شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

لكن القول اشتهر في المفيد ، بخلاف اللفظ والكلام ؛ واشتهر الكلام لغة في المركب من حرفين فصاعدا ، واللفظ خاص بما يخرج من الفم من القول ، فلا يقال : لفظ الله كما يقال : كلام الله وقوله ؛

ثم ، قد استعمل الكلام استعمال المصدر فقيل كلمته كلاما ، كأعطى عطاء ، مع أنه في الأصل لما يعطى ،

وهذا كما يحكى عنهم: عجبت من دهنك لحيتك بضم الدال بمعنى دهنك بفتحها ؛

وقد اختص الكلام في اصطلاح النحاة بما سيجيء ؛

والمقصود من قولهم وضع اللفظ : جعله أوّلا لمعنى من المعاني مع قصد أن يصير متواطئا عليه بين قوم ، فلا يقال ـ إذا استعملت اللفظ بعد وضعه في المعنى الأول ـ : إنك واضعه ؛ إذ ليس جعلا أوّلا ، ،

بلى (١) ، لو جعلت اللفظ الموضوع ، لمعنى آخر (٢) مع قصد التواطؤ ، قيل انك واضعه ، كما إذا سميت بزيد (٣) رجلا ؛

ولا يقال لكل لفظة بدرت من شخص لمعنى : انها موضوعة له من دون اقتران قصد التواطؤ بها ،

ومحرّفات العوامّ ، على هذا ، ليست ألفاظا موضوعة لعدم قصد المحرّف الأول إلى التواطؤ ؛

وعلى ما فسّرنا الوضع لم يكن محتاجا إلى قوله «لمعنى» ، لأن الوضع لا يكون إلا لمعنى ، إلا أن يفسّر الوضع بصوغ اللفظ ، مهملا كان ، أو ، لا ، ومع قصد النواطؤ أو ، لا ؛ فيحتاج إلى قوله «لمعنى» ، لكن ذلك على خلاف المشهور من اصطلاحهم ؛

__________________

(١) بلى : التي من حروف الجواب والرضى يستعملها كثيرا في هذا الشرح في مثل هذا المقام.

(٢) متعلق بقوله : لو جعلت اللفظ.

(٣) زيد في الأصل مصدر زاد يزيد زيدا ، ثم سمّى به.

٢١

ومعنى اللفظ ما يعنى به ، أي يراد ، بمعنى المفعول ؛

قوله «لمعنى مفرد» يعنى به المعنى الذي لا يدل جزء لفظه على جزئه ، سواء كان لذلك المعنى جزء ، نحو : معنى ضرب ، الدال على المصدر والزمان ، أو ، لا جزء له كمعنى : ضرب ونصر ؛

فالمعنى المركب على هذا ، هو الذي يدل جزء لفظه على جزئه ، نحو : ضرب زيد ، وعبد الله ، إذا لم يكونا علمين ، وأما مع العلمية فمعناهما مفرد ، وكذا لفظهما ، لأن اللفظ المفرد : لفظ لا يدل جزؤه على جزء معناه ، وهما كذلك ؛ واللفظ المركب : الذي يدل جزؤه على جزء معناه ؛

والمشهور في اصطلاح أهل المنطق ؛ جعل المفرد والمركب صفة اللفظ ، فيقال : اللفظ المفرد ، واللفظ المركب ، ولا ينبغي أن يخترع في الحدود ألفاظ ؛ بل الواجب استعمال المشهور المتعارف منها فيها ، لأن الحدّ للتبيين ؛

وليس له (١) أن يقول : إني أردت بالمعنى المفرد : المعنى الذي لا تركيب فيه ؛ لأن جميع الأفعال ـ إذن (٢) ـ تخرج عن حدّ الكلمة ؛

ولو قال : الكلمة لفظ مفرد موضوع ، سلم من هذا ، ولم يرد عليه أيضا ، الاعتراض بأن المركبات ليست بموضوعة ، على ما يجيء (٣)

واحترز بقوله «لفظ» عن نحو الخط والعقد والنصبة والإشارة ، فإنها ربما دلت بالوضع

__________________

(١) أي للمصنف : ابن الحاجب ، وقوله بعد ذلك لأن جميع الأفعال تعليل لقوله وليس له.

(٢) في كتابة «إذن» خلاف طويل بين العلماء مبني على خلاف آخر في أصلها وهل هي بسيطة أو مركبة.

وقد نسب إلى المازني والمبرد القول برسمها بالنون حيث وقعت ، وكذلك فعلت في كتابتها في هذا الشرح كما فعل الرضى ، إلا أن تكون نصا قرآنيا ، فهي كما جاء رسمها في المصحف.

(٣) يأتي قريبا للمؤلف حديث عن وضع المركبات ، واشارته هنا إلى احتمال الاعتراض على المصنف مبنية على ما سيجيء.

٢٢

على معنى مفرد ، وليست بكلمات.

ويجوز الاحتراز بالجنس أيضا ، إذا كان أخصّ من الفصل بوجه ، وهو ههنا كذلك لأن الموضوع للمعنى المفرد قد يكون لفظا وقد لا يكون (١).

واحترز بقوله «وضع» عن لفظ دال على معنى مفرد بالطبع لا بالوضع كاحّ ، الدال على السعال ، ونحو ذلك ، وعن المحرّف ، وعن المهمل ، لأنه دال أيضا على معنى كحياة المتكلم به ، ولكن عقلا لا وضعا ..

وبقوله «لمعنى» عما صيغ لا لمعنى كالمهملات «كلعم» ونحوه من الهذيانات ، وقد مرّ الكلام على هذا الاحتراز.

