شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

الهمزة ، وقد سبق العذر عنه (١) ، وبأنه يوقف عليها في التذكر (٢) ، نحو قولك : «ألى» ، إذا تذكرت ما فيه اللام ، كالكتاب ، وغيره ؛ وبفصلها من الكلمة والوقف عليها عند الاضطرار ، كالوقف على «قد» في نحو قوله :

٥١٣ ـ أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد (٣)

وذلك (٤) قوله :

٥١٤ ـ يا خليليّ اربعا واستخبرا ال

منزل الدارس عن أهل الحلال (٥)

وإنما حذف عنده ، همزة القطع في الدرج لكثرة الاستعمال ؛

وذكر المبرد في كتابه «الشافي» ، أن حرف التعريف : الهمزة المفتوحة وحدها ، وإنما ضمّ إليها اللام لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام ؛

وفي لغة حمير ، ونفر من طيء : إبدال الميم من لام التعريف ، كما روى النمر بن تولب عنه صلّى الله عليه وسلّم : «ليس من امبرّ امصيام في امسفر» ؛

__________________

(١) تضمن حديثه عن رأي سيبويه بيان وجه الفتح في الهمزة ، وحديث سيبويه عن حرف التعريف ورأي الخليل في الجزء الثاني من الكتاب ص ٦٤ ؛

(٢) قالوا : ان المتكلم إذا أراد أن يتذكر كلمة أثناء حديثه جاز له أن يقف على الكلمة التي انتهى إليها ، فإن كانت ساكنة حركها بالكسر وزاد بعد الكسرة ياء بجعلها مدّا لصوته حتى يتذكر ما يريد ، وقد عرض الرضى لهذا بالتفصيل في آخر الكتاب وقال : إنه لم يرد في كلام فصيح ؛

(٣) هذا من قصيدة النابغة الذبياني التي وصف فيها المتجردة امرأة النعمان بن المنذر وبالغ في وصف محاسنها حتى أغضب النعمان ، وأول هذه القصيدة

أمن آل مية رائح أو مغتدي

عجلان ذا زاد وغير مزوّد

(٤) وذلك أي فصلها من الكلمة ؛

(٥) الحلال بكسر الحاء جمع حلة ، وهي مجموعة البيوت ، والبيت من قصيدة لعبيد بن الأبرص ، أوردها ابن جني في الخصائص ، ج ٢ / ٢٥٥ بيّن فيها مقدرة الشعراء على التزام شيء معين لا ينخرم منهم إلا قليلا ، وفي هذه القصيدة التزم الشاعر أن يكون آخر الشطر الأول في كل أبياتها كلمة أل ، إلّا بيتا واحدا منها جاء آخر الشطر الأول فيه كلمة في ؛

٢٤١

ولام العهد : التي عهد المخاطب مدلول مصحوبها قبل ذكره ، أي لقيه وأدركه ، يقال : عهدت فلانا أي أدركته ؛ وعهده إمّا بجري ذكره مقدّما ، كما في قوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) ، أو بعلم المخاطب به قبل الذكر ، بلا جري ذكره نحو قولك : خرج الأمير ، أو القاضي ، إذا لم يكن في البلد إلا قاض واحد مشهور ، أو أمير واحد ؛

وقد تزاد اللام في العلم كقوله :

٥١٥ ـ أما ودماء مائرات تخالها

على قنّة العزّى وبالنسر عند ما (٢)

على ما يجيئ ؛ وفي الحال نحو : الجماء الغفير ، وفي التمييز ، نحو : الأحد عشر الدرهم ، على قبح ، كما يأتي في باب العدد ؛ وقد تكون الزائدة لازمة ، كما في «الذي» ومتصرّفاته ؛

ويكون اللام ، عند الكوفيين ، عوضا من الضمير ، نحو : برجل حسن الوجه ، أي وجهه ، وعند البصريين ، لا يعوّض اللام من الضمير في كل موضع شرط فيه الضمير ، كالصلة والصفة إذا كانت جملة والخبر المشتق ، ويجوز في غيره ، كقوله :

لحافي لحاف الضيف والبرد برده

ولم يلهني عنه غزال مقنع (٣) ـ ٢٨٤

وقال الكوفيون : قد يكون اللام للتعظيم ، كما في «الله» ، وفي الأعلام ، ولا يعرفها البصريون ؛

واللام في وصف اسم الإشارة ، ووصف المنادى ، نحو : هذا الرجل ، ويا أيها الرجل : لتعريف الحاضر بالإشارة إليه ؛ وهي في غير هذين الموضعين لتعريف الغائب ، نحو : ضرب الرجل ،

__________________

(١) من الآيتين ١٥ ، ١٦ سورة المزمل ،

(٢) العزّى والنسر من أصنام الجاهلية ، وجواب القسم قوله في البيت الذي بعد هذا ، وهو :

لقد ذاق منا عامر يوم لعلع

حساما إذا ما هزّ بالكف صمّما

والشاهد : أحد أبيات ثلاثة لشاعر جاهلي اسمه عمرو بن عبد الجن التنوخي ، وقوله ، مائرات ، يريد كثيرة ؛

(٣) تقدم ذكره في باب الاضافة في الجزء الثاني ،

٢٤٢

ويعرض للّام العهدية : الغلبة ، كالصّعق (١) ، والبيت ، كما نذكر في الأعلام ؛

قوله : «والنداء» ، نحو : يا رجل ؛ ومن لم يعدّه من النحويين في المعارف فلكونه فرع المضمرات ، لأن تعرّفه ، لوقوعه موقع كاف الخطاب ، كما مرّ في باب النداء ، (٢)

