شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

ومما يلزمها الظرفية عند سيبويه : صفة زمان أقيمت مقامه ، نحو قوله :

١٦٦ ـ ألا قالت الخنساء يوم لقيتها

أراك حديثا ناعم البال أفرعا (١)

أي زمانا حديثا ؛ وجوّز في لفظتي : مليئا وقريبا خاصة : التصرف نحو قولك ، سير على الفرس مليء من الدهر وقريب ، ومليئا وقريبا وأما غير سيبويه فانهم اختاروا في الصفات المذكورة الظرفية ولم يوجبوها ، وإنما اختير نصبها أو وجب ليكون أدلّ على موصوفها الذي هو الظرف المنصوب.

وأما عدم تصرف سائر ما ذكرته فسماعي.

واعلم أنه يكثر جعل المصدر حينا لسعة الكلام ، نحو : انتظرني جزر جزورين ، وسير عليه ترويحتين ، أي مثل زمان جزر جزورين ومثل زمان ترويحتين ، قال تعالى :

(وَإِدْبارَ النُّجُومِ)(٢) أي وقت ادبارها.

وكل ذلك على حذف المضاف ؛ وعند أبي عليّ (٣) ، أن المصدر يقام مقام الزمان من غير اضمار مضاف ، وذلك لما بينهما من التجانس ، بكونهما مدلولي الفعل ، ولذلك ينصب الفعل مبهميهما وموقتيهما بخلاف المكان ؛ وأما قولهم : كان ذلك مقدم الحاج ، فليس من ذلك ، لأن «مفعلا» يكون اسم الزمان.

ويقل مقام الحين مقام المصدر كقوله تعالى : (وذكرهم بأيام الله) ، أي بوقائعه ،

__________________

(١) بعد هذا البيت :

فقلت لها : لا تنكريني فقلّما

يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا

وهو أحد أبيات وردت في الحماسة ولم ينسبها أحد من شراح الحماسة ، وفي قصيدة متمم بن نويرة التي رثى بها أخاه مالكا بيت يشبه هذا وهو قوله :

تقول ابنة العمري مالك بعد ما

أراك حديثا ناعم البال أفرعا

ولكن الأبيات المتصلة ببيت الشاهد ليست في قصيدة متمم.

(٢) الآية ٤٩ من سورة الطور.

(٣) الفارسي : وتقدم ذكره كثيرا.

(٤) الآية ٥ من سورة ابراهيم.

٥٠١

وقد يقوم المصدر المضاف إليه مقام المضاف الذي هو مكان ، نحو : مشيت غلوة (١) سهم ، ورمية نشّابة (٢) ، أي مسافة غلوة سهم ، وفي الحديث» اقطع النبي صلّى الله عليه وسلّم زبيرا حضر (٣) فرسه».

وقد يقوم المضاف إليه الذي هو اسم عين مقام مضافه الذي هو مصدر قائم مقام مضافه الذي هو حين ، نحو : لا آتيك السّمر والقمر (٤)، أي مدة طلوع القمر ، ومنه قوله :

١٦٧ ـ باكرت حاجتها الدجاج بسحرة

لأعلّ منها حين هبّ نيامها (٥)

أي وقت صياحه ؛ هذا إذا كان باكرت بمعنى بكّرت ، لا غالبت بالبكور ؛.

قال النحاة : قد يتوسّع في الظرف المتصرف فيجعل مفعولا به ، فحينئذ ؛ يسوغ أن يضمر مستغنيا عن لفظ «في» كقولك : يوم الجمعة صمته ؛ وأن يضاف إليه المصدر والصفة المشتقة منه ، نحو قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٦) وقوله :

١٦٨ ـ يا سارق الليلة أهل الدار (٧)

وقد اتفقوا على أن معناه متوسّعا فيه وغير متوسع فيه سواء ؛ ثم فرّعوا على هذا الأصل ، فقال بعضهم : لا يتوسع في ظرف المتعدي إلى اثنين حتى يلحق بالمتعدي إلى ثلاثة ، فلا يقال : يوم الجمعة أعطيته زيدا درهما ، قال : لأن المتعدي إلى ثلاثة محصور ، فلا يزاد عليه ، وجوّزه الأكثرون ،.

__________________

(١) أي مقدار ما يصل إليه السهم.

(٢) النشابة واحدة النشاب وهي السهام. والمراد مقدار ما يصل إليه السهم كالذي قبله.

(٣) حضر الفرس بضم الحاء وسكون الضاد أقصى جريه. والمعنى المسافة التي يقطعها الفرس عند أقصى جريه.

(٤) أي مدة سمر الناس ، ومدة طلوع القمر كما فسر الشارح والمقصود الدوام ، لأن سمر الناس وأحاديثهم لا تنقطع ، وكذلك طلوع القمر.

(٥) هذا أحد أبيات معلقة لبيد بن ربيعة العامري. وهذه المعلقة مما قاله في الجاهلية ، والبيت وما يتصل به في وصف الخمر وحرصه عليها وبذله في سبيلها كما هو أسلوب الشعراء.

(٦) الآية ٣٣ من سورة سبأ.

