شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

٤٦٣ ـ دعاهن ردفى فارعوين لصوته

كما رعت بالجوت الظماء الصواديا (١)

على الحكاية مع الألف واللام ؛ وتقول : زجرته بهيد وبهيد ، وهذا كما تقول ، في الكلمات المنية إذا قصدت ألفاظها :

ليت شعري وأين مني ليت

انّ ليتا وإن لوّا عناء (٢) ـ ٤٥٢

و : لا يحدّ الله بأين ، ولا بأين (٣) على ما يجيئ في الاعلام إن شاء الله تعالى ؛

والإعراب مع اللام أكثر من البناء نحو : من العاج والحيهلّ بالجر ، وباسم الشّيب ، لكونها علامة الاسم الذي أصله الإعراب ، وهذا كما يحكى عن بعض البغداديين : كل الأين وكل الأين معربا ومبنيا ، مع اللام ، ومثله : ما يحكى أن الخليل قال لأبي الدّقيش (٤) : هل لك في ثريدة كأن ودكها عيون الضياون ، فقال : أشدّ الهلّ ، معربا ، والألف واللام لا توجب الإعراب ، بدليل : الآن ، والذي ، والخمسة عشر ؛ وأما إذا أدخلت التنوين في هذه الأسماء ، فإن قصدت بها ألفاظها ، كقوله ، بحيهلّ (٥) وعاج ، فإعرابها واجب ، لأنه ، إذن ، تنوين التمكين ، وإن أدخلته من غير هذا القصد ، كما في : غاق ، وصه فهي مبنية ، لأنه تنوين الالحاق والمقابلة ، لا تنوين التمكن ، كما مرّ ؛

هذا هو الكلام عليها إجمالا ؛ وأما الكلام عليها تفصيلا ، فنقول : من الأصوات التي هي حكاية عن أصوات الإنسان ، أو العجماوات ، أو الجمادات : طيخ ، وهو

__________________

(١) البيت لعويف بن معاوية من بني حذيفة ، ويقال له عويف القوافي ، بسبب قوله :

سأكذب من قد كان يزعم أنني

إذا قلت شعرا لا أجيد القوافيا

وبيت الشاهد يصف فيه مدى انقياد القوافي إليه ، والضمير في دعاهن للقوافي ، وقالوا : أراد بردفه : شيطانه من الجن كما هو معروف من اعتقاد العرب أن لكل شاعر شيطانا من الجن يعينه على قول الشعر ؛

(٢) تقدم في هذا الجزء ،

(٣) أي بالإعراب والبناء ؛

(٤) أبو الدقيش ، أحد الأعراب الذين كان يستنطقهم الخليل وغيره من العلماء المتقدمين ، والودكة : الدهن الذي يوضع فوق الثريدة ، والضياون جمع ضيون وهو السّنّور ، وقوله : أشد الهلّ : أشد أفعل تفضيل أي أقواه وزاد بعضهم .. وأوحاه أي أسرعه ، وكنى بالهلّ في قوله أشد الهلّ عن الرغبة التي تضمنها سؤال الخليل ،

(٥) البيت السابق قبل قليل ؛

١٢١

حكاية صوت الضاحك ، وعيط : حكاية صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب ، وغاق بكسر القاف ، وقد ينون ، وهو صوت الغراب ، وشيب : حكاية صوت مشافر الإبل عند للشرب ،

ومنها : ماء ، بميم ممالة وهمزة مكسورة بعد الألف ، وقيل : هو بهمزة ساكنة وميم مفتوحة : صوت الظبية إذا دعت ولدها ؛

وطاق ، بكسر القاف ، وطق ، كلاهما حكاية صوت وقع الحجارة بعضها على بعض ؛ وقب : حكاية وقع السيف على الضريبة ؛ (١)

ومن الأصوات التي يصوّت بها للبهائم : هلا لزجر الخيل ، أي توسّعي في الجري ، وقد تزجر به الناقة أيضا ؛ وعدس : لزجر البغل ، وقد سمّي به بغل ، وفي قوله :

عدس ما لعباد عليك امارة

نجوت وهذا تحملين طليق (٢) ـ ٤١٦

زجر ، وليس باسم البغل ، والّا لم يسكن آخره ، إلا أن يقال : أجرى الوصل مجرى الوقف ؛ وهيد : زجر للإبل ، بكسر الهاء وفتحها ، وكذلك الدال بلا تنوين ، ففيه أربع لغات ، وهاد بفتح الدال ، بمعناه ، وقد أعربهما الشاعر لما قصد اللفظ فقال :

٤٦٤ ـ حتى استقامت له الآفاق طائعة

فما يقال له هيد ولا هاد (٣)

أي : لا يمنع من شيء ، ولا يزجر عنه ، ويقال : أتاهم فما قالوا له : هيد ولا هاد ،

__________________

(١) الضريبة كل ما يقع عليه السيف حين يضرب به شيء ،

(٢) تقدم في هذا الجزء ؛

(٣) لابراهيم بن هرمة ، الشاعر العباسي الذي يقول عنه علماء النحو انه آخر من يستشهد بشعره ، والرواية في شعر ابن هرمة هكذا :

اني إذا الجار لم تحفظ محارمه

ولم يقل دونه هيد ولا هاد

بكسر الدال في الكلمتين ، أما صيغة البيت التي أوردها الشارح فهي رواية الجوهري الذي أورده بضم الدال في الكلمتين أيضا ، وقال البغدادي انه يستبعد أن يكون بيت الجوهري من شعر ابن هرمة لاحتمال أن يكون من قول شاعر آخر ، والله أعلم ،

١٢٢

أي لم يسألوه عن حاله ؛

وسع ، وجه ، لزجرها ؛ وقد يقال للسبع أيضا : جه ؛

وحوب ، مثلث الباء ، بتنوين ودونه ، زجر للإبل أيضا ، وكدا : حاي وعاي بياء مكسورة بعد الألف ، منونة وغير منونة ، وحاء وعاء بهمزة مكسورة بعد الألف منونة وغير منونة ، وقد يقصران ؛ ويقال إذا بنيت الفعل منهما : حاحيت وعاعيت بإبدال الألف ياء ، وأصلهما : حاحى وعاعى ، كما تقول : لا ليت ، لمن أكثر من قول : لا ، لا

