شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

في ذلك وأورد سيبويه (١) «وانتهوا خيرا لكم» وحسبك خيرا لك ، فيما وجب إضمار فعله ، ولعله سمع : انته وائت أمرا قاصدا باظهار ناصب «أمرا» ولم يسمع إظهار ناصب «خيرا لكم» وخيرا لك ، وإلا فالثلاثة متقاربة المعنى ، ومعنى : أمرا قاصدا : ذا قصد ، والقصد في الأمر خلاف القصور والإفراط ، قال :

٩٨ ـ كلا طرفي قصد الأمور ذميم (٢)

قوله : «أهلا» أي أتيت أهلا لا أجانب ، وسهلا أي وطئت مكانا سهلا عليك لا وعرا.

وقال المبرد : هي منصوبة على المصدر ، أي : رحبت بلادك مرحبا أي رحبا ، وأهلت أهلا أي تأهلت تأهّلا فقدر له فعلا وإن لم يكن له فعل كما قيل في نحو القهقري على نحو ما ذكرنا ، وسهل موضعك سهلا على وضع «سهلا» موضع سهولة.

ومن الواجب إضمار فعلها سماعا ، قولهم : هذا ولا زعماتك ، كأن المخاطب كان يزعم زعمات كاذبة ، فلما ظهر ما يخالف ذلك ، من قول عليه سيماء الصدق صادر من غيره ، قيل له : هذا ولا زعماتك ، أي هذا الحق ، ولا أتوهم زعماتك ويجوز أن يكون التقدير : أزعم هذا ولا أزعم زعماتك ، أو أزعم هذا ، ولا تزعم زعماتك.

ومنها قولهم : من أنت زيدا ، وأصله أن رجلا غير معروف بفضيلة يسعى بزيد ، وكان اسم رجل مشهور ، فأنكر ذلك عليه أي : من أنت ذاكرا زيدا أو تذكر زيدا ، وانتصاب ذاكرا على الحال من معنى : من أنت ، أي من تكون؟ كما قيل في : كيف

__________________

(١) الكتاب ج ١ ص ١٤٣.

(٢) ورد هذا الشطر وهو يجري مجرى المثل ، في قول شاعر لم يذكر أحد اسمه وإنما ورد في كتاب «العباب في شرح أبيات الآداب» كما قال البغدادي ألفه ابن سناء الملك وضمنه أبياتا واشطارا تتضمن حكما ومواعظ ، وهو عجز أحد بيتين هما :

عليك بأوساط الأمور فانها

طريق إلى نهج الصواب قويم

ولا تك فيها مفرطا أو مفرطا

كلاطر في قصد الأمور ذميم

وقد تضمن كثير من الشعر هذا الشطر. والله أعلم بحقيقة الحال.

٣٤١

أنت وقصعة من ثريد ، أي كيف تكون ؛ ويقال هذا أيضا فيمن ذكر عظيما بسوء ، أي من أنت تذكر زيدا ، ويروي زيد بالرفع ، أي : كلامك زيد ، نحو كلمته فوه إلى فيّ ، والنصب أقوى وأشهر.

ومنها قولهم : عذيرك من فلان ، والعذير : إما بمعنى العاذر كالسميع أو المعذر ، كالأليم بمعنى المؤلم ، وأعذر وعذر بمعنى ، ويجوز أن يكون العذير بمعنى العذر ، إلا أن الفعيل في مصدر غير الأصوات قليل ، كالنكير ، وأما في الأصوات كالصهيل والنئيم فكثير ، والعذير أيضا ، الحال يحاولها المرء يعذر عليها ، قال :

٩٩ ـ جاري لا تستنكري عذيري

سيرى وإشفاقي على بعيري (١)

بيّن بقوله : سيرى وإشفاقي ، الحال التي ينبغي أن يعذر فيها ولا يلام عليها ، يقال هذا إذا أساء شخص الصنيع إلى المخاطب ، أي أحضر عاذرك أو عذرك أو الحال التي تعذر فيها ولا تلام ، وهي فعل المكروه إلى ذلك الشخص ، أي لك العذر فيما تجازيه لسوء صنيعه إليك.

ومن في «من فلان» أي من أجل الإساءة إليه وإيذائه ، أي أنت ذو عذر فيما تعامله به من المكروه.

ومنه ما يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأبي بكر : أعذرني من عائشة» (٢) أي من جهة تأديبها وتعريكها ؛ وفي الخبر : «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم» أي يقيموا العذر بسبب كثرة ذنوبهم ، لمعذبهم ومهلكهم ، فمعنى من أنفسهم أي من جهة أنفسهم وإهلاكها.

ويقال : من يعذرني من فلان أي من أجل إيذائي إياه ، أي : لي عذر في إيذائه فهل ههنا من يعذرني.

__________________

(١) هو أول رجز للعجاج وبعده : وكثرة الحديث عن شقوري. ووجه الاستشهاد به وضحه الشارح.

(٢) قال ابن الأثير في (النهاية) في غريب الحديث والأثر : مادة «عذر» ما خلاصته : واستعذر النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أبي بكر من عائشة. كان قد عتب عليها في شيء فقال لأبي بكر : كن عذيري من عائشة ان أدبتها. أو اعذرني منها .. ومثله في لسان العرب.

٣٤٢

ومنها قولهم : أهلك والليل ، إن كان فيه الواو بمعنى «مع» ، فالمعنى : الحق أهلك مع الليل ، أي لا يسبقك الليل إليهم ، وإن كانت للعطف ، انتصب الليل بفعل آخر غير ناصب «أهلك» ، أي الحق أهلك واسبق الليل.

