المعجم المفصّل في علم الصّرف

المعجم المفصّل في علم الصّرف

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

يريد : «غير مؤتلي».

وإبدال العين قليل جدّا ، ولا يفعل ذلك إلّا بنو تميم» (١).

الإبدال غير القياسيّ

راجع : الإبدال الشاذّ.

الإبدال غير المطّرد السماعيّ

راجع : الإبدال الشاذّ.

إبدال الفاء

«أبدلت الفاء من الثاء في «ثمّ» و «جدث». فقالوا «قام زيد فمّ عمرو» ، والأصل الثاء ، لأنّ «ثمّ» أكثر استعمالا من «فمّ». وقالوا «جدف» في «جدث» ، والأصل الثاء ، لقولهم في الجمع : «أجداث» ، ولم يقولوا : «أجداف».

وإبدال الفاء قليل جدّا (٢).

الإبدال القياسيّ

راجع : الإبدال الصرفيّ.

إبدال الكاف

«أبدلت الكاف من تاء ضمير المخاطب في «فعلت» فقالوا : «فعلك». وأنشد سحيم قصيدة ، فقال : «أحسنك والله» ، يريد «أحسنت والله». وأنشد أبو الحسن لبعضهم :

يا بن الزّبير ، طالما عصيكا

وطالما عنّيتنا ، إليكا

لنضربن ، بسيفنا ، قفيكا (٣)

إبدال اللام

أبدلت اللام من الضّاد في «اضطجع».

قال الراجز (٤) :

لمّا رأى أن لا دعه ، ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف ، فالطجع

يريد «فاضطجع».

وأبدلوا اللام من النون ، في «أصيلان» تصغير «أصلان» ، فقالوا : «أصيلانا» و «أصيلالا» (٥).

الإبدال اللّغويّ

هو انتزاع كلمة من كلمة أخرى بتغيير حرف من أحرفهما ، نحو : قضم (أكل اليابس) وخضم (أكل الرطب).

وله تسميات أخرى هي : الإبدال ، الإبدال الاشتقاقيّ ، الاشتقاق الأكبر ، الاشتقاق الكبير ، البدل ، التعاقب ، القلب ، المبدول ، المحوّل ، المضارعة ، المعاقبة ، النظائر ، المقلوب.

__________________

(١) الممتع في التصريف ص ٤١٢.

(٢) الممتع في التصريف ص ٤١٤.

(٣) الرجز لرجل من حمير. راجع سرّ صناعة الإعراب ١ / ٢٨١ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٠٢.

(٤) الرجز بلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٢٦ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ٤٥.

(٥) الممتع في التصريف ص ٤٠٣.

٢١

وفي رأي بعض اللغويّين والنحاة أنّ من أسباب الإبدال اللغوي :

أ ـ التطوّر الصوتيّ.

ب ـ التصحيف.

ج ـ لثغة اللسان.

د ـ خطأ في السمع.

ه ـ عجز الأجانب عن لفظ بعض الحروف العربيّة. راجع الاشتقاق.

إبدال المخالفة

هو إبدال لغويّ يتمّ بجعل الصوتين المتماثلين صوتا واحدا ، نحو : تخطّى (تخطّط).

الإبدال المطّرد

راجع : الإبدال الصرفيّ.

إبدال الميم

أبدلت الميم من أربعة أحرف وهي : الواو ، والنون ، والياء ، واللّام.

فأبدلت من الواو في قولهم : «فم» ، والأصل : «فوه» ، فحذفت الهاء تخفيفا ، فلمّا صار الاسم على حرفين ، الثاني منهما حرف لين ، كرهوا حذفه للتنوين ، فيجحفوا به ، فأبدلوا من الواو ميما لقرب الميم من الواو ، وقد تشدّد الميم في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

يا ليتها قد خرجت من فمّه

حتّى يعود البحر في أسطمّه (١)

روي بفتح الفاء من «فمّه» وضمّها.

والدليل على أنّ الأصل فيه «فوه» قولهم : «أفواه» و «فوهاء» و «أفوه» ، و «مفوّه».

وأبدلت باطّراد من النون الساكنة عند الباء في نحو : «عمبر» و «شمباء» (٢). وذلك لأنّ النون أخت الميم وقد أدغمت في الميم ، فأرادوا إعلالها أيضا مع الباء كما أعلّوها مع الميم بالإدغام. وسنبيّن ذلك بأكثر من هذا ، في الإدغام ، إن شاء الله تعالى.

وقد أبدلت من نون «البنان» فقالوا : «البنام». قال :

يا هال ذات المنطق التّمتام

وكفّك ، المخضّب البنام (٣)

يريد «البنان».

وأبدلت أيضا من الباء في قولهم : «بنات بخر» و «بنات مخر». وهنّ سحائب يأتين قبل الصّيف ، بيض منتصبات في السّماء.

قال طرفة (٤) :

__________________

(١) الرجز للعجّاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٢٧. وأسطمّ البحر : معظمه.

(٢) الشمباء : عذبة الثغر.

(٣)هال : ترخيم «هالة». التمتام : ترداد نطق التاء.

والرجز لرؤبة. راجع : شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٦ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ٣٣.

(٤) ديوانه ص ٧٤. يمأدن : يتحرّكن. العساليج :

ج العسلوج ، وهو ما لان واخضرّ من قضبان الشجر أوّل نباته. الخضر : نبات أخضر.

٢٢

كبنات المخر ، يمأدن كما

أنبت الصّيف عساليج الخضر

وإنّما جعلت الباء الأصل ، لأنّ «البخر» مشتقّ من البخار ، لأنّ السحاب إنّما ينشأ عن بخار البحر.

وأبدلت أيضا من الباء ، فيما حكاه أبو عمرو الشيبانيّ ، من قولهم : «ما زال راتما على كذا» و «راتبا» أي : مقيما ، من الرّتبة.

وأبدلت أيضا من الباء ، في قولهم : «رأيته من كثب» و «من كثم» أي : من قرب. ثم قالوا : «قد أكثب هذا الأمر» أي قرب ، ولم يقولوا : «أكثم». فدلّ ذلك على أنّ الباء هي الأصل.

وأبدلت أيضا من الباء ، في «نغب» جمع «نغبة» ، فقالوا : «نغم». قال الشاعر :

فبادرت شربها عجلى مثابرة

حتى استقت دون محنى جيدها نغما (١)

وأبدلت من النون فيما حكاه يعقوب عن الأحمر من قولهم : «طانه الله على الخير» و «طامه» أي : جبله وهو يطينه ، ولا يقال : «يطيمه». فدلّ ذلك على أنّ النون هي الأصل. وأنشد :

لقد كان حرّا يستحي أن تضمّه

ألا تلك نفس طين منها حياؤها (٢)

وأبدلت من لام التعريف ، ومنه قوله عليه السّلام : «ليس من امبرّ امصيام في امسفر» يريد : ليس من البرّ الصّيام في السفر (٣).

الإبدال النادر

راجع : الإبدال الشاذّ.

إبدال النون

أبدلت النون من اللام في «لعلّ» ، فقالوا «لعنّ». قال أبو النجم :

اغد ، لعنّا في الرّهان نرسله (٤)

وإنّما جعل الأصل «لعلّ» لأنه أكثر استعمالا.

وأبدلت من الهمزة ، في النسبة إلى «صنعاء» ، و «بهراء» ، فقالوا : «صنعانيّ» ، و «بهرانيّ».

وزعم بعض النحويين أنّ النون في «فعلان» الذي مؤنثه «فعلى» بدل من الهمزة. واستدلّوا على ذلك بأنهما قد تشابها ـ أعني : فعلان وفعلاء ـ في العدد والتوافق في الحركات والسّكنات والزيادتين في الآخر ، وأنّ المذكّر في البابين بخلاف المؤنث ، وأنّك تقول في جمع «سكران» : «سكارى». كما تقول في جمع «صحراء» : «صحارى».

والصحيح أنّها ليست ببدل ، إذ لم يدع

__________________

(١) البيت بلا نسبة في لسان العرب (نغب) ؛ وشرح المفصل ١٠ / ٣٣.

(٢) البيت بلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٧ ؛ ولسان العرب (طين).

(٣) الممتع في التصريف ص ٣٩١ ـ  ٣٩٤.

