شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

وتقديم الخبر غير الظرف على المبتدأ ، لا يرفع اللبس ولا يعينه للخبرية إذ لو قلت في رجل قائم : قائم رجل ، احتمل كون رجل خبرا عن قائم ، أو بدلا منه ، وأما الظرف فإنه إذا تقدم تعيّن للخبرية بسبب انتصابه لفظا أو محلا ، هذا كله على مذهب سيبويه.

وأما على مذهب الأخفش والكوفيين ، فالظرف عامل في الاسم الذي بعده ، فليس ، إذن ، من هذا الباب.

قولنا في الأغلب ، احتراز عن قولهم : أمت في حجر لا فيك ، (١) وقولنا مما لا يتضمن معنى الدعاء ، احتراز عن نحو : سلام عليك. وويل لك ، فإن الأغلب تأخير الخبر ، لما ذكرنا قبل.

قوله : «أو لمتعلقه» أي لمتعلّق الخبر بكسر اللام ، ونعني بالمتعلق جزء الخبر ، فقولك : على التمرة خبر ، والمجرور جزؤه ، ويجوز أن يريد بالخبر ذلك المقدر ، لأن الجار والمجرور متعلق به ، والمجرور وحده يتعلق بعامله ، لأن الجار ليس بمتعلق في الحقيقة ، بل بسبب تعلق المجرور بعامله القاصر.

يعني إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يرجع إلى جزء الخبر ، وجب تقديم الخبر حتى لا يلزم ضمير قبل الذكر ، فلو قلت : مثلها زبدا على التمرة ، لكان مثل : صاحبها في الدار ، وقد تقدم امتناعه ، وإذا كان الضمير في صفة المبتدأ ، نحو : على التمرة زبد مثلها ، جاز تأخير الخبر عن المبتدأ بأن يتوسط بينه وبين صفته ، نحو : زبد على التمرة مثلها ، إذ الفصل بين الصفة والموصوف جائز.

فإن تقدم المفسّر المتعلق بالخبر على المبتدأ ذي الضمير وتأخر الخبر عنه نحو : في الدار مالكها نائم جاز عند البصريين ، وعند هشام من الكوفيين خلافا للباقين ، وكأن المانع نظر إلى أن المفسّر مرتبته التأخر لتعلقه بالخبر ، وليس بشيء لأن التقدم اللفظي كاف في صحة عود الضمير.

__________________

(١) الأمت الاعوجاج وعدم الاستقامة ؛

٢٦١

ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ)(١) ، ووافق الكسائي البصريين في جواز نحو : زيدا غلامه ضارب ، لا في نحو : زيدا غلامه ضرب ، وكأنه نظر إلى شدة طلب الفعل لمفعوله ، فكأن مفعوله متأخر عنه ، بخلاف اسم الفاعل ، فإن طلبه له بالمشابهة.

والأولى : الجواز في الكل ، لما ذكرنا من الاكتفاء بالتقدم اللفظي.

قوله : «أو عن أن» يعني : أو كان الخبر عن أنّ مع اسمها وخبرها. يريد : إذا كان : أنّ مع صلتها مبتدأ وجب تقديم خبرها عليها ، وقد تقدم أنها مع صلتها فاعل عند أبي عليّ ، إذا كان الخبر ظرفا.

وإنما تعيّن تقديم الخبر لئلا يلتبس بإنّ المكسورة ، لأنك لو جئت بالخبر ، بعد خبر أنّ المفتوحة ، إما ظرفا نحو : أن زيدا قائم عندي ، أو غير ظرف نحو : أنّ زيدا قائم حقّ ، لاشتبهت المفتوحة بالمكسورة ، ولم تدفع الفتحة الخفية اللبس ، لكون الموقع موقع المكسورة ، لأن لها صدر الكلام بخلاف المفتوحة ، كما يجيء في باب الحروف المشبهة بالفعل.

ولا يرفع مجيء خبر المبتدأ بعد خبر «أن» اللبس أيضا ، إذ ربما يظن أنه خبر بعد خبر لإن المكسورة ، أو يظن في الظرف تعلقه بخبر «أن» ، وإذا تقدم الخبر على «أن» عرف أنه خبر المبتدأ ، وأنه ليس في حيّز «أن» المفتوحة ، إذ هي حرف موصول ، ويجيء في باب الموصول أن ما في حيز الصلة لا يتقدم على الموصول ، ولا ما في حيّز خبر «إن» المكسورة ، لأن لها الصدر ، فإذا تعيّن أن المقدم خبر ، والمكسورة مع اسمها وخبرها لا يصح أن تكون مبتدأ ، لأنها جملة والمبتدأ مفرد ، تعين أن ما بعد الخبر هي أنّ المفتوحة لا غير.

__________________

(١) الآية ١٢٤ من سورة البقرة.

٢٦٢

وإذا كانت «أن» المفتوحة مع صلتها بعد «أمّا» نحو : أما أنك خارج فلا أصدقه ، فإنها تتقدم على خبرها ، لما نذكر في حروف الشرط : أن الجملة التامة ، لا تتوسط بين «أمّا» وفائها.

ويجب أيضا ، تأخير المبتدأ الذي بعد «الا» لفظا نحو : ما قائم إلا زيد ، أو معنى ، نحو : إنما قائم زيد ، لأنك إن قدمته من دون «الا» انعكس الحصر ، وإن قدمته مع «إلا» لم يجز لتقدم أداة الاستثناء على الحكم في الاستثناء المفرغ ، ولا يجوز ذلك ، كما يجيء في باب الاستثناء.

