شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

ما يحذف

من المرخم

قال ابن الحاجب :

«فإن كان في آخره زيادتان في حكم الواحدة كأسماء. ومروان ،»

«أو حرف صحيح قبله مدة وهو أكثر من أربعة أحرف»

«حذفتا ؛ وإن كان مركبا حذف الإسم الأخير وإن كان غير»

«ذلك فحرف واحد».

قال الرضى :

قسمّ ما يحذف للترخيم ثلاثة أقسام ، وهو إمّا حرفان ، أو كلمة ، أو حرف واحد.

فحذف الحرفين في موضعين : أحدهما إذا كان في آخر الكلمة زيادتان في حكم الواحدة بمعنى أنهما زيدتا معا ، لا أنهما معا بمعنى واحد ، لأن كل واحدة في مسلمان وكذا في مسلمون ، بمعنى آخر (١) ، فلما زيدتا معا حذفتا معا ، وهاتان الزيادتان سبعة أصناف : زيادتا التثنية نحو : زيدان ، ويضربان علمين ، وزيادتا جمع المذكر السالم ، نحو : مسلمون ، ويسلمون ، علمين ، وزيادتا جمع المؤنث السالم نحو مسلمات ، وزيادتا نحو

__________________

(١) أي بمعنى غير معنى الحرف الآخر.

٤٠١

مروان وعثمان وندمان وخراسان ، وياء النسب وما أشبهها ، نحو كوفيّ وروميّ وكرسيّ ، وألفا التأنيث كصحراء وهمزة الإلحاق مع الألف التي قبلها كما في حرباء وعلباء.

قوله : «أسماء» هذا إذا جعلناها «فعلاء» من الوسامة ، أي الحسن ، على ما هو مذهب سيبويه ، لا أفعالا جمع اسم ، على ما هو مذهب غيره ، لأنه يكون ، إذن ، من باب عمّار (١) ، لا من باب حمراء ، ورجّح مذهب سيبويه بأن التسمية بالصفات أكثر منها بالمجموع ، ورجح مذهب غيره بأن قلب الواو المفتوحة همزة لم يأت إلا في «أحد» ، وأيضا لم يثبت في الصفات : أسماء بمعنى الجميلة ، ولا وسماء ، حتى يكون ، أسماء ، علما ، منقولا منه وعلى مذهب سيبويه إذا سميت به رجلا ، لم ينصرف لألفي التأنيث وعند غيره ينصرف لأنه مثل رباب ، إذا سمّي به رجل ، في كونه قبل تسمية المؤنث به مذكرا.

قوله : «أو حرف صحيح» ، كان عليه أن يقول : حرف صحيح غير تاء التأنيث قبله مدة زائدة ، وذلك لأنه لا يحذف في نحو : عفرناة وسعلاة ، إلا التاء وحدها ، وذلك لكونها كلمة واحدة وإن كانت على حرف ، فاكتفى بها ؛ وكذا إذا كانت المدة غير زائدة لم تحذف ، كما في مستماح ومستميح (٢) ؛ ونقل عن الأخفش جواز حذف المدة الأصلية أيضا ، والمشهور خلافه.

ونعني بالمدة : ألفا ، أو واوا ، أو ياء ساكنين ، ما قبلهما من الحركة من جنسهما ، فلا تحذف مع الحرف الأخير : الواو والياء المتحركتين في نحو : كنهور (٣) ، ومشريف (٤) ، لتحصينهما بالحركة وتقوّيهما بها ،.

ولا تحذفهما أيضا إذا لم يكن ما قبلهما من جنسهما، سواء كانا للالحاق نحو سنّور ،

__________________

(١) أي من النوع الذي فيه ألف زائدة قبل آخره الذي هو من بنية الكلمة.

(٢) الأول اسم مفعول والثاني اسم فاعل من : استماح ، بمعنى طلب الميح وهو العطية.

(٣) الكنهور السحاب العظيم.

(٤) شريف الزرع قطع ما طال منه فهو مشريف.

٤٠٢

وبرذون ، ملحقان بجردحل ، أو لم يكونا له ، كعلّيق (١) ، وقبّيط (٢) ، وذلك لمشابهتهما ، إذن ، للحروف الصحيحة ، بقلة المدة فيهما ، لأن المدّ في الأغلب لا يكون إلا في الألف ، والواو والياء اللتين حركة ما قبلهما من جنسهما.

وأمّا مذهب «ورش» (٣) في مدّ نحو : الموت ، والحسين ، وقفا فممّا انفرد به.

وإنما حذف الحرفان ههنا لأنه كان الأولى حذف المد الزائد ، لكن لما لم يكن آخرا ، والترخيم حذف الآخر ، لم يجز حذفه ، فلما حذف الحرف الأخير صار متطرفا فتبعه في السقوط.

ولو قال : يحذف حرفان فيما قبل آخره حرف مد وهو أكثر من أربعة لعمّ نحو عمّار ومروان ولكنه فصل هذا التفصيل تنبها على تخالف علتي الحذف في الصنفين ، كما ذكرنا.

قوله : «وهو أكثر من أربعة أحرف» ، إنما اشترط هذا ، لئلا يبقى بعد الحذف على حرفين.

والفراء يجيز حذف المد أيضا في نحو : سعيد ، وعمود ، وعماد ، لكن لا يوجبه كما في نحو : عمّار ومسكين ومنصور.

