شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

أحدهما : أن يكون في كلمة معنيان أو أكثر غير طاريء أحدهما على الآخر ، كمعاني الكلم المشتركة ، نحو : «القرء» في الطهر ، والحيض ؛ و «ضرب» في التأثير المعروف ، والسّير ، وكذا جميع الأفعال المضارعة عند من قال باشتراكها ، و «من» للابتداء والتبيين والتبعيض ، فمثل هذا لا يلزمه العلامة المميزة لأحد المعنيين ، أو المعاني عن الآخر ، لأن جاعله لأحد المعنيين ، واضعا كان ، أو مستعملا ، لم يراع فيه المعنى الآخر ، حتى يخاف اللبس ، فيضع العلامة لأحدهما.

والثاني : أن يكون في الكلمة معنيان أو أكثر يطرأ أحدهما أو أحدها على الآخر أو الأخر ، فلا بدّ للطارئ ان لم يلزم ، من علامة مميزة له من المطروء عليه ومن ثم احتاج كل مجاز إلى قرينة ، دون الحقيقة ، وهذا الطارئ غير اللازم للكلمة لا يلزم أن يطلب له أخف العلامات ، بل قد تغيّر له صيغة الكلمة ، كما في التصغير والجمع المكسر والفعل المسند إلى المفعول ؛ كرجيل ، ورجال ، وضرب ؛ وقد يجتلب له حرف دال عليه صائر كأحد حروف تلك الكلمة ، كما في المثنى والجمع السالم والمنسوب والمؤنث والمعرّف ، نحو : مسلمان ، ومسلمون ، ومسلمات ، وزيديّ ، ومسلمة ، والمسلم.

وقد تكون قرينة المعنى الطارئ على الكلمة كلمة أخرى مستقلة كالوصف الدال على معنى في موصوفه ، والمضاف إليه الدال على معنى في المضاف.

وإن كان طرءان (١) المعنى لازما للكلمة ، فإن كان الطارئ معنى واحدا لا غير (٢) ، ككون الفعل عمدة فيما تركب منه ومن غيره ، فلا حاجة إلى العلامة ، لأنها تطلب للملتبس بغيره.

وإن كان الطارئ اللازم أحد الشيئين أو الأشياء ، فاللائق بالحكمة أن يطلب له أخف

__________________

(١) استعمل الرضى هذا اللفظ مصدرا لطرأ ، وهو مصدر نادر ، ولم أجده في القاموس ولا في الصحاح ولا في اللسان. والرضى يستعمله كثيرا في هذا الكتاب.

(٢) شرح الرضى في باب الاستثناء هذا الاستعمال «لا غير» شرحا وافيا.

٦١

علامه تمكّن لازمة ولا يقتصر ـ للتمييز ـ على الكلمة الأخرى التي بها طرأ ذلك المعنى ، كما اقتصر في المضاف والموصوف ، لأن المعنى المحناج فيهما إلى العلامة غير لازم لهما ، بخلاف ما نحن فيه.

فاحتاطوا في هذا النوع أتمّ احتياط ، حتى إنّ (١) ، بعدّ ما طرأ بسببه المعنى كأنّ هناك علامة لازمة للكلمة الدالة على معناها الطارئ.

ومثل هذا المعنى إنما يكون في الاسم ، لأنه بعد وقوعه في الكلام لا بدّ أن يعرض فيه : إما معنى كونه عمدة الكلام ، أو كونه فضلة ، فجعل علامته أبعاض حروف المد التي هي أخف الحروف ، أعني الحركات ، وجعلت في بعض الأسماء حروف المد ، وهي الأسماء الستة والمثنى والمجموع بالواو والنون ، لعلة نذكرها في كل واحد منها ، ولم تجتلب حروف مد أجنبية لما قصد ذلك ، بل جعلت في الأسماء الستة لام الكلمة أو عينها علامة ، وفي المثنى والمجموع حرفا التثنية والجمع علامتين ؛ كل ذلك لأجل التخفيف ، وجعل الرفع الذي هو أقوى الحركات ، للعمد وهي ثلاثة : الفاعل ، والمبتدأ والخبر ، وجعل النصب للفضلات سواء اقتضاها جزء الكلام بلا واسطة كغير المفعول معه من المفاعيل وكالحال والتمييز ، أو اقتضاها بواسطة حرف ، كالمفعول معه والمستثنى غير المفرغ ، والأسماء التي تلي حروف الإضافة ، أعني حروف الجر.

وإنما جعل للفضلات النصب الذي هو أضعف الحركات وأخفها لكون الفضلات أضعف من العمد وأكثر منها.

ثم أريد أن يميّز بعلامة ، ما هو فضلة بواسطة حرف ، ولم يكن بقي من الحركات غير الكسر ، فميّز به ، مع كونه منصوب المحل لأنه فضلة.

__________________

(١) هكذا جاء في النسخة المطبوعة ، ولا يتم فهم المقصود إلا باعتبار أن اسمها ضمير الشأن فيكون التقدير حتى أنه بعد ما طرأ ... كأن هناك علامة ..

٦٢

فصار معنى كون الاسم مضافا إليه معنى العمدة بحرف : معنى آخر منضما إلى المعنيين المذكورين علامته الجر ، فإن سقط الحرف ظهر الإعراب المحلي في هذه الفضلة ، نحو : الله لأفعلن ، فإذا عطف على المجرور ، فالحمل على الجر الظاهر أولى من الحمل على النصب المقدر ، وقد يحمل على المحل كما في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(١) ، بالنصب ، فإن سقط الجار مع الفعل لزوما كما في الإضافة زال النصب المقدّر ، كما سيجيء.

