شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة

الحمد لله على واسع فضله ، وسابغ نعمته ، والصلاة والسّلام على خاتم النبيين وصفوة المرسلين ، سيدنا محمد النبيّ الأمين ، وعلى آله وصحابته وآل بيته أجمعين ؛

ورضي الله تعالى عن أسلافنا وجزاهم خيرا ، بما قدموا لنا من ثمار أفكارهم ونتاج عقولهم مما بذلوا فيه غاية جهدهم ، وأقصى طاقتهم حتى وصل إلينا داني القطوف ، شهيّ الثمار ، وحتى تحقق بذلك قول القائل : ما ترك الأول للآخر ، رحمهم الله تعالى. وأجزل لهم المثوبة ؛

وبعد ،

فإن المكتبة العربية تزخر بكنوز ثمينة من هذا التراث الفكري ، العربي والإسلامي ، في مختلف العلوم ، وعلى تعاقب العصور ؛

وقد هيأ الله تعالى لكثير من هذا التراث أن يرى النور ، فينتفع به الباحثون والدارسون ، وطلاب المعرفة ، بفضل ما بذله ويبذله الباحثون وما تقوم به الهيئات العلمية «الرسمية وغير الرسمية» ، من نشر لهذه الكنوز ، وتجليتها للناس وإبرازها في صورة مشرقة ، تجمع إلى التحقيق العلمي الدقيق ، جمال الطبع وحسن الإخراج ؛

وفي مكتبة النحو ، من هذا التراث ، كتاب جليل القدر عظيم الفائدة يعرف

٥

قيمته كل مشتغل بهذا العلم ، بما اشتمل عليه من تحقيق لمسائله واستيعاب لأهم قواعده ، حتى أصبح في مقدمة المراجع لهذا العلم ؛

وهو كتاب : «شرح الرضي على كافية ابن الحاجب» ، الذي تجلّى فيه جهد اثنين من أبرز العلماء وأشهرهم ، عاشا معا في القرن السابع الهجري وسبق أحدهما الآخر بما يقل عن نصف قرن من الزمان ؛

أما أحدهما ، وهو أسبقهما ، فهو الإمام العالم الحجة : أبو عمر : عثمان بن عمر الكردي المعروف بابن الحاجب ، المتوفي سنة ٦٤٦ ه‍ ، وهو من أصل كردي ، نشأ بمصر لأن أباه كان حاجبا لأحد أمرائها فاشتهر بابن الحاجب ،

وقد نبغ في كثير من العلوم العربية والإسلامية ومنها علم النحو ؛ فألف فيه رسالة موجزة ، اشتهرت باسم «الكافية» ، وهي على اختصارها وشدة وجارتها ، جمعت أهمّ مسائل النحو ، وحوت جلّ مقاصده ، وقد تسابق العلماء من بعد ابن الحاجب ، إلى شرح هذه الرسالة وتوضيح مجملها ومن شروحها شرح لمؤلفها نفسه ، وقد نقل عنه كثير ممن ألفوا في النحو بعد ذلك.

وأما ثانيهما فهو العلامة المحقق : «رضىّ الدين : محمد بن الحسن الأستراباذي المتوفى سنة ٦٨٨ ه‍ ، وهو من «استراباذ» إحدى قرى «طبرستان» ؛

وقد عاش حياته بين العراق والمدينة المنورة ، وقد علم برسالة ابن الحاجب هذه وشرح مؤلفها لها ، فبادر هو إلى شرحها في هذا الكتاب الذي نتحدث عنه ؛

«كما أن لابن الحاجب رسالة صغيرة ثانية في الصرف ، اسمها «الشافية» شرحها الرضى كذلك شرحا وافيا ، وهي كذلك تعتبر من أهم مراجع علم الصرف وهي مطبوعة طبعا حديثا في مصر» ؛

وجاء في مقدمة الرضى لشرحه على الكافية أنه فعل ذلك استجابة لرغبة من أحد الذين قرأوا عليه هذه الرسالة ، ويقول انه أراد أن يعلّق عليها ما يشبه الشرح ، ثم اقتضى الحال بعد الشروع أن يتجاوز الأصول إلى الفروع ؛

٦

والحق أن كتابه هذا جاء مرجعا علميا جليل القدر عظيم الفائدة في هذا العلم ، وعلى كثرة ما كتبه العلماء على رسالة الكافية من شروح وتعليقات ، قد نقل كثيرون ممن جاءوا بعد الرضى عن شرحه هذا وأخذوا منه.