قوله : «وهو أكثر من أربعة أحرف» ، قيد في قوله ، أو حرف صحيح قبله مدة ، لا في قوله : «زيادتان في حكم الواحدة» ، لأن نحو : يدان ، ودمان ، وثبون ، وقلون (٤) ، ودمىّ : يرخم بحذف زيادتين للترخيم لأن بقاء الكلمة على حرفين فيه ، ليس لأجل الترخيم بل قبله كان كذلك كما قلنا في نحو : ثبة ، وشاة.

__________________

(١) العلّيق. نبت يتعلق بالشجر ، ويقال فيه العليّقي.

(٢) القبيط بتشديد الباء ويقال له أيضا القبيطي مقصورا مثل العليقي ، وهو نوع من الحلوى يسمونه الناطف.

(٣) ورش ، لقب عثمان بن سعيد المصري أحد راويي نافع بن عبد الرحمن الليثي أحد القراء السبعة ، وراوياه ورش وقالون ، توفي ورش سنة ١٩٧ ه‍ بمصر وتقدم ذكر قالون ونافع انظر ص ١٤٢ من هذا الجزء.

(٤) قلون جمع قلة محذوفة اللام وهي لعبة للصبيان تتخذ من العصيّ.

٤٠٣

وذهب الجرمى ، إلى منع حذف الحرفين في نحو : يدان وثبون ، ودمىّ ، والأول أولى.

وإنما لم يحذف زيادتا : ثبون ، لأنهما غيّرتا بناء الواحد ، فكأنه ليس جمع المذكر السالم ، وكأنه مثل ثمود.

وأجاز الفراء حذف الهمزة دون الألف في نحو : حمراء ، والمشهور حذف الزيادتين معا

وبعضهم يجوّز : يا حمراء بفتح الهمزة قياسا على ذي التاء في نحو قوله : «كليني لهم يا أميمة ناصب» (١) ، والوجه المنع لأن اختصاص ذي التاء بذلك لما ذكرنا من كثرة وقوع الترخيم فيه فعومل غير المرخم منه معاملة المرخم ، ولا كذلك ذو الألف.

وبعض الكوفيين يمنع من ترخيم المؤنث بالهمزة على لغة الضم ، لئلا يلتبس بالمذكر.

وكذلك لا يجيز بعضهم لمثله (٢) ترخيم المثنى وجمع المؤنث السالم على لغة الضم لئلا يلتبسا بالمفرد ، ولا يجيز ترخيم جمع المذكر السالم مطلقا ، وكذا لا يجوز ترخيم المنسوب مطلقا نحو زيديّ ، إذ لو ضم لالتبس بنداء المنسوب إليه ، ولو كسر لالتبس بالمضاف إلى الياء.

وهذا كما منع سيبويه من ترخيم نحو قائمة وقاعدة غير علم على لغة الضم أيضا ، لأن له مذكرا فيشتبه به ، وأما إذا كان علما ، فيجوز على لغة الضم أيضا ، إذ لا مذكر له ، إذن ، من لفظه فيلتبس به ، قال المصنف : الظاهر جواز الضم في نحو قائمة علما كان أو ، لا.

أقول : لا شك أن اللبس فيما قال سيبويه أغلب وأكثر ، لكونه غير علم ، بخلاف

__________________

(١) انظر ص ٣٩٢ من هذا الجزء.

(٢) أي لمثل ما تقدم من التعليل وهو خوف اللبس.

٤٠٤

ما ذكره غيره ، لأن جميعها مشروط بالعملية ، واشتهار المسمّى بعلمه مما يزيل اللّبس في الغالب.

ثم الحق ، أن كل موضع قامت فيه قرينة تزيل اللبس جاز ترخيم جميع ما ذكر ، على نية الضم (١) كان ، أو ، لا ، وإلا فلا.

والفرّاء يحذف الساكن أيضا في الاسم الذي قبل آخره ساكن ، نحو هرقل وسبطر (٢) ، على نية المحذوف ، لئلا يشبه الحرف نحو نعم وأجل.

وهو ضعيف ، لأن معنى نية المحذوف أن المحذوف كالملفوظ ، (٣) والكوفيون يحذفون في نحو حولا يا ، وبردرايا ، الأحرف الثلاثة ، أعني الألفين مع الياء التي بينهما كزيادة الجمع ، والبصريون يجتزئون بحذف الألف الأخيرة لتحصين الياء قبلها بحركتها من الحذف.

قوله : «وإن كان مركبا حذف الاسم الأخير» ، لما أريد حذف شيء منه وكان موضع اتصال الكلمتين كالمفصل ، والكلمتان كعظمتين متصلتين عنده ، فهو أقبل للفك من مفاصل (٤) المتصل بعضها ببعض ، لأنه قريب العهد بالالتئام بسبب التركيب العارض : حذف (٥) الجزء الأخير بكماله ، فإذا رخمت خمسة عشر قلت : يا خمسة أقبل ، وفي الوقف تقلب التاء هاء في اللغتين ولا تخلّيها تاء (٦) ، لأنها تلك التاء التي كانت في خمسة قبل أن يضمّ إليها عشر ، كما أنك لو سميت رجلا بمسلمتين قلت في الوقف يا مسلمه بالهاء ؛ لأن التاء تطرفت لفظا ، ولا يوقف على تاء التأنيث (٧) إلا في بعض اللغات.

