شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

ثم نقول : جعلوا الواو ياء في الجر ، وألفا في النصب ، ليكون الألف اعرابا مثل الفتح ، والياء مثل الكسر ، لا لانفتاح (١) ما قبلها وانكساره ، وجعلت ساكنة للتخفيف في المعرب بالحروف التي هي أثقل من الحركات ، ولتناسب الحركات التي قامت مقامها ، لأن الحركات أبعاض حروف المد الساكنة ، وجعل ما قبلها من الحركات من جنسها للتخفيف ، وللتنبيه في الأربعة منها على أن ما قبل لام الكلمة كان حرف اعراب ، وأما في الباقيتين فطردا للباب ، ومعنى «حموك» أبو زوجك أو أخوه أو ابنه ، وبالجملة ، فالحم نسيب (٢) زوج المرأة ، والهن ، الشيء المنكر الذي يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح ، أو غير ذلك ،

__________________

(١) جاء في النسخة المطبوعة : لانفتاح بدون حرف النفي. وأشار السيد الجرجاني إلى أن في بعض النسخ : لا لانفتاح ما قبلها ... وهي تتفق مع المعنى الذي يقصده الشارح فكان لا بد من اثبات حرف النفي قبل قوله : لانفتاح.

(٢) أي قريب زوج المرأة أيا كانت صلة القرابة فليس قاصرا على الأب أو الأخ أو الابن وان كان المستعمل في الكلام مقصورا على الأب الآن.

٨١
٨٢

[إعراب المثنى ؛ وجمع المذكر السالم](١)

والثاني من الثلاثة الأقسام التي اعرابها بالحروف : ما رفعه ألف ، ونصبه وجره ياء ، وهو المثنى وما حمل عليه ؛

ونعني بالمثنى ، كل اسم كان له مفرد ثم ألحق بآخره ألف ونون ، ليدل على أن معه مثله من جنسه على ما يجييء في باب المثنى ، فلم يكن «كلا» على هذا داخلا في المثنى إذ لم يثبت «كل» في المفرد ؛ وأما قوله :

١٣ ـ في كلت رجليها سلامى زائدة (٢)

فالألف محذوفة للضرورة ، كما يجيء ، وكذلك : اثنان ، اذ لم يثبت للمفرد «اثن» ، لكن «كلا» ليس بمثنى ، ولا وضعه وضع المثنى ، لأن ألفه كألف «عصا» ، بخلاف «اثنان» ، فانه ليس بمثنى كما ذكرنا ، لكن وضعه وضع المثنى ، اذ هو كقولك : ابنان ، واسمان ، محذوف اللام مثلهما ، لأنه من الثّني ؛

وكان عليه ، أن يذكر أيضا ، مذروان (٣) ، إذ لم يستعمل مفرده ، فان زعم أنه ثابت

__________________

(١) وما تحت هذا العنوان أيضا استمرار لكلام الشارح الرضى.

(٢) بعده : كلتاهما قد قرنت بواحدة. وهو في وصف تعامة : والسلامي واحدة السلاميات وهي عقد الأصابع ، قال البغدادي رأيت هذا البيت في حاشية الصحاح ، ونقل أيضا روايته عن الفراء ولم ينسبه لأحد.

(٣) المذروان طرفا الاليتين ، وقد ورد استعماله في شعر عنترة :

أحولي تنفض استك مذرويها

لتقتلني فها أنذا عمارا

ولا يستعمل هذا اللفظ إلا مثنى كما قال الشارح.

٨٣

في التقدير إذ كأنه كان «مذرى» ثم ثني ، لم يمكنه مثل ذلك في «ثنايان» فكان عليه أن يذكره ،

وذلك أن معنى «ثناء» ، لو استعمل : طرف الحبل ، وليس في الطرف الواحد معنى الثّني ، كما لم يمكن أن يقال لمفرد «اثنان» : «اثن» ، إذ ليس في المفرد معنى الثني ، فالثنايان : طرفا الحبل المثنيّ ، فالثني في مجموع الحبل ، لا في كل واحد من طرفيه ؛

وكان عليه ، أيضا ، أن يذكر ههنا : هذان ، واللذان ، ونحوهما ، لأن ظاهر مذهبه ، كما ذكر في شرح المفصل : أنها صيغ موضوعة للمثنى غير مبنية على الواحد ، وقال : ويدل عليه : جواز تشديد نون «هذان» ، وأنهم لم يقولوا : ذيّان ، واللذيّان (١) ، فنحو ذان ، واللذان ، عنده ، في المثنى ، ينبغي أن يكون مثل : عشرون ، في الجمع ؛ كلاهما صيغة موضوعة وان ثبت في الظاهر ما يوهم أنه مفردها ؛