وإذا كان تقديم الخبر يفهم منه معنى لا يفهم بتأخيره ، وجب التقديم ، نحو قولك : تميمي أنا ، إذا كان المراد التفاخر بتميم ، أو غير ذلك مما يقدّم له الخبر.

تعدد الخبر

قال ابن الحاجب :

«وقد يتعدد الخبر ، مثل زيد عالم عاقل».

قال الرضى :

اعلم أن تعدد الخبر ، إما أن يكون بعطف أو بغيره ، فالأول نحو : زيد عالم وعاقل ، وليس قولك : هما عالم وعاقل من هذا ، لأن كلامنا فيما تعدد فيه الخبر عن شيء واحد ، وههنا ، المخبر عنه بالعالم غير المخبر عنه بالجاهل.

والثاني على ضربين ، لأن الأخبار المتعددة ، إما أن تكون متضادة أو ، لا ، وليس ما تعدد لفظا دون معنى ، من هذا في الحقيقة ، نحو : زيد جائع نائع ، لأنهما بمعنى واحد والثاني في الحقيقة تأكيد للأول.

فإن لم تكن متضادة ، كقوله تعالى : «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ،

٢٦٣

فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» (١) ، ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ ، إن كان مشتقا ، ولا إشكال فيه. وإن كانت متضادة فهي على ضربين : إما ان يتصف جزء المبتدأ ببعض تلك الأخبار ، والجزء الآخر بالخبر الآخر ، أو يتصف المجموع بكل واحد منهما ، فالأول نحو قولك للأبلق : هذا أبيض أسود.

وليس هو في الحقيقة مما تعدد فيه الخبر ، لأنه مثل قولك : هما عالم ، وجاهل ، إلا أن الفرق بينهما أن الضمير في كل واحد من : عالم ، وجاهل ، لا يرجع إلى مجموع المبتدأ ، بل المعنى : هما رجل عالم ورجل جاهل.

وأما الضمير في كل واحد من : أبيض ، وأسود ، فإنه يرجع إلى مجموع المبتدأ ، بدليل مطابقتهما له إفرادا وتثنية وجمعا ، كقولك : هما أبيضان أسودان ، وهم بيض سود.

وإنما جاز ذلك مع أن المراد : بعضه أبيض وبعضه أسود ، كما أن المراد بالأول :

أحدهما عالم والآخر جاهل ، لاتصال البعضين بخلاف جزأيهما ، فإن كل واحد منهما منفصل عن الآخر.

وإذا جاز إسناد الشيء إلى الشيء ، مع أن المسند إليه في الحقيقة متعلقه الخارج عنه مع قيام القرينة ، نحو : هذا حسن الغلام بنصب الغلام وجره ، فلأن يجوز إسناد الشيء إلى الشيء مع أن المسند إليه في الحقيقة جزء المسند إليه في الظاهر : أولى ، وهذا كما تقول : النارنج أحمر ، أي ظاهر قشره ، ومنه قولهم : زيد حسن الوجه وحسن وجه وحسن وجها ، نصبا وجرا.

وأما الثاني ، أعني ما اتصف فيه المجموع بكل واحد منهما ، نحو : هذا حلو حامض ، فلا إشكال فيه ، لأن الضمير يرجع من كل واحد من الخبرين إلى مجموع المبتدأ ، إذ المعنى : في جميع أجزائه حلاوة وفيها كلها حموضة ، لأنه امتزج الطعمان في جميع

__________________

(١) الآيات ١٤ ، ١٥ ، ١٦ من سورة البروج.

٢٦٤

أجزائه ، وانكسر أحدهما بالآخر ، وحصل بالانكسار كيفية متوسطة بينهما.

واعلم أنه يجوز أن يعطف أحد الخبرين على الآخر ، مع اتصاف مجموع المبتدأ بكل واحد من الخبرين ، تقول : زيد كريم شجاع ، وزيد كريم وشجاع ، كما يعطف بعض الأوصاف على بعض نحو قوله :

٧٤ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم (١)

وكذا ما هو بمنزلته في رجوع الضمير من كل واحد من الخبرين إلى مجموع المبتدأ ، نحو : هذا أبيض وأسود ، وهذا حلو وحامض ، وأما إذا لم يرجع ضمير كل واحد إلى مجموع المبتدأ ، نحو : هما عالم وجاهل فلا بد من الواو ، لأن المبتدأ مفكوك تقديرا.

__________________

(١) وضح الشارح وجه الاستشهاد وبعده :

وذا الرأي حين تغم الأمور

بذات الصليل وذات اللجم

وذا الرأي منصوب على المدح والقرم بفتح القاف : السيد ، والمراد بالمزدحم المكان الذي يكثر فيه الازدحام أي ميدان القتال ، والبيت غير منسوب في الخزانة ، ولكنه أورد البيت الذي بعده وسكت عن نسبته ؛ مكتفيا بقوله : ان الفراء استشهد به ، وان ابن الأنباري أورده في كتاب الانصاف في مسائل الخلاف وزاد بعده البيت الذي أشرنا إليه فيما تقدم ، ولأعشى قيس قصيدة على هذا الوزن منها قوله :

إلى المرء قيس أطيل السّري

وآخذ من كل حي عصم ؛

وهو من الشواهد النحوية في هذا الشرح وفي شرح الشافية للرضى أيضا ؛

٢٦٥
٢٦٦

اقتران الخبر

بالفاء

قال ابن الحاجب :

«وقد يتضمن المبتدأ معنى الشرط ، فيصح دخول الفاء. في»

«الخبر ، وذلك : الاسم الموصول بفعل أو ظرف ، والنكرة».

