شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

نحو : من ، وما ، يقع مواقع «كم» ، مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ،.

فالمرفوع ، إمّا مبتدأ ، نحو : من ضرب؟ ومن قام قمت ، وإمّا خبر ، ولا يكون إلا استفهاما ، نحو : من أنت؟ وما دينك؟

والمنصوب إمّا مفعول به ، نحو : من لقيت؟ وما فعلت؟ ، ومن ضربت أضربه ، وما فعلت أفعله ، ولا يقع غير ذلك من المنصوبات ، استقراء ،

والمجرور نحو : غلام من أنت؟ وبمن مررت؟ ، وغلام من تضرب أضرب ، وبمن نمرر أمرر ؛

والنظر في كلمات الشرط ، نحو من ، وما ، إلى الشرط لا إلى الجزاء ، فإن كان الشرط مسندا إلى ضميرها أو متعلقه ، متعديا كان أو لازما ، فهي مبتدأة ، نحو : من جاءك فأكرمه ، ومن ضربك غلامه فاضربه ، وإن كان متعديا ناصبا لضميرها أو لمتعلق ضميرها نحو : من ضربته يضربك ، أو من ضربت غلامه يضربك ، فالأولى كونها مبتدأة ، ويجوز انتصابها بمضمر يفسّره الظاهر ؛

وإن كان متعديا غير مشتغل عنها بضميرها ، ولا بمتعلّق ضميرها ، فهي منصوبة ، نحو : من ضربت ضربت ، ويجوز كونها مبتدأة على ضعف ، (١)

ولو جوّزنا عمل الجزاء في أداة الشرط ، كما هو مذهب بعضهم في : متى جئتني جئتك ، على ما يجيئ في الظروف المبنية ، لجاز أن تكون في نحو : من جاء فأكرم ، ومن ضرب زيدا فاضرب : منصوبة المحل بكونها مفعولة للجزاء ، وأن تكون في نحو : من جاءك فاضربه ، منصوبة المحلّ بفعل مضمر يفسّره الجزاء ، لكن الحقّ أن الجزاء لا يعمل في أداة الشرط ، فلا يفسّر عاملها أيضا ، لأن ما لا يعمل ، لا يفسر العامل ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير ؛

والسرّ في جواز عمل الشرط في أداته دون الجزاء : أن الأداة من حيث طلبها للصدر ،

__________________

(١) لأن فيه حذف العائد من الخبر الفعلي وهو ضعيف كما تقدم قبل قليل ؛

١٦١

كان القياس : ألّا يعمل فيها لفظ أصلا ، وإن كان متأخرا لأن مرتبة العامل : التقدم من حيث كونه عاملا ، فيصير لها مرتبة التأخر من حيث المعمولية ، مع تقدمها لفظا ، لكنهم جوّزوا أن يعمل فيها ما حقه أن يليها بلا فصل كالشرط ، وأمّا الجزاء ، فلفرط تأخره عنها ، لم يجوّزوا عمله فيها ، سواء كانت الأداة ظرفا ، كمتى ، وأين ، أو غيره ، كمن ، وما ؛

والدليل على أنه لا يعمل الجزاء فيها : أنه لم يسمع مع الاستقراء نحو : أيّهم جاءك فاضرب ، بنصب «أيّهم» ؛

وإن قلنا ان حرف الشرط مقدّر قبل كلماته ، كما هو مذهب سيبويه ، فكلماته ، إذن ، معمولة لفعل مقدّر يفسّره ما بعده أبدا ، سواء كانت مرفوعة ، أو منصوبة ، إذ حرف الشرط لا يدخل إلا على فعل ظاهر أو مقدر ، كما يجيئ في قسم الأفعال ، وذلك عند البصريين ؛

ولا يلزم مثل ذلك في كلمات الاستفهام ، لأن همزة الاستفهام تدخل على الفعل والاسم ؛

[حذف التمييز]

[وأحكام أخرى]

[قال ابن الحاجب :]

«وفي تمييز :

٤٨١ ـ كم عمة لك يا جرير وخالة

 ...»

«ثلاثة أوجه ، وقد يحذف في مثل : كم مالك؟ وكم ملكت»

[قال الرضى :]

البيت للفرزدق ، وتمامه :

١٦٢

.............................

فدعاء قد حلبت على عشارى (١)

الفدعاء : المعوجّة الرّسغ ، من اليد أو الرجل ، فتكون منقلبة الكفّ ، أو القدم إلى أنسيّهما (٢) ، يعني أنها لكثرة الخدمة صارت كذلك ، أو : هذا خلقة بها ، نسبها إلى شوه الخلقة ؛ (٣) وإنما عدّى «حلبت» بعلى ، لتضمين «حلبت» معنى : ثقلت ، أو تسلّطت ، أي كنت كارها لخدمتها ، مستنكفا عنها ، فخدمتني على كره مني ؛

ووجه النصب في «عمة» ، كون «كم» خبرية ، على ما تقدم من جواز نصب مميزها عند بعضهم ، أو استفهامية ، وإن لم يرد معنى الاستفهام ، لكنه على سبيل التهكم ، كأنه يقول : نفس الحلب ثابت ، إلا أنه ذهب عني عدد الحلبات ؛ والجر ، على أن «كم» خبرية ، والرفع ، على حذف التمييز ، امّا مصدرا بتقدير : كم حلبة ، نصبا وجرا ، فالنصب على الاستفهام على سبيل التهكم ، والجر على الاخبار ؛ وإما ظرفا بتقدير : كم مرة ، نصبا على التهكم وجرا على الأخبار ؛ فترتفع «عمة» بالابتداء ؛ و : «لك» ، صفتها ، والخبر : قد حلبت ، و «كم» في الوجهين منصوبة المحل ، امّا مفعول مطلق لخبر المبتدأ ، أو ظرف له ، كما تقول : أضربتين زيد ضرب؟ و : أمرّتين زيد ضرب؟ ؛ واعلم أن مميز «كم» لا يكون إلا نكرة ، استفهاما كان ، أو ، لا ؛

