شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

وعلى ما أجاز ، لا يمتنع نحو : يا زيد وعمرو بالرفع حملا على اللفظ ، وكذا أجاز : يا عبد الله وزيدا بالنصب ، وكل ذلك بناء على أنه قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع وكذا البدل ، ساد مسدّ المتبوع وجائز قيامه مقامه ، فجاز أن يكون في اللفظ كالنداء المستأنف.

والذي أرى ، أن عطف البيان هو البدل كما يجيء في التوابع ، فيطرد فيه حكم البدل نحو : يا عالم زيد ، ويا ذا المال بكر ، بالضم فيهما ؛ ويجوز في البدل ألّا يجعل كالمستقل فيقال : يا عالم زيد بالرفع كما يجيء في التوابع.

فإن قيل : فإذا كان البدل والمعطوف المجرد عن اللام في حكم ما باشره الحرف المباشر لمتبوعهما ، فليجز : لا رجل غلام لعمرو في البدل ، ولا غلام وجارية في العطف.

قلت : لم يطرد ذلك فيه ، إما لأن بناء اسم «لا» للتركيب على ما قيل ولا تركيب مع كون أحد جزأي المركب مقدرا ؛ وإما لأن عمل «لا» ضعيف لضعف مشابهتها لإنّ ، كما يجيء في بابها ، ألا ترى إلى انعزالها عن العمل بالفصل بينها وبين معمولها ، نحو : (لا فِيها غَوْلٌ)(١) وإلى جواز انعزالها بتكرر اسمها ، فإذا ضعفت عن التأثير مع ظهورها فكيف تؤثر مع تقديرها ، بخلاف «يا» ؛ على أنه قد جاء : لا غلام وجارية بالفتح في المعطوف.

وأما الضرب الثاني من التوابع ، أعني النعت والتأكيد وعطف البيان ، عند النحاة ، وعطف النسق ذا اللام ، فنقول : إن كانت تابعة للمنادى المعرب تبعته إعرابا ، معارف كانت أو نكرات ، إذ لا محل لمتبوعها.

وقال الأخفش في عطف النسق ذي اللام التابع للمعرب : إنه يجوز فيه الرفع أيضا ، نحو : يا رجلا والحارث ، ويا عبد الله والحارث ، وذلك لقوة حكم كونه في حكم المستأنف

__________________

(١) الآية ٤٧ من سورة الصافات.

٣٦١

معنى ، وكأنه باشره حرف النداء كما تقول في يا أيها الرجل ، وكذا أجاز ضم عطف البيان المفرد التابع للمعرب نحو : يا أخانا زيد ، وقال إن هذا موضع قد اطرد فيه المرفوع ؛ وهو غريب ، لم يذكره غيره ، وقد قدّمنا أن عطف البيان هو البدل فيلزم ، إذن ، ضمه ، إذا كان مفردا ، تبع المعرب أو المبني.

وإن كانت التوابع المذكورة تابعة للمنادى المبني على ما يرفع به ، سواء كانت الضمة ظاهرة أو مقدرة ، نحو : يا زيد ويا قاضي ويا فتى ويا هذا ، فلا تخلو التوابع من أن تكون مضافة ، أو ، لا ، والمضافة إما لفظية كما في : يا زيد الحسن الوجه ، قال :

١١٢ ـ يا ذا المخوفنا بمقتل شيخه

حجر ، تمنّي صاحب الأحلام (١)

وكذا المضارع للمضاف ، نحو يا هؤلاء العشرون رجلا ، وإما معنوية نحو : يا زيد ذا المال ؛ والاولى حكمها حكم المفردات ، لأن إضافتها كلا اضافة ، فيجوز فيها الرفع والنصب ، لأنها ، إذن ، في حكم المضارع للمضاف ، والمضارع إذا كان تابعا للمضموم ليس واجب النصب كالمضاف ، أما إذا كان منادى فحكمه حكم المضاف في وجوب النصب ؛ والثانية أي المضافة إضافة معنوية ، يجب نصبها ، نحو : يا زيد أبا عمرو ، في عطف البيان ، ويا زيد ذا المال في الوصف ، ويا تميم كلكم في التأكيد ، وجاز : يا تميم كلهّم (٢) نظرا إلى لفظ تميم ، قبل النداء ، لأن الخطاب فيه عارض ، وعطف النسق ذو اللام لا يكون مضافا إضافة حقيقية.

__________________

(١) هذا من شعر عبيد الأبرص الأسدي من فحول شعراء الجاهلية. وكان قومه هم الذين قتلوا حجرا ، والد امرئ القيس وكان امرؤ القيس جادا في الأخذ بثأر أبيه ومما قاله في ذلك.

والله لا يذهب شيخي باطلا

حتى أبير مالكا وكاهلا

القاتلين الملك الحلاحلا

خير معدّ حسبا ونائلا

ومالك وكاهل حيان من بني أسد ، فرد عليه عبيد بن الأبرص تهديده وقال :

يا ذا المخوفنا بقت

ل أبيه إذلالا وحينا

الخ الأبيات ومنها :

إنا إذا عض الثقا

ف برأس صعدتنا لوينا

نحمي حقيقتنا وبع

ض القوم يسقط بينا بينا

(٢) واضح ان الوجهين الجائزين من جهة عود الضمير مخاطبا أو غائبا.

٣٦٢

وابن الأنباري (١) يجيز في هذه المضافات الرفع أيضا ، كما في المفرد.

وإن لم تكن التوابع المذكورة مضافة ، جاز رفعها ونصبها ، تقول في الوصف : يا زيد الظريف والظريف ، وفي عطف البيان عند النحاة : يا عالم زيد وزيدا ، وفي التأكيد : يا تميم أجمعون وأجمعين ، وفي المعطوف ذي اللام : يا زيد والحارث والحارث ، وأما التوكيد اللفظي فإن حكمه في الأغلب حكم الأول إعرابا وبناء ، نحو : يا زيد زيد ، لأنه هو هو لفظا ومعنى ، فكأن حرف النداء باشره لما باشر الأول.