ثم اعلم أن محدث هذه المعاني في كل اسم هو المتكلم ، وكذا محدث علاماتها لكن نسب احداث هذه العلامات إلى اللفظ الذي بواسطته قامت هذه المعاني بالاسم ، فسمّي عاملا ، لكونه كالسبب للعلامة ، كما أنه كالسبب للمعنى المعلّم ، فقيل : العامل في الفاعل هو الفعل ، لأنه به صار أحد جزأي الكلام ، وكذا : العامل في كل واحد من المبتدأ والخبر هو الآخر على مذهب الكسائي (٢) والفراء (٣) إذ كل واحد منهما صار عمدة بالآخر ؛

واختلف في ناصب الفضلات ، فقال الفراء : هو الفعل مع الفاعل ، وهو قريب على الأصل المذكور ، إذ باسناد أحدهما إلى الآخر صار فضلة ، فهما معا سبب كونها فضلة فيكونان ، أيضا ، سبب علامة الفضلة.

وقال هشام بن معاوية (٤) : هو الفاعل ، وليس ببعيد ، لأنه جعل الفعل الذي هو الجزء

__________________

(١) الآية ٦ من سورة المائدة.

(٢) الكسائي : هو أبو الحسن علي بن حمزة. من أصل فارسي. تعلم النحو بعد أن كبر ثم صار إماما فيه وأصبح زعيم نحاة الكوفة وهو أحد القراء السبعة توفي سنة ١٨٩ ه‍.

(٣) الفراء : هو أبو زكريا : يحيى بن زياد ، أصله من الديلم وكان أعلم أهل الكوفة بالنحو بعد الكسائي.

وعنه أخذ النحو ؛ ومع تعصبه الزائد ضد سيبويه ، وجد كتاب سيبويه تحت وسادته بعد موته. له كتاب معاني القرآن توفي سنة ٢٠٧ ه‍.

(٤) هشام بن معاوية : أبو عبد الله النحوي الكوفي كان من أبرز أصحاب الكسائي وله آراء بارزة في النحو.

وينقل عنه الرضى كثيرا ويطلق عليه : هشام الضرير لأنه كان أعمى. وقد يكتفي الرضى في النقل عنه بقوله وقال هشام ، لاشتهاره.

٦٣

الأول بانضمامه إليه كلاما ، فصار غيره من الأسماء فضلة.

وقال البصريون : العامل هو الفعل نظرا إلى كونه المقتضى للفضلات ، وقول الكوفيين أقرب بناء على الأصل الممهّد المذكور.

وجعل الحرف الموصل لأحد جزأي الكلام إلى الفضلة عاملا للجر في ظاهر الفضلة إذ بسببه حصل كون ذلك الاسم مضافا إليه تلك العمدة.

ثم ، قد يحذف حرف الجر لزوما مع الفعل الذي أوصله الحرف إلى الفضلة لغرض التخصيص أو التعريف في الاسم كما يجيء في باب الإضافة فيزول النصب المحلي عن المجرور لفظا ، لكون الناصب ، أي الفعل مع الفاعل محذوفا نسيا منسيا مع حرف الجر الدال عليه ، فكأن أصل : غلام زيد : غلام حصل لزيد ، فإذا حذف الجار قام الاسم المراد تخصيصه أو تعريفه ، مقام الحرف الجار لفظا فلا يفصل بينهما كما لم يفصل بين الحرف ومجروره ، ومعنى أيضا ، لدلالته على معنى اللام في نحو : غلام زيد ، إذ هو مختص بالثاني ، وعلى معنى «من» في نحو : خاتم فضة ، إذ هو مبيّن بالثاني ، فيحال عمل الجر على هذا الاسم ، كما أحيل على حرف الجر ، كما يجيء.

فأصل الجر أن يكون علم الفضلة التي تكون بواسطة ، ثم يخرج في موضعين عن كونه علم الفضلة ويبقى علما للمضاف إليه فقط : أحدهما فيما أضيف إليه الاسم ، والثاني في المجرور إذا أسند إليه ، نحو مرّ بزيد ، والأصل فيهما أيضا ذلك كما بينّا.

وكان قياس المستثنى غير المفرغ ، بالّا ، والمفعول معه : الجرّ أيضا ، إذ هما فضلتان بواسطة الحرفين ، لكن لما كان الواو في الأصل للعطف ، وغير مختص بأحد القبيلين ، وكان «إلّا» يدخل على غير الفضلة أيضا ، كالمستثنى المفرغ ، لم يروا إعمالهما ، فبقي ما بعدهما منصوبا في اللفظ.

هذا ، وأما الحروف فلا يطرأ على معانيها شيء ، بل معانيها طارئة على معاني ألفاظ أخر ، كما مرّ في حد الاسم

وأما الأفعال فلا يلزمها إلا معنى واحد طارئ ، كما مرّ ، بلى ، قد يطرأ عليها في

٦٤

بعض المواضع أحد المعنيين الملتبسين ، كما في قولك : ما بالله حاجة فيظلمك (١) ، على ما يجيء في قسم الأفعال ، فاعتبر ذلك الكوفيون ، وقالوا إعراب المضارع أصلي ، لا بمشابهته للاسم ، خلافا للبصريين على ما يجيء في بابه.

فظهر بهذا التقرير أن الأصل في الاعراب : الأسماء دون الأفعال والحروف ، وأن أصل كل اسم أن يكون معربا.

فإن قيل : كيف حكم بذلك ، وأصل الأسماء الإفراد ، وهي في حالة الإفراد غير مستحقة للاعراب ، كما تقدم في الأسماء المعدّدة؟.

قلت : انما حكم بذلك لأن الواضع لم يضع الأسماء إلا لتستعمل في الكلام مركبة ، فاستعمالها مفردة مخالف لنظر الواضع ، فبناء المفردات وإن كانت أصولا للمركبات عارض لها لكون استعمالها مفردة عارضا لها غير وضعي!

وقد خرج من عموم قولهم : أصل الأسماء الإعراب صنفان منها :

أحدهما أسماء الأصوات ، كنخ ، وجه ، ودج ، وده (٢) ؛ لأن الواضع لم يضعها إلا لتستعمل مفردة ، لأنها لم تكن في الأصل كلمات ، كما يجيء في بابها ، والثاني أسماء حروف التهجي ، لأنها كالحكاية لحروف التهجي التي ليست بكلم ، ومن ثمّ كانت أوائلها تلك الحروف المحكية ، إلّا لفظة «لا» ، فإنهم لما لم يمكنهم النطق بالألف الساكنة ، توصلوا إليه باللام المتحركة ، كما توصلوا إلى النطق بلام التعريف الساكنة بالألف المتحركة أعني الهمزة.

