شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

وزن الفعل

تحديد الأوزان المؤثرة

في منع الصرف

قال ابن الحاجب :

«وزن الفعل شرطه أن يختص بالفعل ، كشمّر ، وضرب»

«أو يكون أوله زيادة كزيادته ، غير قابل للتاء ، ومن ثمّ»

«امتنع أحمر ، وانصرف يعمل».

قال الرضى :

لمجيء يعملة بالتاء (١) ؛ قوله : يختص بالفعل نحو شمّر» فان هذا الوزن لم يأت في الأسماء الا أعجميا ، نحو : بقّم ، ونحو شلّم لبيت المقدس. وكلامنا في كلام العرب ، أو منقولا عن الفعل نحو : شمّر ، لفرس ، وبذّر لماء ، وعثّر لموضع ، وخضّم لرجل ؛ فأصل هذه الكلمات كلها أفعال ، ونحو يزيد ، ويشكر ونرجس خواص ، لعدم هذه

__________________

(١) هكذا جاءت هذه العبارة ويحتمل أنها من المتن. غير أن أسلوب الاختصار الذي جرى عليه ابن الحاجب رجح أنها من كلام الرضى وأنه بدأ بها قبل أن يبدأ في الشرح.

١٦١

الأوزان في أجناس الكلمات العربية ، فيزيد ويشكر في الأسماء منقولان ، ونرجس أعجمي ، ونحو تنضب ، ويرمع وأعصر ، واصبع ، وتدرأ ، وإثمد من الغالبة في الفعل.

وأما فعل فمن الخواصّ إذ لم يأت فعل في أسماء الأجناس الا دئل لدويبّة وقيل : ان العرب قد تنقل الفعل إلى أسماء الأجناس وان كان قليلا ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : «ان الله تعالى نهاكم عن قيل وقال» ، وقولهم لطائر : تبشّر ، ولآخر تنوط ، لتنويطه عشّه ؛ فيجوز في مثل دئل بمعنى دويبّة ، أن يكون منقولا من فعل ما لم يسمّ فاعله من قولهم : دئل فيه أي أسرع ، والدألان : مشي سريع ، وأما دئل علما ، فيجوز أن يكون من ذلك ، ويجوز أن يكون منقولا من دأل ، والتغيير دلالة النقل إلى العلم ، كما قيل : شمس بن مالك (١) ، فيكون في دئل ، علما : الوزن والعدل مع العلمية ، وان صح ما نقل : أن الوعل لغة في الوعل ، والرّئم بمعنى الاست ، فهما شاذان.

قوله : «أو يكون أوله زيادة كزيادته» ، أي أول وزن الفعل الذي في الاسم ، زيادة كزيادة الفعل من حروف «أتين (٢)» وغيرها.

فأولق ، المشتق من مألوق ، إذا سمي به انصرف ، لأن الهمزة أصلية وكذا أيقق علما لكونه ملحقا بجعفر ، كمهدد فالهمزة أصلية ، ولو كان أفعل لوجب الادغام ، كأشدّ ، وأحبّ ، وأما ألبب ، علما ، فممنوع من الصرف لكونه منقولا من جمع «لبّ» والفك شاذ ، ولم يأت في الكلام فعلل حتى يكون ملحقا به ، ونون نهشل ، أصلية لصرفه مع العلمية.

والنحاة قالوا في موضع قول المصنف: أو يكون أوله زيادة كزيادته: «أو يغلب عليه»، أي يكون ذلك الوزن في الأفعال أكثر منه في الأسماء ، حتى يصح أن يقال : وزن الفعل ،

__________________

(١) أنظر الشاهد رقم ٢٨ في ص ١٢٥ من هذا الجزء.

(٢) الحروف الأربعة التي تسمى حروف المضارعة جمعت في كلمات كثيرة ليسهل حفظها. ومن ذلك قول الشارح أتين ، وهو بصورة فعل ماض مسند إلى نون النسوة.

١٦٢

فيضاف إلى الفعل ، إذ لو غلب الوزن في الأسماء ، أو تساوى فيه الفعل والاسم ، لم يقل إنه وزن الفعل.

والذي حمل المصنف على مخالفتهم شيئان : أحدهما أنه رأى «فاعل» في الأفعال ، أغلب ، ولو سميت بخاتم لانصرف اتفاقا ، فلو كانت الغلبة في الأفعال معتبرة ، لم ينصرف ، والدليل على غلبته في الأفعال أن باب المفاعلة أكثر من أن يحصى ، والماضي منه : فاعل ؛ وفاعل الاسميّ أقل قليل (١) ، كخاتم ، وعالم وساسم ؛ والثاني أنه رأى أن نحو : أحمد وأحمر ، لا ينصرف ، وعنده أن هذا الوزن في الاسم أكثر منه في الفعل قال : لأن كل فعل ثلاثي ليس من الألوان والعيوب ، يجيء منه أفعل التفضيل ، ومنهما يجيء : أفعل فعلاء ، كأحمر وأعور ، وكلاهما اسمان.

وأما افعل الفعليّ ، فلم يجئ إلّا ماضيا للإفعال (٢) من بعض الأفعال الثلاثية ، كأخرج ، وأذهب ، لا من كلها ، فلم يسمع نحو : أقتل وأنصر ، ولذا ردّ على الأخفش : قياس أحسب وأخال وأظنّ وأوجد وأزعم ، على : أعلم وأرى ؛ قال : ويجيء أفعل ماضيا للافعال من غير ما جاء منه فعل ثلاثي قليلا ، كأشحم وألحم وأتمر ، ويقابله في الأسماء ومن غير الفعل الفعل الثلاثي أيضا في القلة نحو : أيدع ، وأفكل ، وأرنب.

