شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

هو باق على حاله من عدم الإنصراف [إذ](١) لا سبب في الاسم ، وقد ذكرنا هل يكون الاسم بهما منصرفا ، أو باقيا على عدم الانصراف في أول باب ما لا ينصرف (٢).

ويرد على الثاني أن كون الاسم فاعلا ومفعولا ومضافا إليه بحرف جر ظاهر أو مقدر من خواص الاسم ، أيضا ، ولا يعود الكسر ، فالأول أولى.

__________________

(١) زيادة لا بد منها لاستقامة الكلام.

(٢) ص ١٠١ من هذا الجزء.

١٨١
١٨٢

المرفوعات

بيان علة الرفع

في الاسم

قال ابن الحاجب :

«المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية».

قال القرطبي :

قدم المرفوعات على المنصوبات والمجرورات ، لأن المرفوع عمدة الكلام كالفاعل والمبتدأ والخبر ، والبواقي محمولة عليها ، والمنصوب في الأصل فضلة لكن يشتبه بها بعض العمد ، كاسم «ان» وخبر «كان» وأخواتها ، وخبر «ما» و «لا» ، والمجرور في الأصل منصوب المحل كما تقدم تحقيقه.

قوله : «هو ما اشتمل» ذكر الضمير مع رجوعه إلى المؤنث ، أي المرفوعات نظرا إلى خبر الضمير ، أعني «ما» لأن المبتدأ هو الخبر ، فيجوز مطابقة المبتدأ له ، كمطابقته للمعود إليه ، ومثله قولهم : من كانت أمك (١).

__________________

(١) روي بنصب «أمّك». فيكون التأنيث في الضمير المستتر في كانت مع أنه عائد إلى من باعتبار أن الخبر مؤنث.

١٨٣

ويعني باشتماله على علم (١) الفاعلية تضمنه إياه بحيث يكون علم الفاعلية أحد أجزائه ، ويعني بعلم الفاعلية : الضم والألف والواو ، إذ دل كل واحد منها على كون الاسم الذي هو في آخره عمدة الكلام ، فكل ما فيه أحد هذه الأشياء مرفوع.

والأولى ، على ما اخترناه قبل أن يقال : المرفوعات ما اشتمل على علم العمدة ، لأن الرفع في المبتدأ والخبر وغيرهما من العمد ليس بمحمول على رفع الفاعل ، كما بيّنا ، بل هو أصل في جميع العمد على ما تقرر قبل.

__________________

(١) علم أي علامة وتتكرر هذه الكلمة في هذا الشرح كثيرا مرادا بها ذلك.

١٨٤

الفاعل

تعريفه

قال ابن الحاجب :

«فمنه الفاعل. وهو ما أسند إليه الفعل أو شبهه وقدم»

«عليه على جهة قيامه به مثل قام زيد ، وزيد قام أبوه».

قال الرضى :

أي فمما اشتمل على علم الفاعلية ، وقال بعد : ومنها المبتدأ والخبر ، حملا على معنى «ما».

وإنما قدم الفاعل على سائر المرفوعات بناء منه على أنه أصل المرفوعات ، ولهذا سمّى الرفع علم الفاعلية ، وقد ذكرنا ما عليه (١).

قوله : «ما أسند إليه» ، قد عرفت في حد الكلام معنى الإسناد ، ولم يقل : ما أخبر بالفعل عنه ، ليدخل فيه فاعل الفعل الإنشائي ، نحو : بعت ، وهل ضرب زيد ، ونحوه.

__________________

(١) أنظر بحث الاعراب وسببه في الأسماء ص ٥٧ من هذا الجزء.

١٨٥

قوله : «أو شبهه» ، يعني به اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمصدر ، واسم الفعل ، ولم يقل ، أو معناه فيدخل الظرف والجار والمجرور المرتفع بهما الضمير في نحو : زيد قدامك ، أو في الدار ؛ أو الظاهر ، نحو : زيد أمامك غلامه ، لكون الرافع في الحقيقة عنده : الفعل أو اسم الفاعل المقدر ، خلافا لمن قال : إنه الظرف والجار ، على ما يجيء في باب المبتدأ.

قوله : «وقدم عليه» ، الضمير فيه للفعل أو شبهه ، وفي «عليه» لما ، واحترز بقوله : وقدم عليه ، عن المبتدأ ، لأن نحو : زيد ، في قولك : زيد قام ، مسند إليه قام ، لأن قام خبر عنه ، والمسند إليه هو المخبر عنه في الحال أو في الأصل ، كما مرّ في حد الكلام (١) ، فكل خبر يرفع ضمير المبتدأ. يجوز أن يقال : هو مسند إلى المبتدأ ، وأن يقال هو مسند إلى ذلك الضمير والمجموع مسند إلى المبتدأ ، وكل رافع لغير ضمير المبتدأ فهو ومرفوعه مسند إلى المبتدأ ، وكل خبر غير رافع لشيء كالجوامد فهو ، وحده ، مسند إلى المبتدأ ، نحو : أنت زيد.

