شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

ويشترط في الظرف النائب أن يكون متصرفا ملفوظا به ، وقد أجاز بعضهم في غير المتصرف نحو : قعد عندك ، وليس بوجه ، وأجاز بعضهم في غير الملفوظ به مع القرينة ، نحو : أنت في دار ضرب ، أي ضرب فيها.

وقوله تعالى : (كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) : عنه مرفوع المحل ، بمسئولا المقدر المفسّر بمسئولا الظاهر ، كما في قوله تعالى ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٢) ، لكن ليس في «مسئولا» المفسّر ضمير كما كان في : استجارك المفسر ، وذلك لأصالة الفعل في رفع المسند إليه ، فلا يجوز خلوه منه ، بخلاف اسمي الفاعل والمفعول.

والأكثرون على أنه إذا فقد المفعول به تساوت البواقي ، في النيابة ولم يفضل بعضها بعضا ؛ ورجّح بعضهم الجار والمجرور منها ، لأنه مفعول به لكن بواسطة حرف ، ورجّح بعضهم الظرفين (٣) والمصدر لأنها مفاعيل بلا واسطة ، وبعضهم المفعول المطلق لأن دلالة الفعل عليه أكثر.

والأولى أن يقال : كل ما كان أدخل في عناية المتكلم واهتمامه بذكره وتخصيص الفعل به فهو أولى بالنيابة ، وذلك إذن (٤) اختياره.

قوله : «من باب أعطيت» أي مما له مفعولان أولهما ليس بمبتدأ ، وإنما كان أولى ، لأن فيه معنى الفاعلية ، دون الثاني ، ففي أعطيت زيدا درهما ، زيد عاط ، أي آخذ ، والدرهم معطوّ ، وفي كسوت عمرا جبّة : عمرو مكتس ، والجبة مكتساة ، وكذا في غيره.

__________________

(١) الآية ٣٦ من سورة الاسراء.

(٢) الآية ٦ من سورة التوبة وتقدمت.

(٣) أي ظرف الزمان وظرف المكان.

(٤) إذن بكسر الهمزة وسكون الذال أي أنه في هذه الحالة يكون الاهتمام بذكره وعناية المتكلم به مرجحا لاختياره وعلامة على جعله نائبا عن الفاعل.

٢٢١
٢٢٢

المبتدأ والخبر

تعريف كل منهما وصور الخبر

قال ابن الحاجب :

«ومنها المبتدأ والخبر ، فالمبتدأ هو الاسم المجرد عن العوامل»

«اللفظية مسندا إليه ، أو الصفة الواقعة بعد حرف النفي وألف»

«الاستفهام رافعة لظاهر ، مثل زيد قائم ، وما قائم الزيدان»

«وأقائم الزيدان فإن طابقت مفردا جاز الأمران ، والخبر هو»

«المجرد. المسند المغاير للصفة المذكورة».

قال الرضى :

اعلم أن المبتدأ اسم مشترك بين ماهيتين ، فلا يمكن جمعهما في حد ، لأن الحد مبيّن للماهية بجميع أجزائها ، فإذا اختلف الشيئان في الماهية لم يجتمعا في حدّ ، فأفرد المصنف لكل منهما حدّا ، وقدم منهما ما هو الأكثر في كلامهم.

٢٢٣

وفسّر الزمخشري والمصنف ، العوامل اللفظية في حد المبتدأ ، بنواسخ المبتدأ وهي : كان ، وإنّ ، وظن ، وأخواتها ، وما ، ولا ، والأولى أن نطلق ولا نخصّ عاملا دون عامل صونا للحد عن اللفظ المجمل ، ونجيب عن قولهم : بحسبك زيد ، وما في الدار من أحد. بزيادة الباء ومن ، فكأنهما معدومان وعن قولهم. في نحو : إن زيدا منطلق وعمرو ، ان «عمرو» معطوف على محل اسم ان ، لكونه مرفوع المحل بالابتداء ، أو بجواب قريب من الأول (١) ، وذلك أن لفظة «إنّ» لعدم تغييرها معنى الجملة صارت كالحروف الزائدة التي لا فائدة فيها إلا التأكيد.

لكنه يشكل بقولهم : لا رجل ظريف في الدار ، حملا لرفع هذه الصفة على محل الاسم الذي هو المبتدأ ، ان اخترنا مذهب الأخفش والمبرد ، وهو أن «لا» هذه عاملة وخبرها مرفوع بها واسمها منصوب المحل.

ووجه الإشكال هو أن «لا» ليس زائدا ولا جاريا مجرى الزائد ، فاسمها ، إذن ، ليس بمجرد عن العامل اللفظي ، وهو مبتدأ ، وإلّا لم يجز الحمل على موضعه بالرفع.

ولا يشكل إن اخترنا مذهب سيبويه ، وهو أن «لا» هذه ليست بعاملة والخبر مرفوع لكونه خبر المبتدأ.