وامتاز الرضى في شرحه هذا باستقلال الرأي وحرية الفكر ، فلم يتحيّز ولم يتعصب لمذهب معيّن لأحد ممن سبقوه ، وعلى ميله الغالب إلى مذهب البصريين ، وتمجيده لامام النحو «سيبويه» وتقديره لكتابه ؛ يختار كثيرا ، بعض آراء الكوفيين ويدافع عنها ، بل ان ذلك ظهر في كثير من تعبيراته ، التي وردت في هذا الشرح ؛ وهو ، إلى ذلك ، قد ينفرد برأي خاص في بعض المسائل ، بعد أن يعرض أقوال السابقين ويفندها ، وقد يرجح بعضها ويدافع عنه دفاعا قويا.

وقد حفل شرحه هذا بشواهد من القرآن ومن الشعر ، وبعض الأحاديث النبوية ، وعبارات مما تضمنه كتاب نهج البلاغة المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم وجهه ؛

فأما الشعر فقد جاء فيه ما يقرب من ألف شاهد ، وقد تكفل بشرحها شرحا علميا وأدبيا وتاريخيا : العلامة عبد القادر البغدادي من علماء القرن الحادي عشر الهجري في كتاب ، هو جدير ، حقا بما سماه به صاحبه : «خزانة الأدب ، ولبّ لباب لسان العرب» ؛ وكثير من الأدباء وعلماء اللغة يرجعون إليه في معظم ما يكتبون ؛

وأما شواهده القرآنية ، فمّما لا شك فيه أن كتاب الله تعالى هو قمة الاستشهاد على علوم اللغة العربية ؛

وأما حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فقد ثار خلاف بين السابقين من علماء النحو في صحة الاستشهاد به ، وتحرّج كثير منهم من ذلك وخلت كتب كثيرة من ذكر الأحاديث النبوية ، وهو خلاف طويل لا يتسع المجال هنا لعرضه ، وقد لخص ذلك : البغدادي في مقدمة خزانة الأدب ، ولكنهم انتهوا أخيرا إلى صحة الاستشهاد بالحديث وبدأت مؤلفاتهم تمتلئ به ، فسلك الرضى مسلكهم في ذلك.

٧

ثم ، جاء في هذا الشرح استشهاد ببعض عبارات منسوبة للإمام علي بن أبي طالب ، كما تقدم ؛ ولا ريب في أن كلام علي رضي الله عنه في مقدمة ما يستشهد به ، ولكن الذي منع غير الرضى من الاستشهاد بكلامه رضي الله عنه ، هو ما دار حول كتاب «نهج البلاغة» من تشكيك في صحة نسبته إليه ، وأنه من كلام الشريف الرضى ، أو أخيه الشريف المرتضى ، وان كان بعض الباحثين يرجح نسبته إلى علي رضي الله عنه ويدافع عن ذلك ، ويردّ ما قيل من شبه في نسبته إليه ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال ؛

تشيّع الرضى

وقد عزا بعض الباحثين السبب في استشهاد الرضى بكلام الإمام علي وإطرائه لبلاغته رضي الله عنه ، إلى أن الرضى رحمه الله إمّا أن يكون شيعيا ، وإما أن يكون من سلالة الإمام علي ؛

وقد تبينت من تأملي في هذا الكتاب ما يرجح «أنه شيعي» فقد حرص في تمثيله لبعض القواعد أن يبرز هذا الاعتقاد عنده ، حيث مثل لتقدّم المفعول على الفاعل عند قيام القرينة بقوله : (١) «استخلف المرتضى المصطفى صلّى الله عليه وسلّم» ، كما مثل في باب المركبات بقوله : «كما تقول : «الحسين رضي الله عنه ثالث الاثني عشر» ، وهذه عبارات ناطقة بالتشيّع.

