شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

كما في : أخت وبنت ، وسكنت العين للإيذان بأن التاء ليست لمجرّد التأنيث ، لأن تاء التأنيث يفتح ما قبلها ؛

قيل : وقد يكنى عن العلم بهن ، كما في قول ابن هرمة ، يخاطب حسن بن زيد :

٥١٩ ـ الله أعطاك فضلا من عطيته

على هن وهن فيما مضى وهن (١)

يعني عبد الله ، وحسنا ، وإبراهيم ، بني حسن بن حسن ، وكانوا وعدوه شيئا فأخلفوه ، هذا ، والظاهر أنه كنى عن الجنس ، أي : على لئيم ، ولئيم ولئيم ، حوشوا عن ذلك ؛ (٢)

ومنه : يا هناه للمنادى غير المصرّح باسمه ، تقول في التذكير : يا هن ويا هنان ، ويا هنون ، وفي التأنيث : يا هنت ويا هنتان ويا هنات ،.

وقد يلي أواخرهنّ : ما يلي المندوب ، وإن لم تكن مندوبة ، تقول : يا هناه بضم الهاء في الأكثر ، وقد تكسر كما ذكرنا في المندوب ؛

وهذه الهاء تزاد في السّعة وصلا ووقفا ، مع أنها في الأصل هاء السكت ، قال :

يا مرحباه بحمار ناجية (٣) ـ ١٤٢

وقال :

٥٢٠ ـ يا ربّ يا ربّاه ايّاك أسل

عفراء يا ربّاه من قبل الأجل (٤)

في حال الضرورة ؛

__________________

(١) حسن بن زيد هو ابن عم للثلاثة الذين ذكرهم الشارح وهم أبناء حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ؛ واعتبر هذا الشعر من ابن هرمة تعريضا بأبناء حسن بن الحسن ، وهذه قصة أوردها ثعلب في مجالسه ، وبعضهم ينكرها ؛

(٢) تعقيب من الشارح على ما يفيده الشعر المتقدم من تجريح لبني الحسن ، وتزيه لهم عما رماهم به الشاعر ، لأنهم من آل البيت رضي الله عنهم ؛

(٣) تقدم ذكره في باب النداء في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٤) أسل مخفف من اسأل ، وهو رجز منسوب لبعض بني أسد ، وليس لعروة بن حزام العذري ، قال البغدادي :

٢٦١

هذا قول الكوفيين وبعض البصريين ؛ ولمّا رأى أكثر البصريين ثبوت الهاء وصلا في السعة ، أعني في : هناه ، مضمومة ، ظنوا أنها لام الكلمة التي هي واو في : هنوات ، كما أبدلت في هينهة ، وقال بعضهم : هي بدل من الهمزة المبدلة من الواو ، ابدالها في كساء ، (١) وإن لم يستعمل : هناء ، كما أبدلوا في : إياك فقالوا : هيّاك ؛ ومجيئ الكسر في : هناه يقوّي مذهب الكوفيين ؛ وأيضا ، اختصاص الألف والهاء بالنداء ، وأيضا ، لحاق الألف والهاء في جميع تصاريفه وصلا ووقفا ، على ما حكى الأخفش ، نحو : يا هناه ويا هناناه أو : يا هنانيه ، كما مرّ في المندوب ؛

ويكنى ، بهنيت ، عن : جامعت ونحوه من الأفعال المستهجنة ، والقياس هنوت ، لأن لامه واو ، بدليل هنوات ؛

[النقل والارتجال]

[في الأعلام]

واعلم أن العلم إمّا منقول أو مرتجل ، والمنقول أغلب ، وهو (٢) إمّا عن اسم عين ، كثور وأسد ، أو معنى ، كفضل ، والاسم إما صفة كحاتم أو غيرها كما مرّ ، وقد يكون الاسم صوتا ، كببّة (٣) ، وامّا عن فعل : امّا ماض ، كشمّر ، وكعسب ، (٤) وامّا مضارع كتغلب ويشكر ، وأمّا أمر ، كإصمت ، (٤) لبرّية معيّنة ، وقيل : هو علم الجنس لكل مكان

__________________

راجعت ديوان عروة فلم أجده وإنما هو من رجز أورده أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب ، ونسبه لبعض بني أسد عن الفراء ،

(١) أي مثل ابدالها في كساء ، يعني انها أبدلت همزة ثم هاء ، وإن كان إبدالها همزة لم يستعمل ؛

(٢) أي المنقول ؛

(٣) اسم أطلقته أم عبد الله بن الحارث ، كانت ترقعه به وهو صغير ؛ في رجز تقول فيه : لأنكحنّ بّبة : جارية خدبّة : مكرمة محبّة : تحب أهل الكعبة ؛

(٤) ورد في بيت شعر ، وسيذكر الشارح هذا الاسم مرة أخرى

٢٦٢

قفر كأسامة ، تقول لقيته بوحش اصمت ، وببلد إصمت ، والوحش : المكان الخالي ، وكسر ميم اصمت ، والمسموع في الأمر الضم ؛ لأن الأعلام كثيرا ما يغيّر لفظها عند النقل تبعا لنقل معانيها ، كما قيل في شمس بن مالك : شمس بضم الشين (١) ؛

والمرتجل : ما لا معنى له في الأجناس ، من قولهم : ارتجل الخطبة ، أي اخترعها من غير رويّة ، وهو من ارتجل الأمر كأنه فعله قائما على رجليه من غير أن يقعد متأنّيا فيه ؛ والمرتجل نحو : حنتف ، وفقعس ، وقال بعضهم : هما منقولان من الحنتف وهو الجراد ، والفعقس أي البلادة ؛