قوله : «والمضاف إلى أحدها معنى» ، احتراز عن الإضافة اللفظية ؛ وإنما يتعرّف بالاضافة المعنوية : ما ليس من الأسماء المتوغلة في الإبهام ، كغير ، ومثل ، وشبه ، على ما مرّ في باب الإضافة ؛ (٣)

__________________

(١) هو زيد بن عمرو بن نفيل ، مات بصاعقة ، أو أنه كان يسمع الصوت القوي فيصعق فلقب بذلك ،

(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح

(٣) هو في الجزء الثاني من هذا الشرح

٢٤٣
٢٤٤

[تفصيل الكلام]

[على المعارف]

...

[العلم]

[تعريفه وأنواعه]

[قال ابن الحاجب :]

«العلم ما وضع لشيء بعينه غير متناول غيره بوضع واحد» ؛

[قال الرضى :]

قوله : «غير متناول غيره» يخرج سائر المعارف ، لتناولها بالوضع أيّ معيّن كان ، بخلاف العلم على ما تقدم ؛

قوله : «بوضع واحد» ، متعلق بمتناول ، أي لا يتناول غير ذلك المعيّن بالوضع الواحد ، بل إن تناول ، كما في الأعلام المشتركة ، فإنما يتناوله بوضع آخر ، أي بتسمية أخرى ، لا بالتسمية الأولى ، كما إذا سمّي شخص بزيد ، ثم يسمّى به شخص آخر ، فإنه وإن كان متناولا بالوضع لمعيّنين ، لكن تناوله المعيّن الثاني بوضع آخر غير الوضع الأول ، بخلاف سائر المعارف ، كما تبيّن ، فإنما ذكر قوله : «بوضع واحد» ، لئلا تخرج الأعلام المشتركة عن حدّ العلم ،

ولا يخرج علم الجنس نحو : أسامة عن هذا الحدّ ، على ما ذكر المصنف ، وذلك

٢٤٥

أنه قال : أعلام الأجناس وضعت أعلاما للحقائق الذهنية المتعقّلة كما أشير باللام في نحو : اشتر اللحم ، إلى الحقيقة الذهنية ، فكل واحد من هذه الأعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة ، فهو ، إذن ، غير متناول غيرها وضعا ، وإذا أطلق على فرد من الأفراد الخارجية ، نحو : هذا أسامة مقبلا ، فليس ذلك بالوضع ، بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كليّ عقليّ لجزئياته الخارجة ، نحو قولهم : الإنسان حيوان ناطق ؛ فلفظ أسد ، مثلا ، موضوع حقيقة لكل فرد من أفراد الجنس في الخارج ، على وجه التشريك ؛ وأسامة ، موضوع للحقيقة الذهنية حقيقة ، فإطلاقه على الخارجي ليس بطريق الحقيقة ، ولم يصرّح المصنف بكونه مجازا ، ولا بدّ من كونه مجازا في الفرد الخارجي ، إذ ليس موضوعا له على ما اختار ؛ وقال : ان الحقيقة الذهنية والفرد الخارجي لمطابقتها له كالمتواطئين ؛

قال الأندلسيّ ، فلا تقول في أسد معيّن في الخارج : أسامة ، كما تقول : الأسد ، لأن المطابق للحقيقة الذهنية في الخارج ليس إلّا شيئا من هذا الجنس مطلقا ، لا واحدا معيّنا محصور الأوصاف المعرّفة ؛

وكذا ينبغي ، عنده ، ألّا يقع أسامة على الجنس المستغرق خارجا ، فلا يقال : ان اسامة كذا ؛ (١) إلّا الأسد الفلاني ، لأن الحقيقة الذهنية ليس فيها معنى الاستغراق كما أنه ليس فيها التعيين ؛

والحامل للنحاة على هذا التكلف في الفرق بين الجنس وعلم الجنس : أنهم رأوا نحو أسامة ، وثعالة ، وأبي الحصين ، وأمّ عامر (٢) ، وأويس (٣) : لها حكم الأعلام لفظا من منع صرف أسامة ، وترك إدخال اللام على نحو أويس ، وإضافة أب وأم ، وابن وبنت إلى غيرها ، كما في الكنى في أعلام الأناسيّ ، وتجيئ عنها الأحوال ، وتوصف بالمعارف ،

__________________

(١) لفظ كذا ، كناية عن خبر إنّ في المثال ،

(٢) كنية الضبع ،

(٣) علم جنس للذئب ، وهو بصيغة المصغر ،

٢٤٦

ومع هذا كله ، تطلق على المنكرّ ، بخلاف نحو : أسد ، وذئب ، وضبع ، فإن ذلك لا يجري مجرى الأعلام في الأحكام المذكورة ،

وأقول : إذا كان لنا تأنيث لفظيّ ، كغرفة ، وبشرى ، وصحراء ؛ ونسبة لفظية ، نحو : كرسيّ ، فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظيّ ، إمّا باللام ، كما ذكرنا قبل ، وإمّا بالعلمية ، كما في أسامة ، وثعالة ؛