إن قيل : فالمبتدأ في قولك : قائم زيد ، يدخل في حد الفاعل لأن المسند قدّم عليه.

قلت : هو مؤخّر تقديرا ، وتقديمه كلا تقديم.

قوله : «على جهة قيامه به» ، أي قيام الفعل أو شبهه ، والضمير في «به» لما ، أي على طريقة قيامه به وشكله ، سواء كان قائما به ، أو ، لا ، يقال : علمت هذا على وجه عملك وعلى جهته ، أي على طرزه وطريقته.

والجار في قوله على جهة ، متعلق بأسند ، أو صفة لمصدره ، أي إسنادا على طريقة إسناد القيام ، ويعني بتلك الجهة : ألّا يغيّر صيغة الفعل إلى : فعل ، ويفعل ، وأشباههما ، وذلك أن طريقة إسناد الفعل القائم مصدره بالفاعل حقيقة ، نحو ظرف زيد : عدم

__________________

(١) ص ٣١ من هذا الجزء.

١٨٦

التغيير ، فكل ما أسند الفعل إليه على هذا النمط من الإسناد : فاعل عند النحاة ، وإن لم يكن الفعل قائما به على الحقيقة كالأمور النسبية ، نحو : قرب ويعد ، وكذا الأفعال المتعدية نحو ضرب وقتل ، لأن الضرب نسبة بين الضارب والمضروب ، لا يقوم بأحدهما دون الآخر ، بل بهما ، لصدوره عن أحدهما ووقوعه على الآخر.

وبقوله : على جهة قيامه به يخرج مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وهو عند عبد القاهر.

والزمخشري (١) ، فاعل اصطلاحا ، فلا يحترزان عنه ليدخل في الحدّ. وعند من حدّ بهذا الحد ، ليس بفاعل ، وخلافهم لفظي راجع إلى أنه هل يقال له في اصطلاح النحاة فاعل ، أو ، لا ، وليس خلافا معنويا.

وتمثيله بزيد قائم أبوه ، لرفع شبه الفعل للفاعل ، ليس نصا فيما قصد ، لاحتمال كون «قائم» خبرا مقدما على «أبوه» ، ولو قال : أبواه. لكان نصا. والعامل في الفاعل : المسند ، خلافا لخلف (٢) ، فإنه قال هو الاسناد ، وقد ذكرنا في حدّ الإعراب علة وجوب تقدم الفعل على الفاعل.

مرتبة الفاعل

بعد الفعل

قال ابن الحاجب :

«والأصل أن يلي فعله ، فلذلك جاز : ضرب غلامه زيد».

«وامتنع : ضرب غلامه زيدا».

قال الرضى :

قوله : «يلي فعله» أي يكون بعده بلا فصل ، من قولك : وليك الشيء أي قرب منك.

__________________

(١) تقدم ذكر عبد القاهر الجرجاني ص ٥٨ والزمخشري ص ٤٦ من هذا الجزء.

(٢) خلف بن يوسف الشنترين من علماء الأندلس تقدم ذكره ص ٧٣ من هذا الجزء.

١٨٧

قوله : «فلذلك جاز» ، أي جواز هذه المسألة معلّل بكون الأصل في الفاعل أن يلي الفعل ، وذلك أن يقال : إنما جاز : ضرب غلامه زيد ، مع أن ما يرجع إليه الضمير : مؤخر عنه ، لأن «زيد» فاعل وأصله أن يلي الفعل ، فهو متقدم على الضمير تقديرا ، وكذلك عدم جواز : ضرب غلامه زيدا ، معلل بما ذكر ، وذلك بأن يقال : إنما لم يجز ضرب غلامه زيدا ، لأن «غلامه» فاعل ، وأصل الفاعل أن يلي الفعل ، فهو مقدم على زيد ، لفظا وأصلا ، فيكون الضمير قبل الذكر ، ولا يجوز ذكر ضمير مفسّره بعده ، إلا في ضمير الشأن لغرض تفخيم الشأن بذكره مبهما ثم مفسّرا ، ليكون أوقع في النفس كما يجيء.

وليس هذا الغرض مقصودا فيما نحن فيه ، أو في الضمير الذي يجيء مفسره فيما بعده منصوبا على التمييز ، لأن ذلك المنصوب لايجاء به إلا لغرض رفع الإبهام عن الضمير ، فلا يلبس ، بخلاف «زيدا» في مسألتنا ، فإن مجيئه ، ليكون مفعولا ، لا لكونه للتمييز فقط ، وأنت إذا جئت بعد المبهم بشيء : الغرض من مجيئك به تفسيره فقط لم يبق الإبهام ، وأما إذا جئت بعده بشيء : الغرض الأصلي منه غير التفسير كالمفعول ههنا ، فلا يكفي في التفسير ، لأنه يحمل على ما هو المراد الأصلي منه ، ويبقى الإبهام بحاله.