وانما أعرب المثنى وجمع المذكر السالم بالحروف ، لأن الحركات استوفتها الآحاد ، مع أن في آخرهما ما يصلح لأن يكون اعرابا من حروف المد ، ومن ثمّ ، أعرب المكسّر ، وجمع المؤنث السالم بالحركات ، وانما أعربا هذا الاعراب المعيّن ، لأن الألف كان جلب (٢) قبل الاعراب في المثنى علامة للتثنية ، وكذا الواو في الجمع ، علامة للجمع ، لمناسبته الألف بخفته لقلة عدد المثنى ، والواو بثقله لكثرة عدد الجمع ، وهذا حكم مطرد في جميع المثنى والمجموع ، نحو : ضربا ، وضربوا ، وأنتما ، وأنتموا ، وهما ، وهموا ، وكما ، وكموا (٣) ؛

ثم أرادوا اعرابهما ، فان المثنى والمجموع متقدم (٤) ، لا محالة ، على اعرابهما ،

__________________

(١) لأن المفرد قد صغر فيها وان كان التصغير فيه شاذا. وعدم تصغير المثنى يدل على انه صيغة مستقلة كما قال.

(٢) سيأتي في باب خبر كان : ان المصنف يختار وقوع خبرها فعلا ماضيا بدون تقدير قد ، وقال انه لا حاجة إلى تقديرها في نحو قوله تعالى (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) وسيذكر آراء النحاة في ذلك ويناقشها.

(٣) اقتصر على ذكر الضمير المتصل بنحو أكرمتكما وأكرمتكمو ، لتحديد المراد من التمثيل.

(٤) أي أن وجودهما متقدم على اعرابهما.

٨٤

فجعل فيهما ما يصلح لأن يكون إعرابا ، وأسبق الاعراب الرفع لأنه علامة العمد ، كما ذكرنا ، فجعلوا ألف المثنى وواو المجموع علامتي الرفع فيهما ، ولم يبق من حروف اللين ، التي هي أولى بالقيام مقام الحركات ، إلا الياء للجر والنصب في المثنى والمجموع ، والجر أولى بها ، فقلبت ألف المثنى وواو الجمع في الجر ياء ، فلم يبق للنصب حرف ، فأتبع الجرّ ، دون الرفع ، لكونهما علامتي الفضلات ، بخلاف الرفع ، وترك فتح ما قبل الياء في المثنى ، ابقاء على الحركة الثابتة قبل اعراب المثنى ، مع عدم استثقالها ، وأما الضم قبل ياء الجمع فقلب كسرا لاستثقاله قبل الياء الساكنة لو أبقى ، والتباس الرفع بغيره ، وبطلان السعي (١) لو قلبت الياء لضمة ما قبلها واوا ، مع أن تغيير الحركة أولى من تغيير الحرف ، فارتفع التباس المجموع بالمثنى بسبب كسر ما قبل ياء المجموع ان حذف نوناهما بالإضافة ؛

وكسر النون في المثنى لكونه تنوينا ساكنا في الأصل ، والأصل في تحريك الساكن ، إذا اضطر إليه أن يكسر ، لما يجيء في التصريف ، وفتح في الجمع للفرق ، فحصل الاعتدال في المثنى بخفة الألف وثقل الكسرة ، وفي الجمع بثقل الواو ، وخفة الفتحة ، وأما الياء فيهما ، فطارئة للاعراب كما ذكرنا ؛

وقال سيبويه : (٢) حروف المد في المثنى والمجموع حروف اعراب ، فقال بعض أصحابه : الحركات مقدرة عليها قياسا على مذهبه في الأسماء الستة ، فالمثنى والمجموع ، إذن معربان بالحركات المقدرة كالمقصور ؛

وفهم الاعراب من هذه الحروف يضعف هذا القول ؛

وقال أبو علي (٣) : لا اعراب مقدر عند سيبويه على الحروف ، لأن النون عنده عوض من الحركة والتنوين ، قال : وانما أبدل من الحركة مع كون انقلاب الحرف دالّا على المعنى ، لأن الانقلاب معنى لا لفظ ، فقصد الاعراب اللفظي ؛

__________________

(١) وهو قصد جعل الياء علامة الجر والنصب.

(٢) كتاب سيبويه ج ١ ص ٤.

(٣) أي الفارسي. وقد تقدم.