وما كان مشتقا من تركيب مستعمل ، لكن غيّر للعلمية بزيادة ، كغطفان ، من غطف العيش ، أي سعته ؛ أو بنقصانه (٢) كعمر ؛ مع تغيير الحركة كان ، أو ، لا ، فهو أيضا ، مرتجل ، إذ ليس منقولا من مسمّى إلى آخر ، وإن كان مشتقا ، وإمّا إن غيّر ما هو ثابت في الجنس إمّا بفكّ الإدغام كما في محبب اسم رجل ، والقياس محبّ ، وليس من تركيب «محب» كقردد ومهدد ، لأن هذا التركيب غير مستعمل ؛ وإمّا بفتح المكسور ، كموظب ، لأرض ، وموهب لرجل ، والقياس كسر العين كموعد وموضع ، وليسا على فوعل من : مظب ومهب ، لأنهما لم يستعملا في كلامهم ، وإمّا بكسر المفتوح ، كمعد يكرب ، عند من قال : أصله معدى كمغزى ، لا معدي ، وامّا بتصحيح ما يعلّ ، كمكوزة لرجل ، ومريم ، وليسا بفعولة وفعيل من : مكز ، ومرم ، لعدم استعمالهما ؛ وأمّا مدين ، فيجوز أن يكون من مدن أي أقام ؛ وإمّا بإعلال ما يصحّح (٣) ، كحيوة ،

__________________

(١) ورد في بيت شعر تقدم في الجزء الأول وهو من شعر تأبط شرا ؛

(٢) معطوف على قوله : بزيادة ، يعني أن التغيير عند العلمية كان بنقص عمر عن عامر وهو من العلم المعدول عدلا تقديريا كما تقدم في الممنوع من الصرف في الجزء الأول ؛

(٣) أي ما حقه التصحيح ؛ لأنه لو بقي على أصل مادته كما هو مذهب سيبويه لما كان فيه ما يحتاج إلى إعلال ، بل يكون «حيّة» كما قال ، بمجرد الادغام ، وعبارة الشارح غير دقيقة ؛

٢٦٣

لرجل ، والقياس حيّة ، لأنها ، عند سيبويه : عينها ولامها ياء ؛ والحاوي ، والحوّاء ليسا من تركيبها ، بل من حوى أي جمع ، لجمعه لما في سفطه ؛ وعند غيره : أصل حيّة : حوية ، لقولهم : الحاوي والحوّاء (١) ، قلبت العين إلى موضع اللام في حيوة ، عندهم ؛

فالكلم بهذه التغييرات ، عند النحاة تصير مرتجلة ، لأنها لم تستعمل في الأجناس مع هذه التغييرات ؛ ولو قيل بنقلها ، والتغيير إمّا مع النقل ، أو بعده في حال العلمية ، كما في «شمس» لجاز ؛

[الاسم واللقب والكنية]

[وحكمها عند الاجتماع]

والأعلام على ثلاثة أضرب : إمّا اسم ، وهو الذي لا يقصد به مدح ولا ذم ، كزيد ، وعمرو ، أو لقب ، وهو ما يقصد به أحدهما ، كبطّة ، وقفّة ، وعائذ الكلب (٢) ، في الذم ، وكالمصطفى والمرتضى ، ومظفر الدين وفخر الدين في المدح ؛

ولفظ اللقب في القديم (٣) ، كان في الذم أشهر منه في المدح ، والنبز في الذم خاصة ؛ وإمّا كنية ، وهي : الأب أو الأم أو الابن أو البنت مضافات نحو : أبو عمرو ، وأم كلثوم ، وابن آوى ، وبنت وردان ؛ (٤)

والكنية من : كنيت ، أي سترت وعرّضت ، كالكناية ، سواء (٥) ، لأنه يعرض بها عن الاسم ، والكنية عند العرب يقصد بها التعظيم ؛

__________________

(١) هو بمعنى الحاوي ، أي الذي يجمع الحيّات ؛

(٢) ومثله أنف الناقة ، وتأبط شرا ؛ أما المصطفى فهو من أسماء النبي صلّى الله عليه وسلّم والمرتضى : الأشهر أنه الامام علي بن أبي طالب ، وذلك معروف عند الشيعة ؛

(٣) أي في الاستعمال القديم ، وكأن هذا محمل قوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ؛)

(٤) هي حشرة كالخنفساء حمراء اللون ، أكثر ما توجد في الحمامات والأمكنة القذرة ؛

(٥) يعني : هما سواء ؛

٢٦٤

والفرق بينها وبين اللقب معنى ، أن اللقب يمدح الملقب به أو يذم ، بمعنى ذلك اللفظ ، بخلاف الكنية فإنه لا يعظم المكنى بمعناها ، بل بعدم التصريح بالاسم ، فإن بعض النفوس تأنف من أن تخاطب باسمها ؛

وقد يكنى الشخص بالأولاد الذين له ، كأبي الحسن ، لأمير المؤمنين : علي ، رضي الله عنه ، وقد يكنى في الصّغر تفاؤلا بأن يعيش حتى يصير له ولد اسمه ذاك ؛ (١)

وإذا قصد الجمع بين الاسم واللقب : أتي بالاسم أوّلا ثم باللقب ، لكون اللقب أشهر ، لأن فيه العلمية مع شيء آخر من معنى النعت ، فلو أتي به أوّلا ، لأغنى عن الاسم فلم يجتمعا ؛ ثم إمّا أن يتبع اللقب الاسم عطف بيان له ، لكونه أشهر ، أو يقطع عنه رفعا أو نصبا ، على المدح أو الذم ؛ لكونه متضمنا لأحدهما ، ويجوز الإتباع والقطع المذكوران سواء كانا مفردين أو مضافين أو مختلفين في ذلك ، وإن كانا مفردين أو ، أوّلهما ، جاز إضافة الاسم إلى اللقب ، كما تقدم في باب الإضافة ؛