(٧) المعنى : يا سارقا في الليلة المعينة أهل الدار ، فأضيف الوصف إلى الظرف بعد حذف حرف الجر «في» كما أن المعنى في الآية : بل مكركم في الليل والنهار. وهذا الشطر غير معروف قائله.

٥٠٢

وأما التوسع في ظرف المتعدي إلى ثلاثة فلم يجوّزه إلا الأخفش ؛ قالوا (١) ، لأنه يخرج إلى غير أصل ؛ إذ ليس معنا متعدّ إلى أكثر من ثلاثة.

وجوّزوا في الأفعال الناقصة ، نحو : (٢) يوم الجمعة ليس زيد قائما ؛ هذا ما قالوا ؛ والذي أرى أن جميع الظروف متوسع فيها ، فقولك : خرجت يوم الجمعة كان في الأصل : خرجت في يوم الجمعة ؛ كان يوم الجمعة مع الجار مفعولا به بسبب حرف الجر ، ثم صار مفعولا به من غير واسطة حرف في اللفظ ؛ والمعنى على ما كان عليه.

وكذا المفعول له ، هو أيضا مفعول به ، تعدى إليه الفعل بنفسه ، بعد ما تعدى إليه بحرف الجر.

فهما مثل «ذنبا» في قولك : استغفرت الله ذنبا (٣) ، إلا أن حذف حرفي الجر ، أي : في واللام ، صار قياسا في البابين (٤) ، كما كان حذف حرف الجر قياسا مع أنّ وأن ، وليس بقياس في غير المواضع الثلاثة ، فلا تقول في مررت بزيد ، وقمت إلى عمرو : مررت زيدا وقمت عمرا. وإنما كان قياسا في بابي المفعول فيه والمفعول له بالضوابط المعيّنة لكل منهما ، لقوة دلالتهما على الحرفين المقدرين ؛ فعلى ما قررنا : المفعول فيه ، والمفعول له ، نوعان من أنواع المفعول به مختصان بالاسمين المذكورين ،.

وأما قول المصنف في نحو : يوم الجمعة صمته : ان الضمير لا يجوز أن يكون مفعولا فيه ، إذ هو لا يكون إلا ظرف الزمان أو المكان ؛ فمنقوض بنحو : خرجت هذا اليوم ، فلفظة «هذا» ههنا ظرف اتفاقا ، بدلالة صفته وقوله : ان الزمان في نحو : مكر الليل ،

__________________

(١) أي الذين لم يجوزوه.

(٢) أي جوزوا مثل هذا التركيب.

(٣) اعتبره البغدادي أحد الشواهد. لأن سيبويه أورد هذا البيت :

استغفر الله ذنبا لست محصيه

رب العباد إليه الوجه والعمل

وبعد أن شرحه قال انه من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف قائلها.

(٤) أي في بابي المفعول فيه والمفعول لأجله.

٥٠٣

وسارق الليلة ليس بمفعول فيه وإلا انتصب والمضاف إليه المصدر والصفة لا يكون إلا فاعلا أو مفعولا به.

قلنا (١) : على ما أصّلنا إن جميع المفعول فيه هو مفعول به : لا نسلم أنه يجب نصبه ، فان المفعول به ينجز بالإضافة نحو : ضارب زيد ، فكذا في سارق الليلة ، وإنما لم يقع المفعول له ضميرا ، ولا اسم اشارة كالمفعول فيه ، لقلة استعماله ، فأرادوا أن يكون لفظ المصدر مصرّحا به ليدل على كونه مفعولا له.

فنقول : اضافة الصفة إلى ظرفها كإضنفتها إلى المفعول به تكون غير مختصة بالشرائط المذكورة في باب الإضافة ، وقد تكون بمعنى اللام ، ك : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٢) ، كما يجيء ، وإضافة المصدر إلى ظرفه كإضافته مختصة (٣) إلى المفعول به بمعنى اللام ، فهي مختصة إلا أنه كالمضاف إلى المفعول به الذي كان منتصبا بنزع الخافص ، كقوله :

باكرت حاجتها الدجاج بسحرة (٤) ـ ١٦٨

أي حاجتي إليها ، فهي في الحقيقة بمعنى اللام ، لأن اللام للاختصاص ويختص الشيء بغيره بأدنى ملابسة ، نحو كوكب الخرقاء (٥) ، وقتيل الطف (٦) وليس بمعنى «في» كما ذهب إليه المصنف على ما يجيء في باب الإضافة.

__________________

(١) قلنا في الرد على المصنف ؛ ومقول القول ، هو : لا نسلم ... الخ.

(٢) الآية ٤ من سورة الفاتحة.

(٣) أي كاضافته اضافة مختصة.

(٤) الشاهد السابق رقم ١٦٨.

(٥) كوكب الخرقاء : اشارة إلى قول الشاعر :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل اذاعت غزلها في القرائب

والخرقاء : المرأة التي لا تحسن تدبير أمرها ، فتكسل عن اعداد غزلها الذي تحتاجه في الشتاء إلى أن يطلع سهيل وينذر بقرب الشتاء فتسرع بتوزيع ما عندها من صوف على قرائبها حتى تفرغ منه قبل حلول الشتاء.

