المعجم المفصّل في علم الصّرف

المعجم المفصّل في علم الصّرف

المؤلف:


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

و «السين» و «الزاي» ، وسميت كذلك نسبة إلى «أسلة اللسان» (رأسه). وتسمّى أيضا : الحروف الصفيريّة.

الحروف الأصليّة

هي ، في الاصطلاح ، الحروف الأصول في الكلمة ، أي التي تثبت في تصاريفها نحو الكاف ، والتاء ، والباء ، في «نكتب» ، والدال ، والراء ، والسّين ، في «مدرسة».

وتقابلها الحروف الزائدة. وتسمّى أيضا : الحروف الأصول.

راجع : الحروف الزائدة.

الحروف الأصول

هي ، في الاصطلاح ، الحروف الأصليّة.

راجع : الحروف الأصليّة.

حروف الانفصال

هي ، في الاصطلاح ، الحروف التي لا تتّصل بما يعدها في الكتابة ، وهي : «ا ، د ، ذ ، ر ، ز ، و». يقابلها حروف الاتّصال.

راجع : حروف الاتّصال.

حروف البناء

هي ، في الاصطلاح ، حروف المباني.

راجع : حروف المباني.

حروف التمثيل

هي ، في الاصطلاح ، الحروف التي تقابل الموازين ليعرف ما إذا كانت أصليّة أم زائدة ، نحو : «عنبس» ، فإذا اعتبرت على وزن «فنعل» اعتبرت النون زائدة وإذا اعتبرت على وزن «فعلل» ، اعتبرت النون أصليّة.

حروف التهجّي

هي ، في الاصطلاح ، حروف المباني.

راجع : حروف المباني.

الحروف الجوفيّة

هي ، في الاصطلاح ، حروف العلّة.

راجع : حروف العلّة.

الحروف الجوفيّة الهوائيّة

هي ، في الاصطلاح ، حروف المدّ الثلاثة (ا ، و، ي) ، وسمّيت كذلك نسبة إلى الجوف ، أي فراغ الحلق والفم حيث ينقطع مخرجها ، وسمّيت هوائية لأنّها تنتهي بانقطاع الهواء.

الحروف الحلقيّة

هي ، في الاصطلاح ، الحروف التي يكون مخرجها من الحلق ، وهي : «الهمزة ، والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين ، والهاء».

وتسمّى أيضا : الحروف الستّة.

الحروف الخيشوميّة

هي ، في الاصطلاح ، النون الساكنة ، والتنوين حين إدغامهما بغنّة ، أو إخفائهما ، والنون والميم المشدّدتان.

الحروف الذّلقيّة

هي ، في الاصطلاح ، الباء ، والراء ، والفاء ، واللام ، والميم ، والنون ، يجمعها

٢٢١

القول : «مر بنفل» (١) ؛ ومنهم من يجعلها ثلاثة ، وهي : الراء ، واللام ، والنون ، يجمعها القول «لنر». وسمّيت بذلك نسبة إلى ذلق اللسان ، أي طرفه.

الحروف الزائدة في التضعيف

انظر : التضعيف.

حروف الزيادة

«حروف الزيادة عشرة ، ويجمعها قولك : «أمان وتسهيل».

فإن قيل : ولم سمّيت حروف الزيادة ، وهي قد تكون أصولا؟ فالجواب أنّ المراد بذلك أنها الحروف التي لا تكون الزيادة إلّا منها ؛ ألا ترى أنّه متى وجد حرف في كلمة زائدا لا بدّ أن يكون أحد هذه الحروف.

فإن قيل : فهلّا زدتم في حروف الزيادة كاف الخطاب ، التي في «تلك» و «ذاك» ونحوهما ، والشين اللاحقة للكاف التي هي ضمير المؤنّث في الوقف ، نحو «أعطيتكش» و «أكرمتكش»! فالجواب أنّه لا يتكلّم في هذا الموضع ، من حروف الزيادة ، إلّا فيما جعلته العرب كالجزء من الكلمة ، نحو همزة «أحمر» وتاء «تنضب» وأشباه ذلك ؛ ألا ترى أنهما من كمال الاسم ، كالدال من «زيد» ، لأنّ هذا الضرب هو الذي يحتاج إلى إقامة الدليل على زيادته ، لمشاكلته الأصل في كونه من كمال البناء. فأمّا ما لم تجعله كالجزء ممّا زيد معه فزيادته بيّنة ، لا يحتاج إلى إقامة دليل عليها.

فإن قيل : فإنّ الكاف قد تزاد على أنّها من نفس الكلمة ، فيقال : «هنديّ وهندكيّ» في معنى واحد ، وهو المنسوب إلى الهند ، قال الشاعر (٢) :

ومقرونة دهم وكمت كأنّها

طماطم يوفون الوفاز هنادك

أي : منسوبون إلى الهند! فالجواب أن «هنديّا» و «هندكيّا» من باب «سبط وسبطر» ، أعني مما تقارب فيه اللفظ ، والأصل مختلف ، لأنه لم يثبت زيادة الكاف في موضع غير هذا ، فيحمل هذا عليه.

فإن قيل : فإذا كان الأمر على ما ذكرت فلم أوردوا في حروف الزيادة اللّام الزائدة ، في مثل «ذلك» والتاء الزائدة للتأنيث ، في مثل «قائمة» ، وهما ليسا كالجزء ممّا زيدا فيه ؛ ألا ترى أنّ «قائما» اسم كامل دون التاء ، وكذلك «ذلك» اسم كامل دون اللام ، لأنك تقول : «ذاك»؟ فالجواب عن ذلك شيئان :

أحدهما أنّ التاء الزائدة قد تكون ، في موضع ، من نفس الكلمة نحو «عفريت» ،

__________________

(١) النفل : الغنيمة.

(٢) البيت لكثيّر عزّة في ديوانه ص ٣٤٧.

والطماطم جمع طمطم ، وهو الذي في لسانه عجمة لا يفصح.

الوفاز : جمع وفزة ، وهي المكان المرتفع.

٢٢٢

وكذلك اللّام في نحو «عبدل» (١) و «زيدل» (٢). فإن قيل : فإنّ اللام في «عبدل» ليست من كمال الاسم ، لأنه تقول : «عبد» ، وكذلك «زيدل» لأنك تقول «زيد»! فالجواب أنّ الذي يقول «عبدلا» و «زيدلا» ليس «عبد» و «زيد» عنده باسمين كاملين ، بل هما بعض اسم ، بدليل جعلهما حرفي إعراب كالدال من «زيد». فلمّا كانا من نفس الحرف في بعض المواضع ذكرا مع حروف الزيادة.

والآخر أنّ تاء التأنيث في مثل «قائمة» واللّام في مثل «ذلك» بمنزلة ما هو من نفس الحرف. أمّا تاء التأنيث فلأنّها قد صارت حرف إعراب. وأيضا فإنك لو أسقطتها لاختلّت دلالة الاسم ، لأنّه كان يعطي التأنيث ، فإذا سقطت منه لم يبق ما يدلّ على التأنيث ، وصار مدلول الاسم شيئا آخر. وقد تلزم في بعض المواضع ، نحو : «رفاهية» ، و «كراهية» ، و «طواعية» ، لا يجوز حذفها في شيء من ذلك. وأمّا اللّام فإنها إذا زيدت في اسم المشار صار اسم الإشارة يقع على البعيد ، فإذا أسقطتها منه اختلّت دلالته التي كانت له مع اللّام ، وصار يعطى القريب ، نحو «ذا».

فإن قيل : فلم أوردوا فيها الهاء ، وهي لا تزاد إلّا لبيان الحركة ، فلم تتنزّل منزلة الجزء مما زيدت فيه؟ فالجواب أنّ المبرّد قد أخرجها لذلك من حروف الزيادة. وسنبيّن كونها من حروف الزيادة في فصل الهاء ، إن شاء الله تعالى.

فتبيّن أنّ حروف الزيادة ، التي يجب أن تورد هنا ، إنما هي العشرة المتقدّمة الذّكر.

وما عدا ذلك ، من الحروف ، لا يزاد إلّا في التضعيف. فإنّ كلّ حرف يضعّف فإنّ أحد المضعّفين زائد ، ما لم تقم الدّلالة على أصالتهما. وذلك بأن يؤدّي جعل أحدهما زائدا إلى بقاء الكلمة على أقلّ من ثلاثة أحرف ، نحو «ردّ» ، إذ لا بدّ من فاء وعين ولام. وسنفرد لذلك بابا ، عقب الفراغ من حروف الزيادة ، وسنبيّن فيه أيّ الحرفين هو الزائد. فإنّ في ذلك خلافا.

