شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

الاسمية فمعناها المثل ، بخلاف الحرفية ، فإن معناها التشبيه الحاصل في لفظ آخر ؛ وكذا معنى «كم» كثير ، لا الكثرة التي هي معنى فيما بعدها ، بخلاف «ربّ» (١) عند من قال بحرفيتها ، فإن معناها القلّة في مجرورها ، وإنما وجب القول بهذا في «ربّ» و «كم» والكافين : الاسمية والحرفية ، صونا لحدي الاسم والحرف عن الاعتراض ، ولو لا ذلك لكان الفرق بين الكافين وبين «ربّ» و «كم» بما فرقنا تحكما ، لكن لما ثبت اسمية «كم» بدخول علامات الأسماء عليها ، ولم يثبت مثله في «ربّ» وكذا في الكافين اضطررنا إلى الفرق بينهما من حيث المعنى ليسلم الحدّان.

وأما اسم الاستفهام واسم الشرط فكل واحد منهما يدل على معنى في نفسه وعلى معنى في غيره ، نحو قولك : أيّهم ضربت؟ ، وأيهم تضرب أضرب ، فإن الاستفهام متعلق بمضمون الكلام ، إذ تعيين مضروب المخاطب مستفهم عنه ، ومعنى الشرط موجود في الشرط والجزاء ، و «أيّ» في الموضعين دال على ذات أيضا ، وهي ليست معنى فيما بعدها فسلم حد الاسم.

ويجوز الجواب عنه بما قال سيبويه (٢) : إن حرفي الاستفهام والشرط أعني الهمزة و «إن» حذفتا وجوبا قبل مثل هذا الاسم لكثرة الاستعمال ، فكان الأصل : أأيهم ضربت و : إن أيهم تضرب أضرب ، ثم تضمّن «أي» معنى الاستفهام والشرط ، فالمعنيان عارضان فيها وإن كانا لازمين ، وكذا ما سوى «أي» من أسماء الاستفهام والشرط ، نحو : من تضرب؟ أي : أمن تضرب؟ و «من» بمعنى «أيّ» في التعيين في الاستفهام ، وكذا :

__________________

(١) من النحويين من يرى أن «ربّ» اسم مثل كم الخبرية ، وسيذكر الشارح ذلك في الكلام عليها في باب حروف الجر ؛ وهو يميل إلى القول بأنها اسم.

(٢) سيبويه هو شيخ النحاة وإمام البصريين ، وصاحب الكتاب الذي أصبح علما بالغلبة عند النحويين ، واسمه عمرو بن عثمان وكنيته أبو بشر ، توفي في أرجح الأقوال سنة ١٨٠ ه‍.

ونحن في تعليقاتنا على هذا الكتاب لن نتعرض لمن يرد اسمهم من العلماء وغيرهم إلا عند ذكره لأول مرة ، فما أكثر من ذكرهم الرضى من أئمة النحو بأسمائهم. وربما أعدنا الحديث عن بعض من يقل ذكرهم ... ولو لا هذا لأضفنا إلى هذا الشرح مثل حجمه أو أكثر.

٤١

من تضرب أضرب ، أي : إن من تضرب أضرب ، فجميع أسماء الاستفهام والشرط ، بمعنى «أيّ» الشرطية والاستفهامية.

هذا ، ولو قلنا : الحرف ما لا يدل إلا على معنى في غيره لم يرد عليه الاعتراض بمثلها ، وبالكاف ، وربّ ، وكم.

٤٢

خواص الاسم

قال ابن الحاجب :

«ومن خواصه دخول اللام ، والجر ، والتنوين والاسناد إليه ، والإضافة».

قال الرضى :

الفرق بين الحدّ والخاصة ، أن الحد مطرد ومنعكس ، والخاصة مطردة غير منعكسة ، والمراد بالاطراد أن تضيف لفظ كلّ إلى الحد فتجعله مبتدأ وتجعل المحدود خبره ، كقولك في قولنا الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن : كل ما دل على معنى في نفسه غير مقترن فهو اسم.

وكذا تقول في الخاصة : كل ما دخله لام التعريف فهو اسم.

والمراد بالعكس عند النحاة أن تجعل مكان هذين نقيضيهما فتقول : كل ما لم يدل على معنى في نفسه غير مقترن فليس باسم ، ولا يصح أن تقول في الخاصة : كل ما لم يدخله لام التعريف فليس باسم.

وقد يقال : العكس أن يجعل المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ مع بقاء النفي والايجاب بحاله ، وهذه عبارة المنطقيين ، فتطرد قضية الحد والمحدود كلية مع جعل المحدود موضوعا ، نحو : كل اسم : دالّ على معنى في نفسه غير مقترن ؛ وتنعكس كلية نحو : كل دال على معنى في نفسه غير مقترن : اسم.

٤٣

وقضية الخاصة تنعكس كلية ولا تطرد كذا ، نحو : كل ما دخله اللام : اسم ، ولا يقال : كل اسم : يدخله اللام.

قوله «دخول اللام» ، أي لام التعريف الحرفية بخلاف لام الموصول في نحو : الضارب والمضروب فانها لا تدخل إلا على فعل في صورة الاسم ، كما يجيء في الموصولات ، وبخلاف سائر اللامات كلام الابتداء ولام جواب «لو» ، وغير ذلك.