فإن قيل : نحن لا نحمل الصفة المرفوعة على اسمها وحده ، بل على محل المركب الذي هو «لا» مع اسمها ، وهذا المركب مجرد عن العوامل.

فالجواب أنه قد خرج ، إذن ، هذا المركب عن حد المبتدأ بقولهم هو الاسم المجرد ، وليس هذا المركب باسم ، بل هو حرف مع اسم ، إلا أن يقال : إنه بالتركيب صار كاسم واحد ، لكن الاعتراض وارد على كل حال على مذهب من أجاز رفع صفة «لا» التبرئة ، إذا كان مضافا ، نحو : لا غلام رجل ظريف في الدار ، لأنه لا يصح فيه

__________________

(١) أي القول بزيادة الباء في بحسبك زيد ، وزيادة «من» في : ما في الدار من أحد ؛

٢٢٤

فيه دعوى التركيب وصيرورتهما كاسم واحد.

قوله : «الاسم المجرد» ، لا يرد عليه نحو : تسمع بالمعيديّ لا أن تراه ، وقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)(١) ، عند من قال : أأنذرتهم مبتدأ ، لتأويلهما بالاسم ، أي سماعك بالمعيدي ، وسواء عليهم إنذارك وتركه.

ولو قال : المبتدأ : الاسم المسند إليه ، لدخل فيه الفاعل ، ولو اقتصر على قوله : الاسم المجرد عن العوامل اللفظية ، لدخل فيه الأسماء التي لا تركب مع عاملها ، نحو : واحد ، إثنان ، والخبر ، والمبتدأ الثاني ، فبقوله مسندا إليه خرجت الثلاثة.

قوله : «أو الصفة الواقعة ... إلى آخره» هذا هو حد المبتدأ الثاني (٢).

والنحاة تكلفوا إدخال هذا ، أيضا ، في حد المبتدأ الأول ، فقالوا إن خبره محذوف لسدّ فاعله مسدّ الخبر ، وليس بشيء ، بل لم يكن لهذا المبتدأ أصلا من خبر ، حتى يحذف ويسدّ غيره مسدّه ، ولو تكلفت له تقدير خبر لم يتأتّ ، إذ هو في المعنى كالفعل ، والفعل لا خبر له ، فمن ثمّ ، تمّ بفاعله كلاما من بين جميع اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ، ولهذا أيضا ، لا يصغّر ولا يوصف ولا يعرف ولا يثنى ولا يجمع إلا على لغة أكلوني البراغيث.

ويعني بالصفة : اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، قوله : «رافعة لظاهر» ، احتراز عن نحو : أقائمان الزيدان ، و : أقائمون الزيدون ، فإنه خبر ، ويريد بالظاهر ما كان بارزا غير مستكن ، سواء كان مظهرا ، نحو أقائم الزيدان ، أو مضمرا كقولك بعد ذكر الزيدين : أقائم هما ، فإن قولك «هما» فاعل مع كونه مضمرا ،.

__________________

(١) الآية ٦ من سورة البقرة.

(٢) يريد النوع الثاني من المبتدأ. وهو الوصف الرافع لفاعل يغني عن الخبر. وقد كرر هذا التعبير في هذا الباب مريدا به هذا النوع.

٢٢٥

قوله «بعد حرف النفي وألف الاستفهام» ، وكذا بعد «هل» الاستفهامية ، نحو : ما قائم الزيدان ، وإن قائم الزيدان ، وأقائم الزيدون ، وهل حسن الزيدان.

والأخفش ، والكوفيون جوّزوا رفع الصفة للظاهر على أنه فاعل لها من غير اعتماد على الاستفهام أو النفي ، نحو : قائم الزيدان ، كما يجيزون في نحو : في الدار زيد ، أن يعمل الظرف بلا اعتماد ، وأجري نحو : غير قائم الزيدان ، مجرى : ما قائم الزيدان ، لكونه بمعناه ، قال :

٥٣ ـ غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن (١)

ومثل ذلك : أقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد ، عند أبي علي ، كما يجيء في باب الاستثناء ، وكذا قولهم : خطيئة يوم لا أصيد فيه ، أي : قل رجل يقول ذلك ، ويخطئ يوم لا أصيد فيه ، أي يقل ويندر ، فهذه كلها مبتدآت لا أخبار لها لما فيها من معنى الفعل.

ولا تدخل نواسخ المبتدأ عليها لما فيها من معنى النفي فتلزم الصدر ، و «ربّ» (٢) عند أبي علي ، مبتدأ لا خبر له. كأقلّ رجل لما فيه من معنى التقليل الذي هو قريب من النفي ، كما يجيء في باب حروف الجر.

