شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

وجمع التي : اللاتي على وزن فاعل من التي ، وهو اسم جمع ، كالجامل والباقر (١) ، اللائي بالهمزة مكان التاء ، وهو كثير في جمع التي ، دون جمع الذي ؛ واللواتي ، واللوائي ،؟؟؟ جمعا الجمع وقد تحذف الياءات من الأربعة فيقال : اللات واللاء واللوات واللواء ، الهمزة من اللاء بين الهمزة والياء ، لكونها مكسورة ، على ما هو قراءة ورش (٢) ، : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) (٣) ، وقد يقال : اللاي بياء ساكنة بعد الألف من غير همزة ، كقراءة أبي عمرو (٤) ، والبزّي (٥) ، قال أبو عمرو : هي لغة قريش ، كأنهم حذفوا الياء بعد الهمزة ، ثم أبدلوا الهمزة ياء من غير قياس ثم أسكنوا الياء اجراء للوصل مجرى الوقف ؛ وقد يقال : الّلوا ؛ بحذف التاء والياء معا ، وقد يقال : اللاءات ، كاللاعات (٦) ، مكسورة التاء ، أو معربة إعراب المسلمات ؛

والألى ، جمع التي أيضا ، لا من لفظه ، فالذي والتي ، يشتركان في «الألى» و «اللائي» إلا أن الألى في جمع المذكر أكثر ، واللائي بالعكس ؛

وبمعنى الذي وفروعه من المثنى والمجموع والمؤنث : من ، (٧) وما وأيّ ، مضافا إلى معرفة لتكون موصولة معرفة ، والإضافة إما ظاهرة نحو : اضرب أيّهم في الدار ، أو مقدرة نحو : لقيت أيّا ضربت ؛

قال الكسائي : (٨) يجب أن يكون عاملها مستقبلا ، وقد نوزع فيه ، فلم يكن له مستند إلا أنه قال : كذا خلقت ، أي كذا وضعها الواضع ، فقال له السائل : استحييت لك

__________________

(١) هما اسما جمع للجمل والبقرة ،

(٢) ورش : هو عثمان بن سعيد المصري أحد الراويين عن نافع من القرّاء السبعة وراويه الثاني هو قالون ،

(٣) من الآية ٤ سورة الطلاق ،

(٤) المراد : أبو عمرو بن العلاء البصري أحد القراء السبعة ، ومن متقدمي النحاة ،

(٥) البزي بتشديد الزاي ، هو أحمد بن محمد بن أبي بزّة ، وكنيته أبو الحسن ، وهو أحد الراويين عن عبد الله ابن كثير المكي أحد القراء السبعة ؛

(٦) هذه كلمة أراد بها ضبط ما قبلها بجعل العين مكان الهمزة في الكلمة المراد ضبطها ،

(٧) من وما ، مبتدأ ومعطوف عليه والخبر هو قوله قبل ذلك : وبمعنى الذي ...

(٨) علي بن حمزة الكسائي زعيم نحاة الكوفة وأحد القراء السبعة وتكرر النقل عنه في هذا الشرح ،

٢١

يا شيخ ؛ يعني أن هذا أيضا متنازع فيه ؛

وقد علّل له «ابن باذش» (١) بأن قال : أيّ موضوعة على الإبهام ، والإبهام لا يتحقق إلا في المستقبل الذي لا يدرى مقطعه (٢) ، ولا مبدؤه ، بخلاف الماضي والحال ، فإنهما محصوران ؛ فلما كان الإبهام في المستقبل أكثر منه في غيره ، استعملت معه «أيّ» الموضوعة على الإبهام ؛

وليس بشيء ، لاختلاف الإبهامين ، ولا تعلق لأحدهما بالآخر ؛ وعند الكوفيين ، يلزم ، أيضا ، تقديم عامله عليه ؛ وخالفهم البصريون في الموضعين ، لعدم الدليل على الدعويين ؛

وإذا أريد به المؤنث جاز إلحاق التاء به ، موصولا كان أو استفهاما ، أو غيرهما ، نحو : لقيت أيّتهن ، وأيتهن لقيت؟ ، قال الأندلسي : التاء فيه شاذ ، كما شذ في : كلّتهن ، وخيرة الناس وشرّة الناس ؛

وبعض العرب يثنيها ويجمعها ، أيضا ، في الاستفهام وغيره ، نحو أيّاهم أخواك ، وأيّوهم إخوتك ، وهما أشذّ من التأنيث ، ومجوّزهما تصرّفهما في باب الإعراب ؛

قوله : «وذو الطائية» ، الأكثر أن «ذو» الطائية لا تتصرف ، نحو : جاءني ذو فعل ، وذو فعلا ، وذو فعلوا ، وذو فعلت وذو فعلتا ، وذو فعلن ، قال :

٤١٥ ـ فانّ الماء ماء أبي وجدّي

وبئري ذو حفرت وذو طويت (٣)

__________________

(١) هو علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي وكنيته أبو الحسن ويقال له ابن الياذش ، من علماء القرن السادس مات في أوائله ، والأكثر ان يقال : ابن الياذش بحرف التعريف ، وجاء في النسخة المطبوعة : ابن باذش ، كما أشير بهامشها إلى أن في بعض النسخ : إبن بابشاذ ، وفي بعضها : ابن فارس ؛

(٢) لا يدري مقطعه أي متى ينقطع وينتهي ؛

(٣) هذا أحد أبيات خمسة أوردها أبو تمام في ديوان الحماسة ، لسنان بن الفحل الطائي في اختصام وقع بين فريق من طيء وجماعة من بني فزارة على ماء ، وهذه الأبيات يقول فيها سنان :

وقالوا قد جننت فقلت كلّا

وربّي ما جننت ولا انتشيت

ولكني ظلمت ، فكدت أبكي

من الظلم المبيّن أو بكيت .. الخ

٢٢

أي التي حفرتها ، ولا تعرب ، أيضا ، قال :

فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا

هلمّ فإن المشرفيّ الفرائض (١) ـ ٣٢٧

ولم يقل : ذي جاء ؛

وفي «ذو» الطائية أربع لغات : أشهرها ما مرّ ، أعني عدم تصرفها مع بنائها ؛ والثانية حكاها الجزولي : ذو ، لمفرد المذكر ، ومثناه ومجموعه ، وذات ، مضمومة التاء لمفرد المؤنث ومثناه ومجموعه ، والثالثة حكاها أيضا ، وهي كالثانية إلا أنه يقال لجمع المؤنث : ذوات مضمومة في الأحوال الثلاث ، والرابعة حكاها ابن الدهان (٢) ، وهي تصريفها تصريف «ذو» بمعنى صاحب مع إعراب جميع متصرّفاتها ، حملا للموصولة على التي بمعنى صاحب ، وكل هذه اللغات طائية ؛