ولقائل أن يقول على قوله : (أفعل فعلاء لم يجىء من جميع الأفعال الثلاثية) : بلى ، جاء ، على ما اخترت أنت من مذهب البصريين وهو أن أفعل التعجب فعل ، ومن كل ما يجيء منه أفعل التفضيل ، يجيء منه أفعل التعجب الفعليّ ، والذي جاء في فعل يفعل مفتوحي العين ، وفي فعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع من حكاية النفس في المضارع نحو : أذهب وأحمد ، يزيد على : أفعل فعلاء ، إذ لا يجيء (٣) من غير باب فعل يفعل إلّا قليلا ، كأشيب ، على ما يجيء في التصريف ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) أي نادر وقد سبق له مثل هذا التعبير.

(٢) يقصد المصدر الذي على وزن إفعال بكسر الهمزة نحو اكرام.

(٣) أي باب افعل فعلاء.

١٦٣

لكن الانصاف أن الغلبة في أفعل الفعليّ ليست بظاهرة ، إذ كون الوزن غالبا في أحد القبيلين ، لا يمكن الحكم به الا بعد الإحاطة بجميع أوزان القبيلين ، وهو إما متعذر أو متعسر ، ولا سيما على المبتدئ ، فلا يصح أن تجعل الغلبة شرط وزن الفعل.

وفيه نظر ، إذ ربما يمكن معرفة ذلك بمجرد كون ذلك الوزن قياسيّا في أحدهما دون الآخر ، كما نعرف ، مثلا ، أن : إفعل ، في الفعل مثلا قياس في الأمر من يفعل الكثير الغالب كاذهب واحمد ، وليس في الاسم قياسا في شيء ، كاصبع ، وأيضا ، كون الوزن خاصا بأحد القبيلين ، وهو القائل به في نحو شمّر ، وضرب ، لا يمكن إلا بالاحاطة بجميع أوزان القبيل الآخر ، وهو متعذر ، أو متعسّر.

وانما اشترط في وزن الفعل تصديره بالزيادة المذكورة لكون هذه الزيادة قياسية في جميع الأفعال المتصرفة ، دون الأسماء ، إذ لا فعل متصرف الا وله مضارع ، ولا يخلو المضارع من الزيادة في أوله.

وأما غير المتصرف ، كنعم ، وبئس ، وعسى ، فأقل قليل ، فصارت هذه الزيادة ، لاطرادها في جميع الأفعال دون الأسماء أشد اختصاصا بالفعل ، فجرّت الوزن ، وان كان مشتركا ، إلى جانب الفعل ، حتى صح أن يقال : هو وزن الفعل ، وأيضا فإن هذه الزوائد في الفعل لا تكون الا لمعنى ، وأما في الأسماء ، فقد تكون لمعنى كأحمر ، وأفضل منك ، وقد لا تكون (١) ، كأرنب وأفكل وأيدع ، فكأنها لم تزد فيها ، فصارت بالفعل أشهر وأخص ، لأن أصل الزيادات أن تكون لمعنى.

وانما اشترط مع هذا الشرط ألّا يكون الوزن مما تلحقه تاء التأنيث ولا يكون عرضة له. لأن الوزن بهذه التاء يخرج من أوزان الفعل. إذ الفعل لا تلحقه هذه التاء ، فكما تجرّ الزيادة المتصدرة الوزن الى جانب الفعل ، تجره التاء الى جانب الاسم لاختصاصها بالاسم ، وتترجح التاء في الجرّ ، اذ الوزن في الاسم ، فانصرف : أرمل ويعمل مع الوصف

__________________

(١) أنظر هامش رقم (١) في ص ٢٣ من هذا الجزء.

١٦٤

الأصلي السليم من الخلل ، والوزن المشروط بتصدر الزيادة ؛ لجواز الحاق التاء نحو : أرملة ، ويعملة

أما الحاق التاء بأسودة في الحيّة ، فلا يضر ، لأن هذا اللحاق عارض بسبب غلبة هذا اللفظ في الأسماء ، والأصل أن يقال في مؤنثه : سوداء ،

هذا ، والأوزان الخاصة بالفعل كثيرة نحو : استفعل واستفعل واستفعل ، واستبرق أعجمي ؛ ومنها تفاعل وتفوعل وتفاعل ، ودحرج ودحرج (١) ، وافتعل وافتعل وافتعل ، وكذا : انفعل وانفعل والنفعل ؛ وغير ذلك.

وإذا سميت بنرجس بكسر النون ، وترتب بضم التاء الأولى ، فالصرف واجب لعدم الوزن ، والزيادة المذكورة شرط الوزن فلا تؤثر من دون المشروط.

ولم يصرفهما (الزجاج (٢) نظرا إلى وزنيهما المشهورين ، أعني نرجس على وزن نضرب ، وترتب على وزن تقتل.)

وإذا غيّر وزن الفعل عما كان عليه ، فان كان بابدال الزيادة المعتبرة في أوله حرفا آخر ، كهراق وهرق (٣) فانه لا يضر ذلك بوزن الفعل ، وان كان الهاء لا اختصاص له بالفعل كالهمزة ، وذلك لعدم لزوم ذلك الابدال ، لأن الأكثر في الاستعمال : أراق وأرق.

وان كان التغيير بغير ذلك ، فان كان بعد التغيير : الزيادة المعتبرة حاصلة فلا يضر ذلك

__________________

(١) المقصود من التمثيل بمادة دحرج هو الماضي المبني للمجهول والأمر فقط ، بخلاف بقية ما مثل به فإن المقصود منه الماضي معلوما ومجهولا والأمر. وفي النسخة المطبوعة جاءت كلمة دحرج ثلاث مرات كغيرها من الصيغ ، وواضح أن الثالثة زائدة فحذفتها.