«الموصوفة بهما ، مثل : الذي يأتيني ، أو في الدار فله درهم».

«وكل رجل يأتيني ، أو في الدار ، فله درهم ، وليت ، ولعل»

«مانعان باتفاق ، وألحق بعضهم «أن» بهما».

قال الرضى :

اعلم أن الفاء تدخل على خبر المبتدأ الواقع بعد «أما» وجوبا ، نحو أمّا زيد فقائم ، ولا تحذف إلا لضرورة ، كقوله :

٧٥ ـ فأما القتال لا قتال لديكم

ولكن سيرا في عراض المواكب (١)

__________________

(١) قوله ولكنّ سيرا ، تقديره : ولكنّ لكم سيرا فيكون اسم لكنّ ، ويصح أن يكون اسمها محذوفا تقديره ولكنكم تسيرون سيرا ، فيكون منصوبا على أنه مفعول مطلق.

وهو للحارث بن خالد المخزومي ، يعبّر قوما فروا من المعركة وقبله :

فضحتم قريشا بالفرار وأنتم

قمدّون سودان عظام المناكب

وقمدّون : أي طوال. ـ

٢٦٧

أو لإضمار القول كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)(١) ، أي فيقال لهم : أكفرتم ، وتجيء علة الإتيان بالفاء في خبر مثل هذا المبتدأ في حروف الشرط.

وتدخل جوازا في خبر مبتدأ مذكور ههنا ، وهو شيئان : أحدهما الاسم الموصول ، إما بفعل أو ظرف ، ويدخل في قولنا : الموصول ، اللام الموصولة أيضا في نحو : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)(٢) وصلتها لا تكون إلا فعلا في صورة اسم الفاعل أو المفعول ، كما يجيء في الأسماء الموصولة. والأغلب الأعم في الموصول الذي يدخل في خبره الفاء : أن يكون عامّا ، وصلته مستقبلة ، كما في أسماء الشرط وفعل الشرط ، نحو : من تضرب أضرب ، وقد يكون خاصا وصلته ماضية ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ)(٣) ، الآية ؛ لأن الآية مسوقة للحكاية عن جماعة مخصوصين حصل منهم الفتن ، أي الاحراق ، وكذا قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ)(٤) ، وقد يكون الموصول خاصا وصلته مستقبلة ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٥) ، إذ لا يريد كلّ موت تفرون منه يلقاكم ، إذ ربّ موت فرّ منه الشخص فما لاقاه ذلك النوع كموت بالقتل بالسيف مثلا ، ولاقاه نوع آخر منه ، فالمعنى : هذه الماهية التي تفرون منها تلاقيكم ، وجاز دخول الفاء في خبر المبتدأ ههنا وإن لم يكن موصولا ، لأنه موصوف بالموصول ، وقد يقع الماضي بعد الموصول المذكور وهو بمعنى المستقبل لتضمنه معنى الشرط ، كقولك : الذي أتاني فله درهم ، والموصول بالظرف نحو : الذي قدامك أو في الدار فله درهم.

وإنما وصل المبتدأ الذي في خبره الفاء ، أو وصف بالفعل أو الظرف فقط ، لكون الموصول والموصوف ككلمة الشرط ، والخبر كالجزاء الذي يدخله الفاء ، وأما الصلة والصفة فيكونان كالشرط.

__________________

(١) الآية ١٠٦ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ٢ من سورة النور.

(٣) الآية ١٠ من سورة البروج.

(٤) الآية ٦ من سورة الحشر.

(٥) الآية ٨ من سورة الجمعة.

٢٦٨

وكان حق الموصول على هذا. ألّا يكون إلا مبهما كأسماء الشرط نحو من وما ، الشرطيتين ، وإنما جاز ألّا يكون مبهما ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) لأنه دخيل في معنى الشرط.

وكذا كان حق الصلة ألّا تكون الا فعلا مستقبل المعنى كشرط من وما ، إلا أنه لما لم يكن شرطا في الحقيقة جاز ألّا يكون صريحا في الفعلية بل يكون مما يقدر معه الفعل كالظرف والجار والمجرور ، وألّا يكون مستقبل المعنى كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) ، وكذا كان حق الخبر أن تلزمه الفاء لكونه كالجزاء ، فمن حيث إنه ليس جزاء الشرط حقيقة جاز تجريده منها مع قصد السببية ، نحو : الذي يأتيني له درهم.

ولا يلزم مع الفاء أن يكون الأول سببا للثاني ، بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها ، كما في جميع الشرط والجزاء.

ففي قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) الآية : الملاقاة لازمة للفرار ، وليس الفرار سببا للملاقاة ، وكذا في قوله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(١).

كون النعمة منه تعالى لازم لحصولها معنى.

فلا يغرنّك قول بعضهم : إن الشرط سبب الجزاء ، ويجيء تحقيقه في حروف الشرط إن شاء الله تعالى.

والثاني : النكرة العامة الموصوفة بالفعل أو الظرف أو الجار ، نحو : كل رجل يأتيني ، أو أمامك ، أو في الدار فله درهم.

وقد تجيء صفتها ، أيضا ، ماضيا مستقبل المعنى ، نحو : كل رجل أتاك غدا فله درهم ، لما ذكرنا في الموصول.

