المعجم المفصّل في علم الصّرف

المعجم المفصّل في علم الصّرف

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

واحدة فكأنها عنده من قبيل الضبط ، إذ لو كانت حرفا من حروف المعجم لكان لها شكل واحد لا تنتقل عنه كسائر حروف المعجم.

وهذا الذي ذهب إليه أبو العباس فاسد. لأنّ الهمزة لو لم تكن حرفا لكان «أخذ» و «أكل» وأمثالهما على حرفين خاصّة ، لأنّ الهمزة ليست عنده حرفا وذلك باطل ، لأنه أقل أصول الكلمة ثلاثة أحرف : فاء وعين ولام.

فأما عدم استقرار صورتها على حال واحدة فسبب ذلك أنّها كتبت على حسب تسهيلها. ولو لا ذلك كانت على صور واحدة وهي الألف. ومما يدلّ على ذلك أنّ الموضع الذي لا تسهّل فيه تكتب فيه ألفا ، بأيّ حركة تحرّكت وذلك إذا كانت أولا ، نحو «أحمد» و «أبلم» و «إثمد».

ومما يبيّن أيضا أنّها حرف أنّ واضع أسماء حروف المعجم وضعها ، على أن يكون في أول الاسم لفظ الحرف المسمى بذلك الاسم نحو «جيم» و «دال» و «ياء» وأمثال ذلك. فـ «الألف» اسم للهمزة لوجود الهمزة في أوله فأما الألف التي هي مدّة فلم يتمكّن ذلك في اسمها لأنّها ساكنة ، ولا يبتدأ بساكن ، فسميّت ألفا باسم أقرب الحروف إليها في المخرج ، وهو الهمزة.

ومما يبين أيضا أنّها حرف ، وليست من قبيل الضبط ، أنّ الضبط لا يتصوّر النطق به إلّا في حرف ، والهمزة يتصور النطق بها وحدها كسائر الحروف. فدلّ ذلك على أنّها حرف.

وقد تبلغ الحروف خمسة وثلاثين حرفا بفروع حسنة تلحقها يؤخذ بها في القرآن وفصيح الكلام وهي : النون الخفيفة ـ وهي النون الساكنة إذا كان بعدها حرف من الحروف التي تخفى معه ـ والهمزة المخفّفة ، وألف التفخيم ، وألف الإمالة ، والشين التي كالجيم نحو «أجدق» في «أشدق» والصاد التي كالزاي في نحو «مصدر» وسيبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.

وقد تبلغ ثلاثة وأربعين حرفا بفروع غير مستحسنة ، ولا مأخوذ بها في القرآن ولا في الشعر ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة وهي :

الكاف التي كالجيم : وقد أخبر أبو بكر ابن دريد أنها لغة في اليمن ، يقولون في «كمل» : «جمل» وهي كثيرة في عوامّ أهل بغداد.

والجيم التي كالكاف : وهي بمنزلة ذلك فيقولون في «رجل» «ركل» فيقربونها من الكاف.

والجيم التي كالشين : نحو «اشتمعوا» و «أشدر» يريدون «اجتمعوا» و «أجدر».

والطاء التي كالتاء : نحو «تال» تريد «طال» وهي تسمع من عجم أهل المشرق كثيرا لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة.

٦١

فإذا احتاجوا إلى النطق بها ضعف نطقهم بها.

والضاد الضعيفة : يقولون في «اثرد له» : «اضرد له» يقربون الثاء من الضاد وكأنّ ذلك في لغة قوم ليس في أصل حروفهم الضاد فإذا تكلّفوها ضعف نطقهم بها لذلك.

والصاد التي كالسين : نحو «سائر» في «صائر» قربت منها لأنّ الصاد والسين من مخرج واحد.

والباء التي كالفاء : وهي كثيرة في لغة الفرس وغيرهم من العجم. وهي على لفظين : أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من لفظ الفاء والآخر بالعكس نحو «بلح» و «برطيل».

والظاء التي كالثاء : يقولون في «ظالم» : «ثالم».

«وكأنّ الذين تكلّموا بهذه الحروف المسترذلة خالطوا العجم ، فأخذوا من لغتهم» (١).

ذكر أحكام حروف الحلق في الإدغام

«للحلق ثلاثة مخارج : فمن أقصاه الألف ، والهمزة والهاء ، ومن وسطه العين والحاء ، ومن أدنى مخارج الحلق إلى اللسان مخرج الغين والخاء».

أما الألف والهمزة فلا يدغمان في شيء ، ولا يدغم فيهما شيء والسبب في ذلك أنّ إدغام المتقاربين محمول على إدغام المثلين. فلما امتنع فيهما إدغام المثلين امتنع فيهما إدغام المتقاربين.

وأما الهاء فليس لها من مخرجها ما يدغم فيها أو تدغم فيه ، لأنها من مخرج الألف والهمزة ، فلم يبق لها ما تدغم فيه إلّا ما هو من المخرج الذي يلي مخرجها.

فإذا اجتمعت مع الحاء فلا يخلو أن تتقدّم الحاء أو تتقدّمها الحاء. فإن تقدّمت على الحاء جاز الإدغام والبيان ، نحو : «اجبه حاتما» : إن شئت لم تدغم ، وإن شئت قلبت الهاء حاء ، وأدغمت الحاء في الحاء فقلت : «اجبحّاتما» ، لأنهما متقاربان ليس بينهما شيء ، إلّا أنّ الحاء من وسط الحلق ، وهما مهموسان. وإنما قلبت الأوّل إلى جنس الثاني ولم تقلب الثاني إلى جنس الأوّل. لأنّ الذي ينبغي أن يغيّر بالقلب الأوّل كما غيّر بالإسكان ؛ ألا ترى أنّ الذي يسكن لأجل الإدغام إنما هو الأول. فإن قلب الثاني إلى جنس الأوّل في موضع ما فلعلّة ، وسيبيّن ما جاء من ذلك في موضعه. والبيان وترك الإدغام أحسن لاختلاف المخرجين ، ولأنّ حروف الحلق ليست بأصل للإدغام لقلّتها ، والتصرّف بابه أن يكون فيما يكثر.

وإن تقدّمتها الحاء ، نحو : «امدح هلالا» فالبيان ، ولا يجوز الإدغام. والعلّة في ذلك أنّ المخرجين ، كما تقدّم ، قد اختلفا مع أنّ

__________________

(١) عن الممتع في التصريف ص ٦٦٣ ـ  ٦٦٧.

٦٢

الإدغام في حروف الحلق ليس بأصل.

وأيضا فإنك لو أدغمت لوجب أن تقلب الأوّل إلى الثاني على أصل الإدغام ، فكنت تقلب الحاء هاء ، وذلك لا يجوز لأنّ الهاء أدخل في الحلق من الحاء ولا يقلب الأخرج إلى الفم إلى جنس الأدخل في الحلق. والسبب في ذلك أنّ حروف الفم أخفّ من حروف الحلق ، ولذلك يقل اجتماع الأمثال في حروف الحلق. وما قرب من حروف الحلق إلى الفم كان أخفّ من الذي هو أدخل منه في الحلق. فكرهوا لذلك تحويل الأخرج إلى جنس الأدخل ، لأن في ذلك تثقيلا ، فإن أردت الإدغام قلبت الهاء حاء. وأدغمت ، فقلت : «امد حّلالا» وجاز قلب الثاني لمّا تعذّر قلب الأوّل ، وليكون الإدغام فيما هو أقرب إلى حروف الفم التي هي أصل للإدغام في مثل هذا أقلّ من الإدغام في مثل «اجبه حاتما» لأنّ الباب ـ كما تقدّم ـ أن يحوّل الأوّل إلى الثاني.