فمن ثمّ منع الفرّاء ، والكسائي في باب التنازع إعمال الثاني إذا توجه الأول إلى المتنازع فيه بالفاعلية ، كما يجيء خلافا للبصرية.

وقد جوّز الأخفش وتبعه ابن جني ، نحو : ضرب غلامه زيدا ، اي اتصال ضمير المفعول به بالفاعل مع تقدم الفاعل لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به كاقتضائه للفاعل ، واستشهد (١) بقوله :

٤٠ ـ جزى ربّه عني عديّ بن حاتم

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل (٢)

__________________

(١) استشهد : أي الأخفش ، وتبعه ابن جني. وقد تقدم ذكر كل منهما.

(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي في عدي بن حاتم الطائي. وفي شعر للنابغة الذبياني :

جزى الله عبسا عبس آل بفيّض

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

واشتبه هذا على ابن جني فنسب بيت الشاهد للنابغة.

١٨٨

وبقوله :

٤١ ـ لما عصى أصحابه مصعبا

أدّى إليه الكيل صاعا بصاع (١)

ويجوز التأويل بربّ الجزاء ، وأصحاب العصيان ، وبقوله :

٤٢ ـ ألا ليت شعري هل يلومنّ قومه

زهيرا على ما جرّ من كل جانب (٢)

والأولى تجويز ما ذهبا إليه ، لكن على قلّة ، وليس للبصرية منعه مع قولهم في باب التنازع بما قالوا. (٣)

وكذا نقول : يحسن : أعطيت درهمه زيدا ، لأن مرتبة المفعول الأولى قبل الثاني ، وإن تأخر عنه لكونه فاعلا معنى ، كما يجيء في باب مفعول ما لم يسمّ فاعله.

ويقل نحو : أعطيت صاحبه الدرهم ، قلّة : ضرب غلامه زيدا. وكذا إذا كان للفعل مفعول يتعدى إليه الفعل بنفسه ، فمرتبته أقدم مما يتعدى إليه الفعل بحرف الجر ، ظاهرا ، نحو : قتلت بأخيه زيدا ، أو مقدرا ، نحو : اخترت قومه زيدا ، أي من قومه.

فمن ثمّ حسن رجوع الضمير إلى المتأخر في المسألتين.

__________________

(١) البيت من قصيدة في المفضليات للسفاح بن بكير يرثي بها يحيى بن شداد من بني يربوع ، ومصعب هو مصعب بن الزبير. ومعنى أدى إليه الكيل صاعا بصاع أنه كافأه بفعله : احسانا بإحسان واساءة بإساءة.

(٢) من شعر أبي جندب بن مرة القروي ـ شاهر جاهلي ـ يذكرون أنه كان مريضا وكان له جار. قتله زهير اللحياني من بني لحيان وقتل امرأته فلما أبلّ جندب من مرضه استعان باخوان له واغار على بني لحيان وقتل منهم وسبى من نسائهم وذراريهم وباع سبيه في قبيلتي لخم وغالب ، وقال هذا الشعر. وبعده :

بكفّي زهير عصبة العرج منهم

ومن بيع في الركبين لخم وغالب.

(٣) سيأتي في باب التنازع قول البصريين بعود الضمير على المتأخر لفظا ورتبة.

١٨٩

الترتيب

بين الفاعل والمفعول

قال ابن الحاجب :

«وإذا انتفى الاعراب لفظا فيهما والقرينة ، أو كان مضمرا»

«متصلا ، أو وقع مفعوله بعد «إلّا» ، أو معناها وجب تقديمه».

قال الرضى :

هذا بيان لما يعرض فيوجب تقديم الفاعل على المفعول بعد أن كان جائز التأخير عنه.

قوله : «لفظا» ، منصوب على التمييز ، أي انتفى لفظ الاعراب لا تقديره ،

قوله : «فيهما» ، أي في الفاعل والمفعول به الذي دل عليه سياق الكلام ، أي إذا انتفى الاعراب اللفظي في الفاعل والمفعول معا ، مع انتفاء القرينة الدالة على تمييز أحدهما عن الآخر وجب تقديم الفاعل لأنه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتمييز بينهما أي الاعراب ، لمانع ، والقرائن اللفظية والمعنوية التي قد توجد في بعض المواضع دالة على تعيين أحدهما من الآخر ، كما يجيء فليلزم كل واحد منهما مركزه ليعرفا بالمكان الأصلي.

والقرينة اللفظية كالإعراب الظاهر في تابع أحدهما أو كليهما نحو : ضرب موسى عيسى الظريف (١) ، واتصال علامة الفاعل بالفعل نحو ضربت موسى حبلى ، أو اتصال ضمير الثاني بالأول نحو : ضرب فتاه موسى.