٨٥

ونقول : بأي شيء نعرف أن هذه الحروف كانت في الأصل حروف الاعراب ، ولم لا يجوز ، كما اخترنا ، أن يجعل ما هو علامة المثنى والمجموع قبل كونه حرف الاعراب ، علامة الاعراب أيضا ، فيكون علامة المثنى والمجموع وعلامة الاعراب معا ، إذ لا تنافي بينهما ؛

ثم نقول : الدال على المعنى هو الألف والواو والياء ، وهي لفظية ؛

فان قيل : كيف يكون معرب بلا حرف اعراب؟

قلنا : ذاك انما يلزم إذا أعرب بالحركات لأنها لا بدّ لها من الحروف فأما إذا أريد الاعراب بالحروف ، فان الحرف لا يحتاج إلى حرف آخر يقوم به ،

وقال الأخفش ، والمازني ، والمبرد (١) : إنها دلائل الاعراب ، لا حروف الاعراب ؛ وقال الكوفيون : هي الاعراب.

ومعنى القولين سواء ؛ فان أرادوا أنها زيدت من أول الأمر للاعراب ففيه نظر ، إذ ينبغي أن يصاغ المثنى والمجموع أوّلا ثم يعربا ،

وان أرادوا أنهم جعلوا علامتي المثنى والمجموع دلائل الاعراب ، فذلك ما اخترناه ،

وقال الجرمي (٢) : هي حروف الاعراب ، وانقلابها علامة الاعراب ، فعلى مذهبه ، يكونان في الرفع معربين بحركة مقدرة ، إذ الانقلاب لم يحصل بعد ، كما ذكرنا على مذهبه في الأسماء الستة. (٣)

وقال بعضهم : الاعراب بالحركات مقدر في متلوّ الألف والواو والياء والحروف دلائل الاعراب ؛

__________________

(١) تقدم ذكر هؤلاء جميعا.

(٢) ص ٧٩ من هذا الجزء.

٨٦

وهذا قريب من قول الكوفيين في الأسماء الستة ، والكلام عليه ما مر هناك (١) ،

فان قيل : علامة الاعراب لا تكون الا بعد تمام الكلمة ، وأنتم اخترتم في الأسماء الستة وفي المثنى والمجموع حصولها قبل تمام حروفها ،

فالجواب أن حقّ اعراب الكلمة أن يكون بعد صوغها وحصولها بكمال حروفها وفي آخرها ، لما تقدم من أن الاعراب دال على صفات الكلمة ، فيكون بعد ثبوتها ، فان كان بالحركات فلا بدّ أن يكون على حرفها الأخير ، ومحل الحركة بعد الحرف ، كما مر ، فتكون الحركة بعد جميع حروف الكلمة ،

وأما إذا كان بالحروف التي هي من سنخ الكلمة ، فلا بد أن يكون الحرف آخر حروفها ، ويكون الاعراب بها أيضا بعد ثبوت جميع حروف الكلمة لأنها انما تجعل اعرابا بعد ثبوت كونها آخر حروف الكلمة ؛

أما نون المثنى والمجموع ، فالذي يقوي عندي ، أنه كالتنوين في الواحد في معنى كونه دالّا على تمام الكلمة ، وانها غير مضافة ، لكن الفرق بينهما ان التنوين مع افادته هذا المعنى يكون على خمسة أقسام ، كما مر (٢) ، بخلاف النون ، فانه لا يشوبها من تلك المعاني شيء ؛

وانما يسقط التنوين مع لام التعريف لاستكراه اجتماع حرف التعريف مع حرف يكون في بعض المواضع علامة للتنكير ، ولا تسقط النون معها ، لأنها لا تكون للتنكير ؛

وكذا يسقط التنوين للبناء في نحو : «يا زيد» و «لا رجل» ، بخلاف النون في نحو : «يا زيدان» و «يا زيدون» و «لا مسلمين» و «لا مسلمين» ، لأنها ليست للتمكن كالتنوين ؛

__________________

(١) ص ٧٧ من هذا الجزء.

(٢) ص ٤٥ من هذا الجزء.

٨٧

وكذا يسقط التنوين رفعا وجرّا في الوقف ، بخلاف النون ، لأنها متحركة واسكان المتحرك يكفي في الوقف ؛ وان كان الحرف الأخير ساكنا فان كان ذلك بعد حركة الاعراب وهو التنوين فقط ، حذف بعد الضم والكسر وقلب ألفا بعد الفتح لأنه حرف معرّض للحذف ، لعدم لزومه للكلمة ، وضعفه بالسكون ، والوقف محل التخفيف والحذف ، فخففت (١) بعد الفتح بقلبها ألفا لخفة الألف ، وحذفت بعد الضم والكسر لثقل الواو والياء وقلبهما حرف علة ، لما يجيء في التصريف من المناسبة بينهما ، وان كان الساكن حرفا أخيرا من جوهر الكلمة فان كان حرفا صحيحا ، نحو : ليضرب ، و «من» ، و «كم» ، بقيت (٢) بحالها ، وكذا ان كانت ألفا لخفتها ، نحو : الفتى ، وحبلى ، ويخشى ، وان كانت واوا ، أو ياء ، نحو : القاضي ، ويرمي ، ويدعو ، فالأولى الاثبات ، وجاز الحذف ، كما يجيء في باب الوقف ؛