قوله : «وذا بعد «ما» الاستفهامية» ، أمّا الكوفيون فيجوّزون كون «ذا» وجميع أسماء الإشارة ، موصولة بعد «ما» ، استفهاميّة كانت ، أو ، لا ؛ استدلالا بقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (٣) ، أي : أنتم الذي تقتلون أنفسكم ، وقوله :

٤١٦ ـ عدس ما لعبّاد عليك امارة

نجوت وهذا تحملين طليق (٤)

أي الذي تحملينه ، وقوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (٥) ، أي : ما التي بيمينك ؛ ولم يجوّز البصريون ذلك إلا في «ذا» بشرط كونه بعد «ما» الاستفهامية ، إذا لم تكن زائدة ؛

__________________

(١) تقدم في باب النعت بالجزء الثاني ،

(٢) ابن الدهان : مشترك بين جماعة أشهرهم : سعيد بن المبارك ، الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي من أعيان النحاة في القرن السادس ؛

(٣) الآية ٨٥ سورة البقرة ،

(٤) ليزيد بن مفرغ الحميري حين خرج من سجن عبّاد بن زياد ، أخي عبيد الله بن زياد وكان عبيد الله أمر بسجنه عند أخيه عباد بسبب هجائه لعبيد الله ، وشفع فيه قوم إلى معاوية بن أبي سفيان فأمر بإخراجه من السجن ، وحين خرج قدّمت له بغلة فركبها وقال أبياتا هذا أولها ، وعدس ، اسم صوت تزجر به البغال كما سيأتي في أسماء الأصوات ،

(٥) الآية ١٧ سورة طه

٢٣

ففي نحو : ماذا صنعت ، يحتمل كونها زائدة ، وبمعنى الذي ، وقولك : ما ذا الذي صنعت ، نص في الزيادة ؛

ومثله «ذا» بعد «من» الاستفهامية ، نحو : من ذا لقيت؟ وقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) ؛

واعتذر البصريون عن المواضع التي استدل بها الكوفيون بأن أسماء الإشارة فيها باقية على أصلها دفعا للاشتراك الذي هو خلاف الأصل ،

وخالف الأخفش ، وابن السراج (٢) : النحاة في كون «ما» المصدرية حرفا ، وجعلاها اسما ، فهما يقدّران في صلتها ضميرا راجعا إليها ؛ و «ما» كناية عن المصدر ، ففي قوله تعالى : (بما رحُبَت) (٣) : أي بالرحب الذي رحبته ؛ وليس بوجه ، إذ لم يعهد هذا الضمير بارزا في موضع والأصل عدم الاضمار ، وسيجيء الكلام عليها في الحروف المصدرية ؛

[حذف العائد]

[قال ابن الحاجب :]

«والعائد المفعول يجوز حذفه» ،

[قال الرضى :]

عائد الألف واللام لا يجوز حذفه ، وإن كان مفعولا ، لخفاء موصوليّتها ، والضمير أحد دلائل موصوليتها ، كما مرّ في الخلاف مع المازني (٤) ؛

__________________

(١) الآية ٢٤٥ سورة البقرة

(٢) ابن السراج هو أبو بكر محمد بن السري واشتهر بابن السراج وتقدم ذكره ؛

(٣) جزء من كل من الآيتين ٢٥ ، ١١٨ في سورة التوبة ؛

(٤) في أول الكلام على أل الموصولة في الفصل السابق على هذا ؛

٢٤

ولا يجوز حذف أحد العائدين إذا اجتمعا في الصلة ، نحو : الذي ضربته في داره : زيد ، إذ يستغنى عن ذلك المحذوف بالباقي فلا يقوم عليه دليل ؛

ثم الضمير إمّا أن يكون منصوبا أو مجرورا أو مرفوعا ، فالمنصوب يحذف بشرطين : ألّا يكون منفصلا بعد «إلّا» نحو : جاءني الذي ما ضربت إلا إياه ، وأمّا في غيره ، فلا منع ، كقولك : ضيّع الزيدان الذي أعطيتهما ، أي أعطيتهما إياه ، وكذا : الذي أنا ضارب زيد ، أي ضارب إياه ، ويجوز أن يكون المحذوف ههنا مجرورا في محل النصب ، كما يجيىء ، أي : الذي أنا ضاربه ؛ والشرط الثاني أن يكون مفعولا ، نحو : الذي ضربت : زيد ، لأن الضمير ، إذن ، فضلة ، بخلاف الضمير الذي اتصل بالحرف الناصب ، فلا يحذف في نحو : الذي إنه قائم .. ، وأما المجرور ، فيحذف بشرط أن ينجرّ بإضافة صفة ناصبة له تقديرا ، نحو : الذي أنا ضارب : زيد ، أي ضاربه كما تقدم ؛ أو ينجر بحرف جرّ معيّن ، وإنما شرط التعيين ، لأنه لا بدّ بعد حذف المجرور من حذف الجارّ أيضا ، إذ لا يبقى حرف جارّ بلا مجرور ، فينبغي أن يتعيّن ، حتى لا يلتبس بعد الحذف بغيره ، كقوله تعالى : (أنسجد لما تأمرنا) (١) ، أي : تأمرنا به ، وقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٢) أي : تؤمر به ، أي باظهاره ، قال :

٤١٧ ـ فقلت له : لا ، والذي حجّ حاتم

أخونك عهدا إنني غير خوّان (٣)

أي حجّ حاتم إليه ، ويتعيّن حرف الجر قياسا إذا جرّ الموصول ، أو موصوفه بحرف جرّ مثله في المعنى ، وتماثل المتعلقان ، نحو : مررت بالذي مررت ، أي : مررت به ، فالجارّان متماثلان ، وكذا ما تعلّقا بهما ، ومثال الموصوف : مررت بزيد الذي مررت ، وربّما يحذف المجرور بحرف وإن لم يتعيّن ، نحو : الذي مررت : زيد ، أي الذي مررت

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة الفرقان ،

(٢) الآية ٩٤ سورة الحجر

(٣) لشاعر اسمه : العريان بن سهلة الجرمي من شعراء الجاهلية من أبيات أوردها أبو زيد الأنصاري في نوادره ، يتحدث فيها الشاعر عن مروره بأحد كرام العرب وما لقيه من هذا الكريم من حسن المعاملة ، وفي رواية النوادر : فقال مجيبا والذي حج حاتم .. إلخ وقد تحرف البيت في النسخة المطبوعة إلى : انني غير حوّل ، والصواب : انني غير خوّان ، كما أثبتناه نقلا عن الخزانة ،