وتقول جي ، وجوت : دعاء لها إلى الشرب ؛ وحل : زجر للناقة وكذا : هيج ، بفتح الهاء وكسر الجيم أو سكونها ، وكذا : عاج بكسر الجيم منونا وغير منون ، وهدع : تسكين لصغار الإبل إذا نفرت ، ودوه : بكسر الهاء وقد تسكن : دعاء للرّبع ، (١) ونخّ بفتح النون وتشديد الخاء المفتوحة أو المكسورة ، وقد تخفف مسكنة : صوت اناخة البعير ، وكذا : هيخ ، وايخ ، بكسر أولهما ، ويجوز في الخاءين : الكسر والسكون ؛

ويقال لزجر الغنم : إس مكسورة الهمزة ساكنة السين ، وكذا : هس وقيل بضم الهاء وفتح السين المشدّدة ؛ وكذا : هج ، بفتح الهاء وسكون الجيم ، ويقال ، أيضا ، في تسكين الأسد والذئب والكلب وغيرها ، وقد تكسر الجيم منونة ، وكذا ، هجا ، وقع ، وقاع ، لزجر الغنم أيضا ، وبس : دعاء لها ، بضم الباء وسكون السين ، وقيل : السين مفتوحة مشددة ، وثئ ، بكسر الثاء ، وقيل بفتحها وسكون الهمزة : دعاء للتيس عند السفاد ، وحج ، وعه ، وعيز بكسر العين والزاي ، وروي فتح العين : زجر للضأن وسأ ، وتشؤ ، للحمار المورد ، وعوه ، دعاء للجحش ، وهي دعاء للفرس ، ودج : صياح بالدجاج ، وقوس : زجر للكلب ، بسكون السين ، وقس دعاء له ، وده ، بفتح الدال وسكون الهاء أو تشديدها : زجر مطلقا ، بمعنى اضرب ، وأصله فارسيّ ؛

وقد جعلت بمعنى المصدر مراعى أصلها في البناء في قولهم :

__________________

(١) الربع بضم الراء وفتح الباء : الفصيل من الإبل يولد في أول الربيع ؛

١٢٣

٤٦٥ ـ «إن لا ده فلا ده» (١)

ومن الأصوات الدالة على أحوال في نفس المتكلم : وي ، وهي للتندم ، أو التعجب وقد ذكرنا في المفعول المطلق (٢) أن «ويل» عند الفراء ، أصله «وي» ، وأن اللام كان حرف جر ، وكان الأصل : وي لك ، أي عجب لك ، ثم كثر استعماله معه حتى ركب معه وصار لام الفعل (٣) ، وصار : ويلك كقولك (٤) حتى قالوا : ويلا وويل ؛

ومذهب غيره أن ويل ، وويح ، وويس ، وويب : كلمات برأسها بمعنى الهلاك ، وأنها مصادر لا أفعال لها ؛

وقولهم : ويلمّه ، يروى بكسر اللام وضمها ، فالضم على وجهين : إمّا أن يقال :

الأصل : ويل أمّه ، مبتدأ محذوف الخبر ، أي : هلاكها حاصل ، أي : أهلكها الله ، وهذا كما يقال في التعجب : قاتله الله ، فإن الشيء إذا بلغ غايته : يدعى عليه ، صونا له عن عين الكمال (٥) ، كما قال :

__________________

(١) أصل هذا الكلام أن صاحب الثأر يلقى خصمه فلا يتعرض له فيقال له : ان لاده فلاده ، يعني إذا لم تضربه الآن فلن تضربه بعد ذلك ، وهذا يوافق قول الرضى ان معناه الضرب ، وقوله انها كلمة فارسية هو أحد الأقوال ، وقال بعضهم انها مأخوذة من ده ، اسم الإشارة ، وقيل غير ذلك ، وقد جاء هذا المثل في رجز لرؤبة أوله :

لله در الغانيات المدّه

سبّحن واسترجعن من تأله

المدّه أي المدح جمع مادحة ، وفي هذا الرجز :

فاليوم قد نهنهنى تنهنهي

وأول حلم ليس بالمسفّه

وقوّل : ان لاده فلاده ...

وقوله : أول حلم : أي رجوع العقل ؛

(٢) في الجزء الأول ،

(٣) يعني أن كلمة وى ، امتزجت باللام فصارت كأنها كلمة على وزن فعل ، فأصبحت اللام بمنزلة لام الكلمة الثلاثية الأصول ،

(٤) نتيجة ما تقدم من امتزاج وى باللام أصبح لفظ ويلك مثل لفظ قولك ،

(٥) أي صونا له عن إصابته بالعين أي بالحسد الذي يصيب كل شيء كامل ، فكلمة عين ، مصدر عانه أي أصابه بالعين يعني حسده ،

١٢٤

٤٦٦ ـ رمى الله في عيني بثينة بالقذى

وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح (١)

وقولهم : قاتله الله من شاعر ؛ فحذفت الهمزة على غير القياس تخفيفا ، لما صار : ويلمه ككلمة واحدة مفيدة لمعنى : عجبا.

وإمّا أن يقال : أصله : وي لأمه ، أي عجبا لها ، أيّ ولد ولدت ، فنقل ضمة الهمزة إلى اللام المتحركة على غير القياس ، وحذفت الهمزة تخفيفا لقصد التركيب المذكور ؛

والكسر على أن أصله : وي لأمه ، فحذفت الهمزة على غير القياس مع صحتها ؛

وأمّا نحو : ويكأن ، نحو (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ..)(٢) فهو عند الخليل وسيبويه : وي التي للتعجب ، ركبت مع «كأن» مثقلة ، كما في الآية ، أو مخففة ، كما في قوله :

٤٦٧ ـ وي كأن من يكن له نشب يح

بب ، ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٣)

وفي هذا القول نوع تعسف في المعنى ، لأن معنى التشبيه غير ظاهر في نحو قوله تعالى : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) إلى قوله «وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» ؛ وفي قوله : ويكأن من يكن له نشب ؛

وقال الفراء : وي ، كلمة تعجب ، ألحق بها كاف الخطاب ، كقوله :

٤٦٨ ـ ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قيل الفوارس ويك عنتر أقدم (٤)