وقال سيبيويه : النون في الأصل عوض من حركة الواحد وتنوينه معا (٣) ، لأن حروف المد ، عنده ، حروف اعراب امتنعت من الحركة فجيء بالنون بعدها ، عوضا من الحركة والتنوين اللذين كان المفرد يستحقهما ثمة ، والحركة وان كانت مقدرة على الحروف عند بعض أصحابه ، لكن لما لم تظهر كانت كالعدم ، ثم انه رجح جانب الحركة مع اللام ، أي جعل عوضا منها بعد ما كان عوضا منهما ، فثبت معها ثبات الحركة ، وجانب التنوين مع الإضافة فحذف معها حذف التنوين ، فهي في نحو : جاءني رجلان يا فتى ، عوض منهما ، وهو الأصل ، وفي : الرجلان ، عوض من الحركة فقط ، وفي : رجلا زيد ، من التنوين فقط ، وفي : رجلان ، وقفا ، ليس عوضا منهما ولا من أحدهما ، وفي نحو : يا زيدان ، ولا رجلين : عوض من حركة البناء فقط ؛

__________________

(١) يريد التنوين

(٢) الحديث عن الحرف الأخير من الكلمة. وقد جرى هنا على التعبير عنه بأسلوب المؤنث : في قوله بقيت ... وكذا ان كانت ألفا لخفتها .. الخ.

(٣) كتاب سيبويه ج ١ ص ٤.

٨٨

وفيما قال بعد ، لأن حروف العلة الدالة على ما دلت عليه الحركة ، مغنية عن التعويض من الحركة ؛

وقال بعض الكوفيين : انه تنوين ، حركت للساكنين فقويت بالحركة ، وهو ما اخترنا ، ان ارادوا انه كالتنوين في معنى كونه علامة التمام ، لا في المعاني الخمسة ؛

وقيل : هو بدل من الحركة وحدها ؛ وهو ضعيف لحذفها في الإضافة ،

وقال الفراء : هو للفرق بين المفرد المنصوب الموقوف عليه بالألف ، والمثنى المرفوع ؛ وثبوته مع اللام يضعفه ، وكذا مع الياء وواو الجمع ؛

وقيل : هو بدل من تنوينين في المثنى ، ومن أكثر في المجموع ، بناء على أن المثنى ، كان في الأصل مفردا مكررا مرتين ، والجمع مفردا مكررا أكثر منهما ؛

ودون تصحيح (١) ذلك خرط القتاد ، ومع تسليمه نقول : انهما مصوغان صيغة اسم مفرد ، ككلا ، ورجال ، وعشرة ، فلا يستحقان الا تنوينا واحدا لأنه أهدر ذلك التكرير اللفظي ؛

__________________

(١) أي دون اثباته. وهذا مبالغة منه في الرد على هذا الرأي.

٨٩
٩٠

[كلا وكلتا](١)

[وتفصيل أحكامهما]

وأما «كلا» فاعرب اعراب المثنى ، لشدة شبهه به لفظا ، بكون آخره ألفا ، ولا ينفك عن الإضافة ، حتى يتميز عنه بالتجرد عن النون ، ومعنى ، بكونه مثنى المعنى ، وخصّ ذلك بحال إضافته إلى المضمر ، وهو ثلاثة أشياء ، نحو : كلاهما ، وكلاكما ، وكلانا ؛ لأنه إذا كان مضافا إلى المضمر فالأغلب كونه جاريا على المثنى تأكيدا له نحو : جاءني الرجلان كلاهما ، وجئتما كلاكما ، وجئتنا كلانا ؛ وان جاز أيضا ، ان تقول : كلاهما جاءني بعد ذكر شخصين فلا يكون تأكيدا ، وكذا : كلاكما جئتما ، وكلانا جئنا ؛ وإذا كان في الأغلب جاريا على المثنى ، وهو موافق له معنى ولفظا ، كما مرّ ، وأصل المثنى أن يكون معربا ، فالأولى جعله موافقا لمتبوعه في الاعراب ، ثم طرد ذلك فيما إذا إذا لم يتبع المثنى المعرب نحو : جئنا كلانا ، وجئتما كلاكما ، وجاءا كلاهما ، وكلاهما جاءاني ، (٢)

__________________

(١) هذا العنوان كما تقدم في الأسماء الستة والمثنى. وما بعده استمرار لكلام الشارح.