(٢) ما بين هذين القوسين ، وقع في غير موضعه من صفحة ٥٦ من النسخة المطبوعة فاضطرب المعنى. وقد وفق الله إلى إزالة هذا الاضطراب بالنظر في معنى الكلام حتى استقام الأمر.

(٣) هرق ، أي أراق ، فعل أمر من أراق الماء.

١٦٥

التغيير أيضا ، لأنها تحرز (١) وزن الفعل وتدل عليه ، نحو : يعد ويهب ، وكذا المحذوف نحو : تقل وتبع وتخف من قولك لم تقل ولم تبع ولم تخف ، وكذا المحذوف اللام نحو : يخش ، ويرم ، ويغز ، وكذا : اخش ، وارم ، واغز ، لأن همزة الوصل بالفعل أيضا أخص لأنها مطردة في الفعل ، إذ لا فعل ثلاثي متصرف الا وقياس أمره أن يكون بهمزة الوصل ، ونحو : عد ، وقل ، أصله الهمزة لو لم يتحرك في المضارع ما بعد حرف المضارعة.

فإذا سميت بفعل محذوف العين أو اللام لأجل الجزم أو الوقف ، رددت المحذوف لأن سقوطه انما كان للجزم والوقف الجاري مجراه ، والجزم لا يكون في الأسماء فتقول في المسمّى بتقل واخش : جاءني تقول واخشى ، وكذا في المسمى بقل وبع : جاءني قول «وبيع» ، (٢)

وان لم يكن في المغيّر الزيادة المعتبرة المصدرة ، وكان التغيير لازما كالمسمّى بقل ، وبع ، وعد ، أو بقيل وبيع ، لم يعتبر الوزن الفائت الأصلي تقول : جاءني قيل «وبيع» ، وفي : قل وبع وخف ، جاء قول وبيع وخاف.

وان لم يكن التغيير لازما ، كما يقال في علم : علم ، فهو عند سيبويه يضر أيضا بالوزن ، كما في ردّ وبيع ، وقال المبرد : ان كان التغيير قبل النقل أخلّ بالوزن ، لأنه لا يجامع ، إذن ، العلمية ، وأما ان كان بعد النقل والتسمية كما إذا سمّي بعلم ثم خفف فالوزن معتبر لأنه : جامع الوزن العلمية ، وزوال الوزن فيه يكون عارضا غير لازم ؛ وأما التغيير في الأول فهو في العلمية لازم ، إذ لم يصادفه الوزن العلميّ إلا مخففا.

هذا ، واعلم أن الوزن المشترك فيه بين الاسم والفعل الذي لا اختصاص له بالفعل بوجه ، لا يؤثر مطلقا ، خلافا ليونس ، فانه اعتبر وزن الفعل مطلقا ، سواء غلب على الفعل أو لم يغلب ، فمنع الصرف في نحو جبل وعضد وكتف ، وجعفر ، وحاتم ، أعلاما.

__________________

(١) لأنها تحرز وزن الفعل أي تدل عليه كما فسر الشارح وهي من الحزر أي التخمين. والتقدير عن طريق الظن ، وهو نوع من الدلالة.

(٢) قوله وكذا في المسمّى بعل وبع : استطراد ، ولا دخل له بمنع الصرف. كما سيذكر بعد ذلك.

١٦٦

واعتبره عيسى بن عمر بشرط كونه منقولا عن الفعل نحو : كعسب ، واستدل بقوله :

٣٨ ـ أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني (١)

والجواب أنه ان كان علما فمحكيّ ، لكون الفعل سمي به مع الضمير فيكون جملة ، كيزيد ، في قوله :

٣٩ ـ نبئت أخوالي بني يزيد

ظلما علينا لهم فديد (٢)

وان لم يكن علما فهو صفة موصوف مقدر ، أي أنا ابن رجل جلا أمره أي انكشف ، أو جلا الأمور أي كشفها ، وفيه ضعف ، لأن الموصوف بالجمل لا يقدر الا بشرط نذكره في باب الصفة (٣) ، وأما بغير ذلك فقليل نادر (٤) ، ولا سيما إذا لزم منه إضافة غير الظرف إلى الجملة.

تنكير الممنوع من الصرف

وما يترتب عليه

قال ابن الحاجب :

«وما فيه علمية مؤثرة إذ نكّر صرف ، لما تبيّن أنها لا تجامع»

«مؤثرة إلّا ما هي شرط فيه ، الا العدل ووزن الفعل ، وهما»

__________________

(١) هو أول أبيات لسحيم بن وتيل الرياحي كما حقق ذلك البغدادي ورد على من زعم أنه للعرجى كما خطأ العيني حيث نسبه إلى سحيم عبد بني الحسحاس ، ثم أورد معه أبياتا للمثقب العبدي.

كما نفى البغدادي أن يكون علما بقوله ليس في نسب سحيم من اسمه جلا .. وقال ان لفظ جلا يطلق على كل منكشف واضح. وأفاض في توجيه البيت : وشرحه ،

(٢) وجه الشاهد واضح كما شرحه الرضى. فيزيد بضم الدال في موضع الجر دليل على أنه محكي من جملة.

ورواه بعضهم : بني تزيد بالثاء الفوقية وقال ابن الحاجب إنه خطأ وإنما ذلك اسم آخر وهو منقول من الفعل فقط فهو مثل تغلب. وهو تزيد بن حلوان. تنسب إليه البرود التزيدية.

(٣) هو أن يكون الموصوف بعض اسم متقدم مجرور بمن أو في ... نحو منا ظعن ومنا أقام : أي فريق ..