ويجوز عند الأخفش والفراء : انّ قائما الزيدان ، وسوغ الكوفيون هذا الاستعمال في «ظن» أيضا ، نحو : ظننت قائما الزيدان :

وكلاهما بعيد عن القياس ، لأن الصفة لا تصير مع فاعلها جملة كالفعل إلا مع

__________________

(١) هذا من شعر أبي نواس : الحسن بن هانئ. وبعده :

إنما يرجو الحياة فتى

عاش في أمن من المحن

وأبو نواس من المحدثين الذين جاءوا بعد انقضاء عهد الاحتجاج بالشعر قال البغدادي : أورده على أنه مثال لا شاهد. وفي البيت أوجه أخرى من الإعراب.

(٢) يأتي في حروف الجر بيان المذاهب في أن ربّ اسم أو حرف. والرضى يميل إلى رأي الفارسيّ في أنها اسم. وسيأتي أنه يستشكل القول بحرفيتها وكذلك يستشكل القول باسميتها.

٢٢٦

دخول معنى يناسب الفعل عليها ، كمعنى النفي والاستفهام ، أو دخول ما لا بدّ من تقديرها فعلا بعده كاللام الموصولة ، وأما إنّ وظن ، فليسا من ذينك في شيء ، بل هما يطلبان الاسمية ، فلا يصح تقديرها فعلا بعدهما.

وأما العامل في المبتدأ ، فقال البصريون : هو الابتداء ، وفسّروه بتجريد الاسم عن العوامل للإسناد إليه ، ويكون معنى الابتداء في المبتدأ الثاني (١) تجريد الاسم عن العوامل لإسناده إلى شيء.

واعترض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر.

وأجيب بأن العوامل في كلام العرب علامات في الحقيقة لا مؤثرات والعدم المخصوص أعني عدم الشيء المعيّن يصح أن يكون علامة لشيء لخصوصيته.

وفسّر الجزولي الابتداء بجعل الاسم في صدر الكلام لفظا تحقيقا. أو تقديرا للإسناد إليه أو لإسناده (٢) ، حتى يسلم من الاعتراض بأن التجريد أمر عدمي فلا يؤثر.

ثم قال المتأخرون كالزمخشري والجزولي : هذا الابتداء هو العامل في الخبر أيضا ، لطلبه لهما على السواء.

ونقل الأندلسي عن سيبويه أن العامل في الخبر هو المبتدأ ، ويحكي هذا عن أبي علي وأبي الفتح (٣).

وقال الكسائي والفراء : هما يترافعان ، وقد قوّينا هذا في حدّ العامل.

وقال بعضهم : المبتدأ الأول يرتفع بإسناد الخبر إليه ، كما قال خلف في ارتفاع الفاعل ، وقال الكوفيون : المبتدأ الأول يرتفع بالضمير العائد من الخبر إليه ، لاشتراطهم الضمير في الخبر الجامد أيضا ، كما يجيء.

__________________

(١) أي النوع الثاني من نوعي المبتدأ كما تقدم.

(٢) ليشمل الوصف المكتفي بمرفوعه.

(٣) أي ابن جني وتقدم ذكره.

٢٢٧

قوله : «فإن طابقت مفردا جاز الأمران» ، أي إن كانت الصفة المذكورة مطابقة للمرفوع بعدها في الإفراد ، جاز الأمران : كونها مبتدأ ما بعدها فاعلها ، وكونها خبرا عما بعدها.

فنقول : الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام وحرف النفي ، إما أن تكون مفردة ، أو ، لا ، فإن كانت مفردة فالمسند إليه بعدها إما مفرد ، أو ، لا. والمفردة المفرد ما بعدها تحتمل وجهين كما ذكرنا الآن ، (١) والمفردة التي ما بعدها ليس بمفرد مبتدأ لا غير ، ما بعدها فاعلها ، والتي ليست بمفردة فلا بد من مطابقة ما بعدها لها ، نحو : أقائمان الزيدان ، وأقائمون الزيدون ، والأظهر أنها خبر عما بعدها وتحتمل أن تكون مبتدأ ما بعدها فاعلها على لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» (٢).

والعامل في المبتدأ الثاني : تجريده عن العوامل لإسناده إلى شيء آخر ، وعلى ما اخترنا في حدّ العامل يترافع هو وفاعله كالمبتدأ الأول. وخبره لأن كون كل واحد منهما عمدة يقوم بالآخر كالمبتدأ والخبر.

قوله : «والخبر هو المجرد» ، دخل فيه المبتدأ الأول والثاني. والأسماء المعدودة.

قوله : «المسند» أخرج منه المبتدأ الأول والأسماء المعدودة.

قوله : «المغاير للصفة المذكورة» أخرج منه المبتدأ الثاني.

__________________

(١) في أول التقسيم الذي بدأ به قبل سطرين ؛

(٢) النحاة يطلقون على اللغة التي تجمع بين الفاعل الظاهر وعلامة التثنية أو الجمع في الفعل : لغة «أكلوني البراغيث» وتقدم تعبير الشارح بها. ويطلقون عليها أيضا لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» بناء على ما قيل إنه ورد في حديث : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقد ردّ المحققون هذا بأن المذكور في كلام النحاة جزء من الحديث. وهو بتمامه : إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم : ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. وبهذا تكون : ملائكة بالليل : بدل مما قبلها ، وما قبلها كلام تام.