وإنما اختصت لام التعريف بالاسم ، لكونها موضوعة لتعيين الذات المدلول عليها مطابقة في نفس الدالّ ، والفعل لا يدل على الذات إلّا ضمنا ، والحرف مدلوله في غيره لا في نفسه.

وأما قول الشاعر :

١ ـ يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا

إلى ربنا صوت الحمار اليجدع (١)

فليست اللام فيه للتعريف ، بل هي اسم موصول دخل على صريح الفعل لمشابهته لاسم المفعول ، وهو مع ذلك شاذ قبيح لا يجي إلا في ضرورة الشعر.

وإنما اختص الجر بالاسم ، لأنهم قصدوا أن يوفوا الاسم لأصالته في الإعراب ، حركاته الثلاث ، وينقصوا من المضارع الذي هو فرعه واحدا منها ، فنقصوه ما لا يكون معمول الفعل وهو الجر وأعطوه ما يكون معموله وهو الرفع والنصب.

__________________

(١) البيت ، كما قال البغدادي في خزانة الأدب : لذي الخرق الطهوي ، من أبيات يرد بها على أبي مذعور : طارق بن ديسق الثعلبي (من بني ثعلبة) وأول هذه الأبيات :

أتاني وعيد الثعلبي ابن ديسق

ففي أي هذا ويله يتترع

وذكر البغدادي خلافا في اسم ذي الخرق وفي أنه جاهلي. وموضع الاستشهاد بيّنه الشارح ، وفي شعر ذي الخرق المشار إليه ورد شاهد آخر على مثل ذلك وهو قوله :

فيستخرج اليربوع من نافقائه

ومن حجره بالشيخة اليتقصع

٤٤

وأما التنوين ، فاختص من جملة أقسامها الخمسة (١) بالاسم ، ما ليس للترنم ، فهي إذن ، أربعة أقسام :

أحدها للتنكير ، نحو : صه ، ومه ، ودج (٢) ، وسيبويه (٣) ، قيل : ويختص بالصوت واسم الفعل ، وأما التنوين في نحو : رب أحمد ، وابراهيم ، فليس يتمحض للتنكير ، بل هو للتمكن أيضا ، لأن الاسم ينصرف ، وأنا لا أرى منعا من أن يكون تنوين واحد للتمكن والتنكير معا ، فربّ حرف يفيد فائدتين ، كالألف ، والواو ، في مسلمان ، ومسلمون فنقول : التنوين في : رجل ، يفيد التنكير أيضا ، فإذا سميت بالاسم تمحضت للتمكن.

وإنما اختص تنوين التنكير بالأسماء لمثل ما ذكرنا في لام التعريف.

وثانيها للتمكن ، ومعناه كون الاسم معربا ، فلا يمكن إلا في الاسم ، وإنما لم يجعل لاعراب المضارع علامة لعروضه.

وإنما حذفت علامة الاعراب من غير المنصرف مع كونه معربا ، لمشابهته للفعل الذي الذي أصله البناء.

وثالثها للتعويض عن المضاف إليه ، كحينئذ ، ومررت بكلّ قائما ، وسيجيء أن المضاف لا يكون إلا اسما.

ورابعها لمقابلة نون جمع المذكر السالم في جمع المؤنث السالم نحو : مسلمات ، على الأعرف من أقوالهم ، ولا معنى له إلا في الاسم.

__________________

(١) يتحدث الرضى في هذا الشرح عن الألفاظ والكلمات بأسلوب المذكر مرة وبأسلوب المؤنث أخرى ولا شيء في ذلك ، على اعتبار اللفظ فيذكر أو الكلمة فيؤنث. ولكنه يسرف في ذلك إلى حد أن يجمع بين الأسلوبين في حديث واحد. كما يأتي بعد قليل.

(٢) دج ، بفتح الدال وسكون الجيم أو كسرها منونة وهو المراد هنا. وهو اسم صوت لزجر الدجاج ، وسيأتي ذكر ذلك وغيره في أسماء الأصوات من هذا الكتاب.

(٣) المراد حين يسمّى به شخص ما ، فيكون نكرة.

٤٥

وإنما قالوا إنه تنوين مقابلة ، إذ لو كانت للتمكن (١) لم تثبت في قوله تعالى : (مِنْ عَرَفاتٍ)(٢) ، ولو كانت للتنكير لم تثبت في الأعلام ، وليست عوضا عن المضاف إليه ولا للترنم ، فلم يبق إلا أن يقال هي في جمع المؤنث في مقابلة النون في جمع المذكر ، لأن هذا معنى مناسب ، ألا ترى إلى جعلهم نصب هذا الجمع تابعا للجر ، كما في جمع المذكر ، فالنون (٣) في جمع المذكر قائم مقام التنوين التي في الواحد ، في المعنى الجامع لأقسام التنوين فقط ، وهو كونه علامة تمام الاسم ، وليس في النون شيء من معاني الأقسام الخمسة المذكورة ، فكذلك التنوين التي في جمع المؤنث السالم علامة لتمام الاسم فقط ، وليس فيها أيضا ، شيء من تلك المعاني ، لكنهم حطوها عن النون بسقوطها مع اللام وفي الوقف دون النون لأن النون أقوى وأجلد بسبب حركتها.

وقال الرّبعى (٤) ، وجار الله (٥) : ان التنوين في نحو مسلمات للصرف ، قال جار الله ، وإنما لم تسقط في عرفات ، لأن التأنيث فيها ضعيف لأن التاء التي كانت (٦) فيها لمحض التأنيث سقطت ، والتاء فيها علامة لجمع المؤنث.