وقد اعتبره البغدادي أحد الشواهد وكتب عليه ولكنه لم ينسبه.

(٦) الطف : مكان بالكوفة يمتد إلى شاطئ الفرات ، ومنه جزء يسمّى كربلاء ، فيه حدثت الموقعة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه هو وكثير من ذريته وأهله. ويطلق على الحسين أيضا : شهيد كربلاء ، نسبة إلى هذه البقعة وفيها قبره.

٥٠٤

حذف عامل الظرف

قال ابن الحاجب :

«وينتصب بعامل مضمر ، وعلى شريطة التفسير».

قال الرضى :

اعلم أن انتصابه بعامل مضمر ، إما أن يكون بعامل جائز الاظهار ، أو بممتنعه ، كما في المفعول به ، إذ هو هو ، كما ذكرنا ، فالأول نحو : يوم الجمعة في جواب من قال متى سرت؟ أي سرت يوم الجمعة.

وقد جاء بلا قرينة ظاهرة ، كفولهم : حينئذ الآن ، أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن.

والثاني كما في المنصوب على شريطة التفسير ، حسب ما ذكرنا في المفعول به مفصّلا ، فما يختار رفعه نحو : يوم الجمعة سرت فيه ، وما يختار نصبه نحو : أيوم الجمعة سرت فيه؟ وما يوم الجمعة سرت فيه ، وسار زيد ويوم الجمعة سرت فيه ، وإذا يوم الجمعة سرت فيه ، ويوم الجمعة سر فيه ، أو ، لا تسر فيه.

ومثال لبس المفسّر بالصفة : كل يوم صمت فيه في الصيف.

وما يستوي فيه الأمران : زيد سار ويوم الجمعة سرت فيه ؛ وما يجب نصبه إن يوم الجمعة سرت فيه ، وهلّا يوم الجمعة سرت فيه.

* * *

٥٠٥
٥٠٦

المفعول له

قال ابن الحاجب :

«المفعول له هو ما فعل لأجله فعل مذكور ، مثل : ضربته»

«تأديبا ، وقعدت عن الحرب جبنا ، خلافا للزجاج فإنه عنده»

«مصدر».

قال الرضى :

قوله : «فعل مذكور» ، أي مضمون الفعل وشبهه ، وهو المصدر لما ذكرنا في المفعول فيه ؛ قوله «مذكور» ، احتراز عن قولك وقد شاهدت ضربا لأجل التأديب : أعجبني التأديب ، فان التأديب فعل له الضرب إلا أنك لم تذكر الضرب في قولك ، عاملا فيه.

فالحق (١) أن نقول ، في المفعول له : هو ما فعل لأجله مضمون عامله ، وكذا في المفعول فيه هو ما فعل فيه مضمون عامله من زمان أو مكان ، لئلا ينتقض الحدّان ، بنحو قولك : ضربت وقد أعجبني التأديب ، وسرت ويوم الجمعة زمان سيرك (٢).

__________________

(١) أي تفاديا من ورود مثل ذلك.

(٢) لأن في كل من المثالين يتحقق التعريف الذي ذكره ابن الحاجب وذلك لأن في كل منهما فعلا مذكورا فعل في الزمان أو المكان أو فعل لأجله .. ولكن هذا المذكور غير عامل لا في المفعول فيه ولا في المفعول لأجله.

٥٠٧

وذكر المصنف مثالين للمفعول له ، ليبيّن أنه قد لا يتقدم وجودا على ما جعل علة له ، كما في : ضربته تأديبا ، وقد يتقدم وجوده عليه كما في : قعدت جبنا ، فالمفعول له هو الحامل على الفعل ، سواء تقدم وجوده على وجود الفعل ، كما في : قعدت جبنا ، أو تأخر عنه ، كما في : جئتك إصلاحا لحالك ، وذلك لأن الغرض المتأخر وجوده ، يكون علة غائيّة حاملة على الفعل ، وهي إحدى العلل الأربع ، كما هو مذكور في مظانه ، فهي متقدمة من حيث التصور ، وإن كانت متأخرة من حيث الوجود.

فالمفعول له هو العلة الحاملة لعامله ، وليس بمعلول له كما ظن بعضهم نظرا إلى ظاهر نحو قولهم : ضربته تأديبا وأن الضرب علة للتأديب.

وإنما قلنا ذلك ؛ لأنه لا يطرد في نحو : قعدت جبنا ، وجعل المفعول له علة لمضمون عامله يطرد ، لأن التأديب علة حاملة على الضرب ، ولفظ «المفعول له» يؤذن بكونه علة ، لأن اللام في قوله «له» للتعليل ، وهي تدخل على العلة لا على المعلل ، نحو فعلت هذا لهذه العلة.

قوله : «خلافا للزجاج» ، مذهبه أنّ ما يسميه النحاة مفعولا له ، هو المفعول المطلق لبيان النوع ، وذلك لما رأى من كون مضمون عامل المفعول له ، تفصيلا وبيانا له ، كما في : ضربته تأديبا ، فان معناه : أدّبته بالضرب ، والتأديب مجمل ، والضرب بيان له ، فكأنك قلت أدبته بالضرب تأديبا ، ويصح أن يقال : الضرب هو التأديب ، فصار مثل : ضربت ضربا ، في كون مضمون العامل هو المعمول.