(٤) سمط اللآلي ص ٣٢٨ و ٧٥٨.

٢٣

إلى الخروج عن الظاهر داع ، لأنّه لا يلزم من توافقهما في الوزن ، ومخالفة المذكر للمؤنث أن يشتبها في أن يكون كلّ واحد منهما مؤنثا بالهمزة. وأمّا جمعهم «فعلان» على «فعالى» فللشبه الذي بينه وبين «فعلاء» فيما ذكر ، لا أنّه في الأصل «فعلاء». وأيضا فإنّ النون لا تبدل من الهمزة إلّا شذوذا ، نحو : «بهرانيّ» و «صنعانيّ» ، لا يحفظ غيرهما» (١).

إبدال الهاء

أبدلت الهاء من خمسة أحرف ، وهي : الهمزة ، والألف ، والياء ، والواو ، والتاء.

فأبدلت من الهمزة ، في «إيّاك» ، فقالوا «هيّاك». أنشد أبو الحسن :

فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت

موارده ضاقت عليك مصادره (٢)

ويقال أيضا : «أيّاك» و «هيّاك» بالفتح.

وطيّىء تبدل همزة «إن» الشرطية هاء ، فتقول : «هن فعلت فعلت» ، تريد «إن».

وأبدلت أيضا من الهمزة في «إنّ» مع اللّام ، على اللزوم فقالوا : «لهنّك». قال الشاعر :

ألا يا سنا برق ، على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم (٣)

وقرأ بعضهم : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.) وقالوا : أراد «طأ الأرض بقدميك جميعا» ، لأنّ النبيّ ، عليه السّلام ، كان يرفع إحدى رجليه في صلاته.

وقالوا : «أيا» و «هيا» في النداء. والهاء بدل من الهمزة ، لأنّ «أيا» أكثر من «هيا». قال :

وانصرفت ، وهي حصان مغضبه

ورفعت ، بصوتها : هيا أبه (٤)

يريد «أيا أبه».

وقالوا : «هما والله لقد كان كذا» يريدون : أما والله لقد كان كذا.

وأبدلت أيضا من الهمزة ، في «أثرت التّراب» و «أرحت الماشية» و «أرقت الماء» و «أردت الشّيء» وفيما يتصرّف منها.

فقالوا : «هثرت» و «هرحت» ، و «هرقت» ، و «هردت» ، و «أهثير» و «أهريح» ، و «أهريق» و «أهريد» ، و «مهثير» و «مهريح» و «مهريق» و «مهريد».

وتبدل أيضا من همزة الاستفهام ،

__________________

(١) عن الممتع في التصريف ص ٣٩٥ ـ  ٣٩٦.

(٢) البيت لطفيل الغنوي أو لمضرس بن ربعي.

راجع المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ص ٣٥٤.

(٣) البيت لمحمد بن سلمة. راجع المعجم المفصل في شواهد النحو الشعريّة.

ص ٨٨٦.

(٤) الرجز للأغلب العجليّ أو لامرأة من بني سعد يقال لها العجفاء. راجع : المعجم المفصّل في شواهد النحو الشعرية ص ١١٠٦.

٢٤

فيقولون : «هزيد منطلق» ، يريدون «أزيد منطلق». وأنشد الفراء :

وأتى صواحبها فقلن : هذا الذي

منح المودّة غيرنا ، وجفانا؟ (١)

يريد «أذا الذي».

وأبدلت من الألف في «هنا» ، في الوقف ، فقالوا «هنه» ، قال الراجز :

قد وردت من أمكنه

من ههنا ، ومن هنه (٢)

وأبدلت من الياء في «هذي» ، فقالوا «هذه» في الوقف.

وقد تبدل أيضا منها في الوصل. والدليل على أنّ الياء هي الأصل قولهم في تحقير «ذا» : «ذيّا» وفي تحقير «ذي» : «تيّا» ، و «ذي» إنما هو تأنيث «ذا» ، فكما لا تجد الهاء في المذكّر أصلا فكذلك المؤنث.

وأبدلت أيضا من الياء في تصغير «هنة» : «هنيهة». والأصل «هنيوة» ـ لقولهم في الجمع «هنوات» ـ ثم «هنيّة» لأجل الإدغام ، ثم أبدلوا من الياء الثانية هاء ، فقالوا «هنيهة».

وأبدلت من الواو في «هناه» ، والأصل «هناو» ، فأبدلت الواو هاء. وهو من لفظ «هن». ولا تجعل الهاء التي بعد الألف أصلا ، لأنّه لا يحفظ تركيب «هنه». وأيضا فإنّه لو كان كذلك لكان من باب «سلس» و «قلق» ، وذلك قليل. وذهب أبو زيد إلى أنّ الهاء إنّما لحقت في الوقف ، لخفاء الألف ، كما لحقت في الندبة في «زيداه» ، ثم شبّهت بالهاء الأصليّة ، فحرّكت. فيكون ذلك نظير قوله :

يا مرحباه ، بحمار ناجيه

إذا أتى قرّبته ، للسّانيه (٣)

فيكون ذلك من باب إجراء الوصل مجرى الوقف المختصّ بالضّرائر ، ويكون على القول الأول ، قد أبدلت فيه الواو هاء ، وذلك أيضا شاذّ لا يحفظ له نظير.

والوجه عندي أنّها زائدة للوقف ، لأنّ ذلك قد سمع له نظير في الشعر ، كما ذكرت لك. وأيضا فإنّ ابن كيسان ، رحمه الله ، قد حكى في «المختار» (٤) له أنّ العرب تقول : «يا هناه» بفتح الهاء الواقعة بعد الألف ، وكسرها وضمّها. فمن كسرها فلأنّها هاء السّكت ، فهي في الأصل ساكنة ، فالتقت مع الألف ، فحرّكت بالكسر ، على أصل التقاء الساكنين ، ومن حرّكها بالفتح فإنه أتبع حركتها حركة ما قبلها. ومن ضمّ فإنه أجراها

__________________

(١) البيت لجميل بثينة في ديوانه ص ١٩٦.

(٢) الرجز بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ١٨٢ ؛ وشرح المفصل ١٠ / ٤٣ ؛ وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٢٤.

(٣) الرجز بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٣٥٨ ؛ والمنصف ٣ / ١٤٢. والسانية : الدلو العظيمة.

(٤) كتاب في علل النحو ، وهو في ثلاث مجلّدات.

٢٥

مجرى حرف من الأصل ، فضمّها كما يضمّ آخر المنادى. ولو كانت الهاء بدلا من الواو لم يكن للكسر والفتح وجه ، ولوجب الضمّ كسائر المناديات.

وأبدلت من تاء التأنيث في الاسم ، في حال الإفراد في الوقف ، نحو «طلحه» و «فاطمه». وحكى قطرب عن طيّىء أنّهم يفعلون ذلك بالتاء من جمع المؤنث السالم ، فيقولون : «كيف الإخوة والخواه ، وكيف البنون والبناه؟ (١).

إبدال الهمزة

أبدلت الهمزة من خمسة أحرف. وهي الألف ، والياء ، والواو ، والهاء ، والعين

١ ـ إبدال الهمزة من الألفأبدلت الهمزة من الألف على غير قياس ، إذا كان بعدها ساكن ، فرارا من اجتماع الساكنين ، نحو ما حكي عن أيوب السّختيانيّ ، من أنّه قرأ (وَلَا الضَّالِّينَ)(٢). فهمز الألف ، وحرّكها بالفتح ، لأنّ الفتح أخفّ الحركات ، ونحو ما حكى أبو زيد في كتاب الهمز من قولهم : «شأبّة» و «دأبّة». وأنشدت الكافّة (٣) :

يا عجبا ، لقد رأيت عجبا

حمار قبّان ، يسوق أرنبا

خاطمها زأمّها ، أن تذهبا

أراد «زامّها» فأبدل. وحكى المبرّد عن المازنيّ ، عن أبي زيد ، قال : سمعت عمرو ابن عبيد يقرأ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن (٤) ، فظننت أنّه قد لحن ، حتى سمعت العرب تقول «دأبّة» و «شأبّة». ومن ذلك قول الشاعر :

وبعد انتهاض الشّيب من كل جانب

على لمّتي ، حتى اشعألّ بهيمها (٥)

يريد «اشعالّ» من قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٦). وقال دكين :

راكدة مخلاته ، ومحلبه

وجلّه ، حتى ابيأضّ ملببه (٧)

يريد «ابياضّ». وقال كثّير (٨) :

وللأرض : أمّا سودها فتجلّلت

بياضا ، وأمّا بيضها فادهأمّت

يريد «فادهامّت».

