شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية - ج ١

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٤

المعرفة

وشرط منعها من الصرف

قال ابن الحاجب :

«المعرفة شرطها أن تكون علميّة».

قال الرضى :

وذلك لأن المعارف خمس : المضمرات ، والمبهمات ، وهما مبنيان فلا مدخل لهما في غير المنصرف ، اذ هو معرب.

وأما ذو اللام والمضاف فلا يمكن فيهما منع الصرف عند من قال : غير المنصرف : ما حذف منه التنوين والكسر تبعا للتنوين وإذا لم يدخلهما التنوين ليحذف فكيف يتبعه الكسر؟ وكذا عند من قال : هو ما حذف منه الكسر والتنوين معا ؛ وأما عند المصنف ، فيمكن منع صرفهما لأنه قال : هو ما فيه علتان أو واحدة قائمة مقامهما ، لكنه لا يظهر فيهما عنده حكم منع الصرف ، وهو أن لا كسر ولا تنوين ؛ لمشابهتهما الفعل ، فلم يبق من جملة المعارف ، إلا العلم.

وانما اعتبر الخليل في «أجمع» وأخواته تعريف الإضافة لسقوط المضاف إليه منها ، وتعرض المضاف لدخول التنوين ، فيظهر أثر منع الصرف.

العجمة

الصور الممنوعة من الصرف

قال ابن الحاجب :

«العجمة شرطها علمية في العجمية ، وتحرك الأوسط أو زيادة»

١٤١

«على الثلاثة ، فنوح منصرف ، وشتر وابراهيم ممتنع».

قال الرضى :

قوله : «علمية في العجمية» أي كون الاسم علما في اللغة العجمية ، أي يكون قبل استعمال العرب له علما ، وليس هذا الشرط بلازم ، بل الواجب ألّا يستعمل في كلام العرب أوّلا إلا مع العلمية سواء كان قبل استعماله فيه ، أيضا علما ، كابراهيم واسماعيل ، أو ، لا ، كقالون (١) ، فانه الجيد بلسان الروم سمّى به نافع (٢) راويه عيسى ، لجودة قراءته.

وانما اشترط استعمال العرب له أولا مع العلمية ، لأن العجمة في الأعجمي تقتضي ألّا يتصرّف فيه تصرّف كلام العرب ، ووقوعه في كلامهم يقتضي أن يتصرّف فيه تصرّف كلامهم ، فإذا وقع أولا فيه مع العلمية ، وهي منافية للّام والإضافة فامتنعا معها ، جاز أن يمتنع ما يعاقبهما أيضا ، أعني التنوين رعاية لحق العجمة حين أمكنت ، فيتبع الكسر التنوين على ما هو عادته ، وبقي الاسم بعد ذلك قابلا لسائر تصرفات كلامهم على ما يقتضيه وقوعه فيه ، لما تقرر أن الطارئ يزيل حكم المطروء عليه ، فيقبل الاعراب وياء النسبة وياء التصغير ، ويخفف ما يستثقل فيه بحذف بعض الحروف وقلب بعضها نحو : جرجان ، وآذربيجان ، في كركان ، وآذربايكان ، ونحو ذلك.

وإذا لم يقع الأعجميّ في كلام العرب أولا مع العلمية ، قبل اللام والإضافة إذ لا مانع ، فيقبل التنوين أيضا مع الجر مع سائر التصرفات ، كاللجام والفرند والبرق والبذح (٣) ، فيصير كالكلمة العربية ، فان جعل بعد ذلك علما ، كان كأنه جعلت الكلمة العربية علما ،

__________________

(١) قالون : لقب عيسى بن مينا وكنيته أبو موسى. وكما قال الشارح لقبه شيخه نافع بهذا اللقب لجودة قراءته ، وهو أحد راويي نافع والراوي الثاني ورش ، وسيأتي ذكره. توفي قالون سنة ٢٢٠ ه‍.

(٢) نافع بن عبد الرحمن وكنيته أبو رويم اصفهاني الأصل أحد القراء السبعة توفي بالمدينة المنورة سنة ١٦٩ ه‍.

(٣) اللجام قيل انه معرب لغام بالغين ، وقيل انه عربيّ ، والفرند معرب. وهو بمعنى جوهر السيف ، وأما البرق فهو بفتح الباء والراء ، معرب بره بمعنى الصغير من الضأن. والبذح : هكذا جاءت في النسخة المطبوعة التي نقلنا عنها. والموجود في المعاجم أن البرخ بالراء الساكنة والخاء المعجمة : كلمة عبرانية وقيل سريانية ومعناها : الرخيص : وفي اللسان : البرخ بالضبط السابق : الكبير الرّخص : وكثير مما قيل انه أعجمي يرى بعض أئمة اللغة أنه عربي. والله أعلم.