وظاهر كلام البصريين : وجوب الإضافة عند افرادهما ، وقد أجاز الزجاج والفراء الاتباع أيضا ، وهو الأولى ، لما روى الفراء : قيس قفة ، ويحيى عينان ، لرجل ضخم العينين ، وابن قيس الرقيّات بتنوين قيس وإجراء الرقيّات (٢) عليه ، والأشهر إضافة قيس إلى الرقيات ، إمّا على أن الرقيات لقب لقيس ، والاضافة كسعيد كرز ، أو على أن الإضافة لأدنى ملابسة ، لنكاحه (٣) نسوة اسم كل منهن رقية ، وقيل : هنّ جدّاته ، وقيل : شبّب بثلاث نسوة كذلك (٤) ، قال :

٥٢١ ـ قل لابن قيس أخي الرقيّات

ما أحسن العرف في المصيبات (٥)

__________________

(١) أي ذلك الاسم الذي كنى به ؛

(٢) أي جعلها تابعة له في الاعراب ، ومقابله الاضافة كما سيذكره ؛

(٣) أي زواجه منهن ؛

(٤) كذلك أي أن اسم كل منهن رقيّة ؛

(٥) أراد بالعرف : الصبر ، وكذلك جاء في بعض الروايات ، ولم تذكر نسبة هذا البيت إلى قائل معين ؛

٢٦٥

وقال الشاعر في الإجراء :

٥٢٢ ـ ومن طلب الأوتار ما حزّ أنفه

قصير ، ورام الموت بالسيف بيهس (١)

نعامة لمّا صرّع القوم رهطه

تبيّن في أثوابه كيف يلبس

وقد ينقل العلم عن المركب ، كما سبق في باب المركب شرحه ؛

[التسمية]

[بالمثنى والجمع]

ثم نقول : إذا أردت التسمية بشيء من الألفاظ ، فإن كان ذلك اللفظ مثنى أو مجموعا على حدّه ، كضاربان ، وضاربون ، أو جاريا مجراهما كاثنان ، وعشرون ، أعرب في الأكثر إعرابه قبل التسمية ؛

ويجوز أن تجعل النون في كليهما معتقب الإعراب ، بشرط الّا تتجاوز حروف الكلمة سبعة ، لأن حروف «قرعبلانة» (٢) غاية عدد حروف الكلمة ، فلا تجعل النون في : مستعتبان ومستعتبون ، معتقب الإعراب ،

__________________

(١) من قصيدة للمتلمّس ، يقول في أولها :

ألم تر أن المرء رهن منية

صريع لعافى الطير ، أو سوف يرمس

فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة

وموتن بها حرّا وجلدك أملس

ثم قال : فمن طلب الأوتار وأشار في البيتين إلى قصة قصير مع الزباء وقد أشرنا إليها في باب الموصول ، ثم أشار إلى قصة بيهس الذي يلقب بنعامة ، وهو رجل من بني فزارة كان يرمى بالحمق ، قتل له سبعة إخوة ، فكان يلبس سراويله مكان القميص والقميص مكان السراويل ، فإذا سئل عن ذلك قال :

البس لكل حالة لبوسها

إما نعيمها وإمّا بوسها

وله قصة طويلة في مجمع الأمثال وغيره من الكتب ؛

(٢) هي دويبة منتفخة البطن عريضة الجسم ، وأنكر بعض اللغويين وروده بحجة أنه لم يرد إلا في كتاب العين الذي ينسب للخليل بن أحمد ؛

٢٦٦

فإذا أعربت النون (١) ، ألزم المثنى الألف دون الياء لأنها أخف منها ، ولأنه ليس في المفردات ما آخره ياء ونون زائدتان وقبل الياء فتحة ، قال :

٥٢٣ ـ ألا يا ديار الحيّ بالسبعان

أملّ عليها بالبلى الملوان (٢)

وألزم الجمع الياء ، دون الواو ، لكونها أخف منها ؛

وقد جاء «البحرين» في المثنى على خلاف القياس ، يقال : هذه البحرين ، بضم النون ، ودخلت البحرين ؛

قال الأزهري ، (٣) ومنهم من يقول : البحران على القياس ؛ لكن النسبة إلى البحران ، الذي هو القياس أكثر ، فبحرانيّ أكثر من بحرينيّ ، وإن كان استعمال البحرين ، مجعولا نونه معتقب الإعراب أكثر من استعمال البحران كذلك ،

وجاء في الجمع : الواو ، قليلا ، مع الياء ، قالوا قنّسرين ، وقنّسرون ، ونصيبين ونصيبون ، ويبرين ، ويبرون ؛ لأن مثل زيتون في كلامهم ، موجود ؛

وقال الزجاج نقلا عن المبرد : يجوز الواو قبل النون المجعول معتقب الإعراب قياسا ، قال : ولا أعلم أحدا سبقنا إلى هذا ؛ قال أبو علي : لا شاهد له وهو بعيد من القياس ، وقال في قوله :

__________________

(١) أي جعلت معتقب الإعراب ؛

(٢) الملوان : الليل والنهار ، لا يذكر هذا اللفظ الامثنى ، ومعنى أملّ عليها : دأب واستمر ، والبيت بهذا العجز ، من شعر تميم بن مقبل ، شاعر إسلامي ، وبعده :

نهار وليل دائب ملواهما

على كل حال الناس يختلفان

وقد جاء صدر هذا البيت في شعر شاعر جاهلي وعجزه : عفت حججا بعدي وهنّ ثمان .. أورده صاحب زهر الآداب ، وذكره ياقوت أيضا في معجم البلدان ؛