وقد يجوز إعرابه رفعا ونصبا ، قال رؤية :

١١٣ ـ إني وأسطار سطرن سطرا

لقائل يا نصر نصر نصرا (٢)

وفي جعل أبي عليّ ، وجار الله : يا زيد زيد بدلا ، وجعل سيبويه إياه (٣) عطف بيان ، نظر لأن البدل وعطف البيان ، يفيد ان ما لا يفيده الأول ، من غير معنى التأكيد ، والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد ؛ فإن وصفت الثاني ، نحو : يا زيد زيد الطويل ، فأبو عمرو يضم الثاني أيضا على أنه توكيد لفظي للأول موصوف ، أو بدل منه بما حصل له من الوصف ، كما في قوله تعالى : (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ)(٤) ، كما ذكرنا في لزيد صوت ، صوت حسن ، ولا يجوز أن يكون الثاني مع وصفه وصفا للأول ، كما جاز هناك ، لأن العلم لا يوصف به ، وحكى يونس عن رؤية أنه كان يقول : يا زيد زيدا الطويل ، بنصب زيد الثاني على أنه توكيد مثل يا تميم أجمعين ، فلا يمتنع ، إذن ، رفعه ، وذلك لأنك لما وصفته

__________________

(١) أنظر هامش ١ ص ١٣٥ من هذا الجزء.

(٢) مراده بقوله وأسطار سطرن سطر أي تسطيرا : القرآن الكريم أي وحق أسطار المصحف. واختلفوا في كلمة نصر المكررة في البيت. وأرجح ما قيل أن نصر الأول هو حاجب نصر بن سيار. وقد منعه من الدخول. ونصر الثاني هو الأول وهو محل الشاهد من حيث جواز رفعه ونصبه. والثالث مصدر وهو دعاء لنصر الحاجب بدليل ما بعده وهو قوله :

بلغك الله فبلغ نصرا

نصر بن سيار يثبنى وفرا

فكأنه قال : نصرك الله نصرا. بلغك الله ما تريد. فبلغ الخ.

(٣) في سيبويه ج ١ ص ٣٠٤.

(٤) الآية ١٥ ، ١٦ من سورة العلق.

٣٦٣

صار مع صفته كالوصف للأول ، فعلى هذا يكون رفع زيد الثاني ونصبه مع الوصف أكثر منهما لو لم يوصف ، لصيرورته مع الوصف كالوصف الأول ، كما يجيء في قولهم : لا ماء ماء باردا.

ثم اعلم أنه جاز الرفع في المفرد حملا على اللفظ ، ولم يجز في المضاف عند غير ابن الأنباري ، لأن النصب في توابع المنادى المضموم ، كان هو القياس ، لأن التوابع الخمسة إنما وضعت تابعة للمعرب في إعرابه ، لا للمبني في بنائه ، ألا ترى أنك لا تقول : جاءني هؤلاء الكرام بجر الصفة. حملا على اللفظ ، بل يجب رفعها على المحل ؛ لكن لما كانت الضمة التي هي الحركة البنائية تحدث في المنادى بحدوث حرف النداء وتزول بزواله ، صارت كالرفع وصار حرف النداء كالعامل لها ، وكذلك فتحة : لا رجل ، فلمشابهة الضمة للرفعة (١) جاز أن ترفع التوابع المفردة ، لأنها كالتابعة للمرفوع ، وقلّل شيئا من استنكار تبعية حركة الإعراب لحركة البناء التي هي خلاف الأصل كون (٢) الرفع غير بعيد في هذا التابع المفرد ، لأنه لو كان منادى لتحرك بشبه الرفع أي الضم ، بخلاف التابع المضاف إذ المنادى المضاف واجب النصب.

وأما ابن الأنباري فلم ينظر إلى تصور وقوعها موقع المنادى ، بل نظر إلى مشابهة متبوعها للمرفوع ، وتابع المرفوع مرفوع ، سواء كان مضافا أو مفردا ، وليس ببعيد في القياس ، لكنه لم يثبت.

فإن قيل : فلم لم يجز بناء التوابع المفردة ولا سيما الوصف منها كما جاز في : لا رجل ظريف ، فكنت تقول : يا زيد الظريف ، واللام لا تمنع البناء ، كما لم تمنع في : الخمسة عشر.

قلت : إنما جاز ذلك في «لا» لأن المنفى في الحقيقة هو الوصف ، لا الموصوف ، فكأن

__________________

(١) الرفعة تعبير مستحدث من الرضى. وقد شاكل به كلمة الضمة.

(٢) فاعل : قلّل شيئا من استنكار ...

٣٦٤

«لا» باشرت الوصف ، وذلك لأن معنى لا رجل ظريف فيها ؛ لا ظرافة في الرجال الذين فيها ، فالمنفي مضمون الصفة ، فهي لنفي الظرفاء لا لنفي الرجال ، فكأنه قيل : لا ظريف فيها ، بخلاف : يا زيد الظريف ، فإن المنادى لفظا ومعنى هو المتبوع ، فبان الفرق ، على أنه أورد الأخفش في «مسائله» (١) الكبير : إن بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان نحو : يا زيد الطويل ، ويا عالم زيد إنهما مبنيان على الضم كما في البدل ، وقد قدّمنا أن عطف البيان هو البدل.

قوله : «والخليل في المعطوف يختار الرفع» ، أي في المنسوق ذي اللام وإنما اختار الرفع مع نجويز النصب ، نظرا إلى المعنى ، لأنه منادى مستقل معنى ، وإن لم يصح مباشرة حرف النداء له ، فالرفع أولى ، تنبيها على استقلاله معنى ، كما في يا أيها الرجل.