٢٢٨

الأصل في المبتدأ

التقديم

قال ابن الحاجب :

«وأصل المبتدأ التقديم ، ومن ثمّ جاز : في داره».

«زيد ، وامتنع : صاحبها في الدار».

قال الرضى :

إنما كان أصل المبتدأ التقديم ، لأنه محكوم عليه ، ولا بدّ من وجوده قبل الحكم ، فقصد في اللفظ أيضا ، أن يكون ذكره قبل ذكر الحكم عليه.

وأما تقديم الحكم في الجملة الفعلية ، فلكونه عاملا في المحكوم عليه ، ومرتبة العامل قبل المعمول.

وإنما اعتبر هذا الأمر اللفظي أعني العمل ، وألغى الأمر المعنوي أعنى تقدم المحكوم عليه على الحكم ، لأن العمل طارئ ، والاعتبار بالطارئ دون المطروء عليه.

وأما وجوب تقديم الحكم في نحو : أقائم الزيدان ، مع أن كل واحد عامل في

٢٢٩

الآخر على الصحيح (١) ، فلكون الصفة فرعا على الفعل في العمل ، وقيل إنما قدم الفعل في الفعلية لكون الفعل محتاجا إلى الاسم واستغناء الاسم عنه ، فأرادوا في الجملة المركبة منهما تتميم الناقص بالكامل ، وقصدوا أيضا الإيذان من أول الأمر أنها فعلية ، فلو قدّم الفاعل لم تتعيّن للفعلية من أول الأمر ، إذ (٢) يمكن صيرورته كلاما باسم آخر.

قوله : «ومن ثمّ» أي ومن جهة كون الأصل في المبتدأ التقديم جازت هذه المسألة ، يعني إن قيل : لم جازت ، وفيها إضمار قبل الذكر؟ قلنا إن أصل المبتدأ التقديم ، فالتقدير : زيد في داره ، فالمعود إليه بعد الضمير لفظا وقبله تقديرا.

قوله : «وامتنع صاحبها في الدار» امتناع هذه أيضا معلل بكون أصل المبتدأ التقديم ، فيكون الضمير في «صاحبها» راجعا إلى الدار المؤخر عن صاحبها ، لفظا وأصلا فيكون ضميرا قبل الذكر فلا يجوز ، ومن جوّز ثمّة ، ضرب غلامه زيدا ، ينبغي أن يجوّز هذا ، لأن طلب المبتدأ لخبره كطلب الفعل للمفعول بل أشدّ.

وكان ترتيب الكلام يقتضي أن يذكر المصنف ههنا ، المواضع التي يجب فيها تقديم المبتدأ ، والمواضع التي يجب فيها تأخيره ، ثم يذكر المواضع التي يصح فيها تنكير المبتدأ.

مسوغات الابتداء

بالنكرة

قال ابن الحاجب :

«وقد يكون المبتدأ نكرة ، إذا تخصصت بوجه ما».

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى أن الرضى يرجح أن المبتدأ والخبر يترافعان : وهنا يقصد أن الخبر رافع للمبتدأ الذي هو وصف معتمد على الاستفهام والوصف بحكم عمل الفعل رافع له.

(٢) أي قبل أن يذكر الفعل الذي فرضنا تأخيره عن الفاعل : يمكن حمل الكلام على أنه جملة اسمية بإضافة اسم آخر إلى ذلك الاسم الذي قدمناه.

٢٣٠

«مثل «ولعبد مؤمن خير من مشرك» (١) ، و : أرجل في الدار»

«أم امرأة ، و : ما أحد خير منك ، وشر أهرّ ذا ناب و : في»

«الدار رجل. و : سلام عليك».

قال الرضى :

اعلم أن جمهور النحاة على أنه يجب كون المبتدأ معرفة أو نكرة فيها تحصيص ما ، قال المصنف ، لأنه محكوم عليه ، والحكم على الشيء لا يكون إلا بعد معرفته ، وهذه العلة تطرد في الفاعل مع أنهم لا يشترطون فيه التعريف ولا التخصيص ، وأما قول المصنف إن الفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه ، فوهم ، لأنه إذا حصل تخصيصه بالحكم فقط كان بغير الحكم غير مخصص ، فتكون قد حكمت على الشيء قبل معرفته ، وقد قال إن الحكم على الشيء لا يكون إلا بعد معرفته.

