شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٨

١
٢

٣
٤

[الموصول](١)

[التعريف ، وشرحه]

[قال ابن الحاجب :]

«الموصول : ما لا يتمّ جزءا إلّا بصلة وعائد» ؛

[قال الرضى :]

انتصاب «جزءا» على أنه خبر «يتمّ» ، لتضمنه معنى «يصير» ، وذلك أن الأفعال الناقصة لا حصر لها ، على ما يتبيّن في بابها ، فمعنى يتم جزءا : يصير جزءا تامّا ، وكذا تقول : كان تسعة (٢) ، فكملتها عشرة ، أي : صيّرتها عشرة كاملة ؛ قال المصنف : ليس قولنا : الموصول ما لا يتم جزءا إلا بصلة ، من قبيل : العالم من قام به العلم ؛ أي من باب تعريف الشيء بنفسه وذلك محال (٣) ، وذلك ، أن المجهول في قولك «العالم» : ماهية العلم لا كونه ذا علم ، إذ كل أحد يعلم أن الفاعل : ذو الفعل ، فلو بيّن العلم في الحدّ وقال : العالم من قام به الماهية الفلانية ، لتمّ الحدّ ، وكذلك ههنا ؛ كل أحد يعرف أن

__________________

(١) هذا أول الجزء الثالث ، وهو يوافق أول الجزء الثاني من تقسيم الشارح الرضى كما جاء في هامش النسخة المطبوعة ، بالنسبة إلى بعض النسخ ، وقد أشرنا إلى ذلك في نهاية الجزء الثاني من تقسيمنا لهذا الشرح

(٢) إما أن نعتبر كان ، تامة ، أي وجد تسعة ، أو نقول إن خبر كان محذوف ولا يتعلق الغرض بذكره لأن القصد إلى مجرد التمثيل للمعنى الذي أشار إليه.

(٣) أي تعريف الشيء بنفسه ، وقوله بعد هذا : وذلك أن المجهول ، بيان لكونه ليس من قبيل تعريف الشيء بنفسه ، ولا شك أن في عبارته بعض التعقيد.

٥

الموصول : الذي يلحق به صلة ، وإنما الإشكال في ماهية الصلة ، أي شيء هي؟ ، فتعريف الموصول بالصلة ، تعريف الشيء بما لا يشكل من ذلك الشيء إلا هو ؛ فقال المصنف : إنما قلت إنه ليس من هذا الباب ، لأن المراد بالموصول : الموصول في الاصطلاح ، لا في اللغة ، ثم قال : إنما قلت «بصلة» ، ولم أقل بجملة ، جريا على اصطلاحهم ؛

فعلى هذا ؛ وقع فيما فرّ منه ، لأنّ معنى كلامه ، إذن ، أنّ الموصول في الاصطلاح هو المحتاج إلى ما يسمّى صلة في الاصطلاح ، ومعنى الموصول ، والمحتاج إلى الصلة ، شيء واحد ؛ ثم قال : وفسّرت الصلة بقولي : وصلته جملة خبرية ، ليرتفع الإشكال ، فقد أقرّ بأن في نفس الحدّ إشكالا من دون التفسير ، قال : ولو جعل موضع «بصلة» : بجملة ، لارتفع الإشكال ، وهذا حقّ ؛

قوله : «يتمّ جزءا» أي يصير جزء الجملة ، ونعني بجزء الجملة : المبتدأ ، والخبر ، والفاعل ؛ ـ وجميع الموصولات لا يلزم أن تكون أجزاء الجمل ، بل قد تكون فضلة ، لكنه أراد أنّ الموصول هو الذي لو أردت أن تجعله جزء الجملة لم يمكن إلا بصلة وعائد ؛ قوله : وعائد ، أي ضمير يعود إليه ،

قال : هو احتراز (١) عما يجب إضافته إلى الجملة ، كحيث ، وإذ ، فإنه لا يتم إلا بالجملة أيضا ، وليس موصولا في الاصطلاح ؛

وحدّ الموصول الحرفي : ما أوّل مع ما يليه من الجمل بمصدر ، كما يجيء في حروف المصدر ، ولا يحتاج إلى عائد ، ولا أن تكون صلته خبرية على قول الأكثر ، نحو : أمرتك أن قم ، وبعضهم يقدر القول فيه حتى تصير خبريّة ، أي أمرتك بأن قلت لك قم ، ويجيئ البحث فيه ، في نواصب المضارع ؛

__________________

(١) لأن ما احترز عنه لا يحتاج إلى عائد.