وأما «ألف» فهو اسم الهمزة لأن أوله الهمزة ، فينبغي أن تقول : «لا» ولا تقول :

__________________

(١) يأتي في نواصب المضارع أن الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النفي يحتمل أكثر من معنى ، ومن هنا قال الكوفيون انه تتعاقب عليه المعاني المختلفة المقتضية للإعراب كالاسم.

(٢) تقدم أن : نخ صوت لإناخة الإبل ، ودج صوت يزجر به الدجاج. وأما جه وده ، فهما لزجر الإبل ، وستأتي هذه الكلمات موضحة المعاني في باب أسماء الأصوات ،

٦٥

«لام ألف» ، وأما قوله :

٧ ـ تكتّبان في الطريق لام الف (١)

فمقصوده : اللام والهمزة (٢) ، لا صورة «لا».

ولو نظر الواضع في الصنفين إلى وقوعهما مركبين ، لكانا معربين في نظره ، فلم يجز أن يصوغهما على أقل من ثلاثة أحرف ، لأنك لا تجد معربا على أقل من ثلاثة أحرف إلا وقد حذف منه شيء ، كيد ، ودم وقد صاغ كثيرا منهما (٣) على حرفين ، كنخ ، وجه ، وبا ، وتا ، وثا ، وإنما صاغ على أقل من ثلاثة ما كان يعرف أنه يكون في التركيب مشابها للحرف ، كما ، ومن ، وتاء الضمير ، وكافه ، فعلم أنه يبنى لثبوت علته فجوز بناءه على أقل من ثلاثة.

ثم نقول : لا يلزم الكسائي والفراء ما ألزما في ترافع المبتدأ والخبر ، من أنه يجب تقدم كل واحد من المبتدأ والخبر على الآخر لأنه يجب تقديم العامل على المعمول ، فيلزم تقدم الشيء على نفسه ، لأن المتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء.

وإنما لم يلزمهما ذلك ، لأن العامل النحوي ليس مؤثرا في الحقيقة ، حتى يلزم تقدمه على أثره ، بل هو علامة كما مر ؛ ولو أوجبنا أيضا تقدمه لكونه كالسبب كما مرّ ، قلنا : إن كل واحد من المبتدأ والخبر متقدم على صاحبه من وجه ، متأخر عنه من وجه آخر ، فإذا اختلفت الجهتان ، فلا دور : أما تقدم المبتدأ فلأن حق المنسوب أن يكون تابعا للمنسوب إليه وفرعا له ، وأما تقدم الخبر فلأنه محط الفائدة وهو المقصود من الجملة ،

__________________

(١) هذا أحد أشطار ثلاثة لأبي النجم العجلي. وقبله :

أقبلت من عند زياد كالخرف

تخط رجلاي بخط مختلف ...

وزياد : صديق لأبي النجم كان يسقيه الخمر.

(٢) فكأنه قال لاما وألفا ، وقيل انه قصد صورة «لا» وقيل أراد حروف المعجم وذكر منها اللام والألف على سبيل المثال.

(٣) أي من النوعين اللذين تحدث عنهما ، وهما أسماء الأصوات وحروف المعجم.

٦٦

لأنك إنما ابتدأت بالاسم لغرض الإخبار عنه ، والغرض وإن كان متأخرا في الوجود ، إلا أنه متقدم في القصد ، وهو العلة الغائيّة وهو الذي يقال فيه : أول الفكر آخر العمل فيرفع كل منهما صاحبه بالتقدم الذي فيه ، فترافع المبتدأ والخبر ، إذن ، كعمل كلمة الشرط والشرط ، كل منهما في الآخر في نحو قوله تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(١) ، فأداة الشرط متقدمة على الشرط ، إذ هي مؤثرة لمعنى الشرط فيه ، متأخرة عنه تأخر الفضلات عن العمد ، فالمبتدأ والخبر ، على هذا التقدير ، أصلان في الرفع ، كالفاعل ، وليسا بمحمولين في الرفع عليه ، وهو مذهب الأخفش (٢) ، وابن السراج (٣) ،

ولا دليل على ما يعزى إلى الخليل (٤) من كونهما فرعين على الفاعل ، ولا على ما يعزى إلى سيبويه من كون المبتدأ أصل الفاعل في الرفع.

وعلى التقرير المذكور : التمييز ، والحال ، والمستثنى الفضلة ، أصول في النصب كالمفعول ، وليست بمحمولة عليه ، كما هو مذهب النحاة.

ولما كان مستنكرا في ظاهر الأمر ترافع المبتدأ والخبر لما تقرر في الأذهان من تقدم المؤثر على الأثر ، واستحالة تقدم الشيء على مؤثره ضعف عملهما ، فنسخ عملهما كثير مما دخل عليهما مؤثرا فيهما معنى ، ككان ، وظن ، وكاد ، وإنّ ، وأخواتها ، وما ، ولا التبرئة (٥) ، على ما يجيء في أبوابها ، فصارت العمدة في صورة الفضلة منتصبة ، وهي اسم

__________________

(١) الآية ١١٠ من سورة الإسراء.

(٢) الأخفش إذا أطلق كان المراد به : أبا الحسن سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه ، وهو الأخفش الأوسط. أما الأكبر فهو أبو الخطاب عبد الحميد شيخ سيبويه والأخفش الأصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان تلميذ المبرد.

(٣) ابن السرّاج هو : أبو بكر محمد بن السرى ، أخذ عن المبرد وقرأ عليه كتاب سيبويه توفي سنة ٣١٠ ه

(٤) الخليل بن أحمد الفراهيدي أو الفرهودي. إمام في النحو واللغة وهو واضع علم العروض ونسب إليه أنه واضع علم النحو وهو شيخ سيبويه وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر وغيرهما من أوائل أئمة النحو ، وأكثر ما جاء في كتاب سيبويه منقول عنه.