ولا يطرد له هذا في جميع أنواع المفعول له ، فان القعود ليس بيانا للجبن ، ولا يقال : قعوده جبن إلا مجازا ، وكذا قولك ؛ جئتك اصلاحا لحالك ، بالاعطاء أو النصح أو نحوه ، فان المجيء ليس بيانا للاصلاح ، بل بيانه الا عطاء أو النصح ، كما صرحت به.

ولعله يقدر في مثله : قعود جبن ومجيء اصلاح على حذف المضاف وهو تكلف.

قال المصنف ردّا على الزجاج : معنى ضربته تأديبا : ضربته للتأديب اتفاقا ، وقولك : للتأديب ، ليس بمفعول مطلق ، فكذا «تأدييبا» الذي بمعناه.

٥٠٨

وفي الرد نظر ، وذلك أن «ضرب تأديب» ، أيضا ، يفيد معنى «التأديب» مع أن الأول مفعول مطلق اتفاقا دون الثاني ؛ وأيّ منع في أن يتفق في المعنى المقصود : المختلفان في الاعراب ، ألا ترى أن معنى : جئت راكبا ، جئت وقت ركوبي ، والأول حال ، والثاني مفعول فيه.

والجرمي يقول : ان ما يسمّى مفعولا له منتصب نصب المصادر التي تكون حالا ، فيلزم تنكيره ؛ ويقدر نحو قوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ)(١) محاذرين الموت ، لتكون الاضافة لفظية.

ولا يطرد له ذلك في نحو قوله :

١٦٩ ـ مخافة ، وزعل المحبور

والهول من تهور الهبور (٢)

إلا أن يجعلهما مصدرين للحالين المقدّرين قبلهما ، أي : زعلا زعل المحبور ومهولا الهول ، على ما هو مذهب الفارسي في : فعلت جهدك ووحدك ، على ما يجيء في باب الحال.

ومذهب البصريين أولى من الباقيين ، لسلامته من الحذف والتقدير اللازمين لغيره.

شرط نصب المفعول له

قال ابن الحاجب :

«وشرط نصبه تقدير اللام ، وإنما يجوز حذفها إذا كان»

«فعلا لفاعل الفعل المعلّل ومقارنا له».

__________________

(١) الآية ١٩ من سورة البقرة.

(٢) هذا من أرجوزة للعجاج تقدم منها الشاهد رقم ٩٩ في صحيفة ٣٤٢ وهو قوله أول الأرجوزة :

جاري لا تستنكري عذيري

سيري واشفاقي على بعيري

وسيأتي ذكر الشاهد الذي هنا قريبا ومعه شطر زائد.

٥٠٩

قال الرضى :

يعني أن تقدير اللام شرط انتصاب المفعول له ، لا شرط كون الاسم مفعولا له ، فنحو : للسّمن ، ولإكرامك الزائر ، في قولك : جئتك للسمن ولا كرامك الزائر ، عنده (١) ، مفعول له على ما يدل عليه حدّه ، وهذا كما قال في المفعول فيه : إن شرط نصبه تقدير «في».

وما ذهب إليه في الموضعين ، وإن كان صحيحا من حيث اللغة ، لأن السّمن فعل له المجيء ، لكنه خلاف اصطلاح القوم ، فإنهم لا يسمّون المفعول له ، إلا المنصوب الجامع للشرائط ، فحدّه الصحيح هو : المصدر المقدر باللام المعلل به حدث شاركه في الفاعل والزمان.

ومعنى تشاركهما في الفاعل أن يقوما بشيء واحد كقيام الضرب والتأديب في : ضربته تأديبا ، بالمتكلم ؛ وتشاركهما في الزمان بأن يقع الحدث في بعض زمان المصدر ، كجئتك طمعا ، وقعدت عن الحرب جبنا ، أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر ، نحو حبستك خوفا من فرارك ، أو بالعكس نحو : جئتك إصلاحا لحالك ، وشهدت الحرب إيقاعا للهدنة بين الفريقين (٢).

فإذا كان الحدث المعلّل تفصيلا وتفسيرا للمصدر المجمل ، كما في ضربته تأديبا ، وأعطيته ، مكافأة (٣) ، فليس ههنا حدثان في الحقيقة حتى يشتركا في زمان بل هما في الحقيقة حدث واحد ، لأن المعنى : أدبته بالضرب ، وكافأته بالإعطاء ، فالضرب هو التأديب والاعطاء هو المكافأة ، والعلة ههنا في الحقيقة ، ليس هذا المصدر المنصوب ، لأن الشيء لا يكون علة نفسه ، بل هي أثره ، أي ضربته لتأدّبه ، لكن لو صرحت بما هو العلة أعني

__________________

(١) عنده أي عند المصنف : ابن الحاجب.