__________________

(١) الآية ٥٣ من سورة النحل.

٢٦٩

وقد تدخل الفاء على خبر «كل» وإن كان مضافا إلى غير موصوف ، نحو : كل رجل فله درهم ، لمضارعته لكلمات الشرط في الإبهام.

وكذا إن كان مضافا إلى موصوف (١) بغير الثلاثة المذكورة نحو : كل رجل عالم فله درهم.

وعند سيبويه لا تدخل الفاء على خبر غير ما ذكرنا من المبتدآت.

والأخفش يجيز زيادتها في جميع خبر المبتدأ ، نحو : زيد فوجد ، وأنشد :

٧٦ ـ وقائلة : خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيين خلو كماهيا (٢)

وسيبويه يؤول مثله بنحو : هذه خولان فانكح.

قوله : «وليت ولعل مانعان باتفاق» ، جميع نواسخ المبتدأ تمنع دخول الفاء في خبر المبتدأ المذكور ، إلا ما نذكره. وذلك لأنه إنما دخله الفاء لمشابهة المبتدأ لكلمة الشرط ، ويلزمها التصدّر ، ولا يدخلها نواسخ الابتداء ، لأن تلك النواسخ تؤثر في معنى الجملة ، وقد تقدم أن ما يؤثر في الجملة لا يدخل على جملة مصدرة بلازم التصدّر ، إلا أن هذا المبتدأ لكونه غير راسخ العرق في الشرطية ، جاز أن يدخله ما لا يؤثر في الجملة المتأخرة معنى ظاهرا ، وهو «إن» نحو (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) الآية.

وألحق المالكيّ (٣) بها «أن» المفتوحة ، ولكنّ ، من غير سماع ، لكنه (٤) لما رأى أنه

__________________

(١) في النسخة المطبوعة : إلى غير موصوف بغير الثلاثة ، ومن الواضح أن لفظ (غير) الأولى لا معنى لها.

(٢) قالوا انها لو كانت زائدة كما يرى الأخفش لترجح النصب لأنه واقع قبل الطلب. وهذا البيت من الأبيات المجهولة القائل وهو في كتاب سيبويه ج ١ ص ٧٠ وقالوا ان في كتاب سيبويه خمسين بيتا لم يعرف قائلوها ويكتفون في الاستشهاد بها بأن يقولوا انها من أبيات سيبويه ثقة منهم بأمانته وصدقه فيما يرويه.

(٣) المالكي. تقدم أنه ابن مالك. وهذا الذي نسبه إليه هنا معروف أنه رأى لابن مالك وانظر ص ٢٠٧ من هذا الجزء.

(٤) أي لكنه لما رأى كذا ألحقهما بإن.

٢٧٠

يجوز العطف بالرفع على محل اسم «لكنّ» ، كما يجوز على محل اسم «ان» كما يجيء في الحروف المشبهة بالفعل.

وكذا أجرى بعضهم «أنّ» المفتوحة في جواز رفع المعطوف على اسمها مجرى المكسورة ، على ما يجيء في الموضع المشار إليه.

وأما كلمات الشرط الجازمة الثابتة الأقدام في الشرطية ، فلا يدخلها شيء من نواسخ الابتداء إلا في الضرورة ، فيضمر مع ذلك. بعدها ، ضمير الشأن ، حتى لا تخرج كلمات الشرط في التقدير عن التصدر في جملها ، وذلك نحو قوله :

٧٧ ـ إن من يدخل الكنيسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء (١)

قوله : «وألحق بعضهم أن بهما» ، أي ألحق «ان» في المنع من دخول الفاء بليت ولعل ، قال المصنف اتباعا لعبد القاهر (٢) : إن هذا الملحق : سيبويه خلافا للأخفش ، ونقل العبدي (٣) ، وأبو البقاء (٤) ، وابن يعيش (٥). أن المجوّز لدخول الفاء مع «ان» سيبويه خلافا للأخفش.

قوله : «وليت ولعل مانعان بالاتفاق» ، لا وجه لتخصيصهما ، بل كل ناسخ للابتداء هكذا سوى ما استثنى.

__________________

(١) الشاهد دخول انّ على من الشرطية بدليل جزم الفعل بعدها وجزم الجواب كذلك. وذلك منع من جعلها اسم ان فيكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها.

والبيت من شعر الأخطل التغلبي النصراني.

(٢) أي عبد القاهر الجرجاني وتقدم ذكره في هذا الجزء ص ٥٩.

(٣) انظر ص ١٧٢ من هذا الجزء ،

(٤) يريد العكبري شارح ديوان المتنبي وله قدم راسخة في اللغة والنحو وهو أبو البقاء عبد الله بن الحسين توفي سنة ٦١٦.

(٥) ابن يعيش هو موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش. نشأ بحلب ورحل إلى بغداد وله شرح المفصل للزمخشري توفي سنة ٦٤٣ ه‍ وكنيته أبو البقاء. وربما كان مراد الرضى بأبي البقاء هو ابن يعيش فتكون الواو التي بين الاسمين زائدة. وهذا مجرد احتمال.

٢٧١

وما ذكره المصنف من أن امتناع دخول الفاء في خبر ليت ولعل ، للزوم التناقص وذلك لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يكون إلا خبرا ، أي محتملا للصدق والكذب وخبر ليت ولعل لا يحتملان ذلك ، ليس بشيء ، لصحة قولك : إن جاءك زيد فاضربه ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١).

