شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

قوله : وتوابعه» ، كأنه جواب عن سؤال وارد على الجواب عن السؤال الأول ، أي : إذا كان هو المقصود بالنداء ، والمقصود بالنداء كالمنادى المضموم ، فالوجه أن يجوز في توابعه ما جاز في توابع المنادى المضموم.

فعلى هذا صار نحو الرجل في : يا أيها الرجل : كالنعامة ؛ إذا قيل : لم وجب رفعه قيل هو المنادى المفرد الذي باشره حرف النداء ، لكونه مقصودا دون موصوفه.

فإذا قيل : فيجب ، إذن أن يجوز في توابعه ما جاز في توابع المنادى المضموم ، قيل : ليس هو المنادى المضموم ، بل مثله (١).

قوله : «وقالوا يا ألله خاصة» ؛ يعني لم يدخل حرف النداء من جملة ما فيه اللام إلا لفظة «الله» ، قيل إنما جاز ذلك لاجتماع شيئين في هذه اللام ، لزومها للكلمة ، فلا يقال «لاه» إلا نادرا.

قال :

١٢١ ـ كحلفة من أبي رباح

يسمعها لاهه الكبار (٢)

وكونها بدلا من همزة «إله» فلا يجمع بينهما إلا قليلا ، قال :.

__________________

(١) هذا التشبيه الذي ذكره الرضى. جاء في آخره مضطرب العبارة في النسخة المطبوعة وقد أصلحته بما يتفق مع المعنى المقصود من ذكر المثل.

(٢) نسب البغدادي إلى بعضهم أنه يرويه «لاهم» مخفف من : اللهم. ثم أريد به الذات وبذلك لا يتفق مع ايراده هنا لما أراد ، ووصفه بالكبار يرجح ما ذهب إليه الرضى. وأبو رباح هو حصن بين بدر من بني حنيفة ، كان قتل رجلا ، فطلب منه أن يحلف ما قتله أو يعطي الدية ، فحلف ولكنه قتل بعد ذلك قصاصا فضرب به المثل في الحلف الذي لا يغني ولا ينفع صاحبه. وهو من قصيدة للأعشى ميمون بن قيس ، أولها :

ألم تروا ارما وعادا

أفناهم الليل والنهار

وقبل بيت الشاهد يقول مخاطبا قوما أنكروا أخذ رجل اسمه عرار وحلفوا ؛

أقسمتم حلّفا جهارا

ان نحن ما عندنا عرار

فكأنه يقول لهم : ان حلفكم هذا كحلف أبي رباح.

٣٨١

١٢٢ ـ معاذ الإله أن تكون كظبية

ولا دمية ولا عقيلة ربرب (١)

وأما النجم ، والصعق ، والذي وبابه ، فإن لامها لازمة لكنها ليست بدلا من الفاء ، وأما «الناس» فإن اللام فيه عوض من الفاء وأصله أناس ، ولا يجتمعان إلا في الشعر كقوله:

١٢٣ ـ إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا (٢)

إلا أنها ليست لازمة ، إذ يقال في السعة ناس.

فقالوا : أصله الإله ، فعال بمعنى مفعول ، والإلاهة : العبادة ، وأله بفتح العين أي عبد ، فإله بمعنى مألوه ، أي معبود ، فالله ، في الأصل ، من الأعلام الغالبة ، كالصّعق ، كأنه كان عامّا في كل معبود ثم اختصّ بالمعبود بالحق ، لأنه أولى من يؤله ، أي يعبد ، وصار مع لام العهد علما له ، فلكثرة استعمال هذه اللفظة ، صار تخفيف همزتها أغلب من تركه ، وصار الألف واللام كالعوض من الهمزة لقلة اجتماعهما.

ولا نقول اجتماعهما يختص حال الضرورة كما قلنا في الأناس ، وذلك أنه قد يجيء «الإله» في السعة ، أو ورد أبو الفرج الأصفهاني (٣) أن أميّة بن خلف كان يسمّى عبد الرحمن ابن أميّة ، ابن الإله.

فلما خففت الهمزة ، نقلت حركتها إلى ما قبلها ، كما هو القياس وحذفت فصار :

ألله (٤) ، ثم أسكنوا اللام الأولى وأدغموها في الثانية ، ولا تدغم لو خفّفت نحو الالاهة

__________________

(١) هذا أحد أبيات للبعيث بن حريث. مما أورده أبو تمام في ديوان الحماسة. وأولها :

خيال لأم السلسبيل ودونها

مسيرة شهر للبريد المذّبب

والمذبب بباءين من ذبّب في سيره إذا أسرع. والدمية الصورة من العاج ونحوه وعقيلة بمعنى كريمة أو مختارة من بين من هي منهم والربرب القطيع من بقر الوحش ، وبعد أن نفى أن تكون شيئا من ذلك كله قال بعد بيت الشاهد :

ولكنها زادت على الحسن كله

كمالا ومن طيب على كل طيب

(٢) في هذا الأمر بحث طويل في خزانة الأدب نقلا عن أئمة اللغة. وهذا أحد أبيات لذي جدن الحميري أحد أذواء اليمن وبعده :

فيد عنهم شتى وقد

كانوا جميعا وافرينا

(٣) في كتابه الأغاني

(٤) أي بفتح الهمزة وكسر اللام الأولى وفتح الثانية مخفضتين.

٣٨٢

بمعنى العيادة ، لأن التخفيف مع عروضه غير غالب ، كما غلب في «الله» ، فكأن اللامين لم يلتقيا.