٢٥

به ، وان احتمل : مررت معه أو له أو نحو ذلك ،

ومذهب الكسائي في مثله : التدريج في الحذف ، وهو أن يحذف حرف الجر أولا حتى يتصل الضمير بالفعل فيصير منصوبا فيصح حذفه ؛

ومذهب سيبويه والأخفش : حذفهما معا ، إذ ليس حذف حرف الجر قياسا في كل موضع ، والمجوّز له ههنا استطالة الصلة ، ومع هذا المجوّز فلا بأس بحذفه مع المجرور به ؛ وأمّا الضمير المرفوع فلا يحذف إلا إذا كان مبتدأ ، إذ غير ذلك إمّا خبره ، وكون الضمير خبرا لمبتدأ أقل قليل ، فلا يكون في الكلام ، إذن ، دليل على أنّ خبر المبتدأ هو المحذوف ، بل يحمل ذلك على أن المحذوف هو المبتدأ ، لكثرة وقوعه ضميرا ؛ وإمّا فاعل ، فلا يجوز حذفه ، أو خبر «إن» وأخواتها ولم يثبت حذفه إلا قليلا ، ولا يكون ذلك أيضا في الأغلب ، إلا إذا كان ظرفا ، كما يجيء ، وأيضا ، هو في الأصل خبر المبتدأ ؛ وإمّا اسم «ما» الحجازية ، فلا يحذف أصلا لضعف عملها ؛

ويشترط في المبتدأ المحذوف : ألّا يكون خبره جملة ، ولا ظرفا ، ولا جارّا ومجرورا ، إذ لو كان أحدها ، لم يعلم بعد الحذف أنه حذف شيء ، إذ الجملة والظرف يصلحان مع العائد فيهما لكونهما صلة ؛

وإذا حصل المبتدأ المشروط ، فالبصريون قالوا : إن كان في صلة «أيّ» جاز الحذف بلا شرط آخر نحو قوله تعالى : (... أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (١) وقوله :

٤١٨ ـ إذا ما لقيت بني مالك

فسلم على أيّهم أفضل (٢)

لحصول الاستطالة في نفس الموصول بسبب الإضافة ، وإن لم تطل الصلة ، وقال الأندلسي ، لأنها لها من التمكن ما ليس لأخواتها ، فلهذا تضاف وتعرب فتصرّف في

__________________

(١) الآية ٦٩ سورة مريم ،

(٢) نسبه العيني لشاعر اسمه غسان بن وعلة من بني مرّة ، وكأنه بيت مفرد فلم يذكر أحد ممن تعرض له شيئا قبله ولا بعده ، وقد كثرت الأوجه في تخريجه ، وتعرض لذلك سيبويه في كتابه ج ١ ص ٣٩٨ ولكنه لم يذكر البيت ؛

٢٦

صلتها ، أيضا ، بحذف بعضها ؛

وإن لم يكن في صلة «أيّ» ، لم يحذف إلا بشرط استطالة الصلة ، كقوله تعالى : (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) (١) ، طالت الصلة بالعطف عليها ؛

وأمّا الكوفيّون فيجوّزون الحذف ، بلا شذوذ ، مطلقا ، في صلة «أيّ» كان ، أو في غيرها ، مع الاستطالة أو بدونها ، كما قرئ في الشواذ (٢) : (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (٣) ، ويروى : ما أنا بالذي قائل لك شيئا (٤) ؛

واعلم أنه إذا كان الموصول أو موصوفه خبرا عن متكلم ، جاز أن يكون العائد إليه غائبا ، وهو الأكثر ، لأن المظهرات كلها غيب (٥) ، نحو : أنا الذي قال كذا ، وجاز أن يكون متكلما حملا على المعنى ، قال علي كرم الله وجهه :

٤١٩ ـ أنا الذي سمّتن أميّ حيدره (٦)

قال المازني : لو لم أسمعه لم أجوّزه ؛

وكذا إذا كان الموصول أو موصوفه خبرا عن مخاطب ، نحو أنت الرجل الذي قال كذا ، وهو الأكثر ، أو قلت كذا حملا على المعنى ؛

هذا كله إذا لم يكن للتشبيه ، أمّا معه ، فليس إلا الغيبة ، كقولك : أنا حاتم الذي وهب المئين ، أي مثل حاتم ؛

__________________

(١) الآية ٨٤ سورة الزخرف ،

(٢) هي قراءة يحيى بن يعمر ،

(٣) الآية ١٥٤ سورة الأنعام ،

(٤) يروى : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، أو سوءا ؛ أو سيّئا ؛

(٥) إمّا بسكون الياء فيكون مصدرا مؤولا مثل عدل ، أو بفتح الغين والياء جمع غائب ، مثل خادم وخدم ؛

(٦) هذا من رجز قاله علي بن أبي طالب رضى الله عنه في يوم خيبر وكان يبارز يهوديا اسمه مرحب ، قال رجزا يتحدث فيه عن قوته فردّ عليه علي بهذا الرجز الذي يقول فيه :

أنا الذي سمتن أمّي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

وسمتن بكسر النون وحذف الياء اكتفاء بالكسرة الدالة عليها ؛

٢٧

وإن كان ضميرين (١) ، جاز لك في غير التشبيه : حمل أحدهما على اللفظ والآخر على المعنى ، نحو : أنا الذي قلت كذا وضرب زيدا ، وأنت الرجل الذي قال كذا وضربت زيدا ؛

وإن كان الموصول أو موصوفه مخبرا عنه بالمتكلم أو المخاطب ، لم يجز الحمل على المعنى ، فلا يجوز : الذي ضربت أنا ، والذي ضربت أنت ، إذ لا فائدة ، إذن ، في الإخبار ، لأنك إذا قلت : الذي ضربت ، فقد علم المخاطب أن الضارب هو المتكلم ، فيبقى الإخبار بأنا : لغوا وكذا قولك : الذي قلت أنت ، فظهر بهذا أنّ قوله :

٤٢٠ ـ أنا أنت القاتلي أنت أنا (٢)

ليس بوجه ، والوجه أن يقال : القاتله أنت : أنا ؛

واعلم أن حذف الضمير في المعطوفة على الصلة ، أحسن من حذفه من المعطوف عليها نحو : هذا الذي ضربته وقتلت ، فلهذا حسن حذف الضمير في المعطوفة على الجملة التي هي خبر المبتدأ ، نحو : زيد ضربته وقتلت ، وإن قبح حذفه من المعطوف عليها ؛

__________________

(١) يعني وإن كان في الصلة ضميران يرجعان إلى المبتدأ الذي هو ضمير متكلم أو مخاطب ،

(٢) هذا مما وضعه النحاة للتدريب وقد جاء في بيت شعر صدره : كيف يخفى عنك ما حلّ بنا ؛