(٢) أشار الجرجاني هنا إلى اختلاف في النسخ وأورد جملة طويلة قال انها في بعض النسخ وهي لا تختلف في مضمونها عما هنا وتزيد عنها اعادة لبعض ما تقدم وتكرارا للكثير مما أثبتناه. فكان الأفضل الابقاء على النص المطبوع.

(٣) مكافأة مصدر ذكر للتعليل وليس مفعولا به.

٥١٠

التأدّب ، لم ينتصب عند النحاة لعدم المشاركة في الفاعل وفي الزمان ، إذ ربّما لا يحصل هذا الأثر ، فكيف يشارك الضرب في الزمان ، كما قال ابن دريد :

١٧٠ ـ والشيخ إن قوّمته من زيغه

لم يقم التثقيف منه ما التوى (١)

وإنما نصبت هذا المصدر لتضمنه العلة الحقيقية ومشاركته للحدث في الفاعل والزمان ، إذ هو كما بيّنا.

وبعض النحاة لا يشترط تشاركهما في الفاعل ، وهو الذي يقوي في ظني وإن كان الأغلب هو الأول ، والدليل على جواز عدم التشارك قول أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه في نهج البلاغة : «فأعطاه الله النظرة (٢) استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبليّة» ؛ والمستحق للسخطة إبليس والمعطى للنظرة هو الله تعالى ؛ ولا يجوز أن يكون استحقاقا حالا من المفعول ، لأن «استتماما» إذن ، يكون حالا من الفاعل ، وكذا «إنجازا للعدة» (٣) ، ولا يعطف حال الفاعل على حال المفعول.

وكذا قول العجاج :

يركب كل عاقر جمهور

مخافة وزعل المحبور (٤)

والهول من تهور الهبور ـ ١٦٩

__________________

(١) ليس المقصود به الاستشهاد ، وإنما هو لتأييد المعنى الذي أشار إليه بقوله : إذ ربما لا يحصل هذا الأثر ، وهذا البيت من مقصورة الإمام اللغوي أبي بكر بن دريد صاحب الجمهرة واسمه محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، انهى السيوطي في البغية نسبه إلى يعرب بن قحطان من علماء القرن الثالث. وهو أحد الأئمة المتقدمين في اللغة. وبيت الشاهد من قصيدة مقصورة له مدح بها الأمير أبا العباس اسماعيل الميكالي حاكم نيسابور وضمنها كثيرا من الحكم ، توفي سنة ٣٢١ ه‍.

(٢) أي الانتظار والبقاء إلى يوم القيامة تحقيقا لطلبه في قوله الذي حكاه الله عنه : رب انظرني.

(٣) هو من تمام الكلام الذي نقله عن نهج البلاغة. وهذا الكلام من خطبة طويلة في نهج البلاغة فيها حديث عن خلق السموات والأرض وخلق آدم ، وما حدث من ابليس ، وهي في الجزء الأول ص ٢١ طبعة الحلبي سنة ١٩٦٣ اخراج محمد أبو الفضل.

(٤) تقدم الشطران الثاني والثالث قبل قليل. وكما تقدم هو من أرجوزة العجاج التي أولها : جاري لا تستنكري عذيري ...

٥١١

فان الهول بمعنى الافزاع لا الفزع ، والثور ، ليس بمفزع بل هو فزع.

وكذا أجاز أبو عليّ عدم المقارنة في الزمان ، وذلك أنه قال في التذكرة (١) على القراءة الشاذة : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(٢) ؛ بنصب «صدقهم» ؛ إن معناه : لصدقهم في الدنيا.

قوله : «ولا يجوز حذفها» ، أي حذف اللام.

قوله : «إذا كان فعلا لفاعل الفعل المعلّل» ، أي إذا كان المفعول له فعلا لفاعل الفعل الناصب له وهو الفعل المعلّل بالمفعول له ، أي إذا اشتركا في الفاعل على ما ذكرنا.

واقتصر المصنف على شرطين مما شرط في المفعول له ، فلم يشترط كونه مصدرا ، لدخوله في قوله : فعلا لفاعل الفعل المعلّل ، ولم يشترط كونه بتقدير اللام ، وجواب «لمه» ، وألّا يكون (٣) من غير لفظ الفعل لأنه قد علم ذلك من الحدّ.

وشرط بعضهم كونه من أفعال القلب (٤) ، قال لأنه الحامل على إيجاد الفعل والحامل على الشيء متقدم عليه ، وأفعال الجوارح ، كالضرب والقتل تتلاشى ولا تبقى حتى تكون حاملة على الفعل ، وأما أفعال الباطن كالعلم والخوف والإرادة فانها تبقى.

والجواب أنه إن أراد وجوب تقدم الحامل وجودا فممنوع ، وإن أراد وجوب تقدمه ، إما وجودا أو تصوّرا فمسلم ، ولا ينفعه ، وينتقض ما قال بجواز نحو : جئتك إصلاحا لأمرك ، وضربته تأديبا اتفاقا.

فان قال : هو بتقدير حذف مضاف ، أي إرادة اصلاح وإرادة تأديب ؛ قلنا :

__________________

(١) أحد مؤلفات أبي علي الفارسي.

(٢) الآية ١١٩ من سورة المائدة.