(٤) مثل قوله : «ترمى بكفّي كان من أرمى البشر» ؛

١٦٧

«متضادان ، فلا يكون الا أحدهما ، فإذا نكر بقي بلا سبب ، أو»

«على سبب واحد».

قال الرضى :

يعني بكون العلمية مؤثرة أن يكون منع صرف الاسم موقوفا عليها ، وذلك على ثلاثة أضرب : لأنها إما أن تكون سببا لا غير ، أو شرطا لا غير ، أو شرطا وسببا معا.

فالأول في موضعين اتفاقا : أحدهما أن تكون مع العدل في اسم لم يوضع الا علما ، كعمر ، وقطام في تميم ؛ والثاني أن تكون مع الوزن سواء كان الاسم ممنوع الصرف قبل العلمية ، كأحمر ، أو ، لا كاصبع ، واثمد ، ويزيد ، ويشكر.

وفي موضعين على الخلاف ، الأول : باب مساجد علما فان العلمية سبب فيه عند أبي عليّ والجزولي ، والسبب الثاني عند أبي عليّ شبه العجمة ، وعند الجزولي عدم النظير في الآحاد ، وليست سببا عند المصنف لاعتباره الجمع الأصلي ، فيكون ، إذن ، نحو : ثمان ورباع علمين ، منصرفا عند المصنف غير منصرف عند غيره.

وأما سراويل علما فعند سيبويه فيه العلمية والتأنيث المعنوي ، وقد يذكّر لكن التأنيث أغلب ، فلذلك اعتبر ، كما مر ، في التأنيث ، فقال سراويل كعقرب إذا سمي به ، وعند الجزولي فيه العلمية والتأنيث والعجمة وعدم النظير ، وكان القياس يقتضي ألّا تؤثر العلمية عنده لحصول الاكتفاء بالعلمية الجنسية عنده وعدم النظير ، لكن عادته (١) ألّا يلغي سببا فيقول : في حمراء علما ، سببان.

الثاني من الموضعين : كل عدل كان قبل العلمية ممنوع الصرف ، نحو مثنى وثلاث ، فالأخفش ، وأبو علي ، وأكثر النحاة ، يصرفونه لزوال الوصف بالعلمية وزوال العدل ببطلان معنى العدد.

__________________

(١) أي الجزولي.

١٦٨

وذهب الجرمى وابن بابشاذ (١) إلى منع صرفه اعتبارا للعدل الأصلي مع العلمية ، وهو قياس قول سيبويه ، في أحمر ، المنكر بعد العلمية ، ولا تنافي بين العدل والعلمية بدليل عمر ؛ وأما أخر وجمع علمين فغير منصرفين ، عند سيبويه اعتبارا للعدل الأصلي مع العلمية ، وكذا لكع ، لأن فيه العدل ، كما ذكرنا عندهم ، وأما ان سميت بفضل من قولك : الفضل ، فانه ينصرف اذ لا عدل في الأصل.

والأخفش والكوفيون يصرفون أخر وجمع ولكع أعلاما ، إذ العلمية وضع آخر.

وقول سيبويه أقرب ، لأن العدل أمر لفظي ، وبالعلمية لم يتغيّر اللفظ ، وعكس سيبويه الأمر في : سحر ، إذا سمّي به غير ما وضع له أوّلا من ظرف زمان أو ظرف مكان أو رجل أو غيره ، فجعله منصرفا ، ولعلّ ذلك لظهور فعل في باب العدل نحو عمر ، وزفر ، ولكع ، عندهم ، بخلاف فعل.

والثاني ، أعني كون العلمية شرطا لا غير ففي موضع واحد على الخلاف ، وهو : الألف والنون مع العلمية ، سبب قائم مقام سببين عند بعضهم ، والعلمية شرطه ، وفي الحقيقة : الشرط انتقاء التاء وهو معلل بأحد ثلاثة أشياء : العلمية ، كما في عمران ، ووجود فعلى كما في سكران ، واختصاص اللفظ كما في رحمن ، وعند الباقين : الألف والنون سبب والعلمية سبب آخر. كما مر ، فإن العلمية شرطهما عند بعضهم في الاسم نحو : عمران وعثمان ، لأنه يمتنع بها من التاء فتشابه ألف التأنيث ، فتقوم مثلها مقام سببين ، وعند الباقين : العلمية سبب معها كما مرّ.

والثالث : أعني أن تكون العلمية شرطا وسببا معا في أربعة مواضع اتفاقا : في المؤنث بالتاء لفظا أو تقديرا ، وفي الأعجمي ، وفي المركب ، وفي ذي الألف الزائدة المقصورة.

__________________

(١) اسمه طاهر بن أحمد بن باب بن شاذ. بتخفيف الذال ومعنى شاذ : الفرح والسرور. هكذا في البغية للسيوطي. وربما يكون قد ركب من اسم جدّيه : باب وشاذ اسم واحد. والمعروف أن كلمة بابشاذ كلمة أعجمية معناها الفرح والسرور. وقد كان ابن بابشاذ إماما في العربية. ورد العراق تاجرا في اللؤلؤ. وعاش بمصر زمنا وتوفي بها سنة ٤٦٩ ه‍.