ومنها : كليها وتمرا ، أي أعطني كليهما وتمرا ، وأصله أنه قال شخص بين يديه زبد وسنام وتمر ، لآخر : أيّ هذين تريد ، مشيرا إلى الزبد والسنام ، فقال ذلك الآخر ذلك.

ومنها قولهم الكلاب على البقر ، أي أرسل ، و : أحشفا وسوء كيلة أي أتجمع حشفا ؛ و : كلّ شيء ولا شتيمة حر ، أي اصنع كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر و : إن تأتني فأهل الليل وأهل النهار أي فتأتي أهل الليل وأهل النهار ، أي أهلا لك بالليل والنهار ؛ و : ديار الأحبة ، أي اذكرها ، وقولهم : كاليوم رجلا ، أي ما رأيت كرجل اليوم رجلا ، على حذف ناصب «رجلا» وحذف ما أضيف إلى اليوم ؛ وكاليوم حال مقدم من «رجلا» ؛ وقد يقال : كلاهما بالرفع وتمرا ، وكلّ شيء ولا شتيمة حر ، أي كلاهما لي ، وكل شيء أمم ، (١).

ووجوب الحذف في جميع ما ذكر وأمثالها ، لكونها أمثالا أو كالمثل في كثرة الاستعمال والأمثال لا تغيّر.

واعلم أن المفعول به يحذف كثيرا ، إلا في أفعال القلوب ، كما يجيء في بابها ، وكذا المتعجب منه ، فإنه لا يحذف إلا مع قيام القرينة على تعيينه ، نحو : ما أحسنك وأجمل ، إذ لا فائدة من التعجب من دون المتعجب منه ، ولا يحذف المجاب به نحو : ضربت زيدا في جواب من قال : من ضربت ، إذ هو مقصود الكلام ، وكذا إذا كان مستثنى نحو : ما ضربت إلا زيدا.

وما حذف من المفعول به فهو على ضربين :

__________________

(١) أي سهل هيّن.

٣٤٣

إما منويّ ، كما في قوله تعالى : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ)(١) أي لمن يشاؤه.

أو غير منوي ، وذلك إما لتضمين الفعل معنى اللازم كقوله تعالى : (يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)(٢) ، أي يعدلون ، وقوله :

١٠٠ ـ وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها

إلى الضيف بجرح في عراقبها نصلى (٣)

أي يؤثر بالجرح.

وإما للمبالغة بترك التقييد كما تقول : فلان يعطي ويمنع ، قال الله تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)(٤).

* * *

المنادى

قال ابن الحاجب :

«والثاني المنادى وهو المطلوب إقباله بحرف نائب»

«مناب أدعو ، لفظا أو تقديرا»

قال الرضى :

قوله : «المطلوب إقباله» ، أي الذي تطلب منه أن يقبل عليك بوجهه ، قال المصنف :

__________________

(١) الآية ١٢٩ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ٦٣ من سورة النور.

(٣) من قصيدة لذي الرمة يقول في آخرها :

فما لام يوما من أخ وهو صادق

خاي ولا اعتلت على ضيفها إبلي

إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه

فصالي ولو كانت عجافا ولا أهلي

وان تعتذر بالمحل ...

الخ

والمحل انقطاع المطر وقصد به انقطاع اللبن من ضروعها يقول إذا لم يكن فيها لبن للضيف عقرتها عوضا عن اللبن.

(٤) الآية ٢٤٥ من سورة البقرة.

٣٤٤

المطلوب إقباله ، أخرج المندوب ، لأنه المتفجع عليه ، لا المطلوب إقباله ، وبحرف نائب مناب أدعو خرج نحو «زيد» في قولك : أطلب إقبال زيد.

وقد تصلّف (١) المصنف بهذا الحدّ ، وقال إن الزمخشري لم يحدّ المنادى لإشكاله وذلك لأنه لو حدّ بأمر معنوي ، أي كونه مطلوب الاقبال دخل فيه «زيد» في أطلب إقبال زيد ، ولو حدّ بأمر لفظيّ ، أي : ما دخل عليه «يا» وأخواتها ، دخل فيه المندوب ، وليس بمنادى.

والظاهر أن جار الله لم يحدّه لظهوره (٢) لا لإشكاله فإن المنادى عنده : كل ما دخله «يا» وأخواتها ، والمندوب عنده منادى على وجه التفجع ، كما صرح به لما فصل أحكام المنادى في الإعراب والبناء.

وكذا الظاهر من كلام سيبويه (٣) أنه منادى ، كما قال الجزولي : المندوب منادى على وجه التفجع ، فإذا قلت : يا محمداه فكأنك تناديه وتقول له : تعال فإني مشتاق إليك ، ومنه قولهم في المراثي : لا تبعد ، أي لا تهلك ، كأنهم من ضنّهم بالميت عن الموت تصوّروه حيّا فكرهوا موته فقالوا لا تبعد ، أي لا بعدت ولا هلكت ، وكذا المندوب المتوجع عليه نحو : وا ويلاه وواثبوراه وواحزناه ، أي : احضر حتى يتعجب من فظاعتك.

والدليل على أنه مدعوّ ، قوله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(٤) ، أمرهم بقول : واثبوراه.

وكذا المستغاث منادى دخله معنى الاستغاثة ، وكذا المتعجب منه منادى دخله معنى التعجب ، فمعنى : يا للماء ، ويا للدواهي : احضرا ، حتى يتعجّب منكما ، وكذا لا يرد

__________________

(١) تصلّف. أي أخذه الكبر وسيأتي بيان أنه لا وجه لهذا الادعاء.