تقدير العلماء لهذا الشرح

وقد علّق الشريف الجرجاني من علماء القرن التاسع الهجري على هذا الكتاب وناقش مؤلفه في بعض المسائل ، وصحح بعض عباراته وأشار إلى ما يوجد بين

__________________

(١) ص ١٩١ من هذا الجزء.

٨

نسخه المخطوطة ، المتعددة ، من خلاف في العبارة ، وقد أشار إلى ذلك في اجازة منحها لمن قرأ عليه هذا الشرح كما أشار إلى قيمة هذا الكتاب ، وإلى ما بذله من جهد في تصحيح نسخه المختلفة ، وذلك حيث يقول :

«وإن شرح الكافية ، للعالم الكامل ، نجم الأئمة ، وفاضل الأمة ، محمد ابن الحسن الرضى الاستراباذي ، كتاب جليل الخطر ، محمود الأثر ، يحتوي من أصول هذا الفن على أمهاتها ... وجاء كتابه هذا كعقد نظم فيه جواهر الحكم بزواهر الكلم ... الخ ما قال» ، ثم يشير إلى اختلاف النسخ التي اطلع عليها لهذا الكتاب فيقول :

«لكن وقع فيه تغييرات ، وشيء من المحو والإثبات ، وبدّل بذلك نسخه تبديلا بحيث لا تجد إلى سيرتها الأولى سبيلا ،»

وبعد أن أشار إلى ما بذله من جهد في تصحيحه يقول :

«فتصحّح إلا ما ندر ، أو طغى به القلم ، أو زاغ البصر» ؛

وقد نقل البغدادي في مقدمة خزانة الأدب جزءا من هذه الاجازة ؛ كذلك يقول البغدادي عن هذا الشرح وهو يتحدث عنه وعن مؤلفه : إن كتب النحو بعده صارت كالشريعة المنسوخة ؛ ولا يتحدث عن الرضى إلا بقوله : الشارح المحقق ؛

هذه كلمة موجزة عن الرضى ، وعن كتابه «شرح الكافية» الذي ظل مخطوطا إلى أواخر القرن الهجري الماضي ، حيث ظهرت المطابع في كثير من البلاد ، فظهرت أول طبعة منه في تركيا سنة ١٢٧٥ ه‍ وجاء في ختام هذه الطبعة أنها قد روجعت على آخر نسخة قوبلت على نسخة المؤلف ، وطبعت على هوامشه تعليقات الشريف الجرجاني التي سبقت الاشارة إليها ، وهي كثيرة في بعض الصفحات حتى لقد طبع ما لم تكفه الهوامش في قصاصات صغيرة ، ألصقت بين الصفحات ؛ كما خلت صفحات كثيرة من هذه التعليقات أو اشتملت على القليل منها ، وأغلب هذه التعليقات يشير إلى اختلاف النسخ ، وبعضها يتضمن

٩

مناقشة للرضى ، أو توضيحا لبعض عباراته ، ومنها ما يتضمن استطرادا أو استشهادا أو تفسيرا لبعض الشواهد أو العبارات.

ولقد كانت حالة الطباعة في هذا الوقت سببا في وقوع كثير من الأخطاء كما جاءت هذه الطبعة متزاحمة الكلمات والسطور بحيث امتلأت جميع الصفحات بالكلمات لا يفصل بينها فاصل يحدد مواقع الجمل ، وبداية الكلام ونهايته ، وليس في صفحات الكتاب كلها عنوان لبحث ، وغير ذلك من الظواهر التي جعلت الصورة الأخيرة لهذه الطبعة ، لا تعين القارئ على إدامة النظر في الكتاب وإمكان الانتفاع بما فيه.