١٦٩

وحال العلمية غير المؤثرة على ضربين : إمّا ألّا تجامع السبب وذلك مع الوصف ، على ما ذكره المصنف ، وقد ذكرنا أنها تجامعه ، لكن الوصف لا يعتبر معها ، وإمّا أن تجامع ولا تؤثر ، وهو إذا كانت مع ألف التأنيث نحو صحراء ، وبشرى ، خلافا للجزولي ، فإنه لا يلغي سببا ؛

فهذا حال العلمية في جميع باب ما لا ينصرف ؛

رجعنا إلى شرح كلام المصنف ؛ فنقول :

إنما انصرف كل ما فيه علمية مؤثرة إذا نكر ، لأن جميع ما العلمية المؤثرة شرط فيه فقط ، أو شرط وسبب معا ، خمسة أشياء : التأنيث بالتاء والعجمة والتركيب والألف المقصورة الزائدة والألف والنون في الاسم ، فلو فرضنا اجتماعها في اسم مع استحالة مجامعة الألف المقصورة للألف والنون ، وأقصى ما يمكن اجتماعه من هذه : العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب ، كما في : أذربيجان ؛ لكان يزول تأثير الجميع بزوال العلمية ، لأن المشروط لا يؤثر بدون الشرط.

وجميع ما العلمية المؤثرة سبب فيه ثلاثة أشياء : العدل والوزن وشبه العجمة ، أو عدم النظير في الآحاد في باب مساجد ، على الخلاف المذكور ، ولا يجتمع اثنان منها مع العلمية المؤثرة لوجهين : الأول : أن كل واحد منها يضاد الآخرين ، لأن أوزان العدل إما : فعال ، أو مفعل ، أو فعل أو فعل ، أو فعل ، أو فعال ، كثلاث ومثلث وأخر وسحر وأمس عند تميم وقطام عندهم أيضا ، وليس شيء منها وزن الفعل ولا أوزان الجمع الأقصى ، وليس الجمع أيضا من أوزان الفعل ؛ الثاني أنه لو لم يتضاد الثلاثة أيضا ، لم يجتمع مع العلمية المؤثرة اثنان منها ، إذ العلم يكون ، إذن ، منقولا مما اجتمع فيه اثنان منها فلم تكن العلمية الطارئة مؤثرة ، لاستقلالهما بمنع الصرف قبل ورود العلمية :

فإذا ثبت أنه لا يجتمع مع العلمية اثنان منها ثبت أنه لا يكون معها إلا أحدها ، فإذا نكر ذلك الاسم بقي على سبب واحد فيصرف.

هذا غاية ما يمكن أن يتمحّل لتمشية قول المصنف.

١٧٠

ويمكن أن يرتكب عدم التضاد بين العدل والوزن ، كما قلنا في دئل ، وكما يمكن أن يقال في «إصمت» علم المكان القفر ، إذ أصله «أصمت» بضمتين فعدل إلى إصمت في حال العلمية ، ولم تطرأ العلمية فيه على وزن الفعل والعدل حتى يقال ليست بمؤثرة لاستقلالهما بالتأثير دونها ، لأنه إنما عدل علما كما قلنا في «شمس بن مالك» (١) ، فإذا نكر مثله بقي فيه الوزن والعدل فلا ينصرف ، لأن العدل وإن حصل فيه لأجل العلمية ، لكنه لا يخرج العلم إذا نكر عن صيغته ، ومن أين له أن صيغة العدل محصورة فيما ذكر من الأوزان؟

هذا كله إن قلنا إن العلم بعد التنكير لا يعتبر أصله ، كما هو مذهب الأخفش ، وإن اعتبرنا ، كما هو مذهب سيبويه ، السبب الأصلي الذي ألغيناه لأجل العلمية ، قلنا في ثلاث ومثلث وبابهما : إنها لا تنصرف لاعتبار الوصف الأصلي مع العدل ، كما في أحمر.

وفرق بعضهم بين هذا الباب وباب أحمر ، بأن قال : الوصف ههنا لا يثبت من دون العدد ، وقد زال العدد بالتسمية ولا يرجع بعد التنكير ، إذ معنى : ربّ ثلاث ، ربّ مسمّى بهذا اللفظ ، بخلاف أحمر المنكر فإنه لا منع أن يكون معنى ربّ أحمر ، ربّ مسمّى بهذا اللفظ فيه الحمرة.

والذي يقوي عندي : أن الزائل بالكلية لا يعتبر ، وصفا كان أو غيره ، في باب أحمر ، كان ، أو في غيره ، وسيأتي تمام الكلام عليه في موضعه.

وقياس قول سيبويه في أحمر : أن ينصرف أخر وجمع بعد التنكير ، لأنهما من باب أفعل التفضيل كما ذكرنا ، وسيأتي أن أفعل التفضيل لا يعتبر فيه الوصف بعد التنكير.

وإذا نكر سحر بعد التسمية به ، فالواجب الصرف ، لأنه لا علمية فيه ، إذن ،

__________________

(١) انظر ص ١٢٥ من هذا الجزء.

١٧١

ولا عدل ، إذ العدل إنما ثبت له قبل التسمية به لكون المراد به سحر يومك ، وكذا أمس رفعا عند بني تميم.

وإذا نكّرت مساجد بعد التسمية به فهو غير منصرف عند الأكثرين ،

أما عند المصنف فلأنه يعتبر الجمع الأصلي مع العلمية التي ظاهرها مناقض له. فكيف لا يعتبره بعد التنكير؟

وأما عند الجزولي فلسبب واحد وهو عدم النظير في الآحاد وشبه سبب آخر ، يعني الجمع ، إذ لفظه لفظه.

ونسب أبو علي إلى الأخفش أنه لا يصرفه بعد التنكير أيضا ، ويفرق بينه وبين أحمر ، بأن علامة الجمع باقية فيه بعد التنكير بخلاف نحو أحمر ، إذ مثل هذا الوزن قد يكون غير صفة كأرنب وأفكل.

وقال العبديّ : لا فرق بينه وبين أحمر ، ولا نص للأخفش في ترك صرفه.

وقول الجزولي أولى.