والأكثر في «يا ألله» قطع الهمزة ، وذلك للايذان من أول الأمر أن الألف واللام خرجا عما كانا عليه في الأصل وصارا كجزء الكلمة حتى لا يستكره اجتماع «يا» واللام ، فلو كانا بقيا على أصلهما لسقطت الهمزة في الدرج ، إذ همزة اللام المعرّفة همزة وصل.

وحكى أبو علي ، يا الله بالوصل على الأصل.

وجوّز سيبويه أن يكون «الله» من : لاهّ يليه ليها ، أي استتر.

فيقال في قطع همزته واجتماع اللام و «يا» ، إن هذا اللفظ اختص بأشياء لا تجوز في غيره كاختصاص مسمّاه تعالى ؛ وخواصه في : اللهمّ ، وتالله ، وآلله ، وها الله ذا ، والله مجرورا بحرف مقدر في السعة و : أفألله لتفعلنّ ، بقطع الهمزة كما يجيء في باب القسم.

وقوله :

١٢٤ ـ من اجلك يا التي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالوصل عني (١)

شاذ ووجه جوازه مع الشذوذ لزوم اللام ، وقوله :

١٢٥ ـ فيا الغلامان اللذان فرّا

إياكما أن تبغياني شرا (٢)

أشذ ؛

وبعض الكوفيين يجوّز دخول «يا» على ذي اللام مطلقا في السعة ؛.

والميمان في «اللهمّ» عوض من «يا» ، أخّر ، تبركا بالابتداء باسم الله تعالى ؛ وقال

__________________

(١) هذا من الشواهد الخمسين التي وردت في كتاب سيبويه ولم يعرف لها قائل. وهو في كتاب سيبويه ج ١ ص ٣١ ومن أجلك يقرأ بنقل الهمزة للوزن ، وروى فديتك بالتي ... الخ.

(٢) بيت شائع في كثير من كتب النحو. ولم يذكر أحد له قائلا ولا ضمّ إليه شيئا آخر ، ووجه كونه أشذ مما قبله أن اللام في التي لازمة وفي «الغلامان» لا هي لازمة ولا عوض من شيء ، ورواه البغدادي : ان تكسبا ناشرا من قولهم كسبته مالا أي جعلته يكسبه.

٣٨٣

الفراء : أصله : يا ألله أمّنا بالخير ، فخفف بحذف الهمزة ، وليس بوجه ، لأنك تقول : اللهم لا تؤمّهم بالخير.

ويجمع بين «يا» والميم المشدّدة ، ضرورة ، قال :

١٢٦ ـ إني إذا ما حدث ألما

أقول يا اللهم يا اللهمّا (١)

وقد يزداد «ما» في آخره ، قال :

١٢٧ ـ وما عليك أن تقولي كلّما

سبّحت أو صليت يا اللهم ما

اردد علينا شيخنا مسلما (٢)

ولا يوصف «اللهم» عند سيبويه ، كما لا يوصف أخواته ، أعني الأسماء المختصة بالنداء ، نحو : يا هناه ، ويا نومان ، ويا ملكعان وفل ، وقد أجاز المبرد وصفه لأنه بمنزلة : يا الله ، وقد يقال يا ألله الكريم ، وقد استشهد بقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣).

وهو عند سيبويه ، على النداء المستأنف.

ولا أرى في الأسماء المختصة بالنداء مانعا من الوصف ؛ بلى ، السماع مفقود فيها.

__________________

(١) لم يذكر أحد ممن كتب على هذا الشاهد نسبته إلى قائل معين. قال البغدادي : وزعم العيني أنه لأبي خراش الهذلي ، قال وقبله : ان تغفر اللهم تغفر جما ... قال البغدادي : وهذا خطأ ، لأن البيت الذي زعم أنه قبله بيت مفرد ، وليس لأبي خراش وانما لأمية بن أبي الصلت. أخذه أبو خراش وضم إليه بيتا. فكان يقول وهو يسعى بين الصفا والمروة :

لاهمّ هذا خامس ان تماّ

أتمّه الله وقد أتما

ان تغفر اللهم تغفر جمّا

وأي عبد لك لا ألمّا

وتمثل النبي صلّى الله عليه وسلّم ببيت أميّة.

(٢) وهذا أيضا من الشواهد التي لم ينسبها أحد لقائل. ومضمونه أنه يأمر زوجته أو ابنته بالدعاء كلما صلت أو سبحت ليعود إليها سالما

(٣) الآية ٤٦ من سورة الزمر.

٣٨٤

تكرير المنادى

المفرد

قال ابن الحاجب :

«ولك في مثل : يا تيم تيم عدى : الضم والنصب».

قال الرضى :

يعني بمثله : المنادى المكرر إذا ولى الثاني اسم مجرور بالإضافة ، فالثاني واجب النصب ، ولك في الأول الضم والنصب ، قال :

١٢٨ ـ يا تيم تيم عدى لا أبالكم

لا يلقيّنكم في سوأة عمر (١)

وقال :

١٢٩ ـ يا زيد زيد اليعملات الذّبل

تطاول الليل عليك فانزل (٢)

__________________

(١) هذا من شعر جرير. يهجو عمر بن لجأ اليتمي. وكان عمر قد هجا جريرا فرد عليه جرير بهذه القصيدة وأفحش فيها وسب أمه وأسمها برزة. ولما توعّد جرير قوم عمر بأن يهجوهم جميعا أتوه بعمر موثقا وحكموه فيه فأعرض عن هجوهم.