وقد كاد يتسع هذا عندهم ، إلّا أنّه مع ذلك لم يكثر كثرة توجب القياس. قال أبو العباس : قلت لأبي عثمان : أتقيس هذا النحو؟ قال : «لا ، ولا أقبله». بل ينقاس ذلك عندي ، في ضرورة الشعر. ومن هذا

__________________

(١) عن الممتع في التصريف ص ٣٩٧ ـ  ٤٠٢.

(٢) الفاتحة : ٧

(٣) الرجز بلا نسبة في الخصائص ٣ / ١٤٨ ؛ والمنصف ١ / ٢٨١ ؛ وهو ممّا تحكيه العرب على ألسنة البهائم.

(٤) الرحمن : ٣٩.

(٥) البيت بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٨٣ ؛ وشرح شواهد الشافية ص ١٦٩.

(٦) مريم : ٤

(٧) الملبب : موضع اللّبة ، أي القلادة. والأصل الملبّ بالإدغام. يصف إكرامه لفرسه.

(٨) ديوانه ص ٣٢٣.

٢٦

القبيل جعل ابن جنّي قول الراجز :

من أيّ يوميّ من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر (١)؟

وذلك أنّ الأصل «أيوم لم يقدر أم يوم» ، فأبدلت الهمزة ألفا ، وإن كان قبلها ساكن ، على حدّ قولهم في المرأة : «المراة» ، و «متأر» «متار». قال :

إذا اجتمعوا عليّ ، وأشقذوني

فصرت كأنّني فرأ ، متاد (٢)

وذلك بأن ألقوا حركة الهمزة على الساكن ، ولم يحذفوا الهمزة ، بل جاءت ساكنة بعد الفتحة ، فأبدلت ألفا ، كما فعل ذلك بـ «كاس» ، فصار «يقدر ام» ، فاجتمعت الألف مع الميم الساكنة ، فأبدلت همزة مفتوحة فرارا من اجتماع الساكنين. وقد تقدّم في «الضرائر» (٣) أنّه ممّا حذف منه النون الخفيفة ، نحو قول الآخر (٤) :

اضرب عنك الهموم ، طارقها

ضربك بالسّوط قونس الفرس

وأبدلت أيضا من الألف ، وإن لم يكن بعدها ساكن. وذلك قليل جدّا لا يقاس ، لقلّته ، في الكلام ، ولا في الضرورة. فقد روي أن العجاج يهمز «العالم» و «الخاتم» قال :

يا دار سلمى ، يا اسلمي ، ثمّ اسلمي

ثم قال :

فخندف هامة هذا العألم (٥)

وحكي عن بعضهم «تأبلت القدر» إذا جعلت فيها التّابل (٦).

وتكون الهمزة ساكنة ، إلّا أن تكون الألف في النّيّة متحرّكة فإنّ الهمزة إذ ذاك تكون متحركة بالحركة التي للألف في الأصل. فمن ذلك ما حكاه بعضهم من قولهم : «قوقأت الدّجاجة» و «حلأت السّويق» و «رثأت المرأة زوجها» و «لبّأ الرّجل بالحج». ومنه قول ابن كثوة (٧) :

ولّى نعام بني صفوان زوزأة

لمّا رأى أسدا في الغاب قد وثبا

ومنه ما أنشده الفرّاء ، من قول الآخر :

يا دار ميّ ، بدكاديك البرق

صبرا فقد هيّجت شوق المشتئق (٨).

وحكى أيضا من كلامهم «رجل مئل» من

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في الخصائص ٣ / ٩٤ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٨٥.

(٢) البيت لعامر بن كثير المحاربي. راجع سرّ صناعة الإعراب ١ / ٨١ ؛ والخصائص ٢ / ١٧٦ ، ٣ / ١٤٩ ؛ وأشقذوني : طردوني.

الفرأ : حمار الوحش. المتار : المضروب بالعصا.

(٣) أي : كتابه الموسوم بالضرائر.

(٤) البيت لطرفة بن العبد في ديوانه ص ١٥٥.

(٥) الرجز للعجّاج في ديوانه ص ٥٨ ـ  ٦٠.

(٦) التابل : أبزار الطعام ، أو ما يتبّل به الطعام.

(٧) هو زيد بن كثوة.

(٨) البيت. لرؤبة بن العجاج. راجع المعجم المفصل في شواهد النحو الشعريّة ص ١٢٠٨.

٢٧

المال. والأصل في ذلك : «قوقى» و «حلّى» و «رثى» و «لبّى» و «الزّوزاة» و «المشتاق» و «رجل مال» (١).

وأبدلت من الألف باطّراد في الوقف. نحو قولك في الوقف على «حبلى» و «موسى» ، و «رأيت رجلا» : «حبلأ» ، و «موسأ» ، و «رأيت رجلأ».

وأبدلت أيضا باطّراد من الألف الزائدة ، إذا وقعت بعد ألف الجمع ، في نحو «رسائل» في جمع «رسالة» ، هروبا من التقاء الساكنين : ألف الجمع وألف «رسالة» فقلبت همزة ، لأنّ الألف لا تقبل الحركة ، والهمزة قريبة المخرج من الألف لأنّهما معا من حروف الحلق. وحرّكت الهمزة بالكسر ، على أصل التقاء الساكنين. ولا يجوز في هذا وأمثاله إلّا البدل.

ومن هذا القبيل إبدالها من الياء والواو ، إذا وقعتا طرفا بعد ألف زائدة ، نحو : «كساء» و «رداء» وذلك أنّ الأصل «كساو» ، و «رداي» ، فتحرّكت الواو والياء ، وقبلهما فتحة ، وليس بينهما وبينها حاجز إلّا الألف ، وهي حاجز غير حصين ، لسكونها وزيادتها ، والياء والواو في محلّ التغيير ـ أعني طرفا ـ فقلبتا ألفا. فاجتمع ساكنان : الألف المبدلة من الياء أو الواو ، مع الألف الزائدة ، فقلبت همزة. ولم تردّ إلى أصلها من الواو والياء ، لئلّا يرجع إلى ما فرّ منه.

فإن كان بعد الياء أو الواو تاء التأنيث ، أو زيادة التثنية ، فلا يخلو أن تكون الكلمة قد بنيت على التاء أو الزيادتين ، أو لا تبنى. فإن بنيت عليها بقيت الياء والواو على أصلهما ، ولم يغيّرا ، نحو «رماية» ، و «شقاوة» ، و «عقلته بثنايين» (٢). وإن لم تبن عليها ، وجعلت كأنّها ليست في الكلمة ، قلبت نحو «عظاءة» (٣) و «صلاءة» (٤) ، و «كساءان» ، و «رداءان».

وقد يفعل ذلك بالياء والواو ، وإن كانتا بعد ألف غير زائدة ، نحو قولهم في «آية» ، و «ثاية» (٥) ، و «طاية» (٦) في النسب : «آئيّ» ، و «ثائيّ» ، «طائيّ» ، تشبيها للألف غير الزائدة بالألف الزائدة.

ومن هذا القبيل أيضا ، عندي ، إبدالهم الهمزة من الياء والواو ، إذا وقعتا عينين في اسم الفاعل ، بعد ألف زائدة ، بشرط أن يكون الفعل الذي أخذ منه اسم الفاعل قد اعتلّت عينه ، نحو «قائم» ، و «بائع». الأصل فيهما «قاوم» ، و «بايع» ، فتحرّكت الواو والياء ، وقبلهما فتحة ، وليس بينها وبينهما حاجز إلّا الألف الزائدة ـ وهي كما تقدّم حاجز غير حصين ـ وقد كانت الياء والواو قد

__________________

(١) أي : كثير المال.

(٢) عقلته بثنايين : عقلت يديه بحبل أو بطرفي حبل.

(٣) العظاءة : دويبة.

(٤) الصلاءة : مدقّ الطيب.