وفيما قاله نظر ، لأن «عرفات» مؤنث وإن قلنا إنه لا علامة تأنيث فيها ، لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة ، لأنه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول : هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز : مباركا فيه ، إلا بتأويل بعيد (٧) كما في قوله :

__________________

(١) أي التنوين ، وكذا في قوله لم تثبت.

(٢) من الآية ١٩٨ من سورة البقرة.

(٣) تحدث هنا عن النون بلفظ المذكر فقال قائم ، ثم تحدث عن التنوين فوصفه بالتي ... وقد أشرنا إلى ذلك في الصحيفة السابقة.

(٤) الرّبعي نسبة إلى ربيعة ، وهو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي من علماء القرن الخامس ، أخذ عن السيرافي والفارسي ، توفي ببغداد سنة ٤٢٠ ه‍.

(٥) جار الله : هو العلامة محمود بن عمر الزمخشري ، أقام بمكة زمنا إلى جوار الحرم الشريف فأطلق عليه جار الله ، توفي سنة ٥٣٨ ه‍ والرضى يذكره بلقبه ، ونسبته.

(٦) في النسخة المطبوعة : لأن التاء التي فيها كانت لمحض التأنيث. ولا يفهم المقصود منها إلا بتكلف ، وإصلاحها إلى ما أثبتناه يوضح المراد منها ، وربما كان ما في المطبوعة تحريفا.

(٧) بأن يراد من عرفات المكان أو الموضع.

٤٦

٢ ـ فلا مزنة ودقت ودقها

ولا أرض أبقل أبقالها (١)

فتأنيثها لا يقصر عن تأنيث «مصر» الذي هو بتأويل البقعة.

والأولى عندي ، أن يقال إن التنوين للصرف والتمكن ، وإنما لم يسقط في نحو : من عرفات ، لأنه لو سقط لتبعه الكسر في السقوط ، وتبع النصب ، وهو خلاف ما عليه الجمع السالم ، إذ الكسر فيه متبوع لا تابع ، فهو فيه كالتنوين في غير المنصرف للضرورة ، لم يحذفا لمانع ، هذا ، مع أنه جوّر المبرد (٢) ، والزجاج (٣) ، ههنا ، مع العلمية حذف التنوين وإبقاء الكسر ؛ ويروي بيت امرئ القيس :

٣ ـ تنورتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالى (٤)

بكسر التاء بلا تنوين ، وبعضهم يفتح التاء في مثله مع حذف التنوين ويروى : من أذرعات ، كسائر ما لا ينصرف.

فعلى هذين الوجهين : التنوين للصرف بلا خلاف ، والأشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية أيضا.

__________________

(١) إقتصر الشارح الرضى على ذكر الشطر الثاني من البيت وهو موضع الاستشهاد وقد جريت على إكمال الشواهد ما أمكن اعتمادا على ما جاء في خزانة الأدب للبغدادي.

والبيت المذكور ورد في شعر لعامر بن جوين الطائي ، في وصف سحابة أمطرت مطرا غزيرا فأنبتت الأرض نباتا لم تنبت أرض أخرى مثله ، وموضع الشاهد قوله ولا أرض أبقل حيث ذكر الفعل المتحمل لضمير الأرض باعتبارها مكانا أو موضعا وفي البيت تأويلات أخرى.

(٢) المبرد هو أبو العباس محمد بن يزيد ، من أشهر علماء البصرة ، أخذ عن الجرمي والمازني ، واتصل بعلماء الكوفة في بغداد ، من أشهر آثاره العلمية كتابه الكامل في اللغة والأدب ، وله كتاب المقتضب في النحو ، توفي سنة ٢٨٥ ه‍.

(٣) الزجّاج : هو أبو إسحاق إبرهيم بن السّري ، لقب بالزجاج لأنه كان يحترف خراطة الزجاج ، عاش في بغداد وأخذ عن ثعلب والمبرد توفي سنة ٣١٠ ه‍.

(٤) هذا أحد أبيات القصيدة اللامية المشهورة لامرئ القيس بن حجر الكندي والتي أولها : الاعم صباحا أيها الطلل البالي. وهي من جيد شعره وقد وردت منها شواهد كثيرة في هذا الشرح ، ولهذا شرح البغدادي في خزانة الأدب معظم هذه القصيدة شرحا موزعا على ما ذكر من شواهدها. أما موضع الاستشهاد فقد بينه الشارح الرضي.

٤٧

وقال بعضهم : التنوين فيه عوض من منع الفتحة.

وأما تنوين الترنم فهو في الحقيقة لترك الترنم ، لأنه إنما يؤتى به اشعارا بترك الترنم عند بني تميم في رويّ مطلق ، وذلك أن الألف والواو ، والياء في القوافي تصلح للترنم بما فيها من المدّ ، فيبدل منها التنوين لمناسبته إياها ، إذا قصد الاشعار بترك الترنم لخلو التنوين من المدّ ، وهذا التنوين يلحق الفعل أيضا والمعرّف باللام ، قال :

٤ ـ اقلي اللوم عاذل والعتابن

وقولي إن أصبت لقد أصابن (١)

ولم يسمع دخولها الحرف ، ولا يمتنع ذلك في القياس نحو نعمن (٢) ، في القافية.