__________________

(١) أي أنه إذا رفع الوصف كان الأول مفعولا وهو موسى. وإذا نصب كان الثاني أي عيسى هو المفعول.

١٩٠

والمعنوية نحو : أكل الكمثري موسى ، واستخلف المرتضى المصطفى صلّى الله عليه وسلم (١) ، ونحو ذلك.

وكذا إن كان الفاعل ضميرا متصلا ، وجب تقديمه على المفعول ، سواء كان المفعول اسما ظاهرا ، كضربت زيدا ، أو مضمرا منفصلا ، كما ضربت إلا إياك ، أو مضمرا متصلا ، كضربتك ، لئلا يصير المتصل منفصلا.

فإن قيل : ففي المثال الذي أوردته أخيرا ، أعني ضربتك ، صار الذي هو ضمير متصل منفصلا عن عامله.

قلت : لما كان التاء فاعلا وضميرا متصلا ، وكلا الأمرين موجب للاتصال بالعامل صار بهما (٢) كبعض حروف الفعل ، ألا ترى إلى إسكان لام ضربت بخلاف : ضربك ، وذلك أنهم لا يجيزون توالي أربع حركات في كلمة واحدة ، فلما صار هذا المركب كالكلمة الواحدة عاملوه معاملتها فصار ضمير المفعول في ضربتك كأنه اتصل بالعامل.

أما لو تقدم المفعول على الفاعل مع اتصالهما لكان الفاعل المتصل غير متصل بعامله ، ولا بما هو كالجزء من عامله ، لأن المفعول ، وإن كان من حيث كونه ضميرا متصلا كالجزء ، لكنه من حيث كونه مفعولا ، فضلة.

قوله : «أو وقع مفعوله بعد «إلا» ، أي مفعول الفاعل نحو قولك : ما ضرب زيد إلا عمرا.

وينبغي أن تعرف أوّلا ، أنك إذا ذكرت قبل أداة الاستثناء معمولا خاصا للعامل فيما بعدها وجب أن يكون ما لذلك المتقدم من الفاعلية أو المفعولية ، أو الحالية ، أو غير ذلك محصورا في المتأخر ، وما لذلك المتأخر من تلك المعاني باقيا على الاحتمال ، لم يدخله

__________________

(١) هذا التمثيل مما يدل على تشيع الرضى. فهو يريد بالمرتضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتلك هي عقيدة الشيعة.

(٢) بهما أي بكونه فاعلا وكونه متصلا.

١٩١

الخصوص ولا العموم ، كما إذا قلت مثلا : ما ضرب زيد إلا عمرا ، فضاربية زيد محصورة في عمرو ، أي ليس ضاربا لأحد إلا لعمرو ، وأما مضربية عمرو ، فعلى الاحتمال ، أي يجوز أن يكون مضروبا لغير زيد أيضا ، وبالعكس لو قلت ما ضرب عمرا إلا زيد. مضروبية عمرو ، مقصورة على زيد ، أي لم يضربه إلا زيد ، وضاربيّة زيد باقية على الاحتمال ، أي يصح أن يكون ضاربا لغير عمرو ، أيضا ،

وكذا في نحو : ما جاء زيد إلا راكبا ، يجوز أن تكون حالة الركوب لغير زيد ، أيضا ، بخلاف : ما جاء راكبا إلا زيد.

فإذا تقرر هذا تبيّن أن ضرب زيد ، في قولك ما ضرب زيد إلا عمرا مقصور على عمرو ، ومضروبية عمرو ، على الاحتمال ، فلو قدمت عمرا على زيد فإما أن تقدمه عليه من دون «إلا» نحو : ما ضرب عمرا إلا زيد ، وفيه انعكاس المعنى ، إذ تصير المضروبية خاصة والضاربيّة باقية على الاحتمال. فلا يجوز ، وإما أن تقدمه عليه مع إلا ، نحو : ما ضرب إلا عمرا زيد ، فعند هذا نقول : إن أردت أن عمرا وزيد مستثنيان معا والمراد : ما ضرب أحدا أحد ، إلا عمرا زيد ، اختلّ أيضا ، لأن مضروبيّة عمرو في أصل المسألة أعني في : ما ضرب زيد إلا عمرا ، كانت على الاحتمال ، وبالتقدير المذكور الآن. صارت مضروبيّته مختصة بزيد ، لأن الاحتمال المذكور فيما بعد «إلا» ، إنما يكون في الفاعل إذا ذكرت مفعولا خاصا نحو : ما ضربني إلا زيد. وكذا يكون في المفعول إذا ذكرت فاعلا خاصا نحو : ما ضربت إلا زيدا ، أما إذا لم تذكرهما ، أو ذكرتهما عامّين ، فليس فيما بعد «إلا» إلا الاحتمال المذكور ، فاعلا كان ، أو مفعولا ، نحو : ما ضرب إلا زيد ، وما ضرب أحد إلا زيد ، في الفاعل ، وما ضرب إلا زيدا ، وما ضرب أحد إلا زيدا ، في المفعول ، وكذا إذا ذكرت فاعلا ومفعولا عامين ، نحو : ما ضرب أحد أحدا ، إلا زيد عمرا بقي المستثنيان غير محتملين ، وإنما كان كذا إذ ليس هناك غير ذلك المفعول العام شيء يتعلق به الفاعل المستثنى ، وكذا ، ليس غير ذلك الفاعل العام شيء يتعلق به المفعول المستثنى ، كما كان حين ذكرتهما خاصين ، فيكون في : ما ضرب إلا عمرا زيد : المضروبية المطلقة مقصورة على عمرو ، والضاربية المطلقة مقصورة على زيد ، وتختصّ مضروبية عمرو بزيد وهو عكس المعنى.