(٢) اليعملات : الابل القوية على العمل والذبّل جمع ذابل وهي التي ضمرت من طول السفر ، وروي : تطاول الليل هديت فانزل. وهذا الرجز لعبد الله بن رواحة. الصحابي الأنصاري. ومراده بزيد : زيد بن أرقم ، وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة وسافر معه في غزوة وسمع عبد الله يقول شعرا يتمنى فيه الشهادة فبكى زيد فقال له عبد الله بعد أن خفقه بالدرة : وما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل ، وكان مردفا خلفه على حقيبة الرحل. وقيل ان المقصود بزيد : هو زيد بن حارثة. واستبعد ذلك البغدادي قال : لأن زيد بن حارثة كان هو أمير الجيش في غزوة مؤتة.

٣٨٥

أما الضم في الأول فواضح ، لأنه منادى مفرد معرفة ، والثاني عطف بيان وهو البدل على ما يأتي في بابه.

وأما نصب الأول ، فقال سيبويه : إن «تيم» الثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه وهو تأكيد لفظي لتيم الأول ، وقد مرّ في توابع المنادى المبني أن التأكيد اللفظي في الأغلب حكمه حكم الأول ، وحركته حركته ، إعرابية كانت أو بنائية ، كما أن الأول محذوف التنوين للإضافة فكذلك الثاني مع أنه ليس بمضاف ؛ وشبّهه سيبويه باللام المقحمة بين المضاف والمضاف إليه في : «لا أبالك» ، لتأكيد اللام المقدرة.

وإنما جيء بتأكيد المضاف لفظا بينه وبين المضاف إليه ، لا بعد المضاف إليه ، لئلا يستنكر بقاء الثاني بلا مضاف إليه ولا تنوين معوض عنه ولا بناء على الضم ؛ وجاز الفصل به بينهما في السعة على أنه لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا في الضرورة ، وذلك بالظرف خاصة في الأغلب كما يجيء في باب الإضافة ؛ لأنك لما كرّرت الأول بلفظه وحركته بلا تغيير ، صار كأن الثاني هو الأول ، وكأنه لا فصل هناك ، ألا ترى أنك تقول : إنّ إنّ زيدا قائم ، مع قولهم لا يفصل بين «إن» واسمها ، إلا بالظرف ، وتقول : لا لا رجل في الدار مع أن النكرة المفصول بينها وبين «لاء» (١) التبرئة واجبة الرفع كقوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ)(٢) ؛ وقال :

١٣٠ ـ فلا والله لا يلفى لما بي

ولا للما بهم أبدا دواء (٣)

__________________

(١) هكذا استعملها الرضى. وكرر ذلك. ووجه ذلك أن كلمة «لا» حين تصير اسما وثانيها معتل. يضعف ثانيها وتضعيف الألف يجعلها هكذا لأنه بعد اجتماع الألفين تبدل الثانية منها همزة. وانظر حديث الرضى عن التسمية بالأدوات والحروف في باب العلم.

(٢) الاية ٤٧ من سورة الصافات ، وتقدمت.

(٣) من قصيدة لمسلم بن معبد الوالبي. نسبة إلى والبة بن الحارث ينتهي نسبه إلى خزيمة بن مدركة. وكان غائبا فكتب ابله لعامل الصدقات ، وظن مسلم أن رفيعا الوالبي ، خال مسلم وابن عمه ، ظن أنه أغرى عمال الصدقة فقال هذه القصيدة يشكو ما حدث من رفيع وقومه ووصف ابله وكأنها تشكو مما حدث ويقول في هذا ... يقصد الابل

إذا ذكر العريف لها اقشعرت

ومسّ جلودها منه انزواء

٣٨٦

مع أن حروف الجر لا تدخل إلا في الاسم ..

ويمكن أن يكون قوله :

١٣١ ـ وصاليات ككما يؤثفين (١)

من هذا ، فلا يكون في البيت دليل على اسمية الكاف الثانية.

وقال المبرد إن «تيم» الأولى مضاف إلى «عدى» مقدر يدل عليه هذا الظاهر ، ولم يبدل من المضاف إليه التنوين ، كما أبدل في قوله تعالى (كُلًّا هَدَيْنا)(٢) ، لأن القرينة الدالة على المحذوف موجودة بعد مثل المضاف ، أعني «عدى» الظاهر الذي أضيف إليه «تيم» الثاني ، فكأن المضاف إليه الأول لم يحذف ، وإذا جاز حذف المضاف إليه في مثله مع اختلاف المضافين نحو قوله :

١٣٢ ـ يا من رأى عارضا أسرّ به

بين ذراعي وجبهة الاسد (٣)

__________________

ـ ـ والعريف هو رفيع الوالبي الذي تقدم ذكره. وروي البيت على هذا الوجه :

فلا والله لا يلفى لمابي

وما بهم من البلوى شفاء

ولا شاهد فيه على هذا.

(١) الصاليات : الأثافي التي صليت بالنار أي أحرقت حتى اسودت.

وهو شطر من قصيدة لخطام المجاشعي ، قال البغدادي ان من لا يجيد العروض يظنها من بحر الرجز ، وإنما هي من السريع ، وأولها :

حيّ ديار الحي بين السهبين

وطلحة الدوم وقد تعفّين

لم يبق من آي بها يحلّين

إلى أن قال

وصاليات ككما يؤثفين

ومنها قوله :

ومهميهين قذفين مرتين

ظهراهما مثل ظهور الترسين

(٢) الآية ٨٤ من سورة الأنعام. وتكررت.

(٣) هو من شعر الفرزدق يصف سحابا اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة ، وكذلك الذراعان وهي منازل القمر.