وقال ابن الدهان (٢) ، وما أحسن ما قال ، إذا حصلت الفائدة فأخبر عن أي نكرة شئت ، وذلك لأن الغرض من الكلام إفادة المخاطب فإذا حصلت ، جاز الحكم ، سواء تخصص المحكوم عليه بشيء أو ، لا. فضابط تجويز الإخبار عن المبتدأ وعن الفاعل ، سواء كانا معرفتين أو نكرتين مختصتين بوجه أو نكرتين غير مختصتين ، شيء واحد وهو عدم علم المخاطب بحصول ذلك الحكم للمحكوم عليه ، فلو علم في المعرفة ذلك ، كما لو علم قيام زيد مثلا فقلت زيد قائم ، عدّ لغوا ، ولو لم يكن يعلم كون رجل ما من الرجال قائما في الدار ، جاز لك أن تقول : رجل قائم في الدار وإن لم تتخصص النكرة بوجه.

وكذا تقول : كوكب انقضّ الساعة ، قال الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ)(٣).

__________________

(١) الآية ٢٢١ من سورة البقرة.

(٢) هو أبو محمد ناصح الدين : سعيد بن المبارك البغدادي من علماء القرن السادس عاش في بغداد ومات بالموصل سنة ٥٦٩ ه‍ وله آراء ومؤلفات في النحو.

(٣) الآية ٢٢ من سورة القيامة.

٢٣١

وكذلك في الفاعل : لا يجوز مع علم المخاطب بقيام زيد أن تقول قام زيد ، ويجوز مع عدم علمه بقيام رجل في الدار أن تقول : قام في الدار رجل.

ولا أنكر أن وقوع المبتدأ معرفة أكثر من وقوعه نكرة ، لاشتباه الخبر بالصفة في كثير من المواضع بخلاف الفاعل ، فإن فعله لتقدمه عليه وجوبا لا يلتبس بصفته.

ثم نقول : يقع المبتدأ نكرة من غير تخصيص في كثير من المواضع :

أحدها : ما التعجبية ، على مذهب سيبويه ، كما يجيء في بابه.

والثاني : المبتدأ الذي هو فاعل في المعنى نحو : شر أهر ذا ناب ، وأمر أقعده عن الحرب ، وشر ما ألجأك إلى مخّة عرقوب (١).

الثالث المبتدأ الذي خبره ظرف أو جار ومجرور.

الرابع : كلمات الاستفهام ، نحو : من عندك ، و : ما حدت؟ أو ما يقع بعد حرف الاستفهام ، نحو : أرجل في الدار؟ وهل رجل في الدار؟ و : أرجل في الدار أم امرأة.

الخامس : ما بعد واو الحال ، نحو : ما أراك إلا وشخص يضربك.

السادس : بعد «أمّا» نحو : أما غلام فليس عندك ، و : أما جارية فلا أملكها.

السابع : الجواب : نحو قولك رجل في جواب من جاءك ، أي رجل جاءني ، لأن السؤال بالاسمية ، فالجواب بمثلها أولى.

وغير ذلك مما لا يحصى ولا ضابط له ، كقولهم شهر ثرى ، وشهر ترى ، وشهر

__________________

(١) المخة : القطعة من المخ. ومن معاني المخ ما يوجد داخل العظم من دهن ، والعرقوب عصب غليظ موتّر فوق رجل الإنسان وهو في الدابة بمنزلة الركبة في رجليها الخلفيتين. والمعنى الأصلي لهذا التعبير أن الضرورة تلجئ الإنسان إلى أكل هذا الشيء الذي لا يحرص عليه أحد. وهو مثل يضرب في الحاجة إلى اللئيم ؛

٢٣٢

مرعي (١) ، وقولهم : أمت في حجر لا فيك ، وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ)(٢).

أما قول المصنف في «ما» التعجبية ، وفي نحو : شر أهر ذا ناب ، ان ذلك لما كان في المعنى فاعلا ، والفاعل يختص بالحكم المتقدم عليه ، فكذا يختص هذا أيضا ، فقد ذكرنا ما عليه ، وهو أن المحكوم عليه إذا اختص بعين الحكم فأنت حاكم على غير المختص ، فلا يتم قولهم ، إذن ، في تعليل كون المبتدأ معرفة أو مختصا : إن الحكم ينبغي أن يكون على مختص ، ولو كفى الاختصاص الحاصل من الخبر ، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت ، سواء تقدم الخبر عليها ، أو تأخر ، لأن المخصص في الصورتين حاصل على الجملة ؛

فظهر بما ذكرنا أن قول المصنف في نحو : في الدار رجل ، إن المبتدأ يخصص المتقدم : ليس بشيء ؛

وأما قوله في نحو : أرجل في الدار أم امرأة : إن التخصيص حاصل عند المتكلم لأنه يعلم كون أحدهما في الدار ؛ فنقول : لو كفى الاختصاص الحاصل عند المتكلم في جواز تنكير المبتدأ ، لجاز الابتداء بأي نكرة كانت ، إذا كانت مخصوصة عند المتكلم ، بل إنما يطلب الاختصاص في المبتدأ عند المخاطب ، على ما ذكروا.