ثم نقول : هذه الأعلام اللفظية ، وضعوها لغير الأناسيّ ، من الطير والوحوش ، وأحناش الأرض ، والمعاني ، فوضعوا لبعضها اسما وكنية ، نحو : أسامة ، وأبي الحارث ، في الأسد ؛ ولبعضها اسما بلا كنية ، كقثم للضّبعان (١) ؛ ولبعضها كنية بلا اسم نحو : أبي براقش (٢) ، ثم ، بعضها مما لا اسم جنس له ، نحو : ابن مقرض (٣) ، وحمار قبّان (٤) ؛

وفي أكثر أمثال (٥) هذه الأعلام لمحوا معنى يناسب المسمّى بها ، كحضاجر (٦) ، لعظم بطنها ، وابن دأية (٧) ، لوقوعه على دأية البعير ، ونحو ذلك ؛

وقالوا في المعاني ، للمنية : شعوب ، وأم قشعم ، وللمبرّة : برّة ، وللكلّية (٨) : زوبر ، وللغدر : كيسان ؛

وقالوا في الأوقات : غدوة ، وبكرة ؛

قالوا : ومنه : سبحان ، علم التسبيح ؛ ولا دليل على علميته ، لأنه أكثر ما يستعمل :

__________________

(١) ذكر الضباع ،

(٢) كنية طائر ذي ألوان تتغير أثناء النهار

(٣) حيوان صغير مثل الفأر ، يقتل الحمام ،

(٤) دويبة مستطيلة ذات أرجل تدخل في الأرض ،

(٥) أي ما يماثل هذه الأعلام ،

(٦) لقب الضبع ، وذلك لعظم بطنها ؛

(٧) كنية الغراب لأنه يقع على دأية البعير فينقرها ، ودأية البعير : الموضع الذي يقع عليه خشب الرحل فيعقره ؛

(٨) أي معنى الإحاطة والشمول ؛

٢٤٧

مضافا ، فلا يكون علما ، وإذا قطع عن الإضافة فقد جاء منونا في الشعر ، كقوله :

سبحانه ثم سبحانا نعوذ به

وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (١) ـ ٢٢٥

وقد جاء باللام كقوله :

٥١٦ ـ سبحانك اللهمّ ذا السّبحان (٢)

قالوا : ودليل علميته قوله :

أقول لما جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر (٣) ـ ٢٢٦

ولا منع من أن يقال : حذف المضاف إليه ، وهو مراد للعلم به ، فأبقى المضاف على حاله ، مراعاة لأغلب أحواله ، أعني التجرد عن التنوين ، كقوله :

خالط من سلمى خياشيم وفا (٤) ـ ٢٣٢

وأمّا : أولى لك ، فهو علم للوعيد ، فأولى : مبتدأ ، ولك : خبره ؛ والدليل على أنه ليس بأفعل تفضيل ، ولا أفعل فعلاء (٥) ، وأنه علم : ما حكى أبو زيد (٦) ، من قولهم : أولاة الآن ، (٧) وهاه الآن ، إذا أوعدوا ؛ فدخول تاء التأنيث دالّ على أنه ليس أفعل التفضيل ولا أفعل فعلاء ، بل هو مثل : أرمل وأرملة وأضحاة (٨) ؛ وأولاة ، أيضا ، علم ، فمن ثمة

__________________

(١) تقدم في الجزء الثاني ؛

(٢) أورده ابن الشجري في أماليه ، وحكاه ابن مالك في منظومته : الكافية حيث يقول :

وشذ قول راجز ربّاني

سبحانك اللهمّ ذا السبحان

والربّاني ، المتعبّد ، ولم ينسب لأحد معيّن ؛

(٣) تقدم في الجزء الثاني ،

(٤) تقدم في الجزء الثاني ،

(٥) يعني وزن أفعل الذي مؤنثه فعلاء ، وهو صفة مشبهة يأتي من الألوان والعيوب الخلقية ..

(٦) أبو زيد الأنصاري صاحب النوادر وتقدم ذكره ،

(٧) موضوع الحديث عن أولاة ، وكلمة هاه مما ذكره الأنصاري وهي أيضا كلمة تهديد ، وقد أوردهما معا :

ابن جني في الخصائص ج ٣ ص ٤٤ ،

(٨) في لسان العرب أن أضحاة بمعنى الأضحية التي تذبح ، وقال ان كلمة أضحى جمع لها ، يريد أنها من قبيل اسم ـ ـ

٢٤٨

لم ينصرف ، وهو من وليه الشر ، أي : قربه ، وليس أولى ، اسم فعل أيضا ، بدليل أولاة في تأنيثه ، بالرفع ، والآن (١) : خبر أولاة ، أي : الشر القريب الآن ؛ وأمّا هاه ، الآن ، فالزمان متعلق باسم الفعل ، كذا قال أبو علي ؛

فتجرد أولى ، من التنوين ، للعلميّة والوزن ، وقبوله التاء لا يضر الوزن ، لأن ذلك في علم آخر ، فهو كما لو سميت بأرمل ، وأرملة ، فكلاهما ممتنعان (٢) من الصرف ، إذ كل علم موضوع وضعا مستأنفا ؛

واعلم أن العلمية وإن كانت لفظية ، إلا أنها لما منعت الاسم تنوين التنكير صار لفظ أسامة وثعالة ونحوهما ، كالأسد والثعلب ، إذا كان اللام فيهما للتعريف اللفظي ، فكما أن مثل ذلك من المعرف باللام ، يحمل على الاستغراق إلا مع القرينة المخصصة ، فكذا مثل هذا العلم ، يقال : أسامة خير من ثعالة أي كل واحد من أفراد هذا الجنس ، خير من كل واحد من أفراد هذا الجنس من حيث الجنسية المحضة ؛ قال :