وبقوله «مفرد» عن لفظ وضع للمعنى المركب نحو : عبد الله ، وضرب زيد غير علمين.

فإن قيل : ان التاء في لفظ الكلمة للوحدة ، لأن كلمة وكلما ، كتمرة وتمر ، واللام (٢) فيه للجنس فيتنا قضان ، لدلالة الجنس على الكثرة المناقضة للوحدة.

فالجواب : أن اللام في مثله ليس للجنس ولا للعهد ، كما يجيء في باب المعرفة ؛ ولئن سلمنا ذلك ، قلنا : إن الجنس على ضربين.

أحدهما : استغراق الجنس ، وهو الذي يحسن فيه لفظة «كلّ» كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(٣) ؛ أي كل الإنسان ، وإلّا ، لم يجز الاستثناء ، لأنه (٤)

__________________

(١) يجري هذا التعبير كثيرا على ألسنة المتحدثين وفي عبارات المؤلفين ، ونصوص النحويين صريحة في تخطئته.

وإذا كان بعض الباحثين يجد له وجها لوروده في قليل من الشعر ، فذلك لا يخرجه عن مخالفة القواعد لأنه لم يرد في كلام فصيح غير الشعر ، ويغني عنه : ربّما لا يكون.

(٢) أي حرف التعريف ، وهو رأي الرضى الذي أخذ به وإن كان كثيرا ما يقول الألف واللام.

(٣) الآيتان ٢ ، ٣ من سورة العصر.

(٤) لأنه أي الاستثناء.

٢٣

عند الجمهور من النحاة يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحت المستثنى منه ، وهذا الاستغراق مفيد للكثرة فيناقض الوحدة.

والثاني : ماهية الجنس من غير دلالة اللفظ على القلة ولا الكثرة ، بل ذاك احتمال عقلي ، كما في قوله تعالى : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ)(١) ، ولم يكن هناك ذئب معهود ، ولم يرد استغراق الجنس أيضا.

ومثله قولك : ادخل السوق ، واشتر اللحم ، وكل الخبز ؛ فهذا النوع من الجنس لا يناقض الوحدة ، إذ لا دلالة فيه على الكثرة.

والمقصود في هذا الموضع هو الثاني ، أي ماهية الجنس من حيث هي هي ، لأن الحدّ إنما يذكر لبيان ماهية الشيء ، لا لبيان استغراقه.

إن قيل : لم لم يقل «لفظة» ليوافق الخبر المبتدأ في التأنيث؟

فالجواب أنه لا يجب توافقهما فيه إلا إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية ، نحو : هند حسنة ، أو في حكمها ، كالمنسوب ؛ أما في الجوامد فيجوز (٢) ، نحو : هذه الدار مكان طيّب ، وزيد نسمة عجيبة.

وقوله «لفظ» ههنا ، وإن كان بمعنى الصفة ، أي ملفوظ بها ، كما ذكرنا ، إلا أن أصله مصدر ، ويعتبر الأصل في مثله ، نحو : امرأة صوم ورجلان صوم ، ورجال صوم ، فلا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع.

فإن قيل : كان ينبغي أن يقول «لفظة» ليخرج عنه الكلمتان ، إذ هما لفظتان ، وكذا الكلمات.

قلت : لا يخرج مثل ذلك بتاء الوحدة ، لأن مثل قولك : قالا ، وقالوا ؛ كارطى ،

__________________

(١) الآية ١٤ من سورة يوسف.

(٢) أي يجوز أن يختلف المبتدأ والخبر في ذلك.

٢٤

وبرقع (١) لفظة واحدة ، وكذا كل ما يتلفظ به مرة واحدة ، مع أن كل واحد من الأوّلين كلمتان ، بخلاف الثانيين.

إن قيل : هلا استغنى بقوله «وضع» عن قوله «مفرد» لأن الواضع لم يضع إلا المفردات ، أما المركبات فهي إلى المستعمل ، بعد وضع المفردات ، لا إلى الواضع.

فالجواب أنا لا نسلّم أن المركب ليس بموضوع (٢) ، وبيانه أن الواضع إما أن يضع ألفاظا معّينة سماعيّة ، وتلك هي التي تحتاج في معرفتها إلى علم اللغة.

وإما أن يضع قانونا كليّا يعرف به الألفاظ فهي قياسيّة ، وذلك القانون إمّا أن يعرف به المفردات القياسية ، وذلك كما بيّن أن كل اسم فاعل من الثلاثي المجرد ، على وزن فاعل ، ومن باب أفعل ، على وزن مفعل ، وكذا حال اسم المفعول ، والأمر ، والآلة ، والمصغّر ، والجمع ، ونحو ذلك ؛ وتحتاج في معرفتها إلى علم التصريف.

وإمّا أن يعرف به المركبات القياسية ، وذلك كما بيّن مثلا ، أن المضاف مقدم على المضاف إليه ، والفعل على الفاعل ، وغير ذلك من كيفية تركيب أجزاء الكلام ، وتحتاج في معرفة بعضها إلى التصريف كالمنسوب ، والفعل المضارع ، وفي معرفة بعضها إلى غيره من علم النحو كما ذكرنا.

إن قيل : انّ في قولك : مسلمان ، ومسلمون ، وبصريّ وجميع الأفعال المضارعة ، جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه إذ الواو تدل على الجمعية ، والألف على التثنية ، والياء على النسبة ، وحروف المضارعة ، على معنى في المضارع وعلى حال الفاعل أيضا.