أمّا الاستفهامية ، (٤) فلوجوب تنكير المميز المنصوب ، وأمّا الخبرية ، فلأنها كناية عن عدد مبهم ، ومعدود كذلك ، والغرض من الإتيان بالمميز : بيان جنس ذلك المعدود المبهم فقط ، وذلك يحصل بالنكرة ، فلو عرّف ، وقع التعريف ضائعا ؛

و «كم» في حالتيها ، مفرد اللفظ ، مذكر ، قال الأندلسي ، فيجوز الحمل على

__________________

(١) هو ، كما قال الشارح للفرزدق في هجاء جرير ، وهي قصيدة امتلأت بالفحش والسبّ المقذع ، والبيت مشهور متداول في جميع كتب النحو ؛

(٢) أي إلى جانبه الأيمن أو الأيسر ، على خلاف بين علماء اللغة في تحديد معنى الانسيّ والوحشيّ ؛

(٣) أي تشوّه الخلقة ؛

(٤) يعني : أما سبب التنكير في مميز الاستفهامية ؛ وكذلك في مقابله الآتي ؛

١٦٣

اللفظ ، نحو : كم رجلا جاءك ، مع أن المسئول عنه مثنى أو مجموع ، ويجوز الحمل على المعنى ، نحو : كم رجلا جاءاك أو جاؤوك ، وكذا الخبرية ؛

وقال بعضهم : «كم» مفرد اللفظ مجموع المعنى ، ككلّ ؛ فينبغي على هذا ألّا يعود إليه ضمير المثنى ، وهو الحق ، لأنه لو جاز أن يستفهم بكم عن عدد الجماعة الذين جاؤوا المخاطب مفصّلين رجلين رجلين ، لوجب أن يقال : كم رجلين جاءاك ، لأنك إذا قصدت تفصيل جماعة على مثنى أو مجموع ، وجب التصريح بالتثنية والجمع ، كما في : أفضل رجلين ، وأيّ رجلين ، وأفضل رجال ، وأيّ رجال ، على ما مرّ في باب الإضافة ، ولم يسمع : كم رجلين ، لا استفهاما ولا خبرا ؛

ويجوز : كم امرأة جاءتك ، وجئنك وجاءك ، حملا على اللفظ والمعنى ، ولا يجوز أن يكون الضمير عائدا إلى التمييز ، لبقاء المبتدأ بلا ضمير من الخبر وهو جملة ؛ ولا تقول : كم رجلا ونساء جاؤوك ، بعطف المجموع على مميز الاستفهامية عند البصريين ؛ وأمّا قولك : كم شاة وسخلتها ، وكم ناقة وفصيلها ، فلكون المعطوف أيضا نكرة ، على ما نبيّن في باب المعارف ؛

وقد جوّز بعض النحاة ، نحو : كم رجلا ونساء ، لأنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع ، كما في قوله :

الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّى خلفها أطفالها (١) ـ ٢٨٥

وقد ذكرنا ضعف ذلك في باب العطف عند قوله : والمعطوف في حكم المعطوف عليه ؛ وتقول : لقيت امرأة ، وكم رجلا وهي جاءاني ، عطفا على «كم» ، ولا يجوز : كم رجلا وايّاها ، بالعطف على التمييز ، لأن المرأة الملقيّة ذات واحدة ، فلا يدخل فيها التقليل والتكثير ؛

__________________

(١) تقدم في الجزء الثاني ، في باب الإضافة ؛

١٦٤

وأمّا «كأيّن» ، فنقل أبو سعيد السيرافي عن سيبويه (١) أنه بمعنى «ربّ» ، لا بمعنى «كم» ، قال : لأنه يستقيم : كم لك ، ولا يستقيم : كأيّن لك ، كما لا يستقيم : ربّ لك ؛

وليس بدليل واضح ، لأن «كم» لكثرة استعمالها ، دون «كأيّن» ، جاز حذف مميزها ، وأمّا «ربّ» فحرف جر (٢) ، لا يحذف مجروره ؛

ولم أعثر على منصوب بعد «كأين» ؛ (٣)

وقال بعضهم : يلزم ذكر «من» بعدها ، ولعلّ ذلك لأنه لو لم يؤت بمن ، وجب نصب مميزها لمجيئه بعد المنون ، فكان مميزها كمميز «كم» الاستفهاميه مع أنها بمعنى «كم» الخبرية ؛

وقد جاء «كأيّن» في الاستفهام قليلا ، دون «كذا» ، ومنه قول أبيّ بن كعب ، لزرّ بن حبيش (٤) : كأيّن تعدّ سورة الاحزاب ، أي : كم تعدّ؟ فاستعملها استفهامية ، وحذف مميزها ، وهما قليلان ؛

ويلزمها التصدر ، دون «كذا» ، لما قلنا في «كم» الخبرية ؛

وورود «كذا» مكررا مع واو ، نحو : كذا وكذا : أكثر من افراده ، ومن تكريره بلا واو ؛ ويكنى به عن العدد ، نحو : عندي كذا درهما ، وعن الحديث ، نحو : قال فلان كذا ، ولا دلالة فيه على التكثير ، اتفاقا ؛

وكنى بعضهم بكذا ، المميز بجمع ، نحو : كذا دراهم ، عن ثلاثة وبابها ؛ وبالمكرر

__________________

(١) كونها بمعنى ربّ ، صريح في كلام سيبويه ١ / ٢٩٨ وفي تعليق للسيرافي بهامش الطبعة الأولى من الكتاب : ترجيح لمذهب سيبويه ؛