ولأنت أشجع من أسامة إذ

دعيت نزال ولجّ في الذعر (٣) ـ ٤٥٦

فيصح الاستثناء من مثله ، كما صحّ في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(٤) ، تقول : أسامة يفرس الإنسان (٥) إلا الداجن (٦) منه؛ والقرينة المخصصة ،

__________________

الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء .. ولم يذكر الرضى في الأصل المطبوع إلا أضحاة بدون ذكر المجرد من التاء ؛

(١) يعني كلمة الآن في قولهم أولاة الآن وهاه الآن ؛

(٢) يجوز في خبر كلا وكلتا مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى وجاء كل منهما في القرآن ؛

(٣) تقدم ذكره في هذا الجزء وهو ملفق من بيتين لشاعرين

(٤) من الآيتين ٢ ، ٣ في سورة العصر ،

(٥) بمعنى يفترسه أي يقتله أو يأكله

(٦) الداجن من الوحوش ما يألف الناس لإقامته معهم في البيوت ، من قولهم : دجن أي أقام ؛

٢٤٩

نحو : لقيت أسامة ، فحال هذه الأعلام كحال ذي اللام المفيدة للتعريف اللفظي إذا كان ذو اللام مفردا مجرّدا عن علامة الوحدة والتثنية نحو : الضرب ، واللحم ، والسوق ، وقد عرفت حكمه ؛

[الأوزان المستعملة]

[في اصطلاحات العلوم]

وقد أجرى النحاة في اصطلاحهم ، من غير أن يقع ذلك في كلام العرب : الأمثلة التي يوزن بها ، إذا عبّر بها عن موزوناتها : مجرى الاعلام إذا لم يدخل عليها ما يختص بالنكرات ، ككلّ ، وربّ ، على ما يجيئ ؛ فقالوا : فعلان الذي مؤنثه فعلانة منصرف ، فوصفوها بالمعرفة ؛ ونصبوا عنها الحال كقولهم : لا ينصرف أفعل صفة ، ومنعوا الصرف منها : ما جامع العلميّة فيه سبب آخر ، كتاء التأنيث ، نحو : فاعلة ، أو وزن الفعل المعتبر ، كأفعل ، أو الألف والنون المزيدتين ، كفعلان ، أو الألف الزائدة المقصورة ، لا للتأنيث ؛ (١)

وإذا نكرت هذه كلها بدخول كل ، أو ، ربّ ، أو ، من الاستغراقية أو غيرها من علامات التنكير : انصرفت ، نحو : كل فعلان حاله كذا .. وإن كان (٢) على وزن أقصى الجموع أو مع ألف التأنيث ، لم ينصرف معرفة ، ونكرة ، فإن صلحت الألف للتأنيث ولغيره ، نحو : كل فعلى ، ينقلب ألفه في التثنية ياء ، فإنه يجوز فيه الاعتباران : إن جعلت ألفه للتأنيث لم تصرفه ، وإن جعلتها لغيره ، صرفته ، لتنكيره بدخول «كل» ، وذلك لأن نحو أرطى وسلمى ، داخلان في «فعلى» ؛

فهذه الأوزان : يقصد بها استغراق الجنس ، لأن معنى قولك : فعلان الذي مؤنثه فعلى : غير منصرف : كل واحد من أفراد هذا الجنس حتى يستغرقه ، كما أن معنى قولك : تمرة خير من جرادة ، ورجل خير من امرأة ، ذلك (٣) ؛

__________________

(١) وتكون للالحاق ، وللتكثير ؛

(٢) أي ما يذكر بعد كلّ ؛

(٣) خبر عن قوله كما أن معنى .. والإشارة إلى ما ذكره وهو : كل واحد من أفراد هذا الجنس ؛

٢٥٠

وإنما عدّ الأول من الأعلام دون الثاني ، بدليل صرف : تمرة ، وجرادة ، لأنهم رأوا بعضه منقولا كالأعلام ، من مدلول إلى آخر ، فإن «أفعل» مثلا ، وضع لغة ، للزائد في الفعل على آخر ، فهو ، من الفعل ، كأكبر من الكبر ، ثم عبّر به عن كل لفظ أوله همزة مزيدة مفتوحة ، وثانيه فاء ساكنة بعدها عين مفتوحة ، بعدها لام ، وبعضه مرتجلا كارتجال الأعلام ، نحو قولك : فعللة التي هي مصدر الرباعي حكمها كذا ؛ فإن «فعللة» لا معنى لها لغة ؛

وقوّى هذا الوجه المجوّز لالحاقها بالأعلام : أنهم رأوها إذا عبّرت بها عن موزوناتها : لم تقع على فرد مشاع منها ، كما تقع النكرات ، فبعدت من النكرات لفظا ومعنى ؛

فإن قلت : فلم جعلوا هذه الكنايات من قسم الأعلام ، دون الأوزان التي يكنى بها عن موزوناتها مع اعتبار معنى الموزونات ، كما تقول : مررت برجل فاعل ، أي عاقل ، أو جاهل ، على حسب القرينة القائمة على المعنى المراد؟