(٣) قال السيوطي في البغية إنه محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة ، كنيته أبو منصور ، ولد سنة ٢٨٢ ه‍ ، ومات سنة ٣٧٠ ، وهو صاحب التهذيب في اللغة وهو أشهر ما صنف ، وله مصنفات أخرى ؛

٢٦٧

٥٢٤ ـ ولها بالماطرون

إذا أكل النمل الذي جمعا (١)

بكسر النون : انه اسم أعجمي ، وهو في شرح كتاب سيبويه : بالميم والطاء المفتوحة ، وفي الصحاح : والناطرون بالنون والطاء المكسورة ، وقد روي في الشعر المذكور بالنون المفتوحة ، فإن قلنا انه أعجميّ وجب ألّا يكون اللام للتعريف ، إذن ، بل من تمام الاسم الأعجميّ ، وإلا انكسر في موضع الجر ، وإن قلنا انه عربيّ ، فليس النون معتقب الإعراب لانفتاحه ، فكان القياس : الماطرين بالياء ، ففي جعل الواو مكان الياء اشكال ؛ وطورون ، وجيرون ، أعجميان ؛

وإذا سمّيت بالمجموع بالألف والتاء ، كعرفات وأذرعات ففيه المذاهب الثلاثة المذكورة في أول الكتاب ، عند ذكر التنوين ؛ (٢)

[التسمية]

[بالحروف ، والأفعال]

[وبالمبني من الأسماء]

وإذا نقلت الكلمة المبنية ، وجعلتها علما لغير ذلك اللفظ ، فالواجب الإعراب وإن جعلتها اسم ذلك اللفظ ، سواء كانت في الأصل اسما أو فعلا ، أو حرفا ، فالأكثر الحكاية ، كقولك : من الاستفهامية حالها كذا ، وضرب فعل ماض ، وليت حرف تمنّ ؛ وقد يجيئ معربا نحو قولك : ليت ينصب ويرفع ، قال :

__________________

(١) من شعر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، تغزل فيه ينصرانية مترهبة بدير قرب الماطرون وهو بستان بظاهر دمشق ؛ وقوله : لها ، خبر عن قوله خرفة في قوله بعد ذلك :

خرفة ، حتى إذا ارتبعت

سكنت من جلّق بيعا

والخرفة بضم الخاء المكان الذي يقضى فيه الخريف ، أما ضبط كلمة الماطرون فقد استوفاه الشارح نقلا عن أئمة اللغة والنحو ،

(٢) انظر علامات الاسم في الجزء الأول ؛

٢٦٨

ليت شعري وأين مني ليت

ان ليتا وان لوّا عناء (١) ـ ٤٥٢

فإن أوّلته بالمذكر كاللفظ ، فهو منصرف مطلقا ، وإن أوّلته بالكلمة ، أو اللفظة ، فإن كان ساكن الأوسط كليت ، فهو كهند في الصرف وتركه ، وإن كان على أكثر من ثلاثة أو ثلاثيا محرك الأوسط فهو غير منصرف قطعا ؛

وإن كانت الكلمة ثنائية ، وجعلتها علما للّفظ وقصدت الإعراب ، ضعّفت الثاني إذا كان حرفا صحيحا ، نحو : من وكم ، بخلاف ما إذا جعلت الثنائية علما لغير اللفظ ، فإنك لا تضعف الثاني الصحيح ، بل تقول : جاءكم ورأيت منا مخففين ، فيجعل من باب ما حذف لامه نسيا وهو حرف علة ، كيد ، فلذا تصغره على كميّ ، كيديّة ، وإنما جعلتها من باب المحذوف اللام ، لأن المعرب لم يوضع على أقل من ثلاثة ، وإنما جعلت المحذوف حرف علة ، لأنه أكثر حذفا من غيره ، وإنما جعلتها من باب «يد» أي مما حذف لامه نسيّا ، لا من باب «عصا» ، لأنه لم يكن لها لام في الوضع ، فكان جعلها من باب «يد» أي مما جعل لامه بالحذف كأنه لم يوضع : أولى ؛

وتقول في الأوّل : أكثرت من الكمّ والهلّ ، مشددتين ، وذلك لأنه لم ينقل بالكلية ، وإنما نقل من المعنى إلى اللفظ ، فلا بأس بتغيير لفظه بتضعيف ثانيه ليصير على أقل أوزان المعربات ؛ وأمّا المنقول بالكلية ، أي المجعول علما لغير اللفظ ، فلو غيّر لفظه ، أيضا ، بالتضعيف ، لكان تغييرا ظاهرا في اللفظ والمعنى ،

وإذا كان ثاني الثنائي حرف علة ، وجب تضعيفه إذا أعربته ، سواء جعلته علما للّفظ أو لغيره ، نحو : لو ، وفي ، ولا ، وهو ، وهي ؛

تقول : هذا لوّ ، وفيّ ، ولاء ، زدت على ألف «لا» ألفا آخر وجعلته همزة تشبيها برداء وكساء ؛

__________________

(١) تقدم ذكره وهو من شعر أبي زبيد الطائي ،

٢٦٩

وإنما وجب التضعيف لأنك لو أعربته بلا زيادة حرف آخر أسقطت حرف العلة للتنوين ، فيبقى المعرب على حرف واحد ، ولا يجوز ؛

وكذلك لو أوّلناه بالكلمة أو سمينا به ومنعناه من الصرف : وجب التضعيف لأنا لا نأمن من التنكير ، فيجيئ التنوين ، إذن ؛ وحكى عن بعض العرب أنه يجعل الزيادة المجتلبة بعد حرف العلة الثاني ، همزة في كل حال ، نحو : لوء ، وفيء ، ولاء ، (١)

والأوّل أي التضعيف ، أولى ، لكون المزيد غير أجنبي ؛

[حروف المعجم]

[وإعرابها]