وأبو عمرو بن العلاء يختار النصب لأنه ، لأجل اللام ، يمتنع وقوعه موقع المتبوع ، فاستبعد أن تجعل حركته كحركة ما باشره الحرف ؛ وكان الوجه أن ينظر إلى كونه تابعا ، والوجه في التوابع أن تتبع متبوعاتها في الإعراب لا في البناء.

ويلزم الخليل وأبا عمرو ، نظرا إلى العلتين المذكورتين ، اختيار الرفع أو النصب في التابع المذكور مع كون المتبوع غير المضموم.

قوله : «وأبو العباس ، إن كان كالحسن فكالخليل» ، أي المبرد يوافق الخليل في اختيار الرفع إذا كان ذو اللام مثل الحسن في عروض اللام ، وجواز حذفها ، فكأنه ، إذن مجرد عن اللام ؛ ويوافق أبا عمرو في اختيار النصب مع لزوم اللام ، كما في الصعق ، لامتناع مباشرة حرف النداء له مطلقا ، فكيف يضم؟.

__________________

(١) كتاب المسائل الكبير ، أحد مؤلفات الأخفش ، وله الأوسط ، والمسائل الصغير.

٣٦٥
٣٦٦

حرف التعريف

لزومه وعروضه في العلم

ويحتاج ههنا إلى معرفة لزوم اللام وعروضها في الأعلام ، وذلك بأن ينظر إلى العلم ، فإن كان غالبا ، أي كان في الأصل للجنس ثم كثر استعماله لواحد من ذلك الجنس ، لخصلة مختصة به من بين ذلك الجنس ، ولا بد أن يكون وقت استعماله لذلك الواحد قبل العلمية ، مع لام العهد ، ليفيد الاختصاص به ، وصار بكثرة الاستعمال علما له ، ويسمّى ذلك بالعلم الاتفاقي ، كانت (١) اللام في مثله لازمة ، لأنه لم يصر علما إلا مع اللام فصارت كبعض حروف ذلك العلم ، وذلك إما في الاسم كالبيت (٢) ، والنجم (٣) ، والكتاب (٤) ، وإما في الصفة كالصّعق (٥).

__________________

(١) جواب قوله : فان كان غالبا ... الخ

(٢) غلب البيت على الكعبة.

(٣) غلب النجم على الثريا.

(٤) في عرف النحاة اذا أطلق الكتاب أريد منه كتاب سيبويه.

(٥) الصّعق رجل من بني كلاب. قالوا انه كان يطعم الناس بتهامة فهبت ريح سفّت في جفانه التراب فسبّها فرمي بصاعقة فقتلته وقيل فيه.

وان خويلدا فابكي عليه

قتيل الريح في البلد التهامي.

فعرف بالصعق وعرف بعض أولاده بابن الصّعق.

٣٦٧

ومن الأعلام الاتفاقية ما يكون بالإضافة نحو ابن عباس ، وابن الزبير.

وإن لم يكن غالبا فإما أن يكون منقولا من الصفة أو المصدر ، أو ، لا والمنقول من أحدهما كالعباس والحسن والحسين والفضل والعلاء والنضر ، تكون اللام فيه عارضة غير لازمة ، لأنها لم تصر مع اللام أعلاما حتى تكون كأحد أجزائها ، بل إنما دخلت اللام في مثلها بعد العلمية ، وإن لم يكن العلم محتاجا إلى التعريف وذلك للمح الوصفية الأصلية ، ومدح المسمّى بها إن كانت متضمنة للمدح كالحسن والحسين ، وذمه إن كانت متضمنة للذم ، كالقبيح ، والجهم ، لو سمّي بهما ، فكأنك أخرجتها عن العلمية وأطلقتها على المسمّين أوصافا ؛ ومن ثمّ قيل في المثل : إنما سميت هانئا لتهنأ.

والصفات قبل العلمية إذا استعملت في بعض ما تصلح له ، كانت مع اللام ، كالضارب لبعض الموصوفين بالضرب ، وكذا المصادر ، أجريت مجرى الصفات لأنه قد يوصف بها نحو صوم وزور وعدل.

وليس جواز دخول اللام في الأعلام المنقولة عن الوصف والمصدر مطردا ، ألا ترى أنك لا تقول في محمد ، وعلي : المحمد ، والعليّ ، بل يجوز دخول اللام في أكثرها.

وما ليس منقولا من الوصف والمصدر ، فإن كان في الأصل المنقول منه معنى المدح أو الذم ، فالأولى جواز لمح الأصل ، نحو : الأسد في المسمى بأسد ، والكلب في المسمّى بكلب ؛ قالوا بنو الليث في بني ليث بن بكر بن مناة.

وإن لم يكن في الأصل المنقول منه ذلك ، لم تدخله اللام ، إلا إذا وقع اشتراك اتفاقي ، فحينئذ ، إما أن تضيف العلم أو تعرفه باللام ، وإن كان في الأصل فعلا ، وليسا بمطردين قياسيّين ، قال :

١١٤ ـ علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

بأبيض ماضي الشفرتين يماني (١)

__________________

(١) يوم النقا : مراد به يوم معين كان عند النقا وهو الكثيب من الرمل. جاء في الكامل للمبرد : وقال رجل من طيء وكان رجل منهم اسمه زيد قتل آخر من بني أسد اسمه زيد أيضا : ثم أقيد القاتل ، فقال الطائي مفتخرا : ـ

٣٦٨

١١٥ وقال :

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأحناء الخلافة كاهله

وأما أعلام أيام الأسبوع ، كالأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، فمن الغوالب فتلزمها اللام ، وقد يجرّد «اثنان» (١) من اللام دون أخواته ، نحو قولهم : هذا يوم اثنين مباركا فيه.