(٢) للرضى رأي في أن ربّ اسم ، ولكن جرى هنا على مذهب الجمهور ؛

(٣) نقله سيبويه عن يونس في الكتاب ١ / ٢٩٧ ؛

(٤) المشهور أن السائل وجّه السؤال إلى عبد الله بن مسعود ؛ رضي الله عنه ؛

١٦٥

دون عطف عن أحد عشر وبابه ، وبالمكرر مع العطف عن أحد وعشرين وبابه ؛ وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ، فطابقوا به العدد ، حتى أجازوا : كذا درهم بالجر ، حملا على : مائة درهم ؛ وهذا خروج عن لغة العرب ، لأنه لم يرد مميز «كذا» في كلامهم مجرورا ؛

والشافعي رحمه الله ، لا ينظر في تفسير الألفاظ المبهمة إلى ما يناسبها من ألفاظ العدد المفصّلة ، لأن المفصلة تدل على كميّة العدد نصا ، والمبهمة لا تدل عليه ، بل يلزم بالإقرار المبهم ما هو يقين ، وهو الأقل ، فيلزم في نحو : كذا درهما: درهم واحد ؛ وهو الحقّ ؛

وإعراب «كذا» و «كأين» : كما قلنا في «كم» ، ولا نقول ان الكاف فيهما ، وحده ، في محل الإعراب ، لأن الجزأين صارا بالتركيب ككلمة واحدة ، كما تقدم ؛

ولا منع من تقدير الإعراب على الكافين اعتبارا للأصل ؛

١٦٦

[الظروف]

[بيان المقطوع منها]

[عن الإضافة]

[قال ابن الحاجب :]

«الظروف ، منها ما قطع عن الإضافة ، كقبل ، وبعد ،»

«وأجري مجراه : لا غير ، وليس غير ، وحسب» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن المسموع من الظروف المقطوعة عن الإضافة : قبل ، وبعد ، وتحت ، وفوق ، وأمام ، وقدّام ، ووراء ، وخلف ، وأسفل ، ودون ، وأوّل ، ومن عل ، ومن علو ،

ولا يقاس عليها ما هو بمعناها نحو يمين ، وشمال وآخر ، وغير ذلك ،.

وينبغي أن تعرف أنه يحذف المضاف إليه ، ويورد المحذوف مضافا إليه اسم تابع للمضاف الأول ، نحو قوله :

إلا علالة أو بدا

هة سابح نهد الجزارة (١) ـ ٢٣

وإن لم يورد ، فلا يحذف إلا مما هو دال على أمر نسبيّ لا يتم إلا بغيره ، كقبل وبعد ، وأخواتهما المذكورة ، وكل ، وبعض ، وإذ ، ومع هذا ، لا يحذف إلا إذا قامت قرينة على تعيين ذلك المحذوف ؛

__________________

(١) هو من شعر الأعشى ، ميمون بن قيس ، وتقدم ذكره في الجزء الأول ؛

١٦٧

وإنما بنيت هذه الظروف عند قطعها عن المضاف إليه لمشابهتها الحرف ، لاحتياجها إلى معنى ذلك المحذوف ؛

فإن قلت : فهذا الاحتياج حاصل لها مع وجود المضاف إليه ، فهلّا بنيت معه ، كالأسماء الموصولة : تبنى مع وجود ما تحتاج إليه من صلتها؟

قلت : لأن ظهور الإضافة فيها يرجح جانب اسميتها ، لاختصاصها بالأسماء ؛

أمّا «حيث» ، و «إذا» ، فإنها ، وإن كانت مضافة إلى الجمل الموجودة بعدها ، إلا أن إضافتها ليست بظاهرة ، إذ الإضافة في الحقيقة إلى مصادر تلك الجمل ، فكأن المضاف إليه محذوف ؛

ولمّا أبدل في كل ، وبعض ، التنوين من المضاف إليه ، لم يبنيا ، إذ المضاف إليه كأنه ثابت بثبوت بدله ،

وإنما اختاروا البناء في هذه الظروف دون التعويض ، لأنها قليلة التصرف ، أو عادمته ، على ما مرّ في المفعول فيه ؛ وعدم التصرف يناسب البناء ، إذ معناه ، أيضا ، عدم التصرف الإعرابي ، ويجوز ، أيضا ، في هذه الظروف ، لكن على قلة : أن يعوّض التنوين من المضاف إليه فتعرب ، قال :

٤٨٢ ـ ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة

فما شربوا بعدا على لذة خمرا (١)

وقال :

فساغ لي الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢) ـ ٦٨

__________________

(١) روي الأسد ، وأسد خفيّة ، على أنه جمع أسد ، والصواب ما أورده الشارح ، وأزد شنوءة إحدى قبائل اليمن ولم يذكر شيء عن نسبة هذا البيت إلا أنه جاء عن الفراء ، أنه لبعض بني عقيل ؛ وقال البغدادي ان رواية أسد خفية تحريف ، وخفية موضع تكثر فيه الأسود ، قال لأنه لا يتلاقى مع ما بعده من بقية البيت ، ، فأما : الأسد أسد شنوءة بفتح الهمزة وبالسين فيكون من إبدال الزاي سينا في الأزد ، وأزد شنوءة ؛

(٢) تقدم في الجزء الأول وفيه رواية : بالماء الفرات .. وقيل ان كلّا من الروايتين في شعر مستقل ؛

١٦٨

ومنه القراءة الشاذة : (١)(لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ) (٢) ، ويقال : ابدأ به أوّلا ، فعلى هذا، لا فرق في المعنى بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة ، وما بني منها ، وهو الحق ؛