ولأجل خوف بقاء المعرب على حرف : إذا أردت إعراب حروف المعجم (٢) الكائنة على حرفين ، نحو : با ، تا ، ثا ، را ؛ وإن لم يكن المعرب منها علما ، ضعّفت الألف وقلبتها همزة للساكنين ، فتقول : هذه باء ، وتاء ، ودليل تنكيرها وصفها بالنكرات ، نحو : هذه باء حسنة ، ودخول اللام عليها ، كالباء ، والتاء ، وأمّا «زاي» ، فهو على ثلاثة أحرف ، آخرها الياء ، كالواو ، (٣) أعربته أو لم تعربه ، وفيه لغة أخرى : زيّ ، نحو كيّ ، فإذا ركبتها ، وأعربتها قلت : كتبت زيّا ، نحو : كيّا ؛

ولا تجوز الحكاية في أسماء حروف المعجم مع التركيب مع عاملها ، فلا تقول : كتبت «با» حسنة ، كما جاز في نحو : من ، وما ، وليت ، إذا جعلت أعلاما للّفظ ، لأنها موضوعة لتستعمل في الكلام المركب مع البناء ، فجاز لك حكاية تلك الحال في التركيب ،

__________________

(١) من ذلك ما يرد في كلام الرضى في هذا الشرح حين يتحدث عن لا ، النافية للجنس فيقول : لاء التبرئة ؛

(٢) بعض ما ذكره الرضى هنا منقول بمعناه من كتاب سيبويه ج ٢ ص ٣٤

(٣) يعني مثل لفظ واو ، اسم الحرف ؛

٢٧٠

بخلاف أسماء حروف المعجم ، فإنها لم توضع إلا لتستعمل مفردات لتعليم الصبيان ومن يجري مجراهم ، موقوفا عليها ، فإذا استعملت مركبة مع عاملها فقد خرجت عن حالها الموضوعة لها ، فلا تحكى ؛

وإنما وجب إعراب الكلمة المبنية إذا سمّي بها غير اللفظ ولم تجز حكايتها كما جازت إذا سميت بها اللفظ ، لأنك لم تراع ، إذن ، أصل معناها الذي كانت بسببه مبنية أصلا ، بل أخرجتها عنه بالكلية ؛ وأمّا إذا جعلتها اسما للّفظ ، فإنك تراعي معناها من وجه ، وذلك أن معنى : انّ تنصب وترفع ، أي : أن التي معناها التحقيق تنصب وترفع ، فلك ، إذن ، نظر إلى أصل معناها ؛

والدليل على أن المدّ في نحو قولك هذه باء : مزيد ، ولم يكن في أصل الوضع ، قولك في الأفراد : با ، تا ، ثا ، بلا مدّ ، وما وضع على ثلاثة ، يكون في حال الأفراد ، أيضا ، كذلك ، كزيد ، عمرو ، بكر ؛ (١)

وسيبويه (٢) ، جعل : أبا جاد ، وهوّازا ، وحطّيّا ، بياء مشددة : عربيات فهي ، إذن ، منصرفة ، وجعل : سعفص ، وكلمون ، وقريشيات : أعجميات فلا تصرف للعلمية والعجمة ؛

وإنما جعل الأول عربية ، لأن : أبا جاد ، مثل أبي بكر ، وجاد ، من الجواد ، وهو العطش ، وهوّاز ، من هوّز الرجل أي مات ، وحطيّ من حط يحّط ؛ وقال المبرد : يجوز أن تكون كلها أعجميات ، قال السيرافي : لا شك أن أصلها أعجمية ، لأنها كان يقع عليها تعليم الخط بالسريانية ؛

وقريشيات يدخلها التنوين كما في : عرفات ، وتعريفها من حيث كونها اعلاما للّفظ ، إذا ركبتها مع العامل نحو : اكتب كلمون ، أي هذا اللفظ أو هذه الكلمة ؛

__________________

(١) يعني يكون ساكن الآخر حتى يدخل في التركيب بجعله جزء كلام ؛

(٢) الكتاب ج ٢ ص ٣٦ ،

٢٧١

وإذا سمّي ، بفو ، قال الخليل (١) : تقول فم ، لأن العرب قد كفتنا أمر هذا ، لما أفردوه فقالوا فم ، فابدلوا الميم مكان الواو ؛ ولو لا ذلك لقلنا فوه بردّ المحذوف ؛ كما هو مذهب سيبويه في «ذو» إذا سمّي به ، فإنه يقول : هذا ذوى ، كفتى ، ورأيت ذوى ومررت بذوى ، بناء على أن عينه متحركة ، وقال الخليل : بل تقول : هذا ذيّ ، فعل ، بقلب الواو ياء لسكون العين ، على ما مرّ من مذهبيهما في باب الإضافة ؛

وأجاز الزجاج في «فو» إذا سمّي به أن يقال «فوه» ردّا إلى أصله ، ولا يجوز تشديد حرف العلة ، كما شدّد في «هو» ، لأن ردّ الأصل أولى من اجتلاب الأجنبي ؛

وإن سميت مؤنثا بهو ، كان كما لو سميتها بزيد (٢) ، على الخلاف الذي مرّ في باب ما لا ينصرف ، وإن سميناها بهي ، فهو كما لو سميتها بهند ، جاز الصرف وتركه ؛

[التسمية بحرف واحد]

وإن سمّيت بحرف واحد (٣) ، فإمّا أن يكون جزء كلمة أو ، لا ، والثاني امّا أن يكون متحركا في الأصل كواو العطف ولام الجر ، وياء الإضافة على قول (٤) ، أو ، لا ، فإن كان متحركا كمل ثلاثة أحرف ، بتضعيف مجانس حركته فإنه أولى ، لكون الحرفين (٥) مجانسين لحركته ؛

وإنما جعلوه ثلاثة ، لما يلحقه من التصغير والجمع ، فتقول في المسمّى بباء الجر : بيّ ، وأيضا ، لو زدت حرفا واحدا من جنس حركته لسقط بالتنوين ، فصار المعرب على حرف واحد ، وتقول في المسمى بلام الابتداء لاء.

