«أحد عشر ، اثنا عشر ؛ إحدى عشرة اثنتا عشرة ؛ ثلاثة»

«عشر إلى تسعة عشر ، ثلاث عشرة إلى تسع عشرة» ؛

[قال الرضى :]

أي : أحد عشر ، اثنا عشر للمذكر ؛ إحدى عشرة اثنتا عشرة للمؤنث ، ثلاثة عشر إلى تسعة عشر للمذكر ، ثلاث عشرة إلى تسع عشرة للمؤنث ،

[اللغات]

[في لفظ عشرة]

[قال ابن الحاجب :]

«وتميم تكسر الشين»

[قال الرضى :]

يعني شين عشرة ، المركب في المؤنث ؛ لما كرهوا توالي أربع فتحات فيما هو كالكلمة الواحدة ، مع امتزاجها بالنيّف الذي في آخره فتحة ، عدلوا عن فتح وسطها إلى كسره ، وأمّا الحجازيون فيعدلون عن حركة الوسط إلى السكون ، لئلا يكون إزالة ثقل بثقل آخر ؛ وهي الفصحى ، وقد تفتح الشين على قلة لأن التركيب عارض ، وربّما سكن عين عشر

٢٩٤

المركب بمتحرك الآخر (١) لاجتماع أربع فتحات : إحداها فتحة آخر النيف ، نحو : أحد عشر وثلاثة عشر بخلاف : اثنا عشر ؛

[عشرون]

[وأخواته]

[قال ابن الحاجب :]

«عشرون وأخواته فيهما»

[قال الرضى :]

يعني في المذكر والمؤنث ، وكان قياس هذه العقود أن يقال : عشران رجلا مثنّى وثلاث عشرات رجلا ، إلى تسع عشرات رجلا ، فقصدوا التخفيف فحذفوا المضاف إليه (٢) ، أعني لفظ عشرات ، وكان المضاف مع المضاف إليه ككلمة واحدة لأنهما معا عبارة عن عدد واحد ، كعشرة ، ومائة وألف ؛ فكان المضاف مع المضاف إليه ككلمة واحدة مؤنثة بالتاء ، فلما حذفوا المضاف إليه صارت ككلمة حذف لامها ، نحو : عزة ، وثبة ؛ إلا أنه لم يستعمل ثلاثة بمعنى ثلاث عشرات ، كما استعمل نحو : عزة (٣) وثبة محذوفة اللام ، لأن المراد من وضع ألفاظ الأعداد ، بيان الكمية المعينة ، ولو استعمل ثلاثة بمعنى ثلاث عشرات لاشتبهت بالثلاثة التي في مرتبة الآحاد ، فلم يحصل التعيين

__________________

(١) بأن يكون الجزء الأول من التركيب متحرك الآخر ، وهو احتراز عن اثنا عشر واثنتا عشر ؛

(٢) هذا خاص بثلاثين وما فوقها وسيذكر العلة في عشرين ؛

(٣) العزة : وكذلك : الثبة معناهما : الفرقة والجماعة ؛

٢٩٥

المقصود ، ومن ثمة لا ترى في ألفاظ العدد لفظا مشتركا ، أصلا ، كما يجيئ في غيرها من الألفاظ ؛ وسيجيئ في باب الجمع ، أن جمع المؤنث بالتاء ، المحذوف لامه شائع بالواو ، والنون ، نحو : قلون ، (١) وثبون ومئون ، فقيل عشرون ، وثلاثون تشبيها لها بهذه المحذوفة اللام ؛

وابتدئ بتغيير «عشران» المثنى إلى لفظ : عشرون ، المصوغ صيغة المجموع ، ليكون كالتوطئة للجمع غير القياسيّ في أخواتها التي بعدها ، إذ جمع المثنى غير قياسيّ ، لم يجئ إلا مضافا لفظا أو معنى ، إلى مثنى آخر كما في قوله تعالى : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(٢) ، على ما يجيئ في باب المثنى ؛

وإنما غيّر لفظ الواحد في : عشرون ، بكسر العين فيه ، بخلاف أخواته ، فإنه لم يجئ فيها تغيير ، لإمكان الجمع في ثلاثون ، مثلا ، فإنه جمع ثلاثة ، أيضا ، إذ هو ثلاثة ، عشر مرّات ، وكذا أربعون وغيره ، ولا يمكن دعوى جمعيّة العشرة في عشرون ، بوجه ، فقصدوا بتغييره إلى جعله كبناء مستأنف ، فالواو والنون في عشرون وأخواته ، كالجبر مما حذف ، كما قيل في : عزون ، وكرون ؛ وليس من باب تغليب العقلاء المذكرين على غيرهم كما قال بعضهم ، لأن التغليب يكون عند الاجتماع ، كالمسلمون في الرجال والنساء ، والطويلون في الرجال والجمال ، وأنت تقول : عشرون امرأة وعشرون جملا ، بلى ، يمكن دعوى التغليب في نحو : عشرون رجلا وامرأة ، وعشرون رجلا وجملا ؛