قلت : لأنها لما كانت دالة على لفظة معينة لها معنى معيّن ، والمراد من لفظة الكناية ذلك المعنى بتوسط اشعاره بذلك اللفظ الذي هو صريح فيه : صارت كموزوناتها دالة على المعنى الجنسيّ ، فكأن لفظ الكناية منقول من جنس إلى جنس آخر ، أو مرتجل لجنس ، فلم يصلح أن يجعل علما ، بخلاف الأوّل ، فإن المراد منه : موزونه فقط من غير اعتبار المعنى الجنسيّ ، ومن ثمة قال الخليل : لما سأله سيبويه (١) عن قولهم : كل أفعل ، إذا كان صفة لا ينصرف : كيف تصرف «أفعل» وقد قلت لا ينصرف؟ فقال : أفعل ههنا ليس بوصف ، وإنما زعمت أنّ ما كان على هذا المثال وكان وصفا : لا ينصرف ؛

وكما أن «أفعل» في هذا الكلام ، ليس بوصف : ليس بعلم أيضا ، لدخول لفظ «كل» المختص بالنكرات عليه ، ففي «أفعل» ههنا وزن الفعل فقط بلا وصف ولا علميّة ؛

وإن كان موزون هذه الأوزان معها ، كما تقول : وزن إصبع : إفعل ، فالأولى والأكثر

__________________

(١) هذا منقول بمعناه من الكتاب وكذلك كل ما يتصل بهذا البحث ، وهو في أوائل الجزء الثاني من ص ٥ ، وما بعدها ؛

٢٥١

أنه لا يجري مجرى الأعلام ، فيصرف «إفعل» إذ كان الأول أعني الذي عبّر به عن لفظ موزونه إنما أجري مجرى الأعلام لكونه كالعلم منقولا إلى مدلول آخر ، أعني الموزون أو مرتجلا له ، و «أفعل» في قولك : وزن إصبع : إفعل ، ليس عبارة عن الموزون ، بل عن الوزن فقط ، أي : وزن أصبع : هذا الوزن لا هذا الموزون ؛ فعلى هذا كان القياس أن نقول : وزن طلحة : فعلة بالتنوين في الوزن ، إذ ليس فيه العلمية ، إلا أنه حذف منه التنوين ليقابل موزونه في التجرد من التنوين ولم يحذف لمنع الصرف ؛

والزمخشري (١) جعل هذا القسم ، أيضا ، علما ، وهو الحق ، فيقول : وزن إصبع : إفعل بحذف التنوين ؛ قال المصنف : إنما ذهب إليه إجراء له مجرى أسامة إذا أطلقتها على واحد من الآساد ، فإنك تجريه مجرى الأعلام ، كما كان في هذا الجنس علما نحو قولك : أسامة خير من ثعالة ، فكذا يجري الوزن ههنا مجرى الجنس ، أعني الذي ليس معه الموزون ، نحو : أفعل حكمه كذا ؛

وهذا القياس الذي ذكره فيه نظر ، لأن مثل هذا الوزن إذا لم يكن معه الموزون فمعناه الموزون ، وإذا كان معه الموزون فبمعنى الوزن ، إذ معنى : وزن إصبع إفعل ، وزن اصبع هذا الوزن المعيّن ، فليس في الحالين كأسامة في حاليه ، أي كونه جنسا وكونه فردا من أفراده ، فإنه في الحالين بمعنى ؛

وأيضا ، ليس تعريف أسامة لكونه علما لماهية معيّنة ، كما ادّعى ، وليس أسامة المراد به واحد من الجنس مجازا عنها محمولا عليها في العلمية ، كما بيّنا ، بل تعريفه في الحالين لفظيّ ، سواء كان جنسا ، أو فردا مشاعا ، وليس قياسيا فيقاس عليه ؛

والأولى أن يقال (٢) : إنما ذهب إليه ، لكونه منقولا من معنى إلى معنى آخر ، هو الوزن ، أو مرتجلا له ، ومع إجرائه ، لمثل هذا ، مجرى الأعلام ينون نحو : مفاعلة ، نحو

__________________

(١) شرح ابن يعيش على المفصل ج ١ ص ٣٩ ،

(٢) يعني في تعليل ما ذهب إليه الزمخشري ، لأنه نقد ما قاله ابن الحاجب من ذلك ؛

٢٥٢

قولك : ضارب يضارب مضاربة : على وزن فاعل يفاعل مفاعلة ؛ وهو تنوين المقابلة ، عنده ، لا تنوين الصرف ؛

والقسم الذي هو كناية عن موزونه فقط مع اعتبار معناه : حكمه عند سيبويه (١) في الصرف وتركه : حكم الموزون ، قال المتنبي :

كأنّ فعلة لم تملأ مواكبها

ديار بكر ولم تخلع ولم تهب (٢) ـ ٤٧٥

فمنعه الصرف ، لأن موزونه : خولة ، وتقول : مررت برجل أفعل ، أي أحمق ؛

وقال المازني : ليس في فعلة ، علميّة ، ولا في أفعل معنى الوصف ؛

فهو ، إذن ، ينظر إلى لفظ الكناية ، لا إلى الموزون المكنى عنه ، فلا يصرف نحو : فعلى ومفاعل ، لاشتمالهما على سبب منع الصرف ، ويصرف نحو : مررت برجل أفعل أي أحمق ، وفعلة ، أي حمزة ؛

ومذهب سيبويه هو الحق ، إذ معناه معنى الموزون ، والكناية عن العلم جارية في اللفظ مجراه ، بدليل ترك إدخالهم اللام على فلان ، وفلانة ، (٣) ومنعهم صرف فلانة ، كما يجيئ ؛