ولو كان المجوّز للتنكير في : أرجل في الدار أم امرأة ، معرفة المتكلم بكون أحدهما في الدار ، للزم امتناع : أرجل في الدار؟ وهل رجل في الدار؟ وأرجل في الدار أو امرأة ، لعدم لفظة «أم» الدالة على حصول الخبر عند المتكلم ، وعدم شيء آخر يتخصص به المبتدأ :

وقوله في «ما أحد خير منك» ، إن وجه التخصيص فيه : أن النكرة في سياق

__________________

(١) الثرى التراب أو النديّ منه. وتقول العرب : شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى. يريدون أن السماء تمطر فيبتل التراب ، ثم يخرج النبات فيكون منظرا تراه العيون ، ثم يطول ويكبر فترعاه الأنعام!

(٢) تقدمت قريبا.

٢٣٣

النفي تفيد العموم ، فقولك «أحد» عمّ جنس الإنس ، حيث لم يبق أحد منهم.

ففيه نظر ، وذلك أن التخصيص : أن يجعل لبعض من الجملة شيء ليس لسائر أمثاله ، وأنت إذا قلت : ما أحد خير منك ، فالقصد أن هذا الحكم وهو عدم الخيرية ثابت لكل فرد فرد ، فلم يتخصص بعض الأفراد ، لأجل العموم ، بشيء ، وكيف ذلك ، والخصوص ضد العموم ، بل الحق أن يقال : إنما جاز ذلك ، لأنك عينت المحكوم عليه ، وهو كل فرد فرد ، ولو حكمت بعدم الخيرية على واحد غير معيّن لم يحصل للمخاطب فائدة لعدم تعيّن المحكوم عليه ، أما إذا بيّنت أن حكمي على الواحد : حكمي على كل فرد فرد فقد تعيّن المحكوم عليه ، وهو كل فرد فرد ، وكذلك كلمات الشرط ، نحو : من صمت نجا ، تحصل الفائدة فيها بسبب التعيّن الحاصل من العموم ، لا بسبب تخصصها بشيء.

وقد اضطربت أقوالهم فيها ، فاختار الأندلسي أن الخبر هو الشرط دون الجزاء ، لجواز خلوه من الضمير إذا ارتفعت كلمة الشرط بالابتداء ، دون الشرط ، فإنه إذا ارتفعت كلمة الشرط على الابتداء فلا بد للشرط من ضمير نحو : من قام قمت ، وفي الدعاء : من كان الناس ثقته ورجاءه فأنت ثقتي ورجائي.

وقيل : الخبر هو الشرط والجزاء معا ، لصيرورتهما بسبب كلمة الشرط ، كالجملة الواحدة.

وقيل كلمة الشرط مبتدأ لا خبر له.

هذا ما قيل فيها ؛ ويمكن أن يقال ، على مذهب سيبويه : إن كلمات (١) الشرط والاستفهام كانت مع حروف الشرط وحرف الاستفهام ، فحذفا لكثرة الاستعمال ، على ما ذكرنا في حدّ الاسم : إنّ كلمات (٢) الشرط إما فاعلة لفعل مقدر ، أو مفعولة له ، أو للظاهر ،

__________________

(١) بيان لمذهب سيبويه.

(٢) مرتبط بقوله : ويمكن أن يقال.

٢٣٤

فقولك : من قام قمت : اي إن من قام أي ان إنسان قام كقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)(١) ، وقولك : من ضربت ضربته ، أي إن من ضربت أي إن إنسانا ضربت ، فهو مفعول للفعل الظاهر ، وقولك : من ضربته ضربته ، أي إن من ضربته ، فهو مفعول للفعل المقدر المفسّر بالظاهر ، وكذا في «ما» ، نحو : ما كان فليكن كذا ، هو فاعل ، وفي : ما فعلت أفعل ، هو مفعول للفعل الظاهر بعده ، وفي : ما فعلته أفعله. مفعول للفعل المقدر ، وما تفعل أفعل ، وما تفعله أفعله. وكذا في كلمات الاستفهام.

وقوله : في سلام عليك ، إنه مختص بنسبته إلى السّلام ، لأن أصله : سلمت سلاما ، فسلاما المنصوب منسوب إلى المتكلم ، فإذا رفعته فهو باق على ما كان عليه في حال النصب ، غير مطرد في جميع الدعاء ، إذ ليس معنى : ويل لك ، ويلي لك ، لأن معنى : ويل : الهلاك ، ولو قدرت ، أيضا ، ويلك لك ، لكان خلفا من القول ، بل المراد مطلق الهلاك ، فالأولى أن يقال : تنكيره لرعاية أصله حين كان مصدرا منصوبا ، ولا تخصيص فيه ، إذ تخصيصه بالنظر إلى المخاطب إنما كان بذكر الفعل الناصب والمسند إليه ، وإنما تأخر الخبر عنه مع كونه جارا ومجرورا لتقديم الأهم ، وللتبادر (٢) إلى ما هو المراد ، إذ لو قدمت الخبر وقلت : عليك ، فقبل أن تقول سلام ، ربما يذهب الوهم إلى اللعنة ، فيظن أن المراد : عليك اللعنة ، ولهذا ، انخزل أبو تمام ، وترك الإنشاد على ما يحكي ، لمّا ابتدأ القصيدة وقال :

٥٤ ـ على مثلها من أربع وملاعب (٣).