(٢) كلاهما جاءاني بتثنية الضمير العائد على كلا أحد وجهين جائزين. والمؤلف يستعمل كلا من الوجهين.

٩١

وأما إذا أضيف إلى المظهر فانه لا يجري على المثنى أصلا ، إذ لا يقال جاءني أخواك كلا أخويك ؛

وكنانة يعربونه ، مضافا إلى المظهر أيضا اعراب المثنى ؛

وذكر صاحب المغني (١) أن بعض العرب يثبت الألف في «كلا وكلتا» مضافين إلى المضمر في الأحوال كلها ، كما في المضافين إلى المظهر ،

ولا أدري ما صحته!

وألف «كلا» بدل من الواو عند سيبويه ، لابدال التاء منها في المؤنث كما في بنت ، وأخت ، ولم تبدل التاء من الياء الا في «اثنتين» ؛

وقال السيرافي (٢) : هو بدل من الياء لسماع الإمالة فيه ؛

وأما الكسرة فلا تؤثر عند المصنف في امالة الألف المنقلبة عن الواو ، ويجيء الكلام عليه في باب الامالة ؛

و «كلتا» : فعلى (٣) ، والألف للتأنيث جعل اعرابا كما في «كلا» وانما جيء بألف التأنيث بعد التاء ولم يكن جمعا بين علامتي تأنيث ، لأن التاء لم تتمحض للتأنيث ، فلهذا جاز توسطها ، بل فيها رائحة منه لكونها بدلا من اللام في المؤنث ، كأخت ، وبنت ،

__________________

(١) صاحب المغني الذي يقصده الشارح هو منصور بن فلاح اليمني من علماء القرن السابع. وكان معاصرا للرضى فقد ذكر في كشف الظنون أنه انتهى من تأليف كتابه «المغني» سنة ٦٧٢ ه‍ والرضى انتهى من تأليف هذا الشرح سنة ٦٨٦ ه‍. ولم يذكره الرضى باسمه في هذا الشرح وترجم له السيوطي في بغية الوعاة ولم يذكر من مؤلفاته «المغني» ولكنه نقل عنه في كتابه : الأشباه والنظائر كثيرا ، باسمه مرة ، وبقوله صاحب المغني أخرى.

(٢) السيرافي هو أبو سعيد بن عبد الله نشأ بسيراف من بلاد فارس ورحل إلى عمان وانتهى به المطاف في بغداد وأخذ عن ابن دريد وابن السراج وشرح كتاب سيبويه توفي سنة ٣٦٨ ه‍.

(٣) ومن هنا ترسم بالياء أحيانا.

٩٢

وثنتان ، ولهذا لم يفتح ما قبلها ، ولم تنقلب تاء بنت وأخت في الوقف هاء ؛ وأجاز يونس (١) : أختيّ وبنتيّ ، ولو كانت لمحض التأنيث لم تجز هذه الأمور ، والألف ، أيضا ، لما كانت تتغيّر للاعراب صارت كأنها ليست للتأنيث ، فجاز الجمع بينهما ؛

وعند الجرمي : وزنه فعتل ؛ ولم يثبت مثله في كلامهم ؛

وعند الكوفيين : الألف في : كلا ، وكلتا للتثنية ، ولزم حذف نونيهما ، للزومهما للاضافة ، وقالوا : أصلهما «كلّ» المفيد للاحاطة ، فخفف بحذف احدى اللامين ، وزيد ألف التثنية ، حتى يعرف أن المقصود : الإحاطة في المثنى ؛ لا في الجمع ، قالوا : ولم يستعمل واحدهما، اذ لا احاطة في الواحد ، فلفظهما كلفظ الاثنين سواء ؛ وقالوا : ويجوز للضرورة : استعمال الواحد ، قال :

في كلت رجليها سلامى زائدة

كلتاهما مقرونة بواحدة (٢) ـ ١٣

وقال :

١٤ ـ كلت كفيه توالي دائما

بجيوش من عقاب ونعم (٣)

والجواب : أنهما لو كانا مثنيين ، لم يجز رجوع ضمير المفرد إليهما ، قال :

١٥ ـ كلانا إذا ما نال شيئا أقاته

ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل (٤)

__________________

(١) يونس بن حبيب الضبي وكنيته أبو عبد الرحمن من أوائل أئمة النحو أخذ عن أبي عمرو بن العلاء ، وواجه العرب وأخذ عنهم وتلقى عنه الكسائي والفراء ، ونقل عنه سيبويه كثيرا في كتابه ، توفي سنة ١٨٢ ه‍.