وإنما حكمنا بكونها غالبة ، وإن لم يثبت الثلاثاء والأربعاء والخميس ، أجناسا بمعنى الثالث والرابع والخامس ، محافظة على القاعدة الممّهدة ، في كون الأعلام اللازمة لامها في الأصل أجناسا صارت بالغلبة أعلاما مع لام العهد ، فيقدّر كونها أجناسا ، وكذا في نحو : الثريا والدبران ، والعيّون والسّماك ، وإن لم تثبت ألفاظها أجناسا ، ولم نعرف في بعضها أيضا ، معنى شاملا للمسمّى المعيّن ولأخواته ، كما عرفنا في الثلاثاء والأربعاء ، وربّما يكون في هذه الأعلام ما ثبت لفظه جنسا ، لكن لا يعرف كيفيته غلبته في واحد من جنسه ، كالمشتري في الكوكب المعيّن ، فإنا لا ندري ما معنى الاشتراء فيه ، ولذلك قال سيبويه : وما لم يعرف من هذا الجنس أصله فملحق بما عرف ، وعند المصنف : ما لزمته اللام من الأعلام التي لم يثبت استعمال ألفاظها في الجنس الشامل لذلك المعيّن ولغيره ، كالثلاثاء والأربعاء والدبران والمشتري ؛ ليست من الغوالب ، لأن العلم الغالب : ما كان جنسا ثم صار بالغلبة علما ؛ قال : بل هي أسماء موضوعة لمسمّياتها.

__________________

علا زيدنا يوم النقا ... البيت وبعده :

فان تقتلوا زيدا بزيد فانما

أقادكم السلطان بعد زمان

يريد أن زيدنا انما قتل قودا بحكم السلطان ، وروي يوم الحمى ، بدل يوم النقا.

(١) المراد به الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقائل هذا البيت هو ابن ميادة من قصيدة في مدح الوليد المذكور: أولها:

ألا تسأل الربع الذي ليس ناطقاً

واني على أن لا يبين لسائله

وقيل بيت الشاهد:

هممت بقول صادق أن أقوله

واني على رغم العدو لقائله

وبعده:

أضاء سراج الملك فوق جبينه

غداة تناجي بالنجاح قوابله

(٢) اسم اليوم المعين.

٣٦٩

وإنما ارتكب سيبويه تلك الطريقة ، إجراء للّازم لامها مجرى واحدا في التقدير ، لمّا أمكن ، وكان الأكثر ما ثبت جنسيته ، ثم اختص بواحد من الجنس ، فألحق القليل بالأعمّ الأغلب.

فالغوالب عند سيبويه ، على أربعة أقسام : أحدها ما ثبتت جنسيته لفظا ويعرف فيه المعنى العام الشامل للمسمّى المعيّن ولأخواته ، كالنجم والصعق وابن عباس ؛ وثانيها ما يعرف فيه ذلك المعنى ولم يثبت جنسية لفظه كالثلاثاء ، وثالثها ما لا يعرف فيه ذلك المعنى وثبتت ، جنسية لفظه كالمشتري ، ورابعها ما لا يعرف فيه ذلك المعنى ولم يثبت جنسية لفظه ، كالدبران والعيّوق للكوكبين لمن لا يعرف معنى العوق والديور ، فيهما ، هذا بطوله.

* * *

ومذهب المبرد (١) ليس ما أحال عليه المصنف ، ولا يدل عليه كلامه ، وذلك أنه قال ، إن كانت اللام في العلم ، اخترت مذهب الخليل ، لأن الألف واللام لا معنى لهما فيه ولا يفيدان التغريف ، بل يلمح بهما الوصفية الأصلية فقط ، فكأنه مجرد عنهما لأن تعريفه بالعلمية ، قال ، وإن كانت اللام في الجنس اخترت مذهب أبي عمرو ، لأن اللام ، إذن ، تفيد التعريف فليس الاسم كالمجرد عنها ، فعلى هذا ، مذهب المبرد في الحسن والصعق معا اختيار الرفع لأن اللام لا تفيد التعريف ، وهذا كما ترى ، خلاف ما نسب إليه المصنف.

قوله : «والمضافة المعنوية» ، أي التوابع المضافة ، وهي في مقابلة قوله قبل : وتوابع المبني المفرد ، وليس في نسخ الكافية (٢) تقييد المضافة بالمعنوية ولا بد منه ، لأن اللفظية ، كما ذكرنا ، جارية مجرى المفردة ؛ وذكر قي شرح المفصل في تجويز الرفع في نحو : يا ذا المخوفنا ، وفي نحو :

١١٦ ـ يا صاح يا ذا الضامر العنس

والرحل ذي الأقتاب والحلس (٣)

__________________

(١) رجوع إلى الموضوع الأصلي وهو التعليق على ما قاله المصنف من مذهب المبرد ومناقشته في ذلك وبيان المذهب الصحيح للمبرد. وما سبق كان استطرادا لبيان الاعلام الغالبة.

(٢) أي نسخ المتن التي نقل منها وكتب عليها شرحه هذا.

(٣) هذا من شواهد سيبويه ج ١ ص ٣٠٦ ونسبة بعض شراح أبيات الكتاب لخزز بن لوذان السدوسي ، ونسبه

٣٧٠

مع أنهما مضافان ، : علتين (١) احداهما أن صفة اسم الإشارة لا تكون إلا مفردة ، كما يجىء في باب الوصف ، فكأنه قال : يا ذا الرجل الضامر العنس ، فالصفة في الحقيقة مفردة : والثانية أن اللام في الضامر والمخوف اسم موصول ، مع صلته في حكم المفرد وإن كان مضارعا للمضاف ، فكأنه قال : الذي ضمرت عنسه ، ولو كان : الذي ضمرت عنسه ، يقبل الحركة لم تكن إلا الرفع ، فكذا ما كان مثله.