__________________

(١) رجح البغدادي أنه لجميل بثينة ، على المعنى الذي ذكره والقوادح جمع قادح وهو داء يصيب الأسنان فتسودّ ، ومن العجيب ان بعضهم يخرج البيت عن هذا المعنى الجميل الذي قاله الشارح فيقول ان المراد بالعينين في البيت : الرقيبان ، وان المراد بالغر من أثيابها : سادة قومها وكبراؤهم الذين يحولون بينها وبينهم ، وهو كلام غريب حقا ، انظر الخزانة ،

(٢) هذا الجزء وما سيأتي بعده من الآية ٨٢ في سورة القصص ؛

(٣) من شعر لزيد بن عمرو بن نفيل ، يصف ما يلقاه الإنسان حين يفتقر من أقرب الناس إليه حتى نسائه ، وفي هذا الشعر يقول عن امرأتين له :

سالتاني الطلاق أن رأتاني

قلّ مالي ؛ قد جئتماني بنكر

بتخفيف الهمزة من سألتاني وإبدالها ألفا على غير قياس ؛

(٤) من شعر عنترة بن شداد العبسي ، من المعلقة ،

١٢٥

أي : ويلك ، وعجبا منك ، وضمّ إليها «أن» ، ومعنى «وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» ؛ ألم تر ، كأن المخاطب كان يدعي أنهم يفلحون فقال له : عجبا منك ، فسئل : لم تتعجب منه ، فقال : لأنه لا يفلح الكافرون ، فحذف حرف الجر مع أنّ وأن كما هو القياس ؛ واستدل على كونه بمعنى : ألم تر ؛ بأن أعرابية سألت زوجها : أين ابنك ، فقال : ويكأنه وراء البيت ، أي : ألم تري أنه وراء البيت ، ثم لما صار معنى «ويكأن» : ألم تر ، لم تغير كاف الخطاب للمؤنث والمثنى والمجموع ، بل لزمت حالة واحدة ؛

وهذا الذي قاله الفرّاء أقرب من جهة المعنى ؛

ومن هذا النوع (١) : أف ، وأوّه ، وقد ذكرناهما في أسماء الأفعال ؛

ومنه : حس ، بفتح الحاء وكسر السين ؛ كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه بغتة ما يمضّه ويوجعه ، كالحجرة والحزّة ؛

ومنه : بخ ، وهي كلمة تقال عند الإعجاب والرضى بالشيء ، وتكرر للمبالغة فيقال : بخ بخ ، فإن وصلته ، خففته ، ونونته مكسور الخاء ، وربّما شدّد منونا مكسورا ، قال الشاعر ، وقد جمعهما :

٤٦٩ ـ روافده أكرم الرافدات

بخ لك بخ لبحر خضمّ (٢)

وإذا بيّن باللام ، فهو مستعمل استعمال المصادر ، كما مضى ؛

وحكى ابن السكيت (٣) : به به ، بمعنى : بخ بخ ؛

ومنه : إخّ بكسر الهمزة وفتحها وخاء مشددة مكسورة ، وكذا : كخّ بكاف مكسورة وقد جعله الشاعر في قوله :

٤٧٠ ـ وصار وصل الغانيات أخّا (٤)

__________________

(١) أي من النوع الذي هو صوت دال على شيء في نفس المتكلم به ،

(٢) تكفل الشارح بشرح وجه الاستشهاد بالبيت ، وقال البغدادي : لم أقف على قائله ،

(٣) يعقوب بن السكيت صاحب إصلاح المنطق ، تقدم ذكره في هذا الجزء ،

(٤) نسبه بعضهم للعجاج ، والأشهر أنه لامرأة من العرب قالته لزوجها بعد أن كبر ، ورد عليها زوجها برجز ـ آخر ، والقصة في خزانة الأدب ؛

١٢٦

ويروى : كخا ، كالمصدر (١) ، فأعربه ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، أي مكروها ،

ومنه : طيخ ، حكاية صوت الضاحك ، وشيب : صوت مشافر الإبل عند الشرب ، وعيط ، صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب ، كلها مكسورة الآخر ، (٢)

ومنه : مضّ بكسر الميم والضاد على المشهور ، ونقل في ضاده الفتح ، وهو اسم صوت يخرج عند التمطق بالشفتين ، أي التصويت بانفراج احداهما عن الأخرى ، عند ردّ المحتاج ، وليس الردّ بمثله ردّ إياس بالكلية ، بل فيه اطماع ما ، من حيث العادة ، ومن ثمة قيل : إن في : «مضّ» لمطمعا ؛

ولما لم يكن هذا الصوت الخارج عند التمطق ، مما يمكن أن يركب من شكله وشبهه كلمة ، صيغت كلمة ، وهي «مضّ» وسمّي الصوت بها فصار «مضّ» كالحكاية عن ذلك الصوت ، فبني بناء سائر الحكايات عن الأصوات ؛

__________________

(١) مرتبط بقوله : وقد جعله الشاعر .. الخ ؛

(٢) من قوله : ومنه طيخ إلى هنا ، مكرر كما هو واضح وليس موجودا في أكثر نسخ هذا الشرح كما أشير إلى ذلك بهامش المطبوعة الأولى ، وهذا من دلائل الاضطراب في نسخة المتعددة ؛

١٢٧
١٢٨

[المركبات]

[معنى المركب ، وصور التركيب]

[قال ابن الحاجب :]

«المركبات : كل اسم من كلمتين ليس بينهما نسبة» ؛

[قال الرضى :]

لا يطلب في الحدّ العموم ، فلا حاجة إلى قوله «كل» ، وإنما يطلب فيه بيان ماهية الشيء ولم يكن قوله «اسم» ، أيضا محتاجا إليه ، كما في سائر الحدود المتقدمة ، لأنه في قسم الأسماء ، ولعلّه ذكره لبيان الوحدة ، أي : اسم واحد حاصل من تركيب كلمتين ، وليس من هذا الوجه ، أيضا ، محتاجا إليه ، لأن المشهور أن أقسام الاسم والفعل والحرف المذكورة في أبواب النحو : كلمات مفردة ؛

وقوله «من كلمتين» ، أي حاصل من تأليفهما ، وإنما قال : كلمتين ، ليدخل فيه المركب من اسمين ، ومن فعلين ، ومن حرفين ، ومن اسم وفعل ، أو حرف ، ومن فعل وحرف ؛