(٢) تقدم هذا الشاهد قريبا ص ٨٣ من هذا الجزء ، بالرقم المذكور معه. وكذلك نفعل في كل ما يتكرر ذكره من الشواهد.

(٣) شرحه البغدادي وبين وجه الشاهد فيه ولم ينسبه.

(٤) الأرجح أن هذا البيت من أبيات لتأبط شرا ـ ثابت بن جابر ، وهو يتحدث عن الذئب الذي جاء ذكره في بيت قبل هذا. وزعم بعضهم أنه من معلقة امرئ القيس وأنه بعد قوله في المعلقة :

كأن الثريا علقت في مصامها

بأمراس كتان إلى صمّ جندل

ومعنى قوله : ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل : ان كسبي وكسبك قليل ، ومن يكون مثلنا في كسبه يموت من الهزال ، وقيل فيه أوجه أخرى.

٩٣

وقال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها)(١) ؛ ولوجب قلب ألفيهما نصبا وجرّا ، أضيفا إلى المضمر ، أو إلى المظهر ، كسائر التثاني ؛ (٢) وأما البيتان ، فالألف حذف فيهما للضرورة بدليل فتح التاء ، ولو كانت مفردة لوجب كسر التاء في قوله «في كلت» وضمه في قوله «كلت كفيه ، ولكان معنى المفرد مخالفا لمعنى المثنى ؛

واعلم أن كلا وكلتا ، لا تضافان إلا إلى المعارف ، لأن وضعهما للتأكيد ولا يوكّد التأكيد المعنوي الا المعارف ، كما يجيء في بابه ؛

والمضاف إليه يجب أن يكون مثنى ، إما لفظا ومعنى ، نحو : كلا الرجلين ، أو معنى ، نحو : كلانا .. ، ولا يجوز تفريق المثنى الا في الشعر ، نحو : كلا زيد وعمرو ، والحاق التاء بكلا مضافا إلى مؤنث أفصح من تجريده ، نحو : كلا المرأتين ، ويجوز الحمل على اللفظ مرة ، وعلى المعنى أخرى ، قال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ، ثم قال : (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً)(٣) ؛

والقسم الثالث ما فيه الواو والياء ، قال : إنما افردت «أولو» ، وعشرون وأخواتها بالذكر ، لأن جمع المذكر السالم : كل اسم ثبت مفرده ثم ألحق بذلك المفرد واو ونون ، دلالة على ما فوق الاثنين ، وليس «أولو» و «عشرون» وأخواتها (٤) كذلك ، لأن «أولو» موضوع وضع جمع السلامة ، وليس به ، إذ لم يأت «أول» في المفرد ، وكذا ، عشرون وأخواته ، وليس «عشر» و «ثلاث» و «أربع» آحادا لعشرون وثلاثون وأربعون ، وان أوهم ذلك ، إذ لو كان كذلك لقيل لثلاث عشرات مع كل عشرة تزيد عليها : عشرون ، لأن أقل الجمع ثلاثة ، وكذا قيل ثلاثون للتسعة مع كل ثلاثة تزيد عليها ؛

__________________

(١) من الآية ٣٣ من سورة الكهف.

(٢) يريد كسائر المثنيات ، والكلمة هكذا وردت في النسخة المطبوعة.

(٣) متصلة بالآية السابقة ٣٣ سورة الكهف.

(٤) أي أخوات عشرين. وهي ثلاثون ... إلى تسعين ويسمونها العقود.

٩٤

وأما عليّون ، وقلون (١) ، ونحوها ، فانها جمع عليّه ، وقلة ونحوها وان كانت على خلاف القياس ؛

هذا قوله ، ولنا أن نحدّ المثنى بأنه اسم دال على مفردين في آخره ألف ، أو ياء ، ونون مزيدتان ، فيدخل فيه : اثنان ، وثنايان ومذروان ، واللذان ، وهذان ، بخلاف «كلا» ، فلا نحتاج إلى إفراد هذه المثنيات بالذكر ؛ ونحدّ جمع المذكر السالم بأنه اسم دال على أكثر من اثنين في آخره واو ، أو ياء ، ونون مزيدتان ، فيدخل فيه أولو ، وعشرون وأخواته ؛

وأما ذوو ، فهو داخل في حد الجمع المذكور على أي وجه كان ، لأن واحده : ذو ، قال :

١٦ ـ فلا أعني بذلك أسفليكم

ولكني أريد به الذّوينا (٢)

__________________

(١) قلون جمع قلة ، وهي لعبة للصبيان ، تتخذ من الأعواد ، والعصيّ.