وبعضهم يرويه : أنا أنت الضاربي ، وقال السيوطي في بغية الوعاة إن بعض الناس وجه شعرا إلى أبي بكر بن عمر بن دعابس يقول فيه :

أيها الفاضل فينا أفتنا

وأزل عنا بفتواك العنا

كيف إعراب نحاة النحو في أنا

أنت القاتلي أنت أنا

فأجابه أبو بكر بشعر مماثل أعرب فيه المثال ، من غير إشارة إلى ما لاحظه الرضى ، من تصويب ؛ من جهة أنه يجب أن يقال : القاتله ؛

٢٨

[الإخبار]

[بالذي أو بالألف واللام]

[قال ابن الحاجب :]

«وإذا أخبرت بالذي ، صدّرتها ، وجعلت موضع المخبر عنه»

«ضميرا لها وأخرته خبرا ؛ فإذا أخبرت عن زيد من : ضربت»

«زيدا قلت : الذي ضربته زيد ، وكذلك الألف واللام في»

«الجملة الفعلية خاصّة ، ليصحّ بناء اسم الفاعل والمفعول ، فإن»

«تعذّر أمر منها تعذّر الإخبار ، ومن ثمّ امتنع في ضمير الشأن ،»

«والموصوف والصفة ، والمصدر العامل ، والحال ، والضمير» «المستحق لغيره ، والاسم المشتمل عليه» ؛

[قال الرضى :]

هذا باب تسمّيه النحاة باب الاخبار بالذي ، أو بالألف واللام ، ومقصودهم من وضع هذا الباب ، تمرين المتعلم فيما تعلّمه في بعض أبواب النحو من المسائل ، وتذكيره إياها ، كما يتذكر ، مثلا ، بمعرفة أن الحال والتمييز لا يخبر عنهما أنه يجب تنكيرهما ، وبمعرفة أن المجرور بحتى وكاف التشبيه لا يخبر عنهما ، أنهما لا يقعان ضميرين ، وبمعرفة أن ضمير الشأن لا يخبر عنه ، أنه يجب تصديره لغرض الإبهام قبل التفسير ؛ فنقول :

معنى قولهم : أخبر عن (أ) الذي في ضمن الجملة الفلانية ب (ب) الموصول أي : صغ من هذه الجملة ، جملة أخرى اسمية ، وأخبر في الثانية ب (أ) ، أي عن ذات متصفة بما اتصف به (أ) في الأولى معبّرا عن تلك الذات ب (ب) الموصول ، ولا تغيّر الأولى عن وضعها إلا بقدر ما يفيد هذا الاخبار المذكور ؛ فلا بدّ ، إذن ، أن تجعل في الثانية (ب) مبتدأ مصدّرا ، لأن المسئول (١) منك أن تخبر عن تلك الذات ، أي (ب) والمخبر عنه في

__________________

(١) أي المطلوب منك في السؤال التدريبي

٢٩

الجملة الاسمية مبتدأ ، والمبتدأ مرتبته الصدر ، ولا بدّ أن تجعل مكان (أ) ضميرا راجعا إلى (ب) ، لأن المسئول : أن تصف (ب) بالوصف الذي كان ل (أ) بلا تغيير شيء من الجملة الأولى ، ولم يمكن أن يكون (ب) مكان (أ) لتصدر (ب) فإن (ب) مبتدأ فلا بد أن يكون نائبه وهو الضمير العائد إليه مكان (أ) ، ولا بدّ أن تؤخر (أ) في الجملة الثانية خبرا ، لأن المسئول أن تخبر عن (ب) ب (أ) ورتبة الخبر عن الموصول بعد تمام الموصول بصلته ، فعلى هذا لم تخبر عن (أ) ب (ب) الموصول بل أخبرت عن (ب) الموصول ب (أ) ، إلا أنك لما أخبرت عن (ب) ب (أ) ، والمبتدأ في المعنى هو الخبر ، أي يطلق على ما يطلق على الخبر ، فإذا أخبرت عن (ب) فقد أخبرت عما يطلق عليه (أ) ، فكأنك أخبرت عن (أ) وإنما ذكرت المخبر عنه باسم (أ) دون (ب) لأن (أ) هو المذكور في الجملة الأولى التي هي المصوغة المفروغ منها ، المعلوم أجزاؤها دون (ب) ف (أ) هو المشهور قبل صوغ الثانية ؛

وأمّا قولك في السؤال : ب (ب) الموصول ، فليس معناه : اجعل (ب) مخبرا به ، بل الباء فيه للاستعانة ، كما في قولك : كتبت بالقلم ، إذ المعنى : أخبر الاخبار المذكور بأن تجعل (ب) الموصول مبتدأ ؛ (١)

ومثال ذلك أن يقول العالم للمتعلّم ليدرّبه ، أو ليجرّبه (٢) : أخبر عن : «زيدا» من قولك : ضربت زيدا ، بالذي ، فالمعنى : اجعل الذي مبتدأ خبره زيد ، واجعل تلك الجملة الأولى ، وهي ضربت زيدا ، صلة ، للذي ، بلا تغيير شيء منها إلّا أن تجعل مكان «زيدا» ضميرا عائدا إلى «الذي» وتؤخر «زيدا» خبرا عن «الذي» ؛ فتقول : الذي ضربته : زيد ؛

__________________

(١) أسرف الشارح إلى درجة التعقيد في بيان المطلوب من هذا العنوان وأطال في عرض الأمثلة المفروضة ، ويقول البغدادي في الخزانة ان ما أورده الرضى هنا ، قليل من كثير مما قاله ابن السراج في كتابه الأصول ، فرحم الله الجميع ؛

(٢) يريد بالتدريب أن يعوّده على كيفية تطبيق القواعد ، وبالتجريب : الاختبار في مدى تحصيل القواعد واستيعابها ؛

٣٠

فالفرق بين الجملة الأولى والثانية أنك إذا قلت ضربت زيدا فربّما تخاطب به من لا يعرف أن لك مضروبا في الدنيا ، وربّما تخاطب به من يعرف شخصا بمضروبيّتك ، لكنه لا يعرف أنه زيد ، وأمّا قولك : الذي ضربته زيد ، فلا تخاطب به إلّا على الوجه الثاني ، أي تخاطب به من يعرف أن لك مضروبا ؛ لأن مضمون الصلة يجب أن يكون معلوما للمخاطب كما ذكرنا ، ولكن لا يعرف أنه زيد ، إذ لو عرف ذلك لوقع الاخبار عنه بأنه زيد : ضائعا ، فالجملة الثانية نصّ في المحتمل الثاني للجملة الأولى ؛