قوله «ليس بينهما نسبة» أي ليس قبل العلميّة (١) بينهما نسبة ، قال : إنما قلت ذلك ليخرج المضاف والمضاف إليه ، والجملة المسمّى بها ، لأن بين جزأيهما نسبة قبل العلمية ،

__________________

(١) قد يكون ذلك إشارة منه إلى ما سيعقب به من أن هذا الحد لا يشمل إلا ما كان تركيبه لأجل العلمية ، وكان يكفي أن يقول : ليس بينهما نسبة قبل التركيب ؛

١٢٩

وليسا بمبنيّن بعد التسمية بهما ، وكلامنا في المركبات المبنيّة ؛ أمّا المضاف والمضاف إليه فظاهر عدم بنائهما بالتركيب ، وأمّا الجملة فلا توصف قبل العلميّة ، لا بالإعراب ولا بالبناء ، لأنهما من عوارض الكلمة لا الكلام ، وأمّا بعد العلميّة فهي محكية اللفظ ، على ما يجيئ ، فلا يطلق عليها أنها معربة في الظاهر أو مبنية ، لاشتغال حرفها الأخير بالحركة التي كانت عليه ، إعرابية أو بنائية ، أو بالسكون الذي كان كذلك ؛

وقد خرج عن هذا الحد بعض المحدود ، لأن المركب المقدر فيه حرف العطف نحو خمسة عشر ، أو حرف جر ، نحو : بيت بيت : بين جزأيه نسبة ما ، وهي نسبة العطف وغيره ، ولا يدخل في هذا الحدّ إلا ما ركب لأجل العلمية ، أو كان مركبا قبلها ؛

ثم اعلم أن المركب على ضربين ، وذلك لأنه إمّا مركب للعلمية ، أو كان مركبا قبلها ؛ والأول على ضربين : وذلك لأنه إمّا أن يكون في الجزء الأخير قبل التركيب سبب البناء ، أو ، لا ، فإن كان ، فالأولى والأشهر : إبقاء الجزء الأخير على بنائه ، مراعاة للأصل ، ويجوز إعرابه إعراب ما لا ينصرف ، ويجوز ، أيضا ، لكن على قلة : إضافة صدر المركب إلى الأخير ، تشبيها لهما بالمضاف والمضاف إليه تشبيها لفظيا ، كما جاءت في «معد يكرب» كما يجيئ ، فيجيئ في المضاف إليه : الصرف والمنع ، كما يجيئ ، ولا يستنكر إضافة الفعل والحرف، ولا الإضافة إليهما، لأنهما خرجا بالتسمية عن معناهما ، المانع من الإضافة ؛

هذا هو القياس ، على ما قيل ، وإن لم يسمع في نحو : سيبويه الإضافة وأمّا الجزء الأول ، فواجب البناء إن لم يضف إلى الثاني ، لكونه محتاجا إلى الثاني ، فيشابه الحرف ، فيبنى على الفتح إن كان معربا في الأصل أو مبنيا على غير الفتح ، ويجوز حكاية حركات المبني وابقاؤه على حركته أيّ حركة كانت ، أو سكونه ، وهذا النوع تسعة أقسام : لأن الثاني إما اسم والأول اسم ، نحو سيبويه ، أو فعل نحو : جاء ويه ، أو حرف نحو : من ويه ؛ وإمّا فعل (١) خال من الضمير ، والأول اسم ، نحو : أنا ضرب ، أو فعل نحو : خرج ضرب ، أو حرف ، نحو : من ضرب ؛ وإمّا حرف ، والأول اسم ، نحو :

__________________

(١) راجع إلى الثاني من الجزأين ، وكذلك قوله بعد : وامّا حرف ؛

١٣٠

أين من ، أو فعل نحو : ضرب من ، أو حرف نحو : عن من ،

وإن لم يكن في الأخير قبل التركيب سبب البناء ، كمعد يكرب ، وبعلبك ، فالأولى بناء الجزء الأول (١) ، لما ذكرنا من احتياجه إلى الثاني ، وجعل الثاني غير منصرف ، وقد يبنى الثاني ، أيضا ، تشبيها بما تضمّن الحرف ، نحو خمسة عشر ، لكونهما ، أيضا ، كلمتين : احداهما عقيب الأخرى ، وهو ضعيف ، لأن المضاف والمضاف إليه ، أيضا كذلك ، وقد يضاف صدر هذا المركب إلى عجزه ، فيتأثر الصدر بالعوامل ما لم يعتلّ ، كمعد يكرب ، فإن حرف العلة يبقى في الأحوال ساكنا ، وللعجز ، حينئذ ، ما له مفردا من الصرف وتركه ، وبعضهم لا يصرف المضاف إليه وإن كان قبل التركيب منصرفا ، اعتدادا بالتركيب الصوري ، كما اعتد به في إسكان ياء معد يكرب وهو ضعيف مبني على وجه ضعيف ، أعني على الإضافة ؛ أما ضعفه فلأن التركيب الإضافيّ غير معتد به في منع الصرف ، وأمّا ضعف الإضافة ، فلأنها ليست حقيقية ، بل شبه المضاف والمضاف إليه تشبيها لفظيا من حيث هما كلمتان إحداهما عقيب الأخرى ، ولو كان مضافا حقيقة لانتصب ياء معد يكرب ، في النصب ؛ (٢)

والثاني : أي الذي كان مركبا قبل العلمية ، على ضربين : وذلك أنه إمّا أن يكون الجزء الثاني قبل العلمية معربا مستحقا لاعراب معيّن لفظا أو تقديرا ، أو ، لا ، فإن كان ، وجب ابقاؤه على ذلك الإعراب المعيّن ، وكذا يبقى الجزء الأول على حاله من الإعراب المعيّن إن كان له قبل ذلك ، كما في الجملة الاسمية والفعلية إذا كان الفعل معربا ، أو من الإعراب العام ، إن كان كذلك قبل العلمية كما مرّ في المضاف والمضاف إليه ، نحو : عبد الله ، والاسم العامل عمل الفعل ، نحو : ضرب زيدا وحسن وجهه ، ومضروب غلامه ، كل ذلك ، احتراما لخصوص الإعراب أو عمومه ، وإن لزم منه دوران الإعراب على آخر الجزء الأول ، الذي هو كبعض الكلمة ، وكذا يترك الجزء الأول على البناء إن