ويقولون ان انواء الأسد وهي التي أشار إليها من أحسن الأنواء التي يحمدها العرب ويسرون بها.

٣٨٧

وقولهم : نصف وربع درهم ، فهو مع اتفاقهما أجوز ، لأن كثرة التكرار أدعى إلى الاستكراه فهو عند المبرد في الأصل مضاف ومضاف إليه ، بعدهما مثلهما.

وعند سيبويه ليست الإضافة مكررة.

وقال بعضهم بعد موافقة المبرد في أن أصله : يا تيم عدى تيم عدى ، إن تيم الأول مضاف إلى عدى الظاهر ، والذي أضيف إليه الثاني محذوف ، قال : لما حذف المضاف إليه من الثاني بقي : يا تيم عدى تيم فقدم تيم على عدى ، لما ذكرنا في قول سيبويه ، وكذا يقول هذا القائل في نحو : ذراعي وجبهة الأسد ، إلا أنه لا يطرد له ههنا أن يقول إن الفصل كلا فصل لأن المضاف الثاني ليس بلفظ الأول ، كما كان في : تيم تيم عدى ، فالأولى قول المبرد.

وقد أجاز السيرافي وجها رابعا في نحو : يا تيم تيم عدى ، وهو أنه كان في الأصل : يا تيم بالضم ، تيم عدى ، ففتح اتباعا لنصب الثاني ، كما في : يا زيد بن عمرو ، وهذا كما ذكرنا في قوله : والعلم الموصوف بابن ، إن الكوفيين يجوّزون فتح المنادى العلم الموصوف بمنصوب ، أيّ صفة كان ، لأن «تيم» عطف بيان للأول ، فهو كالوصف في التبيين.

٣٨٨

المنادى المضاف

إلى ياء المتكلم

قال ابن الحاجب :

«والمضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه : يا غلامي ، ويا غلامى»

«ويا غلام ويا غلاما ، وبالهاء وقفا ، وقالوا يا أبي ويا أمي»

«ويا أبت ويا أمت فتحا وكسرا ، وبالألف دون الياء ، ويا ابن»

«أم ويا ابن عمّ خاصة مثل باب يا غلامي ، ويا ابن أمّ»

«ويا ابن عم».

قال الرضى :

اختلف في ياء المتكلم ، فقال بعضهم أصلها الفتح ، لأن واضع المفردات ينظر إلى الكلمة حال إفرادها دون تركيبها ، فكل كلمة على حرف واحد كواو العطف وفائه ، وباء الجر ولامه ، وياء المتكلم : أصلها الحركة ، لئلا يبتدأ بالساكن ، وأصل حركتها الفتح لأن الواحد ولا سيما حرف العلة ضعيف لا يحتمل الحركة الثقيلة من الضمة والكسرة ، وقال بعضهم : أصلها الإسكان ، وهو أولى لأن السكون هو الأصل ، وقولهم : الواضع ينظر إلى الكلمة حال إفرادها ممنوع ، وظاهر ، أنه نظر في المضمرات إلى حال تركيبها بدليل وضعها مرفوعة ومنصوبة ومجرورة ، والإعراب لا يكون إلى حالة التركيب.

٣٨٩

ولو لم ينظر في الكلمات إلى حال تركيبها لم يطرد وضعه للكلم التي ليس فيها حال التركيب علة البناء على ثلاثة أحرف فما زاد ، بل جاز وضعها على حرف أو حرفين ، كما وضع ياء الضمير وكافه ، ونحو «ما» و «من» ؛ هذا ، وعلى كل حال ، فلا شك أن إسكان ياء المتكلم أكثر استعمالا إذا لم يلزم اجتماع الساكنين ، وذلك لعدم الاحتياج. إذن ، إلى حركتها ، لوقوعها أبدا بعد كلمة أخرى فلا يبتدأ بها مع كونها حرف علة ، وهذان أعني الفتح والسكون ، مطردان في غير النداء أيضا ، نحو : جاءني غلامي ، وأما : يا غلام بحذف الياء في النداء فلأن النداء موضع تخفيف ، ألا ترى إلى الترخيم وذلك لأن المقصود غيره فيقصد الفراغ من النداء بسرعة ، ليتخلص إلى المقصود من الكلام ، فخفف يا غلامي بوجهين : حذف الياء وإبقاء الكسرة دليلا عليها ، وقلب الياء ألفا ، لأن الألف والفتحة أخف من الياء والكسرة ؛ وهذان الوجهان لا يكونان في كل منادى مضاف إلى ياء المتكلم ، بل في الاسم الذي غلب عليه الإضافة إلى الياء واشتهر بها لتدل الشهرة على الياء المغيّرة بالحذف أو القلب فلا تقول : يا عدوّ ، ويا عدوّا.

وقد جاء شاذا في المنادى : يا غلام ويا أب ، اجتزاء بالفتح عن الألف ، وأما فتح : يا بنيّ وأصله : يا بنيّا فليس بشاذ كما شذ يا غلام ، لاجتماع الياءين.

وقد يضم في النداء ما قبل الياء المحذوفة ، وذلك في الاسم الغالب عليه الإضافة إلى الياء ، للعلم بالمراد منه ، ومنه القراءة الشاذة : (رَبِّ احْكُمْ)(١) ، وربما ورد في الندرة : الحذف والقلب في غير النداء ، لكن الحذف في الفواصل والقوافي ليس بنادر طلبا للازدواج

قوله : «وبالهاء وقفا» ، إذا وقفت على : يا غلاما ، فبالهاء لبيان الألف ، كما يجيء في الوقف ، وإذا وقفت على : يا غلامي بسكون الياء وصلا ، فالوقف عليها بالسكون أجود ، ويجوز حذفها ، وإسكان ما قبلها ، كما تقف على ما حذف ياؤه وصلا ، وذلك على مذهب من وقف على القاضي باسكان الضاد ، كما يجيء في الوقف.