ولا يزاد حرف من هذه الحروف إلّا : للإلحاق : نحو واو «كوثر».

أو لمعنى : نحو حروف المضارعة.

أو للإمكان : نحو همزة الوصل ، فإنّها زيدت ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن ، ونحو الهاء المزيدة ، فيما كان من الأفعال على حرف واحد ، في الوقف ، نحو «فه» و «عه» ، فإنّه لا يمكن النّطق بحرف واحد ، إذ لا أقلّ من حرف يبتدأ به ، وحرف يوقف عليه.

أو لبيان الحركة : في نحو (سُلْطانِيَهْ)(٣).

أو للمدّ : نحو : «كتاب» و «عجوز»

__________________

(١) العبدل : العبد.

(٢) زيدل : زيد.

(٣) الحاقة : ٢٩.

٢٢٣

و «قضيب». وإنّما زيدت هذه الحروف ، ليزول معها قلق اللسان بالحركات المجتمعة ، أو ليزول معها اجتماع الأمثال في نحو «شديد». وممّا يدلّ على أنّهم قد يزيدون الحرف ، للفصل بين المثلين ، قولهم في جمع قردد «قراديد» في فصيح الكلام. ولا تفعل العرب ذلك فيما ليس في آخره مثلان ، إلّا في الضرورة ، نحو قوله :

تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفي الدّراهم تنقاد الصّياريف (١)

أو للعوض : نحو تاء التأنيث في «زنادقة» ، فإنّها عوض من ياء «زناديق».

أو لتكثير الكلمة : نحو ألف : «قبعثرى» (٢) ونون «كنهبل» (٣) ، لأنّه لا يمكن فيهما الإلحاق ، إذ ليس لهما من الأصول نظير يلحقان به. وإذا أمكن أن تجعل الزيادة لفائدة كان أولى من حملها على التكثير ، قد قابل الحرف الزائد منها حرف أصليّ من ذلك النظير ، للإلحاق ، إلّا أن يمنع من ذلك مانع.

وقد تقدّم ما يعلم به أنّ الحرف ملحق في الأفعال ، عند ذكر الأفعال. وأما في الأسماء فإذا كان المزيد منها في مقابله حرف أصليّ ، من بناء آخر على وفق البناء الذي فيه الحرف الزائد ، قضيت عليه بأنه للإلحاق ، إلّا أن يكون ذلك الحرف ألفا غير آخر ، أو ياء أو واوا حركة ما قبلهما من جنسهما ، نحو : «قضيب» و «عجوز» ، أو ميما أو همزة في أوّل كلمة.

أمّا الألف فإنها لم يلحق بها حشو الكلمة لأنها لو جعلت للإلحاق لم تكن إلّا منقلبة ، كما أنّ ألف الأصل لا تكون إلّا منقلبة. فإذا قدّرتها منقلبة لم يخل من أن يكون الحرف الذي انقلبت عنه ساكنا أو متحرّكا. فلا يتصوّر أن يكون ساكنا ، إذ لا موجب لإعلاله. ولا يتصوّر أن يكون متحرّكا ، لأنّه يؤدّي إلى تغيّر الملحق عن بناء ما ألحق به ، وذلك لا يجوز. ولذلك احتملوا ثقل اجتماع المثلين في «قردد» ولم يدغموا ، لئلّا يتغيّر عن بناء ما ألحق به ، وهو «جعفر» ، فلا يحصل الغرض الذي قصد به ، من تصيير الملحق على وفق الملحق به في الحركات والسّكنات وعدد الحروف. وأمّا إذا كانت طرفا فيتصور الإلحاق بها ، لأنها إذ ذاك تقدّر منقلبة عن حرف متحرّك. ولا يكون ذلك تغييرا لبناء الملحق عن أن يكون على مثال ما ألحق به ، لأنّ حركة الآخر ليست من البناء.

وأمّا الياء المكسور ما قبلها والواو المضموم ما قبلها فأجريا في منع الإلحاق بهما مجرى الألف ، لشبههما بها في الاعتلال والمدّ.

وأمّا الهمزة والميم أوّلا فلم يلحق بهما ،

__________________

(١) البيت للفرزدق في ديوانه ص ٥٧٠.

(٢) القبعثرى : الجمل الضخم العظيم.

(٣) الكنهبل : شجر عظام.

٢٢٤

لأنّ العرب قد عزمت على زيادتهما أوّلا ، إذا كان بعدهما ثلاثة أحرف أصول ، إلّا فيما شذّ ، على ما يبيّن في موضعه. فلمّا عزموا على ألّا يكونا اصلين لم يستعملوهما في ذينك الموضعين للإلحاق ، لأنّ في ذلك تقريبا لهما من الأصول ، وتنزيلا لهما منزلتها ، فيكون ذلك نقضا لما اعتزموه من زيادتهما.

وممّا يبيّن لك أنّهما ليسا للإلحاق وجود «أشدّ» و «مفرّ» في كلامهم ، والأصل «أشدد» و «مفرر» فلو كانا للإلحاق لم يدغما كما لم يدغم مثل «قردد».

فإن قال قائل : ولأيّ شيء خصّوا هذه الأحرف العشرة بالزيادة ، من بين حروف المعجم؟ فالجواب أنّ أمهّات هذه الزوائد ، والذي هو زائد منها بحقّ الأصالة ، الواو والياء والألف ، لكثرة دورها في الكلام واستعمالها ؛ ألا ترى أنه لا تخلو كلمة منها أو من بعضها ، أعني الحركات : الضّمّة والكسرة والفتحة ، لأنّ الضّمة بعض الواو ، والكسرة بعض الياء ، والفتحة بعض الألف.

ولمّا كانت أمّهات الزوائد لذلك كانت أكثر الحروف زيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله.

وأما الهمزة والتاء والميم والنون فزيدت لشبهها بحروف العلّة : أما الهمزة فشبهها بحروف العلّة من جهة كثرة تغييرها بالتسهيل ، والحذف ، والبدل.

وأما التّاء فأشبهت الواو من جهة تقارب مخرجيهما ، ولذلك أبدلت منها في مثل «تراث» و «تكأة» ، لأنهما من «ورثت» و «توكّأت».

وأمّا الميم فمضارعة للواو أيضا ، من جهة تقاربهما في المخرج ، ومضارعة لحروف العلّة كلّها ، من جهة الغنّة التي فيها ، الشبيهة باللّين الذي في حروف العلّة ، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف ، كما أنّ اللّين كذلك.

وأما النّون ، فأشبهت أيضا حروف العلّة ، من جهة الغنّة التي فيها.

ولمّا كانت هذه الحروف قريبة الشبه من حروف العلّة كانت تليها في كثرة الزيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.

وأمّا السين واللّام والهاء فإنها زيدت لشبهها بالحروف المشبّهة بحروف العلّة.

أمّا اللّام فمشبهة للنّون ، من حيث تسطيل في مخرجها ، حتى تلحق بمخرج النون ، على ما يبيّن في الإدغام.

وأمّا السين فإنها تشبه التاء ، لهمسها وتقارب مخرجيهما.

وأمّا الهاء فمشبهة للهمزة ، من جهة تقارب مخرجيهما ، لأنّها من حروف الحلق.

ولمّا كانت هذه الحروف لم تشبه حروف العلّة ، بل أشبهت المشبّه بها ، لم تجىء

٢٢٥

مزيدة إلّا في ألفاظ محفوظة ، وأماكن مخصوصة لا تتعدّاها. فهي أقلّ الحروف زيادة لذلك.

١ ـ اللام : أمّا اللّام فإنها تزاد في «ذلك» بفتح التاء وكسرها و «تالك» و «أولالك» و «هنالك». والدليل على زيادتها في هذه الأشياء ، قولهم في معناها : «ذاك» و «تيك» و «أولاك» و «هناك».

وتزاد أيضا في «عبدل» وفي «زيدل» وفي «فحجل» (١). فالدليل على زيادتها في «زيدل» أنّ معناه «زيد» ، وكذلك أيضا «عبدل» دليل زيادة لامه كونه في معنى «عبد».

وزعم أبو الحسن (٢) أنّ معنى «عبدل» : عبد الله. فعلى هذا تحتمل هذه اللّام أن تكون زائدة على «عبد» من «عبد الله».