وأمّا إن أردت بالأوزان أوزان الفعل ، فحكمها حكم موزوناتها ، حركة وسكونا ، وتجردا عن التنوين ، كان الموزون معها أو ، لا ، نحو قولك : افعل : أمر ، واستفعل : حكمه كذا ، وضارب يضارب ، على وزن فاعل يفاعل ، اشعارا بكونه مرادا به الفعل ، الذي لا حظّ له ، لا في الصرف ، ولا في تركه ، أو مرادا به وزن الفعل ؛ لكنه مع ذلك علم لوصفه بالمعرفة ، كقولك : افعل الذي همزته مكسورة : أمر للمخاطب ؛

فجملة الكلام : أن الأوزان : إمّا أن يراد بها الموزونات أو ، لا ؛ والأول إن كان

__________________

(١) يستفاد من كلامه ج ٢ ص ٦ ،

(٢) تقدم في أول باب الكنايات من هذا الجزء ، وهو للمتنبي ، وكنى بفعلة عن خولة أخت سيف الدولة ؛

(٣) يعني إذا كانا كنايتين على علمي المذكر والمؤنث من الأناسيّ

٢٥٣

وزن فعل فحكمه في جميع الأشياء حكم موزونه مع كونه علما ؛

وإن كان وزن الاسم ، فإن كان كناية عن موزونه ؛ ومعناه : معناه فليس بعلم ، إلا إذا كان كناية عن العلم نحو قوله :

كأن فعلة لم تملأ مواكبها ... البيت ـ ٤٧٥

وفي جريه مجرى موزونه في الصرف وعدمه خلاف بين سيبويه والمازني ، وإن لم يكن معناه معنى الموزون ، بل المراد لفظ الموزون فقط ، فالكل اعلام ؛ لا ينصرف ، إذا انضمّ إلى العلمية سبب آخر ، وإن نكرته فحكمه حكم النكرات في الصرف وتركه ، وإن لم يرد بها الموزونات بل أريد الأوزان فهي أعلام وفاقا لجار الله (١) العلّامة ؛

[ألفاظ العدد]

[وحكمها في العلمية]

وقال ابن جني (٢) ، في سرّ الصناعة ، وكذا في بعض نسخ المفصل ما معناه : ان الأعداد إذا قصد بها مطلق العدد ، لا المعدود ، كانت أعلاما ، فلا تنصرف إذا انضم إلى العلمية سبب آخر ، كقولك : ستة ضعف ثلاثة ، غير منصرفين ، ومائة ضعف خمسين ؛

قال المصنف (٣) : الظاهر : أن جار الله كان أثبته ، ثم أسقطه لضعفه ، قال : ووجه اثباته أن «ستة» مبتدأ فلو لا أنه علم لكنت مبتدئا بالنكرة من غير تخصيص ، وأيضا ، المراد به : كل ستة ، فلولا أنه علم لكنت مستعملا مفردا نكرة في الإيجاب ، للعموم ؛

__________________

(١) أي الزمخشري ؛ وكأنه يقرظ رأيه هذا ؛ إذ يصفه بالعلّامة ؛

(٢) أبو الفتح عثمان بن جني ، وسرّ الصناعة من أبرز كتبه كالخصائص ؛

(٣) ابن الحاجب ، وله شرح على مفصل الزمخشري ، اسمه الإيضاح وأشرنا إلى ذلك فيما سبق ،

٢٥٤

قال (١) : ونعم ما قال ، ووجه ضعفه : أنه يؤدي إلى أن تكون أسماء الأجناس كلها أعلاما ، إذ ما من نكرة إلا ويصح استعمالها كذلك ، نحو : رجل خير من امرأة ، أي كل رجل ، وذلك جائز في كل نكرة قامت قرينة على أن الحكم غير مختص ببعض من جنسها ، فمجوّز الابتداء بالنكرة ههنا ، كونها للعموم ؛

وقد جاءت النكرة غير المبتدأ ، أيضا ، في الإيجاب المستغرق ، لكن قليلا ، كقوله تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ) ، (٢) وقوله : «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها» ؛ (٣)

[الكلمات]

[عند قصد ألفاظها]

واعلم أنه إذا قصد بكلمة : ذلك اللفظ ، دون معناها ، كقولك : أين : كلمة استفهام ، و : ضرب : فعل ماض ، فهي علم ، وذلك لأن مثل هذا : موضوع لشيء بعينه غير متناول غيره، وهو منقول ، لأنه نقل من مدلول هو المعنى ، إلى مدلول آخر هو اللفظ ؛

[العلم الاثفاقي]

[ومعنى الغلبة في الأعلام]

وقد يكون بعض الأعلام اتفاقيا ، أي يصير علما ، لا بوضع واضع معيّن بل لأجل الغلبة ، وكثرة استعماله في فرد من أفراد جنسه ؛

__________________

(١) أي المصنف ابن الحاجب ؛ والموضوع الذي أشير إليه هنا وانه ليس في بعض نسخ المفصل ، غير موجود في النسخة التي شرحها ابن يعيش ؛