وتقع هذه الطبعة في جزأين كبيرين ، مجموع صفحاتهما سبعمائة صفحة ، وهي مطبوعة في مطبعة «محمد لبيب» بالأستانة سنة ١٢٧٥ ه‍ كما تقدم وفي عهد السلطان عبد المجيد ؛

ثم ظهرت بعدها طبعتان في شكل واحد وحجم واحد وينقص عدد السطور من صفحاتهما عن الطبعة السابقة فوصلت بذلك صفحات كل منهما إلى ما يزيد عن خمسين وثمانمائة صفحة ،

واحدى الطبعتين طبعت في مطبعة «الحاج محرم أفندي البستوي» سنة ١٣٠٥ ه‍ وطبعت الثانية بمطبعة شركة الصحافة العثمانية سنة ١٣١٠ ه‍ ، وكلتاهما في عهد السلطان عبد الحميد ،

وكل ما ظهر من فرق بين هاتين الطبعتين ، والطبعة الأولى إنما هو زيادة عدد الصفحات فيهما عن سابقتهما بسبب اختلاف حجم الورق ؛

فالأخطاء هي الأخطاء ، وازدحام الصفحات بالكلمات والسطور ، والتعليقات المطبوعة على الهوامش والقصاصات الملصقة بين الصفحات لاستيعاب هذه التعليقات وعدم العناوين ، وغير ذلك ؛ كل هذا لم يختلف في قليل ولا كثير في هاتين الطبعتين عنه في الطبعة الأولى ،

١٠

ومع كل هذه العيوب في هذه الطبعات الثلاث ، كان وجودها يسدّ فراغا في مراجع هذا الفن على الرغم مما يلقاه الناظر فيها من صعوبات ، ولكن هذه الطبعات لا يكاد يوجد منها شيء إلا أن يكون في مكتبة خاصة لبعض العلماء ، أو دار من دور الكتب التي يؤمها الباحثون ، وذلك يبرز ، إلى حد بعيد ، مدى الحاجة إلى تيسير وجود هذا الكتاب النافع بإعادة طبعه في صورة جديدة ، يستفاد فيها بما وصلت إليه الطباعة في هذا العصر من التقدم والإزدهار ؛

أما إخراج الكتاب إخراجا علميا محققا يجمع شتات نسخه المخطوطة المتعددة ويحقق ما امتلأ به من نصوص منقولة عن السابقين من العلماء والتي أكثر منها الرضى معزوّة إلى أصحابها ، فذلك أمل نرجو أن يتحقق على يد من يوفقه الله إليه ، ويكون قادرا على النهوض به ،

الى أن يتحقق هذا الرجاء ، إن شاء الله تعالى ، وجدت أنه من الميسور أن يعاد طبع هذا الكتاب في صورة جديدة تعين على الانتفاع به بتلافي ما أشرت إليه من عيوب في الطبعات السابقة ؛

فقد استخرت الله تعالى ونظرت في هذا الكتاب طويلا ، حتى استوعبت كثيرا منه ، وتعرّفت ما في طبعاته السابقة من أخطاء يمكن تداركها ، وتبينت طريقة الرضى في عرضه لمسائل هذا العلم وأسلوبه في نقد ما يعرض له من آراء العلماء ، كما تبينت ما في بعض عباراته من الغموض الذي يحتاج إلى التوضيح والتفسير ، فهو عند ما يقصد المبالغة في الشرح والتوضيح ، يسرف في التكرار وفرض الأمثله ، ويستطرد إلى ما ليس من موضوع البحث ، وحين يعود إلى ما كان فيه يكون قد طال الفصل وكثر الاستطراد ؛

وقد كان من الأخطاء التي وقعت في تلك الطبعات أن انتقلت جمل وسطور من مكانها ولم ينبه عليها أحد ، وبعد طول النظر وتفهم المقصود منها أمكن ، بفضل الله ، وضع كل شيء في مكانه فاستقام المعنى ، أو كاد ؛