فإن اجتمعت مع العين فالبيان ـ تقدّمت العين أو تأخّرت ـ ولا يجوز الإدغام إلا أن تقلب العين والهاء حاء ، ثم تدغم الحاء في الحاء. وذلك نحو قولك : «اجبحّتبة» و «اقطحّاذا» و «ذهب محّم» تريد : «اجبه عتبة» و «اقطع هذا» و «ذهب معهم». وهي كثيرة في كلام بني تميم. وإنما لم تدغم إلّا بتحويل الحرفين ، لأنك لو قلبت العين إلى الهاء كنت قد قلبت الأخرج إلى جنس الأدخل. وقد تقدّم ذلك. ولو قلبت الهاء إلى العين لاجتمع لك عينان ، وذلك ثقيل ، لأنّ العين قربية من الهمزة ، فكما أنّ اجتماع الهمزتين ثقيل فكذلك اجتماع العينين. وأيضا فإنها بعيدة من الهاء لأنها ليست من مخرجها وتباينها في الصفة ، لأنّ العين مجهورة والهاء مهموسة ، والعين بين الشدّة والرّخاوة والهاء رخوة. فكرهوا أن يقلبوا واحدة منهما إلى الأخرى ، للتباعد الذي بينهما. فلذلك أبدلوا منهما الحاء ، لأنّ الحاء من مخرج العين ، وتقارب الهاء في الهمس والرّخاوة.

وأما العين إذا اجتمعت مع الحاء ، فلا يخلو أن تتقدّم أو تتقدّم الحاء. فإن تقدّمت كنت بالخيار : إن شئت أدغمت فقلبت العين حاء ، وإن شئت لم تدغم ، نحو : «اقطع حّبلا». وحسّن الإدغام هنا كونهما من مخرج واحد.

وإن تقدّمت الحاء بيّنت ولم تدغمها في العين ، لأنّ العين أدخل في الحلق. ولا يقلب الأخرج إلى الأدخل لما تقدّم. وأيضا فإن اجتماع العينين ثقيل كما تقدّم فإن أردت الإدغام قلبت العين حاء ، وأدغمت الحاء في الحاء ، لأنه قد تقدّم أنّ الثاني قد يقلب إذا تعذّر قلب الأوّل.

وأما الغين مع الخاء فإنه يجوز فيهما البيان والإدغام ، وكلاهما حسن ، لأنهما من مخرج واحد. وإذا أدغمت قلبت الأوّل منهما إلى الثاني ، كائنا ما كان ، نحو «اسلخ

٦٣

غّنمك» و «ادمغ خّلفا» وإنما جاز قلب الخاء غينا ، وإن كانت أخرج إلى الفم منها ، لأنّ الغين والخاء لقرب مخرجهما من الفم ، أجريا مجرى حروف الفم ، وحروف الفم يجوز فيها قلب الأخرج إلى الأدخل.

ومما يبيّن أنهما يجريان مجرى حروف الفم أنّ العرب قد تخفي معهما النون ، كما تفعل بها مع حروف الفم ، على ما يبيّن بعد.

ولهذه العلّة بنفسها لم يجز إدغام واحد من الحاء ، والعين ، والهاء في الغين والخاء ، أعني لكونهما قد أجريا مجرى حروف الفم. فكما أنّ حروف الحلق لا تدغم في حروف الفم ، فكذلك لا تدغم الهاء ، والحاء ولا العين.

هذا مذهب سيبويه. وحكى المبرّد أن من النحويين من أجاز إدغام العين والحاء في الغين والخاء. نحو قولك «امد غالبا» و «امد خّلفا» ، و «اسمغّالبا» و «اسمخّلفا». تريد : امدح غالبا ، وامدح خلفا ، واسمع غالبا ، واسمع خلفا. وزعم أنّ ذلك مستقيم في اللغة ، معروف جائز في القياس ، لأنّ الخاء والغين أدنى حروف الحلق إلى الفم. فإذا كانت الهاء تدغم في الحاء ، والهاء من المخرج الأوّل من الحلق ، والحاء من الثاني ، وليست حروف الحلق بأصل للإدغام ، فالمخرج الثالث أولى أن يدغم فيما كان بعده ، لأنّ ما بعده متّصل بحروف الفم ، التي هي أصل للإدغام ؛ ألا ترى أنّهم أدغموا الباء في الفاء من الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا ، فقالوا : «إذهفّي ذلك» و «اضر فّرجا» ، لقرب الفاء من حروف الفم.

ذكر حكم حروف الفم في الإدغام

فأولها مما يلي حروف الحلق ـ كما تقدّم ـ القاف والكاف وكلّ واحد منهما يدغم في صاحبه ، فتقول : «الحق كّلدة» ، و «انهك قّطنا» ترفع اللسان بهما رفعة واحدة. والبيان والإدغام في «الحق كّلدة» حسنان. والبيان في «انهك قّطنا» أحسن من الإدغام ، لقرب القاف والكاف من حروف الحلق ، وحروف الحلق ـ كما تقدّم ـ لا يجوز إدغام الأخرج منها في الأدخل. فلذلك ضعف إدغام الكاف ، التي هي الأخرج ، في القاف التي هي أدخل ، كما شبّه أقرب حروف الحلق إلى اللسان ، وهما الغين والخاء ، بحروف اللسان ، فأخفيت النون الساكنة عندهما كما تقدّم.

ولا يجوز إدغام كلّ واحد من القاف والكاف في غيرهما ، ولا غيرهما فيهما.

ثم الجيم والشين والياء :

أما الجيم فإنها تدغم في الشين خاصّة ، كقولك : «ابعج شّبثا» ويجوز البيان ، وكلاهما حسن. وإنما جاز إدغامها فيها لكونهما من حروف وسط اللسان.

ولم يجز إدغامها في الياء وإن كانت من

٦٤

مخرجها ، لأن الياء حرف علّة وحروف العلة بائنة من جمع الحروف ، بأنها لا يمدّ صوت إلّا بها ، ولأنّ الحركات بعضها. ولذا كانت منفردة بأحكام لا توجد لغيرها ، ألا ترى أنك تقول «عمرو» و «بكر» و «نصر» وما أشبه ذلك في القوافي ، فيعادل الحروف بعضها بعضا ، ولو وقعت ياء أو واو بحذاء حرف من هذه الحروف نحو «جور» و «خير» لم يجز.

وكذلك تكون القافية مثل «سعيد» و «قعود» ، ولو وقع مكان الياء والواو غيرهما لم يصلح ، وتحذف لالتقاء الساكنين في الموضع الذي يحرّك فيه غيرها ، نحو : «يغزو القوم» و «يرمي الرجل» و «مثنى القوم» فصارت لذلك قسما برأسه. فلذلك لم تدغم في غيرها ، ولا أدغم غيرها فيها ، ما عدا النون فإنها أدغمت فيها ، لعلّة تذكر في موضعها.

ولا يدغم في الجيم من مخرجها شيء : أمّا الشين فلم تدغم فيها لأنّ فيها تفشّيا ، فكرهوا إذهابه بالإدغام ، وأيضا فإنّ الشين بتفشّيها لحقت بمخرج الطاء والدال ، فبعدت عن الجيم. وأما الياء فلم تدغم لما تقدّم من ذكر العلّة المانعة من إدغام الياء والواو في حروف الصحّة.

ويدغم فيها من غير مخرجها ستّة أحرف ، وهي : الطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ، نحو : «لم يربط جّملا» و «قد جّعلّ» و «وجبت جّنونها» و «احفظ جّابرا» ، و «انبذ جّعفرا» و «ابعث جّامعا».

وإنما جاز إدغام هذه الأحرف في الجيم ، وإن لم تكن من مخرجها ، لأنها أخت الشين وهي معها من مخرج واحد. فكما أنّ هذه الأحرف تدغم في الشين ، فكذلك أدغمت في أختها ، وهي الجيم ، حملا عليها. والبيان في جميع ذلك أحسن للبعد الذي بينها وبينهن. وإذا أدغمت الطاء والظاء في الجيم ، فالأحسن أن تبقي الإطباق الذي فيهما ، لئلّا تخلّ بهما وتضعفهما ، بزوال الإطباق منهما. وقد يجوز أن تذهب الإطباق جملة.

وأما الشين فإنها لا تدغم في شيء.

وسبب ذلك أنها متفشّية ، كما تقدم ، والإدغام في مقاربها يذهبه ، فيكون ذلك إخلالا بها.