٦

وإنما بنيت الموصولات ، لأنّ منها ما وضع وضع الحروف نحو «ما» و «من» واللام ، (١) على ما قيل ، ثم حملت البواقي عليها طردا للباب ؛ أو لاحتياجها في تمامها جزءا ، إلى صلة وعائد ، كاحتياج الحرف إلى غيره في الجزئية ؛

[الصلة وشرطها]

[والعائد وحكمه]

[قال ابن الحاجب :]

«وصلته جملة خبرية ، والعائد ضمير له» ؛

[قال الرضى :]

إنما وجب كون الصلة جملة ، لأن وضع الموصول على أن يطلقه المتكلم على ما يعتقد أن المخاطب يعرفه بكونه محكوما عليه بحكم معلوم الحصول له ، إمّا مستمرا ، نحو : باسم الله الذي يبقى ويفنى كل شيء ؛ أو : الذي هو باق ؛ أو في أحد الأزمنة ، نحو : الذي ضربني ، أو أضربه ، أو الذي هو ضارب ؛ أو بكون متعلقه محكوما عليه بحكم معلوم الحصول له مستمرا ، أو في أحد الأزمنة ؛ نحو : الله الذي يبقى ملكه ، أو ملكه باق ، وزيد الذي ضرب غلامه ، أو غلامه ضارب ؛ أو يعتقد أن المخاطب يعرفه بكونه أو كون سببه حكما على شيء : دائما أو في بعض الأزمنة ، نحو : الذي أخوك هو ، أو الذي أخوك غلامه ، أو الذي مضروبك هو أو غلامه ؛

فهذا (٢) يصلح دليلا على أشياء : أحدها : أن الموصولات معارف وضعا ؛ وذلك لما قلنا إن وضعها على أن يطلقها المتكلم على المعلوم عند المخاطب ؛ وهذه خاصّة المعارف ؛

__________________

(١) المراد : حرف التعريف حينما يكون اسما موصولا ، وهو يعبر عنه باللام مرة ، وبالألف واللام مرة أخرى.

(٢) أي هذه القيود التي تضمنها قوله لأنه وضع الموصول .. إلخ.

٧

ويسقط به اعتراض من اعترض بأن تعريف الموصول إذا كان بصلته ، وهي جملة ، فهلّا تعرفت النكرة الموصولة بها في نحو : جاءني رجل ضربته ، لأن المعرّف حاصل (١) ، فكان ينبغي ألّا يكون في قولك : لقيت من ضربته ، فرق بين كون «من» موصولة ، وموصوفة ؛

وذلك (٢) لأنا نقول ، كما سبق ، إن تعريف الموصول بوضعه معرفة مشارا به إلى المعهود بين المتكلم والمخاطب بمضمون صلته ، فمعنى قولك لقيت من ضربته ، إذا كانت «من» موصولة : لقيت الإنسان المعهود بكونه مضروبا لك ، فهي موضوعة على أن تكون معرفة بصلتها ، وأمّا إذا جعلتها موصوفة ، فكأنك قلت : لقيت إنسانا مضروبا لك ، فإنه وإن حصل لقولك : إنسانا ، تخصيص بمضروبيّة المخاطب ، لكنه ليس تخصيصا وضعيا ، لأن «إنسانا» موضوع لإنسان لا تخصيص فيه ، بخلاف : الذي ، ومن ، الموصولة ، فان وضعهما على أن يتخصّصا بمضمون صلتهما ؛

والفرق بين المعرفة والنكرة المخصّصة ، أن تخصيص المعرفة وضعيّ ، وهو المراد بالتعريف عندهم ، وليس المراد به مطلق التخصيص ؛ ألا ترى أنك قد تخصص النكرة بوصف لا يشاركها فيه شيء آخر ، مع أنها لا تسمّى بذلك معرفة ، لكونه (٣) غير وضعي ، كما تقول : رأيت رجلا سلّم عليك اليوم وحده قبل كل أحد ؛ وكذا قولك : إني أعبد إلها خلق السموات والأرض ، ونحو ذلك ؛

فإن قيل : إن الجمل نكرات ، فكيف تعرّف الموصولات وتخصصها؟ قلت : لا نسلم تنكير الجمل ، كما تقدم في باب الوصف (٤) ولو سلمنا أيضا فالمخصص في الحقيقة تقييد الموصول بالصلة ، كما أن «رجل» ، و «طويل» ، لا تخصيص في كل واحد منهما على

__________________

(١) أي موجود في وصف النكرة بالجملة.

(٢) بيان لوجه سقوط الاعتراض الذي أشار إليه ؛

(٣) لكونه ، أي هذا التخصيص ،

(٤) تقدم في الجزء الثاني ،

٨

الانفراد ، وقد حصل التخصيص بتقييد الموصوف بهذا الوصف ، فالمقصود : أنّ تقييد الشيء بالشيء تخصيص وإن كان المقيّد به غير خاص وحده ؛

وقال بعضهم : إنما كانت الصلة معرّفة ، لأجل ضميرها الذي هو معرفة ؛ وفيه نظر ، فإن قصدوا بذلك أنها صارت معرفة بسبب الضمير فعرّفت الموصول ، لم يجز (١) ، لأن الجملة التي فيها ضمير ، عندهم (٢) ، نكرة أيضا ؛ وإن قصدوا أنه لو لا الضمير لم تكن الصلة مخصّصة للموصول ، لأنها لم يكن لها به ، إذن (٣) ، تعلق بوجه ، نحو : بالذي ضرب عمرو ، فصحيح ،