قوله : «صدّرتها» أي : جعلت «الذي» في الصدر مبتدأ ،

قوله : «وأخّرته خبرا» ، خبرا ، نصب على الحال ، أو ضمّن أخّرته معنى : جعلته ، أي جعلته خبرا متأخرا ؛

قوله : «وكذلك الألف واللام في الجملة الفعلية» ، لا تخبر بالألف واللام إلا عن اسم في الجملة الفعلية خاصّة ؛ قوله : «ليصحّ بناء اسم الفاعل ، أو المفعول منها» ، قد ذكرنا أنّ صلة الألف واللام : اسم فاعل أو مفعول ، وذلك لأنه يمكن أن يسبك من الجملة الفعلية اسم فاعل مع فاعله إذا كان الفعل مبنيا للفاعل ، إذ معنى اسم الفاعل مناسب لمعنى : فعل ويفعل ، نحو : زيد ضارب ، أي ضرب أو يضرب ؛ أو اسم مفعول مع مرفوعه ، إذا كان الفعل مبنيا للمفعول ، إذ معنى اسم المفعول مناسب لمعنى : فعل ويفعل ، نحو : زيد مضروب ، أي : ضرب أو يضرب ؛ وليس شيء من اسم الفاعل والمفعول مع مرفوعهما بمعنى الجملة الاسمية ، حتى يسبك منها أحدهما مع المرفوع ؛ بلى ، هما مع مرفوعيهما جملتان اسميتان في نحو : أضارب الزيدان ، وما مضروب البكران ، لكن في أولهما حرفان يمنعان من وقوعهما صلة للّام كما سيجيئ بعيد ؛

ويجب أن يكون الفعل الذي يسبك منه صلة الألف واللام متصرفا إذ غير المتصرّف نحو : نعم ، وبئس ، وحبّذا ، وعسى ، وليس ؛ لا يجيء منه اسم فاعل ولا مفعول ، فلا يخبر باللام عن «زيد» في نحو : ليس زيد منطلقا ؛ ويجب ألّا يكون في أول ذلك الفعل حرف لا يستفاد من اسم الفاعل والمفعول معناه ، كالسين ، وسوف ، وحرف النفي والاستفهام ؛

٣١

قوله : «فان تعذّر أمر منها» أي أمر من الأمور الثلاثة ، وهي تصدير الموصول ، ووضع عائد إليه مقام ذلك الاسم ، وتأخير ذلك الاسم خبرا ؛

فبالشرط الأول ، وهو تصدير الموصول ، يتعذر الاخبار عن كل اسم في الجملة الإنشائية والطلبية ، لأن الصلة ، كما تقدم ، لا تكون إلا خبرية ، ويتعذر ، أيضا ، عند الكوفيين ، الاخبار بالذي عن اسم في جملة مصدّرة بالذي ، لأنهم يأبون دخول الموصول على الموصول إذا اتفقا لفظا ، أمّا قوله :

٤٢١ ـ من النفر اللائي الذين اذاهم

يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا (١)

فيروونه : من النفر الشمّ الذين .. ؛

والأولى تجويز الرواية الأولى ، لأنها من باب التكرير اللفظي ، كأنه قال من النفر اللائي اللائي ؛ فان تغايرا نحو : الذي من فعل ، كان أسهل عندهم ؛

قال ابن السراج : دخول الموصول على الموصول لم يجئ في كلامهم ، وإنما وضعه النحاة رياضة للمتعلمين وتدريبا لهم ؛ نحو : الذي الذي في داره عمرو : زيد ، فقولك في داره صلة «الذي» الأخير ، وعائده مستتر في الظرف ، وعمرو : خبر «الذي» الأخير ، والذي ، الأخير مع صلته وخبره صلة «الذي» الأول ، وعائد الأول : الهاء المجرور في داره ، وزيد خبر «الذي» الأول ، كأنك قلت : الذي ساكن في داره عمرو : زيد ؛

وتقول (٢) : الذي التي اللذان أبواهما قاعدان لديها كريمان عزيزة عنده حسن ؛ تبتدئ

__________________

(١) جاء هذا البيت لشاعرين : أحدهما : أبو الربيس الثعلبي وكان من اللصوص ، سرق ناقة كريمة لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ووصفها في أبيات ومدح صاحبها ، والشاعر الثاني لم يذكروا اسمه ، وإنما روى الجاحظ في البيان والتبيين أن شاعرا قال أبياتا في أسيلم بن الأحنف الأسدي ، ولم يسم هذا الشاعر ؛ ويروى إذا انتموا بدلا من : إذا هم ، ويروى : وهاب الرجال ، ومعنى قعقعوا : دقوا حلقة الباب بقوة حتى يسمع صوتها ؛

(٢) صورة أخرى لدخول الموصول على الموصول ، وقد خرج فيها عن موضوع البحث إلى التمثيل لما نقله عن ابن السراج من دخول الموصول على موصول واحد أو أكثر ، وهي ، كما قال : نوع من الرياضة والتدريب للمتعلم ؛

٣٢

بالموصول الأخير ، فتوفيه حقه من الصلة والعائد والخبر ، لاستغنائه بما في حيزه عما قبله ، واحتياج كل ما قبله إليه لكونه من صلته ، فتقول :

أبواهما قاعدان : صلة «اللذان» ، وعائده الضمير المجرور في : أبواهما ، وخبره : كريمان ، وهذه الجملة ، أعني : اللذان مع صلته وخبره ، صلة «التي» والعائد إلى «التي» من صلته : الضمير المجرور في لديها ، فالتي : مبتدأ مع صلته المذكورة ، وعزيزة عنده ، خبره ، والجملة : أعني : التي مع صلته وخبره : صلة «الذي» والعائد من الصلة إليه : الهاء المجرورة في : عنده ، والذي مع صلته المذكورة مبتدأ خبره حسن ؛

وهكذا العمل إن زادت الموصولات ، ولا تقف عند حدّ ، فاحذر الغلط وأعط كل موصول حقه ، (١)