وتدغم فيها الجيم ـ وقد تقدّم ذكر ذلك ـ والطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ، واللّام. أمّا إدغام الجيم فيها فلكونهما من مخرج واحد. وأما إدغام سائر الحروف فيها فلأنّها استطالت بالتفشي الذي فيها ، حتى اتصلت بمخرجها ، فجرت لذلك مجرى ما هو من مخرج واحد. والبيان عربيّ جيدّ ، لبعد ما بينها وبينهنّ.

وأما الياء فلا تدغم في حرف صحيح أصلا ، وقد تقدّم سبب ذلك. وتدغم في الواو ، لأنها شابهتها في اللّين والاعتلال ، إلا أنّ الواو هي التي تقلب لجنس الياء ، تقدّمت أو تأخّرت ، لأنّ القصد بالإدغام

٦٥

التخفيف والياء أخفّ من الواو ، فقبلوا الواو ياء على كل حال ـ وأيضا فإنّ الواو من الشّفة ، والياء من حروف الفم ، وأصل الإدغام أن يكون في حروف الفم ، نحو : «سيّد» و «ميّت». الأصل فيهما : «سيود» و «ميوت» ، و «طيّ» ، و «ليّ» الأصل فيهما : «طوي» ، و «لوي».

ولا يدغم فيها حرف صحيح أصلا ، إلّا النون نحو «من يّوقن». والسبب في أن أدغمت النون وحدها ، من بين سائر الحروف الصحاح ، في الياء ، أنّ النون غنّاء فأشبهت بالغنّة التي فيها الياء ، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف ، كما أنّ اللّين فضل صوت في حروف العلّة وأيضا فإنّ النون قربية في المخرج من الواو التي هي أخت الياء. ويدغم فيها الواو لتشاركهما في الاعتلال واللّين ، كما تقدّم. وذلك نحو : «طويت طيّا» و «لويت ليّا».

ثم الضاد ولا تدغم في شيء من مقارباتها. وسبب ذلك أنّ فيها استطالة وإطباقا واستعلاء ، وليس في مقارباتها ما يشركها في ذلك كلّه. فلو أدغمت لأدّى ذلك إلى الإخلال بها ، لذهاب هذا الفضل الذي فيها.

فأما إدغام بعضهم لها في الطاء بقوله : «مطّجع» يريد : «مضطجعا». فقليل جدّا ، ولا ينبغي أن يقاس. والذي شجّعه على ذلك أشياء ، منها : موافقة الضاد للطاء في الإطباق الذي فيها والاستعلاء وقربها منها في المخرج ووقوعها معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها في الانفصال ، لأنّ الضاد التي تكون آخر كلمة لا يلزمها أن يكون أوّل الكلمة التي تليها طاء ، ولا يكثر ذلك فيها بخلاف «مضطجع». فلمّا اجتمعت هذه الأسباب أدغموا ، واغتفروا لها ذهاب الاستطالة التي في الضاد.

وتدغم فيها الطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ، واللّام. وذلك نحو : «هل ضّلّ زيد» ، و «ابعث ضّرمة» قال سبيويه : «وسمعنا من يوثق بعربيّته قال :

ثار ، فضجّت ضّجّة ركائبه (١)

«فأدغم التاء في الضاد» ، و «اضبط ضّرمة» ، و «احفظ ضّرمة» ، و «خذ ضّرمة» ، و «قد ضّعف». أما اللّام فأدغمت فيها ، لقربها منها في المخرج. وأما سائر الحروف فإنّ الضاد ، بالاستطالة التي فيها ، لحقت مخرج الطاء ، والدال ، والتاء ، لأنها اتصلت بمخرج اللّام ، وتطأطأت عن اللّام حتى خالطت أصول ما اللّام فوقه ، إلّا أنها لم تقع من الثنيّة موقع الطاء لانحرافها ، لأنك تضع لسانك للطاء بين الثّنيّتين. وقربت بسبب ذلك من الظاء ، والذال ، والثاء ، لأنهنّ من حروف طرف اللسان والثنايا ، كالطاء وأختيها. والبيان عربيّ جيّد ، لتباعد ما بينها وبينهنّ.

__________________

(١) البيت لأبي خالد القناني في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦.

٦٦

ثم اللّام والنون والراء :

أما اللّام فإنها تدغم في ثلاثة عشر حرفا ، وهي : التاء ، والثاء ، والدال ، والذال ، والراء ، والزاي ، والسين ، والشين ، والصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والنون. وإنما أدغمت في هذه الحروف لموافقتها لها. وذلك أنّ اللّام من طرف اللسان ، وهذه الحروف : أحد عشر حرفا منها حروف طرف اللسان ، وحرفان منها ـ وهما الضاد والسين ـ يخالطان طرف اللسان. وذلك أنّ الضاد لاستطالتها اتّصلت بمخرج اللّام ، وكذلك الشين بالتفشّي الذي فيها لحقت أيضا مخرجها.

فإن كانت اللّام للتعريف التزم الإدغام ، ولم يجز البيان. والسبب في ذلك أنه انضاف إلى ما ذكرناه من الموافقة كثرة لام المعرفة في الكلام ؛ ألا ترى أنّ كلّ نكرة أردت تعريفها أدخلت عليها اللّام التي للتعريف إلّا القليل منها. وكثرة دور اللفظ في الكلام تستدعي التخفيف. وأيضا فإنّ لام المعرفة قد تنزّلت منزلة الجزء مما تدخل عليه ، وعاقبها التنوين. واجتماع المتقاربين فيما هو كالكلمة الواحدة أثقل من اجتماعهما فيما ليس كذلك. فلمّا كان فيها ثلاث موجبات للتخفيف ـ وهي : ثقل اجتماع المتقاربات ، وكثرة التكلم بها ، وأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة ـ التزم فيها الإدغام.

وإن كانت لغير تعريف أدغمت لأجل المقاربة ، وجاز البيان لأنها لم يكثر استعمالها ككثرة لام التعريف ، ولا هي مع ما بعدها بمنزلة كلمة واحدة كما أنّ لام التعريف كذلك. والإدغام إذا كانت اللّام ساكنة أحسن منه إذا كانت متحرّكة ، نحو : «جعل رّاشد». وإدغامها في بعض هذه الحروف أحسن منها في بعض :

فإدغامها في الراء نحو «هل رّأيت» أحسن من إدغامها في سائرها ، لأنها أقرب الحروف إليها ، وأشبهها بها ، حتى إنّ بعض من يصعب عليه إخراج الراء يجعلها لاما.

وإدغامها في الطاء ، والتاء ، والدال ، والصاد ، والسين ، والزاي ، يلي في الجودة إدغامها في الراء. لأنها أقرب الحروف إليها بعد الراء.

وإدغامها في الثاء ، نحو : (هَلْ ثُوِّبَ)(١) وقد قرأ به أبو عمرو ـ والذال والظاء يلي ذلك ، لأنّ هذه الثلاثة من أطراف الثنايا ، وقد قاربن مخرج ما يجوز إدغام اللام فيه وهو الفاء.

وإدغامها في الضاد والشين يلي ذلك ، لأنهما ليسا من حروف طرف اللسان كاللّام. وإنّما اتصلتا بحروف طرف اللسان ، بالاستطالة التي في الضاد ، والتفشّي الذي في الشين ، كما قدّمنا. ومن إدغامها في الشين قول طريف بن تميم (٢) :

__________________

(١) المطفّفين : ٣٦.

(٢) الكتاب ٢ / ٤١٧ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ١٤١.

واللائق : المستقرّ المحتبس.

٦٧

تقول إذا استهلكت مالا للذّة

فكيهة : هشّيء بكفيّك لائق؟

يريد : هل شيء.

وإدغامها في النون دون ذلك كلّه ، والبيان أحسن منه. وإنما قبح إدغامها في النون ، وإن كانت أقرب إلى اللّام من غيرها من الحروف التي تقدّم ذكرها ، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون من الحروف التي أدغمت هي فيها إلّا اللّام. فكأنهم استوحشوا الإدغام فيها وأرادوا أن يجروا اللّام مجرى أخواتها من الحروف التي يجوز إدغام النون فيها ، فكما أنه لا يجوز إدغام شيء منها في النون كذلك ضعف إدغام اللّام فيها.