(٣) هكذا في المطبوعة والصواب : والّا يكون من لفظ الفعل ، أو ما يؤدي هذا المعنى.

(٤) يراد من أفعال القلب وأفعال القلوب في هذا الباب : الأفعال الدالة على أمور معنوية لا على أمور علاجية كما يتبين من شرحهم وتمثيلهم.

٥١٢

فجوّز ، أيضا ، جئتك اليوم اكراما لك غدا ، بتقدير المضاف المذكور ، بل جوّز : جئتك سمنا ولبنا.

فظهر أن المفعول له هو الظاهر ، لا المقدر المضاف ؛ فنقول : المفعول له على ضربين : إما أن يتقدم وجوده على مضمون عامله ، نحو قعدت جبنا ، فهو من أفعال القلوب ، كما قالوا ، وإما أن يتقدم على الفعل تصورا أي يكون غرضا ، ولا يلزم كونه فعل القلب ، نحو : ضربته تقويما ، وجئته اصلاحا.

قال المصنف : وإنما شرط لجواز حذف اللام الشرطان المذكوران لأن علة الأفعال كثيرا ما تجيء جامعة للشرطين ، فصارت مع الشرطين ظاهرة مشهورة في العلية ، والغرض أن يكون هناك ما يدل على اللام المقدرة المفيدة للعلية ؛ وحصول الشرطين دليل عليها.

ويعزى إلى الرياشي (١) وجوب تنكير المفعول له لمشابهته للحال والتمييز.

وبيت العجاج (٢) قاض عليه ، وكذا قول حاتم :

١٧١ ـ وأغفر عوراء الكريم ادخاره

وأعرض عن شتم اللئيم تكرما (٣)

وكذا قوله تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ)(٤).

وقال الجزولي (٥) : إذا انجرّ باللام وجب تعريفه ، فلا يقال جئتك لا كرام لك ، ومنعه الأندلسي (٦) ، وقال لا أرى منه مانعا.

__________________

(١) هو أبو الفضل العباس بن الفرج ، ولقبه (الرياشي) سرى إليه من أبيه الذي كان مولى لرجل (اسمه رياش) وهو من متقدمي النحاة من طبقة الجرمي والمازني ، مات مقتولا في سنة ٢٥٧ ه‍.

(٢) وهو قوله مخافة وزعل المحبور والهول من تهور الهبور وتقدم في هذا الباب.

(٣) هذا البيت من قصيدة طويلة لحاتم الطائي تحدث فيها عن الكرم وكثير من مكارم الأخلاق التي يتحلى بها الإنسان. وآخرها قوله :

فذلك أن يهلك فحسنى ثناؤه

وان عاش لم يقعد ضعيفا مدمّما

(٤) الآية ١٩ من سورة البقرة ، وتقدمت قبل قليل.

(٥) الجزولي والأندلسي تقدم ذكرهما كثيرا.

(٥) الجزولي والأندلسي تقدم ذكرهما كثيرا.

٥١٣

وقال ابن جعفر (١) ، إنه في حال تنكيره يشبه الحال والتمييز في كون البيان بنكرة فوجب انتصابه مثلهما ، والظاهر جواز ذلك ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا)(٢) ، والباء للسبببية هنا كاللام.

قال المالكي (٣) : إذا حصل الشرائط فجر المقترن بلام التعريف أكثر من نصبه ، والمجرد بالعكس ويستوي الأمران في المضاف ؛ هذا قوله والأولى أن يحال ذلك على السماع ، ولا يعلّل.

__________________

(١) ابن جعفر ، لم يزد الرضى في النقل عنه عن قوله ابن جعفر. وقد ترجم السيوطي في بغية الوعاة لعدد ممن يطلق عليهم ابن جعفر ، وكلهم متقدمون على الرضى ولكن أشهرهم الذي يمكن أن يكون مقصودا هو محمد بن جعفر بن أحمد ... الأنصاري المرسي البلشي الأصل ، مقرئ نحوي جليل توفي بمرسية سنة ٥٨٦ ه‍.

(٢) الآية ١٦٠ من سورة النساء.

(٣) فيما تقدم من هذا الجزء رجحنا أن المراد بالمالكي هو الإمام ابن مالك صاحب الألفية. وما نقله الرضى هنا منسوبا إلى المالكي يرجح ما تقدم من جهة أن هذا الذي نقله من احكام المفعول لأجله منسوب إلى ابن مالك ولم يقل أحد بنسبته إلى غيره وتكاد عبارة الرضى هنا تطابق قول ابن مالك في الألفية : وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل الخ. بل إن عبارته في التسهيل مطابقة لما نقله الرضى هنا تماما.

٥١٤

المفعول معه

قال ابن الحاجب :

«المفعول معه هو المذكور بعد الواو لمصاحبة معمول فعل»

«لفظا ، أو معنى».