وثانيها (٤) : أن الصلة ينبغي أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلم قبل ذكر الموصول ، على ما تقدم : أن الحكم الذي تضمنته الصلة ، ينبغي أن يعتقد المتكلم في المخاطب أنه يعلم حصوله للموصول ، فلا يقال : أنا الذي دوّخ البلاد ، إلّا لمن يعلم أنّ شخصا دوّخها ؛ وقال بعضهم : لا يجب أن يكون الموصول معلوم الصلة ، إلا إذا كان مخبرا عنه فقط ، قال : لأن المخبر عنه يجب تعريفه ؛

وليس بشيء ، أمّا أولا ، فلأن وضع الموصول ، كما ذكرنا ، أن يكون مضمون صلته معلوما للمخاطب في اعتقاد المتكلم ، وهذا مطرد في المخبر عنه وغيره ، وأمّا ثانيا فلأن المخبر عنه قد لا (٥) يكون معرفة ، ولا مختصا بوجه ، كما مرّ في باب المبتدأ (٦) ؛

وثالثها : أن الصلة ينبغي أن تكون جملة ، لأن الحكم على شيء بشيء : من مضمونات الجمل ، أو ما أشبهها من الصفات مع فاعلها ، والمصدر مع فاعله ؛ ولما كان اقتضاء

__________________

(١) لم يجز أي هذا القول ؛ يريد : لم يصلح أن يكون علة لما قالوا ،

(٢) أي القائلين بأن الجملة نكرة ،

(٣) أي عند عدم وجود الضمير ،

(٤) ثاني الأشياء التي قال انها تستفاد من شرحه للموصول.

(٥) أشرنا من قبل إلى أن هذا التعبير لا يقره جمهور النحاة ،

(٦) تقدم في الجزء الأول ، من هذا الشرح.

٩

الموصول للحكم وضعيا ، لم يستعمل من جميع ما يتضمن الحكم إلا ما يكون تضمنه له أصلا ، لا بالشبه ، وهو الجملة ، ويغني عنها : ظرف أو جار ومجرور منويّ معه فعل وفاعل هو العائد ؛

ورابعها : أنه يجب أن تكون الصلة جملة خبرية ، لما ذكرنا أنه يجب أن يكون مضمون الصلة حكما معلوم الوقوع للمخاطب قبل الخطاب ، والجمل الإنشائية والطلبية ، كما ذكرنا في باب الوصف ، لا يعرف مضمونها الا بعد إيراد صيغها ، وأمّا قول الشاعر :

٤٠٣ ـ وإني لرام نظرة قبل التي

لعلّي وإن شطت نواها أزورها (١)

فمثل قوله :

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (٢) ـ ٩٤

أي : التي أقول لعلّي أزورها ؛

وقد تقع القسمية صلة ، قال الله تعالى : (وإنَّ منكم لَمَن لَيُبَطِّئنَّ) (٣) أي لمن والله ليبطئن ، ومنعه بعضهم ، ولا أرى منه مانعا ؛

وقد أجاز ابن خروف (٤) وقوع التعجبية صلة من دون اضمار القول ، نحو : جاءني الذي ما أحسنه ، ومنعه ابن بابشاذ (٥) ، وسائر المتأخرين ، وهو الوجه ، لكونها إنشائية ؛

__________________

(١) نسب كثيرون ، ومنهم العيني هذا البيت للفرزدق ، وقال البغدادي تعقيبا على ذلك ، إنه ليس في ديوانه ، وإنما الذي في ديوان الفرزدق قصيدة لامية يقول فيها :

وقاتلة لي لم تصبني سهامها

رمتني على سوداء قلبي نبالها

وإني لرام رمية قبل التي

لعلي وإن شقّت عليّ أنالها

والاستشهاد لا يتغير على كل حال ؛

(٢) تقدم هذا الشاهد في الجزأين السابقين ؛

(٣) الآية ٧٢ سورة النساء.

(٤) هو أبو الحسن علي بن محمد الاشبيلي وتقدم ذكره في الجزأين السابقين ،

(٥) هو طاهر بن أحمد الشهير بابن بابشاذ ، وهي كلمة فارسية معناها باب الفرح أو السرور ، وهو ممن تقدم ذكرهم ؛

١٠

وخامسها : أنه لا بد في الصلة من ضمير عائد ، وذلك لما قلنا : أن ما تضمنته الصلة من الحكم متعلق بالموصول ، لأنه اما محكوم عليه هو أو سببه ، أو محكوم به هو أو سببه ، فلا بدّ من ذكر نائب الموصول في الصلة ليتعلق الحكم بالموصول بسبب تعلقه بنائبه ، وذلك النائب هو الضمير العائد إليه ، ولو لم يذكر الموصول في الصلة ، لبقي الحكم أجنبيا عنه ، لأن الجمل مستقلة بأنفسها لو لا الرابط الذي فيها ؛