(٥) الثاية : مأوى الغنم أو البقر.

(٦) الطّاية : مربد التمر.

٢٨

اعتلّتا في الفعل في «قام» و «باع» ، فاعتلّتا في اسم الفاعل حملا على الفعل ، فقلبتا ألفا ، فاجتمع ساكنان ، فأبدل من الثانية همزة ، وحرّكت هروبا من التقاء الساكنين. وكانت حركتها الكسر على أصل التقاء الساكنين.

وزعم المبرّد أنّ ألف «فاعل» أدخلت قبل الألف المنقلبة ، في «قال» و «باع» وأمثالهما ، فالتقى ألفان ، وهما لا يكونان إلّا ساكنين ، فلزم الحذف ـ لالتقاء الساكنين ـ أو التحريك. فلو حذفت لالتبس الكلام ، وذهب البناء ، وصار الاسم على لفظ الفعل ، فتحرّكت العين لأنّ أصلها الحركة. والألف إذا تحرّكت صارت همزة.

فإن صحّ حرف العلّة في الفعل صحّ في اسم الفاعل ، نحو «عاور» المأخوذ من «عور» ، على ما يحكم في باب القلب.

فالهمزة في هذا الفصل ، والذي قبله ـ وإن كانت مبدلة من الياء والواو ـ من جنس ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، لأنّهما لا تبدل منهما همزة إلّا بعد قلبهما ألفا ، كما تقدّم ، ولا يجوز اللفظ بالأصل في «قائم» و «بائع» وبابهما ، لا تقول «قاوم» ولا «بايع».

ومن قبيل ما أبدلت الهمزة فيه من الألف باطّراد إبدالهم الهمزة من ألف التأنيث في نحو «صحراء» ، و «حمراء» وأشباههما.

الهمزة في جميع هذا مبدلة من ألف التأنيث.

فإن قال قائل : وما الدليل على ذلك؟ فالجواب أن تقول : الدليل على ذلك أنّ الهمزة لا تخلو من أن تكون للتأنيث بنفسها ، أو بدلا من ألف التأنيث ، فباطل أن تكون بنفسها للتأنيث ، لأمرين : أحدهما أنّ الألف قد استقرّت للتأنيث في «حبلى» وأشباهه ، والهمزة لم تستقرّ له ، إذ قد يمكن أن تجعل بدلا من ألف. وإذا أمكن حمل الشيء على ما استقرّ وثبت كان أولى من أن يدّعى أنّه خلاف الثابت والمستقر.

والآخر أنّهم قالوا في جمع «صحراء» : صحاريّ» ، وفي «بطحاء» : «بطاحيّ». قال الوليد بن يزيد (١) :

لقد أغدو ، على أشق

ر ، يغتال الصّحاريّا

وقال غيره (٢) :

إذا جاشت حوالبه ترامت

ومدّته البطاحيّ ، الرّغاب

ولو لم تكن هذه الهمزة مبدلة من ألف التأنيث لوجب ، في لغة من يحقّق ، أن يقال «بطاحيء» ، و «صحاريء» ، كما قالوا

__________________

(١) ديوانه ص ٥٨.

(٢) البيت بلا نسبة في خزانة الأدب ٣ / ٣٢٥ ؛ وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٩٧.

٢٩

«قرّاء» (١) ، و «قراريء». لكن لمّا كانت مبدلة ، لأجل الألف التي قبلها ، وجب رجوعها إلى أصلها لزوال موجب القلب في الجمع ، وهو الألف التي قبلها ، فصار «صحاري ا» ، فوقعت الياء الساكنة قبل الألف التي للتأنيث ، فقلبت الألف ياء لوقوع الياء والكسرة قبلها. ثم أدغمت الياء في الياء.

فإن قال قائل : إنّما يدلّ قولهم «صحاريّ» على أنّ الهمزة مبدلة من غيرها ، إذ لو لم تكن بدلا لقالوا «صحاريء» ، فأمّا أنّها مبدلة من الألف فليس على ذلك دليل ، إذ لعلّها بدل من ياء أو واو! فالجواب أنه إذا ثبت أنّها بدل فينبغي أن تجعل بدلا من ألف ، لأن الألف قد ثبتت للتأنيث ، كما ذكرنا ، في «حبلى» وأمثاله ، ولم تثبت الياء ولا الواو للتأنيث ، في موضع من المواضع. فهذا جميع ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، مقيسا ذلك فيه ، وغير مقيس.

٢ ـ إبدال الهمزة من الواوالواو لا يخلو من أن تكون ساكنة ، أو متحركة. فإن كانت متحركة فلا يخلو من أن تكون أوّلا ، أو غير أوّل. فإن كانت أوّلا فلا يخلو أن تكون وحدها ، أو ينضاف إليها واو أخرى. فإن انضاف إليها أخرى أبدلت الأولى همزة ، هروبا من ثقل الواوين. وذلك نحو قولهم في جمع «واصل» : «أواصل». أصله «وواصل» فقلبت الواو همزة. وكذلك «أول» أصله : «وول» ، لأنه «فعل» من لفظ «أوّل» و «أوّل» فاؤه وعينه واو. فقلبت الواو الأولى همزة. ولا يجوز في هذا وأمثاله إلّا الهمز.

فإن كانت وحدها فلا يخلو من أن تكون مضمومة ، أو مكسورة ، أو مفتوحة. فإن كانت مكسورة أو مضمومة جاز أن تبدل منها همزة ، فتقول في «وعد» : «أعد» ، وفي «وقّتت» : «أقّتت» ، وفي «وسادة» : «إسادة» ، وفي «وعاء» : «إعاء». وقد قرىء (ثم استخرجها من إعاأ أخيه) (٢). وكذلك تفعل بكلّ واو تقع أوّلا ، مكسورة ، أو مضمومة.

وإنما فعلت ذلك ، لثقل الضمّة والكسرة في الواو. وذلك أنّ الضمة بمنزلة الواو ، والكسرة بمنزلة الياء. فإذا كانت الواو مضمومة فكأنّه قد اجتمع لك واوان. وإذا كانت مكسورة فكأنّه قد اجتمع لك ياء وواو. فكما أنّ اجتماع الواوين ، والياء والواو مستثقل فكذلك اجتماع الواو والضمّة ، والواو والكسرة.

وزعم المازنيّ أنّه لا يجوز همز الواو المكسورة بقياس ، بل يتّبع في ذلك السماع. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، قياسا وسماعا :

أمّا القياس فلما ذكرنا من أنّ الواو المكسورة بمنزلة الياء والواو ، فكما يكرهون

__________________

(١) القراء : الناسك المتعبّد.

(٢) يوسف : ٧٦.

٣٠

اجتماع الياء والواو ، حتى يقلبون الواو إلى الياء ـ تقدّمت أو تأخّرت ـ فيقولون : «طويت طيّا» ، والأصل «طويا» ، ويقولون «سيّد» ، والأصل «سيود» ، فكذلك ينبغي أن يكون النّطق بالواو المكسورة مستثقلا.

فإن قال قائل : هلّا قستم «وشاحا» وأخواته على «ويح» ، و «ويس» وأمثالهما ، فكما أنّ الواو والياء إذا اجتمعتا في أوّل الكلمة لم يوجب ذلك قلب الواو همزة فكذلك الواو مكسورة! فالجواب أنّ الواو المكسورة إنّما تشبه الواو الساكنة إذا جاءت بعدها ياء نحو : «طيّ» ، وذلك أنّ الحركة في النّية بعد الحرف. وسيقام الدليل على ذلك في موضعه. فالكسرة إذا من «وشاح» في النيّة بعد الواو ، وهي بمنزلة الياء ، وتبقى الواو ساكنة. فكما أنّه إذا كانت الواو قبل الياء ، وكانت ساكنة ، يجب إعلالها نحو «طيّ» فكذلك يجب إعلال ما أشبهها ، نحو «وشاح».

فإن قيل : فهلّا أعلّت بقلبها ياء ، كما فعل بها في «طيّ»! فالجواب أنّهم لم يفعلوا ذلك ، لأنّ المقصود بالإعلال التخفيف ، والكسرة في الياء ثقيلة ، فأعلّت بإبدال الهمزة منها.