__________________

(١) المراد من البناء هنا : حركة البنية ، وليس البناء المقابل للاعراب ،

(٢) يعني لظهرت حركة النصب وهي الفتحة ، لأنه حينئذ يكون منقوصا تظهر عليه الفتحة في حالة النصب كما هو حكم كل منقوص ؛

١٣١

كان في الأصل مبنيا ، كما في الفعلية إذا كان الفعل مبنيا ، وكما في : سيضرب ، وسوف يضرب ، ولن يضرب ولم يضرب ، وكذا في نحو : أزيد ، وهل زيد ، و : لزيد ، إذ الأسماء بعد هذه الأحرف مبتدأة (١) في الظاهر ؛

قال سيبويه (٢) : المسمّى بالمعطوف مع العاطف من دون المتبوع واجب الحكاية ؛ إذ العاطف إمّا عامل ، أو كالعامل ، على ما مرّ في باب التوابع ، وكذا كل اسم معمول للحرف ، نحو : إن زيدا ، وما زيد ، ومن زيد ، إلا أن حرف الجر فيه تفصيل ، وذلك أنه لا يخلو أن يكون أحاديّا أو ، لا ، فإن كان ، فعند سيبويه والخليل ، فيه الحكاية لا غير ، إذ لا يجوز جعله كالمضاف كما في الثنائي والثلاثي ؛ وقال الزجاج : يجوز جعله كالمضاف بأن تزيد عليه حرفين (٣) من جنس حركته مدغما أحدهما في الآخر ، وتعربه إعراب المضاف كما تزيدهما عليه إذا سمّيت به وهو مفرد (٤) ، كما يجيئ في باب العلم ،

هذا قوله : والأولى أن تزيد حرفا ، لأن الحرفين إنما زدتهما عليه في حال الإفراد ، لئلا يسقط حرف اللين للساكنين فيبقى المعرب على حرف ، ومع الإضافة ، لا تنوين حتى يلتقي ساكنان ؛

وإن كان على حرفين ، فعند الخليل ، وهو ظاهر مذهب سيبويه (٥) ، أنه يجب إعراب الأول إعراب المضاف لا غير ، فإن كان ثانيهما حرف مد ، زدت عليه حرفا من جنسه ، كما تقول في المسمّى ب : «في زيد» : فيّ زيد ، مشدّدة الياء ، كما تزيده في الإفراد ، على ما يجيئ في باب العلم ،

والأولى ترك الزيادة ، لأنه آمن من بقاء المعرب على حرف بسبب الإضافة ؛ وأجاز

__________________

(١) أي مبدوء بها الكلام ، وليس المراد المعنى الاصطلاحي ؛

(٢) انظر سيبويه ج ٢ ص ٦٨.

(٣) أي حرفي علة من جنس حركته ؛

(٤) يعني بدون تركيب ؛

(٥) انظر سيبويه ج ٢ ص ٦٦.

١٣٢

الزجاج الحكاية في الثنائي ، أيضا ، وكذا الخلاف في الثلاثيّ حكاية ، وإعرابا ، نحو : منذ شهر ؛ (١)

وإن لم يكن الأول حرف جرّ ، فالحكاية ، كما ذكرنا لا غير ، اتفاقا منهم ، نحو : أزيد ، ولزيد ؛

وإنما اختص حرف الجر بذلك ، لكون المجرور بعد التسمية ، في صورة المضاف إليه ، والمضاف لا يكون محكيا ، كما لا يكون المفرد محكيا ، كذا قال سيبويه ؛ هذا ، وقد جاء صدر الجملة المسمّى بها مضافا إلى عجزه ، إذا لم يكن الصدر ضميرا ، تشبيها للجزأين بالمضاف والمضاف إليه ، كما مرّ ، والأولى أن يجوز ، أيضا ، الضمير (٢) ، لخروجه عن معناه ، لو ثبت إضافة الفعل أو الحرف بعد التركيب ، كما مرّ ؛ وكذا يبقى الجزء الثاني على حاله إذا كان قبل مستحقا لإعراب معيّن لكنه كان مع ذلك مبنيا على حركة مشابهة لحركة الإعراب كما في : يا زيد ، ولا رجل ، فيحكى الجزآن على ما كانا عليه قبل التسمية اجراء للحركة البنائية مجرى ما شابهته من الإعرابية ؛

وإن لم يكن الثاني قبل العلمية مستحقا لخصوص اعراب ، فلا يخلو من أن يكون مما له قبل العلمية مطلق اعراب مع التركيب ، أو ، لا ، فان كان ، وهو من التوابع الخمسة مع متبوعاتها لا غير ، بقي التابع مع المتبوع على ما كانا عليه قبل التسمية من تعاقب الإعراب عليهما ، كما قلنا في المضاف والاسم العامل عمل الفعل ، ويراعى الأصل في الصرف وتركه أيضا ؛ فيصرف «عاقلة ظريفة» سواء سمّي به رجل أو امرأة ، لأن المسمّى به ليس واحدا من الاسمين ، بل المجموع ، وليس المجموع اسما مؤنثا ، فإن سمّيت بعاقلة ، وحدها فالأكثر ترك الصرف لأن اللفظ مفرد ، ويجوز صرفها على الحكاية ، إجراء لها مجرى الصفة والموصوف ، وإن كان اسما ، فكأنك سميت بامرأة عاقلة كما تقول : الحسن ، والحسين ، والحارث ، باللام ، اعتبارا لأصل الصفة ، وإذا سميت «بطلحة وزيد» ، لم تصرف الأول ،

__________________

(١) يعني في حالة تركيب الاسمين والتسمية بالمركب ،

(٢) أي إضافة الضمير ؛

١٣٣

إذ هو غير منصرف قبل التسمية بهذا المركب ، فإن أردت بطلحة ، واحدة الطلح ، لا اسم شخص ، صرفته كما كان مصروفا قبل التسمية ؛

وكان القياس أن يحكى المعطوف عطف النسق مع وجود المتبوع ، كما حكي بلا متبوع ، لأن العاطف كالعامل على ما مرّ ، إلا أنه لمّا لم يكن في المتبوع قبل الوصول إلى التابع مقتضى إعراب خاص ، أجرى بوجوه الإعراب ، وتبعه المعطوف ، ولم يتبع الأول الثاني ، لئلا يصير المتبوع تابعا ؛