وقد يلحق عند بعضهم الرويّ المقيد فيخصّ باسم الغالي ، لأن الغلوّ تجاوز الحدّ ، وحدّ هذا التنوين أن يكون بدلا من حرف الاطلاق دلالة على ترك الترنم ، فإذا دخل القافية المقيدة فقد جاوز حدّه ، ويخرج به الشعر عن الوزن ، فهو غال بهذا الوجه أيضا ، وهو ، كقوله :

٥ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترقن (٣)

فيفتح ما قبل النون تشبيها لها بالخفيفة (٤) ، أو يكسر للساكنين ؛ كما في حينئذ ، على ما يجيء في آخر الكتاب.

__________________

(١) مطلع قصيدة طويلة لجرير. مما هجا به الفرزدق والراعي النميري وهي إحدى النقائض ومنها البيت المشهور الذي يقول فيه مخاطبا الراعي :

فغضّ الطرف انك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

والشاهد فيه إلحاق تنوين الترنم بالفعل وبالمقرون بأل كما قال الشارح : وإلحاق هذا التنوين إنما يكون عند الإنشاء في بعض الحالات : وهو وجه من وجوه إنشاد الشعر.

(٢) التمثيل بنعم في هذا الموضع خطأ ، لأن آخرها ساكن والتمثيل الصحيح يكون بربّ مثلا ، أوليت ، وإنما يصلح التمثيل بنعم في النوع الذي بعده وهو الغالي.

(٣) البيت ، أول أرجوزة مشهورة لرؤبة بن العجاج وهي أرجوزة طويلة ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح وبعد هذا الشاهد : «مشتبه الأعلام لماع الخفق». وكان رؤبة وأبوه العجاج من أشهر الرّجاز. ومن العجب أن له سميّا اسمه رؤبة بن العجاج ، كان هو وأبوه شاعرين أيضا ، ورؤبة صاحب الشاهد يكنى أبا الجحاف ، أما سميّه فإنه يكنى أبا بيهس.

(٤) أي نون التوكيد الخفيفة.

٤٨

وإنما الحق في الرويّ المقيد تشبيها له بالمطلق.

وإنما اختص كون الشيء مسندا إليه بالاسم ، لأن المسند إليه مخبر عنه ، إمّا في الحال أو في الأصل ، كما ذكرنا ، ولا يخبر إلا عن لفظ دال على ذات في نفسه مطابقة ، والفعل لا يدل على الذات إلا ضمنا والحرف لا يدل على معنى في نفسه ؛ ولهذه العلة : اختص التثنية والجمع والتأنيث والتصغير والنسبة والنداء بالاسم ، وأما نحو : ضربت وضربا وضربوا ، فالتأنيث والتثنية والجمع فيه راجع إلى الاسم ، وكذا التصغير في نحو قوله :

٦ ـ ياما أميلح غزلانا شدن لنا

من هؤليّاء بين الضال والسّمر (١)

راجع إلى المفعول المتعجب منه ، أي : هن مليّحات والتصغير للشفقة نحو : يا بنيّ ، فهو شيء موضوع غير موضعه ، كما أن التأنيث في ضربت في غير موضعه.

وأما نحو قوله تعالى : (رَبِّ ارْجِعُونِ)(٢) على تأويل ارجعني. ارجعني. وقول الحجاج (٣) يا حرسيّ اضربا عنقه (٤) ، أي : اضرب ، اضرب ، فليس الأول بجمع والثاني بتثنية ، إذ التثنية ضم مفرد إلى مثله في اللفظ غيره في المعنى ، والجمع ضم مفرد إلى مثليه أو أكثر في اللفظ غيره في المعنى ، و : ارجعون ، و : اضربا ، بمعنى التكرير كما ذكرنا ، والتكرير ضم الشيء إلى مثله في اللفظ مع كونه إياه في المعنى للتأكيد والتقرير

والغالب فيما يفيد التأكيد أن يذكر بلفظين فصاعدا ، لكنهم اختصروا في بعض المواضع باجرائه مجرى المثنى والمجموع لمشابهته لهما من حيث إن التأكيد اللفظي ، أيضا ، ضم شيء

__________________

(١) أحد أبيات غزلية أولها :

صوراء لو نظرت يوما إلى حجر

لأثرت سقما في ذلك الحجر

وهي أبيات مختلف في نسبتها فقيل انها للفرجى ونسبت لذي الرمة ولمجنون بني عامر ، وغيرهم. والاستشهاد به على تصغير فعل التعجب وقد وجهه الشارح كما أن فيه شاهدا آخر على تصغير اسم الإشارة شذوذا.

(٢) الآية ٩٩ من سورة : المؤمنون.

(٣) الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي. والى العراق من قبل عبد الملك بن مروان ، اشتهر بالقوة في حكمه حتى ضرب به المثل في ذلك.

(٤) الشاهد فيه أن الكلام موجّه إلى شخص واحد وهو الحرسيّ أي واحد الحرس وهم الجند الذين حول السلطان ، فقوله : اضربا بصيغة التثنية يراد منها تكرير الفعل لا تكرير الفاعل.

٤٩

إلى مثله في اللفظ وإن كان إياه في المعنى.

فقوله : اضربا عنقه ، مثل لبيك وسعديك ، وقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(١) ، في كون اللفظ في صورة المثنى وليس به.