وأمّا السماع فلأنّهم قد قالوا : «إسادة» و «إشاح» و «إعاء» و «إفادة». وكثر ذلك كثرة ، توجب القياس في كل واو مكسورة ، وقعت أوّلا.

وإن كانت مفتوحة لم تهمز ، إلّا حيث سمع ، لأنّ الفتحة بمنزلة الألف. فكما لا تستثقل الألف والواو ، في نحو «عاود» وأمثاله ، فكذلك لا تستثقل الواو المفتوحة. والذي سمع من ذلك «أجم» في «وجم» ، و «امرأة أناة» من الونيّ وهو الفتور ، و «أحد» في «وحد» ، و «أسماء» في «وسماء».

فإن وقعت غير أول فلا يخلو من أن تكون مكسورة ، أو مفتوحة ، أو مضمومة. فإن كانت مضمومة جاز إبدالها همزة ، بشرط أن تكون الضمة لازمة ، وألّا يمكن تخفيفها بالإسكان. قالوا في جمع «نار» : «أنؤر» ، و «دار» : «أدؤر» ، و «ثوب» : «أثؤب».

قال (١) :

لكلّ حال ، قد لبست أثؤبا

وإنما قلبت همزة لما ذكرنا من استثقال الضمّة في الواو ، مع أنّه لا يمكن تخفيفها بالإسكان ، لئلّا يؤدّي ذلك إلى التقاء الساكنين. ولو أمكن ذلك لم تبدل همزة ، نحو قولهم : «سور» في جمع «سوار».

فإن كانت الضمّة غير لازمة لم تبدل الواو همزة ، لا تقول «هذا غزء» تريد «هذا غزو» ، ولا تقول «لؤ استطعنا» تريد «لو استطعنا» ، لأن الضمّة في «غزو» إعراب ، وفي واو «لو»

__________________

(١) الرجز لمعروف بن عبد الرحمن أو لحميد بن ثور.

راجع : المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ص ١١١١.

٣١

لالتقاء الساكنين ، وحركة الإعراب وحركة التقاء الساكنين عارضتان ، فلا يعتدّ بهما.

وزعم ابن جنّي أنه لا يجوز قلب الواو المضمومة همزة ، إذا كانت زائدة ، وإن اجتمع الشرطان ؛ فلا يقال : «الترهؤك» في مصدر «ترهوك». والسبب في ذلك عنده أنّها إذا كانت أصلية فإنّ تصريف الكلمة ، أو اشتقاقها ، يدلّ على أنّ الهمزة مبدلة من واو ، ولا يتصوّر ذلك فيها إذا كانت زائدة ، فلو أبدلت لأدّى ذلك إلى الإلباس في بعض المواضع ، فلم يدر : أزيدت ابتداء ، أم زيدت الواو أوّلا ثم أبدلت الهمزة منها. فلمّا كان إبدال الزائدة يؤدّي إلى الإلباس ، في بعض المواضع ، رفض إبدالها. وممّا يقوّي هذا المذهب أنّها لا تحفظ من واو زائدة مبدلة.

وإن كانت مفتوحة لم يجز قلبها أصلا ، لأنّ قلبها في أوّل الكلمة ـ كما ذكرنا ـ لا يقاس. فإذا كانت لا تهمز في أول الكلمة إلّا حيث سمع ـ مع أنّ أوّل الكلمة طرف ، فالتغيير إليه أسرع من التغيير إلى الحشو ـ فالأحرى ألّا تنقلب حشوا. فلا تقول في «عاود» : «عاءد» ، ولا في «ضوارب» : «ضآرب». ولا يحفظ من كلامهم شيء من ذلك.

فإن كانت مكسورة ، أو واقعة موقع حرف مكسور ، فلا يخلو أن تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، أو لا تقع. فإن وقعت بعدها فلا يخلو أن يكون قبل الألف ياء أو واو ، أو لا يكون. فإن كان قبلها واو أو ياء لزم قلب الواو همزة ، إن كانت تلي الطرف. فتقول في جمع «أوّل» : «أوائل» ، وفي جمع «سيّد» : «سيائد». والأصل «أواول» و «سياود» ، فقلبت الواو همزة ، لاستثقال الواوين والألف ، أو الياء والواو والألف ، وبناء الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.

هذا مذهب جمهور النحويين ، إلّا أبا الحسن الأخفش ، فإنه كان لا يهمز من ذلك إلّا ما كانت الألف منه بين واوين ، ويجعل ذلك نظيرا للواوين ، إذا اجتمعا في أوّل الكلمة. فكما أنّك تهمز الأولى منهما ، للعلّة التي تقدّم ذكرها ، فكذلك تهمز الواو الآخرة في «أوائل» وأمثاله. ولا يرى مثل ذلك ، إذا اجتمعت ياءان أو واو وياء. ويقول : لأنه إذا التقى الياءان أو الياء والواو أوّلا ، نحو «يين» اسم موضع ، و «ويل» ، و «يوم» ، لم يلزم الهمز. فكذلك لا يهمز عنده مثل «سيائق» (١) ، و «سيائد» (٢).

ما لم تصحّ الواو في المفرد ، في موضع ينبغي أن تعتلّ فيه ، أو تكون الواو في نيّة ألّا تلي الطرف ، فإنها تصحّ إذ ذاك ، ولا يجوز أن تبدل منها الهمزة. فتقول في جمع

__________________

(١) السيائق : ج السيقة ، وهي ما سيق من النهب وطرد.

(٢) السيائد : ج سيّد وسيّدة.

٣٢

«ضيون» (١) : «ضياون» ، ولا تقلب الواو همزة ، لصحّة الواو في «ضيون» ، إذ قد كان ينبغي أن يكون «ضيّنا». وتقول في جمع «عوّار» (٢) ، إذا قصرته للضرورة : «عواور» ، لأنّ الأصل فيه «عواوير» ، فلا تكون الواو تلي الطرف ، في التقدير. قال (٣) :

وكحّل العينين ، بالعواور

فلم تهمز ، لأنّ الأصل «العواوير».

وإن كانت الواو لا تلي الطرف لم تهمز أصلا نحو «عواوير» في جمع «عوّار» ، و «طواويس» في جمع «طاووس» ، لأنّها قد قويت ببعدها عن محلّ التغيير ، وهو الطّرف. إلّا أن تكون في نيّة أنّ تلي الطّرف ، فإنّه يلزم همزها. وذلك نحو : «أوائيل» في جمع «أوّل» ، إذا اضطررت إلى زيادة هذه الياء قبل الآخر في الشعر ، لأنّ هذه الياء زيدت للضّرورة ، فلم يعتدّ بها.

فإن لم يكن قبل الألف واو ، ولا ياء ، فلا يخلو من أن تكون الواو في المفرد زائدة للمدّ ، أو لا تكون فإن كانت زائدة للمدّ قلبت همزة ، نحو «حلوبة» (٤) و «جلائب». وسبب ذلك أنّها اجتمعت ساكنة مع ألف الجمع ، ولا أصل لها في الحركة فتحرّك ، فأبدلت همزة ، لأنّ الهمزة تقبل الحركة.

وإن لم تكن زائدة للمدّ لم تقلب همزة أصلا ، إلا حيث سمع شاذّا. والذي سمع من ذلك «أقائيم» في جمع «أقوام». وأصله «أقاويم» ، فأبدل من الواو المكسورة همزة ، وإن كانت غير أوّل ، تشبيها لها بالواو المكسورة ، إذا وقعت أوّلا.

وأمّا «مصائب» في جمع «مصيبة» فكان القياس فيها «مصاوب» ، على ما يبيّن في باب القلب. فإمّا أن يكونوا همزوا الواو المكسورة غير أوّل شذوذا ، فتكون مثل «أقائيم» في جمع «أقوام» ، هو مذهب الزّجّاج. وإمّا أن يكونوا غلطوا فشبهوا ياء «مصيبة» ، وإن كانت عينا ، بالياء الزائدة في نحو «صحيفة» ، فقالوا «مصائب» كما قالوا «صحائف» ، وهو مذهب سيبويه. والأوّل أقيس عندي ، لأنّه قد ثبت له نظير ، وهو «أقائيم».