ولا يدغم إلّا النون على ما يبيّن في فصل النون.

وأما النون فلها خمسة مواضع : موضع تظهر فيه ، وموضع تدغم فيه ، وموضع تخفى فيه ، وموضع تقلب فيه ميما ، وموضع تظهر فيه وتخفى :

فالموضع الذي تظهر فيه خاصّة إذا كان بعدها هاء أو همزة أو حاء أو عين ، نحو : «منها» ، و «ينأى» ، و «منحار» ، و «منعب» (١).

والموضع الذي تظهر فيه وتخفى إذا وقعت بعدها الغين أو الخاء ، نحو «منغلّ» (٢) ، و «منخل».

والموضع الذي تدغم فيه إذا كان بعدها حرف من حروف «ويرمل».

والموضع الذي تقلب فيه إذا كان بعدها باء.

والموضع الذي تخفى فيه إذا كان بعدها حرف من سائر حروف الفم الخمسة عشر.

فأدغمت في خمسة الأحرف المتقدّمة الذكر لمقاربتها لها : أما مقاربتها للرّاء واللّام ففي المخرج. وأما مقاربتها للميم ففي الغنّة ، ليس حرف من الحروف له غنّة إلّا النون والميم. ولذلك تسمع النون كالميم ويقعان في القوافي المكفأة فلا يكون ذلك عيبا ، نحو قوله (٣) :

ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين ، حديث سنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي

وأما مقاربتها للياء والواو فلأنّ في النون غنّة تشبه اللين في الياء والواو ، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف كما أنّ اللّين كذلك. وهي من حروف الزيادة كما أنّ الياء والواو كذلك ، وتزاد في موضع زيادتهما تقول «عنسل» ، و «جحنفل» ، و «رعشن» كما تقول : «كوثر» ، و «صيقل» ، و «جدول» ، و «عثير» ، و «ترقوة» ،

__________________

(١) المنعب : الفرس الكريم يمدّ عنقه كالغراب.

(٢) منغلّ : من «انغلّ» بمعنى : دخل في الشّيء.

(٣) الرجز لأبي جهل ، وينسب إلى الإمام عليّ.

راجع : لسان العرب (بزل) و (عون) وتاج العروس (عون) ؛ والعقد الفريد ٦ / ٣١٠ ؛ والمقتضب ١ / ٢١٨.

٦٨

و «عفرية». وأيضا فإنها قد أدغمت فيما قارب الواو في المخرج ، وهو الميم ، وفيما هو على طريق الياء وهو الراء ؛ ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء. فأدغمت النون في الياء والواو كما أدغمت في الميم والراء. فلمّا قاربت النون هذه الحروف الخمسة أدغمت فيها.

ولا يجوز البيان إن كانت النون ساكنة. فإن كانت متحرّكة جاز ، لفصل الحركة بين المتقاربين ، لأنّ النيّة بالحركة أن تكون بعد الحرف ، وذلك نحو : «ختن مّوسى».

وإذا أدغمت في الراء ، واللّام ، والواو ، والياء ، كان إدغامها بغنّة ، وبغير غنّة. أما إدغامها بغير غنّة فعلى أصل الإدغام ، لأنك إذا أدغمتها صار اللفظ بها من جنس ما تدغم فيه. فإذا كان ما بعدها غير أغنّ ذهبت الغنّة ، لكونها تصير مثله. ومن أبقى الغنّة ، فلأنها فصل صوت ، فكره إبطالها. فحافظ عليها بأن أدغم ، وأبقى بعضا من النون وهو الغنّة. وإبقاؤها عندي أجود ، لما في ذلك من البيان للأصل والمحافظة على الغنّة.

وإذا أدغمت في الميم قلبت إلى جنسه ، ولم يبق لها أثر ولست بمحتاج إلى غنّة النون ، لأنّ الميم فيها غنّة ، فإذا قلبتها ميما محضة لم تبطل الغنّة.

وزعم سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم ، لا من الخياشيم ، لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم ، وهي من الخياشيم ، لتفاوت ما بينها ، ولا يدغم الأبعد في الأبعد. ووافقه المبرّد في جميع ذلك ، إلّا الميم لأنها من الشفة ، فلو كانت النون المدغمة فيها من الفم لبعدت من الميم. قال : ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم ، لأنّ الميم تخرج من الشفة ، وتصير إلى الخياشيم للغنّة التي فيها ، فأدغمت فيها النون لتلك المجاورة.

ومذهب سيبويه عندي أولى ، لأنّ النون التي في الفم تصير أيضا إلى الخياشيم ، للغنّة التي فيها ، كما كان ذلك في الميم.

وقلبت مع الباء ميما ، ولم تدغم فيها ، لأنّ الباء لا تقارب النون في المخرج كما قاربتها الراء واللّام ، ولا فيما يشبه الغنّة وهو اللّين ، ولا في الغنّة كما قاربتها الميم. فلمّا تعذّر إدغامها في الباء قلبت معها ميما ، لأنّ الباء من مخرج الميم فعوملت معاملتها ، فلمّا قلبت النون مع الميم ميما قلبت ميما أيضا مع الباء. وأمن الالتباس ، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باء.

وأظهرت مع الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، لبعد ما بينها وبينهنّ ، فلم تغيّر النون بإدغام ، ولا بشبهه الذي هو الإخفاء. وأيضا فإنّ حروف الحلق أشدّ علاجا ، وأصعب إخراجا ، وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها. فإخراجها لذلك يحتاج إلى اعتمادات تكون في اللسان ، والنون الساكنة الخفيّة مخرجها من الخيشوم ، فلا

٦٩

علاج في إخراجها ولا اعتماد. فإذا كانت قبل حروف الحلق تعذّر النّطق بحروف الحلق ، لأنّ النون تستدعي ترك الاعتماد ، وحروف الحلق تطلب الاعتماد. فإذا بيّنت النون قبلها أمكن إخراجها ، لأنّ النون البيّنة مخرجها من اللسان ، فهي أيضا تطلب الاعتماد كسائر حروف اللسان.

وأما جواز خفائها وإظهارها مع الخاء والغين ، فلأنهما من أقرب حروف الحلق إلى الفم. فمن أجراهما مجرى ما تقدّمهما من حروف الحلق أظهر النون معهما. ومن أجراهما مجرى ما يليهما من حروف الفم ـ وهو القاف والكاف ـ أخفى النون معهما كما يخفيها مع القاف والكاف.

وأما إخفاؤها مع الخمسة عشر حرفا من حروف الفم الباقية فلأنها اشتركت معها في كونها من حروف الفم. وأيضا فإنها ـ وإن كانت من حروف اللسان ـ فبالغنّة التي فيها ، التي خالطت الخياشيم ، اتّصلت بجميع حروف الفم. فلمّا أشبهتها فيما ذكرنا ، وكانت قد أدغمت في بعض حروف الفم ، غيّروها بالإخفاء معها كما غيّروها بالإدغام والقلب مع حروف «ويرمل» من حروف الفم ، لأنّ الإخفاء شبيه بالإدغام. ولم يغيّروها بالإدغام ، لأنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يقاربها من حروف الفم في المخرج ـ كاللّام والراء ـ وفي الصفة ـ كالميم والياء والواو ـ وبين ما ليس كذلك ، فجعلوا التغيير الأكثر للأقرب ، والتغيير الأقلّ للأبعد.

ولم يسمع من كلامهم تسكين النون المتحركة ، إذا جاءت قبل الحروف التي تخفى معها ، كما تسكّن مع الحروف التي تدغم معها. فلم يقولوا : «ختن سليمان» كما قالوا : «ختن مّوسى». لكن إن جاء ذلك لم يستنكر ، لأنّ الإخفاء نوع من الإدغام.

ولا يدغم في النون شيء إلّا اللّام. وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام.