__________________

(١) جمع قلة بتخفيف اللام لعبة للصبيان معروفة عند العرب ؛

(٢) الآية ٤ من سورة التحريم ؛

٢٩٦

[الأعداد]

[فوق العشرين]

[قال ابن الحاجب :]

«أحد وعشرون ، إحدى وعشرون ، ثم بالعطف بلفظ ما»

«تقدم إلى تسعة وتسعين ؛ مائة ، وألف ، مائتان ، وألفان ،»

«فيهما ، ثم على ما تقدم» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «بلفظ ما تقدم» ، أي يكون المعطوف الذي هو العقد ، والمعطوف عليه أي النيّف ، بلفظ ما تقدم في التذكير والتأنيث ، فالعشرون ، لهما ، ولفظ أحد واثنان على القياس ، وثلاثة ، إلى تسعة ، على خلاف القياس في الظاهر ،.

قوله : «فيهما» أي في المذكر والمؤنث ، قوله : «على ما تقدم» يعني ترجع من ابتداء كل مائة إلى انتهائها : إلى أول العدد على الترتيب المذكور ، وتعطف المائة على ذلك العدد ، نحو : أحد ومائة ، اثنان ومائة ، ثلاثة ومائة ، أو تعطفه على المائة ، نحو : مائة وأحد ، مائتان وأحد ، ألف واثنان ، في غير المعلوم معدوده ، وفي المعلوم : مائة ورجل ، ألف ورجلان ، مائة وثلاثة رجال ؛

والأوّل ، أي عطف الأكثر على الأقلّ : أكثر استعمالا ، ألا ترى أن العشرة المركبة مع النيف معطوفة عليه في التقدير ، فثلاثة عشر ، في تقدير : ثلاثة وعشرة ، وكذا ثلاثة وعشرون ، أكثر من : عشرون وثلاثة ؛ فإذا وصلت إلى الألف ، استأنفت العمل ، فيكون بين كل ألف إلى تمام ألف آخر ، كما من أول العدد إلى الألف ، تعطف الألف على ذلك العدد المنيف عليه ، نحو : أحد وألف ، عشرة وألف ، عشرون وألف ، مائة وألف ، مائتان وألف ، ثلاثمائة وألف ؛

وإن شئت جعلت الألف معطوفا عليه ، كما ذكرنا في المائة مع ما أناف عليها ؛

٢٩٧

وكان القياس أن يكون للعاشر من الألوف ، اسما مستأنفا ، ثم للعاشر من ذلك العاشر ، اسما مستأنفا ، وهكذا لا إلى نهاية ، كما كان للعاشر من العشرات اسم المائة ، وللعاشر من المئات اسم الألف ، إلا أنهم لمّا رأوا أن الأعداد لا نهاية لها ، وكان وضع لفظ لكل عاشر من العقود يؤدّي إلى وضع ما لا نهاية له من الألفاظ ، وهو محال ، اقتصروا على الألف ، فقالوا عشرة آلاف وأحد عشر ألفا إلى عشرين ألفا ، إلى مائة ألف ، مائتي ألف ، ثلاثمائة ألف ، إلى ألف ألف ، ثم مائة وألف ألف ، مائتان وألف ألف ، ثلثمائة وألف ألف ، إلى : ألف وألف ألف ، وألفان وألف ألف ، وثلاثة آلاف وألف ألف ، إلى : ألف ألف ألف ؛ وهكذا ، إلى ما لا نهاية ؛

ولم يقولوا عشر مائة ، بل قالوا : ألف ، ولا أحد عشرة مائة ، بل مائة وألف ، ولا ثلاث عشرة مائة ، بل ثلاثمائة وألف ؛

وثلاثة وأخواتها إذا أضيفت إلى المائة ، وجب حذف تائها ، سواء كان مميز المائة مذكرا أو مؤنثا ، نحو : ثلثمائة رجل أو امرأة ، وإذا أضيفت إلى آلاف وجب إثبات تائها ، سواء كان مميز الآلاف مذكرا أو مؤنثا ، نحو : ثلاثة آلاف رجل أو امرأة ، لأن مميزها : المائة والألف لا ما أضيف إليه المائة والآلاف ؛