واختص الإضافة ، أعني كون الشيء مضافا بالاسم ، لأن المضاف إمّا متخصص كما في : غلام رجل ، وإما متعرف ، كما في غلام زيد ، والتعرّف والتخصص من خصائص الاسم ، كما مرّ في لام التعريف.

وأما الإضافة في نحو : ضارب زيد وحسن الوجه ومؤدّب الخدام ، وإن لم تخصص المضاف ولم تعرفه ، فهي فرع الإضافة المحضة ، فلا يكون المضاف أيضا في مثلها إلا اسما.

ولم يذكر المصنف من خواص الاسم كونه مضافا إليه ، لئلا يرد عليه مثل قوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)(٢) من إضافة الظروف إلى الأفعال ، وعدّه بعضهم من خواصه أيضا ، واعتذروا عن الا يراد المذكور بأن المضاف إليه في الحقيقة : المصدر المدلول عليه بالفعل ، أي : يوم جمع الله ؛ قيل والدليل على أن المضاف إليه هو المصدر : تعرّف المضاف به مع خلو الفعل من التعريف ، نحو : أتيتك يوم قدم زيد الحار ، أو البارد (٣) ، وأما أنا فلا أضمن صحة هذا المثال ومجيء مثله في كلامهم.

والظاهر أن المضاف إليه لفظا في نحو : يوم قدم زيد : الجملة الفعلية ، لا الفعل وحده ، كما أن الاسمية في قولهم : أتيتك زمن الحجاج أمير ، هي المضاف إليها ، وأما من حيث المعنى ، فالمصدر هو المضاف إليه الزمان في الجملتين.

__________________

(١) الآية ٤ من سورة الملك.

(٢) الآية ١١٠ من سورة المائدة

(٣) أي أن تعريف الحار والبارد لأنهما وصفان لليوم المضاف إلى جملة قدم زيد فاستفاد التعريف لأن مضمون الجملة معرفة في هذا المثال. وتوقف الشارح في صحة وروده.

٥٠

المعرب والمبنى

تعريف المعرب

قال ابن الحاجب :

«وهو معرب ومبني ، فالمعرب : المركب الذي لم يشبه»

«مبني الأصل».

قال الرضى :

هذا حدّ معرب الاسم لا مطلق المعرب ، لأنه في صنف الأسماء ، فلا يذكر إلا أقسامها ، فكأنه قال : الاسم المعرب هو الاسم المركب ، وكذا جميع الحدود التي نذكرها في صنف الاسم.

ولفظ المركب يطلق على شيئين : على أحد الجزأين أو الأجزاء بالنظر إلى الجزء الآخر أو الأجزاء الأخر ، كما يقال في : ضرب زيد : مثلا ، إنّ زيدا مركب إلى ضرب ، وضرب مركب إلى زيد ، فهما مركبان ، ويطلق على المجموع فيقال : ضرب زيد ، مركب من ضرب ومن زيد.

وهذا كما تقول لأحد الخفّين هو زوج الآخر ، وتقول لهما معا : زوج ، ومراد المصنف : المعنى الأول ؛ وليس بمرضيّ ، لأن المركب في اصطلاحهم ، في المجموع أشهر منه في كل واحد من جزأيه ، أو أجزائه ، فيوهم أن المعرب من الأسماء لا يكون إلا مركبا من شيئين فصاعدا ، كخمسة عشر ونحوه ؛ وهذا دأب المصنف : يورد في حدود هذه المقدمة ألفاظا

٥١

غير مشهورة في المعنى المقصود ، اعتمادا منه على عنايته (١) ، وينبغي أن يختار في الحدود والرسوم أوضح الألفاظ في المعنى المراد ، ويحترز عن الألفاظ المشتركة ، فكيف باستعمال لفظ هو في غير المعنى المقصود أظهر.

ثم ، وإن نزلنا عن هذا المقام ، وسلمنا أن المركب في الظاهر هو أحد الجزأين أو الأجزاء ، فليس كل اسم مركب إلى غيره غير مشابه لمبنى الأصل : معربا ، بل الاسم المركب إلى عامله ؛ ألا ترى أن المضاف اسم مركب إلى المضاف إليه ، ولا يستحق بهذا التركيب اعرابا ، بل المضاف إليه يستحقه بالتركيب الإضافي ، لأن المضاف عامله ، على قول ، أو الحرف المقدر ، على الآخر ، كما يجيء ؛ وكذا التابع مع متبوعه ، لا يستحق أحدهما بهذا التركيب اعرابا معينا ، وكذا أسماء الحروف الموجودة في أوائل السور ، نحو : حم ، ويس.

قوله «مبني الأصل» ، هذا أيضا من ذاك (٢) ، لأنه اصطلاح مجدّد منه مراد به الحرف والفعل الماضي والأمر ، على ما فسّره في الشرح (٣).

وإن أخذنا لفظ «المبني الأصل» على ما يقتضيه اللفظ من المعنى المشهور ، دخل فيه مطلق الأفعال وإن كانت مضارعة ، إذ أصل جميع الأفعال : البناء على ما ذهب إليه البصرية ؛ فيرد عليه اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر ، وجميع باب ما لا ينصرف.

بلى ، إن اختار مذهب الكوفيين من كون المضارع أصيلا في الإعراب كالاسم ، لتوارد المعاني عليه كما يجيء في بابه ، لم يرد عليه ما ذكرنا.