١١

ثم بدأت في نسخ الكتاب ، متخذا أساس ذلك : النسخة التي طبعت سنة ١٢٧٥ ه

وفي خلال ذلك أصلحت كل ما بدا واضحا من أخطاء الطبع ، وشرحت بعض المفردات اللغوية ، ووضحت المقصود من بعض عبارات الرضى ،

ثم أبرزت بحوثه وموضوعاته بعناوين ، كما بينت بدء كلام كل من ابن الحاجب والرضى ، ولم يكن من ذلك شيء فيما طبع من هذا الشرح ،

وأشرت ، في إيجاز إلى ما يتصل بما فيه من الشواهد ، وحددت مواضع الآيات القرآنية التي وردت فيه ؛

وترجمت بكلمات قصيرة لأعلام النحاة واللغويين والقراء الذين ذكرهم الرضى ، وقد أكثر من ذكر النحاة الذين نقل عنهم بأسمائهم فكاد يستوعب كلّ من سبقوا عهده من أئمة النحو وعلمائه ، حتى لقد نقل عن بعض معاصريه كابن مالك ، وصاحب المغنى «منصور بن فلاح اليمني» والأندلسي (١) ،

وخلصت من ذلك كله ، إلى أن الكتاب سيتم طبعه ، إن شاء الله ، في أربعة أجزاء كبار ؛

وهذا هو الجزء الأول منها ، أرجو أن يتحقق به بعض النفع ، إلى أن يتهيأ له من يوفقه الله لإخراجه وتحقيقه ، كما أشرت ؛

ولعلي بذلك أكون قد أسهمت في إحياء بعض ما خلّفه أسلافنا رحمهم الله ، من تراث فكري نافع ، على قدر ما اتسع له جهدي وتناولته قدرتي ، وحسبي ممن يطلع على هذا العمل فيرضى عنه : دعوة صالحة ، وممّن يرى فيه شيئا من القصور

__________________

(١) أنظر مواضع ذكرهم من فهرس الأعلام.

١٢

أو التقصير أن يلتمس العذر ويدعو بالمغفرة ، فإن العصمة لله وحده ، وفوق كل ذي علم عليم ؛

* * *

وقد ألحقت بكل جزء ما يتصل به من فهرس الموضوعات التي احتواها.

وأما بقية الفهارس فإنها ستلحق بالجزء الأخير من الكتاب ، إن شاء الله تعالى.

* * *

والله ، سبحانه ، المعين على إتمامه ، وهو الموفق إلى كل خير ، والهادي إليه ، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ؛

الدكتور يوسف حسن عمر

ربيع الأول ١٣٩٣ ه

مايو ١٩٧٣ م

١٣
١٤

شكر وتقدير

يرجع الفضل في إخراج هذا الكتاب على هذه الصورة إلى فضيلة الأخ الشيخ ابرهيم رفيدة عميد كلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية بالبيضاء.

فما إن علم فضيلته بالجهد الذي بذلته في هذا الكتاب واطلع عليه حتى بادر بإبلاغ المسئولين في الجامعة الليبية شارحا لهم القيمة العلمية لهذا الكتاب والثمرة المرجوّة من إعادة طبعه فتقرر طبعه على نفقة الجامعة الليبية ؛ أداء لواجبها العلمي وسيرا على السّنن الحميد الذي تسير عليه ، من إبراز كل ما هو نافع ومفيد من التراث العربي والإسلامي ، وتمشيا مع هذه النهضة العلمية المباركة التي ازدهرت في عهد ثورة ليبيا العظيمة ؛

فشكر الله للجميع ، وجزاهم خيرا بما يسّروا من النفع بهذا الكتاب ، ووفقنا جميعا إلى خدمة لغتنا وديننا ،

وهدانا سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الدكتور يوسف حسن عمر

١٥
١٦

مقدّمة الرّضى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جلّت آلاؤه عن أن تحاط بعدّ ، وتعالت كبرياؤه عن أن تشتمل بحدّ ، تاهت في موامى معرفته سابلة الأفهام ، وغرقت في بحار عزته سابحة الأوهام ؛ كل ما يخطر ببال ذوي الأفكار فبمعزل عن حقيقة ملكوته ، وجميع ما تعقد عليه ضمائر أولي الأبصار فعلى خلاف ما ذاته المقدسة عليه من نعوت جبروته ؛