__________________

(١) هذا مفصل في سيبويه ج ٢ ص ٣٣

(٢) المؤنث إذا كان ساكن الوسط ومنقولا من مذكر تحتم منعه من الصرف ،

(٣) انظر في هذا البحث ، سيبويه ج ٢ ص ٦١ وما بعدها

(٤) أي على القول بأن ياء المتكلم وضعت متحركة ، ومقابله انها وضعت ساكنة ،

(٥) يعني الحرفين اللذين زدناهما من جنس الحركة ؛

٢٧٢

وإن كان الحرف ساكنا ، كلام التعريف عند سيبويه (١) ، وياء الإضافة على مذهب بعضهم ، فحكمه عند سيبويه والزجاج حكم جزء الكلمة ، كما يجيئ ؛

وعند غيرهما ، يحرّك اللام بالكسر ، ثم يضعّف مجانس الكسر ، أي الياء ، فتقول : ليّ ، وذلك لأنه لا بدّ من تحريك هذا الساكن المبتدأ به ، إذا أردنا زيادة حرفين عليه ، والساكن إذا حرّك ، حرّك بالكسر ؛

وأمّا الياء ، فيفتح لثقل الكسر عليه ، لأنه يفتح عند الاضطرار في نحو : غلاماي ، ثم يضعّف مجانس الفتح ، فيقال : ياء ؛

وإن كان الحرف الواحد جزء كلمة ؛ فامّا أن يكون متحركا أو ساكنا ، فالمتحرك عند سيبويه ، يكمّل أيضا بتضعيف مجانس حركته كما ذكرنا ، فيما ليس بعضا ؛

والأولى أن يكمّل بشيء من تلك الكلمة ، فالمبرد يكمله بإعادة جميع ما حذف فيقول : رجل ، في المسمّى بأحد حروفه ، وقال غيره : بل لا نتجاوز قدر الضرورة فإن كان ذلك المتحرك فاء ، كملّ بالعين ، نحو : رج ، في المسمّى براء رجل ، وإن كان عينا كمل بالفاء فيقال : رج ، أيضا في المسمّى بجيم رجل ، ولا يكملان باللام ، لأن الكلمة المحذوفة اللام أكثر من المحذوفة الفاء أو العين ؛

وإن كان ذلك الحرف المتحرك المسمّى به لاما ؛ فالمازني يكمله بالعين ، لكونه أقرب ، نحو : جل ، في المسمّى بلام رجل ، فيكون مما حذف فاؤه كعدة ، والأخفش يكمله بالفاء ، نحو : دل ، فيكون محذوف العين ، كسه ، وهو الأولى ، لأن المحذوف الفاء ، لا بدّ له من بدل كما في عدة ؛

وإن كان الحرف ساكنا ، كعين جعفر ، وسين عدس (٢) ، فالمبرد يكمله بما كمل به المتحرك ، أعني برد الكلمة إلى أصلها ؛ وسيبويه يكمله بهمزة وصل مكسورة ، فيقول :

__________________

(١) تقدم في المعرف بأل ذكر الخلاف في وضع حرف التعريف ؛ ومذهب سيبويه فيه أنه اللام وحدها ؛

(٢) الذي هو زجر للبغل ، أو الفرس ؛

٢٧٣

إع ، واس ، وإذا وصلته بما قبله أسقطت الهمزة لكونها للوصل فتقول : هذا اس ، وقام اس ، وقال (١) : قد أتى بعض الأسماء على حرف إذا اتصل بكلام نحو : من اب ، بتخفيف الهمزة ، وردّ عليه المبرد بأن تخفيف الهمزة غير لازم ، فكأن الكلمة على حرفين ، بخلاف حذف همزة الوصل فإنه لازم ، فيبقى الاسم المعرب على حرف واحد ، وردّ أيضا بامتناع جلب همزة الوصل للمتحرك ؛ والزجاج يزيد همزة الوصل كما زاد سيبويه ، ويقطعها هربا مما ألزم به سيبويه ؛ ولأن همزة الوصل في الأسماء الصرفة قليل ، وإنما تكون في الفعل والاسم الجاري مجراه ، أعني المصدر ، وفي الحرف ، فلهذا إذا سمّيت بفعل فيه همزة وصل قطعتها كقولك : بوحش إصمت (٢) ، وأمّا إن سمّيت باسم فيه همزة الوصل كابن واسم ابقيتها (٣) على حالها لعدم نقل الكلمة من قبيل إلى قبيل ؛

ومذهب غير هؤلاء المذكورين : التكميل ببعض تلك الكلمة ، كما ذكرنا في الحرف المتحرك ، فالعين تكمل بالفاء ، وأمّا اللام فيكمل إمّا بالعين عند المازني ، وإمّا بالفاء عند الأخفش ؛

وإن كان ذلك الساكن مما قبله همزة وصل ، فإن كان ذلك في الفعل ، كضاد : اضرب ، جئت بالهمزة مقطوعة ، لما ذكرنا ، وإن كان في الاسم كنون انطلاق ، كمل بالحرف الذي بعده ، فتقول : انط ،

__________________

(١) أي سيبويه ٢ / ٦٣ ، وجاء بهامش الصفحة اقتباس من كلام السيرافي يتضمن الأقوال في ذلك ويتضمن الرد الذي نقله الشارح عن المبرد ؛

(٢) جاء هذا المثال في بيت شعر للراعي النميري ، وهو قوله :