(٢) هذا وجه التصلف الذي اتهم به المصنف ، لأنه فرض أن تعريف المنادى خفي على الزمخشري وأنه جاء بما لم يأت به الزمخشري.

(٣) قال سيبويه في كتابه ج ١ ص ٣٢١ : والمندوب مدعوّ. ولكن متفجع عليه.

(٤) الآية ١٤ من سورة الفرقان.

٣٤٥

عليه المخصوص فإنه يقول : هو منادى ، نقل إلى معنى الاختصاص ، والعارض غير معتدّ به.

وانتصاب المنادى عند سيبويه على أنه مفعول به ، وناصبه الفعل المقدّر ، وأصله ، عنده ، يا أدعو زيدا ، فحذف الفعل حذفا لازما لكثرة الاستعمال ، ولدلالة حرف النداء عليه وإفادته فائدته ؛ وأجاز المبرد نصب المنادى على (١) حرف النداء ، لسده مسدّ الفعل ؛ وليس ببعيد ، لأنه يمال إمالة الفعل ، فلا يكون ، إذن ، من هذا الباب أي ما انتصب المفعول به بعامل واجب الحذف.

وعلى المذهبين ، فيازيد جملة ، وليس المنادى أحد جزأي الجملة ، فعند سيبويه : جزءا الجملة ، أي الفعل والفاعل مقدران ، وعند المبرد : حرف النداء سدّ مسدّ أحد جزأي الجملة أي الفعل ، والفاعل مقدر ، ولا منع من دعوى سدّه مسدّهما ، والمفعول به ههنا على المذهبين واجب الذكر لفظا أو تقديرا ، إذ لا نداء بدون المنادى ،.

وما أورد (٢) ههنا إلزاما ، من أن الفعل لو كان مقدرا ، أو كان «يا» عوضا منه ، لكان جملة خبرية ؛ غير لازم ، لأن الفعل مقصود به الإنشاء ، فالأولى أن يقدّر بلفظ الماضي ، أي دعوت ، أو ناديت ، لأن الأغلب في الأفعال الإنشائية مجيئها بلفظ الماضي.

وقال أبو عليّ في بعض كلامه : إن «يا» وأخواته أسماء أفعال ، ومنع بأن أسماء الأفعال لا تكون على أقل من حرفين والهمزة من أدوات النداء ، ويمكن أن يقال : خالفت أخواتها لكثرة استعمال النداء فجوّز في أداته ما لم يجوّز في غيرها ، ألا ترى إلى الترخيم ، ومنع أيضا ، بأن الضمير فيه لا يكون لغائب لعدم تقدم ذكره ولا لمتكلم لأن اسم الفعل لا يضمر فيه ضمير المتكلم.

والجواب : أن اسم كل فعل يجري مجرى ذلك الفعل في كون فاعله ظاهرا أو مضمرا

__________________

(١) هكذا وردت ولعلها بمعنى أن نصب المنادى محمول على حرف النداء. وربما كانت محرفة.

(٢) أي ما أورده بعض الناقدين لهذين الرأيين ... وخبر هذا الكلام قوله : غير لازم.

٣٤٦

غائبا أو متكلما أو مخاطبا ، لكن لا يبرز في اسم الفعل شيء من الضمائر ، تقول : صه ، في المفرد المذكر والمؤنث ، وكذا في مثناهما ، ومجموعهما ، وإذا كانت أداة النداء بمعنى فعل المتكلم استتر فيه ضميره فيكون ، كما قال بعضهم ، في أف ، أنه بمعنى أتضجّر أو تضجّرت وفي : أوّه ، أنه بمعنى أتوجع أو توجعت.

وقيل : لو كان اسم فعل ، لتمّ من دون المنادى لكونه جملة ، والجواب أنه قد يعرض للجملة ما لا تستقل كلاما إلا (١) بوجوده ، كالجملة القسمية والشرطية ، والنداء لا بد له من منادى.

واعلم أنه قد ينصب عامل المنادى ، المصدر اتفاقا ، نحو : يا زيد دعاء حقا ، ويجوز أن يكون (٢) مثل : الله أكبر دعوة الحق ، وزيد قائم حقا ، أي منتصبا بعامل مقدر ، كما قيل فيهما.

وأجاز المبرد نصبه للحال ، نحو يا زيد قائما ، إذا ناديته في حال قيامه قال : ومنه :

١٠١ ـ يا بؤس للجهل ضرّارا بأقوام (٣)

والظاهر أن عامله بؤس ، الذي بمعنى الشدة ، وهو مضاف إلى صاحب الحال أعني الجهل تقديرا لزيادة اللام فهو مثل : أعجبني مجيء زيد راكبا.

__________________

(١) زيادة لا بد منها وليست في المطبوعة.

(٢) أن يكون هذا المثال أي يا زيد دعاء حقا.

(٣) هذا عجز بيت صدره : قالت بنو عامر خالوا بني أسد :

وخالوا من المخالاة ، أي تاركوهم ، وهو مطلع أبيات للنابغة الذبياني ، قالها لزرعة العامري ، وقد بعث بنو عامر إلى بني ذبيان أن اتركوا بني أسد واقطعوا ما بينكم وبينهم من الحلف ، فسفه النابغة أحلامهم واتهمهم بالجهل ويقول بعد هذا البيت :

بأبي البلاء فلا نبغي بهم بدلا

ولا نريد خلاء بعد إحكام

فصالحونا جميعا ان بدا لكم

ولا تقولوا لنا أمثالها عام

وقوله عام : مرخّم عامر : يريد يا عامر أي بني عامر. ينهاهم أن يعودوا لمثل ذلك.