حذف المبتدأ وحذف الخبر

متى يجب ومتى يجوز

قال ابن الحاجب :

«وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة ، جوازا كقول المستهل. الهلال»

«والله ، والخبر جوازا نحو : خرجت فإذا السبع ، ووجوبا»

«فيما التزم في موضعه غيره ، نحو : لو لا علي لهلك. عمر ،»

«وضربي زيدا قائما ، وكل رجل وضيعته ، ولعمرك لأفعلن»

«كذا».

قال الرضى :

المستهل : المبصر للهلال ، وقد ذكرنا أنه لا يحذف شيء ، لا وجوبا ولا جوازا إلا مع قرينة دالة على تعيينه.

اعلم أنه قد يحذف المبتدأ وجوبا ، إذا قطع النعت بالرفع ، كما يجيء في بابه ، نحو : الحمد لله أهل الحمد ، أي هو أهل الحمد.

__________________

(١) الآية ٢١ من سورة آل عمران.

٢٧٢

وإنما وجب حذفه ليعلم أنه كان في الأصل صفة فقطع لقصد المدح ، أو الذم ، أو الترحم ، كما يجيء ، فلو ظهر المبتدأ لم يتبيّن ذلك.

ويحذف وجوبا ، أيضا ، عند من قال في نحو : نعم الرجل زيد ، إن تقديره : هو زيد ، وفيه نظر ، على ما يجيء في بابه.

قوله : «جوازا ووجوبا» ، نصب على المصدر ، أي حذفا واجبا أو جائزا ، وإذا في قوله : إذا السبع للمفاجأة.

واختلف فيها ، فنقل عن المبرد أنها ظرف مكان ، فعلى قوله يجوز أن تكون خبر المبتدأ الذي بعدها ، أي : فبالمكان السبع ، فتقول ، على هذا ، مررت فإذا زيد قائما ، وإذا ، عنده ، متعلق بكائن وشبهه من متعلقات الظروف العامة ، ولا يجوز ، على قوله ، أن يكون «إذا» مضافا إلى الجملة الاسمية المحذوفة الخبر ، إذ لا يضاف من ظروف المكان إلى الجمل إلا «حيث» على ما يجيء في الظروف المبنية.

وما ذكره لا يطرد في جميع مواضع «إذا» المفاجأة ، إذ لا معنى لقولك : فبالمكان السبع بالباب في تأويل : خرجت فإذا السبع بالباب.

وقال الزجاج : إن «إذا» المفاجأة ظرف زمان ، فعلى قوله ، يجوز أن تكون في قولهم : فإذا السبع ، خبرا عما بعدها بتقدير مضاف ، أي فإذا حصول السبع ، أي ففي ذلك الوقت حصوله ، لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ، كما مرّ ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ، وإذا ، ظرف لذلك الخبر غير ساد مسدّه ، أي ففي ذلك الوقت السبع بالباب ، فحذف «بالباب» لدلالة قرينة «خرجت» عليه ، ويجوز أن يكون ظرف الزمان مضافا إلى الجملة الاسمية وعامله محذوف على ما قال المصنف ، أي ففاجأت وقت وجود السبع بالباب ، إلا أنه إخراج لإذا ، عن الظرفية ، إذ هو ، إذن ، مفعول به لفاجأت ، ولا حاجة إلى هذه الكلفة ، فإن «إذا» الظرفية غير متصرفة على الصحيح.

٢٧٣

ونقل عن ابن برّي (١) ، أن «إذا» المفاجأة حرف ، فعلى هذا ، خبر المبتدأ في نحو : فإذا السبع ، محذوف بلا خلاف.

وأما الفاء الداخلة على «إذا» المفاجأة ، فنقل عن الزيادي (٢) ، أنها جواب شرط مقدر ، ولعله أراد أنها فاء السببية التي المراد منها (٣) لزوم ما بعدها لما قبلها ، كما تقدم ، أي مفاجأة السبع لازمة للخروج.

وقال المازني : هي زائدة ، وليس بشيء ، إذ لا يجوز حذفها.

وقال أبو بكر مبرمان (٤) ، هي للعطف حملا على المعنى ، أي خرجت ففاجأت كذا ، وهو قريب.

قوله : «التزم في موضعه» ، يقال ألزمته الشيء فالتزمه ، أي قبل ملازمته أي في خبر التزم العرب ذكر غير الخبر المقدر في موضعه ، فيحذف الخبر وجوبا في موضع يكون فيه مع القرينة الدالة على تعيين الخبر المقدر من بين سائر الأخبار ، لفظ ساد مسدّ ذلك الخبر ، وهو في أربعة أبواب على ما ذكره المصنف.

أولها : المبتدأ الذي بعد «لو لا» ، هذا على مذهب البصريين.

وقال الفراء : لو لا هي الرافعة للاسم الذي بعدها لاختصاصها بالأسماء كسائر العوامل ، وقال الكسائي : الاسم بعدها فاعل لفعل مقدر. كما في قوله : لو ذات سوار لطمتني ،

__________________

(١) هو أبو محمد عبد الله بن برّي المصري أصله من القدس ولكنه نشأ بمصر توفي سنة ٥٨٢ ه‍.

(٢) الزيادي واسمه إبراهيم بن سفيان ينتهي نسبة إلى زياد بن أبيه. من المتقدمين أدرك سيبويه وقرأ عليه كتابه ولم يتمه. وروى عن أبي عبيدة والأصمعي. توفي سنة ٢٤٩ ه

(٣) التي : المراد منها الخ جملة المراد منها الخ صلة التي.