أشلى سلوقية باتت وبات بها

بوحسن اصمت في أصلابها أود

واعتبره البغدادي شاهدا وكتب عليه ؛

(٣) أبقيتها في موضع الجواب عن أمّا فحقه الاقتران بالفاء ، ويتكرر ذلك في كلام الشارح الرضى ؛

٢٧٤

[صور أخرى]

[من التسمية]

وإن سميت بفعل مفكوك الإدغام جزما أو وقفا (١) ، كاردد ويردد ، أدغمت فقلت : اردّ ويردّ ، غير منصرفين ، لأن المفكوك قليل في الأسماء ، كقردد ، ومهدد ، وكثير في الأفعال ، ولأن فك الإدغام في الفعل إنما كان لعارض ، زال في الاسم ، وهو : الجزم أو الوقف الجاري مجراه ، ولهذا يبقى الفك إذا سمّي بألبب من قولك : بنات ألببي (٢) ، ولهذا يردّ اللام أو العين ، إذا سمّي بفعل محذوف اللام أو العين ، جزما أو وقفا ، كيغز ، ويرم ، ويخش ، واغز ، وارم ، واخش ؛ ويخف ، ويقل ، ويبع ، وخف ، وقل ، وبع ، فتقول : جاءني يغز ، ويرم ، والتنوين للعوض ، كما في «قاض» اسم امرأة ؛ ويخشى ، كيحيى؛ واغز، وارم ، ويخاف ويقول ويبيع ، وقول وبيع وخاف ، كما مرّ في غير المتصرف ؛

وأمّا «سل» ، إذا سمّيت به ، فإنك لا ترد الهمزة لأنها لا تحذف لموجب الجزم ، ولا الوقف ،

وتردّ اللام مع العين في «يك» لأن اللام حذفت تشبيها بحرف العلة في : لم يغز ؛

__________________

(١) المراد به البناء على السكون ؛

(٢) مثّل به سيبويه ٢ / ١٦ في شطر من الرجز وهو قوله : قد علمت ذاك بنات ألبب ، وأعاده في ٢ / ٤٠٣ بنات ألببه ، وأصله أن اعرابية قيل لها : مالك لا تعاقبين ابنك ، فقالت : تأبي ذاك بنات ألببي بالإضافة إلى ياء المتكلم ، وقال الجوهري : بنات البب هي عروق في القلب تكون منها الرقة ؛ واعتبره البغدادي شاهدا وكتب عليه ، ونقل عن المبرد انه قال في معنى بنات ألببه بالإضافة إلى الضمير إن ألبب أفعل تفضيل بمعنى أعقله أي أعقل القوم مثلا ، ثم قال : إن الأعلم وأبا جعفر النحاس لم يوردا هذا الشاهد في شرح شواهد سيبويه وكأنهما لم ينتبها إلى كونه شعرا ؛ وقول الرضى كقولك ، يفيد أنه لا يقصد الشعر ؛

٢٧٥

وتحذف هاء السكت من كل ما هي فيه إذا سمّي به ، نحو : ره ، وفه ، ويرضه ، لأنها للوقف (١) ؛ وتردّ مع اللام المحذوفة للوقف في : ره ، الهمزة التي هي عين ، إذ لو لم تردها لاحتجت إلى زيادة ألف أجنبيّ ، كما في : لا ، فردّ الأصل أولى ، فتقول : جاءني رأى ، والأخفش يردّ همزة الوصل أيضا مقطوعة فيقول : أرأى ، غير منصرف ، لأن الراء تصير ساكنة بانتقال حركتها إلى الهمزة المردودة ، لأنها كانت لها ، وكذا تردّ مع اللام المحذوفة : الفاء في «قه» ، فتقول : جاءني : وقى ، إذ لو لا الرد لوجب تضعيف الياء ، كما في : «فيّ» ، وإنما فتحت الواو لخفة الفتح ، ولكونها مفتوحة في الماضي ؛

ولو سمّيت بنحو : ضربت ، ابدلت التاء هاء في الوقف ، وصار مثل مسلمة ، لخروج الكلمة إلى قسم الأسماء ؛ ولو سميت بنحو ضربا وضربوا ، على أن الألف والواو ، زيدتا علامتين للتثنية والجمع ، كالتاء في : ضربت ، (٢) نحو : أكلوني البراغيث ، وجب إلحاق النون عوضا من تنوين كان يستحقه ضرب ، لو سمّي به ، فتقول : ضربان ، وضربون ، ثم ، بعد ذلك يجوز أن يعربا بإعراب المثنى والمجموع ، وأن يجعل النون معتقب الإعراب ؛

وكذا إذا سميت بيضربان ويضربون ، على لغة : يتعاقبون عليهم الملائكة (٣). أمّا لو جعلت الألف والواو في الجميع ضميرا ، فيكون من باب التسمية بالجملة ، وقد مرّ ذلك في المركبات ؛

ولو سميت بذوي ، وأولي ، فلا بدّ من ردّ النون التي أسقطت للإضافة ، ولو سمّيت يضربن ، على لغة : «يعصرن السليط أقاربه» (٤) جعلت النون معتقب الإعراب ، ولم تصرفه للتعريف والوزن ؛

__________________

(١) يريد بالوقف هنا انتهاء الكلام ؛

(٢) يعني أنهما كالتاء في كونهما مجرد علامتين ، ولا مدخل لهما في الاعراب ؛

(٣) الذي يذكره النحاة على أنه حديث : لفظه : يتعاقبون فيكم ملائكة .. والذي يورده النحاة جزء من حديث أصله : إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ؛ وهو بهذه الصيغة لا يصلح لما قصدوه ؛