٣٤٧
٣٤٨

أحكام المنادى

المفرد المعرفة

قال ابن الحاجب :

«ويبنى على ما يرفع به إن كان مفردا معرفة ، مثل»

«يا زيد ويا رجل ، ويا زيدان ويا زيدون».

قال الرضى :

إنما قال ما يرفع به ليكون أعمّ من قوله : يبنى على الضم ، فإن نحو : يا زيدان ويا زيدون خارج منه ، وما يرفع به الاسم : الضم والألف والواو.

وقال الكسائي : المنادى المفرد المعرفة مرفوع لتجرده عن العوامل اللفظية ؛ ولا يعني أن التجرد فيه عامل الرفع كما قال بعضهم في المبتدأ بل المراد به أنه لم يكن فيه سبب البناء حتى يبنى فلا بد فيه من الإعراب ، ثم إنا لو جررناه لشابه المضاف إلى ياء المتكلم إذا حذف الياء ، ولو فتحناه لشابه غير المنصرف ، فرفعناه ولم ننونه ، ليكون فرقا بينه وبين ما رفع بعامل رافع.

ولا يعترض عليه بالمبتدأ فإن العامل فيه عنده هو الخبر ، قال : وإنما نصب المنادى المضاف لطوله ولأن المنصوبات في كلام العرب أكثر ، فهو عنده ، مرفوع أو منصوب بلا عامل.

٣٤٩

وقال الفراء : أصل يا زيد ، يا زيدا ليكون المنادى بين الصوتين ثم اكتفى بيا ، ونوى الألف فصار كالغايات فبني على الضم ، وفتح المضاف لوقوع المضاف إليه موقع الألف في يا زيدا ، فحركته عنده ، ليست نصبا.

ولا أدري ما يقول في نصب المضارع والمفرد النكرة ، ولم لا يجري المضاف مجراهما في كونه منصوبا.

قوله «مفردا» أي الذي لا يكون مضافا ولا مضارعا له ، فيدخل فيه نحو : يا زيدان ويا زيدون ، ويعني بالمعرفة ما كان مقصودا قصده ، سواء تعرّف بالنداء ، أو كان معرفة قبله ، فيضم نحو : يا زيد ويا رجل ، ويا هذا ويا أنت ، والضم مقدر في المنقوص والمقصور نحو يا قاضي ويا فتى ، وفي المبني قبل النداء نحو : يا هذا ، ويا هؤلاء.

ويونس يحذف الياء في المنقوص ويعوض منها تنوينا فيقول : يا قاض ، لأنه لم يعهد لام المنقوص ثابتا مع السكون بلا لام أو إضافة ، ولا يحذف في : يا مرى من الإراءة ، خوفا من الإجحاف بالكلمة.

وإنما بني المفرد المعرفة لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة لفظا ومعنى لكاف الخطاب الحرفية ، وكونه مثلها إفرادا وتعريفا وذلك لأن يا زيد بمنزلة أدعوك ، وهذا الكاف مشابه للكاف في «ذلك» لفظا ومعنى.

وإنما قلنا ذلك لما تقرر أن الاسم لا يبنى إلا لمشابهة الحرف بوجه أو الفعل ، ولا يبنى لمشابهة الاسم المبني.

وأما المضاف والمضارع له ، فلم يبنيا لأنهما ليسا كالكاف إفرادا ولم يبن المفرد المنكّر لأنه ليس مثلها تعريفا ولم يقع موقعها.

وإن وقع المضمر منادى ، جاز : يا أنت نظرا إلى المظهر ، قال :

١٠٢ ـ يا أبجر بن أبجر يا أنتا

أنت الذي طلقت عام جعتا (١)

__________________

(١) في رواية : يا مر يا بن واقع ، وهو المقصود بالخطاب وهذا رجز لسالم بن دارة وقد كان هو ومرة بن واقع ـ ـ

٣٥٠

وجاز : يا إياك نظرا إلى كونه مفعولا ، كما ورد في كلام الأحوص يا إيّاك قد كفيتك (١) قاله لأبيه لما أراد أن يتكلم.

وإذا اضطر إلى تنوين المنادى المضموم ، اقتصر على القدر المضطر إليه من التنوين ، قال :

١٠٣ ـ سلام الله يا مطر عليها

وليس عليك يا مطر السّلام (٢)

وعند يونس : ينصب (٣) رجوعا به إلى حركته الاعرابية لما اضطر إلى إزالة البناء بتنوين التمكن.

وإنما بني المفرد على الحركة لأن له عرقا في الإعراب ، وبني على الضم فرقا بين حركتي المنادى المعرب نحو يا قوم ويا قومنا وحركة المبني نحو يا قوم ، كما عملوا ذلك في نحو قبلك ومن قبلك ومن قبل

* * *

المنادى المفرد مع لام الاستغاثة

نصب المنادى

قال ابن الحاجب :

«ويخفض بلام الاستغاثة نحو : يالزيد ، ويفتح لالحاق ألفها»

__________________

في ركبين : كل منهما مع قومه ، فنزل كل منهما يحدو الأبل وكان بينهما ضغن فقال كل منهما رجزا غمز فيه الآخر. وكأن قوله يا أبجر في الرواية التي أوردها الشارح نداء له بوصفه.