(٤) أبو بكر محمد بن علي العسكري تلميذ المبرد والزجاج شرح كتاب سيبويه. وكان يضن بعلمه إلا بأجر. توفي سنة ٣٤٥ ه‍ ولعل تسمية مبرمان من البرم وهو الضجر ، ومما قيل فيه : «لقد أبرمتنا يا مبرمان» وانظر بغية الوعاة للسيوطي ؛

٢٧٤

وهو قريب من وجه ، وذلك أن الظاهر منها أنها «لو» التي تفيد امتناع الأول لامتناع الثاني ، كما يجيء في حروف الشرط. دخلت على «لا» وكانت لازمة للفعل لكونها حرف شرط فتبقى مع دخولها على «لا» على ذلك الاقتضاء ، ومعناها مع «لا» أيضا ، باق على ما كان ، كما بقي مع غير «لا» من حروف النفي ، فمعنى لو لا على لهلك عمر ، لو لم يوجد عليّ لهلك عمر ، ينتفي الأول ، أي انتفى انتفاء وجود على لانتفاء هلاك عمر ، وانتفاء الانتفاء ثبوت ، فمن ثمّ ، كان «لو لا» مفيدة ثبوت الأول وانتفاء الثاني ، كإفادة «لو» في قولك : لو لم تأتني شتمتك ، كما مرّ في بيان قوله :

ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة

كفاني ولم أطلب قليل من المال (١) ـ ٤٩

لكن منع البصريين من هذا التقدير ، وحملهم على أن قالوا «لو لا» كلمة بنفسها ، وليست «لو» الداخلة على «لا» أن الفعل بعد «لو» إذا أضمر وجوبا ، فلا بد من الإتيان بمفسّر كما مرّ في باب الفاعل ، وليس بعد «لو لا» مفسّر ، وأيضا ، لفظ «لا» ، لا يدخل على الماضي في غير الدعاء وجواب القسم إلا مكررا في الأغلب ، كما يجيء في قسم الحروف ، ولا تكرير بعد «لو لا» ، فقال البصريون : الاسم المرفوع بعده مبتدأ ، ولا يجوز أن يكون جواب لو لا خبره ، كما مرّ في : أما زيد فقائم ، لكونه جملة خالية عن العائد إلى المبتدأ في الأغلب ، كما في : لو لا على لهلك عمر ، فخبره محذوف وجوبا لحصول شرطي وجوب الحذف ، أحدهما القرينة الدالة على الخبر المعيّن ، وهي لفظة «لو لا» (٢) إذ هي موضوعة لتدل على انتفاء الملزوم ، فلولا ، دالة على أن الخبر الذي بعدها «موجود» ، لا قائم ، ولا قاعد ، ولا غير ذلك من أنواع الخبر ، والثاني : اللفظ السادّ مسدّ الخبر وهو جواب لو لا.

وربما دخلت «لو لا» هذه على الفعلية ، قال :

__________________

(١) تقدم هذا الشاهد في باب التنازع من هذا الجزء.

(٢) القرينة بحسب ما فسر الشارح هى لو. فقط وليست لو لا كلها ، فيكون المعنى أن لو دلت على انتفاء الملزوم ... ثم يأتي بعد ذلك قوله : فلولا دالة على أن الخبر هو لفظ موجود ، لأنه بعد نفي انتفاء الملزوم يأتي الوجود.

٢٧٥

٧٨ ـ قالت أمامة لما جئت زائرها

هلا رميت ببعض الأسهم السود

لادرّ درك إني قد رميتهم

لو لا حددت ولا عذري لمحدود (١)

وثانيها : كل مبتدأ يكون مصدرا صريحا ، نحو ضربي ، أو بمعنى المصدر وهو أفعل التفضيل مضافا إلى المصدر ، لأنه بعض ما يضاف إليه ، كما يجيء في بابه ، نحو : أخطب ما يكون أي كون ، وأكثر شربي السويق ، ويكون المصدر مضافا إلى الفاعل نحو : ضربي زيدا ، أو إلى المفعول ، نحو ضربي زيد ، أو إليهما ، نحو : تضاربنا ، وبعد ذلك حال ، منهما معا في المعنى ، نحو ضربي زيدا قائمين ، أو تضاربنا قائمين ، أو من أحدهما نحو : ضربي هندا قائما أو قائمة.

ويقع هذا الحال فعلا أيضا خلافا للفراء ، نحو : علمي بزيد ، كان ذا مال.

ويقال : سمع أذني زيدا يقول ذاك ، أي سمع أذني كلام زيد ، على حذف المضاف.

وإن كانت الحال المذكورة جملة اسمية ، فعند غير الكسائي يجب معها واو الحال نحو : ضربي زيدا وغلامه قائم ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ، إذ الحال فضلة وقد وقعت موقع العمدة فيجب معها علامة الحالية ، إذ كل واقع غير موقعه ينكر.

وجوّز الكسائي تجردها عن الواو ، لوقوعها موقع خبر المبتدأ ، فتقول : ضربي زيدا أبوه قائم ، كما في قوله : كلمته فوه إلى فيّ.

ويجوز عند الكسائي إتباع المصدر المذكور بالتوابع ، نحو : ضربي زيدا كله أو ضربي زيدا الشديد ، قائما.