(٥) يطلق النحاة على «لا» النافية للجنس : لا التبرئة ، لأنها بسبب نفي معنى الخبر عن الاسم كأنها برأت الاسم من الاتصاف بمضمون الخبر.

٦٧

«ان» و «لا» التبرئة ، وخبر «كان» و «كاد» ومفعولا «ظن» ؛ ووجه مشابهتها للفضلة يجيء في أبوابها.

وإنما جاز تقدم كل واحد من جزأي الجملة الاسمية على الآخر لعمل كل واحد منهما في الآخر ، والعامل مقدم الرتبة على معموله ، لكن الأولى تقدم المسند إليه لسبق وجود المخبر عنه على الخبر ، وإن كان الخبر متقدما في الغاية ولم يلزم على هذا جواز تقدم الفاعل على الفعل لأن الفاعل معمول للفعل وليس عاملا فيه ، كما كان المبتدأ في الخبر (١).

ولم يعتنوا بحال المفاعيل ولم يلزموها موضعها الطبيعي أعني ما بعد العامل ، لكونها فضلات.

فظهر لك أن أصل الاسماء الإعراب ، فما وجدت منها مبنيا فاطلب لبنائه علة ، كما نذكره في المضمرات والمبهمات وأسماء الأفعال ، والكنايات وبعض الظروف.

وأما أسماء الأصوات ، وأسماء حروف التهجي ، فبناؤهما أصلي ولا يحتاج إلى تعليل ، واعرابهما في نحو قوله :

٨ ـ تداعين باسم الشيب في متثلم

جوانبه من بصرة وسلام (٢)

وقوله :

٩ ـ إذا اجتمعوا على ألف وواو

وياء ، هاج بينهم جدال (٣)

معلّل بكونهما مركبين ، وهو خلاف الأصل ، والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) أي كما كان المبتدأ عاملا في الخبر ، بناء على القول بذلك.

(٢) البيت من قصيدة لذي الرمة ، يصف الإبل حين قطعها للقفار ، وتداعين أي دعا بعضها بعضا وروي : تنادين. والشيب اسم صوت حكاية لمشافر الإبل عند الشرب يريد أن الإبل شكت العطش في هذا المكان القفر الذي تهدمت جوانبه والبصرة بفتح الباء الحجارة البيض. والسّلام بكسر السين : الحجارة أيضا ، أو أراد بالمتثلم : الحوض المتهدم.

(٣) هذا البيت ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي ، وهو يريد في هذا البيت ذم النحويين ، روي عن الأصمعي أنه قال : أنشدني عيسى بن عمر ، بيتا ، هجابه النحويين وليس المراد أن البيت لعيسى بن عمر ، ومعنى البيت أنهم إذا اجتمعوا وتحدثوا في سبب الإعلال في حروف العلة هاج الجدال بينهم وطالت المناقشة.

٦٨

أنواع الإعراب

ودلالة كل منها على معنى

قال ابن الحاجب :

«وأنواعه رفع ونصب وجر ، فالرفع علم الفاعليّة».

«والنصب علم المفعولية ، والجر علم الإضافة».

قال الرضى :

اعلم أن الحركات في الحقيقة أبعاض حروف العلة ، فضم الحرف في الحقيقة ، إتيان بعده بلا فصل ببعض الواو ، وكسره : الاتيان بعده بجزء من الياء ، وفتحه : الاتيان بعده بشيء من الألف ؛ وإلا ، فالحركة والسكون من صفات الأجسام فلا تحلّ الأصوات ، لكنك لما كنت تأتي عقيب الحرف بلا فصل ببعض حروف المد ، سميّ الحرف متحركا ، كأنك حركت الحرف إلى مخرج حرف المد ، وبضدّ ذلك : سكون الحرف ؛ فالحركة ـ إذن ـ بعد الحرف ، لكنها من فرط اتصالها به يتوهّم أنها معه لا بعده بلا فصل ، فإذا أشبعت الحركة وهي بعض حرف المد ، صارت حرف مد تاما.

وإنما قيل لعلم الفاعل رفع ، لأنك إذا ضممت الشفتين لاخراج هذه الحركة ارتفعتا عن مكانهما ، فالرفع من لوازم هذا الضم وتوابعه ، فسمى حركة البناء ضما ، وحركة الإعراب رفعا ، لأن دلالة الحركة على المعنى تابعة لثبوت نفس الحركة أولا.

٦٩

وكذلك نصب الفم تابع لفتحه ، كأن الفم كان شيئا ساقطا فنصبته ، أي أقمته بفتحك إياه ، فسمّي حركة البناء فتحا ، وحركة الإعراب نصبا.

وأما جرّ الفك إلى أسفل وخفضه فهو ككسر الشيء ، إذ المكسور يسقط ويهوي إلى أسفل ، فسمى حركة الاعراب جرّا وخفضا ، وحركة البناء كسرا ، لأن الأوّلين أوضح وأظهر في المعنى المقصود من صورة الفم من الثالث ، ثم : الجزم بمعنى القطع ، والوقف ، والسكون بمعنى واحد والحرف الجازم كالشيء القاطع للحركة أو الحرف ، فسمي الإعرابي جزما والبنائي وقفا وسكونا.

وإنما سميّ المعرب معربا ، لأن الإعراب ابانة المعنى والكشف عنه ، من قوله صلّى الله عليه وآله : «الثّيب يعرب عنها لسانها» أي يبيّن وسمي المبني مبنيا لبقائه على حالة واحدة كالبناء المرصوص.

قوله : «فالرفع علم الفاعلية» أي علامتها ، والأولى ، كما بيّنا أن يقال : الرفع علم كون الاسم عمدة الكلام ، ولا يكون في غير العمد.

والنصب علم الفضليّة في الأصل ، ثم يدخل في العمد ، تشبيها بالفضلات كما مضى ، وعلى قول المصنف : الرفع في الأصل علم الفاعلية والنصب علم المفعولية ، ثم يكونان فيما يشابههما

وأما الجر فعلم الإضافة ، أى كون الاسم مضافا إليه معنى أو لفظا كما في : غلام زيد ، وحسن الوجه.