فإن لم تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، أو وقعت بعدها في غير الأماكن المذكورة ، لم تهمز أصلا ، بلا خلاف في شيء من ذلك. إلّا أن تقع بعد ألف زائدة ، في اسم مفرد يوافق الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، في الحركات وعدد الحروف ، وقد تقدّم الألف ياء أو واو ، فإنّ في ذلك خلافا. فمذهب سيبويه إجراء ذلك مجرى الجمع ، لقربه منه ، فتبدل الواو

__________________

(١) الضّيون : السنّور الذّكر.

(٢) العوّار : الرمد.

(٣) الرجز للعجاج أو لجندل بن المثنى الطهويّ.

راجع : المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ص ١١٧٠.

(٤) الحلوبة : ذات الحليب من الأنعام.

٣٣

همزة. ومذهب الزجّاج أنه لا يجوز إبدالها ، لأنّ الاسم مفرد ، وإنما ثبت إبدالها في المجموع. فتقول في «فواعل» من «القوّة» ، على مذهب سيبويه : «قواء» ، وعلى مذهب الزجّاج : «قواو». وهذا النوع لم يرد به سماع ، لكنّ القياس يقتضي ما ذهب إليه سيبويه. أعني من أنه إذا قوي الشبه بين شيئين حكم لكلّ واحد منهما بحكم الآخر.

فأمّا «قائم» وأمثاله فمن قبيل ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، وقد تقدّم ذلك في فصل إبدال الهمزة من الألف.

فإن كانت الواو ساكنة لم تهمز إلّا في ضرورة ، بشرط أن يكون ما قبلها حرفا مضموما ، فتقدّر الضمّة على الواو ، فتهمز كما تهمز الواو المضمومة. فتقول في الشعر في مثل «موعد» : «مؤعد». قال (١) :

أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى

وجعدة ، إذا أضاءهما الوقود

٣ ـ إبدال الهمزة من الياءالياء تبدل همزة باطراد ، إذا وقعت بعد الألف التي في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، في مذهب سيبويه ، بشرط أن تكون قد زيدت في المفرد للمدّ ، نحو : «صحيفة وصحائف» و «كتيبة وكتائب».

فإن لم تكن الياء زيدت في المفرد للمدّ لم تهمز ، إلّا بشرط أن تكون تلي الطرف لفظا أو نيّة ، وبشرط أن يكون ألف الجمع يلي واوا أو ياء. فتقول في جمع «عيّل» (٢) : «عيائل» ، فتهمز لثقل البناء ، مع ثقل اجتماع حروف العلّة وهي الياءان والألف ، مع قرب الياء من حدّ التغيير ، وهو الطرف. وكذلك لو اضطررت ، فقلت في جمعه : «عيائيل» ، فزدت ياء ، لهمزت لأنّ الياء في النّيّة تلي للطرف ، ولا يعتدّ بالياء المزيدة ، لأنّها عارضة في الجمع ، إنما أتي بها للضرورة. فإذا زالت من محلّ الضرورة حذفت الياء. قال الشاعر (٣) :

فيها عيائيل أسود ، ونمر

فهمز.

وكذلك لو بنيت «فوعلا» من البيع لقلت «بيّع». أصله «بويع» ، فقلبت الواو ياء لأجل الإدغام. فإذا جمعته قلت «بوائع» ، فتهمز الياء لما ذكرنا ، من ثقل البناء ، وثقل اجتماع حروف العلّة وهي الياء والواو والألف ، مع القرب من محل التغيير ، وهو الطرف. وكذلك لو اضطررت فزدت ياء قبل الآخر ، فقلت : «بوائيع» ، لهمزت لأنّ الياء عارضة كما تقدّم.

__________________

(١) البيت لجرير. راجع : المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ص ٢٢٥.

(٢) العيّل : مفردها العيال ، وهي الأولاد الذين يعال بهم.

(٣) الرجز لحكيم بن معيّة في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩٧ ؛ ولسان العرب (نمر) ؛ والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨٦.

٣٤

ولو جمعت مثل «بيّاع» لقلت «بياييع» ، ولم تهمز. وإن قدّرت «بيّاعا» : «فوعالا» قلت «بواييع» ، ولم تهمز أيضا ، لبعد الياء من الطرف لفظا ونيّة.

وزعم أبو الحسن الأخفش أنّه لا يجوز قلب الواو همزة ، إلّا إذا اكتنف الجمع واوان ، نحو «أوّل وأوائل». فأمّا إن اكتنفها ياءان ، أو واو وياء ، فلا يجوز عنده قلب حرف العلّة الذي بعد الألف. بل يقول في جمع «فوعل» من البيع : «بوايع» ، وفي جمع «بيّن» : «بياين» ، وفي جمع «سيّد» المتقدّم في باب الواو : «سياود». وحجّته على ذلك أنّ الواوين ، أثقل من الياءين ، ومن الواو والياء ، والقلب لم يسمع إلّا في الواوين ، نحو قولهم في جمع «أوّل» : «أوائل» ، فلا يقاس عليه ما ليس من رتبته ، من الثقل.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بدليل ما حكاه المازنيّ عن الأصمعيّ ، من قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» بالهمزة ، ولم تكتنف ألف الجمع واوان. فدلّ ذلك على أنّ العرب استثقلت في هذا وأمثاله اكتناف ألف الجمع حرفا علّة.

فإن قال قائل : فلعل قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» شاذّ ، لذلك لم يسمع من ذلك إلّا هذه اللفظة ، فلا ينبغي أن يقاس عليه! فالجواب أنّه ، وإن لم يسمع منه إلّا هذه اللفظة ، لا ينبغي أن يعتقد فيه الشذوذ ، لأنّه لم يرد له نظير غير مهموز ، فيجعل الهمز في هذا شذوذا. بل جميع ما أتى من هذا النوع هذا اللفظ ، وهو مهموز ، فكان جميع ما أتى من هذا الباب مهموزا ، إذ هذا اللفظ هو جميع ما أتى من هذا الباب. وقد جعل أبو الحسن مثل هذا أصلا يقاس «فعولة» : «فعليّ» ، نحو «ركبيّ» في النسب إلى «ركوبة» ، قياسا على قولهم ، في النسب إلى «شنوءة» : «شنئيّ». ثم أورد اعتراضا على نفسه ، فقال : فإن قال قائل : فإنّ قولهم «شنئيّ» شاذّ ، فلا ينبغي أن يقاس عليه ، إذ لم يجىء غيره! فالجواب أنّه جميع ما أتى ، من هذا النوع. فجعله ، لمّا لم يأت غيره مخالفا له ولا موافقا ، أصلا يقاس عليه.

فهذا جميع ما تبدل فيه الياء همزة ، باطّراد. فأمّا مثل «بائع» و «رداء» فإنّ الهمزة فيهما وأمثالهما بدل من ألف ، وإن كان الأصل «بايع» و «رداي» ، كما تقدّم.

وأبدلت منها ، من غير اطّراد ، في «أدي» ، وأصله «يدي» ، فردّ اللّام ، ثم أبدلت الياء همزة. حكي من كلامهم «قطع الله أديه». وقالوا : «في أسنانه ألل» وأصله «يلل» (١) ، فأبدلوا الياء همزة. وقالوا «رئبال» وأصله «ريبال» (٢) ، فأبدلت الياء همزة. وكذلك

__________________

(١) اليلل : قصر الأسنان وانعطافها على داخل الفم.

(٢) الريبال : الأسد.

٣٥

قالوا «الشّئمة» يريدون «الشّيمة» ، ومعناها الخليقة ، فأبدلوا أيضا الياء همزة.

وإنمّا جعلنا الهمزة في «ألل» و «رئبال» و «الشئمة» بدلا من الياء ، ولم تجعل أصلا بنفسها ، لأنّ الأكثر في كلامهم «يلل» و «ريبال» و «شيمة» بالياء ، واستعمال هذه الأسماء بالهمزة قليل. فدلّ ذلك على أنّ الهمزة بدل ، وأن الياء هي الأصل.

فهذا أيضا جميع ما جاءت فيه الهمزة بدلا من الياء ، على غير اطّراد.