وتزول علتاه في قولك : يا زيد الحسن الوجه ، فإن الموصوف ليس باسم الإشارة ، ولا يكون الألف واللام ، موصولا إلا في اسم الفاعل أو المفعول ، ويجوز رفع الوصف اتفاقا ، فالأولى ما قدمناه وهو أن المضاف اللفظي وإن كان مضارعا للمضاف لكن لا يجري تابعا مجرى المضاف في وجوب النصب ، بل إنما يجري مجراه إذا كان منادى.

قوله : «غير ما ذكر» ، أي غير ذي اللام ، قوله «مطلقا» أي مفردين كانا ، أو لا ، وكان متبوعهما مضموما ، أو ، لا.

قوله : «والعلم الموصوف بابن» ، حكم «ابنة» حكم «ابن» فيما ذكز ، وأما بنت فليست مثلهما في النداء ، أما في غير النداء ففي جريها مجراهما وجهان ، الأولى المنع ، لأن التخفيف معهما لفظا وخطا ، إنما هو لكثرة الاستعمال ، ولم يكثر استعمال «بنت» ؛ والشرط أن يكون العلم موصوفا بابن متصلا بموصوفه ، احتراز عن نحو : يا زيد الظريف ابن عمرو ، فإنه لا يفتح المنادى في مثله ، إذ مثله غير كثير الاستعمال ، فالشروط أربعة : وهي كون المنادى علما ، احترازا عن نحو يا رجل ابن زيد وكونه موصوفا بابن ، احترازا عن نحو : يا زيد : ابن عمرو في الدار على أن ابن عمرو ، مبتدأ (٢) ؛ وكون ابن متصلا كما ذكرنا ، وكونه مضافا إلى علم ، احترازا عن نحو : يا زيد ابن أخينا ، فإذا

__________________

ـ ـ صاحب الأغاني لخالد بن المهاجر وزاد بعده :

تسرى النهار ولست تاركه

وتجد سيرا كلما تمسي

وصواب البيت الثاني : سير النهار فلست تاركه ، لأن تسري من السرى وهو لا يكون إلا ليلا.

(١) مفعول قوله وذكر في شرح المفصل.

(٢) أي أن جملة : ابن عمرو في الدار. هي اخبار لزيد بمضمونها بعد ندائه.

٣٧١

اجتمعت الشروط ، اختير فتح المنادى ، ولا يجب ، وقد ذهب بعضهم إلى وجوبه.

وإنما اختير فتح المنادى مع هذه الشروط ، لكثرة وقوع المنادى جامعا لها ، والكثرة مناسبة للتخفيف ، فخففوه لفظا بفتحه ، وسهل ذلك كون الفتحة حركته المستحقة في الأصل ، لكونه مفعولا.

وخففوه خطا بحذف ألف ابن ، وابنة (١).

والكوفيون يجوّزون فتح المنادى العلم الموصوف بأي صفة منصوبة كانت ، نحو : يا زيد ذا المال.

وبعض البصريين يجوزون فتح المنادى المفرد المعرفة ، علما كان ، أو ، لا ، إذا وقع موصوفا بابن ، الواقع بين متفقي اللفظ ، نحو يا عالم بن العالم.

والعلم المتصف بابن وابنة ، الجامع للشرائط الأربع في غير النداء يخفف بحذف تنوينه وجوبا ، وبحذف ألف «ابن» خطا ، أيضا نحو جاءني زيد بن عمرو.

وقوله :

١١٧ ـ جارية من قيس بن ثعلبة (٢)

شاذ.

وإن اختل إحدى الشرائط لم يحذف التنوين ، ولا الألف خطا ، والمعتبر في كل ما ذكرنا لفظ ابن ، وابنة ، لا تثنيتهما وجمعهما ، وتصغيرهما ، لأنه لا يكثر استعمالهما كذلك ، وكذا المعتبر كون العلم الموصوف مفردا ، لأن المثنى والمجموع ليسا بعلمين ، أيضا ، ولا يكثر استعمالها.

__________________

(١) قيد ذلك علماء الرسم. بأن يكون لفظ ابن غير واقع في أول السطر ، وإلا رسمت الألف قبله ولو اجتمعت كل هذه الشروط.

(٢) هو مطلع أرجوزة للأغلب العجلي يقصد به امرأة من العرب اسمها «كلبة» وكانت بينه وبينها مهاجاة وفي الأرجوزة التي منها الشاهد فحش كثير.

٣٧٢

نداء المعرف

بالألف واللام

قال ابن الحاجب :

«وإذا نودي المعرف باللام قيل : يا أيها الرجل ، ويا هذا الرجل»

«ويا أيهذا الرجل ، والتزموا رفع الرجل لأنه المقصود ؛ وتوابعه»

«لأنها توابع معرب ، وقالوا : يا ألله خاصة».

قال الرضى :

لو دخل اللام المنادى ، فإما أن يبنى معها وهو بعيد ، لكون اللام معاقبة للتنوين فهي كالتنوين ، فمن ثمّ قلّ بناء الاسم معها كالخمسة عشر وأخواته ، والآن ؛ فاستكره دخولها مطردا في المنادى المبني.

وإما أن يعرب ، وهو أيضا ، بعيد ، لحصول علة البناء ، وهي وقوع المنادى موقع الكاف وكونه مثله في الإفراد والتعريف.

وقال بعضهم إنما لم يجمعوا بينهما ، كراهة اجتماع حرفي التعريف ، وفيه نظر ، لأن اجتماع حرفين في أحدهما من الفائدة ما في الآخر وزيادة ؛ لا يستنكر ، كما في : لقد ،

٣٧٣

وألا إنّ (١) ، على ما يجيء في موضعيهما ، قالوا : وليس المحذور اجتماع التعريفين المتغايرين بدليل قولك : يا هذا ، ويا عبد الله ، ويا أنت ، ويا ألله ؛ بل الممتنع اجتماع أداتي التعريف لحصول الاستغناء بأحدهما.