١٩٢

هذا مع أن استثناء شيئين بأداة واحدة ، بلا عطف غير جائز مطلقا عند الأكثرين ، لضعف أداة الاستثناء ، إذ الأصل فيه «إلا» وهي حرف. فلا يستثنى بها شيئان ، لا على وجه البدل ولا على غيره ، فلا تقول في البدل ماسخا أحد بشيء إلا عمرو بدرهم ، ولا تقول في غير البدل : ماسخا أحد بشيء إلا عمرو الدينار (١).

ويجوز مطلقا عند جماعة ، وبعضهم فصّلوا فقالوا : إن كان المستثنى منهما مذكورين ، والمستثنيان بدلين منهما جاز ، نحو : ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا ، وذلك لأن الاسمين بكونهما بدلين مما قبل إلا كأنهما واقعان موقع ما أبدلا منهما ، أي كأنهما وقعا قبل «إلا» ، وليسا بمستثنيين ، فكأنك قلت : ضرب زيد عمرا ومثل هذا عند الأولين بدل (٢) ، ومعمول عامل مضمر من جنس الأول ، لا بدلان ، والتقدير : ما ضرب أحد أحدا إلا زيد ، ضرب عمرا.

وإن كان المستثنى منهما مقدرين ، نحو : ما ضرب إلا زيد عمرا ، أو كان أحدهما مذكورا دون الآخر نحو : ما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا أو كلاهما مذكورين ، لكن المستثنيين لم يبدلا منهما نحو : ما ضرب أحد بشيء إلا زيدا ، أو الازيد السوط ، لم يجز ، لأن المستثنيين ، إذن ، ليسا كالواقعين قبل إلا ، وهي تضعف عن استثناء شيئين إلا على الوجه المذكور.

فإن استدل من أجاز مطلقا بقوله تعالى : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ)(٣) ، فإنه لم يذكر المستثنى منهما ، والتقدير : وما نراك اتبعك أحد في حالة إلا أراذلنا في بادي الرأي ، أي بلا رويّة ، فلغيرهم أن يعتذروا بأنه منصوب بفعل مقدر ،

__________________

(١) أي برفع عمرو ، بدلا من أحد ، وجر الدينار ، بدلا من شيء ؛

(٢) أي أن الأول بدل والثاني معمول عامل مضمر أي محذوف. كما سيشرح بالمثال ،

(٣) الآية ٢٧ من سورة هود ،

١٩٣

أي اتبعوا في بادي الرأي ، أو بأن الظرف يكفيه رائحة الفعل ، فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره.

وإن أردت في أصل المسألة ، أعني : ما ضرب إلا عمرا زيد : أن زيدا مقدم معنى وليس بمستثنى وأن المراد : ما ضرب زيد إلا عمرا. فالمعنى لا ينعكس ولا يلزم استثناء شيئين بأداة واحدة. إلا أن أكثر النحاة منعوا أن يعمل ما قبل «إلا» فيما بعد المستثنى بها إلا أن يكون معموله الواقع بعد المستثنى هو المستثنى منه ، نحو : ما جاءني إلا زيدا أحد ، أو تابعا للمستثنى نحو : ما جاءني إلا زيد الظريف أو معمولا لغير العامل في المستثنى نحو قولك : رأيتك إذ لم يبق إلا الموت ضاحكا ، وذلك أن ما بعد «إلا» من حيث المعنى من جملة مستأنفة غير الجملة الأولى ، لأن قولك ما جاءني إلا زيد بمعنى : ما جاءني غير زيد وجاءني زيد ، فاختصر الكلام ، وجعلت الجملتان واحدة ، فالأولى ألّا يتوغل المعمول في الحيّز الأجنبي عن عامله ، أما المستثنى فإنه على طرف ذلك الحيز غير متوغل فيه ؛ وإنما جاز وقوع المستثنى منه وتابع المستثنى بعد المستثنى لأن المستثنى له تعلق بهما من وجه ، فكأنه وكل واحد منهما كالشيء الواحد ،

وأما نحو «ضاحكا» فليس في الحيّز الأجنبي من عامله ، إذ قولك : إذ لم يبق إلا الموت معمول رايتك وضاحكا معموله الآخر.