__________________

(١) الآية ١١٢ من سورة الأنبياء.

٣٩٠

وإذا وقفت على : يا غلامي بفتح الياء وصلا ، جاز الإسكان للوقف ، وجاز إلحاق هاء السكت مع إبقاء الفتح.

قوله : «وقالوا يا أبي ويا أمي» ، يطرد فيهما ما في سائر المنادى المضاف إلى الياء ، ويزيدان عليها بجواز إبدال الياء تاء تأنيث ، هذا عند البصريين ، قالوا : والدليل على أنها بدل منها أنهم لا يجمعون بينهما ، وإنما أبدلت تاء التأنيث لأنها تدل في بعض المواضع على التفخيم كما في علّامة ونسّابة ، والأب والأم مظنتا التفخيم ، ودليل كونها للتأنيث انقلابها في الوقف هاء.

وقال الكوفيون التاء للتأنيث وياء الإضافة مقدرة بعدها ؛ ولو كان الأمر كما قالوا لسمع يا أبتي ويا أمتي أيضا (١).

ويجوز حذف هذه التاء المبدلة من الياء للترخيم فيلزم فتح ما قبلها ، نحو : يا أب ويا أمّ ، على ما حكى يونس ، لئلا تلتبس بنداء الأب والأم بلا تاء.

والفراء يقف عليها بالتاء ، لأنها ليست للتأنيث المحض ، كما في أخت وبنت ؛ والأولى الوقف بالهاء لانفتاح ما قبلها كما في ظلمة ، وغرفة ، بخلاف تاء أخت وبنت ، فمن وقف عليها بالتاء كتبها تاء ومن وقف بالهاء كتبها هاء ، لأن مبني الخط على الوقف.

وإنما تفتح هذه التاء لأنها بدل عن ياء حركتها الفتح لو حرّكت.

وقال الأندلسي : أصل يا أبت ويا أمت : يا أبتا ويا أمتا ، فحذف الألف ، وهو ضعيف لأن الألف خفيفة لا تستثقل فتحذف.

وأما حذفها في يا ابن أمّ ويا ابن عمّ فمحتمل للثقل الحاصل بالتركيب ؛ وقيل : يا أبت ويا أمت ، وأنهما رخما بحذف التاء ثم ردّت التاء مفتوحة كما يجيء من نحو قوله :

__________________

(١) سمع هذا شذوذا ، جاء في شواهد العيني ، وهو أيضا ، في شرح الأشموني :

أيا أبتي لا زلت فينا فاننا

لنا أمل في العيش ما دمت عائشا

٣٩١

١٣٣ ـ كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب (١)

وقد يقال : يا أبت ويا أمت بالضم ، وهو أقل من الأول ، وكسر التاء فيهما أكثر ، لمناسبة الكسرة للياء التي هي أصلها ؛ وجاز : يا أبتا ويا أمتا ، لأنه جمع بين عوضين بخلاف : يا أبتي ويا أمتي فإنه لا يجوز لأنه جمع بين العوض والمعوض منه.

وقوله : «ويا ابن أم ويا ابن عم خاصة مثل باب : يا غلامي» ، المضاف إلى ياء المتكلم إذا أضيف إليه المنادى فهو كما أضيف إليه غيره إلا الأم والعم إذا أضيف إليهما «ابن» أو «بنت» منادى فإنه يجوز فيهما تخفيف الياء قياسا بالحذف أو القلب ألفا لكثرة الاستعمال بخلاف غيرهما فإنه لم يكثر استعمال نحو : يا غلام أخي ، فعلى هذا ، يجوز فيهما ما جاز في باب غلامي من الأربعة الأوجه (٢) ، ويزيدان عليه باطراد فتح الميم نحو : يا ابن أمّ ويا ابن عمّ اجتزاء بالفتحة عن الألف ، لزيادة استثقاله ، فبولغ في تخفيفه أكثر من تخفيف : يا غلام ، ولهذا كان حذف الياء فيهما مع فتح الميم أو كسرها أكثر من حذف «ياء» نحو يا غلامي.

الترخيم

حكمه ، ومعناه

قال ابن الحاجب :

«وترخيم المنادى جائز ، وهو في غير ضرورة ، وهو»

«حذف في آخره تخفيفا».

__________________

(١) هو مفتتح قصيدة من أحسن قصائد النابغة الذبياني ، وهي فى مدح عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني ، كان قد سعي بالنابغة فهرب إلى الشام ، سعى به مرة بن ربيعة بن قزيع إلى النعمان بن المنذر ... وبعد هذا «المطلع»

تطاول حتى قلت ليس بمنقض

وليس الذي يرعى النجوم بآيب.

(٢) من الأربعة الأوجه. جرى الرضى على هذا الاستعمال كثيرا وقد أشرنا إلى ذلك وأنه مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أن يقال من أربعة الأوجه. وقد ناقش الرضى كلا من المذهبين في باب الاضافة وباب العدد.

٣٩٢

قال الرضى :

إنما كثر الترخيم في المنادى دون غيره لكثرته ، ولكون المقصود في النداء هو المنادى له (١) ، فقصد بسرعة الفراغ من النداء الإفضاء إلى المقصود بحذف آخره اعتباطا.