وأصل مائة : مئية ، كسدرة ، حذفت لامها ، فلزمها التاء عوضا منها كما في عزة وثبة ، ولامها ياء ، لما حكى الأخفش : رأيت مئيا بمعنى مائة ، وإنما يكتب «مائة» بالألف بعد الميم ، حتى لا يشتبه بصورة : منه ، فإذا جمع أو ثنى ، حذفت الألف ؛

[ثماني عشر]

[وما فيها من اللغات]

[قال ابن الحاجب :]

«وفي ثماني عشرة : فتح الياء ، وجاء إسكانها ، وشذ حذفها»

«بفتح النون» ؛

٢٩٨

[قال الرضى :]

أمّا الفتح ، فلأن الياء تحتمل الفتح لخفته ، كما في : رأيت القاضي ، وجاء إسكانها كثيرا ، لتثاقل المركب بالتركيب ، كما أسكنت في : معد يكرب وقالي قلا وبادي بدا ، وجوبا ، وجاز حذف الياء ، مع قلّته ، للاستثقال ، أيضا ، وبعد حذف الياء ؛ ففتح النون أولى من كسرها ، ليوافق أخواته لأنها مفتوحة الأواخر مركبة مع العشرة ، ويجوز كسرها لتدل على الياء المحذوفة ، وقد تحذف الياء في ثماني ، في غير التركيب ويجعل الإعراب على النون ، قال :

٥٢٦ ـ لها ثنايا أربع حسان

وأربع فثغرها ثمان (١)

وفي الحديث : صلّى ثمان ركعات (٢) ، بفتح النون ، وقد يفعل ذلك برباع (٣) وجوار ، ونحوهما ؛

والبضع ، بكسر الباء ، وبعضهم يفتحها : ما بين الثلاثة إلى التسعة ، تقول : بضعة رجال وبضع نسوة ، وبضعة عشر رجلا وبضع عشرة امرأة إذا لم يقصد التعيين ؛

قال الجوهري : إذا جاوزت لفظ العشرة ، ذهب البضع ، فلا تقول بضع وعشرون ، والمشهور جواز استعماله في جميع العقود ؛

__________________

(١) قال البغدادي لم أعرف صاحب هذا الرجز ، وقال إن المعري أورده في شرح ديوان البحتري ، وأورد قبله : إن كريّا أمة ميسان ؛ وكرىّ ، اسم جارية ، وميسان صفة من ماس يميس إذا تبختر.

(٢) ورد في حديث صلاة الكسوف ؛

(٣) هو الذي ألقى رباعيته من الإبل ويكون ذلك ببلوغه سبعة أعوام ، والرباعية إحدى الأسنان التي بين الثنايا والأنياب ؛

٢٩٩

[تمييز الأعداد]

[قال ابن الحاجب :]

«ومميز الثلاثة إلى العشرة ، مخفوض مجموع لفظا أو معنى»

«إلا في : ثلاثمائة إلى تسعمائة ، وكان قياسها ، مئات أو»

«مئين ومميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين : منصوب مفرد ،»

«ومميز مائة وألف ، وتثنيتهما وجمعه : مخفوض مفرد» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «إلى العشرة» ، الحدّ ههنا داخل في المحدود ، أعني أن مميز الثلاثة والعشرة أيضا ، مخفوض مجموع ؛ أما خفضه بالإضافة ، فلأن الكلمة تصير بها أخف على ما مرّ قبل ، وقد تترك الإضافة ، فيقال : ثلاثة أكلب ، على البدل ،

وربّما جاء في الشعر نحو : ثلاثة أثوابا ، (١) وإنما شذ النصب لأن المعدود في الأصل كان موصوفا كما تقدم ، وهو المقصود ، فلو نصبوه لكان المقصود في صورة الفضلات ؛

وأمّا النصب في أحد عشر رجلا فسيجيئ القول فيه ،

وأمّا الإضافة إلى الجمع ؛ فلأن ذلك المضاف إليه ، كان في الأصل ، كما تقدم ، موصوفا ، ثم أضيف العدد إليه للتخفيف ، وأصل موصوف الثلاثة فما فوقها : أن يكون جمعا ؛

وأمّا إفراد مميز ما فوق العشرة ، فلما يجيئ ؛

قوله : «لفظا أو معنى» ، الجمع المعنوي : إمّا اسم الجنس كالتمر والعسل ، أو

__________________

(١) انظر سيبويه ١ / ٢٩٣ ،

٣٠٠