وإذا نكرت سراويل بعد التسمية فهو عند المبرد كمساجد ، إذ هو جمع سروالة ، وقياس قول سيبويه أيضا ترك الصرف. إذ هو أعجمي حمل على موازنه كما كان قبل التسمية ، وكذا قياس قول الجزولي : يعتبر فيه عدم النظير والعجمة الجنسية ، كما اعتبرها قبل العلمية.

ومن صرفه قبل التسمية يصرفه ، أيضا ، بعدها.

وأما الكلام في أحمر بعد التنكير ، فسيجيء ، ومثله : فعلان الصفة ، إذا سمّي به ثم نكر ، سواء : يصرفه الأخفش خلافا لسيبويه.

__________________

(١) اسمه : أحمد بن بكر وكفيته أبو طالب أحد أئمة النحو المشهورين أخذ عن السيرافي والفارسي ومعاصريهما وقال السيوطي في البغية أن عقله اختل آخر حياته وتوفي سنة ٤٠٦ ه‍.

١٧٢

وقال الأخفش : لو سميت باسم مركب آخر جزأيه ذو ألف التأنيث أو الجمع الأقصى ، نحو : معدى صحراء ، أو معدى مساجد ثم نكرته صرفته لأن الاسم الأخير بعد التسمية صار جزء الكلمة فليس مجموع الكلمة ، إذن ، ذا ألف التأنيث ولا الجمع الأقصى حتى يمتنعا عن الصرف بعد التنكير ، والآخرون لم يصرفوهما بعد التنكير نظرا إلى إفرادهما ،

وقول الأخفش إن مجموع الكلمة ليس ذا ألف التأنيث مع جعل الجزء الأخير كجزء الكلمة ممنوع ، وأما قوله : مجموع الكلمة ليس الجمع الأقصى فمسلّم.

قوله «مؤثرة» حال ، ومفعول تجامع : «ما» ويعني بما هي شرط فيه : التأنيث بالتاء ، والعجمة والتركيب والألف والنون في الموضوع اسما.

قوله «إلا العدل» مستثنى مما بقي من المستثنى منه المقدر الذي استثنى منه لفظة «ما» بعد استثنائها ، أي لا تجامع سببا غير السبب الذي هي شرط فيه إلا العدل ، فكلا المستثنيين من ذلك المقدر ، نحو قولك : ما ضربت إلا زيدا إلا عمرا ، أي ما ضربت أحدا غير زيد إلا عمرا. فالعلمية المؤثرة تجامع الأربعة الأشياء ، وهي شرط فيها. وتجامع العدل والوزن وليست شرطا فيهما ، بل هي سبب معهما.

فإن كانت في اسم واحد مع الأربعة الأول كأذربيجان ، فإذا نكر بقي بلا سبب لزوال شرط الأربعة الأسباب. وكذا إن كانت مع اثنين أو ثلاثة من الأربعة ؛ وإن كانت مع العدل أو الوزن ، قال : ولا يمكن أن تكون معهما معا لتضادهما ، فلا تكون إلا مع أحدهما كما في نحو : عمر ، وأحمد. فإذا نكر الاسم بقي على سبب واحد ، قال وإنما قلت : وهما متضادان ، ليصح حكمي الكلي بكون كل ما فيه علمية مؤثرة منصرفا بعد التنكير ، إذ لو لم يتضادا وجاز اجتماعهما مع العلمية المؤثرة في اسم ، لكان ذلك الاسم غير منصرف بعد التنكير لبقاء السببين المستغنيين عن العلمية المؤثرة ، وأما بيان تضادهما فما تقدم.

واعترض على قوله بأن قيل : لم يكن محتاجا إلى هذا الاحتراز لأن كلامه في العلمية المؤثرة ، ولو اتفق اجتماعهما لم تكن العلمية مؤثرة ، لأن مثل هذا العلم ، لو وقع ، لكان منقولا عن اسم فيه العدل ووزن الفعل ، فلا تؤثر فيه العلمية الطارئة ، كما في حمراء ،

١٧٣

وسعدى علمين ، بلى ، لو كانت الأسباب الثلاثة مجتمعة بحيث لم يطرأ بعضها على بعض لجاز أن يقال : إن حكم منع الصرف منسوب إلى اثنين منها غير معينين فيكون للعلمية تأثير ما ، بكونها أحد الثلاثة المؤثر اثنان منها.

ويمكن أن يجوز اجتماعها ويمنع طرءان العلمية ، إذن ، على الوزن والعدل ، كما في نحو : إصمت (١) على ما مرّ ، إذ لو لم يتضادا أيضا واجتمعا في اسم لم تكن العلمية مؤثرة معهما ، إذا كانت العلمية ، إذن ، طارئة عليهما بعد استقلالهما بالتأثير.

والجواب عن الاعتراض : منع وجوب طرءان العلمية على الوزن والعدل ، إذن ، كما ذكرنا في إصمت.

والاعتراض الحق أن يمنع التضاد بينهما ، وذلك بمنع حصر أوزان العدل فيما ذكر قبل ، كما بيّنا.

__________________

(١) اصمت بقطع همزته مكسورة علم على مفازة ، وقد حدث فيه بعد العلمية تغيير عن صيغته الأصلية لأن أصله فعل أمر من صمت وميم الأمر مضمومة : وقد ورد في شعر الراعي النميري. ويأتي شاهدا في هذا الشرح في باب العلم ؛ في الجزء الثالث من هذه الطبعة.

١٧٤

تنكير نحو أحمر

والخلاف فيه بين سيبويه والأخفش

قال ابن الحاجب :

«وخالف سيبويه الأخفش في مثل أحمر علما ثم ينكر»

«اعتبارا للصفة بعد التنكير ، ولا يلزم باب حاتم لما يلزم»

«من إيهام اعتبار متضادين في حكم واحد».