(٤) هو جزء من بيت للفرزدق تقدم في باب الضمائر في آخر الجزء الثاني ،

٢٧٦

ولو سمّيت مذكرا ببنت أو أخت ، صرفت ، لأنهما كهند إذا سمّي به مذكر ، إذ التاء ليست للتأنيث ، بل بدل من اللام ، كما مرّ في غير المنصرف ؛

؟؟؟ بعضهم لا ينصرف ، لأن في التاء رائحة التأنيث فهي مثل ثبة ، علم مذكر ، وام؟؟؟ هنت ، إذا سمّيت به ، فإنك تردّه إلى هنة لأن له مرادفا جاريا على القياس ؛ بخلاف بنت وأخت ، فتتخلص من الخلاف الذي كان فيهما ،

وتنزع اللام من الاسم الذي كانت تلزمه إذا سمّي به ، كالآن ، والأفضل ، والذي ، والتي وفروعهما ، لأن أصل العلم أن يستغني عن اللام ،

وإذا سمّيت السّور (١) ، بأسماء حروف المعجم التي في أوائلها ، أو سمّيت بها غير السّور ، من إنسان وغيره ، فإن أمكن إعرابها ، وجب ذلك ، إذا كانت مفردة نحو : قرأت قاف ونون ، غير منصرفين للتأنيث والعلمية ، ويجوز الصرف ، كما في هند ؛ وكذا إذا سميت بها امرأة ، وإن سميت بها رجلا ، فالصرف ؛

وكذا : وجب الإعراب مع منع الصرف إن كانت مركبة من اسمين ، ك : يس ، و : حم ، أو من ثلاثة اثنان منها بوزن المفرد ك : طسم لأن طس بوزن قابيل فكأنه مركب من اسمين ، وإن لم تكن كذلك ، ك : ألم وكهيعص ، فالحكاية لا غير ؛

وحكي عن يونس أنه كان يجيز في : كهيعص ، فتح جميعها ، وإعراب «صاد» على أن يكون «كاف» مركبا مع «صاد» والباقي حشو لا يعتدّ به (٢) ،

__________________

(١) عقد سيبويه بحثا خاصا لأسماء السور القرآنية وفيه تفصيل أكثر مما قاله الرضى ، وفي المطبوعة التركية من هذا الشرح اضطراب كثير ، وكلام سيبويه في هذا في الجزء الثاني ص ٣٠ ؛ ـ

(٢) بهذا أنهى الرضى هذا التفصيل الذي أطنب فيه ، وهو نوع من التدريب والتمرين ، على النحو الذي أفاض فيه في باب الاخبار بالذي والألف واللام في أول هذا الجزء ؛

٢٧٧

[أقوى المعارف]

[قال ابن الحاجب :]

«وأعرفها المضمر المتكلم ثم المخاطب» ،

[قال الرضى :]

أي أعرف المعارف ؛ وكان المتكلم أعرف ، لأنه ربّما دخل الالتباس في المخاطب ، بخلاف المتكلم ؛

٢٧٨

[النكرة]

[تعريفها وإفادتها الاستغراق]

[قال ابن الحاجب :]

«والنكرة ما وضع لشيء ، لا بعينه» ؛

[قال الرضى :]

حدّها ، على ما ذكرنا من حدّ المعرفة : ما لم يشر به إلى خارج إشارة وضعيّة ، والاحترازات تفهم من حدّ المعرفة ؛

واعلم أن النكرة إذا وقعت في سياق النفي والنهي والاستفهام ، استغرقت الجنس ظاهرا ، مفردة كانت أو مثناة أو مجموعة ، على ما ذكرنا في حدّ المعرفة ، ويحتمل ألّا تكون للاستغراق ، احتمالا مرجوحا فلذا أتى بالقرينة نحو : ما جاءني رجل واحد ، بل رجلان ، أو : بل رجال ، وما جاءني رجلان هما أخواك ، وهل جاءك رجال هم أخوتك ، ومع الأطلاق أيضا يحتمل عدم الاستغراق احتمالا مرجوحا ، فلهذا كان : لا رجل ، ظاهرا في الاستغراق ، محتملا لسواه ، وإذا دخلها «من» ظاهرا ، نحو ما جاءني من رجل ، أو مقدّرا ، نحو : لا رجل ، أي لا من رجل ، فهو نص في الاستغراق ؛

و «من» هذه وإن كانت زائدة ، كما ذكر النحاة ، لكنها مفيدة لنص الاستغراق كأن أصلها «من» الابتدائية ، لمّا أريد استغراق الجنس ابتدئ منه بالجانب المتناهي ، وهو الأحد ، وترك الجانب الأعلى الذي لا يتناهى ، لكونه غير محدود ، كأنه قيل : ما جاءني من هذا الجنس واحد إلى ما لا يتناهى ، فمن ثمّة تقول إذا قصدت الاستغراق ، ما جاءني أحد ومن أحد ،

٢٧٩

وإن وقعت النكرة لا في سياق الأشياء الثلاثة ، فظاهرها عدم الاستغراق ، وقد تكون للاستغراق مجازا ، كثيرا إن كانت مبتدأة ، كتمرة خير من زنبور ، ورجل خير من امرأة ، وقليلا في غيره كقوله تعالى : (علمت نفس ما قدَّمت) (١) ؛ والدليل على كونها في الموجب مجازا في العموم ، بخلاف المعرفة باللام تعريفا لفظيا ، كما في : الدينار خير من الدرهم : أن (٢) الاستغراق يتبادر إلى الفهم بلا قرينة الخصوص مع اللام ، وعدم الاستغراق بلا لام ، والسبق إلى الفهم : من أقوى دلائل الحقيقة ؛

__________________

(١) الآية ٥ من سورة الانفطار ، وتقدمت قبل ذلك ؛

(٢) خبر عن قوله : والدليل ...

٢٨٠