وقال بعضهم : بل أعربت لعدم تضمن معنى الإضافة ، فمعنى : كنت قبلا : أي قديما ، وابدأ به أوّلا : أي متقدما ؛ ومعنى من قبل ومن بعد : أي متقدما ؛ ومتأخرا ، لأن «من» زائدة ،

قيل : ويجوز تنوين هذه الظروف المضمومة لضرورة الشعر ، مرفوعة ومنصوبة ، نحو : جئتك قبل وقبلا ، كما قيل في المنادى المضموم : يا مطر ويا مطرا (٣) ، فيجوز أن يكون قوله : فما شربوا بعدا ، وقوله : وكنت قبلا : من هذا ؛

وسمّيت هذه الظروف المقطوعة عن الإضافة : غايات ، لأنه كان حقها في الأصل ألّا تكون غاية ، لتضمنها المعنى النسبي ، بل تكون الغاية هي المنسوب إليه ، فلما حذف المنسوب إليه ، وضمنت معناه ، استغرب صيرورتها غاية لمخالفة ذلك لوضعها ، فسمّيت بذلك الاسم لاستغرابه ، ولم يسمّ : كل ، وبعض ، مقطوعي الإضافة غايتين ، لحصول العوض عن المضاف إليه ؛

وتقول : جئته من عل معربا أيضا ، كعم (٤) ، ومن عال ، كقاض ، ومن معال كمرام ، ومن علا ، كعصا ، ومن علو ، مفتوح الفاء مثلث اللام (٥) ، فإذا بنيت «عل» على الضم وجب حذف اللام أي الياء ، نسيا منسبا ، إذ لو قلت : علي ، لاستثقلت الضمة على الياء ، ولو حذفتها وقلت : من علي ، لم يتبيّن كونها مبنية على الضم كأخواتها ؛

__________________

(١) هي قراءة الجحدري وأبي الشمّال ؛

(٢) الآية ٤ سورة الروم ؛

(٣) إشارة إلى قول الشاعر المتقدم في باب النداء في الجزء الأول :

سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام

(٤) صفة مشبهة من عمي فهو عم مثل فرح فهو فرح ؛

(٥) أي لام الكلمة وهي الواو ، أما اللام التي في وسط الكلمة فهي ساكنة ؛

١٦٩

وأمّا نحو : يا قاضي ، فاطراد الضم في المنادى المفرد المعرفة يرشد إليه ، وإذا قصدت بناء «علو» ساكنة العين ، وجب فتح الفاء وكان مع الإعراب يجوز ضمه وكسره ، تقول : علو الدار ، كما تقول : سفلها ؛

أما جواز بناء «علو» على الفتح ، نحو : من علو ، من دون سائر الغايات فلثقل الواو المضمومة ، وأمّا الكسر فيه نحو : من علو ، فإمّا لتقدير المضاف إليه ، كما في قوله :

خالط من سلمى خياشيم وفا (١) ـ ٢٣٢

وقولهم : ليس غير بالفتح ، على ما مرّ في الاستثناء (٢) ؛

فعلى هذا ، لا يكون هذا الكسر إلا مع جارّ قبله ، أو مع الإضافة إلى ياء الضمير ؛ وإمّا لبنائه على الكسر ، استثقالا للضمة ؛ وأمّا الضم نحو : من علو فعلى قياس سائر الغايات ، ويروى بيت أعشى باهلة :

٤٨٣ ـ إني أتتني لسان لا أسر بها

من علو ، لا عجب منها ولا سخر (٣)

بضم واوها ، وكسرها ، وفتحها ؛

وبناء الغايات على الحركة ليعلم أن لها عرقا في الإعراب ، وعلى الضم ، جبرا بأقوى الحركات لما لحقها من الوهن بحذف المحتاج إليه ، أعني المضاف إليه ؛ أو ليكمل لها جميع الحركات ، لأنها في حال الإعراب ، كانت في الأغلب غير متصرفة ، فكانت إمّا مجرورة بمن ، أو منصوبة على الظرفية ، أو لتخالف حركة بنائها حركة إعرابها ؛

قوله : «وأجري مجراه : لا غير ، وليس غير ، وحسب» شبه «غير» بالظروف

__________________

(١) تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛

(٢) في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛

(٣) مطلع قصيدة لأعشى باهلة ، في رثاء أخيه : المنتشر بن وهب الباهلي وتقدم منها في ما لا يتصرف قوله :

أخو رغائب يعطيها ويسألها

يأبى الظلامة منه النوفل الزفر

وهي قصيدة من جيد شعره ، وآخرها :

إما سلكت سبيلا كنت سالكه

فاذهب فلا يبعدنك الله ، منتشر

١٧٠

والغايات لشدة الإبهام الذي فيها ، كما في الغايات لكونها جهات غير محصورة ؛ ولإبهام «غير» ، لا تتعرف بالإضافة ، وهي أشد إبهاما من «مثل» ، فلذا لم يبن «مثل» على الضم ؛

ولا يحذف منها المضاف إليه ، إلا مع «لا» التبرئة ، و «ليس» ، نحو : افعل هذا لا غير ، وجاءني زيد ليس غير ، لكثرة استعمال «غير» ، بعد لا ، وليس ؛

و «غير» التي بعد «ليس» بمعنى «الّا» ، وقد تقدم أنه يحذف المستثنى بعد «إلا» التي بعد «ليس» ؛

والمضاف إليه المحذوف في : ليس غير ، هو المستثنى المحذوف في نحو : جاءني زيد ليس إلا ، فلما حذف منها المضاف إليه ، بنيت على الضم لمشابهتها للغايات بالإبهام ؛

وأمّا حسب ، فجاز حذف ما أضيف إليه لكثرة الاستعمال ، وبني على الضم ، تشبيها بغير ، إذ لا يتعرّف بالإضافة مثله ، كما مرّ في باب الإضافة ؛

[الظروف المضافة]