وأما الراء فلا تدغم في شيء ، لأن فيها تكريرا ؛ ألا ترى أنك إذا نطقت بها تكرّرت في النطق. فلو أدغمتها فيما يقرب منها ـ وهو اللّام والنون ـ لأذهب الإدغام ذلك الفضل الذي فيها من التكرير ، لأنها تصير من جنس ما تدغم فيه ، وما تدغم فيه ليس فيه تكرير. فلمّا كان الإدغام يفضي إلى انتهاكها بإذهاب ما فيها من التكرار لم يجز ، وقد روي إدغامها في اللّام ، وسأذكر وجه ذلك في إدغام القرآن إن شاء الله تعالى.

ولا يدغم فيها إلّا اللّام والنون ، وقد تقدّم ذكر ذلك في فصليهما.

ثم الطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء. كلّ واحدة منهن تدغم في الخمسة الباقية ، وتدغم الخمسة الباقية فيه.

وتدغم أيضا هذه الستّة في الضاد ، والجيم ، والشين ، والصاد ، والزاي ، والسين. ولم يحفظ سيبويه إدغامها في

٧٠

الجيم. ولا يدغم فيهنّ من غيرهن إلّا اللّام. وسواء كان الأول منهما متحرّكا أو ساكنا ، إلّا أنّ الإدغام ، إذا كان الأوّل منهما ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحركا لأنه يلزم فيه تغييران : أحدهما تغيير الإدغام ، والآخر تغيير بإسكان الأوّل.

وإنما جاز إدغامها فيما ذكر لتقاربها في المخرج بعضها من بعض ، ولمقاربتها حروف الصفير في المخرج أيضا كما بيّن في مخارج الحروف.

وأما الضاد والشين ـ وإن لم تقاربهما في المخرج ـ فإنّ التقارب بينهما وبينها من حيث لحقت الضاد ، باستطالتها ، والشين ، بتفشّيها مخرجها. والضاد أشبه بها من الشين ، لأن الضاد قد أشبهتها من وجه آخر ، أنها مطبقة كما أنّ الطاء والظاء كذلك.

وأما إدغامها في الجيم فحملا على الشين ، لأنهما من مخرج واحد. والإدغام في جميع ما ذكر أحسن من البيان. والسبب في ذلك أنّ أصل الإدغام لحروف طرف اللسان والفم ، بدليل أنّ حروف الحلق يدغم منها الأدخل في الأخرج ، لأنه يقرب بذلك من حروف الفم. ولا يدغم الأخرج في الأدخل ، لأنه يبعد بذلك من حروف الفم ، ويتمكّن في الحلق.

وإنما كان الإدغام في حروف الفم وطرف اللسان أولى لكثرتها ، وما كثر استدعى التخفيف. وأكثر حروف الفم من طرف اللسان ، لأنّ حروف الفم تسعة عشر. منها اثنا عشر حرفا من طرف اللسان. فلذلك حسن الإدغام في هذه الحروف.

والبيان في بعضها أحسن منه في بعض ، وذلك مبنيّ على القرب بين الحرفين. فما كان أقرب إلى ما بعده كان إدغامه أحسن. وذلك أن الإدغام إنما كان بسبب التقارب ، فإذا قوي التقارب قوي الإدغام ، وإذا ضعف ضعف الإدغام.

فتبيين هذه الستة الأحرف إذا وقعت قبل الجيم أحسن من بيانها إذا وقعت قبل الشين ، لأنّ إدغامها في الجيم بالحمل على إدغامها في الشين. بل لم يحفظ سيبويه إدغامها في الجيم كما تقدّم.

وتبيينها إذا وقعت قبل الشين أحسن من تبيينها إذا وقعت قبل الضاد ، لأنّ الشين أبعد منها من الضاد ، لأنّ الشين أشبهتها من جهة واحدة ، وهو اتصالها بمخرجها بالتفشّي الذي فيها ـ كما تقدّم ـ والضاد أشبهتها من وجهين ، وهما : اتصالها بها بسبب الاستطالة ، وشبهها بالطاء والظاء بسبب الإطباق كما ذكر.

وتبيينها قبل الضاد أحسن من تبيينها قبل الصاد والسين والزاي ، لأنّ الضاد أبعد منها لأنها لا تقاربها في المخرج ، وحروف الصفير تقاربها في المخرج.

وتبيينها قبل حروف الصفير أحسن من

٧١

تبيين بعضها قبل بعض ، لأنّ بعضها أقرب إلى بعض في المخرج من حروف الصفير إليها.

وتبيين الطاء ، والدال ، والتاء ، إذا وقعت قبل الظاء ، والثاء ، والذال ، أو وقعت الظاء ، والثاء ، والذال ، قبلها ، أحسن من تبيين الطاء ، والدال ، والتاء ، إذا وقع بعضها قبل بعض ، والظاء ، والثاء ، والذال ، إذا وقع بعضها قبل بعض. لأنّ الظاء وأختيها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الطاء وأختيها ، وكذلك الطاء وأختاها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الظاء وأختيها.

وتبيين الظاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض أحسن من تبيين الطاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض ، لأنّ في الظاء وأختيها رخاوة فاللسان يتجافى عنهنّ ؛ ألا ترى أنّك إذا وقفت عليهنّ رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا ، فكأنها خرجت عن حروف الفم إذ قاربت الشفتين. والطاء وأختاها ليست كذلك ؛ ألا ترى أنّ الأسنان العليا منطبقة على الأسنان السفلى ، واللسان من وراء ذلك فلم يتجاوز الفم. والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم.

وإذا أدغمت التاء ، والدال ، والثاء ، والذال في شيء مما تقدّم أنهنّ يدغمن فيه ، قلبت إلى جنسه. قال :

ثار. فضجّت ضّجّة ركائبه (١)

فقلب التاء ضادا. وقال ابن مقبل (٢) :

وكأنّما اغتبقت صّبير غمامة

بعرا ، تصفّقه الريّاح ، زلالا

فقلبت التاء صادا.

وإذا أدغمت الطاء والظاء في مطبق ، مثل أن يدغما في الصاد والضاد ، أو يدغم أحدهما في الآخر ، قلب المدغم إلى جنس ما يدغم فيه.

وإذا أدغما في غير مطبق ، مثل أن يدغما في الدال والتاء ، فالأفصح ألّا يقلبا إلى جنس ما يدغمان فيه بالجملة ، بل يبقى الإطباق ، وبعض العرب يذهب الإطباق.

وإذهاب الإطباق منهما ، مع ما كان من غير المطبقات أشبه بهما أحسن من إذهابه مع ما لم يكن كذلك. فإذهاب الإطباق من الطاء مع الدال ، لأنهما قد اجتمعا في الشدّة ، أحسن من إذهابه مع التاء لأنها مهموسة. وإذهاب الإطباق من الظاء مع الزاي ، لأنهما مجهوران ، أحسن من إذهابه مع الثاء لأنها مهموسة. وتمثيل الإدغام في ذلك بيّن لا يحتاج إليه.

ولا يدغم في الحروف المذكورة من

__________________

(١) سبق تخريج البيت منذ قليل.

(٢) البيت لابن مقبل في الكتاب ٢ / ٤١٩.

والصبير : ما تراكب من السحاب. العرا : العراء.

٧٢

غيرها إلّا اللّام. وقد تبيّن ذلك في فصل اللّام.

ثم الصاد والسين والزاي : كلّ واحدة منهن تدغم في الأخرى ، لتقاربهنّ في المخرج ، واجتماعهنّ في الصّفير ، فإذا قلبت الأوّل منهما إلى جنس الثاني ، قلبته إلى مقاربه في المخرج وصفيريّ مثله ، فلم يكن في الإدغام إخلال به. وسواء كان الأول متحركا أو ساكنا ، إلا أنّ الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحرّكا ، لأنه يلزم فيه تغييران : أحدهما تغيير الحرف بقلبه إلى جنس ما يدغم فيه ، والآخر تغييره بالإسكان. وإذا كان الأول ساكنا لا يلزم فيه إلّا تغيير واحد ، وهو قلب الأوّل حرفا من جنس ما يدغم فيه. والإدغام أحسن فيهنّ من الإظهار. لأنهنّ من حروف طرف اللسان والفم ، والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم وطرف اللسان. وذلك نحو قولك : «احبس صّابرا» ، و «حبس صّابر» ، و «احبس زّيدا» ، و «حبس زّيد» ، و «أوجز صّابرا» ، و «أوجز صّابر» ، و «أوجز سّلمة» ، و «أوجز سّلمة» ، و «افحص زّردة» ، و «فحص زّردة» ، و «افحص سّالما» ، و «فحص سّالم».