(١) قالوا ان الأحوص الأنصاري وفد هو وأبوه على معاوية ، فخطب الأحوص ثم قام أبوه ليخطب فقال له الأحوص هذا الكلام.

(٢) هذا من شعر للأحوص يخاطب به مطرا زوج أخت امرأته ، وقد كان في سفر بعد زواجه فقالت له امرأته مل بنا نزور أختي فأجابها ونزلوا بها فأكرمتهم وكانت جميلة ولما جاء زوجها مطر قالت له قم فسلم على صهرك فازدراه الأحوص ورأى أنه لا يليق بأخت زوجته وقال هذا الشعر وكاد يقع بينهما شجار عظيم.

(٣) نقل هذا الرأي سيبويه عن عيسى بن عمر. ج ١ ص ٣١٣.

٣٥١

«ولا لام ، نحو يا زيدا ؛ وينصب ما سواهما ، نحو : يا عبد الله»

«ويا طالعا جبلا ، ويا رجلا لغير معين».

قال الرضى :

هذه اللام المفتوحة تدخل المنادى إذا استغيث به نحو يا الله أو تعجّب منه ، نحو : يا للماء ، ويا للدواهي ، وهي لام التخصيص أدخلت علامة للاستغاثة والتعجب.

وإنما اختيرت من بين الحروف لمناسبة معناها لمعناهما ، إذ المستغاث مخصوص من بين أمثاله بالدعاء وكذا المتعجب منه مخصوص من بين أمثاله بالاستحضار لغرابته ، فاللام معدّية لأدعو المقدر ، عند سيبويه ، أو لحرف النداء القائم مقامه عند المبرد ، إلى المفعول ، وجاز ذلك مع أن «أدعو» متعد بنفسه ، لضعفه بالإضمار ، أو لضعف النائب منابه ، ألا ترى أنك تقول ضربي لزيد حسن ، وأنا ضارب لزيد «ولا يجوز : ضربت لزيد ، وإنما فتحت لام الجر في المستغاث لاجتماع شيئين : أحدهما الفرق بين المستغاث (١) ، والمستغاث له وذلك لأنه قد يلي «يا» ما هو مستغاث له بكسر اللام والمنادى محذوف ، نحو : يا للمظلوم ، ويا للضعيف ، أي يا قوم .. والثاني وقوع المستغاث موقع الضمير الذي تفتح لام الجر معه ، لما يجيء في حروف الجر.

فإن عطفت بغير «يا» نحو قوله :

١٠٤ ـ يا للكهول وللشبان للعجب (٢)

كسرت لام المعطوف لأن الفرق بينه وبين المستغاث له حاصل بعطفه على المستغاث ، وإن عطفت مع «يا» فلا بد من فتح لام المعطوف أيضا ، نحو قوله :

١٠٥ ـ يا لعطافنا ويا لرياح

وأبي الحشرج الفتى النفاح (٣)

__________________

(١) قد يعبر عنه في بعض الأوقات بالمستغاث به.

(٢) هذا عجز بيت صدره :

يبكيك ناء بعيد الدار مغترب

قال البغدادي ولم ينسبه أحد إلى قائله.

(٣) عطاف ورياح وأبو الحشرج أسماء رجال ، والنفاح المعطاء. وأورد البغدادي قبله :

يا لقومي من للعلا والمساعي

يا لقومي من للندى والسماح

٣٥٢

وإنما يكسر لام المستغاث له لعدم وقوعه موقع الضمير نحو قوله : يا لله للمسلمين ؛ وفتحت اللام في المتعجّب منه لوقوعه موقع الضمير فقط ، ويطرد كسر لامه على تأويل أنه مدعوّ له والمنادى محذوف ، نحو يا للدواهي ويا للماء ويا للفليقة (١).

وحكى الفراء عن بعضهم أن أصل يالزيد : يا آل زيد فخفف ، وهو ضعيف لأنه يقال ذلك فيما لا آل له نحو يا للدواهي ، ويا لله ونحوهما.

وقد يستعمل المستغاث له بمن نحو :

١٠٦ ـ فيا لله من ألم الفراق (٢).

وهو متعلق بما دلّ عليه ما قبله من الكلام ، أي استغيث بالله من ألم الفراق ، وأما اللام الداخلة في المستغاث له فهي متعلقة بما تعلقت به اللام الأولى ، فمعنى يالله للمسلمين : أخص الله بالدعاء لأجل المسلمين.

وقد يستغنى عن المستغاث له إذا كان معلوما ، وقد تدخل اللام المفتوحة على المنادى المهدّد ، نحو : يالزيد لأقتلنك ، قال مهلهل :

١٠٧ ـ يالبكر انشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار (٣)

وقولهم أن هذه لام الاستغاثة ، كأنه استغاث بهم لنشر كليب واستغاث بهم للفرار ، تكلف ، ولا معنى للاستغاثة ههنا ، لا حقيقة ولا مجازا.

__________________

ـ ـ وقال ان الشاعر يرثي رجالا من قومه ويقول لم يبق للعلا والمساعي من يقوم بها بعدهم ، ثم قال انه من الشواهد الخمسين التي لم يعرف قائلوها ، وهو في سيبويه : ج ١ ـ ص ٣١٩.

(١) الفليقة الداهية. والعياذ بالله.