فإذا ثبت هذا ، فان وقع معمول آخر لما قبل «الّا» بعد المستثنى غير الثلاثة المذكورة.

إما مرفوع أو منصوب. ولا يكون إلا في الشعر كقوله :

٤٣ ـ كأن لم يمت حيّ سواك ولم تقم

على أحد الا عليك النوائح (١)

__________________

(١) من أبيات لأشجع السلمي. وهو متأخر. حيث كان يمدح الرشيد والبرامكة. قال البغدادي : وشعره لا يحتج به فكان حقه أن يؤخره على البيت الذي بعده. وقصده بذلك أن يتحقق الاستشهاد بالبيت الآتي ثم يأتي هذا البيت فيكون تمثيلا لا استشهادا. وهذا مبني على ما استقر عليه رأي المتقدمين من تحديد الزمن الذي ينتهي عنده الاستشهاد بالشعر. والأبيات في الأمالي (٢ ـ ١١٨) منسوبة لأشجع أيضا. وقال محقق الأمالي ان الأبيات في شرح الحماسة للتبريزي لمطيع بن أياس في رثاء بحيى بن زياد وهي أبيات جيدة وبعد هذا البيت :

لئن حسنت فيك المراتي وذكرها

لقد حسنت من قبل فيك المدائح

١٩٤

وكقوله :

٤٤ ـ لا أشتهي يا قوم إلا كارها

باب الأمير ولا دفاع الحاجب (١)

أضمروا له عاملا آخر من جنس الأول ، أي قامت النوائح ، وأشتهي باب الأمير كارها.

والكسائي جوّز مطلقا عمل ما قبل «إلا» فيما بعد المستثنى بها سواء كان العمل رفعا أو نصبا ، صريحا كان النصب كما ذكرنا ، أو ، لا ، كما في قولك : ما مررت إلا راكبا بزيد ، في الشعر وفي غيره بلا تقدير ناصب ولا رافع.

وابن الأنباري جوّز رفع ما بعد المستثنى فقط ، دون النصب. فتبيّن لك ، على هذا ، أن ما قبل «إلا» لا يعمل فيما بعد المستثنى على الأصح سواء كان ذلك أيضا ، مستثنى ، أو ، لا ، كما مضى ، فلا يجوز في : ما ضرب زيد إلا عمرا : ما ضرب عمرا إلا زيد.

وإنما قلت في بيان المسألة : معمولا خاصا لأنه إذا كان المعمول عاما. نحو : ما ضرب أحد إلا زيدا فلا يقال إن مضروبيّة زيد باقية على الاحتمال ، لأنه لم يبق بعد «أحد» شيء يمكن أن يضرب زيدا ، كما كان في : ما ضرب زيد إلا عمرا : أمكن أن يضرب عمرا غير زيد.

قوله : أو معناها يعني ما في «إنما» من معنى الحصر.

وذلك أن المشهور عند النحاة والأصوليين أن معنى : إنما ضرب زيد عمرا : ما ضرب زيد إلا عمرا ، فإن قدمت المفعول على هذا ، انعكس الحصر ، كما ذكرنا في : ما ضرب زيد إلا عمرا.

__________________

(١) من أبيات لموسى بن جابر الحنفي من بني حنيفة وبعده بيتان يقول فيهما :

ومن الرجال أسنة مذروبة

ومزيّدون شهودهم كالغائب

منهم أسود لا ترام وبعضهم

مما قمشت وضم حبل الحاطب

أما معنى البيت فواضح ووجه الاستشهاد به بينه الشارح.

١٩٥

وقد خالف بعض الأصوليين في إفادته الحصر ، استدلالا بنحو قوله صلّى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات» ، و «إنما الولاء للمعتق».

وأجيب بأن المراد في الخبرين : التأكيد ، فكأنه ليس عمل إلا بالنية ، وليس الولاء إلا بالعتق ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد».

وجوب تأخير الفاعل

قال ابن الحاجب :

«وإذا اتصل به ضمير مفعول أو وقع بعد «إلا» أو معناها».

«أو اتصل مفعوله وهو غير متصل ، وجب تأخيره».

قال الرضى :

بيان لما يعرض فيوجب مخالفة الأصل أي تأخير الفاعل عن المفعول ، قوله : «اتصل به» أي بالفاعل ضمير مفعول راجع إلى مفعول وجب تأخير الفاعل عند الأكثرين ، ومثاله : ضرب زيدا غلامه ، إذ لو قدمته لكان إضمارا قبل الذكر لفظا وأصلا ، كما مرّ (١).

وينبغي أن يجوز عند الأخفش وابن جنى كما تقدم (٢).

وكذا الحكم لو اتصل ضمير المفعول بصلة الفاعل أو صفته ، نحو : ضرب زيدا الذي ضرب غلامه ، وأكرم هندا رجل ضربها.