وإذا أدغمت الصاد في الزاي أو في السين ، قلبتها حرفا من جنس ما أدغمتها فيه ، فتقلبها مع السين سينا ، ومع الزاي زايا ، إلّا أنك تبقي الإطباق الذي في الصاد محافظة عليه. وقد يجوز ترك الإطباق ، حملا على الأصل في الإدغام ، من أن يقلب الحرف إلى جنس ما يدغم فيه ألبتّة. وإذهاب الإطباق منها مع السين أحسن من إذهابه مع الزاي ، لأنّ السين تشاركها في الهمس ، ولا تخالفها الصاد بأكثر من الإطباق.

وإذا أدغمتهما في الصاد قلبتهما صادين ألبتّة لأنه ليس في ذلك إخلال بهما. وكذلك إذا أدغمت السين في الزاي ، والزاي في السين ، قلبت كلّ واحدة منهما إلى جنس ما يدغم فيه ألبتّة ، لأنه ليس في ذلك إخلال.

ولا يدغم شيء من هذه الصفيريّات في شيء مما يقاربها من الحروف ، لأنّ في ذلك إخلالا بها ، لأنها لو أدغمت لقلبت إلى جنس ما تدغم فيه فيذهب الصفير ، وهو فضل صوت في الحرف.

ويدغم فيها من غيرها اللّام ـ وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام ـ والطاء ، والدال ، والتاء ، والظاء ، والذال ، والثاء ، وقد تقدّم ذلك في فصل الطاء وأخواتها.

ثم الفاء : ولا تدغم في مقاربها ، لأنّ فيها تفشّيا ، فلو أدغمتها لذهب ذلك التفشّي. ويدغم فيها مما يقاربها الباء ، فتقول : «إذهب فّي ذلك» ، لأنه ليس في ذلك إخلال بالباء ، بل تقوية بقلبها حرفا متفشّيا.

فأما الميم والواو ، وإن كانتا تقاربان الفاء

٧٣

في المخرج لأنهما من الشّفتين كالفاء ، فلم تدغما في الفاء ، لأنّ الميم فيها غنّة والواو فيها لين ، والغنّة واللّين فضل صوت في الحرف ، فلو أدغمتها فيها لقلبتهما فاء ، فتذهب الغنّة واللّين فيكون ذلك إخلالا بهما.

ثم الباء : وهي تدغم في الفاء والميم ، لقربهما منها في المخرج. وذلك نحو : «اذهب فّي ذلك» ، و «اصحب مّطرا». ولا يدغم فيها شيء ، وسبب ذلك أنّ الذي يقاربها في المخرج إنما هو الفاء والميم والواو : فأما الفاء فلم تدغم فيها للعلّة التي تقدّم ذكرها في فصل الفاء. وأما الميم والواو فلم تدغما في الباء للعلّة التي منعت من إدغامهما في الفاء. وأيضا فإنّ النون الساكنة تقلب قبل الباء ميما ، فإذا كانوا يفرّون من النون الساكنة إلى الميم قبل الباء فالأحرى أن يقرّوها إذا وجدوها.

ثم الميم : ولا تدغم في شيء مما يقاربها ، لأنها إنما يقاربها في المخرج الفاء ، والباء ، والواو ، وقد تقدّم ذكر السبب المانع من إدغام الميم في هذه الأحرف الثلاثة. ولا يدغم فيها إلّا النون ـ وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها ـ والياء ، وقد تقدّم ذلك في فصل الياء وأخواتها.

ثم الواو وهي لا تدغم إلّا في الياء ، لاجتماعها معها في الإعلال واللين. ولا تدغم في شيء مما يقاربها ، لأنها حرف علّة والمقارب لها حروف صحّة ـ وهي الميم والباء والفاء ـ وقد تقدّم أنّ حروف العلّة لا تدغم في حروف الصحّة ، وإعطاء السبب في ذلك. ولا يدغم فيها من غيرها إلّا النون ، وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها.

واعلم أنّ الإدغام في المتقاربين إنما يجوز إذا كانا من كلمتين ، لأنه لا يلتبس إذ ذاك بإدغام المثلين ، لأن الإدغام فيما هو من كلمتين لا يلزم ، بل يجوز الإظهار فيكون في ذلك بيان للأصل. فإن اجتمع المتقاربان في كلمة واحدة لم يجز الإدغام لما في ذلك من اللّبس بإدغام المثلين ، لأنّ الإدغام في الكلمة الواحدة لازم. فإذا أدغمت لم يبق ما يستدلّ به على الأصل ؛ ألا ترى أنك لو أدغمت النون من «أنملة» في الميم فقلت : «أمّلة» لم يدر : هل الأصل «أنملة» أو «أمملة»؟

ولأجل اللّبس ، الذي في إدغام المتقاربين من كلمة واحدة بيّنت العرب النون الساكنة ، إذا وقعت قبل الميم ، أو الواو ، أو الياء في كلمة ، نحو : «زنم» (١) ، و «أنملة» ، و «قنواء» (٢) ، و «كنية» ولم تخفها كما تفعل بها مع سائر حروف الفم ، لأنّ الإخفاء يقرّبها من الإدغام ، فخافوا أن يلتبس الإخفاء بالإدغام ، فقلبوا لذلك.

__________________

(١) زنم : جمع زنماء ، وهي الشاة التي لها زنمة ، وهي اللحمة المتدلّية كالقرط من الأذن.

(٢) القنواء : المحدودبة الأنف.

٧٤

ولذلك أيضا لم يوجد في كلامهم نون ساكنة قبل راء أو لام ، نحو : «عنل» و «قنر» في كلمة واحدة ، لأنك إن بيّنت ثقل لقرب النون من الراء واللّام وإن أدغمت التبس بإدغام المثلين.

إلا أن يجتمع المتقاربان في «افتعل» ، أو «تفاعل» ، أو «تفعّل» ، نحو : «اختصم» ، و «تطيّر» ، و «تطاير» فإنّه ، يجوز الإدغام فيها. والسبب في ذلك ما ذكرناه في إدغام المثلين ، من أنّ التاء من هذه الأبنية الثلاثة تنزّلت ممّا بعدها منزلة المنفصل ، لأنه لا يلزم أن يكون بعدها مثلها. وكذلك أيضا لا يلزم أن يكون بعدها مقاربها كما لا يلزم ذلك في الكلمتين. فلمّا أشبه اجتماع المتقاربين فيها اجتماعهما في الكلمتين لم يلزم الإدغام كما لا يلزم ذلك في الكلمتين ، فأمن التباس إدغام المتقاربين في هذه الأبنية بإدغام المثلين ، لأنّ الإظهار يبيّن الأصل ، كما كان ذلك في الكلمتين.

فإذا أردت الإدغام قلبت أحد المتقاربين إلى جنس الآخر ـ على حسب ما أحكم في الفصول المتقدّمة ـ ثم أدغمت. فتقول في «تطيّر» و «تدارأ» إذا أردت الإدغام : «اطّيرّ» و «ادّارأ» ، فتقلب التاء حرفا من جنس ما بعدها وتسكنه بسبب الإدغام. ثم تدغم وتجتلب همزة الوصل ، إذ لا يمكن الابتداء بالساكن. وتقول في «اختصم» إذا أردت الإدغام : «خصّم» فتقلب التاء صادا وتسكّنها بنقل حركتها إلى ما قبلها ثم تدغم.