(٢) الآية ٥ سورة الانفطار ،

(٣) الآية ٧ سورة الشمس ؛

٢٥٥

ثم اعلم أن اسم الجنس إنما يطلق على بعض أفراده المعيّن : بأداتي التعريف ، وهما : اللام والإضافة ، فالعلم الغالب : اما مضاف ، أو ذو لام ، فالمضاف نحو : ابن عباس ؛ غلب بالإضافة ، على عبد الله ؛ من بين أخوته ، وكذلك : ابن عمر ، وغير ذلك ؛ وذو اللام ، كالصّعق (١) والنجم ، واللام في الأصل لتعريف العهد ، وقد تقدم أن العهد قد يكون بجري ذكر المعهود قبل ، وقد يكون بعلم المخاطب به قبل الذكر ، لشهرته ، فاللام التي في الأعلام الغالبة من القسم الثاني ، فإن معنى النجم ، قبل العلمية : الذي هو المشهور المعلوم للسامعين من النجوم ، لكون هذا الاسم أليق به من بين أمثاله ، وكذا : البيت في بيت الله ؛ لأن غيره كأنه بالنسبة إليه ، ليس بيتا ، وكذا : المضاف نحو : ابن عباس ، لأن التعريف الحاصل بالإضافة كالتعريف الحاصل بلام العهد ، سواء ؛ فلا يقال غلام زيد ، إلا لأليق غلمانه بهذا الاسم ، بكونه أعظمهم أو أخصّهم به ، وبالجملة : لأشهرهم بغلاميته حتى كأن غيره ، ليس غلاما له بالنسبة إليه ،

فالحاصل أن المضاف ، وذا اللام ، الغالبين في العلمية ، يجب كونهما أشهر فيما غلبا فيه ، منهما في سائر الأفراد التي شاعا فيها قبل العلمية ، فإذا صارا علمين ، اتفاقيا ، لزمت الإضافة فيما كان مضافا ، فلا يجوز تجريده عنها ، وأمّا ذو اللام فالأكثر فيه ، أيضا ، لزوم اللام ، وقد يجوز تجريده عنها ، كما قيل في النابغة : نابغة ، وذلك قليل ؛

قال سيبويه : يكون «اثنان» علما لليوم المعيّن بلا لام ، تقول : هذا يوم اثنين ، مباركا فيه ؛ وردّه المبرد ، وقال : هو حال من النكرة ، قال : ولا يكون علما إلا مع اللام لكونه من الغالبة ؛

وقد ذكرنا الغوالب بتقاسيمها في باب النداء ، فليرجع إليه ؛ (٢)

__________________

(١) تقدم تفسيره قريبا ؛

(٢) انظره في الجزء الأول من هذا الشرح

٢٥٦

[تنكير الأعلام]

[وأثره]

وقد ينكر العلم ، قليلا ، فإمّا أن يستعمل بعد ، على التنكير ، نحو : ربّ زيد لقيته ، وقولك ، لكل فرعون موسى ؛ لأن ربّ ، وكلّ ، من خواص النكرات ، أو يعرّف ، وذلك بأن يؤوّل بواحد من الجماعة المسمّاة به ، فيدخل عليه اللام ، كقوله :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله (١) ـ ١١٦

أو الإضافة ، نحو قوله :

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشفرتين يماني (٢) ـ ١١٤

وهي أكثر من اللام ؛

وقد يضاف العلم مع بقاء تعريفه ، كما مرّ في باب الإضافة ؛ نحو : زيد الخيل وأنمار الشاء ، ومضر الحمراء ، (٣) وإن لم يكن اشتراك في العلم ؛

وإذا ثني العلم أو جمع ، فلا بدّ من زوال التعريف العلمي ، لأن هذا التعريف إنما كان بسبب وضع اللفظ على معيّن ، والعلم المثنى أو المجموع ليس موضوعا إلا في أسماء معدودة ، نحو : أبانين ، (٤) وعمايتين ، وعرفات ، كما يجيئ ؛ فإذا زال التعريف العلميّ ، وقد قلنا ان تنكير الأعلام قليل ، قال المصنف : وجب (٥) جبر ذلك التعريف الفائت بأخصر

__________________

(١) تقدم في الجزء الأول ؛

(٢) تقدم في الجزء الأول ؛

(٣) انظر ذلك في باب الإضافة من الجزء الثاني ؛

(٤) سيذكر الشارح معنى أبانين وعمايتين ؛

(٥) هذا جواب قوله فإذا زال ،

٢٥٧

أداتي التعريف وهي اللام ، فلا يكون مثنى العلم ومجموعه الا معرّفين باللام العهدية ؛ كما قلنا في نحو قولك : خرج القاضي إذا لم يكن في البلد غيره ، أو كان أشهر بحيث يرجع مطلق اللفظ عليه ؛

وابن يعيش (١) : لا يوجب جبر التعريف الفائت من المثنى والمجموع ، بل يجيز تنكيرهما ووصفهما بالنكرة ؛ والاستقراء يقوّي ما ذهب إليه المصنف ، مع القياس ؛

وأجري مجرى العلم الحقيقي : العلم اللفظي فقيل في تثنية أسامة ، وجمعه : الأسامتان والأسامات ؛

فإن قيل : فعلى ما قررت : تنكير العلم من لوازم تثنيته وجمعه ، وتنكيره قليل ، مخالف للقياس ، فوجب قلتهما أيضا ، وليس كذلك ،

قيل : العلم واقع في كلامهم كثيرا ، فلو لم يثنوه ولم يجمعوه لأدّى إلى مثل ما كرهوه من مثل : جاءني رجل ورجل ورجل ، ولما علموا أنهم إذا ثنوه وجمعوه أدّى إلى تنكيره الذي هو قليل مخالف للقياس ؛ قصدوا إلى تثنيته وجمعه على وجه يراعى فيه ما يندفع به ذلك فجبروا التعريف الزائل بإلزامه اللام لزوم التعريف العلميّ له ، فكان فيه توفير الأمرين جميعا : الخلاص من التكرير الشنيع ، وحفظ العلم من التنكير بتعريف آخر ، وإن كان التعريفان متغايرين ؛ لكنه غاية المجهود ؛