وكذا تاء التأنيث في «قائمة» ، والتنوين ، ولام التعريف ، وألفا التأنيث ، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركبا ، وكذا المعنى فلا يكون كلمة ، بل كلمتين (٣).

__________________

(١) هو مجرد تمثيل بكلمتين مفردتين حقيقة.

(٢) تقدمت الإشارة إلى ذلك قريبا.

(٣) تقديره بل يكون كلمتين.

٢٥

فالجواب أن جميع ما ذكرت كلمتان ، صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة ، فأعرب المركب إعراب الكلمة ، وذلك لعدم استقلال الحروف المتصلة في الكلم المذكورة ، وكذلك الحركات الإعرابية.

ولمعاملتها معاملة الكلمة الواحدة سكن أول أجزاء الفعل في المضارع ، وغيّر الاسم المنسوب إليه نحو : نمريّ وعلوي ووشوي ونحو ذلك ، فتغيّرت بالحرفين (١) بنية المنسوب إليه والمضارع وصارتا من تمام بنية الكلمة.

وأما سكون لام الكلمة بلحوق التاء في نحو ضربت ، فلا يوجب تغيير البنية ، إذ لا تعتبر حركة اللام وسكونها في البنية ، كما يجيء في أول التصريف إن شاء الله تعالى (٢).

أمّا الفعل الماضي نحو ضرب ففيه نظر ، لأنه كلمة بلا خلاف ، مع أن الحدث مدلول حروفه المترتبة ، والاخبار عن حصول ذلك الحدث في الزمن الماضي ، مدلول وزنه الطارئ على حروفه والوزن جزء اللفظ ، إذ هو عبارة عن عدد الحروف مع مجموع الحركات والسكنات الموضوعة وضعا معّينا.

والحركات مما يتلفظ به ، فهو ـ إذن ـ كلمة مركبة من جزأين يدل كل واحد منهما على جزء معناه ؛ وكذا نحو أسد في جمع أسد ، وكذا المصغر ، ونحو رجال ومساجد ، ونحو ضارب ومضرب ؛ لأن الدال على معنى التصغير والجمع والفاعل والمفعول والآلة في الأمثلة المذكورة : الحركات الطارئة مع الحرف الزائد ؛ ولا يصح أن ندّعي ههنا أن الوزن الطارئ كلمة صارت بالتركيب كجزء كلمة ، كما ادّعينا في الكلم المتقدمة ، وكما يصح أن ندعي في الحركات الإعرابية ؛ فالاعتراض بهذه الكلم اعتراض وارد ، إلا أن نقيد تفسير اللفظ المركب فنقول : هو ما يدل جزؤه على جزء معناه وأحد الجزأين متعقّب للآخر (٣) وفي هذه الكلم المذكورة : الجزآن مسموعان معا.

__________________

(١) يريد ياء النسب وحرف المضارعة.

(٢) في اول شرح المؤلف على الشافية لابن الحاجب.

(٣) متعقب للآخر : أي حاصل بعده ، كما يدل عليه قوله في مقابله : وفي هذه الكلم : الجزآن مسموعان معا.

٢٦

أقسام الكلمة

قال ابن الحاجب :

«وهي اسم وفعل وحرف»

قال الرضى :

إنما قدم الاسم على الفعل والحرف ، لحصول الكلام من نوعه دون أخويه ، نحو : زيد قائم ، والمقصود من معرفة الكلم الكلام والأحوال التي تعرض له من الإعراب وغيره.

ثم قدم الفعل على الحرف ، لأنه ، وإن لم يتأتّ من الفعلين كلام كما تأتّى من الاسمين ، لكنه يكون أحد جزأي الكلام ، نحو ضرب زيد ، بخلاف الحرف ، فإنه لا يتأتّى منه ومن كلمة أخرى كلام.

فإن قيل : يجب أن تكون الكلمة هذه الثلاثة معا ، لأن الواو للجمع ، فيكون نحو : أذهب زيد ، ونحو مرّ بزيد ، كلمة ، لأنه اسم وفعل وحرف.

فالجواب أنه كان يلزم ما قلت لو كان هذا قسمة الشيء إلى أجزائه كما تقول : السكنجبين (١) خل وعسل ، وما ذكره قسمة الشيء إلى جزئياته نحو قولك الحيوان إنسان

__________________

(١) السكنجبين كلمة أعجمية معناها الشراب المتخذ من حامض وحلو ، ومثل لهما المؤلف بالخل والعسل.

٢٧

وفرس وبقر وغير ذلك ؛ ونريد بالجزئي ما يدخل تحت كليّ ، ويصح كون الكليّ خبرا عنه ، نحو : الإنسان حيوان ؛ وقولهم : الواو للجمع لا يريدون به أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان معا في حالة واحدة ، كما يجيء في باب حروف العطف ،

بل المراد أنهما يجتمعان في كونهما محكوما عليهما ، كما في : جاءني زيد وعمرو ، أو في كونهما حكمين على شيء نحو : زيد قائم وقاعد ، أو في حصول مضمونيهما ، نحو : قام زيد وقعد عمرو ، بخلاف «أو» فانها في الأصل لحصول أحد الشيئين ؛ فلو قال : الكلمة اسم أو فعل أو حرف لكان المعنى : الكلمة أحد الثلاثة دون الباقيين.

بلى ، ان أريد الحصر مع «أو» قدم «إما» على المعطوف عليه نحو : الكلمة إما اسم أو فعل أو حرف ، فتكون القضية مانعة الجمع والخلو ، كما هو المذكور في مظانه.