(٢) هذا البيت من قصيدة طويلة للكميت بن زيد يهجو بها أهل اليمن ، والمعنى : لا أقصد بهجائي أراذلكم وأسافلكم وإنما أعني به الذوينا أي الملوك والأكابر وكانوا يلقبون (بذو كذا) كذي نواس وذي رعين وذي يزن الخ.

٩٥
٩٦

الإعراب اللفظي

والإعراب التقديري

قال ابن الحاجب :

«التقدير فيما تعذّر ، كعصا ، وغلامي مطلقا ، أو استثقل» كقاض رفعا وجرا ، ونحو «مسلميّ» رفعا ، واللفظي فيما عداه» ؛

قال الرضى :

هذا بيان أن الاعراب المذكور ، في أي الأسماء المعربة يكون مقدرا ، وفي أيها يكون ظاهرا ؛ حصر الأسماء المقدّرة الاعراب لا مكان ضبطها فبقى ما لم يذكر منها ظاهر الاعراب ،

قوله «فيما تعذّر» ، أي في معرب تعذر اعرابه ، فحذف المضاف وهو «اعراب» وأقام المضاف إليه ، أعني الضمير ، مقامه ، فصار مرفوعا ، فاستتر في الفعل ؛

اعلم أن تقدير الاعراب لأحد شيئين : إما تعذر النطق به واستحالته وإما تعسّره واستثقاله.

فالمتعذر في بابين يستحيل في كل واحد منهما على الاطلاق ، أي رفعا ونصبا وجرا ؛ الأول باب «عصا» يعني كل معرب مقصور ، فانه يتعذر اعرابه لفظا في الأحوال الثلاث ، لأن الألف لو حاولت تحريكه لخرج عن جوهره وانقلب حرفا آخر ، أي همزة ، فلا

٩٧

يمكن تحريك الألف مع بقائه ألفا ؛ والثاني باب «غلامي» ، يعني كلّ مفرد احترازا عن نحو : غلاماي ، ومسلميّ ، مضافا إلى ياء المتكلم فانه يتعذر الاعراب اللفظي فيه مطلقا أيضا ، لأن اعراب المضاف متأخر عن اضافته ، وذلك لأن الاسم انما يستحق الاعراب بعد تركيبه مع عامله ، كما نقرر ، ففي قولك : جاء غلام زيد ، مثلا ، لم يستحق المضاف الاعراب الا بعد كونه مسندا إليه ، أي كونه عمدة الكلام ، اذ هو المقتضى لرفع الأسماء ؛ وكونه مسندا إليه مسبوق بثبوته أولا في نفسه ، والمسند إليه المجيء في مثالنا ليس مطلق الغلام ، بل الغلام المتصف بصفة الإضافة إلى زيد ، فالاعراب مسبوق بالإضافة فالأول الإضافة ثم كون المضاف عمدة أو فضلة ، ثم الاعراب.

ثم نقول : لما أضافوا الاسم المفرد إلى ياء المتكلم ، التزموا أن يكون حركة ما قبل الياء كسرة لتوافقها ، فلما أرادوا الاعراب بعد ذلك وجدوا محل الاعراب مشتغلا بحركة لازمة ، واحتمال الحرف لحركتين متخالفتين كانتا أو متماثلتين ، مستحيل ضرورة.

وكذا في نحو : قاضيّ في المفرد ، يستحيل ظهور الاعراب فيه لوجوب ادغام حرف الاعراب.

وأما المستثقل اعرابه فشيئان ، يستثقل في أحدهما رفعا وجرا ، وفي الآخر رفعا ، فالأول الاسم المنقوص ، أي الذي حرف اعرابه ياء قبلها كسرة ، فيستثقل الضم والكسر على الياء المكسور ما قبلها ، وذلك محسوس لضعف الياء ، وثقل الحركتين مع تحرك ما قبلها بحركة ثقيلة ، فان سكن ما قبلها ، وما قبل الواو ، لم تستثقل الحركتان عليهما ، نحو : ظبي ، ودلو ، وكرسيّ ، ومغزوّ ، وأما الفتحة فلخفتها لا تستثقل على الياء مع كسرة ما قبلها ، نحو : رأيت القاضي.

ويسمّى هذا النوع منقوصا لأنه نقص حركتين ، وسمّي نحو : الفتى ، والعصا ، مقصورا ، لكونه ضد الممدود ؛ أو لكونه ممنوعا من مطلق الحركات ، والقصر : المنع ، والأول أولى ، لأنه لا يسمّى نحو : غلامي مقصورا وان كان ممنوعا من الحركات الاعرابية أيضا.