هكذا قيل ، ولو قيل بجواز أكرم هندا رجل ضربها لجاز ، لأن الفصل بين الوصف والموصوف بالأجنبي غير ممتنع ، بخلاف الصلة والموصول ، إذ الاتصال الذي بين الأولين أقل مما بين الأخيرين.

__________________

(١) في الكلام على وجوب تقديم الفاعل وتأخير المفعول ص ١٨٧ من هذا الجزء.

(٢) الموضع المتقدم.

١٩٦

قوله : «أو وقع بعد إلا» أي وقع الفاعل ، نحو ما ضرب عمرا إلا زيد ، أو معناها نحو : إنما ضرب عمرا زيد ، وإنما وجب تاخير الفاعل ههنا لما ذكرنا بعينه في وجوب تقديمه في : ما ضرب زيد إلا عمرا ، فإن مضروبية ما قبل إلا محصورة فيما بعدها ، والضاربية محتملة ، فلو قدمت الفاعل بلا «إلا» انعكس المعنى ، ولو قدمته معها لجاء المحذور المذكور. (١)

جواز حذف الفعل ووجوبه

قال ابن الحاجب :

«وقد يحذف الفعل لقيام قرينه ، جوازا في مثل : زيد ، لمن»

«قال : من قام؟ و : ليبك يزيد ضارع لخصومة ووجوبا. في»

«مثل : «وإن أحد من المشركين استجارك» ، وقد يحذفان».

«معا ، مثل : نعم لمن قال : أقام زيد؟».

قال الرضى :

قوله : «لقيام قرينة جوازا». لا يحذف شيء من الأشياء إلا لقيام قرينة ، سواء كان الحذف جائزا أو واجبا.

قوله : «زيد ، لمن قال من قام» ، الظاهر أن «زيد» مبتدأ لا فاعل لأن مطابقة الجواب للسؤال أولى ، ومن ثم قالوا في جواب «ماذا» إذا كان «ذا» بمعنى «الذي». إنه رفع ، لأن السؤال بجملة اسمية بخلاف ما إذا كان «ذا» زائدا ، فإن الأولى نصب الجواب ، كما يجيء في باب الموصولات ، وأيضا فالسؤال عن القائم لا عن الفعل ، والأهم تقديم المسئول عنه ، فالأولى أن يقدر : زيد قام ، بلى ، قولهم : ان لا حظيّة فلا أليّة ، برفع حظيّة من باب حذف الفعل بلا خلاف. أي : ان لا يتفق لك حظيّة

__________________

(١) على التفصيل السابق في تأخير المفعول إذا كان محصورا ص ١٩١ من هذا الجزء.

١٩٧

من النساء ، فأنا لا أليّة ، أي غير مقصرة فيما تحظى به النسوان عند أزواجهن من الخدمة والتصنع.

وروى النصب فيهما على تقدير : إن لا أكن حظية فلا أكون ألية.

٤٥ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة (١) ...

هذا أيضا من جنس الأول أي مما القرينة فيه السؤال ، إلا أن السؤال ههنا مقدر مدلول عليه بلفظ الفعل المبني للمفعول ، لأنه يلتبس الفاعل ، إذن ، على السامع فيسأل عنه فكأنه لما قال : ليبك يزيد ، سأل سائل : من يبكيه ، فقيل : ضارع ، أي يبكيه ضارع ، والسؤال في الأول مصرح به.

والبيت للحارث بن نهيك وعجزه :

ومختبط مما تطيح الطوائح (٢)

يقال : بكيته أي بكيت عليه بحذف حرف الجر لكثرة الاستعمال وليس بقياس ، كما يجيء في باب المتعدي ، وغير المتعدي من قسم الأفعال.

والضارع : الذليل ، من قولهم : ضرع ضراعة.

قوله : لخصومة ، متعلق بضارع وإن لم يعتمد على شيء ، لأن الجار والمجرور يكتفي برائحة الفعل ، أي يبكيه من يضرع ويذل لأجل الخصومة فإن يزيد ، كان ملجأ وظهرا للأذلاء والضعفاء ، والمختبط : الذي يأتيك للمعروف من غير وسيلة ، يقال : اختبطني فلان ، وأصله من : خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها ، مما تطيح ،

__________________

(١) قد وفى الشارح البيت حقه من التوضيح. لأنه من عبارة ابن الحاجب. والبيت لنهشل بن حريّ في رثاء يزيد بن نهشل ونسب لكثير غيره وحقق البغدادي أنها لنشهل وقبل هذا البيت ببضعة أبيات :

لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل

حشا جدث تسفى عليه الروائح

لقد كان ممّن يبسط الكف للندى

إذا ضنّ بالخير الأكفّ الشحائح

١٩٨

أي تذهب وتهلك ، والطوائح بمعنى المطيحات ، يقال طوّحته الطوائح وأطاحته الطوائح ، أي ذهبت به ورمت به ، ولا يقال : المطوّحات ولا المطيحات ، وهو إما على حذف الزوائد ، مثل : أورس فهو وارس ، وأعشب فهو عاشب ، أو على النسب ، مثل ماء دافق أي ذو دفق.