وبالشرط الثاني (٢) ، وهو وضع الضمير العائد إلى الموصول مقام المخبر عنه يخرج الفعل ، والجملة ، والجار والمجرور ، والظرف ، إذ لا تضمر هذه الأشياء ، ويخرج كل اسم لازم للتنكير ، كالمجرور بكم ، واسم «لا» التبرئة ، وخبرها ، والحال ، والتمييز المنصوب ، وكنكرة تفيد ما لا يستفاد من المعارف ، كالتفخيم في : زيد أيّما رجل ، والاستغراق في نحو : كل رجل وأفضل رجل ، وما من رجل ، وكذا كل اسم يلزمه النفي ، نحو : لا أحد ، ولا عريب ، ولا كتيع (٣) ، ويخرج ، أيضا ، كل اسم جاز تعريفه ، لكن يلزم اظهاره ، كفاعل «حبّذا» ، والمعارف السادّة مسدّ الحال ، كالعراك ، ووحده ، وجهده ، وسائر ما ذكرنا في باب الحال ؛ لأنها بلفظها تدل على لفظ الحال ، والإضمار يزيله ، وكالمصدر العامل ، إذ لا يجوز : مروري بزيد حسن ، وهو بعمرو قبيح ، لأن لفظ المصدر مراعى في العمل ، إذ هو من جهة التركيب اللفظي يشابه الفعل فيعمل ، والاضمار يزيل اللفظ ، وكذا كل صفة عاملة كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة العاملة في الظاهر ؛

__________________

(١) هذا شبيه بما أورده من آخر باب المبتدأ من الجزء الأول

(٢) إشارة إلى الأمر الثاني من الأمور التي قال إن الاخبار يتعذر إذا تعذر واحد منها ،

(٣) كلاهما بمعنى لا أحد ؛ وسيذكر في باب المعرفة والنكرة كثيرا من الألفاظ المشبهة له ،

٣٣

وأمّا الإخبار عن «قائم» في زيد قائم ، فإنما يجوز إذا لم تعمله في الضمير المستكن ، نظرا إلى كونه في الأصل : اسما مستغنيا عن الفاعل ؛

وعند المازني : يجوز الإخبار عن المصدر المحذوف عامله ، نحو : إنما أنت سيرا ، وعند ابن السّراج لا يجوز ، لأن الفعل إنما حذف لدلالة لفظ المصدر عليه ؛ وأجاز المازني ، على قبح ، الاخبار عن «ضربا» : بمعنى : ضربت ضربا ، ومنعه غيره ، إذ صورته صورة المفرد ، فلا يصلح لكونه صلة ؛

ويقبح الإخبار عن المصدر الذي للتأكيد ، لعريّ الإخبار عن فائدة معتبرة ؛ وكالمفعول له ، إذ يشترط فيه لفظ المصدر ، وكالمجرور بالكاف وواو القسم وتائه ، وحتى ، ومذ ومنذ ، وكذا المرفوع بعدهما ، إذ شرطه لفظ الزمان ؛ وكتمييز الأعداد المجرور ، فإن المحققين استقبحوا الاخبار عنه ، لوجوب كون المفسّر صريحا في تعيين الجنس ، والاضمار يخلّ بذلك ؛ وبعضهم جوّزه نحو : الذي هذا مائته : الدرهم (١) ؛ وكالمقادير المبهمة المفسّرة بما بعدها نحو : راقود خلّا ، وعشرون درهما ؛ فإن ألفاظها معتبرة ، وكالمضاف دون المضاف إليه ، إذا المضمر لا يضاف ، وكالموصوف بدون الصفة وكالصفة بدونه ، وكالموصول بدون صلته ، وكصلة اللام بدون الموصول ، إذ لفظها شرط ؛

وأمّا البدل والمبدل منه ، فبعضهم لا يجيز الإخبار عن أحدهما وحده ، بل عنهما معا ، كالصفة والموصوف ، قال : لأن البدل مبيّن كالصفة ، فلا يفرد من المبدل منه ؛ وأيضا ، تخلو الصلة من العائد في نحو : جاءني زيد أبوك ، إن أخبر عن البدل عند من يجعل البدل في حكم تكرير العامل ؛

وبعضهم أجاز الإخبار عن كل واحد منهما ، فالأول ، تقول في : مررت برجل : زيد ، مخبرا عنهما : الذي مررت به رجل زيد ، والثاني تقول مخبرا عن المبدل منه : الذي مررت به زيد رجل ، ومخبرا عن البدل : الذي مررت برجل به : زيد ، بإعادة

__________________

(١) كأن يقع هذا الاخبار عن لفظ «الدرهم» في نحو : هذه مائة الدرهم ؛

٣٤

الجار ، لأن المجرور لا منفصل له (١) ، ويجوز أن تقول : برجل هو ، واضعا المرفوع مقام المجرور ؛

والمجوّزون اختلفوا في بدل البعض والاشتمال ، فأجازه الأخفش إذ الضمير نفس ما بعده ؛ ومنعه الزيادي ، (٢) إذ الضمير لا يدل على البعض والاشتمال قبل أن يذكر خبر الموصول ؛

وكخبر عسى وأخواتها ، وكألفاظ التأكيد في الأشهر ، إذ تلك الألفاظ معتبرة في إفادة التأكيد ، وأيضا يبقى خبر الموصول تأكيدا بلا مؤكّد ، وكعطف البيان دون المعطوف ؛ وكالمضاف إليه من الكني والأعلام ، للأناسيّ وغيرها ، كأبي القاسم ، وامرئ القيس ، وابن آوى ، وابن عرس ، وابن قترة ، وابن مقرض ، وأم حبين ، وسام أبرص ؛ إذ المضاف إليه في مثلها صار بالعلمية كبعض حروف الكلمة ، وكذا «قزح» في قوس قزح ، وككل جزء من جزأي المركب نحو : بيت بيت ، وخمسة عشر وبعلبك وكمنذ ومذ ، فإنهما لا يضمران ، وكذا كل ظاهر قام مقام الضمير في نحو : «الحاقة ما الحاقة» (٣) وقوله :

لا أرى الموت يسبق الموت شيء

نغّصّ الموت ذا الغنى والفقيرا (٤) ـ ٦٠

مما اظهاره يفيد التفخيم ؛ ومنع بعضهم الإخبار عن خبر كان ، والأصل جوازه ، لأنه كخبر المبتدأ ؛

ويخرج أيضا ، (٥) ما جاز إضماره لكن الضمير لا يعود إلى ما تقدم من الموصول ، كالمجرور بربّ ، وفاعل نعم وبئس وأخواتهما ، فإن هذه الضمائر لا تجيئ إلا مبهمة مميّزة

__________________

(١) يعني ليس للضمير المجرور صورة منفصلة مثل ما للمرفوع والمنصوب ؛

(٢) هو إبراهيم بن سفيان بن أبي بكر بن زياد بن أبيه ، من علماء القرن الثالث الهجري ، روي عن أبي عبيدة والأصمعي ، وقال السيوطي انه قرأ على سيبويه بعض الكتاب ، ولم يكمله ؛

(٣) أول سورة الحاقة.