وقال المبرد ، في الأعلام ، إنها تنكر ثم تعرف بحرف النداء ، ولا يتم ما قال في : يا ألله ، ويا عبد الله (٢).

وقال المازني ، في اسم الإشارة : ينكّر ثم يجبر بحرف النداء ، ومن ثمّ لا يقال : هذا أقبل ، أي يا هذا.

ولا حاجة إلى ما ارتكبا ، إذ لا منع من كون الشيء المعيّن مواجها مقصودا بالنداء ، وأي محذور من اجتماع مثل هذين التعريفين ؛

هذا ، ولما قصدوا الفصل بين حرف النداء واللام (٣) بشيء ، طلبوا اسما مبهما غير دال على ماهية معيّنة ، محتاجا بالوضع في الدلالة عليها إلى شيء آخر ؛ يقع النداء في الظاهر على هذا الاسم المبهم لشدة احتياجه إلى مخصصه الذي هو ذو اللام.

وذلك أن من ضرورة المنادى أن يكون متميز الماهية ، وإن لم يكن معلوم الذات ، فلا معنى لنحو : يا شيء ، ويا موجود ، إلا أن يكنى بمثلهما عن أن المخاطب ، ما فيه شيء ، مما يكون في العقلاء إلا أنه يقع عليه اسم الشيء والموجود ، وهذا مجاز ، وكلامنا في الحقيقة.

فوجدوا الاسم المتصف بالصفة المذكورة «أيّا» بشرط قطعه عن الإضافة ، إذ هي تخصصه ، نحو : أي رجل ، واسم الإشارة ، وأما لفظ شيء ، وما بمعنى شيء ، فإنهما وإن كانا مبهمين ، لكن لم يوضعا على أن يزال إبهامهما بالتخصيص ، بخلاف : أي ،

__________________

(١) اجتمع في «لقد» لام التوكيد وحرف التحقيق ، وفي «ألا إن» حرفان يستفتح بهما الكلام ويدلان على الثبوت وتزيد «ان» بافادتها التوكيد.

(٢) لأن لفظ الجلالة لا يقبل التنكير ولو فرضا ، والعلم المضاف إلى لفظ الجلالة انما اكتسب التعريف منها.

(٣) أي حرف التعريف.

٣٧٤

واسم الإشارة ، فإنهما وضعا مبهمين مشروطا إزالة إبهامهما بشيء ؛ أما اسم الإشارة فبالإشارة الحسية ، أو بالوصف ، وأما أيّ ، فباسم آخر بعده.

وأما ضمير الغائب فإنه وضع مبهما مشروطا إزالة إبهامه بما قبله لا بما بعده ، وإن اتفق ذلك (١) ، فالأغلب أن يكون منكرا ؛ كما في : ربّه رجلا ، وأما نحو : رأيته زيدا فقليل ، وأما الموصول فإنه وإن أزال إبهامه ما بعده ، لكنه جملة.

ثم نقول : إن «أيّا» المقطوع عن الإضافة ، أحوج إلى الوصف من اسم الإشارة ، لأنه ، كما ذكرنا ، وضع مبهما مزال الابهام باسم بعده بخلاف اسم الإشارة فإنه قد يزول إبهامه بالإشارة الحسية.

فلهذا قد يقتصر على : يا هذا ، دون : يا أيها ؛ ومن ثمّ جوّز بعضهم في نعت : يا هذا : النصب والرفع كما في : يا زيد الظريف ، وأوجب رفع نعت «أي».

وفصل بعضهم في وصف : يا هذا ، فقال : إن كان لبيان الماهية نحو : يا هذا الرجل ، وجب الرفع لأنه مستغنى عنه ، وإلّا جاز الرفع والنصب ، نحو : يا هذا الطويل رفعا ونصبا.

وأما المازني والزجاج فجوّزا النصب والرفع في وصف اسم الإشارة وأيّ ، قياسا على على نحو : يا زيد الظريف ، ولم يثبت.

وإنما قطع «أي» المتوصل به إلى نداء ذي اللام عن الإضافة ، لما ذكرنا ، من قصد الإبهام ، وأيضا ، لو لم يقطع عن الإضافة لكان منصوبا ، وكذا ذو اللام الذي هو وصفه ، فلم يمكن التنبيه بنصبه ، على كونه مقصودا بالنداء ، كما أمكن بلزوم الرفع وترك النصب.

وأبدل هاء التنبيه من المضاف إليه (٢) ، لأنه لم يكن يخلو من مضاف إليه أو من تنوين قائم مقامه ، نحو : (أَيًّا ما تَدْعُوا)(٣) ، وليس هذا موضع التنوين ، وأيضا ، التنوين بدل

__________________

(١) أي ازالة ابهامه بما بعده.

(٢) أي جيء بها بدلا منه

(٣) الآية ١١٠ من سورة الاسراء.

٣٧٥

من مضاف إليه معلوم مقدر ، كما في قوله تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ)(١) ، و (كُلًّا هَدَيْنا)(٢) والقصد ههنا الابهام ، وهاء التنبيه أيضا مناسب للنداء ، إذ النداء أيضا تنبيه ، ثم ، لكون اسم الإشارة أوضح من «أي» وصف «أي» به في بعض المواضع نحو : يا أيهذا ، فيقتصر عليه.