قال الرضى :

قوله : «اعتبارا» ، منصوب على أنه حال من سيبويه ، أي خالف سيبويه معتبرا ، أو مصدر لقوله : خالف ، إذ معناه : اعتبر سيبويه دون الأخفش.

قوله : «ولا يلزم باب حاتم» هذا جواب عن إلزام الأخفش لسيبويه في اعتبار الصفة بعد زوالها ، وتقريره : أن الوصف الأصلي لو جاز اعتباره لكان باب حاتم غير منصرف ، للعلمية الحالية ، والوصف الأصلي.

فأجاب المصنف عن سيبويه بأن هذا الإلزام لا يلزمه ، لأن في حاتم ما يمنع من اعتبار

١٧٥

ذلك الوصف الزائل بخلاف أحمر المنكر ، وذلك المانع : اجتماع المتضادين ، وهما الوصف والعلمية ، إذ الوصف يقتضي العموم والعلمية الخصوص ، وبين العموم والخصوص تناف.

قوله «في حكم واحد» يعني في الحكم بمنع الصرف ، لأنك تحتاج في هذا الحكم إلى اجتماع سببين ، فتكون قد جمعت المتضادتين في حالة واحدة ولو لم يكن اعتبار المتضادين في حكم واحد ، جاز ، إذ لا يلزم اجتماعهما في حالة واحدة ، كما إذا حكمنا بجمع أحمر على حمر ، لأن أصله صفة ، وعلى أحامر ، لأجل العلمية ، فقد حصل في هذه اللفظة متضادّان لكن بحكمين فلم يجتمعا في حالة ، فإذا نكر أحمر ، فإنه يصح اعتبار الوصف ، وليس معنى الاعتبار أن يرجع معنى الصفة الأصلية ، حتى يكون معنى ربّ أحمر : رب شخص فيه معنى الحمرة ، بل معنى رب أحمر : رب شخص مسمّى بهذا اللفظ ، سواء كان أسود ، أو أبيض ، أو أحمر. فمعني اعتبار الوصف الأصلي بعد التنكير ، أنه كالثابت مع زواله لكونه أصليا ، وزوال ما يضاده وهو العلمية ، فصار اللفظ بحيث لو أراد مريد إثبات معنى الوصف الأصلي فيه ، لجاز بالنظر إلى اللفظ ، لزوال المانع.

هذا ، والحق أن اعتبار ما زال بالكلية ولم يبق منه شيء : خلاف الأصل ، إذ المعدوم من كل وجه ، لا يؤثر بمجرد تقدير كونه موجودا.

فالأولى أن يقال : ان اعتبر معنى الوصف الأصلي في حال التسمية ، كما لو سمّى ، مثلا ، بأحمر : من فيه حمرة ، وقصد ذلك ، ثم نكر ، جاز اعتبار الوصف بعد التنكير لبقائه في حال العلمية أيضا ، لكنه لم يعتبر فيها ، لأن المقصود الأهم في وضع الأعلام المنقولة : غير ما وضعت له لغة ، ولذلك نراها في الأغلب مجردة عن المعنى الأصلي ، كزيد ، (١) وعمرو ، وقليلا ما يلمح ذلك.

وإن كان لم يعتبر في وضع العلم الوصف الأصلي ، بل قطع النظر عنه بالكلية ،

__________________

(١) لأن أصل زيد : مصدر زاد ، وأصل عمر : الحياة والبقاء.

١٧٦

كما لو سمى بأحمر : أشقر أو أسود ، لم يعتبر بعد التنكير أيضا.

وقال الأخفش في كتاب الأوسط : (١) إن خلافه في نحو أحمر ، إنما هو في مقتضى القياس. وأما السماع فهو على منع الصرف.

هذا كله في أفعل فعلاء وكذا فعلان فعلى.

وأما أفعل التفضيل نحو : أعلم ، فإنك إذا سميت به ثم نكرته ، فإن كان مجردا من «من» التفضيلية ، انصرف إجماعا ، ولا يعتبر فيه سيبويه الوصف الأصلي ، كما اعتبر في نحو أحمر ، وإن كان مع «من» لم يصرف إجماعا بلا خلاف من الأخفش ، كما كان في أحمر.

أما الأول فلضعف أفعل التفضيل في معنى الوصف ، ولذا لا يعمل في الظاهر كما يعمل أفعل فعلاء ، فإذا تجرد من «من» التبس بأفعل الاسمي الذي لا معنى للوصف فيه كأفكل (٢) وأيدع ، ولا يظهر فيه معنى الوصف.

وأما أفعل فعلاء ، فثبوت عمله في الظاهر قبل العلمية وإشعار لفظه بالألوان والخلق الظاهرة في الوصف ، يكفي في بيان كونه موضوعا صفة ،.

فإذا اتصل أفعل «بمن» فقد تميز عن نحو أفكل ، وظهر فيه معنى التفضيل الذي هو وصف.

وأما الثاني فإنما وافق الأخفش سيبويه. في منع الصرف مع «من» لظهور وصفه ، إذن ، كما ذكرنا ، ولكون «من» مع مجرورها كالمضاف إليه. ومن تمام أفعل التفضيل من حيث المعنى الوضعيّ ، فلو نوّن لكان الثاني متصلا منفصلا ، لأن التنوين يشعر بالانفصال ، بسبب وجود علامة الوصف أعني «من» بخلاف باب أحمر لعريه عن

__________________

(١) اسم كتاب من مؤلفات الأخفش في النحو. وله من المؤلفات : المسائل الكبير وغيره.

(٢) الأفكل على وزن أحمر : الرعدة والارتعاش. والأبدع بوزن أحمر أيضا : الزعفران.

١٧٧

العلامة الدالة على الوصف.