ويحتمل أن تكون هذه اللّام من «الله» ، فيكون «عبدل» على هذا اسما مركّبا من «عبد» و «الله» ، كما فعلوا ذلك في «عبد الدار» و «عبد قيس» ، فقالوا «عبدريّ» و «عبقسيّ». فلا تكون اللّام على هذا زائدة ، بل هي بعض اسم. إذ لو جعلناها زائدة لوجب أن تكون الراء من «عبدريّ» ، والقاف من «عبقسيّ» ، زائدتين ، والراء والقاف ليسا من حروف الزيادة. وأمّا «فحجل» فالدليل على زيادة لامه أنه في معنى «الأفحج».

وحكى عليّ بن سليمان ، عن أبي العباس المبرّد ، أنّه كان يقول : «العثول» : الطويل اللحية ، وهو مأخوذ من قولهم : ضبعان أعثى ، وضبع عثواء ، إذ كانا كثيري الشّعر. وكذلك يقال للرجل والمرأة. فاللّام من «عثول» زائدة كما أنها في «فحجل» كذلك.

فأمّا «فيشلة» (٣) و «هيقل» (٤) و «طيسل» (٥) فيمكن أن تجعل اللّام فيها زائدة ، لأنه يقال «فيشة» في معنى «فيشلة» ، و «هيق» في معنى «هيقل» ، و «طيس» في معنى «طيسل». ويمكن أيضا أن تجعل اللّام أصليّة والياء زائدة ، لأنّ زيادة الياء أوسع من زيادة اللّام ، فتكون هذه الألفاظ متقاربة وأصولها مختلفة ، نحو «ضيّاط (٦) وضيطار» (٧) و «سبط» و «سبطر» ؛ ألا ترى أنّ الراء لا تزاد ، وأنّ «ضيّاطا» و «ضيطارا» ، و «سبطا» و «سبطرا» : متقاربة ، وأصولها مختلفة.

ولا يحمل «زيدل» إلا على زيادة اللّام ، لأنّ استعمال «زيد» أكثر من استعمال «زيدل». فدلّ ذلك على أنّ «زيدا» هو

__________________

(١) الفحجل : الذي في رجليه اعوجاج.

(٢) هو الأخفش الأوسط.

(٣) الفيشلة : رأس الذّكر.

(٤) الهيقل : ولد النعامة.

(٥) الطّيسل : الكثير من كلّ شيء.

(٦) الضيّاط : الرجل الغليظ.

(٧) الضّيطار : الرجل الغليظ الضّخم.

٢٢٦

الأصل ، وأن اللّام زائدة.

وكذلك «فحجل» و «عبدل» اللّام فيهما زائدة ، ولا يجعلان من ذوات الأربعة ، ويجعل «عبد» و «أفحج» من ذوات الثلاثة ، فيكون من باب «ضيّاط وضيطار» ، لأنّ «عبدا» و «أفحج» هما الأصلان ، لكثرة استعمالهما ، وقلّة «عبدل» و «فحجل».

فأمّا «فيشة» و «فيشلة» و «هيق» و «هيقل» و «طيس» و «طيسل» فكلّ واحد من هذه الألفاظ قد كثر استعماله ، فلذلك ساغ تقدير كلّ واحد منهما أصلا بنفسه.

وزعم محمد بن حبيب أنّ اللّام من «عنسل» (١) زائدة ، لأنّه في معنى «عنس».

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، من أنّ لامه أصليّة ، وأنه مشتق من «العسلان» وهو عدو الذئب ، والنون زائدة ، لأنّ زيادة النون أسهل من زيادة اللّام ، واشتقاقه واضح لا تكلّف فيه.

وأما «ازلغبّ الفرخ» أي : «زغّب» (٢) فلامه أصليّة ، لأنّ «ازلغبّ» في معنى «زغّب» كثير الاستعمال ، فينبغي أن يجعل أصلا بنفسه ، ولا تجعل اللّام زائدة ، لقلّة زيادة اللّام. وبالجملة فإنّ «ازلغبّ» فعل ، ولا تحفظ زائدة في فعل.

فهذه جملة الألفاظ التي زيدت اللّام فيها.

٢ ـ الهاء : وأمّا الهاء فتزاد لبيان الحركة ، في نحو «فه» و «ارمه». وزعم أبو العبّاس (٣) أنها لا تزاد في غير ذلك. ولذلك لم يجعلها من الحروف الزوائد كما تقدّم. والصحيح أنها تزاد في غير ذلك ، إلّا أنّ ذلك قليل جدّا. فالذي زيدت فيه ، من غير ذلك : «أمّهة» و «هجرع» و «هركولة» و «هبلع» و «أهراح الماشية».

أمّا «أمّهة» ففيها خلاف. فمنهم من جعل الهاء فيه زائدة ، ومنهم من جعلها أصليّة.

فالذي يجعلها زائدة يستدلّ ، على ذلك ، بأنّها في معنى «الأمّ». قال (٤) :

أمّهتي خندف ، والياس أبي

أي : أمّي ، إلّا أنّ الفرق بين «أمّهة» و «أمّ» أنّ أمّهة» إنّما تقع ، في الغالب ، على من يعقل. وقد تستعمل فيما لا يعقل ، وذلك قليل جدّا ، نحو قوله :

قوّال معروف ، وفعّاله

عقّار مثنى ، أمّهات الرّباع (٥)

و «أمّ» يقع ، في الغالب ، على ما لا يعقل. وقد يقع على العاقل ، نحو قوله :

__________________

(١) العنسل : الناقة السريعة.

(٢) زغّب : نبت الزّغب فيه ، وهو أوّل الرّيش.

(٣) هو المبرّد.

(٤) البيت لقصيّ بن كلاب في شرح الشافية ٢ / ١٨٣ ، وشرح شواهدها ص ٣٠١ ـ  ٣٠٨.

(٥) البيت للسفاح بن بكير ، وهو البيت الخامس من المفضلية رقم ٩٢. راجع شرح اختيارات المفضل. ص ١٣٦٣

والرباع : ما نتج في أول الربيع.

٢٢٧

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء

على باب استها صلب وشام (١)

وممّا يدلّ أيضا ، على زيادة الهاء في «أمّهة» ، قولهم : «أمّ بيّنة الأمومة» بغير هاء.

ولو كانت أصليّة لثبتت في المصدر.

والذي يجعلها أصليّة يستدلّ على ذلك بما حكاه صاحب العين (٢) ، من قولهم : «تأمّهت أمّا». فـ «تأمّهت» : تفعّلت بمنزلة «تنبّهت» ، مع أنّ زيادة الهاء قليلة جدّا ، فمهما أمكن جعلها أصليّة كان ذلك أولى فيها.

والصحيح أنها زائدة ، لأنّ «الأمومة» حكاها أئمة اللغة. وأمّا «تأمّهت» فانفرد بها صاحب العين. وكثيرا ما يأتي ، في كتاب العين ، ممّا لا ينبغي أن يؤخذ به ، لكثرة اضطرابه وخلله.

وأمّا «هجرع» و «هبلع» و «هركولة» فزعم أبو الحسن (٣) أنّ الهاء فيها زائدة ، واستدلّ على زيادتها بالاشتقاق. فأمّا «هجرع» فهو الطويل ، فكأنه مأخوذ من «الجرع» وهو المكان السهل المنقاد. وأمّا «الهبلع» فالأكول ، ففيه معنى البلع. وأمّا «الهركولة» فهي التي تركل في مشيتها ، فالهاء فيها زائدة. وبعض العرب يقول «هرّكلة» و «هركلة». وينبغي أن تجعل الهاء فيها أصليّة.

والصحيح أنّ الهاء في «هبلع» زائدة ، لوضوح اشتقاقه من البلع.

وأمّا «هجرع» فوجه الجمع بينه وبين «الجرع» ليس له ذلك الوضوح الذي لـ «هبلع». فينبغي أن تجعل الهاء أصليّة ، وألّا تجعل من لفظ «الجرع». على أنّ أحمد بن يحيى قد حكى «هذا أهجر من هذا» ، أي : أطول منه. فيحتمل أن يكون من لفظ «هجرع» ، وحذفت لامه (٤). ويكون في قولهم «أهجر من كذا» دلالة على أصالة الهاء.