وكذا كان ينبغي أن يذكره المصنف لأن مقصوده الحصر بدليل قوله : «لأنها اما أن تدل ...» (١)

فإن قيل : إنك حكمت على الفعل والحرف أن كل واحد منهما كلمة ، والكلمة اسم ، فيجب أن يكونا اسمين.

قلت : إن أردت بقولك إن الكلمة اسم : أن لفظها اسم لدخول علامة الأسماء كاللام والتنوين عليها ، فهو مغالطة ، لأن معنى كلامك ، إذن ، أن الفعل كلمة من حيث المعنى ، ولفظ الكلمة اسم ، وهذا لا ينتج أن الفعل اسم ، لعدم اتحاد الوسط ، وكذا ان أردت به أن لفظ (٢) معنى الكلمة اسم ، لأنها لفظ دال على معنى مفرد ، وكل لفظ هكذا : اسم ، لأنه يصح الأخبار عنه ولو بأنه دال على معنى مفرد كما تقول : ضرب دال على معنى مفرد ، أو تقول : ضرب فعل ماض ؛ فنقول : هذا أيضا مغالطة ، لأن معنى كلامك ، وهو أن الفعل كلمة ، وكل كلمة اسم : ان الفعل لفظ وضع لمعنى مفرد إذا اريد بذلك اللفظ معناه

__________________

(١) فيما يأتي قريبا تحت عنوان : دليل انحصار الكلمة.

(٢) هكذا جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة ، ولعله يريد : ان كلمة لفظ (التي جاءت في تفسير الكلمة بأنها لفظ وضع .. الخ) اسم والله أعلم؟

٢٨

الموضوع هوله ، كما في. ضرب زيد ، وكل لفظ هكذا : اسم إذا أريد به مجرد اللفظ ، كما في قولك : ضرب فعل ماض ، وهذا لا ينتج أن الفعل اسم لعدم اتحاد الوسط.

فإن قيل : فإذا كان نحو «من» و «ضرب» في قولك : من حرف جر ، وضرب فعل ماض ، اسمين ، فكيف أخبرت عنهما بأن الأول حرف والثاني ، فعل وهل هذا إلّا تناقض؟

قلت : لم نرد أن «من» في هذا التركيب حرف ، و «ضرب» فعل ، بل المعنى أن «من» إذا استعمل في المعنى الذي وضع له أوّلا نحو : خرجت من الكوفة : حرف ، وكذا ضرب فعل ماض في نحو : ضرب زيد.

ومثله إذا قلت مدلول الفعل لا يخبر عنه ، فإنك أخبرت عن قولك : مدلول الفعل ، بقولك : لا يخبر عنه ، لأن المراد : مدلول الفعل إذا كان تحت لفظ الفعل ، لا يخبر عنه وقولك مدلول الفعل ليس كذا.

وكذا قولك : الفعل لا يسند إليه ، أي الفعل إذا كان بلفظه ، نحو : ضرب زيد وقصدت معناه الموضوع هو له.

وكذا قولهم : المجهول مطلقا لا يحكم عليه ، أي الشيء الذي لا شعور به أصلا لا يحكم عليه ، ولفظ المجهول مطلقا ، مشعور بمعناه إذ هو : ما لا نعرفه.

ففي جميع ذلك مبتدآن :

أحدهما محكوم عليه بشيء ، وهو المذكور في لفظك ، والآخر محكوم عليه بنقيض ذلك وهو المكنىّ بلفظك عنه.

فلا يلزم التناقض لأن التناقض لا يكون إلا مع اتحاد الموضوعين (١).

__________________

(١) في هذا البحث علّق السيد الجرجاني في النسخة المطبوعة وناقش الرضى مناقشة طويلة في الألفاظ عند الحكم عليها وفيما اشتهر من أن الألفاظ حينئذ كلها أسماء وقال إن هذا أمر ظاهري. وللرضى في باب العلم حديث طويل في هذا الموضوع.

٢٩

دليل انحصار الكلمة

في الأقسام المذكورة

قال ابن الحاجب :

«لأنها اما أن تدل على معنى في نفسها ، أو ، لا ،» «الثاني الحرف ، والأول إما أن يقترن بأحد الأزمنة» «الثلاثة ، أو ، لا ، الثاني الاسم ، والأول الفعل ،» «وقد علم بذلك حد كل واحد منها».

قال الرضى :

اعلم أن اسم «أنّ» ضمير الكلمة والمضاف محذوف ، إما من الاسم أو من الخبر ، أي لأن حالها إما دلالة ، أو لأنها ذات دلالة (١).

ويجوز أن يكون «أن تدل» مبتدأ محذوف الخبر ، أي : دلالتها ثابتة ، ومثله قولك : زيد اما أن يسافر أو يقيم.

واللام في قوله «لأنها» متعلق بما دل عليه قوله «وهي اسم وفعل وحرف» ، إذ المعنى : الكلمة محصورة في هذه الأقسام ، واستدل على الحصر بأن قال : هذا اللفظ الدال على معنى مفرد ، أعني الكلمة إما أن يدل على معنى في نفسه أو على معنى لا في نفسه : الثاني الحرف أعني : الكلمة الدالة على معنى لا في نفسها ؛ والأول ، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها ، إما أن تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، أو ، لا ، الثاني ، الاسم ، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، والأول الفعل ، أي الكلمة الدالة على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة.

فهذه قسمة دائرة بين النفي والإثبات فتكون حاصرة ، أي لا يمكن الزيادة فيها ولا النقصان.

__________________

(١) المناسب لما قبله أن يقول : أو : لأنها إما ذات دلالة.

٣٠

فتبيّن بدليل الحصر حدّ كل واحد من الأقسام ، لأنه ذكر فيه جنس كل واحد وفصله كما بيّنا ، والمركب من الجنس والفصل هو الحد.