(٢) هذا من شعر لعبيد الله بن الحرّ الجعفي في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما يقول فيه :

ولو أني أواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاقي

مع ابن المصطفى نفسي فداه

فيا لله من ألم الفراق

(٣) هو مما قاله المهلهل بن ربيعة أخو كليب الذي قتله جساس بن مرة ونشبت بسبب قتله حرب البسوس. وقوله : أنشروا بفتح الهمزة وكسر الشين من قوله تعالى ثم إذا شاء أنشره ، أي أحياه من موته ، وشعر المهلهل في هذه المناسبة كثير ، وقصة مقتل أخيه ملأت الكتب.

٣٥٣

ولا يجوز دخول اللام على المنادى في غير المعاني المذكورة ، فلو قلت : يا لزيد قد كان كذا وكذا وأنت تحدثه لم يجز.

ولا يستعمل من حروف النداء في الاستغاثة والتعجب ، إلّا «يا» وحدها ، لكونها أشهر في النداء ، فكانت أولى بأن يتوسّع فيها باستعمالها في المنادى المستغاث به والمتعجب منه.

قوله : «ولا لام» ، قال الخليل : اللام بدل من الزيادة في آخر المستغاث به والمتعجب منه ، فكل واحد من اللام والألف يعاقب صاحبه ، في الاستغاثة والتعجب ولا يجتمعان.

وحكم هذه الزيادة كحكم زيادة المندوب فتكون مرة واوا ، ومرة ياء ، ومرة ألفا ، كزيادة المندوب على ما يجيء.

وإنما صار المستغاث به والمتعجب منه معربين عند اللام وإن كانا مفردين معرفتين ، لأن علة البناء في المنادى ضعيفة ، لأنه (١) لمشابهته للاسم المبني المشابه للحرف ، فغلبت اللام المقتضية للجر ، حرف النداء المقتضي للبناء ، لضعفه في اقتضاء البناء على ما قلنا مع كونه أبعد من مقتضى الجر.

قوله : «وينصب ما سواهما» أي ينصب ما سوى المفرد المعرفة والمستغاث ، مع اللام كان أو مع الألف.

وما سواهما ثلاثة أقسام : المضاف والمضارع له والمفرد النكرة ، ويعنون بالمضارع للمضاف اسما يجيء بعده شيء من تمامه إما معمول للأول ، نحو : يا طالعا جبلا ، ويا حسنا وجهه ، ويا خيرا من زيد ، وإما معطوف عليه عطف النسق على أن يكون المعطوف مع المعطوف عليه اسما لشيء واحد ، نحو : يا ثلاثة وثلاثين لأن المجموع اسم لعدد معيّن كأربعة وخمسة فهو كخمسة عشر ، إلا أنه لم يركب لفظه.

ولا فرق في مثل هذا العدد المعطوف بعضه على بعض بين أن يكون علما ، أو ، لا ،

__________________

(١) أي البناء.

٣٥٤

فإنه مضارع للمضاف ، وهذا ظاهر مذهب سيبويه (١) ، وكذا تقول : لا ثلاثة وثلاثين عندي.

وقال الأندلسي وابن يعيش : هو إنما يضارع المضاف إذا كان علما ، وإلا فلا ، فيقال عندهما : في غير العلم : يا ثلاثة والثلاثون أو الثلاثين ، كيا زيد والحارث ، إذا قصد جماعة معينة ، وإلا قلت : يا ثلاثة وثلاثين ، نحو : يا رجلا وامرأة لغير معيّن.

والأول أولى لطوله قبل النداء ، وارتباط بعضه ببعض من حيث المعنى ، كما في : يا خيرا من زيد ، بل أشد.

وإما نعت هو جملة أو ظرف ، نحو قولك : يا حليما لا يعجل ، ويا جوادا لا يبخل ، قال :

١٠٨ ـ أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله

جرير ولكن في كليب تواضع (٢)

وقال

١٠٩ ـ أعبدا حلّ في شعبى غريبا

ألوما لا أبالك واغترابا (٣)

وقال :

__________________

(١) كتاب سيبويه ج ١ ص ٣٢٠.

(٢) جملة : لا شاعر اليوم مثله ، صفة للمنادى وبسببها كان شبيها بالمضاف. والبيت من قصيدة للصّلتان العبدي. قيل ان جريرا والفرزدق حكماه : فقضى بتفوق الفرزدق وقومه من ناحية الشرف ، وحكم بأن جريرا أشعر. وأول القصيدة :

أنا الصلتاني الذي قد علمتم

متى ما يحكم فهو بالحكم صادع

ومنها بعد الشاهد :

جرير أشد الشاعرين شكيمة

ولكن علته الباذخات الفوارع

(٣) هو مثل البيت السابق في وصف المنادى بالجملة. وهو من أبيات لجرير في هجاء شاعر اسمه : العباس بن يزيد الكندي وكان قد عارض جريرا لما هجا الراعي النميري وقال :

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

وقال العباس بن يزيد في معارضته يذم جريرا وكان العباس مقيما بشعبى وهي غير ديار قومه :

لقد غضبت علي بنو تميم

فما نكأت بغضبتها ذيابا

فرد عليه جرير بهذه الأبيات يقول في أولها :.

ستطلع من ذرا شعبى قواف

على الكنديّ تلتهب التهابا

وفيها إقذاع وفحش كثير ، وأوردها البغدادي وشرحها.