ولا يرد على تفسيره المبني الأصل بالحرف والماضي والأمر : المصدر (٤) في نحو :

__________________

(١) أي على قصده ومراده.

(٢) قوله : هذا أيضا من ذاك ، إشارة ما تقدم من نقده للمصنف بأنه يورد في الحدود ألفاظا غير مشهورة في المعنى المراد منها.

(٣) أي شرح ابن الحاجب على رسالته هذه

(٤) المصدر فاعل لقوله : لا يرد ..

٥٢

أعجبني ضرب زيد عمرا أمس ، وذلك بأن يقال : المصدر ههنا يشبه الماضي لتقديره به مع «أن» أي : أن ضرب ، وإلا لم يعمل ، فهو مشابه للماضي مع أنه معرب ؛ ـ لأن (١) مشابهة المصدر لمطلق الفعل سبب عمله ، لا مشابهته للماضي ، بدليل أنه يعمل وان كان بمعنى الحال أو الاستقبال.

وإنما ذكر في حدّ المعرب التركيب ، وكونه غير مشابه لمبني الأصل ؛ احترازا من قسمي المبني ؛ وذلك لأن الاسم إما أن يبنى لعدم موجب الإعراب ، أعني المعاني المتعاقبة على الاسم الواحد كالفاعليّة والمفعوليّة والإضافة ، وهو (٢) الأسماء المعدّدة تعديدا ، كأسماء العدد نحو : واحد اثنان ثلاثة ، وأسماء حروف التهجي ، نحو : ألف ، با ، تا ، ثا ، ونحو : زيد ، بكر ، عمرو ، والأصوات ، كنخ (٣) ، وهدع (٤) ،

والمعاني الموجبة للإعراب إنما تحدث في الاسم عند تركيبه مع العامل فالتركيب شرط حصول موجب الاعراب ، فلهذا قال : المركب ، أي الاسم الذي فيه سبب الاعراب فتخرج هذه الأسماء المجردة عن السبب ، ويجيء في التصريف (٥) في باب التقاء الساكنين ، تحقيق الكلام في الأسماء المعددة تعديدا ، إن شاء الله تعالى.

وإما أن يبنى مع حصول الموجب للاعراب ، لوجود المانع منه ، والمانع مشابهته للحرف أو للفعل على ما يجيء في باب المبني ، وذلك في المضمرات والمبهمات وأسماء الأفعال ، والمركبات ، وبعض الظروف على ما يأتي ؛ فقوله : الذي لم يشبه مبنيّ الأصل يخرج هذه الأسماء.

وإنما صح الاحتراز بالجنس أيضا ، لكون أخصّ من الفصل بوجه.

__________________

(١) تعليل لقوله : ولا يرد على تفسيره .. إلخ.

(٢) وهو أي النوع الذي يبنى لعدم موجب الإعراب.

(٣) نخ صوت لأناخة البعير ، وفيه عدة لغات وتأتي في أسماء الأصوات.

(٤) هدع بكسر الهاء صوت تسكن به صغار الإبل.

(٥) في شرح الشافية الذي ألفه الرضى.

٥٣
٥٤

حكم المعرب من الأسماء

قال ابن الحاجب :

«وحكمه أن يختلف آخره لاختلاف العوامل»

«لفظا أو تقديرا».

قال الرضى :

هذا الذي جعله المصنف بعد تمام حدّ المعرب ، حكما من أحكامه لازما له ، جعله النحاة حدّ المعرب ، فقالوا : المعرب : ما يختلف آخره باختلاف العامل.

قال المصنف (١) ، وهو الحق (٢) ، يلزم منه الدور ، لأن المقصود ليس بمطلق اختلاف الآخر ، بل الاختلاف الذي يصح لغة ، ومعرفة مثل هذا الاختلاف موقوفة على معرفة المعرب أوّلا ، فإن حدّدنا المعرب باختلاف العامل كان معرفة المعرب متوقفة على معرفة الاختلاف توقف كل محدود على حده ، فيكون دورا.

__________________

(١) معترضا على الحدّ الذي ذكره النحاة.

(٢) في بعض النسخ التي أشار إليها السيد الجرجاني : «وهذا الحد» بدلا من قوله «وهو الحق» الذي يعتبر اعتراضا من الرضى لتأييد رأي المصنف في الاعتراض على تعريف النحاة.

٥٥

هذا إن قصد تعريف حقيقة المعرب ليتميز عند المنشئ للكلام فيعطيه بعد تعقل حقيقته حقّه من اختلاف الآخر.

أما إن عرف الاختلاف الصحيح لا من معرفة المعرب بل بحصول الاختلاف في كلام صحيح موثوق به ، كالقرآن وغيره ، جاز تعريف المعرب بذلك الاختلاف ، لعدم توقف معرفته ، إذن ، على معرفة المعرب.

إن قيل : أي فرق بين المعرب والمبني في الحكم المذكور؟ فإن المبني ، أيضا ، يختلف تقديرا ، وذلك في أحد قسميه ، أعني المركب منه مع العامل ، نحو : جاءني هؤلاء ، فهو مثل : جاءني قاض.