وأمّا «الهركولة» فقد حكى أبو عبيدة أنّها الضّخمة الأوراك. فعلى هذا تكون الهاء أصليّة ، إذ لا اشتقاق يقضي بزيادة الهاء ، لأنه ـ على هذا ـ ليس مأخوذا من «ركل».

فإذا ثبت أنّ الهاء في «هركولة» أصليّة ، عند من يجعله واقعا على الضخمة الأوراك ، فكذلك ينبغي أن يجعل ، إذا وقع للمرأة التي تركل في مشيتها ، وألّا يجعل ذلك مشتقّا من «ركل» ، بل اسم للمرأة التي تركل في مشيتها ، إذ قد ثبتت أصالتها في موضع.

وكذلك «هلقم» ، من قول الراجز :

هلقم ، يأكل أطراف النّجد (٥)

__________________

(١) البيت لجرير في ديوانه ص ٥١٥. والشام : جمع شامة.

(٢) أي الخليل بن أحمد الفراهيديّ.

(٣) هو الأخفش الأوسط.

(٤) أي : لامه الثانية.

(٥) الرجز في لسان العرب وتاج العروس (هلقم) دون نسبة.

٢٢٨

ينبغي أن تكون الهاء فيه زائدة ، لأنه من «اللّقم». إلا أنّه لا ينبغي أن يجعل مستدركا على سيبويه ، لأنه لا يحفظ في نثر. وأمّا «هبلع» فينبغي أن يجعل من الفوائت.

وأمّا «أهراق» و «أهراح الماشية» فإن الهاء فيهما زائدة ، لأنّهما في معنى «أراق» و «أراح».

فإن قيل : إنما ينبغي أن يجعل هذا من البدل ، لأنّ قياس قول سيبويه في «أسطاع» : إنّ السين عوض من ذهاب حركة العين ، أن يكون الأمر في «أهراق» و «أهراح» كذلك! فالجواب أنه ينبغي أن يجعل ذلك في باب البدل من وجه ، وفي باب الزيادة من وجه وسنبيّن ذلك في باب السين ، إن شاء الله تعالى.

٣ ـ السين : وأمّا السين فتزاد في «استفعل» وما تصرّف منه ، من مضارع ، واسم فاعل ، واسم مفعول ، ومصدر. وتزاد أيضا في الوقف ، لتبيين كسرة الكاف من المؤنّث ، في لغة بعض العرب ، نحو : «مررت بكس» و «أكرمتكس». وزيادتها في هذين المكانين بيّنة ، لا يحتاج إلى إقامة دليل عليها. أمّا في الوقف فلكونها لم تجعل كالجزء مما دخلت عليه ، فبانت لذلك زيادتها. وأمّا في «استفعل» فلكونه أبدا مبنيّا من فعل ثلاثيّ ، فبانت لذلك زيادتها ، لوضوح ردّها إلى الثلاثيّ غير المزيد.

وأمّا «استخذ فلان» ، من قول العرب «استخذ فلان أرضا» ، ففي ذلك قولان : أحدهما أنه يجوز أن يكون في الأصل «اتّخذ» وزنه «افتعل» من قوله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)(١) ، ثم أبدلوا السين من التاء الأولى التي هي فاء الكلمة ، كما أبدلوا التاء من السين في «ستّ» ، لأنّ أصلها «سدس» بدليل قولهم «أسداس».

فلمّا أبدلوا التاء من السين ، فقالوا : «سدت» ، أدغموا الدال في التاء. وإنما جاز ذلك ، لأنّ السين والتاء مهموسان ، فجاز إبدال كلّ واحد منهما من الآخر ، بسبب ذلك.

والآخر أن يكون أصله «استتخذ» على وزن «استفعل» من «تخذ» أيضا ، فحذفت التاء الثانية التي هي فاء الفعل ، استثقالا للمثلين ، كما حذفوا التاء الأولى من «اتّقى» ، كراهية لاجتماع المثلين أيضا ، فقالوا «تقى يتقي». قال الشاعر :

تقوه ، أيّها الفتيان ، إنّي

رأيت الله قد غلب الجدودا (٢)

يريد : اتّقوه. فعلى هذا تكون السين زائدة. وعلى الأوّل تكون بدلا من أصل.

والصحيح من هذين القولين عندي الثاني ، لأنّه قد ثبت حذف إحدى التائين

__________________

(١) الكهف : ٧٨ ، وهذه قراءة أبي عمرو وابن كثير.

(٢) البيت لخداش بن زهير في سر صناعة الإعراب ١ / ١٩٨ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ ؛ والمقاصد النحوية ٢ / ٣٧١.

٢٢٩

لاجتماع المثلين في «تقى» ، وباطّراد إذا كانت المحذوفة زائدة في مثل «تذكّر» و «تفكّر» تريد : «تتذكّر» و «تتفكّر». ولم يثبت إبدال السين من التاء ، بل ثبت عكسه. والبدل في مثل هذا ليس بقياس ، فيقال به حيث لم يسمع. فلذلك كان الوجه الثاني أحسن الوجهين عندي ، لأنّ فيه الحمل على ما سمع مثله.

وأمّا «أسطاع» فالسين عند سيبويه فيه عوض من ذهاب حركة العين منها. وذلك أنّ أصله «أطوع» ، فنقلت فتحة الواو إلى الطاء ، فصار «أطوع» ، ثم قلبت الواو ألفا ، لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها في اللفظ. ثم زيدت السين عوضا من ذهاب الحركة من العين ـ وهي الواو ـ بجعلها على الفاء. وقد تعقّب المبرّد ذلك على سيبويه ، فقال : إنما يعوّض من الشيء إذا فقد وذهب. فأمّا إذا كان موجودا في اللفظ فلا.

وحركة العين التي كانت في الواو موجودة في الطاء.

والذي ذهب إليه سيبويه صحيح. وذلك أنّ العين لمّا سكنت توهّنت لسكونها ، وتهيّأت للحذف عند سكون اللّام ، وذلك في نحو : «لم يطع» و «أطع» و «أطعت».

ففي هذا كلّه قد حذفت العين ، لالتقاء الساكنين. ولو كانت العين متحرّكة لم تحذف ، بل كنت تقول : «لم يطوع» و «أطوع» و «أطوعت». فزيدت السين لتكون عوضا من العين متى حذفت. وأمّا قبل حذف العين فليست بعوض ، بل هي زائدة. فلذلك ينبغي أن يجعل «أسطاع» من قبيل ما زيدت فيه السين ، بالنظر إليه قبل الحذف. ومن جعل «أسطاع» من قبيل ما السين فيه عوض فبالنظر إلى الحذف.

وكذلك الأمر في «أهراق» و «أهراح» أعني : من أنّه يسوغ أن توردا في العوض ، بالنظر إليهما بعد الحذف ، وفي الزيادة بالنظر إليهما قبل الحذف.

فإن قيل : فإن سيبويه قد جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين ، لا كما ذهبت إليه من أنّها عوض متى ذهبت العين! فالجواب عن ذلك شيئان : أحدهما أنّه يمكن أن يكون أراد بقوله : «من ذهاب حركة» أي : زادوا من أجل ذهاب حركة العين. لأنّ زيادة السين ـ لتكون معدّة للعوضيّة ـ إنّما كان من أجل ذهاب حركة العين ، لأنّ ذهاب حركة العين هو الذي أوجب حذف العين ، عند سكون اللّام.

والآخر أن يكون جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين ، وإن كانت إنّما هي عوض من العين ، في بعض المواضع ، لأنّ السبب في حذف العين إنّما هو ذهاب الحركة. فأقام السبب مقام المسبّب. وإقامة السبب مقام المسبّب كثير جدا.

وقال الفرّاء : شبّهوا «أسطعت» بـ «أفعلت». فهذا يدلّ من كلامه على أنّ

٢٣٠

أصله «استطعت». فلمّا حذفت التاء بقي على وزن «أفعلت» ، ففتحت الهمزة وقطعت. وهذا الذي ذهب إليه غير مرضيّ ، لأنّه لو كان بقاؤه على وزن «أفعلت» بعد حذف التاء يوجب قطع همزته ، لما قالوا : «اسطاع» بكسر الهمزة وجعلها للوصل.

واطّراد ذلك عندهم ، وكثرته ، يدلّ على فساد مذهبه.

فإن قيل : ما ذهب إليه سيبويه ، من زيادة السين لتكون معدّة للعوض ، لم يثبت ، فينبغي أن يحمل «أسطاع» على ذلك. وأمّا قطع همزة الوصل ، لأنّ اللفظ قد صار على وزن ما همزته همزة قطع ، فلم يستقرّ في موضع من المواضع.