وصلواته على خاتم أنبيائه ، ومبلّغ أنبائه ، محمد بن عبد الله المبشّر به قبل ميلاده ، وعلى السادة الأطهار من عترته وأولاده ؛

وبعد فقد طلب إليّ بعض من أعتنى بصلاح حاله ، وأسعفه بما تسعه قدرتي من مقترحات آماله ، تعليق ما يجري مجرى الشرح على مقدمة ابن الحاجب عند قراءتها عليّ ،

فانتدبت له (١) مع عوز ما يحتاج إليه الغائص في هذا اللجّ ، والسالك لمثل هذا الفجّ ، من الفطنة الوقادة ، والبصيرة النفادة ، بذلا لمسئوله ، وتحقيقا لمأموله ؛

ثم اقتضى الحال بعد الشروع ، التجاوز عن (٢) الأصول إلى الفروع ؛

__________________

(١) فانتدبت له : أي أجبته إلى طلبه. يقال ندبه إلى كذا فانتدب له ، أي دعاه وطلب منه فانتدب أي فأجاب.

(٢) التجاوز عن الأصول أي الانتقال منها إلى الفروع. وكان يمكن أن يقول : تجاوز الأصول إلى الفروع. لأنه متعد بنفسه ، وكأنه ضمنه معنى الانتقال أو التباعد. فعداه بعن.

١٧

فإن جاء مرضيا ، فببركات الجناب المقدّس الغرويّ (١) ، صلوات الله على مشرّفه ، لاتفاقه فيه (٢) ، وإلا فمن قصور مؤلفه فيما ينتحيه ؛

والله تعالى المؤمّل لإرشاد السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ؛

__________________

(١) الغرويّ المنسوب إلى الغريّ ، والغريّ معناه الحسن الجميل من كل شيء أو من الأبنية والأمكنة. وقد سميت بعض المواضع والأبنية باسم الغريّ. أشهرها الغريّان اللذان بناهما جذيمة الأبرش لنديميه مالك وعقيل بعد أن ماتا.

ويريد الرضىّ بالجناب المقدّس الغرويّ. المكان القريب من قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. أو من قبر الإمام علي بن أبي طالب بالنجف ، كما ذكر الأستاذ عبد السّلام هارون في تعليقه على مقدمة خزانة الأدب في الطبعة التي أخرجها ، ولعل اعتماده في ذلك على أن بعض الشيعة كانوا يطلقون كلمة «الغري» على قبر علي رضي الله عنه ، وأن الرضى كان شيعيا ، ويترجح عندي أن المراد بالغريّ : القبر النبوي الشريف ، لأن الرضى كان من الذين تركوا العراق بعد الغزو التتاري واستقر به المقام في المدينة وألف فيها كتابيه العظيمين ، شرح الكافية وشرح الشافية. وقوله في هذه المقدمة : صلوات الله على مشرفه ، ومثله في ختام الكتاب. وكذلك في شرحه على الشافية حيث يقول : «وعلى الله المعول في أن يوفقني لإتمامه ، بمنه وكرمه ، وبالتوسل بمن أنا في مقدّس حرمه عليه من الله أزكى السّلام وعلى أولاده الغر الكرام» ، كل ذلك يرجح أن مراده بالجناب المقدس الغرويّ : القبر النبوي الشريف ، ثم إن الرضى مع كونه شيعيا لم يتحدث عن الإمام علي في كتابه هذا بمثل هذا الأسلوب ولم يعقب بعد ذكره بمثل هذا الدعاء بل يكتفي بقوله رضي الله عنه. وكرم الله وجهه ، مع أنه قد استشهد بكلامه كثيرا. والله أعلم بحقيقة الحال.

(٢) لاتفاقه فيه يدل على أنه ألفه في هذا المكان أو أنه بدأ ذلك فيه.