__________________

(١) البيتان للجموح الظفري. وأمامة امرأته. وقد لامته على أنه انهزم دون أي يرمي عدوه بما معه من نبل معلمة بسواد وكان قد أقسم لا يرجع عن عدوه قبل أن يرميه بها كلها فلما رجع والنبال معه لامته امرأته فقال هذين البيتين وبيتين آخرين يصف فيهما كثرة الأعداء وأنهم أحاطوا به حتى خشي الموت.

٢٧٦

ومنعه غيره لغلبة معنى الفعل عليه ، ولهذا ذهب ابن درستويه (١) إلى أن هذا المبتدأ ، لا خبر له لكونه بمعنى الفعل ، إذ المعنى : ما أضرب زيدا إلا قائما ، ولم يسمع الإتباع مع الاستقراء.

وفي خبر مثل هذا المبتدأ أقوال :

ذهب ابن درستويه ، وابن بابشاذ (٢) ، إلى أنه لا خبر له لكونه بمعنى الفعل كما قلنا ، فمعنى ضربي زيدا قائما : أضربه قائما ، وهو نحو : أقائم الزيدان ، عندهما ، وذهب الكوفيون إلى أن نحو : قائما ، حال من معمول المصدر لفظا ومعنى ، والعامل فيه المصدر الذي هو مبتدأ ، وخبر المبتدأ مقدر بعد الحال وجوبا ، أي ضربي زيدا قائما حاصل.

وذهب الأخفش إلى أن الخبر الذي سدّت الحال مسدّه : مصدر مضاف إلى صاحب الحال ، أي ضربي زيدا ضربه قائما ، أي ما ضربي إياه إلا هذا الضرب المقيّد ، وكذا أكثر شربي السويق شربه ملتوتا.

وذهب البصريون إلى أنه حال من معمول المصدر معنى لا لفظا ، والعامل في الحال محذوف ، أي ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ، والدليل على بطلان مذهب الكوفية ، أن كلّهم متفقون على أن معنى ضربي زيدا قائما : ما أضرب زيدا إلا قائما ، وهذا المعنى المتفق عليه لا يستفاد إلا من تقدير البصرية والأخفش وبيانه مبني على مقدمة ، وهي أن اسم الجنس ، أعني الذي يقع على القليل والكثير بلفظ الواحد ، إذا استعمل ولم تقم قرينة تخصصه ببعض ما يقع عليه ، فهو في الظاهر لاستغراق الجنس ، أخذا من استقراء كلامهم ، فمعنى : التراب يابس ، والماء بارد ، أن كل ما فيه هاتان الماهيتان حاله كذا ،

__________________

(١) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه. فارسي الأصل وأقام ببغداد وأخذ عن المبرد وثعلب وغيرهم. وكان من المتعصبين للمذهب البصري. توفي سنة ٣٤٧ ه‍.

(٢) تقدم ذكره ص ١٦٩ من هذا الجزء ؛

٢٧٧

فلو قلت ، مع قولهم : النوم ينقص الطهارة : إن النوم مع الجلوس لا ينقضها ، لكان مناقضا لظاهر ذلك اللفظ ، وإذا قامت قرينة الخصوص فهو للخصوص ، نحو : اشتر اللحم ، واشرب الماء ، لأن شراء الجميع وشرب الجميع ممتنعان.

فإذا تقرر هذا ، قلنا إن الجنس الذي هو مصدر غير مقيّد عند البصرية بحال تخصصه ، بل الحال عندهم قيد في الخبر فيبقى الجنس على العموم ، فيكون المعنى : كل ضرب مني واقع على زيد حاصل في حال القيام ، وهذا المعنى مطابق للمعنى المتفق عليه ، أعني ما أضرب زيدا إلا قائما.

وأما عند الكوفية فالجنس عندهم مقيّد بالحال المخصص له فيكون المعنى : ضربي زيدا المختص بحال القيام حاصل ، وهو غير مطابق للمعنى المتفق عليه لأنه لا يمتنع من حصول الضرب المقيّد بالقيام ، حصول الضرب المقيّد بالقعود ، أيضا ، في وقت آخر ، فليس في تقديرهم ، إذن ، معنى الحصر المراد المتفق عليه ، وبهذا يبطل مذهب ابن درستويه أيضا ، لأنه لا حصر في قولك : أضرب زيدا قائما.

وما يفسد مذهب الكوفية خاصة ، زيادة على ما تقدم ، من جهة اللفظ ، أنه ليس في تقديرهم ما يسدّ مسدّ الخبر ، لأن مقام الخبر ، عندهم ، بعد الحال ، وليس بعدها لفظ واقع موقع الخبر ، وقد تقدّم أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إذا سدّ مسدّه لفظ ، وكذا نقول في قولهم : أكثر شربي السويق ملتوتا ، إن معناه أن شربي له ملتوتا أكثر من شربه غير ملتوت ، فلو قدرناه على مذهب الكوفية ، أكثر شربي السويق ملتوتا حاصل ، لم يحصل هذا المعنى المتفق عليه ، إذ يجوز أن تقول هذا اللفظ وتريد ، إذن ، من شربا ملتوتا عشر مرات وغير ملتوت ألف مرة ، وتريد بأكثر شربي السويق ملتوتا تسع مرات مثلا ، فإنه أكثر شربه ملتوتا (١).