فالرفع ثلاثة أشياء : الضم ، والألف ، والواو ، في نحو : جاء مسلم ، ومسلمان ، ومسلمون ، وأبوك.

والنصب أربعة : الفتح ، والكسر ، والألف ، والياء ؛ في نحو : إنّ مسلما ومسلمات وأباك ، ومسلمين ومسلمين

والجر ثلاثة أشياء : الكسر ، والفتح ، والياء ، في نحو : بزيد ، وبأحمد وبمسلمين ، وبمسلمين وبأبيك.

٧٠

وكل ما سوى الضم في الرفع ، والفتح في النصب ، والكسر في الجر : فروعها كما يجيء ؛ وبين الضم والرفع عموم وخصوص من وجه ، أما كون الرفع أعم ، فلوقوعه على الضم والألف والواو ؛ وأما كونه أخص فلأن الضم قد يكون علم العمدة كما في : جاء الرجل ، وقد (١) لا يكون كما في حيث.

وكذا الكلام في النصب والجر.

وإذا اطلق الضم والفتح والكسر في عبارات البصرية ، فهي لا تقع إلا على حركات غير اعرابية ، بنائية كانت ، كضمة «حيث» أو ، لا ، كضمة قاف «قفل» ، ومع القرينة تطلق على حركات الإعراب أيضا ، كقول المصنف بالضمة رفعا ؛ والكوفيون يطلقون ألقاب أحد النوعين على الآخر مطلقا.

قوله «وأنواعه رفع ونصب وجر» ، الرفع والنصب والجر عنده : الحركات كما ذكرنا ، أو الحروف ؛ وعلى مذهب من قال : الإعراب : الاختلاف ، قال الرفع انتقال الآخر إلى علامة العمدة ، والنصب انتقاله إلى علامة الفضلة والجر انتقاله إلى علامة الإضافة.

والظاهر في اصطلاحهم أن الإعراب هو الاختلاف ، ألا ترى أن البناء ضده ، وهو عدم الاختلاف اتفاقا ؛ ولا يطلق البناء على الحركات ؛

وإنما جعل الإعراب في آخر الكلمة ، لأنه دال على وصف الاسم ، أي كونه عمدة أو فضلة ، والدال على الوصف بعد الموصوف.

__________________

(١) أنظر هامش رقم ١ في صفحة ٢٣.

٧١

العامل

قال ابن الحاجب :

«والعامل ما به يتقوّم المعنى المقتضى».

قال الرضى :

إنما بيّن العامل ، لاحتياج قوله قبل (١) : ويختلف آخره لاختلاف العامل ؛ إلى بيانه ، ويعني بالتقوم نحوا من (٢) قيام العرض بالجوهر ؛ فإن معنى الفاعلية والمفعولية والإضافة : كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها ، وهي كالأعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه ، بسبب توسط العامل.

فالموجد كما ذكرنا لهذه المعاني هو المتكلم ، والآلة : العامل ، ومحلها : الاسم ، وكذا الموجد لعلامات هذه المعاني هو المتكلم ، لكن النحاة جعلوا الآلة كأنها هي الموجدة للمعاني ولعلاماتها ، كما تقدم ، فلهذا سميت الآلات عوامل.

فالباء في قوله «به يتقوم» للاستعانة ، نظرا إلى أن المسمى عاملا في الحقيقة : آلة ، والمقوّم هو المتكلم ، وليس الباء كما في قولك قام هذا العرض بهذا المحل ، ولا شك أن في لفظ المصنف ايهاما ، لأن الظاهر في نحو : قام به ، وتقوّم به : هذا المعنى الأخير.

فإذا ثبت أن العامل في الاسم : ما يحصل بوساطته في ذلك الاسم المعنى المقتضى للاعراب ، وذلك المعنى كون الاسم عمدة أو فضلة أو مضافا إليه العمدة أو الفضلة ، فاعلم أن بينهم خلافا في أن العامل في المضاف إليه هو اللام المقدرة أو «من» ؛ أو المضاف ، فمن قال إنه الحرف المقدر نظر إلى أنّ معناه في الأصل هو الموقع المقدم للإضافة بين الفعل والمضاف إليه ، إذ أصل غلام زيد : غلام حصل لزيد ، فمعنى الإضافة قائم بالمضاف إليه لأجل الحرف ، ولا ينكر ههنا عمل حرف الجر مقدرا ، وإن ضعف مثله في نحو «خير» ،

__________________

(١) في البحث السابق على هذا.

(٢) أي معنى قريبا من معنى قيام العرض بالجوهر.

٧٢

في قول رؤبة (١) ؛ وذلك لقوة الدال عليه بالمضاف الذي هو مختص بالمضاف إليه أو متبيّن به ، كما أنّ نصب «أن» المقدرة في نحو :

١٠ ـ ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي (٢)

ضعيف ، فإذا وقع موقعها فاء السببية ، أو واو الجمع ، كما يجيء في نواصب المضارع ، جاز نصبها (٣) مطردا ، وكذا الجر بربّ المقدرة بعد الواو والفاء وبل ، ليس بضعيف.

ومن قال إن عامل الجر هو المضاف ، وهو الأولى ، قال : إن حرف الجر شريعة منسوخة ، والمضاف مفيد معناه ؛ ولو كان مقدرا لكان «غلام زيد» نكرة ، كغلام لزيد ؛ فمعنى كون الثاني مضافا إليه حاصل له بواسطة الأول ، فهو الجارّ بنفسه.

وقال بعضهم : العامل معنى الإضافة ؛ وليس بشيء ، لأنه إن أراد بالإضافة كون الاسم مضافا إليه ، فهذا هو المعنى المقتضى ، والعامل : ما به يتقوم المعنى المقتضى ، وان أراد بها النسبة التي بين المضاف والمضاف إليه ، فينبغي أن يكون العامل في الفاعل والمفعول ، أيضا ، النسبة التي بينها وبين الفعل ، كما قال «خلف» (٤) : العامل في الفاعل هو الاسناد ، لا الفعل.