الكلام

معناه وكيفية تركيبه

قال ابن الحاجب :

«الكلام ما تضمن كلمتين بالاسناد ، ولا يتأتيّ ذلك إلا في اسمين ، أو في فعل واسم»

قال الرضى :

إنما قدم حد الكلمة على حد الكلام مع أن المقصود الأهم من علم النحو : معرفة الإعراب الحاصل في الكلام بسبب العقد والتركيب ؛ لتوقف (١) الكلام على الكلمة توقفّ المركب على جزئه.

ويعني بتضمنه الكلمتين : تركبه منهما وكونهما جزأيه ، وذلك من دلالة المركب على كل جزء من أجزائه دلالة تضمّن.

وجزءا الكلام يكونان ملفوظين ، كزيد قائم ، وقام زيد ، ومقدرين كنعم في جواب من قال : أزيد قائم ، أو ؛ أقام زيد ؛ أو أحدهما مقدرا دون الآخر وهو إما الفعل ، كما في : إن زيد قام أو الفاعل كما في : زيد قام أو المبتدأ ، أو الخبر كما في قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ). (٢)

والمراد بالإسناد أن يخبر في الحال أو في الأصل بكلمة أو أكثر عن أخرى ، على أن يكون المخبر عنه أهمّ ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخصّ به.

فقولنا أن يخبر ، احتراز عن النسبة الإضافية ، وعن التي بين التوابع ومتبوعاتها.

__________________

(١) تعليل لقوله : إنما قدم حدّ الاسم.

(٢) الآية ١٨ من سورة يوسف.

٣١

وقولنا في الحال ، كما في : قام زيد ، وزيد قائم ، وقولنا : أو في الأصل ليشمل الاسناد الذي في الكلام الإنشائي ، نحو : بعت ، وأنت حرّ ، وفي الطلبي نحو : هل أنت قائم ، وليتك ، أو لعلك قائم ، وكذا نحو اضرب ، لأنه مأخوذ من : تضرب ، بالاتفاق ، وقياسه : لتضرب ، بزيادة حرف الطلب قياسا على سائر الجمل الطلبية ، فخفف بحذف اللام وحذف حرف المضارعة لكثرة الاستعمال ، بدلالة قولك فيما لم يسمّ فاعله : لتضرب ، وفي الغائب : ليضرب ، وفي المتكلم : لأضرب ، ولنضرب ، لما قلّ استعمالها.

وقولنا بكلمة ، كما في : زيد قائم ، وقولنا أو أكثر ، ليعمّ نحو : زيد أبوه قائم ، وزيد قام أبوه ؛ فكان على المصنف أن يقول : كلمتين أو أكثر ، وليس له أن يقول : الأصل في الخبر الإفراد ، لأنه لا دليل عليه ، ويجيء فيه مزيد بحث (١) ، إن شاء الله تعالى.

وقولنا : على أن يكون المخبر عنه أهمّ ما يخبر عنه ... احتراز عن كون الفعل خبرا (٢) ، أيضا ، عن واحد من المنصوبات في نحو : ضرب زيد عمرا أمامك يوم الجمعة ضربة ، ، وضرب زيد يوم الجمعة أمامك ضربة ، فإن المرفوع في الموضعين أخصّ بالفعل ، وأهم بالذكر من المنصوبات ، كما يجيء في باب المصدر ؛

وكان على المصنف أن يقول : بالاسناد الأصلى المقصود ما تركب به لذاته ، ليخرج بالأصلي اسناد المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف ، فإنها مع ما أسندت إليه ليست بكلام ، وأما نحو : أقائم الزيدان ، فلكونه بمنزلة الفعل وبمعناه ، كما في أسماء الأفعال ، وليخرج بقوله : المقصود ما تركب به لذاته : الاسناد الذي في خبر المبتدأ في الحال أو في الأصل ، وفي الصفة والحال ، والمضاف إليه إذا كانت كلها جملا ، والاسناد الذي في الصلة ، والذي في الجملة القسمية ، لأنها لتوكيد جواب القسم ، والذي

__________________

(١) يأتي ذلك في باب المبتدأ والخبر.

(٢) يريد بكون الفعل خبرا عن أحد المنصوبات أنه حديث عنه وأن له تعلقا به ، وليس المراد معنى الخبر الاصطلاحي.

٣٢

في الشرطية لأنها قيد في الجزاء ، فجزاء الشرط وجواب القسم كلامان (١) بخلاف الجملة الشرطية والقسمية.

والفرق بين الجملة والكلام ، أن الجملة ما تضمّن الاسناد الأصلي سواء كانت مقصودة لذاتها أو ، لا ، كالجملة التي هي خبر المبتدأ وسائر ما ذكر من الجمل ، فيخرج المصدر ، وأسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والظرف مع ما أسندت إليه.

والكلام ما تضمن الاسناد الأصلي وكان مقصودا لذاته ؛ فكل كلام جملة ولا ينعكس.

وإنما قال بالاسناد ولم يقل بالإخبار ، لأنه أعمّ ، إذ يشمل النسبة التي في الكلام الخبري والطلبي والإنشائي ، كما ذكرنا.

واحترز بقوله «بالاسناد» عن بعض ما ركب من اسمين كالمضاف والمضاف إليه ، والتابع ومتبوعه ، وبعض المركب من الفعل والاسم ، نحو : ضربك ، وعن جميع الأنواع الأربعة الأخر من التركيبات الثنائية الممكنة بين الكلم الثلاث ، وهي : اسم مع حرف ، وفعل مع فعل ، أو حرف ، وحرف مع حرف.