__________________

(١) يقصد على كل من اللغتين في المرخم لغة من ينوي المحذوف ، ولغة من لا ينويه ، والعبارة هكذا في النسخ المطبوعة.

(٢) هرقل اسم ملك الروم ، وسبطر أي ممتد أو طويل.

(٣) أي فالشبه بالحرف موجود.

(٤) أي من مفاصل الكلمات المتصل بعضها ببعض.

(٥) جواب قوله : لما أريد حذف شيء منه.

(٦) أي لا تبقها تاء.

(٧) أي ببقائها تاء من غير ابدال.

٤٠٥

قالوا : فإذا رخمت اثنا عشر واثنتا عشرة ، واثني عشر واثنتي عشرة ، حذفت «عشر» مع الألف والياء ، لأن «عشر» بمنزلة النون المحذوفة ، فكأنك ترخم : اثنان ، واثنتان ، واثنين واثنتين (١) ، ومن ثمّ لا ئضاف اثنا عشر ، كما يضاف ثلاثة عشر وأخواتها ، كما يجيء في باب المركب ؛ قال المصنف : فيه نظر من جهة أن الثاني اسم برأسه ، ولا يلزم من معاقبته للنون حذف الألف معه ، حذفها (٢) مع النون.

قوله : «وإن كان غير ذلك فحرف واحد» ، أي غير ما حذف منه حرفان وهو ذو زيادتين في حكم الواحدة ، وذو حرف صحيح غير التاء قبله مدة زائدة ، وغير ما حذف منه كلمة ، وهو المركب.

* * *

حكم آخر المرخم

بعد الحذف

قال ابن الحاجب :

«وهو في حكم الثابت على الأكثر ، فيقال : يا حار»

«ويا ثمو ، ويا كرو ، وقد يجعل اسما برأسه فيقال»

«يا حار ويا ثمي ويا كرا»؟

قال الرضي :

أي المحذوف للترخيم في حكم ما ثبت ، فبقي الحرف الذي صار آخر الكلمة بعد الترخيم على ما كان عليه ؛ وكان القياس أن يكون جعل ما بقي بعد الترخيم اسما برأسه هو (٣)

__________________

(١) أي بحسب صورته الاعرابية قبل الترخيم.

(٢) أي مثل حذفها مع النون.

(٣) خبر يكون ، في قوله وكان القياس أن يكون.

٤٠٦

الأكثر ، لأن المعلوم من استقراء كلامهم أن المحذوف لعلة موجبة قياسية كما في عصا وقاض ؛ في حكم الثابت فلذا بقي ما قبل المحذوف من الحرف على حركته ، وأن المحذوف لا لعلة موجبة قياسية ، كأن لم تفن بالأمس (١) ، فلذا صار ما قبل المحذوف في نحو غد ، ويد ، ودم معتقب الاعراب ، وذلك لأنهم لو قصدوا كونه كالثابت لم يحذفوه لا لعلة موجبة.

لكن لما كان (٢) الترخيم لعلة قياسية مطردة قريبة من الإيجاب لطلبهم التخفيف في النداء بأقصى ما يمكن حتى فعلوا بالمضاف إلى ياء المتكلم الذي فيه أدنى ثقل ، لكونه في صورة المنقوص ، ما رأيت (٣) ، وفي نحو : يا زيد بن عمرو ، ما هو المشهور من فتح الضم ، وذلك لما قدمنا من أن النداء مع كثرته في الكلام ليس مقصودا بالذات ، بل هو لتنبيه المخاطب ليصغي إلى ما يجيء بعده من الكلام المنادى له ، فصار حذف الترخيم مطردا كالواجب فعومل المرخم في الأغلب معاملة نحو عصا وقاض مما الحذف فيه مطرد واجب.

ومن جعله اسما برأسه نظر إلى أنه ، وإن كان قياسيا مطردا لكنه ليس بواجب.

فإذا كان المحذوف منويّ الثبوت ، لم يغيّر ما بقي إلا في مواضع بعضها مختلف فيه وبعضها متفق عليه ، فمنها : اسم أزال الترخيم سبب حذف حرف لين منه ، قال الجمهور في نحو : أعلون ، وقاضون ، على هذه اللغة : يا أعلى ويا قاضي برجوع الألف والياء ، لأنه زال ، في اللفظ ، الساكن الأخير الذي حذفا له ؛ وقال المصنف ، ونعم ما قال ، لو قيل يا أعل ويا قاض في هذه اللغة ، لم يبعد ، لأن الساكن الأخير كالثابت لفظا.

ولا خلاف في ردّ الألف والياء في اللغة القليلة أي لغة الضم لزوال الساكنين لفظا وتقديرا.

ومنها اسم يبقى بعد المحذوف منه حرف أصلي السكون كان مدغما في ذلك المحذوف وقبله ألف ، نحو : أسحارّ (٤) ، بفتح الهمزة وكسرها والكسر أكثر ، وهو نبت ، فسيبويه

__________________

(١) أي يكون محذوفا نسيا منسيا. كما يعبر الرضى في مثله.

(٢) هذا تعليل لمخالفتهم ما كان يجب أن يكون هو القياس والأكثر.