وقد يغني الظاهر عن العائد ، على قلة ، نحو ما جاءني زيد الذي ضرب زيد ؛

[صلة الألف واللام]

[قال ابن الحاجب :]

«وصلة الألف واللام : اسم فاعل أو مفعول» ؛

[قال الرضى :]

لمّا ذكر أن الصلة يجب أن تكون جملة ؛ استدرك ذلك ، فكأنه قال : لكن صلة الألف واللام اسم فاعل أو مفعول :

اعلم أنهم اختلفوا في اللام الداخلة على اسمي الفاعل والمفعول ، فقال المازني (١) : هي حرف كما في سائر الأسماء الجامدة ، نحو الرجل والفرس ، وقال غيره. إنها اسم موصول ؛ وذهب الزمخشري (٢) إلى أنها منقوصة من الذي ، وأخواته ، وذلك لأن الموصول مع صلته التي هي جملة : بتقدير اسم مفرد ، فتثاقل ما هو كالكلمة الواحدة بكون أحد

__________________

(١) أبو عثمان المازني من مشاهير النحاة ونقل الرضى عنه كثيرا فيما تقدم وسيتكرر ذكره

(٢) جار الله : محمود بن عمر الزمخشري ، تقدم ذكره ، والرأي الذي نسبه إليه الشارح موجود في المفصل ، انظر شرح ابن يعيش ج ٣ ص ١٥٤ ؛

١١

جزأيها جملة ، فخفف الموصول ، تارة بحذف بعض حروفه ، قالوا في الذي : اللذ واللذ ، بسكون الذال ، ثم اقتصروا منه على الألف واللام ؛ وتارة بحذف بعض الصلة : إمّا الضمير ، أو نون المثنى والمجموع ، نحو :

والحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائها وكف (١) ـ ٢٨٩

كما يجيئ ، والأولى أن نقول : اللام الموصولة غير لام الذي ، لأنّ لام الذي زائدة ، بخلاف اللام الموصولة ؛

قالوا : الدليل على أن هذه اللام موصولة : رجوع الضمير إليها في السّعة ، نحو : الممروز به : زيد ، أجاب المازني بأن الضمير راجع إلى الموصوف المقدر ، فمعنى ، الضارب غلامه : زيد ، الرجل الضارب غلامه : زيد ؛ وفيما ارتكبه يلزمه محذوران : أحدهما إعمال اسمي الفاعل والمفعول غير معتمدين ظاهرا على أحد الأمور الخمسة ، أي : الموصوف ، وذي الحال ، والمبتدأ ، وحرف النفي ، وحرف الاستفهام ، وعملهما من غير اعتماد على شيء : مذهب الأخفش (٢) والكوفيين ، ومذهبه (٣) في هذا غير مذهبهم ؛ والثاني : رجوع الضمير على موصوف مقدر ؛

فإن قال : الاعتماد على الموصوف المقدر ، والضمير راجع إليه ، كما في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) (٤) ، فإن «ظالم» عمل في الجار والمجرور لاعتماده على الموصوف المقدر ، والضمير في «لنفسه» راجع إليه ؛.

قلت : الموصوف المقدّر بعد نحو : منهم ، وفيهم ، كالظاهر ، لقوة الدلالة عليه ، كما ذكرنا في باب الوصف ، نحو قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) ، (٥)

وقوله :

__________________

(١) تقدم هذا الشاهد في الجزء الثاني

(٢) الأخفش هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة ، وهو الأخفش الأوسط ، ويكون هو المراد حين يطلق لفظ الأخفش بدون تقييد ، وتقدم ذكره ، وسيتكرر ،

(٣) أي المازني ،

(٤) الآية ٣٢ سورة فاطر ،

(٥) الآية ١١ سورة الجن ،

١٢

كأنك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (١) ـ ٣٣٦

وأيضا : الجار والمجرور يكفيه رائحة الفعل ، وأما قول النحاة : يا ضاربا غلامه ، ويا حسنا وجهه بالإعمال ورجوع الضمير إلى مقدر ، ، فمثال لهم غير مستند إلى شاهد من كلام موثوق به ، ولا يقال في السعة : جاءني الحسن وجهه ، على رجوع الضمير إلى الموصوف المقدر ، ولا فرق عنده بين اللامين ، كما لا يقال : جاءني حسن وجهه في الاختيار ، بلى ، قد يجيئ مثله في الشعر ، نحو قوله :

٤٠٤ ـ بسود نواصيها وحمر أكفّها

وصفر تراقيها وبيض خدودها (٢)

ولو جاز عمل اسم الفاعل أو المفعول ذو اللام (٣) لاعتماده على الموصوف المقدر كما ذهب إليه ، لم يعمل بمعنى الماضي ، كما لا يعمل المجرّد منها ، بل كان هو الأولى بترك العمل الفعلي ، لأنه دخله ، على مذهبه ، ما هو من خواص الأسماء ، أعني لام التعريف ، فتباعد به عن شبه الفعل ، وأيضا ، لو كانت لام (٤) التعريف الحرفية ، لم تحذف النون قياسا في نحو :