[إلى الجمل]

[قال ابن الحاجب :]

«ومنها : حيث ، ولا يضاف إلا إلى جملة في الأكثر» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن الظروف المضافة إلى الجمل على ضربين :

إمّا واجبة الإضافة إليها بالوضع ، وهي ثلاثة لا غير ، حيث في المكان ، وإذ ، وإذا في الزمان ، على خلاف في «إذا» ، هل هي مضافة إلى الجملة التي تليها ، أو ، لا ، كما يجيئ ؛

١٧١

وحيث ، وإذ ، يضافان إلى الفعلية والاسمية ، وأمّا إذا ، ففي جواز إضافته إلى الاسمية خلاف ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير ؛

وإمّا جائزة الإضافة إلى الجملة ، ولا تكون إلا زمانا مضافا إلى جملة مستفاد منها أحد الأزمنة الثلاثة ، اشترط ذلك ليتناسب المضاف والمضاف إليه في الدلالة على مطلق الزمان ، وإن كان الزمانان مختلفين ؛

وإنما احتيج إلى هذا التناسب ، لأن الإضافة إلى الجملة على غير الأصل ، إذ المضاف إليه في الحقيقة هو المصدر الذي تضمنته نفس الجملة ، فعلى هذا ، لا يجوز إضافة مكان إلى جملة ، لأن الجملة لا يستفاد منها أحد الأمكنة معيّنا كما يستفاد منها أحد الأزمنة ؛

فإذا تقرر هذا قلنا : الأصل أن يضاف الزمان إلى الفعلية ، لدلالة الفعل على أحد الأزمنة وضعا ، فلذا كانت إضافة الزمان إلى الفعلية أكثر منها إلى الاسمية ؛

والاسمية المضاف إليها إمّا أن يستفاد الزمان منها بكون ثاني جزأيها فعلا ، كقوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(١) ، أو بكون مضمونها مشهور الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة وإن كان جزآها اسمين ، إمّا في الماضي نحو : أتيتك حين الحجّاج أمير ، أو في المستقبل نحو : لآخذنّك حين لا شيء لك ، قال تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ)(٢) ؛

وقال المبرد في الكامل : لا يضاف الزمان الجائز الإضافة إلى الاسمية إلا بشرط كونها ماضية المعنى ، حملا على «إذ» الواجبة الإضافة إلى الجمل ؛

وقوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، وقوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) ، يكذبه ؛ (٣) هذا الذي ذكرنا كله ، إذا أضيف الزمان إلى جملة هو في المعنى ظرف مصدرها كما رأيت ، فإن لم يكن الزمان ظرفا للمصدر ، بل كان إمّا قبله ، أو بعده ، فلا يكون

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الذاريات.

(٢) من الآية ١٦ سورة غافر ؛

(٣) يقصد بهذا الرد على المبرد بالآيتين السابقتين ؛

١٧٢

له مع الجملة من الاختصاص ، ما يكون لظرف مصدرها ، فلا يستعمل إلا مع حرف مصدري ، كأن وأنّ وما ، قبل الجملة ، قال الله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) ، (١) و : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٢) ، و : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) ، (٣) ونحو ذلك ؛

وأمّا إضافة «ريث» إلى الجملة الفعلية نحو : توقّف ريث أخرج إليك ، فلكونه مصدرا بمعنى البطء ، مقاما مقام الزمان المضاف ، والأصل : ريث خروجي ، أي مدة أن يبطئ خروجي حتى يدخل في الوجود ، والمعنى : إلى أن أخرج ، فهو نحو : آتيك خفوق النجم ؛ فلما قام مقام الزمان ، جاز إضافته إلى الفعلية ؛

وكذا «آية» بمعنى علامة ، يجوز إضافتها إلى الفعلية لمشابهتها الوقت لأن الأوقات علامات ، يوقت بها الحوادث ، ويعيّن بها الأفعال ، لكن لمّا كان «ريث» و «آية» دخيلين في معنى الزمان أضيفا إلى الفعلية في الأغلب مصدّرة بحرف مصدرى ، قال :

٤٨٤ ـ بآية يقدمون الخيل شعثا

كأن على سنابكها مداما (٤)

وقال :

٤٨٥ ـ ألا من مبلغ عني تميما

بآية ما يحبّون الطعاما (٥)

وتقول: أقم ريثما أخرج؛ فإذا جاز أن يضاف الزمان إلى الفعلية مع حرف مصدري ،

__________________

(١) الآية ٤٧ سورة النساء ؛

(٢) الآية ١١٧ سورة التوبة ؛

(٣) الآية ١٤٣ سورة آل عمران ؛

(٤) في سيبويه : ١ / ٤٦٠ ؛ ولم يذكر في كتاب سيبويه المطبوع أنه للأعشى كما قال البغدادي ، وكذلك لم يذكر أحد ممن أورده نسبته لأحد من الشعراء ، وقد شبه ما يسيل من الخيل من العرق إذا تعبت ، بالمدام أي الخمر ؛

(٥) هذا أيضا في سيبويه : ١ / ٤٦٠ ، وفيه أنه ليزيد بن الصعق ، وقال البغدادي ان صواب الرواية : بآية ما بهم حبّ الطعام ، وأورد بعده :

أجارتها أسيد ثم غارت

بذات الضرع منها والسنام ؛

ونسب إلى الدماميني قوله ان هذا البيت مرتبط بما قبله ، ورد ذلك باختلاف المعنى فضلا عن اختلاف القافية ؛ كما تقدم ؛ وكانت بنو تميم تعير بحبها للطعام ولذلك قصة طويلة ؛