فالجواب : أن المعرب يختلف آخره تقديرا ، أي يقدّر الإعراب على حرفة الأخير ، ولا يظهر ، إمّا للتعذر ، كما في المقصور ، أو للاستثقال ، كما في المنقوص ، بخلاف المبني ، فإن الإعراب لا يقدر على حرفه الأخير ، إذ المانع من الإعراب في جملته ، وهو مشابهته للمبني ، لا في آخره ، نحو : هؤلاء ، وأمس ، وقد يكون في آخره أيضا كما في جملته نحو : هذا ، فلهذا يقال في نحو : هؤلاء ، إنه في محل الرفع أي في موضع الاسم المرفوع ، بخلاف المقصور في : جاءني الفتى ، فإنه يقال : إن الرفع مقدر في آخره.

قوله «لفظا أو تقديرا» مصدران بمعنى المفعول أي يختلف آخره اختلافا ملفوظا أو مقدرا ، فهما نصب (١) على المصدر ، ويجوز أن يكون المضاف مقدرا ، أي اختلاف لفظ أو تقدير.

معنى الاعراب

قال ابن الحاجب :

«الإعراب ما اختلف آخره به».

__________________

(١) فهما نصب أي منصوبان ، وهو تعبير شائع على ألسنة المعربين.

٥٦

قال الرضى :

هذا تمام الحد ، على ما يؤذن به كلامه في الشرح (١).

سبب الإعراب

في الاسم

قال ابن الحاجب :

«ليدل على المعاني المعتورة عليه».

قال الرضى :

بيان لعلة وضع الإعراب في الأسماء ؛ والضمير في قوله «آخره» للمعرب وفي قوله «به» لما.

قوله «المعتورة» أي المتعاقبة ، قوله «عليه» أي على المعرب ؛ قوله «ليدل» فيه ضمير الاختلاف ، أو ضمير «ما» ويعني. بما : الحركات والحروف ، ويدخل في عموم لفظة «ما» العامل أيضا ، لأنه الشيء الذي يختلف آخر المعرب به ، لأن الاختلاف حاصل من العامل بالآلة التي هي الإعراب ، فهما في الظاهر كالقاطع والسكين ، وإن كان فاعل الاختلاف في الحقيقة هو المتكلم بآلة الإعراب ، إلا أن النحاة جعلوا العامل كالعلة المؤثرة ، وإن كان علامة لا علة ، ولهذا سمّوه عاملا.

ويمكن الاعتذار للمصنف بناء على ظاهر اصطلاحهم ، أعني أن العامل كالعلة الموجدة بأن يقال : باء الاستعانة : دخولها في الآلة أكثر منه في الموجد.

ولا يعترض على الحدّ بكسر الآخر لأجل ياء الإضافة وياء النسبة وفتحه لأجل تاء التأنيث بأن يقال : الإعراب الذي كان على الآخر ، انتفى ، لأجل ياء الإضافة من غير انتقال إلى شيء آخر ، وانتفى لأجل ياء النسبة وتاء التأنيث وانتقل إلى الياء والتاء بتركبهما

__________________

(١) أي في شرح الكافية ، لابن الحاجب نفسه.

٥٧

مع الاسم ، وهذا تغيير في الآخر ، وكذا في ألف المثنى ويائه ، وواو الجمع ويائه.

وذلك (١) لأنه قال : الإعراب ما اختلف آخر المعرب به ، والمعرب ، كما ذكرنا هو المركب مع عامله ، ولا يذخل العامل في المضاف إلى الياء والمنسوب والمؤنث بالتاء والمثنى والمجموع إلا بعد لحاق الأحرف المذكورة بها ، لأنك أخبرت ، مثلا ، في قولك : جاءني مسلمان ، عن المثنى ، ولم تخبر عن المفرد ثم تثنيه ، وكذا البواقي ، فقبل لحاق هذه الأحرف كان الاسم مبنيا لعدم التركيب ، فلم يختلف آخر المعرب بهذه الأحرف.

ولا يقال : ان الحدّ غير جامع ، لأن التغيير في نحو مسلمان ومسلمون ، ليس في الآخر ، إذ الآخر هو النون ؛ وذلك لأن النون فيهما كالتنوين فكما أن التنوين لعروضه لم يخرج ما قبله عن أن يكون آخر الحروف ، فكذا النونان.

قال المصنف : إنما اخترت هذا الحد ، وهو مختار عبد القاهر (٢) ، على ما نسب إليه الأندلسيّ (٣) ، على حدّ (٤) بعض المتأخرين : الإعراب اختلاف الآخر ؛ لأن الاختلاف أمر لا يتحقق ثبوته في الآخر حتى يسمّى اعرابا.

ولهم أن يقولوا : إنك أيضا أثبتّ الاختلاف من حيث لا تدري بقولك : ما اختلف آخره به ، ولا يختلف آخر شيء بشيء إلا وهناك اختلاف ، إذ الفعل متضمن للمصدر.

وقال (٥) : ولو ثبت الاختلاف أيضا ، فهو أمر واحد ناشىء من مجموع الضم والفتح والكسر ، لا من كل واحد منها ، إذ لو لزم آخر الكلمة واحد منها لم يكن هناك اختلاف ،

__________________

(١) مرتبط بقوله قبل قليل : ولا يعترض على الحدّ ..

(٢) الإمام عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني من علماء القرن الخامس.

(٣) أبو محمد ، القاسم بن أحمد الأندلسي ، نشأ بالأندلس ونسب إليها ثم تنقل بين دمشق وبغداد حتى توفي بدمشق سنة ٦٦١ ه‍ وكان قريب العهد من الرضى حيث عاشا معا في القرن السابع ، قال السيوطي في البغية أن له شرحا على المفصل للزمخشري. ويوجد عالم آخر اسمه الأندلسي متأخر عن الرضى واسمه أبو جعفر أحمد بن يوسف الرعيني توفي سنة ٧٧٩ ه‍.