وذلك لأن أحد أجزاء الكلام هو الحكم ، أي الاسناد الذي هو رابطة ، ولا بدّ له من طرفين : مسند ، ومسند إليه ؛ والاسم بحسب الوضع يصلح لأن يكون مسندا ، ومسندا إليه ؛ والفعل يصلح لكونه مسندا لا مسندا إليه ، والحرف لا يصلح لأحدهما.

والتركيب العقلي الثنائي بين الثلاثة الأشياء (٢) ، أعني الاسم والفعل والحرف لا يعدو

__________________

(١) ناقش السيد الجرجاني دعوى الرضى بأن جملة الجزاء كلام ، وقال ان المعروف أن الكلام هو مجموع الشرط والجزاء وسيأتي رأي الرضى بتفصيل أكثر في قسم الأفعال عند الكلام على الشرط والجزاء!

(٢) جرى الرضى في تعبيره هذا على مذهب الكوفيين ، إذ يجيزون في مثله تعريف الجزأين ، والبصريون يقتصرون على تعريف المضاف إليه ، نحو ثلاث الأثافي وخمسة الأشبار ، وقد يستعمل مذهب البصريين ، وقد ناقش المذهبين في بابي الاضافة والعدد.

٣٣

ستة أقسام : الاسمان ، والاسم مع الفعل أو الحرف والفعل مع الفعل أو الحرف ، والحرفان.

فالاسمان يكونان كلاما ، لكون أحدهما مسندا والآخر مسندا إليه ، وكذا الاسم مع الفعل لكون الفعل مسندا والاسم مسندا إليه.

والاسم مع الحرف لا يكون كلاما ، إذ لو جعلت الاسم مسندا فلا مسند إليه ، ولو جعلته مسندا إليه فلا مسند ، وأما نحو : يا زيد ، فلسدّ «يا» مسدّ «دعوت» الانشائي (١).

والفعل مع الفعل أو الحرف لا يكون كلاما لعدم المسند إليه ، وأما الحرف مع الحرف فلا مسند فيهما ولا مسند إليه.

فظهر بهذا معنى قوله «ولا يتأتّى» أي : لا يتيسّر الاسناد إلا في اسمين ، أو فعل واسم ؛ والباء في قوله «بالاسناد» للاستعانة أي تركب من كلمتين بهذا الرابط ، أو بمعنى «مع» أي مع هذا الرابط.

__________________

(١) رجّح الرضى تقدير حرف النداء بدعوت : مرادا به الانشاء ، قال لأن الجمل الفعلية المستعملة في الانشاء أكثرها بلفظ الماضي.

٣٤

الكلام على الاسم

تعريفه

قال ابن الحاجب :

«الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة».

قال الرضى :

لم يقتصر على ما تقدم ، مع قوله «وقد علم بذلك حد كل واحد منها» ، لأنه أراد أن يصرح بحدّ كل واحد من الأقسام في أول صنفه ، والذي تقدم لم يكن حدا مصرّحا به ، ولا المقصود منه الحدّ ، بل كان المراد منه الدليل على الحصر.

قوله «ما دل» أي كلمة دلت ، وإلا ورد عليه الخط والعقد والنصبة والإشارة ؛ وإنما أورد لفظة «ما» مع احتمالها للكلمة وغيرها اعتمادا على ما ذكره قبل من كون الاسم أحد أقسام الكلمة في قوله «وهي اسم وفعل وحرف» ، فكل اسم كلمة ، لأن الكلمة كليّ ، والاسم جزئي لها ؛ وقوله «في نفسه» الجار والمجرور ، مجرور المحل صفة لقوله «معنى» والضمير البارز في «نفسه» لما ، التي المراد منها الكلمة (١) ، كما أن الضمير في قوله قبل

__________________

(١) جملة المراد منها الكلمة : صلة الموصول (التي).

٣٥

«على معنى في نفسها» للكلمة.

وقال المصنف (١) : أن الضمير في قولهم : ما دل على معنى في نفسه ، وقولهم : في غيره راجع إلى «معنى» ، وأن معنى : ما دل على معنى في نفسه ، أي لا باعتبار غيره ، كقولهم : الدار قيمتها في نفسها كذا ، أي باعتبار نفسها لا باعتبار كونها في وسط البلد أو غير ذلك.

وفيه نظر ، لأنّ قولهم في حد الحرف : على معنى في غيره نقيض قولهم على معنى في نفسه ، ولا يقال في مقابلة قولك قيمة الدار في نفسها كذا : قيمة الدار في غيرها كذا ، بل يقال : لا في نفسها.

ومعنى الكلام على ما اخترنا ، أعني جعل «في نفسه» صفة لمعنى والضمير لما : الاسم (٢) كلمة دلت على معنى ثابت في نفس تلك الكلمة ، والحرف كلمة دلت على معنى ثابت في لفظ غيرها ؛ فغير ، صفة للفظ ، وقد يكون اللفظ الذي فيه معنى الحرف مفردا ، كالمعرف باللام ، والمنكر بتنوين التنكير ، وقد يكون جملة ، كما في : هل زيد قائم ، لأن الاستفهام معنى في الجملة ، إذ قيام زيد مستفهم عنه ، وكذا النفي في : ما قام زيد ، إذ قيام زيد منفي ؛ فالحرف موجد لمعناه في لفظ غيره ، إما مقدم عليه كما في نحو بصريّ ، أو مؤخر عنه ، كما في «الرجل» ، والأكثر أن يكون معنى الحرف مضمون ذلك اللفظ ، فيكون متضمنا للمعنى الذي أحدث (٣) فيه الحرف مع دلالته على معناه الأصلي ، إلا أن هذا تضمّن معنى لم يدل عليه لفظ المتضمن كما كان لفظ البيت متضمنا لمعنى الجدار ودالا عليه ، بل الدال على المضمون فيما نحن فيه لفظ آخر مقترن بالمتضمّن ، فرجل ، في قولك : الرجل ، متضمن لمعنى التعريف الذي أحدث فيه اللام المقترن به ، وكذا : ضرب زيد ، في : هل ضرب زيد ، متضمن لمعنى الاستفهام ، إذ ضرب زيد ، مستفهم عنه ،