١٧٣

على ما نقله الكوفيون ، على ما يجيئ ، فكيف بما يشابهه ،

ويضاف «ذو» أيضا ، معربا كإعرابه في نحو : ذو مال ، بالألف والواو ، والياء إلى الفعلية في قولهم : اذهب بذي تسلم ، واذهبا بذي تسلمان واذهبوا بذي تسلمون ، فقال بعضهم هو شاذ ، وذي صفة للأمر ، أي اذهب مع الأمر ذي السلامة ، أي مع الأمر الذي تسلم فيه والباء بمعنى «مع» ،

وقال السيرافي : الموصوف بذي : الوقت ، أي اذهب في الوقت ذي السلامة ، أي في وقت تسلم فيه ، والباء بمعنى «في» ، فلا تكون الإضافة شاذة ، لأنه كالزمان المضاف إلى الفعل ؛

وقال بعضهم : هو : ذو ، الطائيّة ، أعربت ؛ وهو بعيد ، لما مرّ في الموصولات من أنها بالواو في الأحوال ، على الأشهر ؛

وربما استعملت «ذو» في الإضافة إلى الفعل أجمع (١) ، استعمالها مضافة إلى الاسم ، نحو : جاءني ذو فعل ، وذوا فعلا ، وذووا فعلوا ، وذات فعلت ، وذواتا فعلتا ، وذوات فعلن ؛ ويحتمل أن تكون طائية ، على ما حكى ابن الدهان (٢) ، كما مرّ في الموصولات ، وأن تكون بمعنى صاحب ، أضيفت إلى الفعل شاذا ؛

وقال سيبويه : إذا كان أحد جزأي الجملة التي تلي «حيث» و «إذا» ، فعلا ، فتصدير ذلك الفعل أولى ، لما فيها من معنى الشرط وهو بالفعل أولى ، فحيث يجلس زيد ، أولى من : حيث زيد يجلس ؛

وفيما ذكر من ذلك في «إذا» ، نظر ، لكثرة نحو قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٣) ، و : «إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ» ؛ (٤)

__________________

(١) يعني جميع صيغ الفعل المسند إلى المفرد والمثنى .. الخ ، كما سيمثل ؛

(٢) ابن الدهان ، تقدم ذكره في هذا الجزء ؛

(٣) أول آية في سورة الانشقاق.

(٤) الآيتان ١ ، ٢ سورة الانفطار ؛

١٧٤

وأمّا الكلام في بناء «حيث» فسيأتي بعد ،

وقد يشبّه «غير» و «مثل» ، بالظروف المضافة إلى الجمل لزوما ، أعني : حيث ، وإذ ، وإذا ؛ وذلك لأنهما نسبيّان مثلها ، ولأنه لا حصر فيهما ، كما أنها غير محصورة بحدود حاصرة ، انحصار اليوم ، والدار ، فيضافان إلى الجملة ؛ لكن لمّا كانا مشبّهين بها تشبيها بعيدا ، لم يضافا إلى صريح الفعل ، إضافتها إليه ، بل إلى جملة مصدرة بحرف مصدري ، كقوله تعالى : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١) ، وقوله :

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (٢) ـ ٢٢٨

وقوله :

غير أني قد أستعين على الهم

مّ إذا حفّ بالثويّ النجاء (٣) ـ ٢٢٩

وإنما صدّر ما أضيفا إليه بحرف مصدري ، دون ما أضيف إليه الزمان الجائز إضافته إلى الجملة ، وإن كانت الإضافة إليها في كلا القسمين غير لازمة ، لأن التناسب بين الزمان المضاف إلى الجملة ، والجملة المضاف إليها في دلالتهما على الزمان ، وكون الزمان ظرفا لمصدر الجملة المضاف إليها [أغنيا عن الحرف المصدري](٤) ، وليسا بموجودين في : مثل ، وغير ، فاحتيج معهما إلى الحرف المصدري ، مع أنه نقل الكوفيون عن العرب أنها تضيف الظروف ، أيضا ، إلى ، أن ، المشدّدة والمخففة ، نحو : أعجبني يوم أنك محسن ، ويوم أن يقوم زيد ، فإن صح النقل ، جاز في تلك الظروف : الإعراب والبناء ، كما في : «مثل ما أنكم تنطقون» ، وغير أن نطقت ، على ما يأتي ،

واختلف في كون الظروف مضافة إلى ظاهر الجملة ، أو إلى المصدر الذي تضمنته ؛ والنزاع في الحقيقة منتف ، لأن الإضافة في اللفظ إلى ظاهر الجملة بلا خلاف ، ومن حيث المعنى إلى مصدرها ، لأن معنى يوم قدم زيد ، يوم قدومه ، ولو كان مضافا في الحقيقة

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الذاريات ؛

(٢) تقدم ذكره في باب الاستثناء ؛

(٣) تقدم أيضا في باب الاستثناء ؛

(٤) زيادة موجودة في بعض النسخ وإثباتها مفيد في بيان المعنى.

١٧٥

إلى ظاهر الجملة ، وهي خبر ، لكان المعنى : يوم هذا الخبر المعيّن ، وأيضا ، الإضافة في المعنى لتخصيص الزمن ، ولا بدّ في الإضافة المفيدة للتخصيص من صحة تقدير لام التخصيص ، واللام يتعذر دخولها على الجملة ؛

قال صاحب المغني : (١) يتصرّف الظرف المضاف إلى الجملة ، فيصح أن يقال : جئتك يوم قدم زيد ، الحارّ أو البارد ، على أن يكون (٢) صفة ليوم ،

قلت : ومع غرابة هذا الاستعمال وعدم سماعه ، ينبغي ألّا يتعرف المضاف إذا كان الفاعل في الفعلية ، أو المبتدأ في الاسمية ، نكرة ، نحو : يوم قدم أمير ، ويوم أمير كبير قدم ، إذ المعنى : يوم قدوم أمير ؛