هذا ، مع أنه لا يجب اطراد الألقاب ، وأيضا ، مذهب النحاة أن نحو : غلامي

٩٨

مبني على ما يجيء ؛ والمقصور من ألقاب المعرب.

والثاني : كل جمع مذكر سالم مضاف إلى ياء المتكلم ، فان رفعه ، وحده ، مقدر فيه ، وذلك نحو : جاءني مسلميّ والأصل مسلموي ، اجتمعت الواو والياء مع تماثلهما في اللين وأولاهما ساكنة مستعدة للادغام ، فقلب أثقلهما إلى أخفهما ، أعني الواو إلى الياء ، إذ المراد بالادغام التخفيف ، وكذا يعمل لو كانت الثانية واوا ، نحو سيّد وميّت ، وان كان القياس في ادغام المتقاربين قلب الأول إلى الثاني ، كما يجيء في التصريف ، ان شاء الله تعالى ، وأدغم بعد القلب أولاهما في الأخرى وكسر ما قبل الياء لاتمام ما شرعوا فيه من التخفيف ، ولكون الضمة قريبة من الطرف ، والطرف محل التغيير ، فمن ثمّ ، لم يكسر الضم في نحو : سيّل ، وميّل ، أي لأنه لم يسبقه تخفيف آخر حتى يتممّ به ، ولم يكن الضم قريبا من الطرف ، وليست الياء الساكنة المدغمة (١) ، في امتناع انضمام ما قبلها كالياء الساكنة غير المدغمة ، فان ذلك (٢) لا يجوز فيها ، ولذا قيل في جمع أبيض : بيض ، وفي «فعلى» من الطيب : طوبي ، وأما المدغمة في المتحركة ، فكأنها متحركة ، لصيرورتها مع المتحركة كحرف واحد ، فنحو سيّل كهيام.

وإن كان الاسم الذي قلب واوه ياء للإدغام في الياء ، على أخف الأوزان ، أي ثلاثيا ساكن الوسط ، جوّزوا ، أيضا ، بقاء الضم على حاله ، فقالوا في جمع ألوي ، ليّ ، فثبت أن الواو الذي هو علامة الرفع مقدر في جاءني مسلميّ.

وأما في حالة الجر والنصب ، فالياء باقية ، الا أنها أدغمت ، والمدغم ثابت ، ولعله انما لم يعدّ نحو : جاءني صالحا القوم ، وصالحو القوم ، ورأيت صالحي القوم ، ومررت بصالحي القوم ، من المقدر حرفه ، لظهور عروض الحذف لأن الكلمتين مستقلتان ، بخلاف نحو : مسلميّ ، فان المضاف إليه لكونه ضميرا متصلا ، كجزء المضاف.

__________________

(١) أي التي تكون قريبة من الطّرف.

(٢) أي امتناع انضمام ما قبلها ، وكان أوضح من هذا أن يقول فان ذلك يجوز فيها وتكون الاشارة إلى انضمام ما قبلها. أو ان ذلك لا يمتنع فيها.

٩٩

وأما لفظة «فيّ (١)» في الأحوال الثلاث ، فقد دخلت في باب «غلامي» فلذا لم تفرد بالذكر.

وكان عليه أن يعدّ في المستثقل اعرابه : الموقوف عليه رفعا وجرا بالسكون نحو جاءني زيد ، ومررت بزيد ، وأن يعدّ في قسم المتعذر اعرابه مطلقا : المحكيّ في نحو : من زيد ، ومن زيدا ، ومن زيد ، لكونه معربا مقدر الاعراب وجوبا ، لاشتغال محله بحركة الحكاية.

واعلم أن مذهب النحاة أن باب «غلامي» مبني لإضافته إلى المبنى ، وخالفهم المصنف ، كما رأيت ، لأنه عدّه من قسم المعرب المقدر اعرابه وهو الحق ، بدليل اعراب نحو : غلامه ، وغلامك ، وغلاماي.

ومن أين لهم أن الاضافة إلى المبنى مطلقا سبب البناء ، بل لها شرط ، كما يجيء في الظروف المبنية.

فإذا عرفت المعرب الذي اعرابه مقدر ، اما مطلقا ، أو في بعض الأحوال دون بعض ، فما بقي من المعربات : اعرابه ظاهر ، وهو قوله : «واللفظي فيما عداه.

* * *

ما لا ينصرف

حصر العلل المانعة من الصرف

ووجه مشابهته للفعل

قال ابن الحاجب :

«غير المنصرف ما فيه علتان من تسع ، أو واحدة منها تقوم» مقامهما ، وهي :

__________________

(١) أي لفظ «فو» مضافا إلى ياء المتكلم.

١٠٠