وإنما توصّل بأي إلى نداء اسم الإشارة لأن اسم الإشارة في الأصل ما يشار به للمخاطب إلى شيء ، فهو في أصل الوضع لغير المخاطب ، ولهذا يؤتى فيه بحروف الخطاب كما يجيء في بابه ، فتحوشي في بعض الأماكن من أن يدخله حرف يجعله مخاطبا أي حرف النداء ، ففصل بينهما بأيّ في بعض المواضع ، لتناكرهما في الظاهر ، ثم قد يوصف هذا الوصف باسم الجنس نحو يا أيهذا الرجل ، فعلى ما ذكرنا ، ليس هذا التركيب مصوغا لأجل نداء المعرف باللام ، على ما أومأ إليه المصنف ، بل لأجل نداء اسم الإشارة ، بدليل اقتصارهم كثيرا على نحو يا أيهذا من دون الوصف باسم الجنس.

وقال الأخفش في : يا أيها الرجل : أيّ موصول وذو اللام بعده خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة أيّ ، وإنما وجب حذف هذا المبتدأ لمناسبة التخفيف للمنادى ، ولا سيّما إذا زيد عليه كلمتان أعني أيها ؛ ويصح تقوية مذهبه بكثرة وقوع «أي» موصولة في غير هذا الموضع ، وندور كونها موصوفة ، كما يجيء في باب الموصولات.

قيل : لو كانت موصولة لكانت مضارعة للمضاف فوجب نصبها ، والجواب ، أنه إذا حذف صدر صلتها فالأغلب بناؤها على الضم كما يأتي في الموصول ، فحرف النداء ، على هذا ، يكون داخلا على اسم مبني على الضم فلم يغيّره وإن كان مضارعا للمضاف ، كما في قولك : يا من قال كذا.

والأكثرون على أن ذا اللام وصف لاسم الإشارة في النداء وغيره ، لأنه اسم دال على

__________________

(١) الآية ٣٢ من سورة الزخرف

(٢) الآية ٨٤ من سورة الأنعام.

٣٧٦

معنى في تلك الذات المبهمة وهو الرجولية ؛ وهذا حدّ النعت كما يجيء ، أي ما دل على معنى في متبوعه.

وقال بعضهم هو عطف بيان لعدم الاشتقاق.

والجواب أن الاشتقاق ليس بشرط في الوصف ، كما يجيء في بابه ؛ ولا يوصف اسم الإشارة إلا باسم الجنس المعرف باللام كما يأتي في باب النعت ، أما اسم الجنس فلأنه هو الدال على الماهية من بين الأسماء ، والمحتاج إليه في نعت اسم الإشارة بيان ماهية المشار إليه فمن ثمّ قبح نعتها من الصفات المشتقة إلا بما يخص بعض الماهيات نحو هذا العالم ، فقبح : هذا الأبيض.

وأما التعريف باللام فلأن تعيين الماهية حصل من لفظ الجنس وتعيين الفرد من أفرادها ، من اسم الإشارة ، فلم يبق إلا تطابق النعت والمنعوت مع أنهما كلمتان بمنزلة قولك : الرجل المعهود ، لأن لفظ هذا ، لا يفيد إلا تعيين الفرد الذي دل عليه الرجل ، وهذه الفائدة تحصل من لام العهد ، فظهر شدة احتياج المبهم إلى صفته ، فمن ثمّ لا يجوز الفصل بين النعت والمنعوت ههنا ، فلا تقول : هذا اليوم الرجل ، كما يجوز في غير هذا النوع ، ولا ، يجوز ، أيضا ، تفريق صفاته نحو : هؤلاء الرجل والفرس والبقر.

قوله : «والتزموا رفع الرجل» ، أي اسم الجنس الواقع صفة لأيّ ، وهذا ، وإن كان القياس جواز نصبه أيضا ، كما في : يا زيد الظريف ، لكن نبهّوا بالتزام رفعه على كونه مقصودا بالنداء ، فكأنه باشره حرف النداء ، وأما الظريف ، في : يا زيد الظريف ، فليس مقصودا بالنداء ، بل المقصود : زيد ، وقد ذكرنا الخلاف في تجويز نصبه قبيل.

قوله : «وتوابعه» ، أي التزموا رفع توابعه.

اعلم أنّ تابع تابع المنادى عند النحاة مثل متبوعه مطلقا ، إن كان تابع المنادى مرفوعا أو منصوبا يحمل تابع التابع على ظاهر إعراب التابع ، سواء كان المنادى «أيّ» ، أو «هذا» ، أو غيرهما ، تقول في غيرهما : يا زيد الطويل ذو الجمة ، إذا جعلته صفة للطويل وإن حملته على زيد ، نصبت ، ومن نصب الطويل ، نصب ذا الجمة لا غير ، كان نعتا للطويل أو لزيد.

٣٧٧

وأما في «أي» فإن التابع الذي يجيء بعد وصفه لا يكون إلا تابعا لوصف «أي» لأنه هو المنادى في الحقيقة ، وأي ، وصلة إليه.

فعلى هذا ، إذا كان ذلك التابع مضافا معنويا فالواجب الرفع نحو : يا أيها الرجل دو المال ، ولا يجوز : يا أيها الرجل وعبد الله ، لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه ، فيجب ، إذن ، أن يكون عبد الله ، صفة «أي» ، ولا يجوز ، لأنه لا يوصف إلا بذي اللام ، ويجوز : يا أيها الرجل الحسن الوجه ، كما يجوز يا أيها الحسن الوجه ، وكذا يجوز : يا أيها الفاضل والحسن الوجه.

وإن أبدل من وصف «أي» ، فإن جعل المبدل منه في حكم الطرح لم يجز إلا أن يكون البدل مما يجوز كونه صفة لأيّ ، أعني الجنس ذا اللام ، فلا تقول : يا أيها الرجل زيد ، وإن لم يجعل المبدل منه في حكم الطرح جاز يا أيها الرجل زيد ، برفع زيد ، وسيجيء في باب البدل أنه يجوز جعل المبدل منه في حكم الطرح ، وتركه (١) ، نحو : يا عالم زيد بالضم ، ويا عالم زيد وزيدا بالرفع والنصب ، ولا يجوز : نحو يا أيها الرجل زيد ، بضم زيد ، بدلا من أي ، لما تقدم : أن التابع الذي بعد وصف «أي» لا يتبع «أي».