٤ ـ إبدال الهمزة من الهاء. أبدلت الهمزة من الهاء في «ماء» ، وأصله «موه» ، فقلبت الواو ألفا ، والهاء همزة. والدليل على ذلك قولهم في الجمع : «أمواه». وقد أبدلت الهاء أيضا همزة في جمع «ماء» ، فقالوا : «أمواء». قال (١) :

وبلدة ، قالصة أمواؤها

تستنّ ، في رأد الضّحى ، أفياؤها

وإنّما جعلت الهاء هي الأصل ، لأنّ أكثر تصريف الكلمة عليها. قالوا «أمواه» و «مياه» و «ماهت (٢) الرّكيّة» ، إلى غير ذلك من تصاريفها.

وأبدلت أيضا منها في «آل». أصله «أهل» ، فأبدلت الهاء همزة ، فقيل «أأل» ، ثم أبدلت الهمزة ألفا ، فقيل «آل».

فإن قيل : فهلّا جعلت الألف بدلا من الهاء أوّلا! فالجواب أنّه لم يثبت إبدال الألف من الهاء ، في غير هذا الموضع ، فيحمل هذا عليه. وقد ثبت إبدال الهمزة من الهاء في «ماء» ، فلذلك حمل «آل» على أنّ الأصل فيه «أهل» ، ثم «أأل» ، فأبدلت الهاء همزة.

فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ الأصل «أهل» ، وهلّا جعلت الألف منقلبة عن واو! فالجواب أنّ الذي يدلّ على ذلك قولهم في التصغير «أهيل». ولو كانت الألف منقلبة عن واو لقيل في تصغيره «أويل». وممّا يؤيد أنّ الأصل «أهل» أنّهم إذا أضافوا إلى المضمر قالوا «أهلك» و «أهله» ، لأنّ المضمر يردّ الأشياء إلى أصولها. ولا يقال «آلك» و «آله» إلّا قليلا جدّا ، نحو قوله (٣) :

وانصر ، على دين الصّلي

ب ، وعابديه ، اليوم ، آلك

وقول الآخر :

أنا الرّجل الحامي حقيقة والدي

وآلي ، كما تحمي حقيقة آلكا

ونحو قول الكنانّي : «رجل من آلك وليس منك».

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ١١٣ ؛ والمنصف ٢ / ١٥١. والقالصة : المرتفعة. تستنّ : تجري في السنن ، أي وجه الطريق. رأد الضحى : ارتفاع النهار.

(٢) ماهت : ظهر ماؤها.

(٣) هو عبد المطّلب جد النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدرر اللوامع ٢ / ٦٢ ؛ وهمع الهوامع ٢ / ٥٠.

٣٦

ومما يدلّ ، على أنّ الألف في «آل» بدل من الهمزة المبدلة من الهاء ، أنّ العرب تجعل اللفظ ، فيه بدل من بدل ، مختصّا بشيء بعينه ؛ ألا ترى أنّ تاء القسم لمّا كانت بدلا من الواو المبدلة من باء القسم لم تدخل إلّا على اسم «الله» ، تعالى ، ولم تدخل على غيره من الأسماء الظاهرة ، ولا دخلت أيضا على مضمر. وكذلك «أسنت الرّجل» لمّا كانت التاء فيه بدلا من الياء المبدلة من الواو ، لأنّ «أسنت» من لفظ «السّنة» ، ولام «سنة» واو ، بدليل قولهم في جمعها : «سنوات» ، جعلوها مختصّة بالدخول في السنة الجدبة ، وقد كان «أسنى» قبل ذلك عامّة ، فيقال «أسنى الرجل» إذا دخل في السنة ، جدبة أو غير جدبة. فكذلك «آل» لمّا لم يضف إلّا إلى الشريف ، فيقال «آل الله» و «آل السلطان» ، بخلاف «الأهل» الذي يضاف إلى الشريف وغيره ، دلّ ذلك على أنّ الألف فيه بدل من الهمزة المبدلة من الهاء ، كما تقدّم. وإنما خصّت العرب ما فيه بدل من بدل بشيء ، لأنّه فرع فرع ، والفروع لا يتصرّف فيها تصرّف الأصل ، فكيف فرع الفرع.

وأبدلت أيضا من الهاء في «هل» ، فقالوا : «أل فعلت كذا» يريدون «هل فعلت كذا». حكى ذلك قطرب ، عن أبي عبيدة. والأصل «هل» ، لأنّه الأكثر.

وأبدلت أيضا من الهاء في «هذا» ، فقالوا : «آذا». قال (١) :

فقال فريق : آأذا إذ نحوتهم

نعم ، وفريق : ليمن الله ما ندري

أراد «أهذا» فقلب الهاء همزة ، ثم فصل بين الهمزتين بألف.

فأمّا قولهم : «تدرأ» و «تدره» للدّافع عن قومه فليس أحد الحرفين فيهما بدلا من الآخر ، بل هما أصلان ، بدليل مجيء تصاريف الكلمة عليهما. فقالوا «درأه» و «درهه» و «مدرأ» و «مدره».

٥ ـ إبدال الهمزة من العينلم يجىء من ذلك إلّا قولهم «أباب» ، في قولهم «عباب». والأصل العين لأنّ «عبابا» أكثر استعمالا من «أباب». قال (٢) :

أباب بحر ، ضاحك ، زهوق (٣)

إبدال الواو

أمّا الواو فأبدلت من ثلاثة أحرف ، وهي الهمزة والألف والياء

«فتبدل من الهمزة ، باطّراد ، إذا كانت مفتوحة وقبلها حرف مضموم. نحو

__________________

(١) البيت بلا نسبة في مغني اللبيب ص ١٠١ ؛ وفي شرح شواهد المغني ص ١٠٤.

(٢) البيت بلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب ١ / ١٢١ ؛ والمفصّل ٢ / ٢٥٤.

والضاحك : كناية عن الامتلاء. الزهوق : المرتفع.

(٣) عن الممتع في التصريف ص ٣٢٠ ـ  ٣٥٢.

٣٧

«جؤن» (١) و «سؤلة» (٢) ، تقول في تخفيفهما :«جون» و «سولة». ولا يلزم ذلك.

وتبدل أيضا ، باطّراد ، إذا كانت ساكنة وقبلها ضمّة ، ولا يلزم ذلك أيضا. نحو «بؤس» و «نؤي» (٣) ، تقول فيهما إذا أردت التخفيف : «بوس» و «نوي».

وتبدل أيضا ، باطّراد ، إذا كانت قبل الألف في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، بشرط أن يكتنف ألف الجمع همزتان ، نحو : «ذوائب» في جمع «ذؤابة». أصله «ذأائب» ، فأبدلت الهمزة واوا ، هروبا من ثقل البناء ، مع ثقل اجتماع الهمزتين والألف ، لأنّ الألف قريبة من الهمزة ، لأنّها من الحلق ، كما أنّ الهمزة كذلك. فكأنّه قد اجتمع في الكلمة ثلاث همزات ، فالتزموا لذلك إبدال الهمزة واوا.

وأبدلت أيضا ، باطّراد على اللزوم ، إذا كانت للتأنيث ، في ثلاثة مواضع : التثنية ، والجمع بالألف والتاء ، والنسب. نحو «صحراوين» و «صحراوات» و «صحراويّ».

وباطّراد ، من غير لزوم ، في الهمزة المبدلة من أصل ، أو من حرف زائد ملحق بالأصل ، إذا كانت طرفا بعد ألف زائدة ، نحو «كساء» و «رداء» و «علباء» (٤) و «درحاء» ، حيث قلبت همزة التأنيث ، نحو : «علباوين» و «كساوين» و «رداوين» و «درحاوين» و «علباويّ» و «كساويّ» و «رداويّ» و «درحاوات» في جمع «درحاءة».

ومن الهمزة الأصليّة إذا وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، وذلك قليل ، حيث قلبت همزة التأنيث أيضا ، نحو «قرّاء» (٥) لأنه من «قرأ». فإنه قد حكي «قرّاويّ» ، وفي التثنية «قرّاوان»

وأبدلت ، من غير اطّراد ، في «واخيت» ، أصله «آخيت» ، فأبدلت الهمزة واوا. ولا يمكن أن يدّعى أنّ الواو في «واخيت» أصل ، وليست ببدل من الهمزة ، لأنّ اللّام من «واخيت» واو ، لأنّه من «الأخوّة». وإنّما قلبت ياء في «واخيت» ، لوقوعها رابعة ، كما قلبت في «غازيت» ، على ما يبيّن في بابه. فإذا تبيّن أنّ اللّام واو لم يمكن أن تكون الفاء واوا ، لأنّه لم يجىء في كلامهم مثل «وعوت».