١٨

الكلمة (١)

معناها. صلتها بالكلم ، اشتقاقها

قال ابن الحاجب :

«الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد» ؛

قال الرضى :

اعلم أن الكلم جنس الكلمة ، مثل تمر ، وتمرة ، وليس المجرد من التاء من هذا النوع جمعا لذي التاء ، كما يجيء تحقيقه في باب الجمع ، بل هو جنس حقه أن يقع على القليل والكثير ، كالعسل والماء ، لكن الكلم لم يستعمل (٢) إلا على ما فوق الاثنين ، بخلاف نحو : تمر ، وضرب ؛

وقيل ان اشتقاق الكلمة والكلام من الكلم ، وهو الجرح ؛ لتأثيرهما في النفس ؛

__________________

(١) كان لا بد من وضع هذا العنوان ، وغيره من العناوين الموجودة في هذا الكتاب ، وكذلك الإشارة إلى كلام كل من المصنف : ابن الحاجب ، والشارح : الرضى ، قبل بدء كلام منهما ، وليس شيء من ذلك كله موجودا في النسخ المطبوعة.

(٢) لم يستعمل أي لم يطلق ولذلك عداه بعلى.

١٩

وهو اشتقاق بعيد (١).

وقد تطلق الكلمة مجازا على القصيدة ، والجمل ، يقال : كلمة شاعر ، قال الله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى)(٢) ؛

واللفظ في الأصل مصدر ، ثم استعمل بمعنى الملفوظ به ، وهو المراد به هنا ، كما استعمل القول بمعنى المقول ، وهذا كما يقال : الدينار ضرب الأمير ، أي مضروبه ،

والكلام بمعناه (٣) ، لكنه لم يوضع في الأصل مصدرا على الصحيح ، إذ ليس على صيغة مصادر الأفعال التي تنصبها على المصدر نحو : كلمته كلّاما ، وتكلّم تكلّاما (٤) ، بل هو موضوع لجنس ما يتكلّم به ، سواء كان كلمة ، على حرف كواو العطف أو على أكثر ؛ أو كان أكثر من كلمة ، وسواء كان مهملا ، أو ، لا ؛ (٥)

أما اطلاقه على المفردات فكقولك لمن تكلم بكلمة ، كزيد ، أو بكلمات غير مركبة تركيب الإعراب ، كزيد ، عمرو ، بكر : هذا كلام غير مفيد ، وأما اطلاقه على المهمل ، فكقولك : تكلم فلان بكلام لا معنى له ؛

فالقول ، والكلام ، واللفظ ، من حيث أصل اللغة ، بمعنى ؛ يطلق على كل حرف : من حروف المعجم كان ، أو من حروف المعاني ، وعلى أكثر منه ، مفيدا كان ، أو ، لا.

__________________

(١) يرى بعض أئمة اللغة أن كل الكلمات التي تتفق في الحروف الأصلية ترجع كلها إلى معنى واحد يجمع بينها ، ومن هؤلاء : الإمام أبو الفتح بن جني في كتابه الخصائص. ج ١ ص ١٣. وقد يخفى المعنى المشترك الذي يجمع بينها.

(٢) الآية ١٣٧ من سورة الأعراف.

(٣) بمعناه أي بمعنى اللفظ بالتفسير الذي ذكره ، أي أنه يطلق على ما يتكلم به.

(٤) جاءت الكلمتان كلّاما وكلّاما ، هكذا في النسخة المطبوعة ، بتشديد اللام. وقد أصلحت الثانية بزيادة تاء في أولها ليتفق التمثيل مع الضابط الذي اختاره الرضى لمصادر الفعل المزيد في باب المصدر من هذا الشرح. وقد كان أسهل ـ لو لا ذلك ـ أن يقول : تكليما في الأول وتكلّما في الثاني.

(٥) المعطوف المعادل لما بعد سواء لا تلزم معه «أم» إلا إذا صرح بالهمزة مع الأول. وتحقيق ذلك في باب العطف وباب حروف العطف من هذا الشرح.

٢٠