٣٥٥

١١٠ ـ أدارا بحزوى هجت للعين عبرة

فماء الهوى يرفض أو يترقرق (١)

وقال :

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك ورحمة الله السّلام (٢) ـ ٦٣

فكلّ هذا ، مضارع للمضاف ، سواء جعلته علما أو ، لا ؛

وإذا لم تجعله علما جاز أن يتعرّف بالقصد ، كما في : يا رجل ، وألّا يتعرف لعدم القصد ، كيا رجلا ، فتقول في النكرة : يا حسنا وجهه ظريفا ويا ثلاثة وثلاثين ظرفاء ، ويا عبدا حلّ في شعبي غريبا.

وتقول في المعرفة : يا حسنا وجهه الظريف ، ويا ثلاثة وثلاثين الظرفاء ، وكان القياس في الموصوف بالجملة أو الظرف أيضا ، أن يجوز (٣) نحو : يا حليما لا يعجل ، القدوس ؛ وأدارا بحزوي ، الدارسة ، لكن كره وصف الشيء بالمعرفة بعد وصفه بالنكرة (٤) ، فالوجه ألّا يوصف إلا بالنكرة ، على تقدير أنه كان موصوفا بجميع تلك الصفات المنكرة قبل النداء ، فتقول : يا حليما لا يعجل ، غفار الذنوب.

هذا ؛ وإن لم يكن المعطوف مع المعطوف عليه اسما لشيء واحد ، بل كل منهما اسم لشيء مستقل ، نحو : يا رجل وامرأة ، أو لم يكن الوصف بالجملة ، أو الظرف ، فليس متبوعها مضارعا للمضاف ، لأنه يجوز جعله مفردا معرفة مستقلا ، فتقول : يا رجل وامرأة ،

__________________

(١) هذا مطلع قصيدة لذي الرمة ، وحزوى بضم الحاء موضع بديار بني تميم. ومن هذه القصيدة قوله :

وانسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو وتارات يجمّ فيفرق

وهو من الشواهد النحوية. وقد ورد مثل هذا المطلع في قصيدة لزهير بن جناب وهو شاعر جاهلي إذ يقول

فيا دار سلمى هجت للعين عبرة

فماء الهوى يرفض أو يترقرق

(٢) المنادى هنا موصوف بشبه الجملة وهو قوله : من ذات عرق وهو موضع بالحجاز.

وتقدم هذا الشاهد في باب المبتدأ والخبر وهو الشاهد رقم ٦٣. وقد كرره هنا ولم ينبه إلى تقدم ذكره وقد أشرنا إلى ذلك في الموضع السابق.

(٣) أي أن يجوز نعته بعد ذلك بنعت معرف منصوب.

(٤) لأنه وصف أولا بالجملة ، وهي لا تكون إلا وصفا للنكرة.

٣٥٦

ويا رجل الظريف ، ولا يجوز مع قصد التعريف يا رجلا وامرأة ، ويا رجلا ظريفا ، بخلاف نحو : يا ثلاثة وثلاثين إذ الأول لا يستعمل من دون الثاني من حيث المعنى ، وبخلاف نحو : يا حليما لا يعجل ، لأن الجملة والظرف ، لا يكونان صفة للمعرفة ، ألا ترى أنك لا تقول في باب «لا» : لا حليما لا يعجل ، ولا غلاما من الغلمان في الدار لأن الجملة والظرف يصح وقوعهما وصفا للنكرة ، فظهر أنهم مضطرون إلى جعل نحو : يا حليما لا يعجل ، وأدارا بحزوى : مضارعا للمضاف مع قصد التعريف أيضا ، بخلاف نحو : يا رجلا ظريفا.

فإن قيل : اجعل الجملة أو الظرف صلة للّذي ، وقد صحّ وصفا للمعرفة ، قيل : يبعد الكلام ، إذن ، جدا عن أصله بزيادة الموصول ، والنداء موضع الاختصار ، ألا ترى إلى الترخيم وحذف حرف النداء.

وصرّح الكسائي والفراء : بتجويز نحو : يا رجلا راكبا ، لمعيّن ، لجعله من قبيل المضارع للمضاف ، حتى إنهما أجازا : يا راكبا لمعيّن على حذف الموصوف ،.

وفي كلام سيبويه ، أيضا ، ما يشعر بجوازه.

وفيه إشكال ؛ لاستلزام لا رجلا راكبا ، ولا قائل به.

وأما سائر التوابع من البدل وعطف البيان والتأكيد ، فلا يجوز أن يكون المنادى بها مضارعا للمضاف ، لأن شيئا منها ليس مع متبوعها اسما لمسمّى واحد ، كما في : ثلاثة وثلاثين في العدد ، فلا يلزم من ضم متبوعاتها فساد. كما لزم في نحو : يا حليما لا يعجل.

قوله : «ويا رجلا لغير معيّن» ، الفراء والكسائي لا يجيزان النكرة مفردة بل يوجبان الصفة ، نحو يا رجلا ظريفا ؛ ونحو قوله :

١١١ ـ فيا راكبا إما عرضت فبلغن

نداماي من نجران أن لا تلاقيا (١)

__________________

(١) عرضت أي جئت العروض وهي مكة وما حولها وقيل معناه إذا تعرضت وظهرت. والبيت من قصيدة لعبد يغوث الحارثي اليمني. كان قد اسر في يوم الكلاب الثاني وانتهى أمر أسره إلى رجل اسمه عصمة بن أبير التيميّ.

فقال عبد يغوث وقد عرف أنه مقتول : يا بني تميم : اقتلوني قتلة كريمة ، فجاءه عصمة بشراب فسقاه وقطع عرقه الأكحل وتركه ينزف وترك عنده رجلين فأخذا يوبخان عبد يغوث ويلومانه على أنه كان يريد غزوهم فقال هذه القصيدة وأولها : ـ ـ

٣٥٧

إنما جاز عندهما ، إما لكون راكبا وصفا لموصوف مقدر ، أي يا رجلا راكبا ، أو لكونه معرفة ، ولا يرى البصريون بأسا بكون المنادى نكرة غير موصوفة لا في اللفظ ولا في التقدير ، إذ لا مانع من ذلك.