يقال : طاح يطوح ، مثل : قال يقول ، وطاح يطيح وهو واوى من باب فعل يفعل بكسر العين فيهما عند الخليل.

وقوله مما تطيح متعلق بمختبط ، أي يسأل من أجل إذهاب الوقائع ماله ، و «ما مصدرية أو ، بيبكي المقدر ، أي يبكي لأجل إهلاك المنايا يزيد ، ويجوز أن تكون «ما» بمعنى التي ، أي لأجل خلال الكرم التي طوّحتها الطوائح ، وتطيح على كل تقدير : حكاية حال ماضية : يورد الماضي بصورة الحال إذا كان الأمر هائلا لتصويره للمخاطب ، نحو : لقيت الأسد ، فأضربه فأقتله.

قوله : «ووجوبا في مثل : «وان أحد من المشركين استجارك» (١) ، إنما كان الحذف واجبا مع وجود المفسّر نحو : استجارك ، الظاهر ، لأن الغرض من الإتيان بهذا الظاهر : تفسير المقدر ، فلو أظهرته لم تحتج إلى مفسّر لأن الإبهام المحوج إلى التفسير ، إنما كان لأجل التقدير ، ومع الإظهار لا إبهام ، والغرض من الإبهام ثم التفسير ، إحداث وقع في النفوس لذلك المبهم ، لأن النفوس تتشوق ، إذا سمعت المبهم ، إلى العلم بالمقصود منه ، وأيضا ، في ذكر الشيء مرتين : مبهما ثم مفسّرا توكيد ليس في ذكره مرة ، وإنما لم يحكم بكون «أحد» مبتدأ ، واستجارك خبره لعلمهم بالاستقراء باختصاص حرف الشرط بالفعلية.

على أنه نسب إلى الأخفش جواز وقوع الاسمية بعدها بشرط كون الخبر فعلا ، فمثالنا ، على مذهبه ، إذن ، ليس من قبيل ما نحن فيه.

__________________

(١) الآية ٦ من سورة التوبة.

١٩٩

ويبطل ما نسب إليه بوجوب النصب في : ان زيدا ضربته ، إلا على ما أجازه بعض الكوفيين من نحو :

٤٦ ـ لا تجزعي إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

ومع ذلك ، ما أوّلوه إلا بإضمار فعل رافع لمنفس ، أي إن هلك منفس وهو مع ذلك مردود ، على ما يجيء الكلام عليه بعد.

وجميع ما ذكرنا من الوفاق والخلاف يطرد في نحو : لو ذات سوار لطمتني (٢) ، و : هلّا زيد قام ، أعني كل حرف لا يليه إلا الفعل.

ومفسر الفعل المقدر إما فعل صريح كما مر ، أو حرف يؤدي معنى الفعل مثل «أنّ» الموضوعة للثبوت والتحقيق ، فهي ، إذن ، دالة على ثبت وتحقق ، والتزم أن يكون خبرها فعلا كما يجيء في قسم الحروف ليكون «أن» مشعرا بمعنى الفعل المقدر ، وخبرها في صورة ذلك الفعل ، أعني الفعل الماضي ، فيكونان معا كالفعل الصريح المفسّر ، وذلك بعد «لو» خاصة ، نحو قوله تعالى : (لو أن الله هداني)(٣) ، أي لو ثبت وتحقق أن الله هداني ، فأن ، مع ما في حيزها فاعل ذلك الفعل المقدر.

قوله : «وقد يحذفان معا مثل : نعم» ، أي يحذف الفعل والفاعل معا ، أما حذف

__________________

(١) هو آخر أبيات للنمر بن تولب. شاعر صحابي. أولها :

قالت لتعذلني من الليل اسمع

سفه تبيّتك الملامة فاهجعي

لا تجزعي لغد وأمر غد له

أتعجلين الشر ما لم تمنعي

أي أتتعجلين. ينهاها عن تعجل الشر ما دامت غير ممنوعة من الخير.

(٢) هذا من كلام حاتم الطائي ، وهو كلام صار مثلا ، قال ذلك حين لطمته جارية. ويقصد بذات السوار الحرة. وكان أسيرا مرة. فقالت امرأة الرجل الذي أسره لجاريتها مري هذا الأسير ليفصد لنا الناقة. حتى نشوى دمها. فقالت له الجارية ذلك ، فنحر الناقة نحرا فلطمته الجارية وقالت له إنما قلت لك افصدها ، فقال هكذا فزدي انه. أي فصدي بإبدال الصاد زايا .. ثم قال لو ذات سوار لطمتني.

(٣) الآية ٥٧ من سورة الزمر.

٢٠٠