٤ ـ الهمزة : الهمزة لا يخلو أن تقع أوّلا ، أو غير أوّل. فإن وقعت غير أوّل قضي عليها بالأصالة ، ولا يحكم عليها بالزيادة إلّا أن يقوم على ذلك دليل. وذلك أنّ الهمزة إذا وقعت غير أوّل ، فيما عرف له اشتقاق أو تصريف ، وجدت أصليّة ، ولم توجد زائدة ، إلّا في ألفاظ يسيرة. وهي :

«شمأل» و «شأمل» (١) بدليل قولهم «شملت الريح». ولو كانت الهمزة أصليّة لقالوا «شأملت» و «شمألت».

و «جرائض» (٢) ، لأنّهم قالوا في معناه : «جرواض».

و «حطائط» ، لأنّه الصغير ، المحطوط عن قدره المعتاد.

و «قدائم» ، لأنّه في معنى : قديم.

و «النّئدلان» ، لأنّهم يقولون في معناه : «النّيدلان». قال :

نفرجة الهمّ ، قليل ما النّيل

يلقى عليه النّيدلان باللّيل (٣)

والنّيدلان هو الذي يسمّى الكابوس.

و «ضهيأ» ، لأنهم يقولون في معناه «ضهياء». وحروف «ضهياء» الأصول إنّما هي الضاد والهاء والياء ، فكذلك «ضهيأ» المقصور. وأيضا فإنّ «الضهيأ» : المرأة التي لا تحيض ، وقيل : التي لا ثدي لها. فهو ـ على هذا ـ مشتق من «ضاهيت» أي : شابهت. قال تعالى : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ)(٤). فالهمزة ـ على هذا ـ زائدة.

وزعم الزجّاج أنّه يجوز أن تكون همزة «ضهيأ» أيضا أصليّة ، وياؤه زائدة ، ويكون مشتقّا من «ضاهأت» أي : شابهت ، لأنّه يقال : «ضاهيت» و «ضاهأت». وهو أولى به ، لأنّ أصالة الهمزة غير أوّل أكثر من زيادتها. فيكون «ضهياء» الممدود عنده من

__________________

(١) الشّمأل ، والشّأمل : ريح الشمال.

(٢) الجرائض : الجمل الضّخم.

(٣) البيت بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ١٢٥ ، واللسان والتاج (ندل). والنفرجة :

الجبان الضعيف.

(٤) التوبة : ٣٠.

٢٣١

«ضاهيت» أي : شابهت. و «ضهيأ» المقصور من «ضاهأت».

وهذا الذي ذهب إليه حسن من طريق الاشتقاق ، إلا أنّه يبقى في ذلك إثبات بناء لم يستقرّ في كلامهم. وذلك أنّ الهمزة إذا جعلت أصليّة والياء زائدة كان وزن الكلمة «فعيلا» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم ، إلّا أن يكون مكسور الفاء ، نحو «طريم» (١) و «حذيم» (٢).

فإن قلت : وكذلك أيضا جعل الهمزة زائدة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وهو «فعلأ» ؛ ألا ترى أنّه لم يجىء منه إلّا «ضهيأ» المختلف فيه ، والمختلف فيه لا يجعل حجّة. فإذا كان جعلها زائدة أو أصلا يؤدّي إلى بناء غير موجود ، فالأصالة أولى ، لأنّها أكثر! فالجواب أنّ «فعلأ» و «فعيلا» ـ وإن كانا بناءين معدومين ـ ينبغي أن يحمل منهما على «فعلأ» ، لأنّ «فعيلا» يظهر منهم اجتنابه ؛ ألا ترى أنّه إذا جاء في كلامهم كسروا أوّله ، نحو : «حذيم» و «طريم». ولم يظهر منهم ذلك في «فعلأ» ، لأنّهم لم يجتنبوا «فعلأ» كما فعلوا ذلك بـ «فعيل».

فثبت إذا أنّ الذي ينبغي أن يدّعى فيه أنّه «فعلأ» ، ويكون من الأبنية التي جاءت في كلامهم مفردة ، لا ثاني لها. وأيضا فإنّ الاستدلال على زيادة همزة «ضهيأ» بـ «ضهياء» الممدودة ، أو ما في معناها ، أولى من الاستدلال بشيء آخر خلافها ، وهو «ضاهأت». فلذلك كان هذا المذهب باطلا.

فهذه جملة ما جاءت فيه الهمزة زائدة غير أوّل.

فأمّا «العألم» و «الخأتم» و «تأبل» (٣) وأمثالها ، فالهمزة فيها بدل من الألف ، ولم تزد فيها الهمزة ابتداء ، فينبغي أن تذكر في باب البدل.

فلمّا قلّت زيادة الهمزة ، غير أوّل ، وجب القضاء على ما لم يعرف أصله ، ممّا الهمزة فيه غير أوّل ، بالأصالة ، نحو «السّأسم» (٤) و «اطمأنّ» و «برائل» (٥) ، وأمثال ذلك.

فإن وقعت أوّلا ، فلا يخلو أن يكون بعدها حرفان ، أو أزيد. فإن كان بعدها حرفان خاصّة كانت أصلا ، إذا لا بدّ من الفاء والعين واللام. وذلك نحو «أخذ» و «أكل» و «أمر».

وإن كان بعدها أزيد من حرفين ، فلا يخلو أن يكون بعدها أربعة أحرف ، مقطوع بأصالتها فصاعدا ، أو ثلاثة ، أو اثنان ، مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل للزيادة والأصالة.

__________________

(١) الطّريم : الطويل.

(٢) الحذيم : الحاذق.

(٣) التأبل : التوابل كالكمون والكسبرة ونحوهما.

(٤) السأسم : نوع من الشّجر.

(٥) البرائل : الدّيك.

٢٣٢

فإن كان بعدها أربعة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدا كانت أصلا. وذلك نحو «إصطبل» و «إبريسم» (١) و «إبراهيم» و «إسماعيل» ؛ ألا ترى أنّ الصاد والطاء والباء من «إصطبل» مقطوع بأصالتها ، لأنّها ليست من حروف الزيادة. وكذلك اللّام ، لأنّ المواضع التي تزاد فيها محصورة كما تقدّم. وليس «إصطبل» منها. وكذلك الباء والراء والسين والميم من «إبريسم» ، والباء والراء والهاء والميم من «إبراهيم» ، والسين والميم والعين واللّام من «إسماعيل». جميع ذلك أصل ، مقطوع بأصالته.

وإنّما قطع بأصالة الهمزة في مثل هذا ، لأنّ بنات الأربعة فصاعدا لا تلحقها الزيادة من أوّلها أصلا ، إلّا الأفعال ، نحو : «تدحرج» ، والأسماء الجارية عليها ، نحو : «مدحرج». فلمّا كانت هذه الأسماء وأمثالها ليست من قبيل الأسماء الجارية على الأفعال قطع بأنّ الهمزة في أوّلها أصل.

وإن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها قطع بأنّها زائدة. وذلك نحو «أفكل» (٢) همزته زائدة. وإنّما قضينا عليها بالزيادة لأنّ كلّ ما عرف اشتقاقه من ذلك فالهمزة فيه زائدة ، نحو : «أحمر» و «أصفر» و «أخضر» ، وأمثال ذلك : ألا ترى أنّها مشتقّة من «الحمرة» و «الصّفرة» و «الخضرة». فلمّا كانت كذلك فيما عرف اشتقاقه حمل ما جهل اشتقاقه على ما علم ، فقضي بزيادة الهمزة فيه.

وإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، كانت الهمزة أصلا ، إذ لا بدّ من الفاء والعين واللّام ، كما تقدّم. وذلك نحو «آخذ» و «آمر» ؛ ألا ترى أنّ الألف مقطوع بزيادتها ، وأنّ الخاء والذال من «آخذ» ، والميم والراء من «آمر» ، مقطوع بأصالتها. فلذلك كانت الهمزة أصلا فيهما ، وفي أمثالهما.

فإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما محتمل للأصالة والزيادة ، قضي على الهمزة بالزيادة ، وعلى ما عداها ممّا يحتمل الأصالة والزيادة بأنّه أصليّ. وذلك نحو «أبين» (٣) والألف من «إشفى» (٤) و «أفعى». فإنّك ـ وإن لم يكن معك اشتقاق ولا تصريف ـ تقضي بزيادة الهمزة ، وأصالة ما عداها. وذلك أنّ «إشفى» ، و «أبين» ، و «أفعى» وأمثال ذلك ، الهمزة في جميع ذلك زائدة ، والياء من «أبين» والألف من «إشفى» و «أفعى» أصلان.

وإنّما قضي بزيادة الهمزة ، في مثل هذا ، لأنّ جميع ما ورد من ذلك ، ممّا له اشتقاق ، الهمزة فيه زائدة وما عداها أصل ، نحو قوله :

__________________

(١) الإبريسم : الحرير.

(٢) الأفكل : الرعدة.

(٣) أبين : اسم رجل من حمير.

(٤) الإشفى : المخرز.

٢٣٣

«أغوى منه» و «أضوأ منه» و «أيدع» (١) ، لأنّ «أغوى» من الغيّ ، و «أضوأ» من الضّوء ، ويقولون «يدّعته».

وكذلك جميع ما عرف له اشتقاق ، من هذا النوع ، همزته زائدة ، وما عداها أصليّ ، إلّا ألفاظا قليلة شذّت من هذا النوع ، وهي «أولق» (٢) و «إمّعة» (٣) و «أيصر» (٤) و «أرطى» (٥) و «أيطل» (٦). فلذلك حملنا ما ليس له اشتقاق ، نحو : «أفعى» و «إشفى» و «أبين» ، على الأكثر ، فقضينا بزيادة الهمزة.

فإن قيل : فما الدليل على أصالة الهمزة ، في هذه الألفاظ الخمسة؟ فالجواب أنّ الذي يدلّ على أصالة الهمزة في «أيصر» أنّهم يقولون في جمعه «إصار» ، بإثبات الهمزة وحذف الياء ، فدلّ على أصالة الهمزة وزيادة الياء.

ولا يمكن أن تجعل هذه الهمزة بدلا من ياء ، فيكون أصله «يصار» ، ثم أبدلت الهمزة من الياء ، لأنّ الياء لا تبدل همزة في أوّل الكلام.

والذي يدلّ على أصالة الهمزة في «إمّعة» أنّك لو جعلتها زائدة لكان وزنها «إفعلة» ، و «إفعلة» لا يكون صفة أصلا ، إنّما يكون اسما غير صفة نحو «إشفى» و «إنفحة» (٧).

فدلّ ذلك على أنّ همزتها أصليّة ، ويكون وزنها «فعّلة» ، لأنّ «فعّلة» في الصفات موجود ، نحو : «رجل دنّبة» (٨). وأيضا فإنك لو جعلت همزة «إمّعة» زائدة لكانت إحدى الميمين منه فاء ، والأخرى عين ، فيكون من باب «ددن» (٩) ، وهو قليل جدّا ، أعني أن تكون الفاء والعين من جنس واحد. فلمّا كان جعل الهمزة زائدة يؤدّي إلى الدخول في هذا الباب القليل ، وإلى إثبات مثال في الصفات لم يستقرّ فيها ، قضي بأصالة الهمزة.

وأمّا «أرطى» فالدليل على أصالة الهمزة قولهم «أديم مأروط» أي : مدبوغ بالأرطى.

فإثبات الهمزة في «مأروط» ، وحذف الألف ، دليل على أصالة الهمزة وزيادة الألف.

وحكى أبو عمر (١٠) الجرميّ «أديم مرطيّ».

فالهمزة ـ على هذا ـ زائدة ، والألف أصل.

وأمّا «أولق» فالذي يدلّ على أصالة الهمزة فيه ، وزيادة الواو ، قولهم : «ألق الرّجل» إذا أصابه الأولق. فقولهم «ألق»

__________________

(١) الأيدع : صبغ أحمر.

(٢) الأولق : الجنون.

(٣) الإمعة : الضعيف الجبان.

(٤) الأيصر : الحشيش.

(٥) الأرطى : نوع من النبات.

(٦) الأيطل : الخاصرة.

(٧) الإنفحة : شيء يخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر يعصر في صرّة مبتلة باللبن ، فيغلظ كالجبن.

(٨) دنبة : قصير.

(٩) الددن : اللهو واللعب.

(١٠) هو اللغويّ صالح بن إسحاق.

٢٣٤

بإثبات الهمزة ، وحذف الواو ، دليل على أصالة الهمزة وزياد الواو.

فإن قيل : فلعلّ هذه الهمزة بدل من الواو ، والأصل «ولق» ، نحو قولهم في «وعد الرّجل» : «أعد»! فالجواب أنه لو كان من قبيل «أعد» لقالوا : «ولق» كما يقولون : «وعد». فالتزامهم الهمزة في «ألق» دليل على أنّها أصل. وأيضا فإنّهم قالوا : «رجل مألوق» ، ولو كانت الهمزة زائدة لقالوا : «مولوق» بالواو. ولا يتصوّر أن تقدّر الهمزة في «مألوق» بدلا من الواو ، لأنّ مثل هذه الواو لا تقلب همزة.

وزعم الفارسيّ أنّ «أولقا» يحتمل ضربين من الوزن : أحدهما ما قدّمناه من أنّه «فوعل» وهمزته أصل ، من «تألّق البرق».

والآخر أنه «أفعل» وهمزته زائدة ، من «ولق» إذا أسرع ، لأنّ «الأولق» : الجنون ، وهي توصف بالسرعة.

فإن قيل : فكيف أجاز ذلك ، مع قولهم «ألق» و «مألوق»؟ فالجواب أنّه يجعل الهمزة منهما بدلا من الواو ، والأصل «ولق» و «مولوق». ويجعل هذا من قبيل البدل اللّازم ، فتكون الواو من «ولق» لمّا أبدلت همزة لانضمامها أجريت هذه الهمزة مجرى الأصليّة ، فقالوا «مألوق». فيكون ذلك نظير قولهم : «عيد» و «أعياد» ؛ ألا ترى أنّ «عيدا» من «عاد يعود» ، وأنّ الأصل فيه «عود» ، فقلبت الواو ياء ، لسكونها ، وانكسار ما قبلها ، فقيل «عيد». وكان ينبغي ، إذا جمعنا ، أن نقول في جمعه «أعواد» بالواو ، لزوال الموجب لقلب الواو ياء في «ريح» ، وهو سكونها وانكسار ما قبلها. قال :

تلفّه الأرواح ، والسّميّ (١)

إلا أنهم لمّا أبدلوا الواو ياء في «عيد» أجروا هذه الياء مجرى الأصليّة. إلّا أنّ هذا النوع من البدل ـ أعني اللّازم ـ قليل ، وأصالة الهمزة أيضا ، إذا وقعت أوّلا في مثل هذا ، قليل ، فتكافأ الأمران عنده ، فلذلك أجاز الوجهين.

والصحيح أنّ «الأولق» همزته أصليّة ، ولا ينبغي أن يحمل على باب «عيد» و «أعياد» ، لأنّ مثل هذا الباب قد سمع فيه الأصل ، فتقول «عيد وأعواد». ولم يقولوا : «ولق» ولا «مولوق» ، في موضع من المواضع. فلذلك وجب حمل «أولق» على أن همزته أصليّة.

ويجوز أيضا في «أولق» أن يكون «فوعلا» ، عند من يجعله مشتقا من «ولق».

ويكون أصله : «وولقا» ، فأبدلت الواو الواحدة همزة ، ولزم على قياس كلّ واوين يجتمعان في أوّل الكلمة. إلّا أنّ الأولى ، عند من يجعله مشتقا من «ولق» ، أن تكون الهمزة زائدة ، ويكون وزنه «أفعل» ، لأنّ «أفعل» أكثر من «فوعل». وأيضا فإنّ الهمزة ينبغي أن يوقف فيها مع الظاهر ، ولا يدّعى

__________________

(١) البيت للعجاج في ديوانه ص ٦٩.

٢٣٥

أنّها مبدلة من الواو.

وأمّا «أيطل» فالذي يدلّ على أصالة همزته ، وزيادة يائه ، قولهم في معناه : «إطل». فيحذفون الياء ويثبتون الهمزة. ولو كانت الهمزة هي الزائدة لقيل «يطل» بالياء.

ولا يمكن أن يدّعى أنّ الهمزة بدل من الياء ، لما ذكرناه ، من أنّ الياء لا تبدل همزة أولا.