الحافظو عورة العشيرة .. (٥) ـ ٢٨٩

كما لا تحذف مع المجرد منها ؛

فنقول ، بناء على مذهب الجمهور : إن أصل : الضارب والمضروب : الضرب والضرب ، فكرهوا دخول اللام الاسمية المشابهة للحرفية لفظا ومعنى ، على صورة الفعل ، أمّا لفظا (٦) ، فظاهر ، وأمّا معنى ، فلصيرورة اللام مع ما دخلت عليه ، معرفة ، كالحرفية

__________________

(١) هذا من شعر النابغة ، وتقدم الاستشهاد به في الجزء الثاني

(٢) من قصيدة للحسين بن مطير ، شاعر أموي أدرك الدولة العباسية وله شعر رقيق ، والبيت مما وصف به النساء في القصيدة ، ومنها قوله :

وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي

إذا قدمت أيامها وعهودها

(٣) صفة لاسم في قوله : اسم الفاعل.

(٤) أي اللام في مثل الضارب وقوله : لام التعريف ، خبر كانت ؛

(٥) الشاهد المتقدم قبل قليل ،

(٦) يعني أما وجه الشبه لفظا فظاهر وهو أن كلّا منهما بلفظ واحد ،

١٣

مع ما تدخل عليه ؛ فصيّروا الفعل في صورة الاسم : الفعل المبني للفاعل في صورة اسم الفاعل ، والمبني للمجهول في صورة اسم المفعول ، لأن المعنيين متقاربان ، إذ معنى زيد ضارب ، زيد ضرب أو يضرب ، وزيد مضروب : زيد ضرب أو يضرب ؛ ولكون هذه الصلة فعلا في صورة الاسم ، عملت بمعنى الماضي ، ولو كانت اسم فاعل أو مفعول حقيقة لم تعمل بمعنى الماضي ، كالمجرّد من اللام ؛ وكان حقّ الإعراب أن يكون على الموصول ، كما نذكره ، فلما كانت اللام الاسمية في صورة اللام الحرفية ، نقل اعرابها إلى صلتها عارية ، كما في «إلّا» الكائنة بمعنى «غير» ، على ما مرّ في باب الاستثناء ؛ (١) فقلت : جاءني الضارب ورأيت الضارب ومررت بالضارب ،

فإن قيل : ما حملكم على هذا التطويل ، وهلّا قلتم إن صلة اللام ليست بجملة ، بل جعلت صلتها : ما تضمّن من المفردات : الحكم المطلوب في الصّلات بمشابهة الفعل ، لا على وجه الأصالة ، وهو اسم الفاعل ، واسم المفعول ، قضاء لحقّ الألف واللام ، وقلتم : إنما عمل اسما الفاعل والمفعول مع اللام لاعتمادهما على الموصول ، كما يعملان إذا اعتمدا على الموصوف ، حتى لا تحتاجوا إلى أن تقولوا إنما عملا بلا اعتماد ، لكونهما في الحقيقة فعلين؟

فالجواب : ان عملهما بمعنى الماضي مع اللام ، دلّهم على أنهما في الحقيقة فعلان ، ألا ترى أن اسمي الفاعل والمفعول إذا وقعا عقيب حرف الاستفهام وحرف النفي ، مع أن طلبهما للفعل أقوى من طلب الموصول له ، لا يعملان بمعنى الماضي ؛

وإنما لم توصل اللام بالصفة المشبهة مع تضمنها للحكم ، لنقصان مشابهتها للفعل ، وكذا لم توصل بالمصدر ، لأنه لا يقدّر بالفعل إلا مع ضميمة «أن» كما مرّ في باب الإضافة ، وهو معها بتقدير المفرد ، والصلة لا تكون إلا جملة ؛

قيل : وقد توصل في ضرورة الشعر بالجملة الاسمية ؛ (٢) وقد دخلت على الاسمية على ما

__________________

(١) من الجزء الثاني.

(٢) استشهد النحاة لذلك ببيت شعر مجهول القائل وهو كما أورده ابن هشام في المغني :

١٤

حكى الفراء (١) في غير الشعر ، قال : إن رجلا أقبل ، فقال له آخر : ها هو ذا ، فقال السامع : نعم الها هو ذا ؛ وقد وصلت في الشعر بالمضارع في قوله :

٤٠٥ ـ فيستخرج اليربوع من نافقائه

ومن حجره بالشيخة اليتقصّع (٢)

يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا

إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع

وقد ذهب أهل الكوفة إلى أنه يجوز أن يكون الاسم الجامد المعرّف باللام موصولا ، قالوا في قوله :

٤٠٦ ـ لعمري لنعم البيت أكرم أهله

وأقعد في أفيائه بالأصائل (٣)