ويجوز في التوابع مع متبوعاتها : اجراؤها مجرى نحو : معد يكرب في وجهي التركيب والإضافة ، إلا عطف النسق ، فإن حرف العطف مانع منهما ، فإن حذف حرف العطف قبل العلمية فبناؤهما أولى بعدها لقيام موجبه في كليهما أمّا في الأول فالاحتياج إلى الثاني ، وأمّا في الثاني فتضمّن الحرف ؛

ويجوز ، كما في معد يكرب : اعراب الثاني إعراب غير المنصرف مع التركيب ويجوز ، أيضا ، كما فيه : (١) إضافة الأول إلى الثاني ، مع صرف الثاني وتركه ، وكذا كل ما تضمّن الثاني فيه حرفا ، وإن لم يكن عاطفا ، من نحو : بيت بيت ، يجوز فيه الأوجه الثلاثة بعد العلمية ؛ وإنما جاز إعراب الثاني مع كونه متضمنا للحرف في الأصل ، لأن ذلك المعنى انمحى بالعلمية ؛

وإن لم يكن للجزء الثاني قبل العلمية ، لا مطلق الإعراب ولا معيّنه ، فالحكاية لا غير ، نحو المسمّى بما قام ، وقد قام ، وكلّما ، وإذا ما ، وكأن ، ولعلّ ، ونحوها ؛

وهذا هو تمام الكلام فيما سمّي به من المركب ؛

__________________

(١) أي كما في معد يكرب ، وتقدم أن في إعرابه وجهين ، وإن كان أشهرهما إعراب الثاني ، ولزوم آخر الأول للفتح ما لم يكن معتلا ؛

١٣٤

[المركب العددي]

[والمركب المزجي]

[قال ابن الحاجب :]

«فإن تضمن الثاني حرفا ، بنيا ، كخمسة عشر ، وحادي»

«عشر وأخواتهما ، إلا اثني عشر ، وإلا : أعرب الثاني»

«كبعلبك وبني الأول في الأفصح» ؛

[قال الرضى :]

اعلم أن أصل خمسة عشر : خمسة وعشر ، حذفت الواو قصدا لمزج الاسمين وتركيبهما ، وإنما مزج هذا المعطوف بالمعطوف عليه ، دون مثل قولك : لا أب وابنا ، (١) لأن الاسمين معا ههنا عدد واحد ، كعشرة ، وكمائة ، بخلاف نحو : لا أب وابنا ، وإنما مزجوا النيّف مع هذا العقد ، بخلاف سائر العقود نحو : عشرين ، وأخواته ، ومائة ، وألف ، لقرب هذا المركب من مرتبة الآحاد التي ألفاظها مفردة ، وبني الأول لكونه محتاجا إلى الثاني ، فشابه الحرف ، وبني الثاني ، لتضمنه الحرف العاطف ، وبنيا على الحركة للدلالة على عروض البناء، وأن لهما في الإعراب أصلا، وعلى الفتح ليخفّ به بعض الثقل الحاصل من التركيب ؛

وأجاز بعض الكوفيين إضافة النيّف إلى العشرة ، تشبيها بالمضاف والمضاف إليه حقيقة ، كما مرّ في العلم المركب ، وأنشد :

٤٧١ ـ كلّف من عنائه وشقوته

بنت ثماني عشرة من حجته (٢)

__________________

(١) ورد هذا في أحد الشواهد المتقدمة في الجزء الثاني ، وهو قول الشاعر :

فلا أب وابنا مثل مروان وابنه

إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا

(٢) أورده الجاحظ في الحيوان نقلا عن أحد الرواة قال : أنشدني نفيع بن طارق ، ورواه : علّق من عنائه ... وهو من جملة أشطار من الرجز فيها وصف لشيخ هرم يتعشق فتاة صغيرة ، وفيها فحش كثير ؛

١٣٥

وبني حادي عشر إلى تاسع عشر ، بناء خمسة عشر ، وذلك لأن أصل خامس عشر : خامس وعشرة ، كما تقول : الخامس والعشرون والرابع والخمسون ، جرت عادتهم بإبقاء الجزء الثاني مما فوق العشرة ، مركبا كان أو معطوفا في المفرد من المتعدد ، كما كان في العدد ، فتقول الثاني والعشرون كما قلت : اثنان وعشرون ؛

فإن قلت : معنى العطف في العدد ظاهر ، بخلافه في المفرد من المتعدد ، وذلك لأن معنى ثلاثة وعشرون رجلا : ثلاثة رجال وعشرون رجلا ، وكذا في نحو : ثلاثة عشر رجلا ، أي ثلاثة رجال وعشرة رجال ، وليس معنى ثالث عشر : واحدا من الثلاثة ، وعشرة ، ولا معنى : الثالث والعشرون : الواحد من الثلاثة ، والعشرون ، بل المعنى : الواحد من الثلاثة والعشرة والواحد من الثلاثة والعشرين ، فما معنى هذا العطف؟

قلت : كان القياس أن يبنى من مجموع جزأي المركب في نحو ثلاثة عشر اسم فاعل واحد ، وكذا من مجموع المعطوف والمعطوف عليه في نحو ثلاثة وعشرون ، إذ لو بنيت من كل واحد من الجزأين ، وكل اسم فاعل من العدد يدل على مفرد من المتعدد ، لكانا اسمي فاعل يدلّان على مفردين : وهو ضد المقصود ، فتبيّن أن «عشرين» في قولك : ثالث وعشرون ، ليس بمعنى المفرد من المتعدد كما في قولك : الباب العشرون ، بل هو باق على معنى العدد ، كما كان في : ثلاثة وعشرون ، ولو كان بمعنى المفرد لقلت في ثلاثة عشر : ثالث عاشر ، إذ المفرد من العشرة : عاشر ، وليس كالعشرين ، إذ لفظ العدد ولفظ المفرد من المتعدد ههنا في صورة واحدة ؛ فنقول :