(٣) من الأوجه السابقة في المنادى المضاف لياء المتكلم.

(٤) أسحارّ بكسر الهمزة ، ويؤنث بالتاء ، ونفتح الهمزة أيضا : بقلة تأكلها الدواب فتسمن.

٤٠٧

يتبع الحرف الساكن ما قبله من الفتحة والألف فيقول : يا أسحار بالفتح ، لأنه التقى ساكنان ففتح الأخير اتباعا لما قبله ، كما في قوله :

١٤١ ـ عجبت لمولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان (١)

وقولهم : انطلق في تخفيف : انطلق ، وذلك لأنه لما تصرّف فيه بعد الترخيم بضم رائه على الاستقلال ، شابه الفعل الذي هو الأصل في التصرف ، فحرك بالفتح لإزالة الساكنين ، دون الكسر ، إتباعا لما قبله كما أتبع في الفعل وصيانة له من الكسر ما أمكن ، نحو لم يلده ، وانطلق ، ولم يضارّ بالفتح على الوجه المختار.

وغير سيبويه يجيز في نحو : أسحار مرخما : الكسر أيضا للساكنين على حاله ، على هذه اللغة ، أي الكثيرة ، كما في هرق.

والفراء يحذف الراء الأولى ، أيضا ، في أسحار مع الألف قبلها ؛ والساكن المدغم في نحو إرزبّ ، بناء على أصله في هرق ، فأما إذا لم يكن المدغم أصليّ السكون فإنه يرد إلى حركته إن لزم ساكنان اتفاقا منهم ، تقول في المسمّى بتحابّ (٢) : يا تحاب ، وفي رادّ ، يا راد وفي مضارّ اسم مفعول : يا مضار ، وإن لم يلزم ساكنان فالنحاة يبقون الساكن على سكونه إذ المدغم فيه كالثابت.

__________________

(١) الشاهد في قوله لم يلده ، بفتح الياء وسكون اللام وفتح الدال وأصله يلده مضارع ولد. مجزوما بلم فلما سكنت اللام حركت الدال بالفتح ، وروي : ألا ، رب مولود. وهذا أحد أبيات ثلاثة ، أراد بهذا منها : آدم ، وعيسى عليهما السّلام ، فان عيسى لا أب له وآدم ذو أولاد ولم يلده أبوان. ومن عجب أن البغدادي نقل خلافا في المراد بالشطر الثاني وقال ان بعضهم يقول ان المراد به البيضة وأطال الرد عليهم .. ويريد بالبيتين الباقيين القمر : وهما قوله :

وذي شامة سوداء في حرّ وجهه

مخلّدة لا تنقضي لأوان

ويكمل في خمس وتسع شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان

وقال البغدادي ان هذه الأبيات لرجل من أزد السراة. وما أشبه هذه الأبيات بأبيات الألغاز .. وقد أورد سيبويه بيت الشاهد أيضا في ج ١ ص ٣٤١ ، لمثل ما استشهد له الرضى.

(٢) أي الفعل الماضي من وزن تفاعل من الحب.

٤٠٨

والفراء يردّ الساكن إلى أصل حركته ، لأنه لا يرى ، كما ذكرنا ، سكون الحرف الأخير في الترخيم ، فيقول : يا محمر بكسر الراء ، ويا مقر بسكون القاف وبفتح العين في مقرّ ، ولا يحذف الحرف الساكن كما في نحو خدبّ ، لأنه قادر على إزالة سكون الأخير بغير الحذف ، وذلك بأن يردّه إلى أصله ، ولم يمكن ذلك في خدبّ ، إذ لم يكن للساكن أصل في الحركة.

وما ذهب إليه الفراء من ردّ المدغم إلى أصل حركته قياس مذهب الجمهور في قولهم يا قاضي ويا أعلى في المسمّى بقاضون وأعلون ، إلا أن الفارسيّ فرق بينهما بأن للياء في قاضي أصلا في الثبوت في بعض المواضع نحو رأيت قاضيا ، وقاضية ، بخلاف الكسر في محمّر ، فإنه لم يثبت في موضع من المواضع.

ومنها نحو ثمود ، فإنه يجوز عند الجمهور جعل المحذوف منوي الثبوت بعد حدف الدال فقط ، فتقول : يا ثمو ، لأن الواو في التقدير ليس آخر كلمة ، ومنع الفراء من ذلك ، لأن الواو في الظاهر آخر الكلمة وقبلها ضمة ، وهذا كما قال في ترخيم هرقل على نية المحذوف إنه لا يجوز إبقاء الحرف الساكن لئلا يشبه الحرف ، قال فإذا قصدت جعل حرف (١) محذوف ثمود في حكم الثابت حذفت الواو أيضا ، بناء على مذهبه من تجويز : يا عم وياسع ويا عم في ترخيم عمود وسعيد وعماد ، كما مرّ.

وإذا جعل المرخم اسما برأسه ضمّ ما قبل المحذوف لفظا إن كان صحيحا أو في حكمه ، نحو : يا حار ، ويا مرو ويا قري ، في حارث ومروة وقرية ، وتقديرا إن كان ياء مكسورا ما قبلها ، أو ألفا ، نحو : يا قاضي ويا مشترا ، في قاضية ومشتراة.