__________________

(١) أي ابن الحاجب ، وقوله هذا في شرحه على المفصل للزمخشري واسمه الايضاح ، وقد أورد الجرجاني في تعليقاته هذا الرأي وشرحه ، وردّ على النظر الذي سيذكره الرضى.

(٢) خبر عن قوله : ومعنى الكلام على ما اخترنا ... إلخ

(٣) أي الذي أحدثه فيه الحرف ، وحذف العائد في مثله قياسيّ وكثير ، وسيتكرر مثله.

٣٦

ولا بد في المستفهم عنه من معنى الاستفهام ، وموجده فيه «هل» ، وقد يكون معنى الحرف ما دل عليه غيره مطابقة ، وذلك إذا كان ذلك الغير (١) لازم الاضمار كما دل همزة «أضرب» ونون «نضرب» على معنى الضميرين اللازم اضمارهما ؛ وقد يكون الحرف دالا على معنيين كل منهما في كلمة (٢) ، كحروف المضارعة الدالة على معنى في الفعل ومعنى في الفاعل.

والأغلب في معنى الحرف أن يكون معنى الأسماء الدالة على المعاني دون الأعيان ، وقد تكون دالة على العين أيضا ، كالهمزة في «أضرب» ونون «نضرب» وتاء «تضرب» في خطاب المذكر ، فإنها تفيد معاني الفاعلين بعد الأفعال.

ثم نقول : إن معنى «من» الابتداء ، فمعنى «من» ومعنى لفظ الابتداء سواء ، إلا أن الفرق بينهما أن لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر ، بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة ، ومعنى «من» مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي ؛ فلهذا جاز الاخبار عن لفظ الابتداء ، نحو : الابتداء خير من الانتهاء ، ولم يجز الاخبار عن «من» لأن الابتداء الذي هو مدلولها في لفظ آخر ، فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه؟ بل في لفظ غيره ، وإنما يخبر عن الشيء باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقة ، فالحرف وحده لا معنى له أصلا ، إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على أن في ذلك الشيء فائدة ، فإذا انفرد عن ذلك الشيء بقي غير دال على معنى أصلا.

فظهر بهذا أن المعنى الإفرادي للاسم والفعل في أنفسهما ، وللحرف في غيره ، ولا يصح الاعتراض على حد الحرف بالصفات ، وذلك بأن يقال : إن لفظ (٣) طويل ، مثلا ،

__________________

(١) كلمة «غير» ملازمة للاضافة لفظا أو تقديرا ، وهي متوغلة في الابهام فلا تتعرف ، حتى مع الاضافة ومنعوا دخول حرف التعريف عليها ، وبعض الباحثين يبرر ذلك بأن «ال» تكون فيها حينئذ ، عوضا عن المضاف إليه ، وهو غير متفق عليه ، ولا هو ممكن في كل موضع.

(٢) المراد أن المعنيين اللذين يدل عليهما الحرف هما معا في كلمة واحدة كما مثل ، وتعبيره لا يساعد على فهم هذا المراد ؛ وربما كانت محرفة عن : كلاهما.

(٣) في النسخة المطبوعة : ان معنى طويل ، ولا يستقيم الكلام إلا باصلاحها إلى : لفظ طويل وذلك يظهر بالتأمل في سياق الكلام.

٣٧

في جاءني رجل طويل ، موجد لمعناه أي الطول في موصوفه ، حتى صار الموصوف متضمنا له.

وذلك أن معنى طويل : ذو طول ، فهو دال على معنيين أحدهما قائم بالآخر ، إذ الطول قائم بذو ، فمعناه : الطول وصاحبه ، لا مجرد الطول الذي في «رجل» وإنما ذكر الموصوف قبله ليعيّن ذلك الصاحب الذي دل عليه طويل ، وقام به الطول لا ليقوم به الطول.

واما قولهم : النعت دال على معنى في متبوعه فلكون المتبوع معينا لذلك الذي قام به المعنى ومخصصا له وكونه اياه ، بل المصدر في قولك : ضرب زيد مفيد لمعنى في لفظ غيره ، أعني ضاربيّة زيد ، لكنهم احترزوا عن مثله بقولهم «دلّ» ، أي دل بالوضع ، ولم يوضع المصدر ليفيد في لفظ غيره معنى ، إذ يصح أن يقال : الضرب شديد ، ولا يذكر الضارب ، ولا يخرج بذلك عن الوضع ؛

ويصح أن يعترض عليه (١) بالأفعال ، فإن «ضرب» وضع ليدل على ضاربيّة ما ارتفع به ، ولا يندفع هذا الاعتراض إلا بما قال بعضهم : الحرف ما لا يدل إلا على معنى في غيره ، فإن «ضرب» مفيد في نفسه الإخبار عن وقوع ضرب ، وفي فاعله عن ضاربيته ، بخلاف «من» فإنه لا يفيد إلا معنى الابتداء في غيره.