وتبدل أيضا واوا ، على غير اللزوم ، إذا وقعت بعد الواو الزائدة للمدّ ، فتقول في «مقروء» : «مقروّ».

وتبدل أيضا ، إذا وقعت بعد الواو ، وإن لم تكن زائدة للمدّ ، فتقول في «سوءة» :

__________________

(١) الجؤن : ج الجؤنة ، وهي سلّة مستديرة مغطّاة بالجلد ، يوضع فيها الطيب.

(٢) السؤلة : الكثير السؤال.

(٣) النؤي : الحفرة حول الخيمة تمنع دخول المطر إليها في فصل الشتاء.

(٤) العلباء : عصب عنق البعير.

(٥) القراء : الناسك المتعبّد

٣٨

«سوّة». إلّا أنّ ذلك قليل جدّا.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الهمزة واوا ، إذا لم تنضمّ إليها همزة أخرى. فإن انضمّ إليها همزة أخرى فلا يخلو أن تكون الثانية ساكنة أو متحرّكة. فإن كانت ساكنة فإنه يلزم إبدالها واوا ، إذا كانت الهمزة الأولى مضمومة. فتقول في «أفعل» من «أتى» : «أوتي» وأصله «أؤتي» ، إلا أنّه رفض الأصل ، هروبا من اجتماع الهمزتين ، فلزم البدل.

فإذا كانت الثانية متحرّكة فإنها تبدل واوا ، إذا كانت متحرّكة بالضمّ ، أو بالفتح. فتقول في مثل «أبلم» (١) من «أممت» : «أومّ». أصله «أؤمم» ، فنقلت ضمّة الميم إلى الهمزة ، وأدغمت فقلت «أؤمّ». ثم أبدلت الهمزة واوا ، لانضمامها ، فقلت : «أومّ» ولزم ذلك. وتقول في «أفعل» من «أممت» : «أومّ». وأصله «أأمم» ، ثم نقلت فتحة الميم إلى الهمزة ، وأدغمت ، فقلت : «أأممّ» ، ثم أبدلت الهمزة واوا ، فقلت : «أومّ». كما أنهم لمّا اضطرّوا إلى ذلك ، في جمع «آدم». قالوا : «أوادم» ، فأبدلوا الهمزة واوا.

وسواء كان ما قبل هذه الهمزة المفتوحة مفتوحا ، أو مضموما ، في التزام إبدالها واوا. فمثال انضمام ما قبلها «أواتي» في مضارع «آتى» : «فاعل» من الإتيان. أصله «أؤاتي» ، ثم التزموا البدل ، هروبا من اجتماع الهمزتين. ثم حملوا «يواتي» و «نواتي» و «تواتي» و «موات» ، على أواتي» ، في التزام البدل.

وزعم المازنيّ أنّ الهمزة إذا كانت مفتوحة ، وقبلها فتحة ، انها تبدل ياء. فقال في «أفعل» من «أممت» : «أيمّ» ، كما تبدل إذا كانت مكسورة ، نحو «أيمّة» جمع إمام ، لأنّ الفتحة أخت الكسرة ، فالأقيس أن يكون حكم الهمزة المفتوحة كحكم المكسورة في الإبدال ، لا كالمضمومة في إبدالها واوا. ورأى أنه لا حجّة في «أوادم» ، لأنهم لمّا قالوا في المفرد «آدم» صار بمنزلة «تابل» ، فأجروا الألف المبدلة مجرى الزائدة. فكما قالوا «توابل» (٢) فكذلك قالوا «أوادم». فالواو عنده بدل من الألف ، لا من الهمزة.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ الألف المبدلة لو كانت تجري مجرى الألف الزائدة لجاز أن يجمع بينها وبين الساكن المشدّد ، فكنت تقول في جمع «إمام» : «آمّة». فيكون أصله «أأممة» ، فتبدل الهمزة ألفا فيصير «آممة» ، ثم تدغم الميم في الميم فتسكن الأولى ، لأجل الإدغام ، فتقول : «آمّة» ، وتجمع بين الألف والساكن المشدّد ، كما جاز ذلك في «دابّة». فقول العرب : «أيمّة» ، ونقلهم الحركة إلى ما قبل ، دليل على أنها لم تجر مجرى الألف الزائدة. فكذلك أيضا «آدم» ، لا ينبغي أن تجرى هذه الألف

__________________

(١) الأبلم : خوص المقل.

(٢) التوابل : أبزار الطعام.

٣٩

مجرى الألف الزائدة. فينبغي أن يعتقد أنّها تردّ إلى أصلها من الهمزة ، إذا جمعت ، لزوال موجب إبدالها ألفا ، وهو سكونها وانفتاح ما قبلها. فإذا ردّت إلى أصلها قالوا «أآدم» ، فاستثقلوا الهمزتين ، فأبدلوا الثانية واوا. فإذا تبيّن أنهم أبدلوا من الهمزة المفتوحة واوا في «أوادم» وجب أن يقال في «أفعل» من «أممت» : «أومّ». وهو مذهب الأخفش.

وهذا أيضا جميع ما أبدلت فيه الهمزة واوا ، إذا التقت مع همزة أخرى (١)».

وتبدل الواو من الياء في المواضع الأربعة التالية :

أ ـ إذا كانت ساكنة بعد ضمّة غير مشدّدة ، وواقعة في كلمة غير دالّة على جمع (٢) ، نحو : «يوقن» (أصلها : «ييقن»).

ب ـ إذا وقعت لام فعل على وزن «فعل» المختصّ للتعجب ، نحو : «رمو» بمعنى : ما أرماه!

ج ـ إذا وقعت لاما لاسم على وزن «فعلى» ، نحو : «فتوى» (أصلها : «فتيا»).

د ـ إذا وقعت عينا لاسم على وزن «فعلى» ، نحو : «طوبى» (أصلها : «طيبى»).

وتبدل الواو من الألف إذا وقعت الألف بعد ضمّة ، نحو : «باع ـ بويع» ، و «كاتب ـ كويتب».

إبدال الياء

«أمّا الياء فتبدل من ثمانية عشر حرفا. وهي : الألف ، والواو ، والسين ، والباء ، والراء ، والنون ، واللّام ، والصاد ، والضاد ، والميم ، والدال ، والعين ، والكاف ، والتاء ، والثاء ، والجيم ، والهاء ، والهمزة ...

فأبدلت من السين ، من غير لزوم ، في «سادس» و «خامس». فقالوا : «سادي» و «خامي». قال الشاعر (٣) :

إذا ما عدّ أربعة ، فسال

فزوجك خامس ، وحموك سادي

أي «سادس». وقال الآخر (٤) :

مضى ثلاث سنين ، منذ حلّ بها

وعام حلّت ، وهذا التابع الخامي

أي «الخامس».

وأبدلت من الباء ، على غير لزوم ، في جمع «ثعلب» و «أرنب» ، في الضرورة. أنشد سيبويه (٥) :

__________________

(١) عن الممتع في التصريف ص ٣٦٢ ـ  ٣٦٧.

(٢) ولذلك لم تقلب في نحو : «بيض» لأنّ الاسم جمع ، ولا في نحو : «هيام» (شدّة الحب) ، لأنها متحرّكة ، ولا في نحو : «خيل» لأنّها غير مسبوقة بضمة ، ولا في نحو : «غيّب» لأنها مشدّدة.

(٣) البيت لامرىء القيس في ملحق ديوانه ص ٤٥٩. الفسال : ج فسل ، وهو الرذل من الرجال.

(٤) البيت للحادرة (قطبة بن أوس) في لسان العرب ٦ / ٦٧ (خمس) ، ١٤ / ٢٤٣ (خما).

(٥) البيت ينسب للنمر بن تولب ولغيره. انظر ـ ـ المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية ص ١٠٥٦. الأشاير : قطع اللحم المدّخرة بعد تجفيفها. تتمّره : تجفّفه. الوخز : قطع من اللحم. وهو يصف عقابا.

٤٠