وإن كان واو بعد ضمة كما في قلنسوة ، وثمود ، أبدلت الواو ياء والضمة كسرة ، نحو : يا قلنسي ويا ثمى ، وفي الكثيرة قلت يا ثمو ، ويا قلنسو ، لأنه لم يأت في كلام العرب اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة إلا وتقلب الواو ياء والضمة كسرة ، نحو التغازي

__________________

(١) كلمة «حرف» لا لزوم لها والكلام بدونها مستقيم ومؤدّ إلى المقصود.

٤٠٩

والأدلى (١) ، لما يجيء في التصريف في باب الإعلال ، والمنادى في حكم المتمكن لعروض بنائه.

وإن كان ما قبل المحذوف ياء ، أو واوا بعد فتحة قلبتها ألفا ؛ تقول في : غليان ونزوان : يا غلي ، ويا نزا ، وفي الكثيرة يا غلي ويا نزو لأنك إذا نويت المحذوف لم يوازنا الفعل تقديرا حتى تقلب ألفا بخلاف ما إذا لم تنوه ، كما يجيء في التصريف (٢) إن شاء الله تعالى.

وإن كان واوا ، أو ياء بعد ألف زائدة ، قلبت همزة ، نحو يا شقاء ويا خزاء في شقاوة وخزاية (٣) ، وفي الكثيرة يا شقاو ويا خزاي ، لأن كل واو أو ياء تطرفت بعد ألف زائدة قلبت ألفا ثم همزة ، كما في رداء وكساء ، لأنّ (٤) مثل هذه الواو والياء إنما تقلبان ألفا ثم همزة إذا تطرفتا ، كما يجيء في التصريف.

وإن كان ما قبل المحذوف ثاني الكلمة وهو حرف لين ، فإن عرفت ما حذف من الأصول رددته ، لاما كان كياشاه في ترخيم شاة ، أو فاء ، كما تقول في ترخيم : شية ، ودية :

يا وشي ويا ودي ، يرد العين إلى سكونها عند الأخفش ، ويا وشي ويا ودي بإبقاء حركة العين عند سيبويه ، والأول أولى ، لأن تحريك العين ، إنما كان لحذف الفاء ، كما يجيء في باب النسب ؛ فإن الأخفش يقول : وشييّ وسيبويه يقول : وشويّ.

وإن لم تعرف ثالث الأصول ، ضعّفت الثاني ذا اللين ، كما تقول يا لاء في المسمّى بلات.

وإن لم يكن الثاني حرف لين لم ترد المحذوف ، كما تقول : ياثب ويا عد في ثبة وعدة ، كل ذلك لأن المنادى المضموم حكمه حكم المعربات كما مرّ ، ولا يجيء في المعربات اسم

__________________

(١) الأدلى جمع «دلو» على وزن أفعل.

(٢) من شروط قلب الواو والياء ألفا إذا تحرك أحدهما وانفتح ما قبله ألا يكون في آخر الكلمة زيادة مختصة بالأسماء كالألف والنون وهو شرط مختلف فيه بين سيبويه وغيره.

(٣) الخزاية مصدر خزي بمعنى استحيا.

(٤) يريد أن الواو والباء في شقاو ، وخزاي بعد الترخيم على نية المحذوف لم تتطرفا وان كان قبلهما ألف زائدة لأن التاء المحذوفة للترخيم ثابتة تمنعهما من التطرف. ولا شك أن في عبارته تكرارا وأنها غير مستقيمة.

٤١٠

ثانيه حرف لين لئلا يسقط ذلك اللين مع التنوين للساكنين فيبقى المعرب على حرف واحد.

وإن أدّت هذه اللغة ، أي القلّى إلى قلب ما لا يكون منقلبا ، كما يرخم حبليان وحبلويّ فقد ذكر المبرد أنها لا تجوز ، إذن ، لأنها تؤدي إلى كون ألف فعلى منقلبا عن ياء أو واو ، ولم تعهد إلا للتأنيث ، غير منقلبة عن شيء.

وقياس قول الأخفش (١) جوازها ، لأنه يكون ، إذن ، ملحقا بجخدب ، بفتح الدال.

وأما السيرافي فأجازها وإن لم يثبت فعللا ، قال لأن هذا شيء عرض وليس ببنية أصلية وكذا ذكر المبرد عن المازني في كل ما أدّى نية الاستقلال فيه إلى وزن لا نظير له ، أنه لا يرخمه إلا على نية المحذوف ، وذلك نحو طيلسان على لغة كسر اللام ، وفرذدق ، وقذعمل ، وسعود وهندلع وعنفوان.

وأجاز السيرافي ترخيم جميعها على نية الاستقلال نظرا إلى أن المثل ليست بأصلية ، ألا ترى أنه يجوز اتفاقا أن تقول في منصور : على نية الاستقلال يا منص ، وفي خضّم يا خضّ مع أن مفع وفعّ ، ليسا من أبنيتهم ، فتقول : يا طيلس ، ويا فرزد ، ويا قذعم ، ويا سعي ، ويا هندل ويا عنفي.

قالوا ، وإذا رخمت صحراويّ على القليّ ، قلبت الواو همزة ، فلو أزلته عن النداء لصرفته لأن همزته ، إذن ، ليست منقلبة عن ألف التأنيث ، بل هي منقلبة عن الواو المنقلبة عن الهمز المنقلب عن ألف التأنيث فبعد التأنيث فيها ، والأولى ألّا تصرفه نظرا إلى الأصل.