(٤) تقدم في الجزء الأول في باب المبتدأ ،

(٥) يعني انه يخرج بالشرط الثاني ، وهو وضع الضمير العائد موضع المخبر عنه ؛

٣٥

بما بعدها ، وكذا كل ضمير مستحق لغيره ، أي استحقه غير الموصول ، كالضمير في : زيد ضربته ، وفي : زيد ضرب ، وفي زيد قائم ، إذ المبتدأ ، استحق الضمير من هذه الأخبار ، فلو قلت : الذي زيد ضربته هو ، فإن بقي الضمير كما كان ، راجعا إلى زيد لم يجز ، لأننا قلنا يجب أن يقوم مقام المخبر عنه ضمير عائد إلى الموصول ، وأيضا تبقى الصلة خالية من عائد إلى الموصول ؛ وقولك «هو» في الأخير ليس في الصلة ، بل هو خبر الموصول ؛ وإن جعلناه عائدا إلى «الذي» بقي خبر المبتدأ ، وهو جملة ، خاليا من عائد إلى المبتدأ ، وقولك «هو» في الأخير ليس في حيّز خبر زيد ؛

قوله : «والاسم المشتمل عليه» أي الاسم الذي أحد جزأيه ضمير مستحق لغير الموصول ، كغلامه ، في : زيد ضربت غلامه ، فإن المضاف مع المضاف إليه ، أعني لفظ «غلامه» مشتمل على الهاء التي استحقها المبتدأ ؛

قوله : «عليه» ، أي على الضمير المستحق لغيره ؛ قيل : إن استغنى بضمير جاز الاخبار عن ضمير آخر ، وإن رجع إلى ذلك المبتدأ ، وذلك كما في زيد ضاربه أخوه ، جاز لك الإخبار عن أي ضمير شئت منهما ؛

وقال الأندلسي : لا يجوز ذلك ، لا لعدم رجوع عائد من الصلة إلى الموصول ، بل لعدم فائدة في الخبر لم يفدها المبتدأ ، لأن في قولك : زيد ضاربه أخوه هو : لفظ «هو» يرجع إلى زيد ، لأنه ضميره وقد أخّر وزيد مذكور في الصدر ، فلا يكون في ذكر ضميره فائدة ؛

وليس ما قال بشيء ، لأن ذكر زيد في الصّدر ، لا يجعل المبتدأ الذي هو الموصول نصّا في زيد ، حتى يخلو الاخبار بزيد عنه من الفائدة ؛

بيان ذلك : أنك إن أخبرت عن هاء «ضاربه» يكون المعنى : الذي ضاربه أخو زيد : زيد ، فقد عرفنا بالمبتدأ أن ههنا شخصا هو مضروب أخي زيد ، فيجوز أن يكون ذلك الشخص زيدا وغيره ، فقولك ، إذن ، في الخبر : زيد ، فيه فائدة مجدّدة ؛ وهي أن زيدا مضروب أخيه ، دون عمرو ، وغيره ؛ وكذا ان أخبرت عن هاء «أخوه» ، يكون المعنى : الذي ضارب زيد أخوه : زيد ، فمضمون الصلة الذي يجب أن يكون معلوما

٣٦

للمخاطب أن ههنا شخصا أخوه ضارب زيد ، فيستفيد من الخبر أن ذلك الشخص نفس زيد ؛

وقال صاحب المغني (١) : لا يجوز الاخبار عن أحد الضميرين ، لأن عودهما على المبتدأ ، سابق على استحقاق الموصول لهما ، ويتوقف المبتدأ على ارتباطهما به كارتباط الضمير الواحد ؛

وليس ، أيضا ، بشيء ، إذ لا يلزم بقاء ما عاد إليه الضمير المخبر عنه بعد الاخبار ، على حاله قبل ؛ بدليل صحة الاخبار عن تاء «ضربت» ونحوه ، ولا يتوقف المبتدأ على ارتباط الضميرين به ، بل يكتفى بأحدهما ؛

فنقول : الأولى جواز الاخبار عن كل واحد من الضميرين ، إذ لا مانع ؛ وكذا يجوز الاخبار عن ضمير عائد إلى ما تقدم ، ان استغنى ذلك المتقدم عن ذلك الضمير ، بأن يكون الضمير في جملة ثانية بعد ذكر المفسّر في جملة أولى لا تعلق لها بالثانية ، كما تقول : زيد أخوك ، ثم تقول : قد ضربته ، فيصح الإخبار عن هاء «ضربته» ؛

وبالشرط الثالث ، وهو تأخير المخبر عنه خبرا ، يخرج كلّ ما لا يصح تأخيره ، كضمير الشأن ، إذ لو أخّرته لم يحصل الإبهام قبل التفسير ، وهو الغرض من الإتيان به كما مرّ ، وكذا كل مبهم مفسّر بما بعده ، كضمير نعم وبئس ، وربّ ؛ ويخرج أيضا ، كل اسم فيه معنى الشرط والاستفهام كمن ، وما ، وأيّهم ، وكذا : كم الخبرية ، وكأيّن ، لتصدرهما ، لما فيهما من معنى الإنشاء ؛ ويخرج ، أيضا ، كل ما لا يجوز رفعه كالظروف غير المتمكنة (٢) ، نحو : عند وسوى ، وذات مرة ، وبعيدات بين ، وكذا : سحر ، وعشاء

__________________

(١) هو منصور بن فلاح اليمني من علماء القرن السابع كان قريب العهد من الوقت الذي ألف فيه الرضى هذا الشرح وقال في كشف الظنون إنه انتهى من تأليف كتابه : المغني في النحو : في سنة ٦٧٢ ه‍ ، وتقدم ذكره في الجزأين السابقين ونقل عنه الرضى أكثر من مرة ، ولم يذكره إلا بهذا الوصف ؛

(٢) اصطلاح النحاة في هذا النوع هو : الظروف غير المتصرفة ، وكذلك قوله الآتي : ظرف متمكن ، يراد به به الظرف المتصرف ،

٣٧

وعتمة ، معيّنات ؛ وكذا المصادر اللازم نصبها ، كسبحان ولبّيك ونحوهما ، قالوا : وإن أخبرت عن ظرف متمكن جئت في ضميره ب «في» ، كما إذا أخبرت عن يوم الجمعة في قولك : سرت يوم الجمعة ، فتقول : الذي سرت فيه : يوم الجمعة ؛ إلا أن يكون الظرف متوسّعا فيه ؛ وهذا القول منهم مبني على أن الضمير لا يكون ظرفا ، وقد قدّمنا ما عليه في باب المفعول فيه ؛ (١)

ولا يمتنع ، على ما قالوا ، الاخبار عن المفعول له ، نحو : الذي ضربت له : تأديب ؛ هذا ، والضمير القائم مقام المخبر عنه ، إن كان المخبر عنه مجرورا فهو بارز متصل ، وإن كان مرفوعا فضميره إمّا مستتر ، كما إذا أخبرت عن «زيد» من : جاء زيد ، وإمّا بارز متصل ، كما إذا أخبرت عن «الزيدان» في : ضرب الزيدان ؛ وإمّا منفصل ، كما إذا أخبرت عن «زيد» في : ما جاءني إلا زيد ؛