ثم اعلم أنه يضاف الزمان ، أو «حيث» ، إلى الجملة ، وإن لم يكن ظرفا ، أي منصوبا بتقدير «في» ، قال الله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(٣) ، و : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ)(٤) ، بالرفع ، و : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٥) ، وهو مفعول ليعلم مقدرا ؛ وقال :

٤٨٦ ـ بأذلّ حيث يكون من يتذلل (٦)

__________________

(١) منصور بن فلاح اليمني وتقدم ذكره ؛

(٢) أي لفظ الحار والبارد ؛

(٣) الآية ١١٩ سورة المائدة ؛

(٤) الآية ٣٥ سورة المرسلات ؛

(٥) الآية ١٢٤ سورة الأنعام ؛

(٦) من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير ، وهي القصيدة التي يقول فيها :

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعز وأطول

والشطر الذي أورده الشارح آخر بيتين مرتبطين في المعنى ، وهما :

إنا لنضرب رأس كل قبيلة

وأبوك خلف أتانه يتقمّل

يهز الهرانع عقده عند الخصي

بأذلّ حيث يكون من يتذلل

يتقمّل : يستخرج من جسمه القمل ، ويهز مضارع وهز ، مثل يعد من وعد ، والهرانع جمع هرنع بكسر الهاء والنون أو بضمهما صغار القمل ، وعقده : فاعل بهز ، ومعناه عقد أصبعيه السبابة والابهام للامساك ـ

١٧٦

وقال أبو علي ، في كتاب الشعر : ما بعد «حيث» في الموضعين : صفة ، لا مضاف إليه ، قال : لأن «حيث» يضاف ظرفا ، لا اسما ، فالمعنى : حيث يجعله ، وحيث يكونه ، أي : يجعل فيه ، ويكون فيه ،

والأولى أن نقول : انه مضاف ، ولا مانع من إضافته وهو اسم لا ظرف ، إلى الجملة ، كما في ظروف الزمان ،

وأمّا نحو : يومئذ ، وحينئذ ، وساعتئذ ، فقالوا : إن الظروف مضافة إلى «إذا» المضافة في المعنى إلى جملة محذوفة مبدل منها التنوين ؛

وفي ذلك تعسّف من حيث المعنى ، إذ قولك : حين وقت كذا ، ويوم الوقت ، وساعة الوقت ، ونحو ذلك : غريب الاستعمال ، مستهجن المعنى ، بخلاف نحو قوله تعالى : (بعد إذ أنتم مسلمون) (١) ، إذ معناه : بعد ذلك الوقت ، وأمّا قوله تعالى : (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(٢) ، فقال أبو علي في الحجة : ان الوقت بمعنى الوعد ، كما أن معنى قوله تعالى : (فتمَّ ميقات ربه) (٣) : تمّ ميعاد ربه ، فهو بمعنى قوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ)(٤) ، قال (٥) : ولا يجوز أن يراد بالوقت : الأوان ، لأن اليوم إما : وضح النهار ، وإمّا ، : برهة من الزمان ، ولو قلت: إلى برهة الزمان أو يوم الزمان ، لم يكن ذلك بالسهل ، هذا كلامه ،

والذي يبدو لي : أن هذه الظروف التي كلها في الظاهر مضافة إلى «إذ» : ليست بمضافة إليه ، بل إلى الجمل المحذوفة ، إلا أنهم لما حذفوا تلك الجمل لدلالة سياق الكلام

__________________

بالقمل ، يقول : نحن نقتل كبار القبائل وأبوك يقتل القمل الذي يستخرجه من بين فخذيه وهو جالس في أحقر مكان يجلس فيه ذليل ؛

(١) الآية ٨٠ سورة آل عمران ؛

(٢) الآية ٣٨ سورة الحجر ، وكذلك هي الآية ٨١ سورة ص ،

(٣) الآية ١٤٢ سورة الأعراف.

(٤) الآية الثانية من سورة البروج.

(٥) أي الفارسي ؛

١٧٧

عليها : لم يحسن أن يبدل منها تنوين لاحق بهذه الظروف ، كما أبدل في : كل ، وبعض ، وإذ ؛ لأن «كلّا» وأخويها : لازمة للإضافة معنى ، فيستدلّ بالمعنى على حذف المضاف إليه ، ويتعيّن ذلك المحذوف بالقرينة الحاصلة من سياق الكلام فيكمل المراد ، كقوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً)(١) و : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ)(٢) ، وقوله :

٤٨٧ ـ نهيتك عن طلابك أمّ عمرو

بعاقبة وأنت اذ صحيح (٣)

لأن «إذ» لازم الإضافة ، ولا وجه لتنوينه إلا أن يكون عوضا ، لبعد معنى التنكير والتمكن منه ؛ وأمّا هذه الظروف ، فليست بلازمة للإضافة معنى ، فلو قلت : جاءني زيد ، وكنت حينا كذا .. وقصدت حذف المضاف إليه وإبدال تنوين «حينا» منه ، أي حين ذلك ، لم يكن ظاهرا في ذلك المعنى ، بل ظاهره : أن التنوين فيه للتنكير ؛

فلما خافوا التباس تنوين العوض في : يوما ، وحينا ، وساعة ، بغيره من تنوين التمكن والتنكير ، توصّلوا إلى الدلالة على الجمل المحذوفة المضاف إليها هي ، في الأصل ، بأن أبدلوا من تلك الظروف ، بدل الكل ، ظرفا لازما للإضافة إلى الجمل ، خفيفا في اللفظ ، صالحا لجميع أنواع الأزمنة ، من الساعة ، والحين ، والليلة ، وغير ذلك ، متعودا أن تحذف الجمل المضافة إليها هو ، مع إبدال التنوين منها ، كما في قوله : وأنت إذ صحيح ، فجيئ بإذ ، بعد هذه الظروف بدلا منها مع تنوين العوض ، ليكون التنوين كأنه ثابت في الظروف المبدل منها ، لأن بدل الكل مع قيامه مقام المبدل منه في المعنى : مطلق على ما أطلق عليه فكأنه هو ؛ وألزم «إذ» الكسر ، لالتقاء الساكنين ، ليكون كاسم متمكن مجرور مضاف إليه الظرف الأول ، حتى لا يستنكر حذف المضاف إليه منه بلا بناء على

__________________

(١) الآية ٧٩ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٣٢ سورة الزخرف.