قوله : «وهو حذف في آخره نخفيفا» ، يعنون بالحذف للتخفيف ما لم يكن له موجب ، كما كان في باب قاض وعصا ، وإلا فكلّ حذف لا بد فيه من تخفيف ، ويقولون لهذا ، أيضا. حذف بلا علة ، وحذف الاعتباط مع أنه لا بد في كل حذف من قصد التخفيف ، وهو علة فهذا اصطلاح منهم ؛

وهذا الذي ذكره ، إن كان حد الترخيم ، خرج منه ترخيم غير المنادى ، فإن أردنا الحدّ الشامل لجميع أقسامه قلنا ، هو حذف آخر الكلمة اعتباطا جوازا ، فيخرج منه حذف التنوين والحركة وقفا ، لأنهما بعد آخر الكلمة ، ويدخل فيه حذف التاء ، والجزء الأخير من نحو : بعلبك ، لأن المحذوف صار آخر الكلمة ، بدلالة تعاقب الاعراب عليه ويخرج منه حذف الياء من نحو يا غلام اذ المضاف اليه ليس آخر الكلمة. ألا ترى الى أن مورد الاعراب ما قبله ؛

ويخرج منه الحذف في باب عصا وقاض لأن الحذف لا لعلة الاعتباط ويخرج أيضا.

حذف لام نحو : يد ودم لأنه واجب ؛ (٢)

* * *

شروط الترخيم

قال ابن الحاجب :

«وشرطه ألّا يكون مضافا ولا مستغاثا ولا جملة ، ويكون»

__________________

(١) أي الشيء الذي ينادي الانسان من أجله.

(٢) لا يريد أنه واجب كالذي يكون واجبا لعلة. بل يريد أنه مطرد وملتزم.

٣٩٣

«إما علما زائدا على ثلاثة أحرف ، وإما بتاء التأنيث» ؛

قال الرضى :

شروط ترخيم المنادى خمسة ، أربعة منها عدمية متعينة وهي ألا يكون مضافا ، ولا مضارعا له ، وألّا يكون مستغاثا ولا يكون مندوبا ولا يكون جملة ، والشرط الأخير ثبوتي غير متعّين ، بل هو أحد شرطين : أحدهما كونه علما زائدا على ثلاثة أحرف ، والثاني كونه بتاء تأنيث وإنما لم يذكر المصنف مضارع المضاف لأن حكمه حكم المضاف ؛ وإنما لم يقل ولا مندوبا لأن المندوب عنده ليس بمنادى كما مضى ؛

وأجاز الكوفيون ترخيم المضاف ؛ ويقع الحذف في آخر الاسم الثاني نحو قوله :

١٣٤ ـ خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا

أواصرنا والرحم بالغيب تذكر (١)

وقوله

١٣٥ ـ أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرة

سيدعوه داعي ميتة فيجيب (٢)

أي يا آل عكرمة ، وأبا عروة ؛ وهو عند البصريبين ضرورة في غير المنادى ، كما في قول ذي الرمة :

__________________

(١) المراد : يا آل عكرمة. وهذا أحد أبيات لزهير بن أبي سلمى يخاطب بها بني سليم حين بلغه أنهم يريدون الاغارة على غطفان فأخذ يحذرهم ويذكرهم بما بين القبيلتين من قربى. وفي هذه الأبيات يقول :

خذوا حظكم من ودنا ان قربنا

إذا ضرّ سنتا الحرب نار تسعّر

وإنا واياكم إلى ما نسومكم

لمثلان أو أنتم إلى الصلح أفقر

(٢) هو مثل البيت السابق في ترخيم المركب الاضافي بحذف آخر المضاف إليه ، وأصله : أبا عروة. وقوله لا تبعد بفتح العين معناه لا تهلك. وهو دعاء بعدم الهلاك وان كان المرثى قد هلك. وجرت عادتهم باستعمال هذا الدعاء للميت يعبرون بذلك عن استعظام موته فكأنهم لا يصدقون أنه مات فيدعون له بعدم الموت ، أو يريدون الدعاء له بأن يبقى ذكره ، وقال البغدادي. انه أراد بالحرة المرأة مطلقا أو انه قيدّ بالحرة ليكون المعنى ان أبناء الاماء أولى بأن يموتوا. ولم ينسب هذا الشاهد لقائل معيّن.

٣٩٤

١٣٦ ـ ديار ميّة إذ ميّ مساعفة

ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (١)

وقول المتنبي :

١٣٧ ـ لله ما فعل الصوارم والقنا

في عمرو حاب وضبة الأغنام (٢)

وبعض العرب يرخم الجملة بحذف عجزها نحو : يا تأبط ؛

والفراء والأخفش جوّزا ترخيم الثلاثي المتحرك الأوسط علما لأن حركة الأوسط كالحرف الرابع ، فيرخمان نحو : رجل علما ،

ونقل ابن الخشاب(٣) عن الكوفيين جواز ترخيم الثلاثي علما، سكن أوسط أو تحرك،

ويجوز ترخيم غير المنادى للضرورة وإن خلا من تأنيث وعلمية على تقدير الاستقلال كان ، أو على نية المحذوف عند سيبويه ، والمبرد يوجب تقدير الاستقلال ، واستدل سيبويه بقوله :

١٣٨ ـ ألا أضحت حبالكم رماما

وأضحت منك شاسعة أماما (٤)

أي أمامة ؛

__________________

(١) الشاهد كما قصد الشارح ترخيم مية إلى ميّ في غير النداء. وقال سيبويه ج ١ ص ١٤١ : وأما قول ذي الرمة ... فزعم يونس أنه كان يسميها مرة ميّا ومرة ميّة ، فلا ترخيم فيه ولا ضرورة. وقوله ديار مية بنصب ديار على تقدير أذكر ، وقيل إنه بدل من دار في بيت قبله وهو :

لا بل هو الشوق من دار تخوّنها

مرّا سحاب ومرّا بارح ترب

وهذان البيتان من قصيدة طويلة في الغزل من أحسن قصائد ذي الرمة.