إذا أرادوا بناء اسم فاعل واحد من مجموع لفظي ثلاثة وعشرين أو : ثلاثة عشر ، كما بني من ألفاظ الآحاد التي تحت العشرة ، ولم يمكن بناء اسم فاعل منهما مع بقاء حروفهما ، لأن لفظ الفاعل : اسم ثلاثي ، زيد فيه ألف بعد الفاء ، وحروف الاسمين أكثر من ثلاثة ، ومع حذف بعض حروف كل واحد منهما ، وإبقاء الآخر ، نحو : ثاشر ، مثلا في : ثالث عشر ، أو : ثالش ، كان يلبس ، فاضطروا إلى أن يوقعوا صورة اسم الفاعل التي حقها سبكها من مجموعهما ، على أحدهما لفظا ، ويكون المراد من حيث المعنى : كونها من المجموع ، لأن المعنى واحد من مجموع العددين ، فأوقعت تلك الصورة على أول الاسمين دون الثاني ليؤذن من أول الأمر أن المراد : المفرد من المتعدد ، لا العدد ، وعطف الثاني

١٣٦

لفظا على تلك الصورة ، وهو معطوف من حيث المعنى على العدد المشتق ذلك الفاعل منه ، فهو عدد معطوف على عدد ، لا متعدد على متعدد ، ولا عدد على متعدد ، لاستحالتهما ، كما بيّنّا ، لكن المعطوف عليه في الحقيقة : مدلول المعطوف عليه ظاهرا ، ويستوي فيما قلنا : المعطوف بحرف ظاهر ، كما في : الثالث والعشرون ، أو بحرف مقدر كما في : ثالث عشر ، فأصل قولك : جاءني ثالث عشر : جاءني واحد من ثلاثة عشر ، فعشر ، معطوف على ثلاثة ، لا على واحد ، ثم جعل لفظ ثالث مقام قولك واحد من ثلاثة ، فعطفوا عشر على ظاهر هذا القائم مقام المجموع ، لما اضطروا إليه ؛

فإن قيل : لو كان معنى ثالث عشر : واحد من ثلاثة عشر ، لم يجز أن يضاف إلى ثلاثة عشر ، فيقال : ثالث عشر ثلاثة عشر ، إذ يكون المعنى : واحد من ثلاثة عشر ثلاثة عشر ،

قلت : هذا كما يضاف ثالث مع أن معناه : واحد من ثلاثة ، إلى ثلاثة فيقال : ثالث ثلاثة ، وإنما أضيف في الموضعين لاحتمال أن يراد بثالث عشر ، لو لم يضف إلى أصله : ثالث عشر عشرين ، أو خمسين ، أو مائة ، أو فوقها ، لأن اسم الفاعل من العدد إذا كان بمعنى واحد ، يضاف إلى العدد المشتق هو منه ، وإلى ما فوقه ، أيضا ، كما تقول : الحسين رضي الله عنه : ثالث الاثني عشر (١) ، كما يجيئ في باب العدد ؛

وإذا عرّف نحو ثالث عشر ، وثلاثة عشر ، من المركبات ، باللام ، فلا خلاف في بقائه على بنائه ، لبقاء علة البناء مع اللام ، أيضا ، وأمّا إذا أضيف ، كثلاثة عشرك ، مثلا ، ففي إعرابه خلاف ، كما يجيئ في باب العدد ؛

فإن قلت : فلم لم يجز الإعراب مع اللام المرجحة لجانب الاسمية ، كما ذكرت في باب الأصوات ، نحو : كلّ الأين؟

__________________

(١) أشرت في مقدمة هذا الشرح عند الحديث عن مذهب الرضي ، إلى أن من الأدلة على تشيعه ، ما يرد في هذا الكتاب من أمثلة كهذا المثال ، وكقوله في باب الفاعل : استخلف المرتضى المصطفى صلّى الله عليه وسلم ؛ في تمثيله لتقدم المفعول على الفاعل عند ظهور المعنى ، والمراد بالمرتضى : علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛

١٣٧

قلت : لأن الجزء الذي باشره اللام من المركب ، أي صدره ، يتعسّر إعرابه ، للزوم دوران الإعراب في وسط الكلمة ، والجزء الأخير لم تباشره اللام فكيف يعرب ، بخلاف نحو : كل الأين ، فإن اللام باشرت فيه ما كان مبنيا ، وبخلاف الإضافة فإنها تباشر الثاني في نحو : ثلاثة عشر زيد ؛ فمن ثمّ جوّز الأخفش إعرابه ، كما يجيئ في باب العدد ؛

قوله : «إلا اثني عشر» ، جمهور النحاة على أن «اثني عشر» ، معرب الصدر ، لظهور الاختلاف فيه ، كما في : الزيدان والمسلمان ، وتمحّلوا لإعرابه علة ، كما يجيئ ؛

وقال ابن درستويه (١) : هو مبني كسائر أخواته من الصدور ، لكونه محتاجا إلى الجزء الثاني مثلها ، وقال : كل واحد من لفظي : اثنا عشر واثني عشر ، صيغة مستأنفة ، كما مرّ في : هذان ، وهذين ، واللذان واللّذين ؛

وإنما أعرب ، عند الجمهور ، الصدر منه ، لأنه : عرض بعد دخول علة البناء فيه ، أي تركيبه مع الثاني وكون الإعراب ، لو أعرب ، كالحاصل في وسط الكلمة : ما (٢) أوجب كونها كالمعدوم ، وذلك أنهم لما أرادوا مزج الاسمين ، بعد حذف الواو ، المؤذن بالانفصال ووجب حذف النون أيضا لأنها دليل تمام الكلمة ، كما ذكرنا في صدر الكتاب ، ولم يحذف النون لأجل البناء ، ألا ترى إلى بناء نحو : يا زيدان ، ويا زيدون ، ولا مسلمين ولا مسلمين ، مع ثبوت النون ؛ فقام «عشر» بعد حذف النون مقامها ، وسدّ مسدّها ، والنون بعد الألف والواو في : مسلمان ومسلمون ، لا يجعلها كالكائن في وسط الكلمة ، لأنها دليل تمام الكلمة قبله ، والإعراب يكون مع التمام ، فلذا يختلف الإعراب قبل النون في المثنى والمجموع ، كما يختلف قبل التنوين ، فصار «اثنا عشر» كاثنان ، والدليل على قيام «عشر» مقام النون أنه لا يضاف اثنا عشر ، كما يضاف أخواته ، تقول ثلاثة عشرك وخمسة عشرك ، ولا تقول : اثنا عشرك ، لأنه ، كاثنانك ، (٣) ويجوز أن يقال : صار

__________________

(١) تقدم ذكره في هذا الجزء ،

(٢) فاعل لقوله : عرض بعد دخول علة البناء ..