وينفصل ، أيضا ، المرفوع المتصل الذي كان في الجملة قبل الاخبار متصلا ، إذا أخبرت بالألف واللام ، وجرت صلته على غير من هي له ، كما إذا أخبرت عن «زيدا» في : ضربت زيدا ، باللام ، فإنك تقول : الضاربه أنا : زيد ، هذا عند النحاة ، وقد تقدم في باب المضمرات أن المنفصل في مثله تأكيد للمستتر لا فاعل ، وقد عرفت مواضع كل واحد من هذه الثلاثة في باب المضمر ، أعني المستتر ، والبارز المتصل والبارز المنفصل فارجع إليه ؛ (٢)

وإن كان منصوبا فضميره إمّا بارز متصل ، كما إذا أخبرت عن : زيدا في ضربت زيدا ، أو منفصل ، كما إذا أخبرت عن «زيدا» في ما ضربت إلا زيدا ؛ لما عرفت من مواقع المتصل والمنفصل ؛

وإذا أخبرت عن أي ضمير كان ، فلا بد من تأخيره مرفوعا منفصلا ، لأنه خبر المبتدأ ،

__________________

(١) في الجزء الأول

(٢) في الجزء الثاني.

٣٨

ثم اعلم أنك إذا أخبرت عن ضمير المتكلم والمخاطب ، فلا بدّ أن يكون الضمير القائم مقامه غائبا، لرجوعه إلى الموصول ، وهو غائب ، كما إذا أخبرت عن أحد ضميري : ضربتك ؛ ولا يجوز الحمل على المعنى ، كما في :

أنا الذي سمّتن أمّي حيدره (١) ـ ٤١٩

لعدم الفائدة ، فلا تقول في الاخبار عن تاء ضربتك : الذي ضربتك أنا ، ولا في الاخبار عن الكاف : الذي ضربتك : أنت ، فليس ، إذن ، قوله :

أنا أنت القاتلي أنت أنا (٢) ـ ٤٢٠

بصحيح الاخبار عن اللام (٣) ؛ على ما تقدمت الإشارة إليه ؛

وإنما اختاروا الاخبار بالذي ، دون من ، وما ، وأيّ ، وسائر الموصولات لأنها أمّ الباب ، وهو أكثر استعمالا ، ولا يكون إلا موصولا ؛

وأمّا الإخبار بالألف واللام ، فاختاروه ، أيضا ، لكثرة التغيير معه بسبك الفعل اسم فاعل أو مفعول ، وإبراز الضمير ، كما في : الضاربه أنا : زيد ، في : ضربت زيدا ، حتى تحصل الدّربة فيه أكثر ؛

ولنذكر حكم الاخبار في التنازع ، فإن فيه بعض الاشكال فنقول : الأولى في باب التنازع : ألّا يغيّر الترتيب ، ويراعى ترتيب المتنازعين على حالهما ما أمكن ، لما مرّ في بيان حقيقة الاخبار (٤) من أنك لا تغيّر الجملة المتضمنة للمخبر عنه ، إلا إذا اضطررت إليه ؛ (٥) فإذا وجّه العاملان من جهة الفاعلية ، وأعمل الثاني نحو : ضرب وأكرم زيد ، قلت مخبرا بالذي عن المتنازع فيه : الذي ضرب وأكرم : زيد ، قام مقام «زيد» ضمير ، فاستتر في «أكرم» ، والضمير في «ضرب» أيضا. يرجع إلى «الذي» ، وقد كان قبل

__________________

(١) تقدم ذكره في باب الموصول ،

(٢) تقدم مع الشاهد الذي قبله ،

(٣) المراد : اللام الموصولة في قوله : القاتلي ، وفي النسخة المطبوعة : عن الكاف ، وهو تحريف ،

(٤) في أول البحث

(٥) أي إلى التغيير ،

٣٩

راجعا إلى زيد ، إذ لم يمكن ههنا تنازع الفعلين في الضمير القائم مقام المخبر عنه ، كما كان في المخبر عنه ، لما ذكرنا في باب التنازع ، أنه لا تنازع في الضمير المتصل ؛ (١)

وتقول بالألف واللام ، عند الرمّاني (٢) وابن السرّاج وجماعة من المتأخرين : الضارب وأكرم : زيد ، عطفت الفعل الصريح وهو «أكرم» على «ضارب» لأنه أيضا ، فعل لكن في صورة الاسم على ما قدمنا ؛

والأخفش يدخل اللام في مثله على الفعلين ، (٣) ويأتي بالمخبر عنه في الأخير خبرا عن الموصولين فيقول : الضارب والمكرم : زيد ، كما يقول : العاقل والكريم زيد ، وكأنه في الأصل من باب عطف الصفة على الصفة ، لأن «العاقل» موصوفه مقدّر ، فهو مثل قوله :

إلى الملك القرم وابن الهما

م وليث الكتيبة في المزدحم (٤) ـ ٧٤

وعزى الرمّاني إلى المازني ، وليس في كتابه (٥) ، أنه يجعل الكلام جملتين اسميتين كما كان في الأصل فعليتين ، لأن المبتدأ والخبر ، نظير الفعل والفاعل ، فنقول في مسألتنا عند إعمال الثاني : الضارب هو والمكرم : زيد ؛

وأوّل المذاهب أولى ، لأنه أقلّ تغييرا ، ثم الثاني أولى من الثالث ، لمثل ذلك ؛ وما ذكر من قصد التشاكل بالإتيان بالاسميتين في الفرع ، مكان الفعليتين في الأصل ، فممّا لا يرجح به على المذهب الأول ، إذ عطف الفعلية على الفعلية فيه ، باق في الحقيقة مع قلة التغيير ؛

وأمّا أبو الحسن (٦) ، فله أن يقول : الجملتان في الأصل صارتا كالواحدة من حيث

__________________

(١) انظر هذا الباب في الجزء الأول ،

(٢) أبو الحسن علي بن عيسى الرماني من علماء القرن الرابع ، وهو أشهر من يطلق عليهم هذا الاسم وتقدم له ذكر ؛

(٣) أي بعد تحويلهما إلى اسمي فاعل ،

(٤) تقدم ذكره في باب المبتدأ والخبر ،

(٥) المراد : كتابه في علل النحو ، وهو من أشهر ما ألف المازني ، وله أيضا كتاب التصريف الذي شرحه ابن جني

(٦) المراد به الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة وتكرر ذكره ،

٤٠