__________________

(١) الآية ١٧٦ من سورة النساء.

(٢) يريد المبادرة أي المسارعة.

(٣) هذا ليس شاهدا بالمعنى الاصطلاحي ، وإن كان بعض المتقدمين يجوّزون الاستشهاد بكلام أبي تمام ومن هو في درجته. ولكن الرضى ذكره استطرادا لتوضيح المعنى الذي ذهب إليه في شرح قولهم سلام عليك. من أن تأخير الخبر انما هو للمبادرة إلى المراد وخشية أن يوضع في مكان المبتدأ «لو قدم الخبر» شيء غير المقصود كما حدث مع أبي تمام. والبيت مطلع قصيدة لأبي تمام : حبيب بن أوس في مدح أبي دلف العجلي.

ومن جيد أبياتها قوله :

تكاد عطاياه يجنّ جنونها

إذا لم يعوذها بنغمة طالب

٢٣٥

فعارضه شخص كان حاضرا ، وقال : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وبعد المصراع :

تذال مصونات الدموع السواكب

هذا ، مع أن «سلام» لا يجوز أن يكون بمعنى مصدر سلمت ، لأن سلّمت مشتق من : سلام عليك ، كلبّيت من لبيك. وسبحلت من سبحان الله ، فمعنى سلمت ، قلت سلام عليك ، كما أن لبّيت وسبحلت : بمعنى قلت : لبيك وسبحان الله ، فمعنى سلام الذي هو بمعنى مصدر سلمت قول سلام عليك.

فعلى ما فسّر المصنف ينبغي أن يكون معنى سلام عليك ، قول للفظ سلام عليك ، وليس كذا ، بل سلام في قولك : سلام عليك ، بمعنى مصدر سلّمك الله ، أي جعلك سالما ، فالأصل : سلّمك الله سلاما ، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال فبقي المصدر منصوبا ، وكان النصب يدل على الفعل ، والفعل على الحدوث ، فلما قصدوا دوام نزول سلام الله عليه ، واستمراره أزالوا النصب الدال على الحدوث ، فرفعوا سلام.

وكذا أصل : ويل لك ، هلكت ويلا ، أي هلاكا ، فرفعوه بعد حذف الفعل ، نفضا لغبار معنى الحدوث.

٢٣٦

الخبر يكون جملة

صور الجملة وشروطها

قال ابن الحاجب :

«والخبر قد يكون جملة ، نحو : زيد أبوه قائم ، وزيد»

«قام أبوه ، فلا بدّ من عائد ، وقد يحذف».

قال الرضى :

اعلم أن خبر المبتدأ ، قد يكون جملة اسمية أو فعلية ، كما مثل به المصنف ، وإنما جاز أن يكون جملة لتضمنها للحكم المطلوب من الخبر ، كتضمّن المفرد له ، وقال ابن الأنباري وبعض الكوفيين ، لا يصح أن تكون طلبية ، لأن الخبر ما يحتمل الصدق والكذب ، وهو وهم ، وإنما أتوا (١) ، من قبل إيهام لفظ خبر المبتدأ ، وليس المراد بخبر المبتدأ عند النحاة ما يحتمل الصدق والكذب كما أن الفاعل عندهم ليس من فعل شيئا ، ففي قولك : زيد عندك ، يسمّون الظرف خبرا ، مع أنه لا يحتمل الصدق

__________________

(١) أي وإنما أتاهم الغلط من قبل إيهام. الخ ..

٢٣٧

والكذب ، بل الخبر عندهم ما ذكره المصنف ، وهو المجرد المسند المغاير للصفة المذكورة.

ويدل على جواز كونها طلبية قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ)(١) ، وأيضا ، اتفقوا على جواز الرفع في نحو قولهم : أما زيد فاضربه.

وقال ثعلب : لا يجوز أن يكون قسمية (٢) ، نحو : زيد والله لأضربنّه ، والأولى الجواز ، إذ لا منع.

قوله : «فلا بدّ من عائد» ، لا تخلو الجملة الواقعة خبرا من أن تكون هي المبتدأ معنى ، أو ، لا : فإن كانت لم تحتج إلى الضمير ، كما في ضمير الشأن ، نحو : هو زيد قائم ، وكما في قولك : مقولي : زيد قائم لارتباطها به بلا ضمير ، لأنها هو.

وإن لم تكن إياه فلا بد من ضمير ، ظاهر أو مقدر. وقد يقام الظاهر مقام الضمير.

وإنما احتاجت إلى الضمير ، لأن الجملة في الأصل كلام مستقل ، فإذا قصدت جعلها جزء الكلام فلا بد من رابطة تربطها بالجزء الآخر ، وتلك الرابطة هي الضمير ، إذ هو الموضوع لمثل هذا الغرض ، فمن ثمّ قيل في بعض الأخبار ، كما يجيء ، إن الظاهر قائم مقام الضمير.