(٣) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي مطلعها :

جمالك أيها القلب الجريح

ستلقى من تحب فتستريح

وبعده البيت المستشهد به ، وقوله جمالك ، حث على الصبر والاحتمال ، أي الزم ما هو جميل بك أو تجمّل جمالك ؛

١٧٨

الضم ولا تنوين عوض ، لأنه لا بدّ فيما حذف منه المضاف إليه ، من أحدهما (١) ، إلّا أن يعطف عليه مضاف إلى مثل ذلك المحذوف كقوله :

الا علالة أو بدا

هة سابح نهد الجزارة (٢) ـ ٢٣

ولمّا توصّل بإذ ، إلى الغرض المذكور ، وكانت الظروف المذكورة ، قد تكون مستقبلة ، وماضية : جرّد «إذ» عن معنى الماضي ، وصار لمطلق الظرفية ، فيجوز استعماله في المستقبل أيضا ، كقوله تعالى : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ، (٣) ونحوه ،

والحق أن «إذ» إذا حذف المضاف إليه منه وأبدل منه التنوين في غير نحو : يومئذ ، جاز فتحه أيضا ، ومنه قوله تعالى حاكيا : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٤) ، أي فعلتها إذ ربيتني ، إذ لا معنى للجزاء ههنا كما قيل في «إذن» : انها للجواب والجزاء ؛

وكسر الذال في نحو : حينئذ لالتقاء الساكنين ، لا للجرّ ، خلافا للأخفش فإنه زعم أنه مجرور بالإضافة ، وبناء «إذ» يمنع جرّه ، وأيضا ، نحن نعلم أنه في قوله : «وأنت إذ صحيح» ، ليس بمجرور ، وهو مثله في حينئذ لكنهم إنما ألزموها الكسر لتكون في صورة المضاف إليه الظرف الأول ، ويجوز في غيره الفتح أيضا كقوله تعالى حاكيا : «فعلتها إذا وأنا من الضالين» ، كما بيّنا ؛

واعلم أن الظرف المضاف إلى الجملة ، لمّا كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة ، على ما قررنا قبل ، لم يجز أن يعود من الجملة إليه ضمير ، فلا يقال آتيك يوم قدم زيد فيه ، لأن الربط الذي يطلب حصوله من مثل هذا الضمير ، حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها ، فيكون كأنك قلت : يوم قدوم زيد فيه أي في اليوم ، وذلك غير

__________________

(١) متعلق بقوله : لا بدّ فيما حذف ..

(٢) تقدم ذكره في الجزء الأول ، وتكرر بعد ذلك.

(٣) الآية ٦ سورة الطور.

(٤) الآية ٢٠ سورة الشعراء ؛

١٧٩

مستعمل ، قال تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ)(١) ، وقد يقول العوامّ : يوم تسودّ فيه الوجوه (٢) ، ونحو ذلك ؛

ولنذكر شرح قوله في آخر الباب : «والظروف المضافة إلى الجمل ، وإذ ، يجوز بناؤها على الفتح ، وكذلك : مثل ، وغير ، مع : ما ، وأنّ» ؛ ههنا (٣) ، فإنه محتاج إليه لبيان بناء «حيث» فنقول :

إن ظرف الزمان المضاف إلى الجمل إنما يبنى منه المفرد والجمع المكسر ، إذا بني ، ولا يبنى منه المثنى ، لما ذكرنا في نحو : هذان ، واللذان ؛ (٤)

والظروف المضافة إلى الجمل على ضربين ، كما ذكرنا : إمّا واجبة الإضافة إليها ، وهي : حيث ، في الأغلب ، وإذ ؛ وأمّا «إذا» ففيها خلاف على ما يجيئ ، هل هي مضافة إلى شرطها أو ، لا ؛ وإمّا جائزة الإضافة ، وهي غير هذه الثلاثة ؛

فالواجبة الإضافة إليها ، واجبة البناء ، لأنها مضافة في المعنى إلى المصدر الذي تضمنته الجملة كما ذكرنا ، وإن كانت في الظاهر إلى الجملة ، فإضافتها إليها كلا إضافة ، فشابهت الغايات المحذوف ما أضيفت إليه ، فلهذا بنيت «حيث» على الضم كالغايات ، على الأعرف ؛

وأمّا جائزة الإضافة إليها فعلى ضربين : لأنها إمّا أن تضاف إلى جملة ماضية الصدر ، نحو قوله :

٤٨٨ ـ على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت ألمّا تصح والشيب وازع (٥)

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة آل عمران.

(٢) التحريف سببه إسقاط التنوين فصار كأنه مضاف إلى الجملة مع ذكر الجار والمجرور ؛

(٣) متعلق بقوله ولتذكر شرح قوله ؛

(٤) انظر باب اسم الإشارة في آخر الجزء الثاني ؛

(٥) من قصيدة للنابغة الذبياني مطلعها :

عفا ذو حسى من فرتنى فالفوارع

فجنبا أريك فالتلاع الدوافع

ذو حسى موضع ، وفرتنى اسم امرأة وبقية ما في البيت أسماء أمكنة ؛ وقبل البيت المستشهد به :

فأسبلت مني عبرة فرددتها

على النحر ، منها مستهل ودامع

١٨٠