__________________

(١) خلاصة هذه (العملية الحسابية) من الشارح أن معنى الحصر لا يستفاد من تقدير الكوفيين وهذا البحث من مباحث حذف الخبر طال فيه كلام النحويين وأبدوا فيه مقدرة فائقة على الجدل والأخذ والرد. وكتبت فيه بحوث خاصة. انظر الاشباه والنظائر للسيوطي.

٢٧٨

ويرد على مذهب الأخفش حذف المصدر مع بقاء معموله ، وذلك عندهم ممتنع إذ هو بتقدير «أن» الموصولة مع الفعل ، والموصول لا يحذف ، إلا أن يقال : إذا قامت قرينة قوية دالة عليه فلا بأس بحذفه كما قال سيبويه في باب المفعول معه ، إن تقدير : مالك وزيدا ، مالك وملابستك زيدا.

هذا ، والقرينة الدالة على تعيين الخبر الذي هو حاصل عند البصريين هي الإخبار عن الضرب بكونه مقيّدا بالقيام ، لأنه لا يمكن تقييده إلا بعد حصوله ، واللفظ الساد مسدّ الخبر هو الحال ، فقد حصل شرطا وجوب الحذف.

وأصله عندهم : ضربي زيدا حاصل إذا كان قائما ، وليس «إذا» للاستقبال ههنا بل هو للاستمرار ، كما في نحو قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ)(١) وقوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)(٢) ومثله كثير ، حذف حاصل كما يحذف متعلقات الظروف العامة ، نحو زيد عندك ، والركض في الميدان ، فبقي إذا كان قائما ، ثم حذف إذا مع شرطه العامل في الحال وأقيم الحال مقام الظرف لأنّ في الحال معنى الظرفية ، إذ معنى جاءني زيد راكبا : أي في وقت ركوب فالحال قائم مقام الظرف القائم مقام الخبر ، فيكون الحال قائما مقام الخبر ،

فإن قيل : لم لا تكون «كان» المقدرة ناقصة ، وقائما خبرها؟

قيل : لأن مثل هذا المنصوب ، أي الذي يجيء بعد المصدر المضبوط بالضوابط المذكورة لا يكون إلا نكرة ، لم يسمع مع كثرته إلا كذا ، فلو كان خبر «كان» لجاز تعريفه ولسمع ذلك مع طول الاستقراء ، هذا ما قيل ، وفيه تكلفات كثيرة (٣).

__________________

(١) الآية ١١ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٣٧ من سورة الشورى.

(٣) وفيه تكلفات كثيرة : زيادة في بعض النسخ أشار إليها الجرجاني في تعليقاته. رأيت أن في اثباتها فائدة للدخول على قوله بعد ذلك : والذي يظهر لي ... الخ. وانظر الهامش التالي رقم ٢.

٢٧٩

والذي يظهر لي أن تقديره بنحو : ضربي زيدا يلابسه قائما إذا أردت الحال عن المفعول في المعنى ، وضربي زيد ، يلابسه قائما إذا كان عن الفاعل في المعنى ، أولى.

ثم نقول : حذف المفعول الذي هو ذو الحال ، فبقي : ضربي زيدا يلابس قائما. ويجوز حذف ذي الحال ، على ما أورد (١) ، مع قيام القرينة ، تقول : الذي ضربت قائما زيد ، أي ضربته ، ثم حذف يلابس ، الذي هو خبر المبتدأ والعامل في الحال ، وقام الحال مقامه ، كما تقول : راشدا مهديّا ، أي سر راشدا مهديا ، فنكون على هذا مستريحين من حذف «إذا» مع شرطه الذي هو العامل ، ولم يثبت مثله في كلامهم ، ولا نحتاج إلى الاستدلال على أن «كان» تامة لا ناقصة.

وعلى مذهب من جوّز أن يعمل في الحال غير العامل في صاحبها ، يجوز أن يكون التقدير : ضربي زيدا حاصل قائما فيكون العامل «حاصل» ، وذو الحال معمول ضربي ، (وفيه تكلفات كثيرة) (٢) من حذف «إذا» مع الجملة المضاف إليها ، ولم يثبت في غير هذا المكان ، ومن العدول عن ظاهر معنى «كان» الناقصة إلى معنى التامة ، وذلك لأن معنى قولهم حاصل إذا كان قائما ظاهر في معنى الناقصة ، ومن قيام الحال مقام الظرف ، ولا نظير له.

والذي أوقعهم في هذا ، وأوقع غيرهم فيما لزمهم : التزامهم اتحاد العامل في الحال وصاحبها ، بلا دليل دلهم عليه ولا ضرورة ألجأتهم إليه ،.

والحق أنه يجوز اختلاف العاملين على ما ذهب اليه المالكي (٣).

__________________

(١) أي على ما سيورده الشارح ويذكره في باب الحال ان شاء الله. هذا ما ظهر والله أعلم.

(٢) يبدو أن هذا الكلام وما بعده حقه أن يكون بعد قوله سابقا وفيه تكلفات كثيرة. وينتهي عند قوله : والحق أنه يجوز اختلاف العاملين ... على ما ذهب إليه المالكي ثم يأتي بعد ذلك قوله وعلى مذهب من جوّز أن يعمل في الحال الخ ثم يرتبط به قوله بعد كلمة المالكي ... فنقول تقديره ... الخ ولعل الأمر بعد ذلك يكون واضحا ان شاء الله.

(٣) أي ابن مالك صاحب الألفية كما رجحنا عند ذكره أول مرة ص ٢٠٧ من هذا الجزء.

٢٨٠