وأما إذا جئت به بعد وصف اسم الإشارة ، فيجوز فيه الأمران لأن اسم الإشارة قد يستبدّ من دون وصفه ، فتقول : يا هذا الرجل زيد وذو المال حملا على الوصف ، وزيد بالضم ، وذا المال حملا على هذا.

وإذا كان ذلك التابع عطف نسق مجردا عن اللام ، لم يجز إلا حمله علي هذا ، نحو يا هذا الرجل وذو الجمّة ، لأنك لو حملته على الوصف ، كان وصفا لهذا ، واسم الإشارة لا يوصف إلا بذي اللام كما قلنا في «أي».

ولا يجوز (٢) عطف المضاف لا رفعا ولا نصبا على المفرد الذي هو صفة للمنادى المضموم

__________________

(١) أي ترك جعله في حكم الطرح.

(٢) جاء في بعض النسخ نسبة هذا الرأي للأندلسي (القاسم بن أحمد) ويؤيد ذلك قوله بعد قليل : قال : فلم يبق إلا النصب.

٣٧٨

نحو : يا زيد الطويل وذو الجمة ، أما النصب فلأن المنصوب لا يعطف على المرفوع ، وأما الرفع فلأن حق المعطوف جواز قيامه مقام المعطوف عليه ، ولا يجوز : يا زيد ذو الجمّة برفع «ذو».

قال : فلم يبق إلا النصب عطفا على زيد.

وأجاز المازني الرفع حملا على الطويل ، ويمنع من كون المعطوف كالمعطوف عليه في كل ما يجب له ويمتنع عليه ، ألا ترى إلى قولهم : يا زيد والحارث ، ولا يجوز : يا الحارث.

والجواب أنه كان القياس امتناع نحو يا زيد والحارث ، لكنه إنما جاز لأن المانع من نحو : يا الحارث ، اجتماع «يا» واللام لفظا ، ولم يجتمعا في يا زيد والحارث فهو مثل يا أيها الرجل من حيث إنهما اجتمعا في الصورتين تقديرا ، لا لفظا.

قوله «لأنها توابع معرب» ؛ يوميء إلى أن المعرب لا محلّ له ، وإلى أنه لا يحمل على محله ، وترك ظاهر إعرابه.

وفي الموضعين نظر.

أمّا الأول ، فلأن المضاف إليه إضافة غير محضة ، له محلّ (١) من الإعراب مع كونه معربا لفظا ، نحو : حسن الوجه ، ومؤدب الخدام وضارب زيد ، وكذا ما أضيف إليه المصدر ، قال :

١١٨ ـ حتى تهجّر في الرواح وهاجها

طلب المعقب حقه المظلوم (٢)

__________________

(١) يريد بالمحل : ملاحظة معناه من حيث كونه فاعلا أو مفعولا. ولا يريد أنه مبني له محل من الاعراب. ويسميه النحاة العطف على المعنى.

(٢) من قصيدة للبيد بن ربيعة في وصف حمار الوحش وانثاه ، وكان قد وصف ناقة أولا ثم شبهها بحمار الوحش الذي يطارد أنثاه. فيكون شديد السرعة. وهاجها أي أزعجها وكان شأنه معها شأن الغريم المظلوم الذي يطالب بحقه.

٣٧٩

وأما الثاني فإنه وإن كان ظاهر كلام سيبويه منع الحمل على موضع ما أضيف إليه اسما الفاعل والمفعول ، والصفة المشبهة والمصدر وإن جاء في الظاهر ما يوهم خلاف ذلك فهو يضمر له عاملا كقوله في ضارب زيد وعمرا ، إن التقدير ضارب زيد وضارب عمرا ، ولا يجيز في نحو حسن الوجه واليد ، الرفع في المعطوف كل ذلك كراهة لمخالفة التابع لظاهر إعراب المتبوع إلى المحل الخفي ؛ لكنه يشكل باتفاقهم على جواز العطف على محل اسم إن في نحو إن زيدا منطلق وعمرو ؛

وله أن يرتكب أن الجملة غير المؤكدة ، أعني عمرو مع خبره المقدر ، عطف على الجملة المؤكدة ، أعني : إن مع اسمه وخبره ولا نقول إن الاسم عطف على الاسم ، وكذا القول في نحو :

١١٩ ـ فان لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلتزعك العواذل (١)

وقوله

١٢٠ ـ معاوى إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢)

إن المنصوب عطف على الجار والمجرور.

قوله : «والتزموا رفع الرجل» ، كأنه جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنه ، إذا كان صفة للمنادى المضموم ، فلم لم يجز فيه النصب كما في يا زيد الظريف.

__________________

(١) وهذا أيضا من شعر لبيد من قصيدة جيدة مشهورة تتضمن كثيرا من الحكم والمواعظ وهي التي أولها :

ألا تسألان المرء ما ذا يحاول

أنحب فيقضي أم ضلال وباطل

وقيل بيت الشاهد :

فقولا له ان كان يقسم أمره

ألما يعظك الدهر أمك هابل

إلى أن قال :

فان أنت لم تصدقك نفسك فانشب

لعلك تهديك القرون الأوائل

(٢) من شعر لعقيبة بن هبيرة الأسدي يخاطب معاوية بن أبي سفيان. ورواه بعضهم بالجر فلا شاهد فيه ، وصحح الزمخشري أن المنصوب من شعر آخر لعبد الله بن الزبير الأسدي والزبير بفتح الزاي وهو غير عبد الله بن الزبير بضمها ، وكلاهما خطاب لمعاوية.

٣٨٠