ولو سميت رجلا بأجمع الذي يؤكّد به ، ثم نكرته ، صرفته البتة إجماعا. لكونه في معنى الوصف ، أخفى من أفعل التفضيل ، لأنه كان بمعنى «كل» قبل العلمية ، وانمحى عنه معنى الوصف على ما تقدم في «جمع».

هذا حكم جميع ما لا ينصرف في حال العلمية وبعدها.

التصغير

وتأثيره في الممنوع من الصرف

ثم اعلم أن التصغير يخل ، من أسباب منع الصرف ، بالعدل عن وزن إلى آخر ، فإنه يزول الوزن المعدول إليه بالتصغير ، وذلك الوزن مراعى في العدل ، إذ العدل أمر لفظي.

وكذا الجمع الأقصى ، يجتل بالتصغير لوجوب رده إلى واحده فيقال في : رباع ومساجد : ربيّع ومسيجد.

ولو سميت بالجمع المذكر ثم صغرته ، انصرف أيضا لزوال علامة الجمع ووزنه المعتبر.

وإذا صغرت سراويل علما لم ينصرف لأن التصغير لا يذهب بالتأنيث المعنوي الذي يكون فيه ، فيكون كعناق (١) ، إذا صغر بعد التسمية به ،

ويختل بالتصغير ، أيضا ، وزن الفعل ، إن لم يكن أوله زيادة كزيادة الفعل ،

__________________

(١) اسم لأنثى المعز.

١٧٨

كخضيضم ودحيرج في : خضمّ ودحرج ، وأما إن كان أوله زيادة كزيادته فإن التصغير لا يزيله كما تقول في تصغير أحمد ونرجس ويشكر وتغلب : أحيمد ، ونريجس ويشيكر وتغليب ، لأنه على وزن مضارع فيعل ، نحو : بيطر يبيطر.

وأما ان عرض الوزن في المصغر ولم يكن في المكبر ، كما تقول في تضارب علما : تضيرب ، وفي تحلئ (١) : تحيلئ ، فبعضهم لا يعتبره لعروضه. والأكثرون يعتبرونه ، لأن التصغير وضع مستأنف.

قال بعضهم يعتبر الوصف العارض في التصغير لكونه بناء مستأنفا كما اعتدّ بالوصف العارض في نحو مثنى وثلاث لكونه وضعا مستأنفا ، فلا يتصرف : أديّر. تصغير أدور ، للوزن والوصف العارض في التصغير ، والدليل على عروض الوصف في التصغير قولهم : غليمون ، ورجيلون. في جمع مصغر غلام ورجل ، قال ، فكان القياس أن ينصرف العلم في نحو حميزة تصغير حمزة لعروض الوصف المنافي للعلمية ، إلا أنه لما لم يكن ظاهرا في التصغير لم يعتدوا به.

والدليل على خفاء معنى الوصف في المصغر عدم جريه (٢) ، فلا يقال : شخص رجيل.

وفيما قال نظر ، إذ لو لم يكن ظاهرا لم يعتدوا به في أديّر.

والأولى أن يقال : لا تنافي بين الوصف والعلمية كما ذكرنا ، لأن الوصف المعتبر في باب منع الصرف ، هو الذي وضع صحيح التبعية لمما يخصص الذات المبهمة المدلول عليها ، كما ذكرنا قبل ، وذلك لأن الفرعية إنما تتبيّن في مثل هذا الوصف ، وهي المطلوبة في غير المنصرف. وأما التنافي بين الوصف والعلمية ، فقد ذكرنا ما عليه.

وأما الألف والنون فنقول : إن بقي الألف في التصغير كما كان ، فلا يخل التصغير

__________________

(١) التحلىء بكسر التاء ما يتساقط من الجلد إذا حكّ بسكين أو نحوه.

(٢) أي عدم تبعيته لموصوف قبله كغيره من المشتقات.

١٧٩

بهما ، نحو سكيران وعثيمان في سكران وعثمان.

وإن انقلب ياء كما تقول في سلطان علما سليطين فإنه يخل بهما ، ومعرفة ما يقلب ألفه مما لا يقلب ، تتبين في التصريف في باب التصغير. فعلى هذا : التصغير يخل بالعدل عن وزن وبالجمع مطلقا وبالألف والنون وبالوزن من وجه دون وجه ، ولا يخل بالوصف والعلمية ، والتأنيث والتركيب والعجمة.

الإضافة وحرف التعريف

مع ما لا ينصرف

قال ابن الحاجب :

«وجميع الباب باللام والإضافة ينجرّ بالكسرة».

قال الرضى :

أي كان بدونهما ينجرّ بالفتح ، فصار بسببهما ينجرّ بالكسر.

اعلم أن من ذهب في منع غير المنصرف الكسر إلى أنه لأجل تبعية التنوين المحذوف لمنع الصرف ، قال لم يحذف الكسر مع اللام والإضافة ، لأنه لم يحذف التنوين معهما لمنع الصرف حتى يتبعها الكسر بل حذفت لأنها لا تجامعهما ، إذ التنوين دليل تمام الاسم ، وإضافته مشعرة بعدم تمامه فتنافرا ، وأما تنافر اللام والتنوين فقد مرّ في بيان نوني المثنى والمجموع.

ويجوز أن يقال : لما عاقبت اللام والإضافة التنوين صارتا كالعوض منه فكأنه ثابت فلم يحذف الكسر.

ومن لم يقل بتبعية الكسر للتنوين قال : لم يحذف مع اللام والإضافة ، لأنهما من خواص الأسماء فترجح بهما جانب الاسمية فضعف شبه الفعل ، فكأنه ليس فيه علتان من تسع ، فدخله الكسر ، فعلى هذا صار الاسم بهما منصرفا ، وعلى الوجه الأول :

١٨٠