٥ ـ الميم : الميم لا تخلو أن تقع أوّلا ، أو غير أوّل. فإن وقعت غير أوّل قضي عليها بالأصالة. وذلك أنّها إذا وقعت غير أوّل ، فيما يعرف له اشتقاق ، وجدت أصليّة ، نحو : «شأمل» و «كريم» وأمثالهما ، ممّا لا يحصى كثرة ؛ ألا ترى أنّ «شأملا» ميمه أصليّة ، بدليل قولهم : «شملت الريح» ، وأنّ «كريما» كذلك ، لأنّه من «الكرم». ولم توجد زائدة إلّا في أماكن محصورة ، تحفظ ، ولا يقاس عليها. وهي : «دلامص» و «دمالص» بمعنى برّاق. قال الأعشى :

إذا جرّدت ، يوما ، حسبت خميصة

عليها ، وجريال النّضير ، الدّلامصا (١)

أي : البراق. وقد تحذف الألف منهما تخفيفا ، كما تحذف من «علابط» (٢) ، فيقال «دلمص» و «دملص». والدليل على زيادة الميم فيهما أنّهما مشتقّان من «الدّليص» وهو البريق.

و «قماريص» ، لأنّه يقال : «لبن قمارص» بمعنى : قارص.

و «ستهم» (٣) و «زرقم» (٤) و «فسحم» (٥) ، لأنّها من الأسته والزّرقة والفسحة.

و «ضرزم» و «دردم» و «دلقم» و «دقعم» و «حلكم» و «خضرم» ، لأنّ «دردما» (٦) من «الأدرد» ، وهو الذي تكسّرت أسنانه.

و «الحلكم» : الشديد السواد. فهو من «الحلكة» وهي السواد. و «الدّقعم» : التراب. فهو من «الدّقعاء» و «الدّلقم» : الناقة التي تكسّرت أسنانها فاندلق لسانها ولعابها. ولذلك قالوا : «سيف دلوق» إذا كان لا يثبت في غمده. و «الضّرزم» بمعنى «الضّرزّ» وهو الشديد البخيل. و «خضرم» : البحر ، سمّي بذلك لخضرته.

و «خدلم» و «شدقم» و «شجعم» ، لأنّ «خدلما» بمعنى «خدلة» قال :

ليست برسحاء ، ولكن ستهم

ولا بكرواء ، ولكن خدلم (٧)

و «الشّدقم» بمنزلة الأشدق ، وهو العظيم

__________________

(١) ديوانه ص ١٠٨. والخميصة : كساء معلم ، شبه شعرها به ، الجريال : لون الذهب ، النضير : الذهب.

(٢) العلابط : اللبن الخاثر الغليظ المتلبّد.

(٣) الستهم : العظيم الاست.

(٤) الزرقم : الشديد الزرقة.

(٥) الفسحم : الواسع الصدر.

(٦) الدردم : الناقة المسنّة.

(٧) الرجز بلا نسبة في المنصف ٣ / ٢٥ ؛ واللسان والتاج (كرا) و (خدل) و (زلل).

٢٣٦

الشّدق. و «الشّجعم» لتأكيدهم به «الشّجاع» ، في مثل قوله :

الأفعوان ، والشّجاع ، الشّجعما (١)

فهو من لفظه ، وفي معناه.

وزيدت أيضا في المضمرات ، في «أنتما» و «أنتم» ، و «قمتما» و «قمتم» ، و «ضربكما» و «ضربكم» ، و «هما» و «هم» ، علامة على تجاوز الواحد ، ثم لحقت بعد ذلك الألف علامة على التثنية ، والواو علامة على الجميع. والدليل على زيادتها في ذلك أنّه قد تقرّر أنّ ما قبل الميم اسم ، إذا لم ترد التثنية ولا الجمع.

وزيدت ، من الأفعال ، في «تمسكن» و «تمدرع» (٢) و «تمندل» (٣) ، و «تمنطق» (٤) و «تمسلم» و «تمولى علينا» و «مرحبك الله ومسهلك» (٥). وقد حكي «مخرق» و «تمخرق» ، وضعّفهما ابن كيسان ، والصحيح أنّهما لم يثبتا من كلام العرب.

والدليل على زيادتها في الأفعال أنّ «تمسكن» من لفظ «المسكين» ، والميم في «مسكين» زائدة. وكذلك «تمدرع» من لفظ «المدرعة» ، والميم في «المدرعة» أيضا زائدة. وأيضا فإنّ أكثر كلام العرب «تسكّن» و «تدرّع». و «تمندل» من «المنديل» ، والميم في «المنديل» زائدة. «تمنطق» من «النّطاق». و «تمسلم» أي : صار يدعى مسلمة بعد أن كان يدعى بخلاف ذلك. فهو من لفظ «مسلمة» ، والميم في «مسلمة» زائدة. وكذلك «تمولى علينا» أي : تعاظم علينا. فهو من لفظ «المولى» ، والميم في «المولى» زائدة. و «مرحبك الله ومسهلك» من «الرّحب» و «السّهل».

وزعم بعض النحويّين أنّ الميم في «هرماس» و «ضبارم» و «حلقوم» و «بلعوم» و «سرطم» و «صلقم» و «دخشم» و «جلهمة» زائدة ، لأنّ «هرماسا» من أسماء الأسد ، وهو يوصف بأنّه هرّاس ، لأنّه يهرس فريسته.

و «ضبارم» : الأسد الوثيق ، فهو من «الضّبر» وهو شدّة الخلق. و «الحلقوم» من الحلق.

و «البلعوم» : مجرى الطعام في الحلق ، فهو راجع لمعنى البلع. و «السّرطم» : الواسع السريع الابتلاع ، فهو من «السّرط» ، وهو الابتلاع. و «الصّلقم» : الشديد الصراخ ، فهو من «الصّلق» ، لأنّ «الصلق» : الصياح.

و «دخشم» و «جلهمة» : اسمان علمان. فأمّا «دخشم» فمشتق من «دخش يدخش» إذا امتلأ لحما. وأمّا «جلهمة» فمن «جلهة» الوادي هو ما استقبلك منه.

وينبغي عندي أن تجعل الميم في هذا

__________________

(١) ينسب إلى العجاج ، وأبي حيان الفقعسيّ ومساور بن هند العبسيّ (راجع شرح اختيارات المفضل ص ٥٤٦).

(٢) تمدرع : لبس المدرعة.

(٣) تمندل : لبس المنديل.

(٤) تمنطق : شدّ على وسطه النطاق.

(٥) كلمة ترحيب.

٢٣٧

كلّه أصليّة. وذلك لأنّ زيادة الميم غير أوّل قليلة ، فلا ينبغي أن يذهب إليها ، إلّا أن يقود إلى ذلك دليل قاطع. وليست هذه الألفاظ كذلك.

أمّا «هرماس» فهو من أسماء الأسد ، وليس بصفة مشتقّة من «الهرس». فلعلّه اسم مرتجل ، وليس مشتقا من شيء ، إذ قد يوجد من الأسماء ما هو بهذه الصفة. أعني : ليس بمشتق من شيء.

وكذلك الأمر في «دخشم» و «جلهمة».

لأنّهما اسمان علمان ، والأعلام قد يكون فيها المرتجل ، وإن كان أكثرها ليس كذلك.

وأمّا «ضبارم» فقد يكون بمعنى : جريء.

يقال : رجل ضبارم ، أي جريء على الأعداء. فلعل الأسد الوثيق وصف بـ «ضبارم» ، لجرأته ، فلا يكون على هذا مشتقا من «الضّبر» ، لأن الضبر لا يكون بمعنى الجرأة.

وأمّا «الحلقوم» فليس أيضا بصفة مشتقّة من لفظ «الحلق» ، فيلزم أن تكون الميم زائدة. بل هو اسم ، فيمكن أن يكون بمعنى الحلق ، وتكون ذاته مخالفة لذات «حلق» ، فيكون من باب «سبط وسبطر» ، ولا سيما قد قالوا «حلقمه حلقمة» إذا قطع حلقومه ، فأثبتوا الميم في تصريفه.

وكذلك «البلعوم» أعني أنه ليس بصفة مشتقّة من «البلع» ، بل هو اسم ـ كما ذكرنا ـ لمجرى الطعام في الحلق. فلعله اسم له ، لا من حيث لحظ فيه معنى «البلع» ؛ ألا ترى أنّ البياض الذي في طرف فم الحمار يسمّى «بلعوما» ، وإن لم يكن رجوعه إلى معنى «البلع». فكذلك ينبغي ألّا يجعل بالنظر إلى مجرى الطعام في الحلق.