وقد جاء بعض المثنى والمجموع غير مجبور باللام ، وذلك في أشياء مشتركة في الأسماء لازم تصاحبها ، كأبانين لجبلين متقابلين ، يقال لأحدهما : أبان الريّان ، لكثرة الماء فيه ، وللآخر : أبان العطشان لقلة الماء فيه ، وكذا : عمايتان ، جبلان متقابلان لهذيل متقاربان اسم كل منهما عماية ، وكذا : جماديان ؛ (٢)

__________________

(١) موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش شارح المفصل للزمخشري ، وقوله هذا في شرحه على المفصل ج ١ ص ٤٦ ؛

(٢) تثنية جمادى اسم الشهر العربي ،

٢٥٨

وإنما جاز تجريد هذه الأسماء من اللام ، لأن أحد الجبلين مثلا ، لمّا لم ينفرد من الآخر ، جاز أن يكونا كالشيء الواحد المسمّى بالمثنى ، كما تسمي ، مثلا ، شخصا بزيدان ، بخلاف شخصين مسمّى كل منهما بزيد ، فإن الأغلب فيهما لما كان هو الانفكاك ، لم يكونا كشخص واحد مسمّى بالمثنى ، حتى يقال لهما : زيدان ؛

وعرفات ، كأبانين وعمايتين ، كأن كلّ موضع منها ، كان يسمّى عرفة ، فقيل عرفات للمجموع ؛

وأمّا أذرعات (١) ، لبلد بالشام ، فليس من هذا ، إذ لا يقال لبعض منه : أذرعة ، بل هو كمساجد ، موضوعا لشخص معيّن ؛

[الكناية]

[عن الأعلام]

واعلم أنه يكنى بفلان وفلانة ، عن أعلام الأناسيّ خاصة فيجريان مجرى المكنى عنه ، أي يكونان كالعلم ، فلا يدخلهما اللام ، ويمتنع صرف فلانة ، كما يجري «أفعل» بمعنى أحمق مجرى المكنى عنه في الامتناع من الصرف ، على ما مرّ ، ولا يجوز تنكير فلان كسائر الأعلام فلا يقال : جاءني فلان وفلان آخر ، إذ هو موضوع للكناية عن العلم ؛

وإذا كني عن الكنى ، قيل : أبو فلان وأم فلان ؛

وإذا كني بفلان وفلانة عن أعلام البهائم ، أسماء كانت أو كنى ، أدخل عليهما لام التعريف ، فيقال : الفلان والفلانة ، وأبو الفلان وأم الفلان ، لقصد الفرق ، وكانت كناية البهائم أولى باللام من كناية أعلام الإنسان ، لأن أنس الإنسان بجنسه أكثر ، فهو عنده

__________________

(١) جاء في شعر امرئ القيس في قوله :

تنوّرتها من اذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي

٢٥٩

أشهر من أعلام البهائم ، فكان فيها نوع تنكير ؛

قال ابن السرّاج (١) ، وتبعه المصنف: ان لفظ فلان لم يأت إلا محكيا ، كقوله تعالى : (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)(٢) ؛ وهو منتقض بما روى الأصمعي (٣) عن مرّار العبسيّ :

٥١٧ ـ سكنوا شبيثا والأحصّ وأصبحوا

نزلت منازلهم بنو ذبيان (٤)

وإذا فلان مات عن أكرومة

سدّوا معاوز فقده بفلان

وبقول معن بن أوس المزنيّ :

٥١٨ ـ أخذت بعين المال حتى نهكته

وبالدّين حتى ما أكاد أدان (٥)

وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى

وردّ فلان حاجتي وفلان

[الكناية]

[عن غير الأعلام]

ويكنى بهن ، وهنة مفتوحة العين ، وهنت ساكنتها عن اسم الجنس غير العلم ، فلا تصرف هنة ، ويدخل جميعها اللام ؛ وإذا سكنت النون ، فتاء التأنيث مبدلة من اللام

__________________

(١) تقدم ذكره في هذا الجزء واللذين قبله ؛

(٢) الفرقان ٢٨

(٣) عبد الملك بن قريب الأصمعي ، تقدم ذكره أيضا ؛

(٤) في حوار جرى بين الأصمعي وغلام من بني أسد ، ازدراه الأصمعي ثم استنشده فأعجب به ، وبين هذين البيتين بيت ثالث وهو :

وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا

حتى تقيم الخيل سوق طعان

والأبيات للمرار الفعقسي من بني أسد ، ويروى بدل قوله : سدوا معاوز : رقعوا معاوز وأصل المعاوز : الخرق البالية والمراد حلّ محله من يسدّ المكان الذي خلا بفقده ،

(٥) أنشدهما معن بن أوس المزني ، وقد مرّ به عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان من كرام العرب فسأله عن حاله فقال. : كفّ بصري وكثر عيالي وغلبني الدين ، فأدى عبيد الله عنه دينه ثم مرّ به ثانية وسأله عن حاله فأنشد البيتين ؛ ولذلك قصة ذكرها البغدادي في الخزانة ؛

٢٦٠