وأجاز ثعلب ، ضم المنادى المضاف ، والمضارع له ، إذا جاز دخول اللام عليهما ، نحو : يا ضارب الرجل ، ويا ضاربا رجلا ، وإن لم يجز دخول اللام ، نحو : يا عبد الله ، ويا خيرا من زيد ، لم يجز ضمهما.

ولعل ذلك في المضاف لكون جواز دخول اللام فيه دليلا على أنّ الإضافة غير حقيقة ، وأن المضاف كالمفرد ، ولذلك جاز : يا زيد الحسن الوجه ، برفع الوصف اتفاقا ، ولم يجز في : يا زيد ذا المال إلا النصب ، وأجرى المضارع للمضاف ، إذا صلح للّام مجرى المضاف.

__________________

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا

فما لكما في اللوم خير ولا ليا

وهي قصيدة جيدة ، ولمالك بن الريب قصيدة تشبهها في الوزن والقافية وفيها بيت مثل بيت الشاهد ، جعل بعض شراح الشواهد ينسبون البيت الذي هنا لمالك ، وإنما بيت مالك هو :

فيا صاحبي أما عرضت فبلغن

بني مازن والريب أن لا تلاقيا

وقد أوردها البغدادي.

٣٥٨

توابع المنادى

قال ابن الحاجب :

«وتوابع المنادى المبني المفردة ، من التأكيد والصفة ، وعطف»

«البيان ، والمعطوف بحرف ، الممتنع دخول «يا» عليه ترفع»

«على لفظه ، وتنصب على محله ؛ نحو : يا زيد العاقل ،»

«والعاقل ، والخليل في المعطوف يختار الرفع ، وأبو عمرو ،»

«النصب ، وأبو العباس : إن كان كالحسن فكالخليل ، وإلا ،»

«فكأبي عمرو ؛ والمضافة المعنوية تنصب ، والبدل والمعطوف»

«غير ما ذكر ، حكمه حكم المستقل مطلقا ، والعلم الموصوف»

«بابن مضاف إلى علم آخر ، يختار فتحه».

قال الرضى :

كان عليه أن يقول : توابع المنادى المبني غير المستغاث الذي في آخره زيادة الاستغاثة ، فإن توابعه لا ترفع نحو : يا زيدا وعمرا ، ولا يجوز : عمرو ، لأن المتبوع مبني على الفتح وكذا توابع المنادى المجرور باللام ، لا تكون إلا مجرورة ، تقول : يا لزيد وعمرو ، ولا يجوز رفعها ونصبها لظهور إعراب المتبوع ؛ وأما نحو (١) : ضرب زيد وعمرو ، فسيجيء

__________________

(١) أي اتباع المجرور بالاضافة إلى المصدر باعتبار محله.

٣٥٩

الكلام عليه في باب الإضافة.

وقال الأصمعي (١) : لا يوصف المنادى المضموم لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه ، فارتفاع نحو : الظريف ، في قولك : يا زيد الظريف ، على تقدير : أنت الظريف ، وانتصابه على تقدير أعني الظريف.

وليس بشيء ، إذ لا يلزم من مشابهته له كونه مثله في جميع أحكامه.

ثم نقول :

توابع المنادى على ضربين ، إما بدل أو عطف نسق مجرد من اللام ، أو غيرهما من بقية التوابع الخمسة ، و

هي : النعت والتأكيد وعطف البيان وعطف النسق ذو اللام.

والضرب الأول كالمنادى المستقل ، أي كالمنادى الذي باشره حرف النداء ، سواء كانا مفردين ، أو ، لا ، وكان متبوعهما مضموما ، أو ، لا ، فتقول : يا زيد ورجلا إذا قصدت التنكير ، كما تقول : يا رجلا ، وتقول : يا زيد ، ورجل ، إذا قصدت التعريف وكذا : يا عبد الله ورجلا ، ويا عبد الله ورجل.

وكذا إذا كان مضافا أو مضارعا له ، نحو : يا زيد وعبد الله ، ويا عبد الله وطالعا جبلا.

وتقول في البدل : يا زيد أخانا ، ويا عبد الله أخ ، وذلك لأن البدل سادّ مسدّ المبدل منه والأول في حكم الساقط ؛ وعطف النسق من حيث المعنى منادى مستأنف ، فإذا لم يكن معه في اللفظ ما يمنع مباشرة حرف النداء ، أعني اللام ، جعل في اللفظ كالمنادى المستأنف الذي باشره حرف النداء ، هذا ما نص عليه سيبويه (٢) ؛ وأجاز : يا زيد وعمرا على الموضع إذ بين ما باشره حرف النداء حقيقة ، وبين ما هو في حكم المباشر فرق ، قالوا ، ونظير ذلك : ربّ شاة وسخلتها (٣).

__________________

(١) تقدم ذكره ص ٣٢٧ من هذا الجزء.

(٢) هذا البحث في كتاب سيبويه ج ١ ص ٣٠٥ وما بعدها.

(٣) أي انه عطف سخلتها مع اضافته إلى الضمير على مجرور ربّ وهو نكرة. والرضى يرى أن مثل هذا المضاف نكرة أيضا.

٣٦٠