وأما «الصّلقم» فيمكن أن يكون غير مشتقّ من «الصّلق» ، لأنهم يقولون : «جمل صلقم» أي : ضخم. فلعلّ الشّديد الصياح قيل له «صلقم» ، لضخامة صوته ، لا لأجل الصراخ نفسه. إذ قد وقع هذا اللفظ على ما ليس براجع لمعنى «الصّلق» ، وهو الضخم من الإبل.

وأمّا «السّرطم» فإنّه يحتمل ـ وإن كان واقعا على الواسع الحلق ، السريع الابتلاع ـ ألّا يكون مشتقا من «السّرط» بمعنى البلع ، لأنّهم قد يوقعون «السّرطم» على القول اللّيّن ، فيكون الرجل الواسع الحلق وصف بـ «سرطم» لسهولة الابتلاع في حلقه ولينه عليه ، لا لنفس «السّرط» الذي هو الابتلاع ، كما أنّ «السّرطم» إذا عني به القول اللّيّن ليس براجع لمعنى «السّرط».

فإذا أمكن في هذه الألفاظ حملها على ما ذكرت لك كان أولى من جعل الميم زائدة غير أوّل ، لقلّة ما جاء من ذلك.

وزعم أبو الحسن ، وأبو عثمان المازنيّ ، أنّ «دلامصا» (١) من ذوات الأربعة ، وأنّ

__________________

(١) الدلامص : البرّاق.

٢٣٨

معناه كمعنى «دليص» (١) ، وليس بمشتقّ منه ، فجعلاه من باب «سبط وسبطر».

والذي حملهما على أن يقولا ذلك في «دلامص» ، ولم يقولاه في «زرقم» و «ستهم» وأشباههما ، قلّة مجيء الميم زائدة حشوا ، بل إذا جاءت زائدة غير أوّل فإنّما تزاد طرفا. وكذلك ينبغي أن يكون «قمارص» (٢) عندهما.

وبالجملة ليس «دلامص» مع «دليص» كـ «سبطر» مع «سبط» ، لأنّ الذي قاد إلى ادّعاء أنّ «سبطا» و «سبطرا» أصلان مختلفان أنّ الراء لا تحفظ زائدة في موضع. وأمّا الميم فقد جاءت زائدة ، طرفا غير أوّل ، فيما ذكرنا ، وحشوا في «تمسكن» وأخواته ، وأوّلا فيما لا يحصى كثرة. فإذا دلّ اشتقاق على زيادتها فينبغي أن تجعل زائدة ، إذ باب «سبط وسبطر» قليل جدّا ، لا ينبغي أن يرتكب ، إلّا إذا دعت إلى ذلك ضرورة.

وإن وقعت أوّلا فإنّها بمنزلة الهمزة. فلا يخلو أن يكون بعدها حرفان ، أو أكثر.

فإن كان بعدها حرفان قضي على الميم بالأصالة ، إذ لا بد للكلمة من فاء وعين ولام ، لأنها أقلّ أصول الأسماء المتمكّنة والأفعال. وذلك نحو : «ملك» و «مسح» وأمثالهما.

وإن كان بعدها أكثر فلا يخلو أن يقع بعدها أربعة أحرف مقطوع بأصالتها ، أو ثلاثة مقطوع بأصالتها ، أو اثنان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل للأصالة والزيادة.

فإن كان بعدها أربعة أحرف مقطوعا بأصالتها قضي على الميم بالأصالة. وإنّما كان الوجه ذلك ، لأنّ الزيادة لا تلحق بنات الأربعة من أوّلها ، إلّا في النوعين المذكورين. وأمّا بنات الخمسة فلا يلحقها من أوّلها زيادة أصلا ، لأنّها لا تكون فعلا ، وذلك نحو «مرزنجوش» (٣) ، ينبغي أن تكون الميم فيه أصليّة وكذلك كلّ ما جاء من هذا النحو.

وإن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوعا بأصالتها قضي عليها بالزيادة ، لأنّ كلّ ما جاء من ذلك ، مما يعرف له اشتقاق ، توجد الميم فيه زائدة ، نحو «ملهى» و «مضرب» وأمثال ذلك ، ممّا لا يحصى كثرة. ولم تجىء أصليّة ، إلّا في «مغرود» (٤) و «مغفور» (٥) و «مراجل» (٦).

فالدليل على أصالتها في «مراجل» ثباتها في تصريفه ، فقالوا «الممرجل». قال :

بشية ، كشية الممرجل (٧)

__________________

(١) الدليص : الدرع البراق الليّنة.

(٢) القمارص : القارص.

(٣) المرزنجوش : نوع من النبات.

(٤) المغرود : ضرب من الكمأة.

(٥) المغفور : نوع من الصمغ.

(٦) المراجل : نوع من برود اليمن.

(٧) البيت للعجاج في ديوانه ص ٤٥.

٢٣٩

وكذلك «مغفور» ، لأنّ الميم قد ثبتت في تصريفه ، قالوا «ذهبوا يتمغفرون» أي : يجمعون المغفور ، وهو ضرب من الكمأة وأمّا «مغرود» فيدلّ على أصالة ميمه أنّه ليس من كلامهم «مفعول» ، وفيه «فعلول».

فإذا جاء ما لا يعرف اشتقاقه قضي بزيادة الميم فيه ، حملا على الأكثر مما عرف له اشتقاق نحو «مأسل» (١) ينبغي أن يقضى بزيادة الميم فيه وفي أمثاله ، وإن لم يعرف له اشتقاق.

وإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، قضيت على الميم بالأصالة ، إذ لا أقلّ من ثلاثة أحرف أصول ، كما تقدّم. وذلك نحو «مالك» و «ماسح» وأمثال ذلك ؛ ألا ترى أنّ الألف مقطوع بزيادتها. وإذا كان كذلك وجب أن تكون الميم أصليّة.

وإن كان بعدها حرفان مقطوعا بأصالتهما ، وما عداهما محتمل الأصالة والزيادة ، قضي على الميم بالزيادة ، لأنّ كل ما عرف له اشتقاق من ذلك وجدت الميم فيه زائدة ، ولم توجد أصليّة ، إلّا في ألفاظ محفوظة.

وهي «معزى» و «مأجج» (٢) و «مهدد» (٣) و «منجنيق» (٤) و «منجنون» (٥). فلمّا كانت زائدة في الأكثر ، مما عرف له اشتقاق ، حمل ما لم يعرف له اشتقاق ، من ذلك ، على ما عرف اشتقاقه. وذلك نحو «مذرى» (٦) و «المذروين».

فإن قيل : وما الدليل على أصالة الميم في ستّة الألفاظ المذكورة؟ فالجواب أنّ الذي يدلّ على أصالة الميم في «معزى» أنّهم يقولون : «معز» ، فيحذفون الألف. ولو كانت الميم فيه زائدة لقالوا : «عزي».

فإن قيل : إنّ «المعزى» أعجميّ ، وقد تقدّم أنّ الأعجميّ لا يدخله تصريف

فالجواب أنّ ما كان من الأعجميّة نكرة فإنّه قد يدخله التّصريف لأنّه محكوم له بحكم العربيّ ، بدلالة أنّ هذا النوع من العجمة لا يمنع الصّرف ، بخلاف العجمة الشخصيّة.

وسبب ذلك أنّها أسماء نكرات ـ والنكرات هي الأول ـ وإنّما تمكّنت بدخول الألف واللّام عليها ، كما تدخل على الأسماء العربيّة. ويدلّ على أنّهم قد أجروها مجرى العربيّ أنّهم قد اشتقّوا منها ، كما يشتقّون من العربيّ. قال رؤبة (٧) :

هل ينجينّي حلف سختيت

أو فضّة ، أو ذهب كبريت؟ (٨)

فقال «سختيت» من «السّخت» وهو الشديد ، وهو أعجميّ.

__________________

(١) المأسل : اسم موضع.

(٢) مأجج : اسم موضع.

(٣) مهدد : اسم امرأة.

(٤) المنجنيق : آلة لدك الحصون.

(٥) المنجنون : الدولاب.

(٦) المذرى : جانب الألية.

(٧) ديوانه : ص ٢٧

(٨) الكبريت : الأحمر.

٢٤٠