(٣) يقصد لفظ «اثنان» مضافا إلى ضمير المخاطب مع بقاء النون ، أي وذلك ممنوع فكذلك اثنا عشرك ؛

١٣٨

اثنان بعد حذف النون كالمضاف إلى عشر ، لأن نون المثنى والمجموع لم يعهد في غير هذا الموضع حذفها إلا للاضافة ، فصار كأنه مضاف ، والتركيب الإضافي ، لا يوجب البناء ،

وليس قول من قال : انه أعرب لأنه امتنع حذف علامة التثنية أي الألف لأجل التركيب ، وتلك العلامة إعراب فلم يسقط الإعراب : بشيء ، (١) لأن نحو : يا زيدان ، ويا زيدون ، مبني اتفاقا مع قيام هذه العلة ، بل إذا قصد بناء المثنى جرّدت علامة التثنية عن كونها إعرابا ، وكذا علامة الجمع ؛

قوله «وإلا أعرب» كبعلبك وبني الأول في «الأفصح» ، قد تقدم شرحه ، وان بعضهم يضيف صدر هذا المركب إلى عجزه ، مع صرف المضاف إليه ، وتركه ؛

ومن المركبات : قولهم بادي بدي ؛ وفيه لغات :

إحداها : هذه ، وهي سكون ياءي الأول والثاني ، تقول : أعطه بادي بدي ، والأصل : بادئ بديء ، فالأول : فاعل من بدأت الشيء ، أي فعلته ابتداء ، والثاني : فعيل بمعنى مفعول ، منه ، وهو (٢) اسم فاعل مضاف إلى مفعوله ، وانتصابه على الحال ، أي أعطه فاعلا ابتداء لما يجب أن يفعل ابتداء ، والمراد بالبدي : مصدر الفعل المتقدم ، وهو الاعطاء في مثالنا ، فعلى هذا ، هو في الأصل مضاف ومضاف إليه ؛ فينبغي أن يكون كل منهما معربا لكنه كثر استعماله حتى استفيد من مجموع الكلمتين ما يستفاد من كلمة واحدة ، إذ معنى بادي بدي : مبتدئا ، وذلك كما قلنا في : فاها لفيك ، وبعته يدا بيد ، في باب الحال ؛ فشبّه المضاف والمضاف إليه ، لانمحاء معناهما الأصلي وافادتهما معنى المفرد بالمركب في نحو : خمسة عشر ، فإنه مركب مفيد معنى المفرد ، إذ إفادته لمعناه أي العدد المعيّن ، كإفادة «عشرة» لمعناها ؛ فبني الأول لكونه جزء الثاني ، واحتياجه إليه ؛ وبني الثاني وإن لم يتضمّن الحرف ، تشبيها له بما تضمنه نحو خمسة عشر ، وبيت بيت ، كما ذكرنا في معد يكرب ؛

__________________

(١) خبر عن قوله : وليس قول من قال ...

(٢) أي تركيب بادئ بدئ ،

١٣٩

ولم يبن الجزآن ولا أحدهما في نحو : يدا بيد ، ونحو : شاة ودرهما وإن أفاد فائدة المفرد ، ولذلك أعرب أولهما إعراب المفرد الذي يفيدان معناه كما تبين في باب الحال ، لظهور (١) انفكاك الجزأين : أحدهما من صاحبه ، بالحرف المتخلّل ؛ وكان بناء ثاني جزأي بادي بدي تشبيها بخمسة عشر أكثر من بناء ثاني جزأي معد يكرب ، لقصدهم التخفيف ههنا أكثر ، ألا ترى إلى تخفيف همزتي بادئ بدىء ، على غير القياس ، كما يجيئ ، فكثر بناؤه أيضا ، على غير القياس ، لأن الكلمة تخف بالبناء ، لتجردها عن التنوين والإعراب ؛

وإنما لم يبن الجزآن ، ولا أحدهما في الأعلام المنقولة عن المضاف والمضاف إليه ، وإن انمحى عن الجزأين أيضا معنياهما الافراديان ، كما انمحى في بادي بدي ؛ لأن العلم ينقل بالكلية عن معنى إلى معنى آخر ، من غير لمح للأصل إلا لمحا خفيا في بعض المواضع ، كما في نحو : الحسن ، والعباس ؛ فلما غيّر المضاف من حيث المعنى تغييرا تامّا ، لم يغيّر من حيث اللفظ ، ليكون فيه دليل على الأصل المنقول منه ، من أحد الطرفين : أي اللفظ والمعنى ، بخلاف نحو : بادي بدي ، فإن معناه الأصلي مقصود مما نقل إليه ، إلّا أن المنقول منه إضافي ، والمنقول إليه إفراديّ ؛

وجعل جار الله (٢) : بادي بدي ، وأيدي سبا ، من باب معد يكرب ، وجعلها سيبويه من باب خمسة عشر ، وهو الأولى ، وإن كان على جهة التشبيه ، ولو كان الأمر كما قال جار الله ، لوجب إدخال التنوين في «بدي» ، و «بدا» ، لأن فيهما تركيبا بلا علمية ، ولم يسمعا منونين ، وكذا : أيدي سبا ، فإنه لا ينون «سبا» لأنه اسم رجل ، لأن معنى : أيدي سبا ، أولاد سبأ بن يشجب ، وليس اسم قبيلة ، كما أول في قوله تعالى : (لقد كان لسبأَ في مسكنهم) (٣) ، و : (جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ)(٤) ، لأن المضطر (٥) إلى هذا التأويل ترك التنوين ؛

__________________

(١) تعليل لقوله : ولم يبن الجزآن ولا أحدهما ؛

(٢) أي الزمخشري ،

(٣) الآية ١٥ سورة سبأ ،

(٤) الآية ٢٢ في سورة النمل ؛

(٥) الصيغة يراد بها اسم الفاعل ، يعني الدافع إلى هذا التأويل ،

١٤٠