قال الرضى :

قوله : «لمصاحبة معمول فعل» ، احتراز عن نحو «ضيعته» في : كل رجل وضيعته ، فانها مصاحبة لكل رجل (١) ، لأن الواو بمعنى «مع» ، ويعني بالمصاحبة كونه مشاركا لذلك المعمول في ذلك الفعل في وقت واحد ، فزيد ، في : سرت وزيدا ، مشارك للمتكلم في السير في وقت واحد ، أي وقع سيرهما معا ، وفي قولك : سرت أنا وزيد ، بالعطف ، ، يشاركه بالعطف في السير ، لكن لا يلزم كون السّيرين في وقت واحد.

وشرط بعضهم أن يكون معمول الفعل الذي يصاحبه المفعول معه ، فاعلا ، كما في : سرت وزيدا ، نظرا إلى أن «عمرا» في قولك : ضربت زيدا وعمرا ، معطوف اتفاقا ، لا مفعول معه.

__________________

(١) أي وليس معمولا لفعل ، لأنه مبتدأ ، وقيد بعضهم خروج مثله بما إذا قدر الخبر مثنى. وقال انه إذا قدر منفردا كما يقال كل رجل موجود وضعيته فانه يجوز نصب ما بعد الواو مفعولا معه ، وسيأتي ذلك في آخر الباب.

٥١٥

وينتقض ما قاله بنحو : حسبك وزيدا درهم ، فان الكاف مفعول في المعنى ، إذ المعنى : يكفيك ؛ وأمّا تعيّن «عمرا» في المثال المذكور للعطف ، فلأن أصل الواو التي قبل المفعول معه هو العطف ، وإنما يعدل ما بعدها عن العطف إلى النصب ، نصّا على المعنى المراد ، من المصاحبة ، لأن العطف في : جاءني زيد وعمرو ، يحتمل تصاحب الرجلين في المجيء ، ويحتمل حصول مجيء أحدهما قبل الآخر ، والنصب نص في المصاحبة ، وفي قولك : ضربت زيدا وعمرا ، لا يمكن التنصيص بالنصب على المصاحبة ، لكون النصب في العطف الذي هو الأصل أظهر.

* * *

٥١٦

أحكام المفعول معه

قال ابن الحاجب :

«فإن كان الفعل لفظا ، وجاز العطف ، فالوجهان مثل :»

«جئت أنا وزيد ، وزيدا ، وإن لم يجز العطف نعيّن النصب ،»

«نحو : جئت وزيدا ؛ وإن كان معنى وجاز العطف تعيّن ،»

«نحو : ما لزيد وعمرو ، وإلا تعيّن النصب ، نحو : مالك»

«وزيدا ، وما شأنك وعمرا ، لأن المعنى : ما تصنع».

قال الرضى :

اعلم أن مذهب جمهور النحاة (١) ، أن العامل في المفعول معه : الفعل أو معناه بتوسط الواو التي بمعنى «مع» وإنما وضعوا الواو موضع «مع» في بعض المواضع لكونه أخصر لفظا ، وأصل هذه الواو : واو العطف الذي فيه معنى الجمع ، كما يجيء في بابه فناسب معنى المعيّة أن قالوا : لا يتقدم المفعول معه على ما عمل في صاحبه اتفاقا ، فلا يقال : والخشبة استوى الماء ، كما يتقدم سائر المفاعيل على عاملها ؛.

__________________

(١) يريد جمهور البصريين كما جاء في بعض النسخ التي أشار إليها الجرجاني.

٥١٧

وجوّز أبو الفتح (١) تقدمه على المعمول المصاحب ، تمسكا بقوله :

١٧٢ ـ جمعت وفحشا غيبة ونميمة

ثلاث خلال لست عنها بمرعوي (٢)

والأولى المنع ، رعاية لأصل الواو ، والشعر ضرورة.

وقال الكوفيون : هو منصوب على الخلاف فيكون العامل معنويا كما قلنا في الظرف الواقع خبر المبتدأ.

والأولى إحالة العمل على العامل اللفظي ما لم يضطر إلى المعنوي.

وقال الزجاج هو منصوب باضمار فعل بعد الواو ، كأنك قلت : جاء البرد ولابس الطيالسة (٣) ، أو صاحبها ؛ وكذا في غيره. والاضمار خلاف الأصل.

وقال عبد القاهر ، هو منصوب بنفس الواو ؛ والأولى رعاية أصل الواو في كونها غير عاملة ، ولو نصبت بمعنى «مع» مطلقا ، لنصبت في : كل رجل وضيعته ؛ وقال الأخفش نصبه نصب الظروف وذلك أن الواو لما أقيمت مقام المنصوب بالظرفية (٤) ، والواو في الأصل حرف فلا تحتمل النصب ، أعطى النصب ما بعدها عاريّة ، كما أعطى ما بعد «الا» إذا كانت بمعنى «غير» اعراب نفس «غير».

__________________

(١) أي ابن جني ، وتكرر ذكره.

(٢) من قصيدة ليزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي يذكر فيها سوء عشرة أخيه (عبد ربه بن الحكم) ويتحدث عن مقابلته لهذه المعاملة بالصفح والتجاوز وأولها :

تكاشرني كرها كأنك ناصح

وعينك تبدي أن صدرك لي دوى

ومنها :

وكم موطن لولاي طحت كما هوى

بأجرامه من قلة النيق منهوى

وهذا أحد الشواهد النحوية على استعمال «لو لا» حرف جر.