__________________

(١) أي قوله في اثبات فعلل بضم الفاء وفتح ما قبل الآخر في أوزان الرباعي المجرد.

٤١١

المندوب

معناه ، وحكمه في الاعراب

والبناء

قال ابن الحاجب :

«وقد استعملوا صيغة النداء في المندوب وهو المتفجع عليه ،»

«بيا ، أو ، وا ، واختص بوا ، وحكمه في الاعراب والبناء حكم»

«المنادى ، ولك زيادة الألف في آخره».

قال الرضى :

هذا منه بناء على أن المندوب غير المنادى ، وقد ذكرنا ما عليه (١) ، فلا نعيده.

قوله : «المتفجّع عليه» دخل فيه المجرور في نحو : تفجعت على زيد ، فلما قال : بيا ، أو ، وا ، خرج ؛ وكل منادى يدخله معنى من المعاني كالاستغاثة والتعجب والندبة لا يستعمل فيه إلا حرف النداء المشهور ، أعني «يا» كما ذكرنا دون أخواتها ، لأنها أمّها ، فتصرفت ودخلت في جميع أنواعه ،.

وقد أخل المصنف بأحد قسمي المندوب وهو المتوجّع منه ، نحو : واحزنا ووايلا ، وواثبورا.

قوله : «واختص بوا» ، يعني اختص لفظ المندوب بالندبة بسبب لفظة «وا» ، فوازيد ، مختص بالندبة ، ويا زيد ، مشترك بين الندبة والنداء.

وقيل قد يستعمل «وا» في النداء المحض ، وهو قليل.

قوله : «وحكمه في الاعراب والبناء حكم المنادى» ، فيقال : وا زيد ، وا عبد الله ، وا طالعا جبلا ، إذا كان معروفا معّينا.

__________________

(١) انظر ص ٣٤٥ من هذا الجزء.

٤١٢

وكذا توابعه ، كتوابع المنادى على التفصيل المذكور ، وذلك لأنه منادى في الأصل لحقه معنى الندبة.

وقال المصنف بناء على مذهبه أعني أنّ المندوب مخصوص بالمتفجع عليه ، كما أن المنادى مخصوص ، فاستعمل لفظ المنادى في المندوب لاشتراكهما في معنى الخصوص ، وكثيرا ما يحمل العرب بابا على باب آخر ، مع اختلافهما ، لاشتراكهما في أمر عام ، كقولهم في باب الاختصاص : أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل ، فاستعمل فيه صورة النداء ، لمشاركته في معنى الاختصاص كما سيجيء.

قوله : «ولك زيادة الألف في آخره» ، أي لك إلحاق الألف آخر المندوب ، ويجوز ألّا تلحقه ، سواء كان مع يا ، أو ، وا.

وقال الأندلسيّ : يجب إلحاقها مع «يا» ، لئلا يلتبس بالنداء المحض ، والأولى أن يقال : إن دلّت قرينة حال على الندبة كنت مخيّرا مع «يا» أيضا ، وإلا وجب الإلحاق معها ، تقول : يا محمد ، يا علي بلا إلحاق ،.

وجوّز الكوفيون الاستغناء بالفتحة عن ألف الندبة نحو : يا زيد ، ووا زيد ، ولم يثبت.

وقد يلحق هذا الألف المنادى غير المندوب ؛ قال ابن السراج (١) : تقول في نداء البعيد : يا زيداه ، والهالك في غاية البعد ، ومنه قولهم : يا هناه في المنادى غير المصرح باسمه.

__________________

(١) تقدم ذكره وانظر ص ٦٧ من هذا الجزء.

٤١٣

الحاق أحرف العلة

بآخر المندوب

قال ابن الحاجب :

«فإن خفت اللبس قلت ؛ واغلامكيه ، وواغلامكموه».

قال الرضى :

آخر الكلمة لا يخلو من أن يكون ساكنا أو متحركا ، والمتحرك إما أن تكون حركته إعرابية أو ، لا ، والمعرب بالحركات لا يلحقه إلا الألف.

ويقدّر الاعراب ، نحو : واضرب الرجلا ، في المسمّى بضرب الرجل ، وكذا : واضربت الرجلاه ، ووا غلام الرجلاه.

والفراء يجوز إتباع المدة للحركات قياسا على مدة الانكار ، نحو واصرب الرجلوه ، ووا عبد الملكيه ، ولم يثبت.

وإنما غيرت الحركة الاعرابية لأجل مدة الندبة ، دون مدة الإنكار لأن الندبة من مواضع مدّ الصوت إعلاما بالمصيبة فاختاروا فيها الألف دون الواو والياء ، لأن المدّ فيها أكثر منه في الواو والياء ؛ فلا تقلب الألف واوا ، ولا ياء إلا للضرورة ، كما يجيء ، وأما الانكار فلا يطلب مدّا تاما ، فليس أصل مده أن يكون بالألف ، بل حروف العلة فيه سواء ؛ وللفراء أن يقول : الأولى أن يحافظ على الحركات الاعرابية ما أمكن.

هذا ، وإن لم تكن الحركة إعرابية ، ولم يؤد الحاق الألف إلى اللبس كما في قطام ، وحذام وحيث ، أعلاما مشهورة ، فالأجود الألف ، لأنها الأصل في مدة الندبة ، كما ذكرنا فلا تقلب إلا للّبس.