(٢) حاب : ترخيم حابس والأصل عمرو حابس وهو عمرو بن حابس الذي أوقع به سيف الدولة وهو من بني أسد ، وبني ضبة الذين وصفهم المتنبي بالأغنام ، وهذا اما أن يكون تمثيلا فقد ذكر الشاهد قبله واما أن يكون استشهادا والرضى يستشهد بشعر المتنبي وأمثاله كأبي تمام.

(٣) ابن الخشاب هو أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي من علماء القرن السادس توفي سنة ٥٦٧ ه‍.

(٤) استدل به سيبويه ج ١ ص ٣٤٢ على جواز الترخيم على كل من اللغتين : لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر ، في الضرورة والمبرد يقصر ترخيم الضرورة على نية الاستقلال ، وهذا البيت يرد عليه. وهو مطلع قصيدة لجرير ، وبعده : ـ ـ

٣٩٥

وإنما لم يجز ترخيم المضاف والمضاف إليه ، على ما اختاره البصرية ولا ترخيم الجملة علمين ، لأنهما إذا سمّى بهما يراعى حال جزأيهما قبل العلمية من استقلال كل واحد من الجزأين باعرابه على ما يجيء في باب التركيب ، فلما كان كل واحد من جزأيهما مستقلا من حيث اللفظ أي الإعراب لمراعاة حالهما قبل العلمية ، وانمحى ، بعد العلمية ، عن كل واحد من جزأيهما معنى الاستقلال ، لأن عبد الله ، وتأبط شرا ، من حيث المعنى كزيد وروعى اللفظ والمعنى معا ، لم يمكن الحذف من الأول نظرا إلى المعنى ، اذ ليس بآخر الأجزاء ، ولم يمكن حذف الثاني ولا حذف آخر الثاني نظرا إلى اللفظ ، فامتنع الترخيم فيهما بالكلية ؛

ويجوز أن يعللّ امتناع ترخيم المضاف والمضاف اليه ، بأن المضاف اليه لم يمتزج امتزاجا تاما بحيث يصح حذفه بأسره أو حذف آخره بدليل أن إعراب المضاف باق والإعراب لا يكون الا في آخر الكلمة ، ولم يكن ، أيضا ، منفصلا عن المضاف بحيث يصح حذف آخر المضاف للترخيم بدليل حذف التنوين وهو علامة تمام الكلمة منه لأجل المضاف إليه ، فهو متصل بالمضاف إليه بالنظر إلى سقوط التنوين من المضاف ، منفصل عنه لبقاء الإعراب على المضاف كما كان. فلم يصح ترخيم أحدهما ، والمضارع للمضاف حكمه حكم المضاف ؛

وإنما لم يرخّم المستغاث المجرور باللام لعدم ظهور أثر النداء فيه من النصب ، أو البناء ، فلم يورد عليه الترخيم الذي هو من خصائص المنادى ، وهذه العلة تطرد في ترك ترخيم المضاف والجملة علمين.

وامتنع الترخيم في المستغاث الذي في آخره زيادة المدّ ، لأن الزيادة تنافي الحذف ، وكذا المندوب لأن الأغلب فيه زيادة مدة في آخره لإظهار التفجع وتشهير المندوب (١) ، وغير المزيد فيه قليل نادر.

__________________

يشق بها العساقل موجدات

وكل عرندس ينفي اللّغاما

والعساقل جمع عسقول وهو السراب. قال البغدادي وليس المراد بالعساقل الكمأة كما زعم العيني ، لأنه يصف قطع الإبل للفيافي راجعة بأمامة. والموجدات الإبل القوية والعرندس كسفرجل الجمل الشديد ، واللغام ما يخرج من فم البعير من الزبد لنشاطه.

(١) تشهير المندوب أي اظهار شهرته.

٣٩٦

قوله : «ويكون إما علما زائدا على ثلاثة أحرف» ، إنما اشترط العلمية في الترخيم لكثرة نداء العلم فناسبه التخفيف بالترخيم مع أنه لشهرته ، فيما (١) بقي منه دليل على ما ألقي.

وإنما اشترط في العلم زيادة على الثلاثة لأنهم كرهوا نقص الاسم نقصا قياسياّ مطردا عن أقل أبنية المعرب أي عن الثلاثي بلا علة ظاهرة موجبة ، بخلاف نحو : يد ، ودم فإن النقص فيه وإن كان بلا علة ، لكنه قليل غير قياسي ، والشذوذ لا يعبأ به ، وبخلاف نحو : عم وشج ، وعصا وإن كان قياسيا لكنّه لعلة ظاهرة ملجئة إلى الحذف.

فإن قلت : المنادى المرخم مبني ، والأسماء المبنية تكون على أقل من ثلاثة أحرف ، نحو : «ما» و «من».

قلت : البناء فيه عارض فهو في حكم المعرب ، وضمه مشبه للرفع على ما بيّنا قبل.