إن التقدير : لأنت الذي أكرم أهله ، لكنّه موصول غير مبهم كسائر الأسماء الموصولة ؛ وعند البصريين : اللام غير مقصود قصده ، والمضارع صفة له ، كما في قوله :

ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني (٤) ـ ٥٦

وإنما جاز : مررت بالرجل القائم أبواه ، لا القاعدين ، ولم يجز : بالرجل القائم أبواه ، لا اللذين قعدا ، لاستتار ضمير المثنى في : القاعدين ، وظهوره في : قعدا ، وخفاء الموصول في القاعدين ، وظهوره في : اللذين قعدا ، فكأنك قلت : برجل قائم أبواه لا قاعدين ؛

__________________

من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معدّ

وأورده غيره بتغيير في بعض الفاظه للغرض نفسه ،

(١) الفراء : أبو زكريا يحيى بن زياد ، من أئمة الكوفيين ، وهو ممن نقل الرضى عنهم كثيرا ؛

(٢) هكذا أورد الشارح هذين البيتين متواليين وهما ليسا متواليين في القصيدة التي وردا فيها ، وهما من شعر ذي الخرق الطهوي والبيت الثاني منهما هو أول شاهد ورد في هذا الشرح ، وانما أورد الشارح هذين البيتين هكذا لأن في كل منهما شاهدا على ما يقول ؛

(٣) من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي مطلعها :

أساءلت رسم الدار أم لم تسائل

عن السّكن أم عن عهده بالأوائل

وهي قصيدة جيدة ، ومن أبياتها عدد من الشواهد النحوية ؛

(٤) تكرر ذكر هذا الشاهد فيما تقدم ،

١٥

واعلم أن حقّ الإعراب أن يدور على الموصول ، لأنه هو المقصود بالكلام ، وإنما جيء بالصلة لتوضيحه ، والدليل : ظهور الإعراب في «أي» الموصولة ، نحو : جاءني أيّهم ضربته ورأيت أيّهم ضربته ومررت بأيّهم ضربته ، وكذا في : اللذان واللتان ، فيمن قال بإعرابهما ؛ وأمّا الصلة ، فقال بعضهم : إنها معربة بإعراب الموصول ، اعتقادا منه أنها صفة الموصول لتبيينها له ، كما في الجمل الواقعة صفة للنكرات ؛

وليس بشيء ، لأن الموصولات معارف اتفاقا منهم ، والجمل لا تقع صفة للمعارف ، كما مرّ في الوصف ؛

والجمهور على أنه لا محل للصلة من الإعراب ، إذ لم يصح وقوع الاسم المفرد مقامها كالوصف وخبر المبتدأ والحال والمضاف إليه ، ولا يقدّر للجمل إعراب إلا إذا صح وقوع الاسم المفرد مقامها (١) ، وذلك في الأربعة المواضع (٢) ، المذكورة فقط ، وذلك لأن الإعراب للاسم في الأصل أو للاسم والفعل على قول، وكل واحد منهما مفرد ، والصلة جملة لا غير؛

[الأسماء الموصولة]

[ألفاظها وما فيها من اللغات]

[قال ابن الحاجب :]

«وهي الذي والتي ، واللذان واللتان ، بالألف والياء ، والألى»

«والذين. واللاتي واللائي واللواتي ، وما ، ومن ، وأيّ ، وأية»

«وذو : الطائيّة ، وذا ، بعد ما الاستفهامية ، والألف واللام» ؛

__________________

(١) المعنى : إذا صح وقوع المفرد موقعها ، أو : قيام المفرد مقامها ، وهو ناظر فيه إلى المعنى ، ويتكرر منه ذلك كثيرا ،

(٢) استعمال العدد هكذا مذهب الكوفيين ، والشارح يستعمله مع اعتراضه عليه ، وتارة يستعمل مذهب البصريين أيضا ،

١٦

[قال الرضى :]

هذا حصر لجميع الأسماء الموصولة ؛ و «الذي» عند البصريين على وزن عم ، وشج ؛ أرادوا الوصف بها من بين الأسماء الموصولة ، لكونها على وزن الصفات ، بخلاف «ما» و «من» ، فأدخلوا عليه اللام الزائدة تحسينا للّفظ حتى لا يكون موصوفها ، كمعرفة وصفت بالنكرة ؛ وإنما قلنا بزيادة اللام ، لما مرّ من أن الموصولات معارف وضعا بدليل كون «من» و «ما» معرفتين بلا لام ؛ وإنما ألزموها اللام الزائدة ، لأنها لو نزعت تارة ، وأدخلت أخرى ، لأوهم كونها للتعريف ، كما في : الرجل ، ورجل ، وإنما وصف بذو الطائية ، وإن لم تكن على وزن الصفات ، نظرا إلى لفظها ، إذ هي ، على لفظ «ذو» الذي يتوصّل به إلى الوصف بأسماء الأجناس ؛