__________________

(١) أي رؤبة بن العجاج وقد قيل له : كيف أصبحت. فقال : خير ، أي بخير ، أو على خير.

(٢) أورد الرضى من هذا الشاهد قوله : أحضر الوغى ، فقط ، وهو موضع الاستشهاد على عمل أن. النصب وهي محذوفة وليس قبلها شيء من الأمور التي تأتي في النواصب. والبيت من معلقة طرفة بن العبد. يقول فيها بعد هذا البيت :

فان كنت لا تستطيع دفع منيتي

فدعني أبادرها بما ملكت يدي

(٣) أي جاز عملها النصب مقدرة.

(٤) هو خلف بن يوسف الأندلسي الشنتريني من أشهر نحاة المغرب روي أنه كان يحفظ كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد وغيرهما ، توفي بقرطبة سنة ٥٣٢ ه‍.

٧٣

الاسماء المعربة

وحق كل منها من أنواع الإعراب

قال ابن الحاجب :

«فالمفرد المنصرف ، والجمع المكسّر المنصرف ، بالضمة رفعا ، والفتحة نصبا ، والكسرة جرا ، جمع (١) المؤنث السالم بالفتحة والكسرة ، غير المنصرف بالضمة والفتحة ، أخوك وأبوك وهنوك وفوك وذو مال ، مضافة إلى غير ياء المتكلم ، بالواو ، والألف ، والياء. المثنى وكلا مضافا إلى مضمر ، واثنان ، بالألف والياء ، جمع المذكر السالم ، وأولو ، وعشرون وأخواتها بالواو والياء».

قال الرضى :

هذا تقسيم الأسماء المعربة بحسب اعراباتها المختلفة ، وذلك أنا بيّنا أن الرفع ثلاثة أشياء ، والنصب أربعة ، والجر ثلاثة ، فهو يريد بيان محالّ هذه الإعرابات ، وأن كل واحد منها في أي معرب يكون.

فبدأ بمعربات اعرابها بالحركات لأنها الأصل في الإعراب لخفتها ، وقسمها ثلاثة أقسام : أحدها : ما استوفى الحركات الثلاث ، كل واحدة منها في محلها ، أعني الضمّ في حالة الرفع ، والفتح في النصب ، والكسر في الجر ، وهو شيئان :

أحدهما : المفرد ، أي الذي لا يكون مثنى ولا مجموعا ، سواء كان مضافا ، أو ، لا ، المنصرف ، احتراز عن غير المنصرف.

وكان عليه أن يضم إليه قيدا آخر ، وهو ألّا يكون من الأسماء الستة ، ولا يجوز أن

__________________

(١) بحذف حرف العطف في هذا وما بعده ، وهو أسلوب يجري عليه المؤلفون كثيرا ، وبعضهم يجيزه في الواو وفيه خلاف.

٧٤

يكون قوله «المفرد» احترازا عن المضاف فيخرج الأسماء الستة ؛ إذ لو احترز عنه لوجب ألّا يستوفي شيء من المضاف الحركات الثلاث.

وثانيها : الجامع لثلاثة قيود ، الجمعية ، احترازا عن المثنى ، إذ اعرابه بالحروف ، وعن المفرد ، إذ قد مرّ ذكره ، والتكسير احترازا عن السالم ، لأن اعراب المذكر منه بالحروف والمؤنث غير مستوف للحركات ، والانصراف ، احترازا عن غير المنصرف نحو مساجد وأنبياء.

وإنما أعرب الجمع المكسر اعراب المفرد ، أي بجميع الحركات إذا كان منصرفا لمشابهته للمفرد بكونه صيغة مستأنفة مغيّرة عن وضع مفرده ، وبكون بعضه مخالفا لبعض في الصيغة كالمفردات المتخالفة الصيغ ، وأيضا ، لم يطرد في آخره حرف لين صالح لأن يجعل اعرابا ، كما في الجمع بالواو والنون ،.

قوله «بالضمة رفعا» ، الجار والمجرور خبر المبتدأ ، وقوله «رفعا» مصدر بمعنى المفعول كقولهم : الفاعل رفع أي مرفوع ، وانتصابه على الحال أي مرفوعين ، والعامل فيه الجار والمجرور ؛ وذو الحال : الضمير المستكن فيه ، والباء في قوله «بالضمة» بمعنى «مع» ، ويجوز أن يكون المعنى : ملتبسان بالضمة ، ومعنى الكلام : هما مع هذه الحركه المعيّنة في حال كونهما مرفوعين ، أي مصاحبين لعلم العمدة.

وكذا قوله : «والفتحة نصبا» ، وأمثاله ، وهذا من باب العطف على عاملين مختلفين ، المجوّز عند المصنف قياسا ، نحو : إن في الدار زيدا ، والحجرة عمرا ، على ما يجيء (١).

والثاني من الثلاثة الأقسام (٢) : ما فيه الضمة رفعا ، والكسرة جرا ، ونصبا ، وهو شيء واحد ، أعني الجمع بشرطين : أحدهما أن يكون جمع المؤنث احترازا عن جمع المذكر

__________________

(١) يأتي الكلام على العطف على معمولي عاملين مختلفين وما فيه من خلاف بين النحاة ، في باب العطف ان شاء الله.

(٢) تقدم التنبيه على أن هذا الاستعمال للعدد مذهب الكوفيين ص ٣٣ من هذا الجزء ، هامش رقم ٢.

٧٥

الذي هو بالواو والياء والثاني أن يكون سالما احترازا عن المكسر المستوفي للحركات نحو رجال ، أو للضم والفتح نحو مساجد.

وإنما نقص هذا الجمع الفتح واتبع الكسر ، اجراء له مجرى أصله ، أعني جمع المذكر السالم ، على ما يجيء بعد.