وإذا لم يكن موصوفا بالزيادة على الثلاثة ، فالشرط كونه بتاء تأنيث نحو : شاة وثبة ، فإنه يرخم وإن لم يكن علما ، ولا زائدا على الثلاثة ، وذلك لأن وضع التاء على الزوال وعدم اللزوم ، كما في باب ما لا ينصرف ، فيكفيه أدنى مقتض للسقوط ، فكيف إذا وقع موقعا يكثر فيه سقوط الحرف الأصلي ، أعني آخر المنادى.

وإنما لم يبال ببقاء نحو ثبة وشاة ، بعد الترخيم على حرفين لأن بقاءه كذلك ليس لأجل الترخيم بل مع التاء أيضا كان ناقصا عن ثلاثة ، إذ التاء كلمة أخرى لكنها امتزجت بما قبلها بحيث صارت معتقب الإعراب فالأمر فيه كما قيل في المثل : «قبل البكاء كنت عابسة» وقبل النعاس كنت مضمرة» (٢) ؛ ولو اعتبرنا سدّ التاء مسدّ لام الكلمة بكونه معتقب الإعراب ، قلنا : لما كان بناؤه على عدم اللزوم ، لم يكترث بما يصير إليه حال الكلمة بعده ،

__________________

(١) أي يكون في باقيه دليل على المحذوف.

(٢) أي أن حذف التاء من نحو ثبة لم يغير شيئا ولم يأت بجديد لأنه على حرفين مع التاء وبدونها ، وكل من العبارتين مثل يضرب للبخيل يعتذر بالاعدام وقلة ما عنده ، ونصها في مجمع الأمثال : قبل البكاء كان وجهك عابسا ؛ وقبل النعاس كنت مصفرّة ـ من الاصفرار.

٣٩٧

والدليل على عدم لزومه ، حذفه في جمع السلامة ، نحو عرفات ، وتقديره في نحو الدار والشمس ، وليس لألفي التأنيث هذه الأحوال.

قال سيبويه : كل اسم في آخره تاء ، فإن حذف التاء منه في كلام العرب أكثر ، كان الاسم مع التاء ثلاثة ، أو أكثر ، وسواء كان الاسم علما ، أو ، لا ؛ ولغلبة الترخيم فيه عومل آخر المرخم منه في بعض المواضع معاملة المرخم ، أعني التاء كما في قوله :

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب (١) ـ ١٣٣

فصار في المنادى غير المرخم وجهان : ضم التاء وفتحها.

ثم اعلم أن الذين يحذفون ، وهم الأكثرون ، على ما قلنا ، إذا وقفوا ، ألحقوا بآخره الهاء فيقولون في يا طلح : يا طلحه ، وقليلا ما يوقف بسكون الحاء ، لأنهم يلحقون هاء السكت ، في الوقف ، بآخر ما ليست حركة آخره إعرابية ولا مشبهة بها ، نحو ره ، وفه ، وإنه ، وحيّهله ، وإن لم يكن هناك في الوصل حرف ينقلب هاء في الوقف ؛ فإلحاقه بما كان هناك هاء في الأصل أولى ، ويغني عن الهاء في الشعر ، ألف الإطلاق نحو قوله :

١٣٩ ـ قفي قبل التفرق يا ضباعا

ولا يك موقف منك الوداعا (٢)

ولا يرخم لغير ضرورة منادى لم يستوف الشروط ، إلا ما شذ من نحو : يا صاح ، ومع شذوذه فالوجه في ترخيمه كثرة استعماله ؛.

وليس : أطرق كرا ، (٣) منه ، لأن الكرا ، ذكر الكروان.

__________________

(١) تقدم هذا البيت قريبا ص ٣٩٢ من هذا الجزء.

(٢) أصله ضباعة فحذف التاء للترخيم وأتى بألف الاطلاق لأن آخر الشعر يعتبر موقوفا عليه ولو قرئ متصلا ؛ ونقل البغدادي أن هذه المسألة لا يستدل عليها بالشعر لأنّ هذه الألف للاطلاق تكون في الشعر وان لم يكن محذوفا منه شيء.

وهذا البيت مطلع قصيدة للقطامي (عمير بن شييم التغلبي) يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي وكان قد حال بين أعدائه وبينه حين أرادوا أسر القطامي ، ومن أبياتها :

وخير الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتبعّه اتباعا

(٣) اعتبره البغدادي شاهدا وقال انه من الرجز بعد أن ذكر جملة أطرق كرا مرتين ونقل أقوال اللغويين في أنه مرادف للكروان أو مرخم منه.

٣٩٨

وقال المبرد هو مرخم كروان ، ولا ضرورة إلى ما قال مع ما ذكرنا من المحمل الصحيح ويجوز وصف المرخم ، إلا عند الفراء وابن السّراج ، قال :

١٤٠ ـ فقالوا تعال يا يزي بن مخرم

فقلت لهم إني حليف صداء (١)

وكأنهما رأيا الوصف من تمام الموصوف لكونه دالا على معنى فيه ، فإذا رخمت الكلمة بحذف شيء من جوهرها لا يزاد عليها شيء آخر من الخارج ، فعلى هذا لا يمتنع عندهما مجيء سائر التوابع.

__________________

(١) استدل به على ان المرخم يجوز وصفه ، ويزي مرخم يزيد ، وهو يزيد بن المخرم أحد أشراف بني الحارث من اليمن ، وهو قائل هذا البيت ، وروي البيت : فقلتم تعال ... فقلت لكم. وصداء : حي من اليمن كان يزيد محالفا لهم. وقد قتل في يوم الكلاب الثاني.

٣٩٩
٤٠٠