(٤) أي إنما اخترته على حد بعض المتأخرين ، أي فضلته عليه.

(٥) أي المصنف.

٥٨

فالاختلاف شيء واحد ، والإعراب بالاتفاق ثلاثة أشياء ، فكيف يكون الإعراب اختلافا.

ولهم أن يقولوا : هذا منك بناء على أن معنى الاختلاف : انقلاب حركة حركة أخرى ، وانقلاب حرف حرفا آخر ، والانقلاب من حيث هو هو ، شيء واحد.

والحق : أن معنى قولنا : يختلف الآخر ، أي يتصف بصفة لم يكن عليها قبل ، فإن «زيد» مثلا في حال الافراد لم يستحق شيئا من الحركات ، فلما ضممت الدال بعد التركيب في حالة الرفع ، فقد اختلفت ، أي انتقلت من حالة السكون إلى هذه الحركة المعيّنة ، فقد حصل بالحركة الواحدة اختلاف في الآخر ، وانتقال الآخر إلى الفتحة غير انتقاله إلى الضمة ، وكذا انتقاله إلى الكسرة ، فههنا ثلاثة اختلافات مغاير بعضها لبعض بحسب تغاير الحالات المنتقل إليها ، وإن كانت داخلة في مطلق الاختلاف.

فالاختلاف ، إذن ، ثلاثة كالاعراب ، والإعراب أيضا هو الانتقالات المذكورة.

هذا إذا أعرب بالحركات ، وإن أعرب بالحروف ، فاختلاف الآخر ، إذن أحد نوعين : أحدهما : رد حرف محذوف من الكلمة ، فقط ، أو ردّه مع القلب ، كما إذا أردت ، مثلا ، إعراب «أب» بالحروف : رددت عليه الواو المحذوفة رفعا ، ورددتها وقلبتها ألفا في النصب ، وياء في الجر.

وثانيها جعل العين أو الحرف الذي زيد في الآخر لغرض بعينه ، اعرابا أيضا ، أو جعله مع القلب اعرابا ، كما جعلت الألف والواو المزيدتين علامتين للتثنية والجمع في نحو : مسلمان ومسلمون ، علامتي الرفع أيضا وجعلتهما مع القلب علامتي النصب والجر ؛ وكذا : فوه ، وذو مال ، فقد اختلف حال الواو والألف رفعا ، لأنهما صارا لشيئين بعد ما كانا لشيء واحد.

وينبغي أن يقدّر كل واحدة من الكسرتين في نحو : إن المسلمات ، وبالمسلمات ، غير الأخرى ، فالاختلاف في آخره ثلاثة ، فهما كضمتي «فلك» مفردا ، و «فلك» مجموعا (١).

__________________

(١) يقول النحاة : ان ضمة فلك مفردا تعتبر مثل ضمة قفل ، وضمته مجموعا تقابل ضمة حمر جمع أحمر ، فهما متغايرتان تقديرا.

٥٩

وكذا فتحتا نحو : إن أحمد ، وبأحمد ، وياءا : ان المسلمين وبالمسلمين ، وإن المسلمين وبالمسلمين.

وليس كذا ألف المثنى وواو المجموع ، إذا جعلتا اعرابا ، لأن علامتي التثنية والجمع لا يجوز حذفهما.

فتبيّن لك بهذا أن الاختلاف في كل اسم ثلاثة كالإعراب ، وهو هو ، ولو جعلنا أيضا ، الاختلاف تحول حركة حركة ، أو حرف حرفا ، كما فهم المصنف ، فهي ، أيضا ، ثلاثة اختلافات بحسب التحولات : تحول الضمة فتحة ، وتحول الضمة كسرة وتحول الفتحة كسرة ، وكذا في الحروف.

ولو جعلنا تحول الضمة فتحة غير تحول الفتحة ضمة حصل ستة اختلافات ، والحق أن معنى الاختلاف : ما ذكرنا أولا وهو ثلاثة.

وقال أيضا : لو كان الإعراب هو الاختلاف ، لزم أن يكون الاسم في أول تركيبه غير معرب ، كما لو جعل ، مثلا ، «زيد» اسما لشخص ، ثم ركب مع عامله أول تركيب نحو : جاءني زيد ، فلا اختلاف ، إذ لم تتحول حركة إلى حركة بعد.

والجواب : أن معنى الاختلاف ، كما ذكرنا : انتقال الآخر من السكون إلى حركة ما ، ففيه ، إذن ، اختلاف.

ثم نقول : ولو فسرنا الاختلاف ، أيضا ، بانقلاب حركة حركة ، لكان الالزام مشتركا بينه وبين النحاة ، لقوله : ما اختلف آخره به ؛ فما لم تنقلب حركة حركة لم يكن ما اختلف آخره به.

فإن قال : أردت ما يكون به الاختلاف ، إذا كان.

قيل : العبارة الصحيحة عن مثل هذا المراد : ما يختلف آخره به ، لا ما اختلف.

قوله «ليدل على المعاني» تعليل لوضع الإعراب في الأسماء ؛

اعلم أن ما يحتاج إلى التمييز بين معاني الكلم على ضربين.

٦٠