وقال الأندلسي والمصنف ، تتبعها مدة من جنسها ، ولا تغيّر حركة البناء للزومها.

٤١٤

قال سيبويه : وتقول في ندبة يا زيد ويا غلام يعني ما سقط منه ياء الإضافة : وا زيداه ، ووا غلاماه ، فتحت الكسرة كما فتحت الضمة في يا زيد.

قلت ، ولو اخترنا ههنا مختار الأندلسيّ : إتباع المدة للحركة غير الاعرابية كان أولى ، لحصول اللبس.

وقلب الألف ياء بعد نون التثنية التي بعد الألف أكثر من سلامتها فوا زيدانيه أكثر من وا زيداناه ، لئلا يشتبه المثنى بفعلان ، وأما التي بعد الياء فالألف هو الوجه ، نحو قوله : واجمجمتيّ الشاميّتيناه (١) ؛

وإن كانت الحركة غير إعرابية ، وأدى الألف إلى اللبس اتبعتها حرفا من جنسها اتفاقا ، نحو : وا غلامكيه في غلام المخاطبة ، لئلا يلتبس بغلام المخاطب ، ووا منهوه في المسمّى بمنه لئلا يلتبس بالمسمّى بمنها ، ولا يجوز في النداء المحض ، يا غلامك لاستحالة خطاب المضاف. والمضاف إليه معا في حالة ، وأما المندوب فلمّا لم يكن مخاطبا في الحقيقة بل متفجعا عليه ، جاز : وا غلامكاه.

والساكن لا يخلو إما أن يكون تنوينا ، أو ألفا ، أو ، واوا ، أو ياء ، أو ميم جمع أو غيرها.

فالتنوين يحذف للساكنين ، نحو : وا غلام زيداه ، وإنما حذفت (٢) مع مدة الندبة دون مدة الانكار لأن أصل المندوب المنادى الذي هو محل التخفيف.

وأجاز الفراء في المنون المندوب ثلاثة أوجه أخرى : أحدها فتحها (٢) لأجل ألف الندبة والثاني حذفها (٢) للساكنين واتباع المدة حركة ما قبلها نحو : وا غلام زيديه ، بناء على مذهبه في جواز إتباع مدة الندبة للحركات الاعرابية ، والثالث كسرها (٢) للساكنين وإتباع المدة

__________________

(١) يأتي شرحه قريبا.

(٢) في هذه المواضع الأربعة يتحدث الشارح عن التنوين بأسلوب المؤنث كما ترى ، وفي أول الحديث يقول : فالتنوين يحذف. وتكررت الإشارة إلى هذا الصنيع من شارحنا المحقق.

٤١٥

لكسرتها ، كما في مدة الانكار.

وما ذكرناه أولا هو المشهور المستعمل.

وإن كان ألفا حذفتها لألف الندبة ، عند النحاة ، نحو : وا معلّاه ووا غلامكماه ، لأن حذف أول الساكنين إذا كان مدا ، هو القياس ، كما يجيء في التصريف ؛ وقال المصنف : بل استغنى بها عن ألف الندبة ؛.

وإن كان واوا ، أو ياء ، فإن كانت الحركة فيها مقدرة ، حركتها بالفتح ، نحو يا قاضياه ويا راضياه ويا رامياه ويا يرمياه ويا سمندواه.

وأما إذا ندبت يا غلامي ، بسكون الياء ، فكذا تقول عند سيبويه يا غلامياه لأن أصلها الفتح عنده ، وأجاز المبرد يا غلاماه بحذف الياء للساكنين ولم يذكر سقوطها في المضاف إلى المضاف إلى الياء ، نحو : وا انقطاع ظهراه ، قال السيرافي : والقياس فيهما واحد ، يجوز سقوطها لاجتماع الساكنين ؛ قال المصنف : الحذف ليس بوجه ، وقال : نحو : وا غلاميه أوجه ، إما لأن أصلها السكون فيمن قال بذلك ، فلا يزيد عليها مدة أخرى ، كما يجيء ، وإما لأن السكون العارض فيه كالأصلي ، بدليل قولك وا مصطفاه ولا ترد الألف إلى أصلها استغناء بها عن ألف الندبة ، بخلاف التثنية ، فإنك تقلب لها ألف المقصور نحو مصطفيان ، وذلك للزوم ألف التثنية في المثنى بخلاف مدة الندبة فإنها لا تلزم المندوب.

أمّا قوله (١) أصلها السكون فقد تقدم أن ذلك مختلف فيه ، وأما قوله : السكون العارض فيه كالأصلي ، فنقول : ذلك في الألف لكونها كألف الندبة في الصورة ، فجاز أن تغنى عنها كما ذهبت إليه ، وأما الياء فلا ، لقولك يا قاضياه في يا قاضي.

وإن لم يكن للواو والياء أصل في الحركة ، فإن كانتا مدّتين ، أي ما قبلهما من الحركة من جنسهما نحو : وا غلامهوه ، ووا أخا غلامهي ووا اضربوا ، ووا اضربي ، إذا سمّي بها ،

__________________

(١) مناقشة للمصنف في تعليله لما رآه من قوله : الحذف ليس بوجه.