والثالث : ما فيه الضمة رفعا ، والفتحة نصبا وجرا ، وهو ، أيضا ، شيء واحد : غير المنصرف ، مفردا كان ، أو مجموعا مكسرا ، نحو : أحمد ، ومساجد ، وإنما نقص الكسر واتبع الفتح ، لما يجيء في بابه.

ثم ثنّي بمعربات اعرابها بالحروف ، وقسّمها ، أيضا ، ثلاثة أقسام : أحدها : ما استوفى الحروف الثلاثة ، كلّا في محلها ، وهي الأسماء الستة. ، بشرط افرادها ، وكونها غير مصغرة ، واضافتها إلى غير ياء المتكلم ، لأنها إذا ثنيت أو جمعت ، فإعرابها إعراب سائر الأسماء المثناة والمجموعة ، وكذلك إذا صغرت ، لأن المصغر منها يتحرك عينه ولامه وجوبا ، ليتمّ وزن فعيل ، وحرف العلة المجعول اعرابا يجب سكونه ليشابه الحركة ، وإنما اشترط إضافتها إلى غير ياء المتكلم ، لما سيجيء أن المقطوع منها عن الإضافة محرك بالحركات لما سنذكر ، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يتبيّن اعرابه على ما سيجيء.

وتصريحه (١) بهذه الأسماء الستة يغني عن الاحتراز عن تثنيتها وجمعها وتصغيرها.

آراء العلماء (٢)

في اعراب الأسماء الستة

فلهم في إعراب هذه الأسماء أقوال : الأقرب عندي أن اللام في أربعة منها ، وهي :

__________________

(١) أي تعبيره عنها بالصورة المطلوبة في اعرابها بالحروف. حيث مثل بها مستوفية لهذه الشروط.

(٢) ما تحت هذا العنوان استمرار لكلام الرضى ، وليس لشرح شيء جديد من كلام ابن الحاجب وسيأتي مثل ذلك كثيرا.

٧٦

أبوك ، وأخوك ، وحموك ، وهنوك ، أعلام للمعاني المتناوبة كالحركات ، وكذا العين في الباقيين منها أعني : فوك ، وذو مال فهي في حال الرفع : لام الكلمة أو عينها ، وعلم العمدة ، وفي النصب والجر : علم الفضلة والمضاف إليه فهي مع كونها بدلا من لام الكلمة أو عينها : حرف إعراب.

وسنشيّد (١) هذا الوجه بعد ذكر الأوجه المقولة فيها.

فعن سيبويه : أن هذه الأسماء ليست معربة بالحروف ، ، بل بحركات مقدرة على الحروف ؛ فاعرابها كإعراب المقصور ، ، لكن أتبعت في هذه الاسماء حركات ما قبل حروف اعرابها ، حركات اعرابها ، كما في «امرئ ، وابنم» ، ثم حذفت الضمة للاستثقال ، فبقيت الواو ساكنة ، وحذفت الكسرة ، أيضا ، للاستثقال ، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، وقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛

والاعتراض عليه : أنه كيف خالفت الأربعة منها ، أعني المحذوفة اللام ، أخواتها ، من «يد» و «دم» ، في رد اللام في الاضافة ، وأيش (٢) الغرض من ردها ، إذا لم يكن لأجل الاعراب بالحرف ؛ وأيضا ، اتباع حركة ما قبل الاعراب لحركة الاعراب أقل قليل (٣) ، وأيضا ، يستفاد من الحروف ، ما يستفاد من الحركات في الظاهر ، فهلّا نجعلها مثلها في كونها أعلاما على المعاني ؛

وقال المصنف : ظاهر مذهب سيبويه : أن لها اعرابين : تقديري ، بالحركات ، ولفظي بالحروف ، قال : لأنه قدّر الحركة ثم قال في الواو : هي علامة الرفع ؛ وهو ضعيف لحصول الكفاية بأحد الاعرابين ؛

وقال الكوفيون : انها معربة بالحركات على ما قبل الحروف ، وبالحروف أيضا ،

__________________

(١) أي نقويه ونستدل عليه.

(٢) أيش : أي : أي شيء. وهو تعبير مستحدث جرى على ألسنة كثير من العلماء وهو مختصر من «أي شيء».

(٣) أي نادر جدا.

٧٧

وهو ضعيف لمثل ما ضعّف له ما تأول به المصنف كلام سيبويه ؛

وقال الأخفش (١) : انها مزيدة للاعراب ، كالحركات ؛

ويتعذر ما قال في «فوك» و «ذو مال» ، لبقاء المعرب على حرف واحد ، وذلك ما لا نظير له ؛

وقال الرّبعي (٢) : انها معربة بحركات منقولة من حروف العلة إلى ما قبلها وانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وألفا لانفتاحه ، كما في «ياجل» ؛

وهو ضعيف ، لأن نفل حركة الاعراب إلى ما قبل حرفها لم يثبت الا وقفا بشرط سكون الحرف المنقول إليه ؛

وقال المازني (٣) : انها معربة بالحركات ، والحروف ناشئة من الاشباع ، كما في قوله :

١١ ـ وانني حيثما يدني الهوى بصري

من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (٤)

وقوله :

١٢ ينباع من ذفري غضوب جسرة

زيّافة مثل الفنيق المكدم (٥)

وهو ، أيضا ضعيف ، لأن مثل ذلك لضرورة الشعر ، ويسوغ حذفه بلا اختلال إلّا في الوزن ، وأيضا ، يبقى : «فوك» و «ذو مال» على حرف ؛

__________________

(١) الأخفش والربعي تقدم ذكرهما وكما قلنا لن نتحدث عمن يرد ذكرهم في هذا الباب إلا عند ورود اسمه لأول مرة ، إلا إذا طال العهد ، أو كان ممن يقل ذكرهم في هذا الشرح.

(١) الأخفش والربعي تقدم ذكرهما وكما قلنا لن نتحدث عمن يرد ذكرهم في هذا الباب إلا عند ورود اسمه لأول مرة ، إلا إذا طال العهد ، أو كان ممن يقل ذكرهم في هذا الشرح.