وقال الكوفيون : أصل الذي ، الذال الساكنة ثم لما أرادوا إدخال اللام عليها زادوا قبلها لاما متحركة ، لئلّا يجمعوا بين الذال الساكنة ولام التعريف الساكنة ، ثم حركوا الذال بالكسر ، وأشبعوا الكسرة فتولّدت ياء ، كما حركت ذال «ذا» بالفتح وأشبع ، فتولدت ألف ،

وكل ذا قريب من دعوى علم الغيب (١) ؛

وتقول في الواحد المؤنث : التي ، بقلب الذال تاء ، كما قلنا في : ذا ، وتا ، وقد تشدّد ياءاهما ، نحو : الذيّ والتيّ ، فإذا شدّدتا ، أعربت الكلمتان عند الجزولي (٢) بأنواع الاعراب ، كما في «أيّ» ؛ ولا وجه لإعراب المشدّد ، إذ ليس التشديد يوجب الإعراب ، وعند بعضهم يبنى المشدّد على الكسر ، إذ هو الأصل في التقاء الساكنين ، قال :

٤٠٧ ـ وليس المال فاعلمه بمال

وإن أغناك إلّا للذيّ (٣)

__________________

(١) هذا إنصاف من الرضى في الرد على مثل هذه الافتراضات التي يوردها النحاة ، ولكنه هو كثيرا ما يقع في مثل ذلك ، وانظر كلامه عن التدرج في وضع الضمائر في آخر الجزء الثاني من هذا الشرح ، ولذلك أمثلة أخرى أشرنا اليها في مواضعها ؛

(٢) الجزولي بضم الجيم والزاي : أبو موسى ، واسمه عيسى ، وتقدم ذكره كثيرا ،

(٣) لم ينسب أحد هذين البيتين ، وأوردهما ابن الشجري في أماليه ، كما ذكرهما صاحب لسان العرب في مادة : ل ذ ي ،

١٧

ينال به العلاء ويصطفيه

لأقرب أقربيه وللقصيّ

وحكى الزمخشري : أنه يبنى على الضم كقبل وبعد ؛ قال الأندلسي (١) لعلّ الجزولي سمعه بضم الياء كما هو المنقول عن الزمخشري ، ثم رآه في الشعر المذكور مكسورا ، فحكم بإعرابه ؛

وقد تحذف الياءان في الذي والتي ، مكسورا ما قبلهما أو ساكنا ، قال الشاعر في الكسر :

٤٠٨ ـ واللّذ لو شاء لكنت صخرا

أو جبلا أشمّ مشمخرّا (٢)

وقال آخر في التسكين :

٤٠٩ ـ كاللذ تزبىّ زبية فاصطيدا (٣)

وقال :

٤١٠ ـ فقل للّت تلومك إنّ نفسي

أراها لا تعوّذ بالتميم (٤)

قال الأندلسيّ : الوجوه الثلاثة فيهما ، أي تشديد الياء وحذفها ساكنا ما قبلها أو مكسورا ، يجوز أن تكون لضرورة الشعر ، لا أنها لغات ، إذ المخفف يشدّد للضرورة ، وكذا يكتفى لها (٥) بالكسر عن الياء ، وتحذف الحركة بعد الاكتفاء ، قال : إلّا أن ينقلوها في حال السّعة ، لا في الشعر ، فسمعا ، إذن ، وطاعة ؛

__________________

(١) القاسم بن أحمد الأندلسي وهو ممن نقل الرضى عنهم كثيرا ، ويكاد يكون معاصرا له ؛ وتقدم ذكره ؛

(٢) رواه بعضهم : اللذ ، بدون واو ، كما روي : لكانت بدل لكنت ، وتعرضوا لشرح معناه ومع ذلك لم ينسبه أحد ، وقال البغدادي بعد أن شرحه : لا أعلم قائله ، وعلمه عند الله ؛

(٣) وهذا الرجز أورده ابن منظور في لسان العرب نقلا عن الفراء ، ولم ينسب بأكثر من قولهم إنه لرجل من هذيل وأورد صاحب الانصاف قبله : فظلت في شر من اللذ كيدا ؛ وربطه بعضهم برجز قيل في حوار جرى بين رجل وامرأته ، والله أعلم بحقيقة الحال ؛ والزبية حفرة تتخذ لصيد الأسود ، ومعنى الرجز قريب من معنى الأثر : من حفر بئرا لأخيه وقع فيها.