قوله «غير مقترن» صفة بعد صفة لقوله «معنى» ؛ ويتبيّن معنى قوله «غير مقترن» ببيان قوله في حدّ الفعل «هو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة» أي على معنى واقع في أحد الأزمنة الثلاثة معيّنا ، بحيث يكون ذلك الزمان المعيّن أيضا مدلول اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له أوّلا ، فيكون الظرف والمظروف مدلول لفظ واحد بالوضع الأصلي ، فيخرج عن حد الفعل نحو الضرب والقتل ، وإن وجب وقوعه في أحد الأزمنة الثلاثة معيّنا في نفس الأمر ، لأن ذلك المعيّن لا يدل عليه لفظ المصدر.

__________________

(١) أي على حد الحرف وهو قولهم ما دل على معنى في غيره.

٣٨

ويخرج نحو : الصبوح والغبوق ، والقيلولة ، والسّرى ، لأن اللفظ وإن دل على زمان لكنه ليس أحد الأزمنة الثلاثة ، أي الماضي والحال والمستقبل.

وكذا يخرج نحو : خلق السموات ، وقيام الساعة ، لأنه ، وإن اقترن الحدثان (١) كلّ واحد منهما بأحد الأزمنة معينا عند السامع ، لكن لا بدلالة اللفظ عليه وضعا.

ويخرج أيضا اسما الفاعل والمفعول عند اعمالهما ، لأنهما وإن كانا لا يعملان عندهم إلا مع اشتراط الحال أو الاستقبال ، إلا أن ذلك الزمان مدلول عملهما العارض ، لا مدلولهما وضعا.

وكذا يخرج أسماء الأفعال ، لأن ذلك فيها ليس بالوضع الأول ، بل بالوضع الثاني ، كما يجيء في بابها.

ويدخل فيه المضارع ، لأنه دال على أحد الأزمنة الثلاثة بالوضع. إن قلنا إنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال ، وكذا إن قلنا أيضا ، باشتراكه في الحال والاستقبال ، لأن اللفظ المشترك في معنيين ، حقيقة فيهما ، موضوع لكل واحد منهما ، فهو في أصل الوضع لأحد الأزمنة الثلاثة معيّنا ، وكذا في الاستعمال ، والتباس ذلك المعيّن على السامع لا يخلّ بكونه لأحدهما معيّنا.

وكذا تدخل الأفعال الإنشائية لعروض الإنشاء ، وكون الفعل لأحدها معينا في الوضع ، سواء كان الإنشاء العارض لازما ، كما في «عسى» أو غير لازم ، كما في «بعت ، واشتريت».

ولا يدخل في هذا الحد لفظ الماضي ، والمستقبل ، والحال ، إذا أريد به الفعل الذي مضى ، والفعل الآتي ، والفعل الحالي ، لأن لفظ الماضي ليس موضوعا للحدث الكائن

__________________

(١) المراد : وان اقترن حدوث كل واحد .. فاستعمل المصدر المعرف بأل ، واعماله قليل ، ومقتضى ذلك أن تقرأ كلمة «كل» بعده بالرفع ، على انها فاعل للمصدر.

٣٩

فيما مضى من الزمان ، بل لكل ماض في الزمان أو في المكان ، نحو : مضى في الأرض ، وكذا المستقبل والحال.

والأولى أن يقال : الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمان من حيث الوزن ، حتى لا يرد مثل هذا من الأصل ، ولا يرد ، أيضا ، مثل الصبّوح والغبوق والسرى ، ولا الاسم الموضوع دالا بتركيبه على أحد الأزمنة الثلاثة ، كالغبور ، مثلا ، بمعنى كون الشيء في الماضي ، أو في المستقبل ، فان دلالته على أحد الأزمنة الثلاثة بالحروف المرتبة لا بالوزن ، ومن ثمة تبقى هذه الدلالة مع تغير الوزن كالغابر ، وغبر يغبر ؛ والحق أنه بمعنى الماضي ، أو البقاء في المكان أو الزمان ، قال الله تعالى : (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(١).

وإنما لم يفسر قوله : الأزمنة الثلاثة لشهرتها في الماضي والمستقبل والحال ؛ والحق أن مثل هذا الإهمال لا يحسن في الحدود ، وكذا لفظ الاقتران مهمل غير ظاهر فيما ذكرنا من تفسيره ، ولا يورد في الحدود إلا الألفاظ الصريحة المشهورة في المعنى المقصود بها.

إن قيل : إن ضمير الغائب ، والأسماء الموصولة ، وكاف التشبيه الاسمية وكم الخبرية ، وأسماء الشرط ، وأسماء الاستفهام ، خارجة عن حد الاسم بقوله «في نفسه».

فالجواب : أن الضمير المذكور والأسماء الموصولة ، وإن احتاجا ضرورة إلى لفظ آخر ، لكن لا ليفيدا معناهما الذي هو الشيء المبهم ويحدثاه في ذلك اللفظ ، فإن لفظة «الذي» مثلا ، تفيد معناها الذي هو الشيء المبهم في نفسها لا في صلتها ، وإنما تحتاج إلى صلتها لكشف ذلك الابهام ورفعه منها ، لا لإثبات ذلك الابهام في الصلة.

وكذا ضمير الغائب ؛ فهما مبهمان ، لكن اشترط فيهما من حيث الوضع أنه لا بدّ لهما من معيّن مخصّص ، فلذا عدّا من المعارف.

وكذا اسم الإشارة ، إلا أنه كثيرا ما يكتفي بقرينة غير لفظية للتخصيص ؛ وأما الكاف

__________________

(١) الآية ٨٣ من سورة الأعراف.

٤٠