٤١٦

فإنك تكتفي بما فيهما من المد عن ألف الندبة لكون مدهما أصليا ، بخلاف مد نحو : يا قاضي فإن أصل هذه الباء الحركة ، وألف الندبة ليست لازمة للمندوب كما ذكرنا ، فقد (١) لا يؤتى بها ، مع أنه ليس في آخر المندوب مدّ ، نحو : وا زيد ، فكيف إذا كان في آخره مدّ أصلي.

وإن لم يكونا مدتين ، جئت بألف الندبة بعدهما ، إن شئت ، نحو : وا قائل لواه ويا قائل كياه (٢).

وأما ميم الجمع فلا يأتي بعدها ألف الندبة لئلا يلتبس المجموع بالمثنى ، نحو : وا غلامكموه ووا أخا غلا مهمي ، والواو والياء بعدها اما اللتان حذفتا في الجمع للاستثقال ، كما يجيء في المضمرات ردّتا لمدة الندبة واستغنى بهما عن ألف الندبة كما قلنا في غلامهو وغلامهي ، وإما ألفا المد ، فقلبتا واوا ، وياء للّبس.

وأما الساكن غير هذه الأشياء فيفتح ويلحق ألفا ، نحو : يا مناه في المسمّى بمن.

وسيبويه يجيز نحو : وا قنّسروناه ، إذ لا منع ، وقال الكوفيون : المسمّى بالجمع السالم المذكر إن أعربته بالحروف لا يجوز ندبته ، كما لا يجوز تثنيته وجمعه ، فلا يجوز : وا زيدوناه ، وإن أعربته بالحركات وجعلت النون معتقب الإعراب ، ولا بدّ ، إذن ، من أن تلزمه الياء ، كما يجيء في باب الاعلام جاز ندبته ، نحو : وا زيديناه ، وا قنّسريناه.

وكذا يلزم على مذهبهم أنك إذا سميت بالمثنى وأعربنه بالحركات وألزمته الألف جاز ندبته وإلا فلا ، وليس بشيء ، إذ لا مناسبة بين الندبة وبين التثنية والجمع حتى تمتنع فيما امتنعا فيه.

وتقول في المسمى باثني عشر عند سيبويه ، واثنا عشراه بالألف في اثني لأنه غير مضاف ، وعشر معاقب للنون فكأنك قلت وا اثنان ،.

__________________

(١) أنظر هامش رقم (١) في ص ٢٣ من هذا الجزء.

(٢) أي قائل «لو» وقائل «كي».

٤١٧

وقال الكوفيون ، واثني عشراه بالياء ، تشبيها له بالمضاف لأن نون المثنى لا تسقط إلا في الإضافة فكأنه مضاف ، وأجاز ابن كيسان (١) الوجهين.

__________________

(١) تقدم ذكره ، انظر ص ١١٥ من هذا الجزء.

٤١٨

إلحاق الهاء

بالمندوب في الوقف

قال ابن الحاجب :

«ولك الهاء في الوقف».

قال الرضى :

يعني أنّ إلحاق هاء السكت بعد زيادة الندبة ، واوا كانت ، أو ياء ، أو ألفا ، جائز في الوقف لا واجب ، وبعضهم يوجبها مع الألف لئلا يلتبس المندوب بالمضاف إلى ياء المتكلم المقلوبة ألفا ، نحو : يا غلاما ، وينبغي ألّا يجب عند هذا القائل مع وا ، لأنها تكفي في الفرق بين الندبة والنداء ، وليس ما قال بوجه ، لأن الألف المنقلبة عن ياء المتكلم ، قد تلحقها الهاء في الوقف ، كما مرّ (١) ، فاللبس ، إذن ، حاصل مع الهاء أيضا ، والفارق هو القرينة.

وإنما ألحقوا هذه الهاء ، بيانا لحرف المد ، ولا سيّما الألف لخفائها فإذا جئت بعدها بهاء ساكنة تبيّنت ، كما تتبيّن بها الحركة في : غلاميه ، على ما يجيء في بابه من التصريف (٢) ، وهذه الهاء تحذف وصلا ، وربما ثبتت في الشعر ، إما مكسورة للساكنين ، أو مضمومة بعد الألف والواو ، تشبيها بهاء الضمير الواقعة بعدهما.

__________________

(١) انظر ص ٣٩٠ من هذا الجزء.

(٢) في باب الوقف. في شرح الشافية.

٤١٩

وبعضهم يفتحها بعد الألف لمناسبة الألف قبلها.

وإثباتها في الوصل لاجراء الوصل مجرى الوقف ، قال :

١٤٢ ـ يا مرحباه بحمار ناجية (١)

والكوفيون يثبتونها وصلا ووقفا في الشعر وغيره.

__________________

(١) ناجية ، اسم شخص ومن معانيه : الناقة السريعة. وليس مرادا هنا. بل هو مجرور بالاضافة إلى حمار.

وأراد به صاحب الحمار ، أو صاحبته ، وقال ابن يعيش ـ (٩ ـ ٤٦) ان بعده : إذا أتى قريته للسانية ، ثم قال انه مثل قول عروة بن حزام العذري :

يا مرحباه بحمار عفراء

إذا أتى قريته بما شاء

ولم ينسب بيت الشاهد في الخزانة ولا في غيره.

٤٢٠