وهذا الضمير الرابط يجوز حذفه قياسا وسماعا فالقياس في موضع وهو أن يكون الضمير مجرورا بمن والجملة الخبرية ابتدائية. والمبتدأ فيها جزء من المبتدأ الأول ، نحو : البر : الكرّ (٣) بستين ، أي الكرّ منه لأن جزئيته تشعر بالضمير فيحذف الجار والمجرور معا ، فإن كان المبتدأ الثاني نكرة فالجار والمجرور صفة له ، نحو : السّمن منوان بدرهم

__________________

(١) الآية ٦٠ من سورة ص.

(٢) أي لا يجوز أن يكون الخبر جملة قسمية.

(٣) الكرّ بضمّ الكاف مكيال معروف عندهم : كالصاع.

٢٣٨

وكذا إذا كان معرفا باللام ، كما في البرّ الكر منه بستين ، لأن التعريف غير مقصود قصده ، فهو كقوله :

٥٥ ـ ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمت قلت لا يعنيني (١)

ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في الخبر ، والعامل فيه الخبر ، أي : البر الكر كائن بستين كائنا منه.

قال الفراء : ويحذف أيضا قياسا إذا كان الضمير منصوبا مفعولا به والمبتدأ «كل» قال :

٥٦ ـ قد أصبحت أم الخيار تدعى

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (٢)

وقال :

٥٧ ـ ثلاث كلّهن قتلت عمدا

فأخزى الله رابعة تعود (٣)

قال : لأن «كلهم ضربت» بمعنى الجحد ، أي ما منهم إلا ضربت.

وقال السيرافي : ليس هذا بحجة ، إذ كل موجب يتهيّأ ردّه إلى الجحد ، كما تقول في : زيد ضربت ، ما زيد إلا مضروب ، ثم يقال له : لا تأثير للجحد في جواز حذف الضمير معه.

والسماع في غير ذلك.

__________________

(١) قال البغدادي انه لرجل من بني سلول وهو أحد بيتين ، ثانيهما قوله :

غضبان ممتلئا على إهابه

إني وحقك سخطه يرضيني

(٢) الدليل على جوازه قراءة ابن عامر : وكل وعد الله الحسنى «الحديد آية ١٠» ، وهذا الشاهد من أرجوزة لأبي النجم العجلي. وهو مطلعها ومن الأرجوزة أبيات وردت في شواهد النحو منها قوله :

يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي

لا يخرق اللّوم حجاب مسمعي

(٣) مثل الذي قبله في الاستشهاد. قال البغدادي انه من أبيات سيبويه ولم يعرف قائله ولا أي شيء قبله ولا بعده. والبيت في سيبويه ج ١ ص ٤٤

٢٣٩

أما في المجرور فنحو قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ، إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١) ، أي إن ذلك منه.

وأما في المنصوب فيشترط كونه بفعل لفظا ، قال :

٥٨ ـ فأقبلت زحفا على الركبتين

فثوب لبست وثوب أجرّ (٢)

أو بصفة محلا ، نحو : أنا زيد ضارب ، ولا يختص مع كونه سماعيا بالشعر خلافا للكوفيين.

وأما المرفوع فلا يحذف لكونه عمدة ، وقد يحذف في الصلة في بعض الأحوال لكونها أشدّ ارتباطا بالموصول من المبتدأ ، كما يجيء في باب الموصولات ، وجواز حذف الضمير في الصلة أحسن منه في الصفة ، لكون اتصالها بالموصول أشد ، إذ لا غنى للموصول عنها ، وهما بتقدير مفرد نحو قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٣) ، ثم الحذف بعدها في الصفة أحسن منه في خبر المبتدأ ، نحو : جاءني رجل ضربت ، لأنها مع الموصوف جزء الجملة ، بخلاف الخبر فإنه مع المبتدأ جملة ، فالتخفيف فيما هو مع غيره ككلمة أولى.

وإنما كان الحذف في الصفة أنقص حسنا منه في الصلة ، إذ ليست الصفة من ضروريات الموصوف ، كما كانت الصلة من لوازم الموصول وضرورياته.

فالحذف في الجملة إذا كانت خبرا للمبتدأ ، على ما قال سيبويه ، يجوز في الشعر بلا وصف ضعف ، وهو في غيره ضعيف.

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة الشورى.

(٢) من قصيدة لامرئ القيس وهو من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٤. ويروى الشطر الأول : فلما دنوت تسدّيتها ... وبعده في القصيدة :

ولم يرنا كالئ كاشح

ولم يفش منا لدى البيت سرّ.

والكالئ الحارس والرقيب.

والكاشح : المبغض ، ومن القصيدة شواهد أخرى في هذا الشرح ، وفي غيره من كتب النحو.

(٣) الآية ٤١ من سورة الفرقان.

٢٤٠