(٣) أصل المثال : جاء البرد والطيالسة ، والطيالسة جمع طيلسان.

(٤) وهو لفظ «مع».

٥١٨

ولو كان كما قاله لجاز النصب في كل (١) واو بمعنى «مع» مطردا ، نحو : كل رجل وضيعته.

قوله : «فان كان الفعل لفظا وجاز العطف فالوجهان» ، هذا أولى مما قال عبد القاهر في نحو : قام زيد وعمرو ، إنه لا يجوز فيه إلا العطف ، ولعلّه قال ذلك لأنه (٢) مخالفة للأصل الذي هو العطف لا لداع.

وهو ممنوع ، لأنّ ههنا داعيا ، وهو النص على المصاحبة.

وقوله : «جئت أنا وزيد وزيدا» مثل قام زيد وعمرو ؛ بل كان ينبغي أن يكون العطف في : جئت أنا وزيد ، عند عبد القاهر أوجب ، وذلك أن توكيد المرفوع المتصل بالمنفصل في الأغلب للعطف (٣).

وهل يشترط في نصب الاسم على أنه مفعول معه جواز عطفه من حيث المعنى على مصاحبه ؛ قال الأخفش : نعم ، فلا يجوز : جلس زيد والسارية ، إذ لا يسند الجلوس إلى السارية ، وكذا لا يجوز ضحك زيد وطلوع الشمس ، وإنما ذلك عنده مراعاة لأصل الواو في العطف ، وأجازه غيره استدلالا بقولهم ما زلت أسير والنيل ، ولا يقال : سار الماء ، بل جرى.

وله (٤) أن يقول ، ان ذلك لاستعارة السير لجري النيل ، لما اقترن بما يصح منه السير ، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(٥) وقريب منه قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ)(٦) ؛ أو

__________________

(١) أي في كل ما يقع بعدها وفي التعبير تسامح.

(٢) أي لأنّ النصب الذي لم يجوّزه عبد القاهر.

(٣) أي لتصحيح العطف ، على الضمير المتصل المرفوع.

(٤) وله أي وللأخفش الذي يشترط جواز العطف من جهة المعنى.

(٥) الآية ١٥ من سورة الرعد.

(٦) الآية ٤٥ من سورة النور.

٥١٩

على حذف «جرى» من المعطوف ، كقوله :

١٧٣ ـ علفتها تبنا وماء باردا (١)

أي وسقيتها ماء ، وقيل : لا يجوز العطف في : استوى الماء والخشبة أيضا ، لأن «استوى» ههنا ليس بمعنى استقام ، بل بمعنى ارتفع ، كما في قوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى)(٢) ، وله أن يجوز العطف في هذا المثال ، أيضا ، ويقول : استوى : ههنا بمعنى تساوى ، لا بمعنى استقام ، ولا بمعنى ارتفع ، والمعنى : تساوى الماء والخشبة في العلوّ ، أي وصل الماء إلى الخشبة فليست الخشبة أرفع من الماء ، والخشبة ههنا مقياس يعرف به قدر ارتفاع الماء ، وقت زيادته.

ولا يجوز النصب في قولك : أنت أعلم ومالك ، لأنك لا تقصد به مصاحبة المخاطب في العلم لماله ؛ والتقدير الأصلي فيه : أنت أعلم بحال مالك فأنت ومالك ، ثم خفف بحذف معمول أعلم ، وحذف المبتدأ المعطوف عليه مالك ، لقيام القرينة على كلا المحذوفين.

ويقرب من ذلك حذف الجزء الثاني من المركب المضاف والجزء الأول من المركب المضاف إليه ، نحو : ثالث عشر ، في : ثالث عشر ثلاثة عشر على ما يأتي في باب العدد ؛ وقولنا فأنت ومالك ؛ مثل : كل رجل وضيعته ، أي : فأنت ومالك مقترنان ، والمعنى : أنا لا أدخل بينك وبين مالك ولا أشير عليك بما يتعلق بإصلاحه فأنت أعلم بما يصلحه ،

ومثله قولهم : أنت أعلم وربك (٣) ، وهذا يستعمل في التهديد ، أي أنت أعلم بربك ، فلعلّ اجتراءك عليه لما علمت من ترك مكافأته للمجرمين ، تعالى عنه ، فأنت وربك ، أي أنتما مقترنان ، فأنا لا أدخل بينكما ، ولا أدعوه عليك فإنه حسبك ؛ وهذا المعنى أبلغ ما يكون في باب التهديد والتخويف.

__________________

(١) ورد هذا الشاهد بصورتين : فقد ورد قبله : لما حططت الرحل عنها واردا ، وورد بعده في بعض الكتب : حتى غدت همالة عيناها. ولم ينسبه أحد في كل من الحالتين وهو بالصورة الأولى وارد في زيادات ديوان ذي الرمة بين الأبيات التي نسبت إليه ؛ ديوان ذي الرمة المطبوع في «كمبريج» سنة ١٩١٩ م.

(٢) الآية ٦ من سورة النجم.

(٣) انظر سيبويه ج ١ ص ١٥٤.

٥٢٠