(٢) المازني هو أبو عثمان بكر بن محمد ولد بالبصرة ونشأ في بني مازن بن شيبان فنسب إليهم وهو تلميذ الاخفش سعيد بن مسعدة. توفي سنة ٢٤٩ ه‍.

(٣) استشهاد الشارح بقوله : أدنو فأنظور ، فقط ، على اشباع ضمة الظاء حتى تولدت منها واو. والبيت ثاني بيتين أنشدهما الفراء. ولم ينسبهما هو ولا أحد ممن استشهد بذلك البيت.

(٤) هذا البيت من معلقة عنترة العبسي ، والضمير في ينباع راجع إلى الرّب أو الكحيل في بيت قبله وهو :

وكان ربّا أو كحيلا معقدا

حسّن الوقود به جوانب قمقم

٧٨

وقال الجرمى (١) : انقلابها هو الاعراب ، وأما هي ، فاما لام ، أو عين ، فعلى قوله ، لا يكون في الرفع اعراب ظاهر ، وهو ضعيف ، لدلالة الواو في الظاهر على الفاعلية كالضمة ؛

وقال أبو علي (٢) : انها حروف اعراب ، وتدل على الاعراب ؛ فإن أراد أنها كانت حروف اعراب يدور الاعراب عليها ، ثم جعلت كالحركات ، فذلك ما اخترنا ؛ وان أراد أن الحركات مقدرة الآن مع كونها كالحركات الاعرابية ، فهو ما حمل المصنف كلام سيبويه عليه ؛ (٣)

وقال المصنف : ان الواو ، والألف ، والياء ، مبدلة من لام الكلمة في أربعة منها ، ومن عينها في الباقيتين ، لأن دليل الاعراب لا يكون من سنخ الكلمة (٤) ، فهي بدل ، يفيد ما لم يفده المبدل منه وهو الاعراب ، كتاء في «بنت» ، تفيد التأنيث بخلاف الواو التي هي أصلها ، ولا يبقى: «ذو» و «فوك» على حرف ، لقيام البدل مقام المبدل منه ؛

هذا آخر كلامه ؛ ويقال عليه : أي محذور يلزم من جعل الاعراب من سنخ الكلمة لغرض التخفيف ، فيقتصر على ما يصلح للاعراب من سنخها كما اقتصر في المثنى والمجموع على ما يصلح للاعراب من سنخهما ، أعني علامة التثنية والجمع ، اذ هي من سنخ المثنى والمجموع ؛

ثم نقول : (٥)

انما جعل اعرابها بالحروف الموجودة ، دون الحركة ، على ما اخترنا ، توطئة لجعل اعراب المثنى والمجموع بالحروف ، لأنهم علموا أنهم يحوجون (٦) إلى اعرابها بها ، لاستيفاء

__________________

(١) الجرمي : أبو عمر صالح بن اسحاق ، وكان معاصرا للمازني وشاركه في الأخذ عن شيوخ البصرة توفي سنة ٢٢٥ ه‍.

(٢) أبو علي : الحسن بن أحمد الفارسي أستاذ ابن جني وينقل الرضى عنه كثيرا توفي سنة ٣٧٧ ه‍.

(٣) أي وقد أبطلناه فيما تقدم.

(٤) من سنخ الكلمة أي من أصلها وجوهرها.

(٥) هذا ما أشار اليه من قبل بقوله : وسنشيّد هذا الوجه ص ٧٦.

(٦) يحوجون بالبناء للمجهول أي تدفعهم الحاجة.

٧٩

المفرد للحركات ؛ والحروف وان كانت فروعا للحركات في باب الاعراب لثقلها وخفة الحركات ، الا أنها أقوى من حيث تولدها منها ، فاستبدّ بالحركات المفرد الأول ؛ وإنما كانت الحروف أقوى ، لأن كل حرف منها كحركتين أو أكثر ؛ فكرهوا أن يستبدّ المثنى والمجموع مع كونهما فرعين للمفرد بالإعراب الأقوى ، فاختاروا من جملة المفردات هذه الأسماء ، وأعربوها بهذا الأقوى ، ليثبت في المفردات الاعراب بالحركات التي هي الأصل في الاعراب ، وبالحروف التي هي أقوى منها ، مع كونها فروعا لها ، وفضلوها على المثنى والمجموع باستيفائها للحركات الثلاث ، كلّا في موضعه ، وكل واحد من المثنى والمجموع لم يستوفها ، ولا كان كل حرف فيهما في موضعه ؛

وانما اختاروا هذه الأسماء بخلاف نحو «غد» لمشابهتها للمثنى ، باستلزام كل واحد منها ذاتا أخرى ، كالأخ للأخ ، والأب للابن ، وخصوا ذلك بحال الإضافة ليظهر ذلك اللازم فتقوى المشابهة ، وخصوا هذه الأسماء من بين الأسماء المفردة المشابهة للمثنى ، لأن لام بعضها وعين الآخر حرف علة ، يصلح أن يقوم مقام الحركات ، فاستراحوا من كلفة اجتلاب حروف أجنبية ، مع أن اللام في أربعة منها ، كأنها مجلوبة للاعراب فقط ، لكونها محذوفة قبل نسيا منسيّا ، فهي ، اذن ، كالحركات المجتلبة للاعراب ؛

وكذا الواو في «فوك» لأنها كانت مبدلة منها الميم في الافراد ، فلم تردّ إلى أصلها الا للاعراب ؛

وأما في نحو «حر» (١) فليس لامه حرف علة ، وأما نحو : ابن ، واسم ، فهمزة الوصل فيه بدل من اللام بدليل معاقبتها اياها في النسب نحو : ابنيّ وبنويّ ، فكأن لامهما ليست حرف علة ، والحرف المقصود جعله كالحركات من هذه الأسماء واو ، فاختاروها ، لتكون الواو التي فيها أصلا ، للرفع الذي هو أسبق الاعراب ، فمن ثمّ لم يجعلوا منها نحو : «يد» و «دم» ، اذ لامه ياء ؛

__________________

(١) أي الفرج. ولامه حاء بدليل جمعه على احراح.

٨٠