هذا في لغة من قال «قتّل» بفتح القاف والتاء. ومن قال : «قتّل» بفتح التاء وكسر القاف قال : «خصّم» بكسر الخاء وفتح الصاد. ومن قال : «قتّل» بكسرهما قال : «خصّم» بكسر الخاء والصاد. والعلّة في ذلك كالعلّة في «قتّل» وأمثاله.

وحكم اسم الفاعل والمفعول والمصدر والمضارع أن يكون مثله من «قتّل» وأمثاله ، وقد تقدّم إذ ليس بين إدغام التاء من هذه الأمثلة فيما بعدها ، إذا كان مماثلا لها وبين إدغامها فيه إذا كان مقاربا لها فرق أكثر من أنك تقلب التاء إلى جنس ما يقاربها ، ولا تحتاج إلى ذلك إذا أدغمتها في مثلها.

فإن قال قائل : فهلّا أجريت التاء من «استفعل» مجرى التاء من «افتعل» فأدغموها فيما يقاربها كما فعلرا بتاء «افتعل» لأنها لا يلزمها أن يكون بعدها ما يماثلها ولا ما يقاربها ، كما لا يلزم ذلك بتاء «افتعل»! فالجواب أنّ الذي منع من ذلك أنهم لو أدغموا لاحتاجوا إلى تحريك السين كما احتاجوا إلى تحريك فاء «افتعل» فكرهوا أن يحرّكوا حرفا لم تدخله الحركة في موضع ، لأنّ السين لا تزاد في الفعل إلّا ساكنة وأما فاء «افتعل» فإنها قد كانت متحرّكة قبل لحاق الفعل الزيادة ، فلم تكره الحركة فيها لذلك ؛ ألا ترى أنّ الخاء من «اختصم» متحرّكة في «خصّم».

٧٥

ولأجل تعذّر الإدغام شذّ بعضهم ، فحذف التاء من «يستطيع» لمّا استثقل اجتماع المتقاربين ، فقال : «يسطيع».

وكذلك أيضا يجوز الإدغام في المتقاربين ، وإن كانا في كلمة واحدة ، إذا كان بناء الكلمة مبيّنا أنّ الإدغام لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين. وذلك نحو : «انفعل» من «المحو» فإنّك تقول فيه : «امّحى» لأنه لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين ، لأنه ليس في الكلام «افّعل» فعلم أنه «انمحى» في الأصل.

فهذا جميع ما يجوز فيه إدغام المتقاربين ، مما هو في كلمة واحدة ، إلّا ما شذّ من خلاف ذلك ، فيحفظ ولا يقاس عليه. فمن ذلك «ستّ» ، و «ودّ» ، و «عدّان».

أما «ستّ» ، فأصلها «سدس» بدليل قولهم في الجمع : «أسداس». فأبدلوا من السين تاء ، لأنّ السين مضعّفة وليس بينهما حاجز إلّا الدال ، وهي ليست بحاجز قويّ لسكونها. وأيضا فإنّ مخرجها من أقرب المخارج إلى مخرج السين ، فكأنه قد اجتمع فيه ثلاث سينات. وكرهوا إدغام الدال في السين ، لأنهم لو فعلوا ذلك لقالوا : «سسّ» فيزداد اللفظ سينا. فأبدلوا من السين حرفا يقرب منها ومن الدال ، وهو التاء ، لأنّ التاء تقارب الدال في المخرج والسين في الهمس ، فقالوا : «سدت» فكرهوا أيضا اجتماع الدال ساكنة مع التاء ، لما بينهما من التقارب حتى كأنهما مثلان ، مع أنّ الكلمة قد كثر استعمالها ، فهي مستدعية للتخفيف من أجل ذلك. فأدغموا الدال في التاء ، ليخفّ اللفظ ، فقالوا : «ستّ».

وأما «ودّ» و «عدّان» فأصلهما : «وتد» و «عتدان» جمع «عتود». فاستثقلوا في «عتدان» اجتماع التاء الساكنة مع الدال ، للتقارب الذي بينهما حتى كأنهما مثلان ، وليس بينهما حاجز كما تقدّم. وكذلك أيضا «وتد» لمّا سكنت التاء في لغة بني تميم ـ كما يقولون في «فخذ» : فخذ ـ اجتمعت التاء ساكنة مع الدال ، فاستثقلوا ذلك كما استثقلوا في «عتدان» البيان حين أدغموا فقالوا «عدّان» والبيان فيه جائز. ولو كانت التاء متحرّكة لم تدغم ، لأن الحركة في النيّة بعد الحرف ، فتجيء بينهما.

ومما يبيّن استثقالهم التاء ساكنة قبل الدال اجتنابهم «وتدا» و «وطدا» في مصدر «وتد» و «وطد» وعدولهم عن ذلك إلى «تدة» ، و «طدة» ، كـ «عدة».

فإن كان الثاني من المتقاربين ساكنا بيّنا ولم يجز الإدغام. وقد شذّت العرب في شيء من ذلك فحذفوا أحد المتقاربين ، لمّا تعذّر التخفيف بالإدغام لأنه يؤدّي إلى اجتماع ساكنين ، لأنه لا يدغم الأول في الثاني حتى يسكن كما تقدّم ، فقالوا :

٧٦

«بلحارث» ، و «بلعنبر» ، و «بلهجيم» في «بني الحارث» ، و «بني العنبر» ، و «بني الهجيم». وكذلك يفعلون في كلّ قبيلة ظهر فيها لام المعرفة ، نحو : «بلهجيم» ، و «بلقين» في «بني الهجيم» و «بني القين».

فإن لم تظهر فيها لام المعرفة لم يحذفوا ، نحو : «بني النّجار» ، و «بني النمر» ، و «بني التّيم» لئلّا يجتمع عليه علّتان : الإدغام والحذف. وذلك أنه لمّا حذفت الياء من «بني» لالتقائها ساكنة مع لام التعريف اجتمعت النون مع اللّام وهما متقاربان ، فكره اجتماعهما لما في ذلك من الثقل ، مع أنه قد كثر استعمالهم لذلك ، وكثرة الاستعمال مدعاة للتخفيف. فخفّفوا بالحذف ، إذ لا يمكن التخفيف بالإدغام» (١).

الإدغام الأصغر أو الإدغام الصغير

راجع ؛ الإدغام (أ).

الإدغام الأكبر أو الإدغام الكبير

راجع : الإدغام (ب).

الإدغام الصغير

راجع : الإدغام (أ).

الإدغام الكبير

راجع : الإدغام (ب).

أدلّة الصّرف

هي المصادر التي اعتمدها اللغويّون والنحاة لإثبات صحّة قاعدة أو استعمال تركيب وغيرهما. وهو على أنواع :

أ ـ السماع. انظر : السماع.

ب ـ الإجماع : وهو مصدر أجمع القوم : اتّفقوا.

وهو اتّفاق علماء الصرف والنحو على قضيّة ما.

ج ـ القياس. انظر القياس.

د ـ الاستقراء. وهو ، في اللغة ، مصدر استقرأ الأمور : تتبّعها لمعرفة أحوالها وخواصّها. وهو تعرّف الشيء الكلّي بجميع جزئيّاته ، نحو : الكلمة ثلاثة أنواع : اسم ، وفعل ، وحرف.

ه ـ الاستحسان. انظر : الاستحسان.

و ـ عدم النظير. انظر : عدم النظير.

ز ـ عدم الدليل. انظر : عدم الدليل.

ح ـ العكس : هو ، في اللغة ، مصدر عكس الشيء : قلبه.

وهو أن يعكس دليل على حكم ما لإبطاله.

ط ـ بيان العلّة. انظر : بيان العلة.

ي ـ الأصول : ج أصل ، أي أساس.

وأصل الشيء : أساسه الذي يقوم عليه.

وهي إبطال دليل بالعودة إلى الأصل.

__________________

(١) الممتع في التصريف ص ٦٧٩ ـ  ٧١٨.

٧٧

ك ـ الدليل الباقي : هو بقاء الدليل على حكمه الأصليّ.

ل ـ الاستصحاب. انظر : الاستصحاب.