(٤) التميم جمع تميمة ، وهو ما يعلق من قبيل التعاويذ ، وقال البغدادي إن ابن الشجري أنشد هذا البيت نقلا عن الفراء ولم ينسبه ،

(٥) أي الضرورة

١٨

وتثنية : الذي ، والتي ، اللذان ، واللتان ، بحذف الياءين ، وجاز تشديد النونين ابدالا من الياء المحذوفة ، وهل هما معربان أو مبنيان ، على الخلاف الذي مرّ في : ذان ، وتان ؛ وقد جاء : اللذان واللتان في الأحوال الثلاثة في غير الأفصح ، والأولى : القول باعرابهما عند الاختلاف ، كما مرّ ، وأمّا مثنىّ الضمير نحو : هما ، وكما ، وقلتما ، فلمّا غيّر عن وضع واحده ، ولم يزد فيه النون بعد الألف ، لم يعرب ، لأنه صار صيغة مستأنفة ، وخرج عن نسق المثنّيات ؛

وقد تحذف النونان في : اللذان واللتان ، لاستطالة الموصول بصلته ، قال :

٤١١ ـ أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (١)

وقال :

٤١٢ ـ هما اللتا لو ولدت تميم

لقيل فخر لهم صميم (٢)

وجمع الذي في ذوي العلم : الذين في الأحوال الثلاثة على الأكثر ، واللذون في الرفع : لغة هذليّة ؛

قال جار الله (٣): إعراب الجمع لغة من شدّد الياء في الواحد ، وهذا كما قال الجزولي: إن الذي ، مشدد الياء ، معرب ، فكأن أصله : الّذيّون ، فحذفت إحدى الياءين ثم عمل به ما عمل بقاضون ؛

وحكى بعضهم الّذيّون رفعا ، والّذيّين نصبا وجرا ، وهي لغة من شدّد الياء ، فجمعه بلا حذف شيء منه ؛

__________________

(١) من قصيدة للأخطل في هجاء جرير ، وفيها افتخار من الأخطل بقومه ، مطلعها :

كذبتك عينك؟ أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا

وبيت الشاهد أورده سيبويه في ١ / ٩٥ ، كما أنه أورد المطلع المذكور في باب العطف ١ / ٤٨٤ شاهدا على ورد «أم» بعد الخبر ، وخرّجه الأعلم الشنتمري على حذف الهمزة في أوله ؛

(٢) أنشده الفراء من غير نسبة إلى أحد ، ونسبه العيني في الشواهد الكبرى للأخطل ، قال البغدادي ، قد فتشت ديوان الأخطل فلم أجده ، وكثيرا ما يلاحظ البغدادي على العيني هذه الملاحظة.

(٣) المراد الزمخشري وتقدم ذكره قريبا ،

١٩

وقد تحذف النون من : الذّون ، تخفيفا ، قال.

٤١٣ ـ قومي الّذو بعكاظ طيّروا شررا

من روس قومك ضربا بالمصاقيل (١)

ومن الذين ، أيضا ، قال :

٤١٤ ـ وان الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد (٢)

ويجوز في هذا ، أن يكون مفردا وصف به مقدّر مفرد اللفظ مجموع المعنى أي : وإن الجمع الذي ، أو : إن الجيش الذي ؛ كقوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) (٣) فحمل على اللفظ ، أي الجمع الذي استوقد ، ثم قال : «بنورهم» ، فحمل على المعنى ، ولو كان في الآية مخفّفا من الذين ، لم يجز إفراد الضمير العائد إليه ؛ وكذا قوله تعالى : (والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون) (٤) وهذا كثير ، أعني ذكر «الذي» مفردا موصوفا به مقدّر مفرد اللفظ مجموع المعنى؛ أمّا حذف النون من الذين ، نحو : جاءني الرجال الذي قالوا كذا ، فهو قليل كقلّة : اللذا ، في المثنى ؛

وقد يقال : لذي ولذان ، ولتي ولتان ولاتي ، بلا لام ؛

وجمع الذي من غير لفظه : الألى بوزن : العلا ، واللائين ، رفعا ، ونصبا وجرّا ، ويحذف النون فيقال : اللائي بهمزة بعدها ياء ساكنة ، نحو : القاضي ، وهو قليل في المذكر ، قرأ الأخفش (٥) : «للّائي يؤلون من نسائهم» ، ويقال : اللاء بحذف الياء ، وقد جاء : اللاؤون رفعا ، واللائين نصبا وجرّا ؛

__________________

(١) هذا البيت مما كان يقوله العرب في الافتخار بانتصاراتهم على أعدائهم في وقائع معينة ، وهو منسوب إلى شاعر اسمه أميّة بن حرثان بن الأسكر ، أدرك الاسلام ولم يقطعوا بصحبته ؛ وقوله من روس أصله رؤوس فخفف ، والمصاقيل : السيوف ،

(٢) للأشهب بن رميلة (بالراء أو بالزاي وبصيغة المصغر) وهو شاعر إسلامي ورواه الجاحظ بدون واو في أوله ، والبيت من شواهد سيبويه ١ / ٩٦

(٣) الجزآن من الآية ١٧ في سورة البقرة ،

(٤) الآية ٣٣ سورة الزمر

(٥) هكذا في الأصل المطبوع وكأنها محرفة عن الأعمش ، وهو سليمان الأعمش من قراء الكوفة ، ولم أر أحدا نسبها إلى الأخفش ، والآية هي رقم ٢٢٦ من سورة البقرة وأصلها للذين يؤلون ؛

٢٠