الاستحسان

هو ، في اللغة ، مصدر «استحسن الشيء» : وجده حسنا ، أو عدّه حسنا ؛ وهو ترك القياس والأخذ بما استساغه الناس.

فقياس اسم الزمان والمكان من «شرق» و «غرب» «مشرق» و «مغرب» بفتح الراء في الاسمين ، ولكنّ المستعمل «مشرق» ، و «مغرب» ، وهذا الاستعمال هو المستحسن اليوم ، وكلّ ما هو مطّرد في الاستعمال ، وشاذّ في القياس ، يستحسن استعماله ، فقولك : «استصوبت الأمر» ، و «استحوذت الشّيء» ، و «استنوق الجمل» أحسن من «استصاب الأمر» ، و «استحاذ الشيء» ، و «استناق الجمل». وراجع : القياس ، والسماع.

استدراج العلّة

هو حذف الواو من المثال (الفعل المعتل الفاء بالواو) في المضارع المكسور العين ، نحو : «أجد ، نجد».

الاستدلال

هو ، في اللغة ، مصدر «استدلّ على الشيء» : طلب أن يرشد إليه.

وهو إثبات صحة قاعدة أو استعمال تركيب وغيرهما بأحد أدلّة النحو. راجع : أدلة النحو.

الاستشهاد

هو ، في اللغة ، مصدر استشهد بالشيء ، احتجّ به.

وهو اعتماد السماع في الاحتجاج على قضّية ما ، كالاستشهاد بقول مجنون ليلى (١) :

لا يذكر البعض من ديني فينكره

ولا يحدّثني أن سوف يقضيني

وقول سحيم عبد بني الحسحاس (٢) :

رأيت الغنيّ والفقير كليهما

إلى الموت يأتي الموت للكلّ معمدا

لصحة إدخال «أل» على «بعض» و «كلّ».

الاستصحاب

هو ، في اللغة ، مصدر استصحب الشيء : لازمه ، واستصحبه : دعاه إلى الصحبة.

وهو من أدلّة النحو ، يجري على إبقاء حال اللفظ على ما يستحقّه إذا لم يقم دليل يناهضه ، كاستصحاب البناء في الأفعال حتى يوجد دليل الإعراب ، واستصحاب إعراب الأسماء حتى يوجد دليل البناء. ومن ذلك اعتبار «نعم» ، و «بئس» فعلين لا اسمين ، بدليل بنائهما على الفتح ، فلو كانا اسمين ، لما كان لبنائهما وجه ، إذ لا علّة فيهما توجب البناء.

__________________

(١) ـ دويوانه ص ٢١٦.

(٢) ـ ديوانه ص ٤١.

٧٨

استصحاب الحال

راجع : الاستصحاب.

الاستعلاء

هو ، في اللغة ، مصدر استعلى الشيء : صعده ، واستعلى النهار : ارتفع. وهو ، في الاصطلاح ، خروج صوت الحرف من أعلى الفم ،

ومن صفات الحروف : خ ، ص ، ض ، ط ، ظ ، غ ، ق. ويقابله الاستفال. راجع : الاستفال.

الاستفال

هو ، في اللغة ، استفل الشيء : انخفض ، وفي الاصطلاح خروج صوت الحرف من أسفل الفم ، وهو من صفات الحروف : أ، ب ، ت ، ث ، ج ، ح ، د ، ذ ، ر ، ز ، س ، ش ، ع ، ف ، ك ، ل ، م ، ن ، ه ، و، ي. ويقابله الاستعلاء. راجع : الاستعلاء.

الاستمرار التجدّدي

انظر : الاستمرار المتجدّد.

الاستمرار الدواميّ

هو ملازمة الشيء لصاحبه. وهو من خصائص الصّفة المشبّهة وأفعل التفضيل ، نحو : طويل القامة.

ويسمّى أيضا : الدّوام المتّصل ، والثبوت. راجع : الصفة المشبهة ، وأفعل التفضيل.

الاستمرار المتجدّد

هو عدم ملازمة الشيء لصاحبه في بعض الأحيان ، أو يلازمه مرة ثم ينقطع ، ثم يلازمه ثم ينقطع ... وهو من خصائص اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وصيغ المبالغة. راجع : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وصيغ المبالغة.

استنجده يوم صال زطّ

هي عند بعضهم ، جملة تجمع الحروف التي يجري بينها الإبدال. راجع : الإبدال الصرفيّ.

الاستواء

هو ، في اللغة ، مصدر استوى الشيئان : تساويا. وهو ، في الاصطلاح ، أن يتساوى في حالة صرفية أو نحوية احتمالان ، أو أكثر كالرفع والنصب ، نحو : يا يوسف العادل أو العادل ، أو الرفع والنصب والبناء ، نحو : لا شيء سهل ، سهلا ، سهل في هذه الحياة ، أو التذكير والتأنيث ، نحو : رجل صبور ، وامرأة صبور.

الإسقاط

هو ، في اللغة ، مصدر أسقط كذا من كذا : اقتطعه منه ، حذفه ، وفي الاصطلاح ، هو حذف حرف من كلمة لسبب صرفيّ أو نحويّ ، نحو : نجد (أصلها : نوجد).

الإسقاط البدئيّ

هو حذف حرف أو مقطع من أوّل

٧٩

الكلمة ، نحو : عد (الأمر من وعد).

الإسكان

هو ، في اللغة ، مصدر أسكن المتحرّك : وقف حركته. انظر : الوقف.

أسلمني وتاه

جملة تجمع أحرف الزيادة. راجع : سألتمونيها ، وأحرف الزيادة.

الاسم

هو ، في اللغة ، ما يعرف به الشيء ، ويستدلّ به عليه. وهو ، عند النحاة ، ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بزمن ، نحو : «رجل» ، و «فرس» ، و «نبل» ، و «بيت».

أوزانه : للاسم أوزان كثيرة بحسب بنيته (ثلاثيّ ، رباعيّ ، خماسيّ ، مجرّد ، مزيد) أو بحسب أنواعه (اسم فاعل ، اسم مفعول ، مصدر) وسنفصّل كلّ نوع في مادّته.

اسم الآلة

ـ تعريفه : هو ما يدلّ على أداة العمل ، ويصاغ غالبا من الفعل الثلاثيّ المجرّد المتعدّي ، نحو : «مبرد» ، و «منشار». وقد يكون من غير الثلاثيّ المجرّد ، نحو : «مئزر» (من ائتزر) ، أو من الثلاثي المجرّد اللّازم ، نحو : «معراج» ، و «مصباح» (من عرج وصبح) ، أو من الأسماء الجامدة ، نحو : «محبرة» (من الحبر) و «مقلمة» (من القلم).

٢ ـ أوزانه : اسم الآلة نوعان : قياسيّ وغير قياسيّ. وأوزان اسم الآلة القياسيّة سبعة ، وهي : مفعال ، نحو : «منشار» ، و «مفتاح» ، و «مجداف».

مفعل ، نحو : «مبرد» ، و «منجل» ، و «مبضع».

مفعلة ، نحو : «مجرفة» ، و «مكنسة» ، و «مدخنة».

فعّالة ، نحو : «غسّالة» و «ثلّاجة» ، و «كسّارة».

فعال ، نحو : «إراث» ، و «قطار» ، و «لثام».

فاعلة ، نحو : «ساقية» ، و «رافعة» ، و «قاطرة».

فاعول ، نحو : «ساطور» ، و «حاسوب» ، و «ناقور».

وجاء في كلام العرب ألفاظ شذّت عن القياس ، نحو : «منخل» ، و «مسعط» (الأداة التي يوضع بها الدواء في أنف المريض).

وقد أتى اسم الآلة جامدا على أوزان شتّى لا ضابط لها ، نحو : «فأس» ، و «قدّوم» ، و «سكّين» ، و «قلم» ، و «جرس» ، و «رمح».

اسم التفضيل

انظر : أفعل التفضيل.

الاسم الثلاثيّ المجرّد

هو الاسم الثلاثيّ الخالي من حروف الزيادة ، وأوزانه هي :

٨٠