١٤٢

فينظر ، ان كان فيه مع العلمية سبب آخر غير العجمة منع الصرف ، كنرجس ، ويقّم ، ففيهما الوزن ، وكذا : آجر مخففا ، وان لم يكن : صرف كلجام علما.

ففي العجمة على ما قال المصنف : مجموع الشرطين واجب ، العلمية في العجمية مع أحد الشرطين الباقيين وهو إما الزيادة أو تحرك الأوسط.

وعند سيبويه ، وأكثر النحاة : تحرك الأوسط لا تأثير له في العجمة ، فنحو لمك ، عندهم منصرف متحتما كنوح ولوط ، فهم يعتبرون الشرطين المعيّنين : كون الأعجمي علما في أول استعمال العرب له والزيادة على الثلاثة.

وهو أولى ، وذلك أن تحرك الأوسط في المؤنث نحو سقر ، انما اثّر ، لقيامه مقام السادّ مسدّ علامة التأنيث ، وأما العجمة فلا علامة لها حتى يسدّ مسدّها شيء ، بل الأعجمي بمجرد كونه ثلاثيا ، سكن وسطه ، أو تحرك يشابه كلام العرب ، ويصير كأنه خارج عن وضع كلام العجم لأن أكثر كلامهم على الطول ، ولا يراعون الأوزان الخفيفة ، بخلاف كلام العرب.

والزمخشري (١) تجاوز عما ذهب إليه المصنف ، بان جعل الأعجمي إذا كان ثلاثيا ساكن الأوسط جائزا صرفه وترك صرفه مع ترجيح الصرف ، فقد جوّز تأثير العجمة مع سكون الوسط أيضا ، فكيف لا تؤثر مع تحركه؟

وليس بشيء (٢) ، لأنه لم يسمع نحو : لوط غير منصرف في شيء من الكلام ، والقياس المذكور أيضا ، يمنعه.

والذي غرّه تحتم منع صرف ماه وجور ، ولو لا العجمة لكان مثل هند ودعد ، يجوز صرفه وترك صرفه ، وذهل عن أن تأثير الشيء على ضربين : إما لكونه شرطا كالزيادة على

__________________

(١) تكرر ذكره ، وأنظر ص ٤٦ من هذا الجزء ، وقوله تجاوز عما ذهب ... معناه زاد على ما قاله المصنف.

(٢) أي ما ذهب إليه الزمخشري.

١٤٣

الثلاثة في التأنيث المعنوي ، وإما لكونه سببا ، كالعدل في : ثلاث ؛ والعجمة في ماه وجور من القسم الأول ، إذ لو كانت سببا في الثلاثي الساكن الأوسط لسمع نحو لوط غير منصرف في كلام فصيح ، أو غير فصيح.

ويتبين بما تقدم علة وجوب صرف نحو لوط ونوح ، وجواز منع نحو هند ، مع أن كل واحد منهما ، ثلاثي ساكن الأوسط ، وذلك أن خفة الأول ألحقته بالعربي ، وأيضا فالتأنيث له معنى ثبوتي في الأصل ، وله علامة مقدرة تظهر في بعض التصرفات وهو التصغير ، بخلاف العجمة ، فانه لا معنى لها ثبوتي ، بل معناها أمر عدميّ ، وهو أن الكلمة ليست من أوضاع العرب ، ولا علامة لها مقدرة ، فالتأنيث أقوى منها.

قوله : «وشتر» وهو حصن بأرّان (١) ، ويجوز أن يقال : ان امتناعه من الصرف لأجل تأويله باليقعة أو القلعة ، الا أن يقول : انه لا يستعمل إلا مذكرا فلا يرجع إليه إلا ضمير المذكر ، لكن ذلك مما لم يثبت فالمثال الصحيح ؛ لمك ، لأنه اسم أبي نوح عليه السّلام

__________________

(١) أرّان : على وزن شدّاد أقليم باذربيجان. وهو أيضا اسم قلعة بقزوين.

١٤٤

الجمع

صيغة منتهى الجموع وما حمل عليها

قال ابن الحاجب :

«الجمع شرطه صيغة منتهى الجموع بغير هاء ، كمساجد»

«ومصابيح ، وأما نحو : فرازنة فمنصرف ، وحضاجر علما»

«للضبع غير منصرف لأنه منقول عن الجمع ، وسراويل إذا لم»

«يصرف ، وهو الأكثر ، فقد قيل : أعجمي حمل على»

«موازنه ، وقيل عربي جمع سروالة تقديرا ، وإذا صرف فلا»

«اشكال ، ونحو : جوار ، رفعا وجرا كقاض».

قال الرضى :

قوله : «صيغة منتهى الجموع «أي وزن غاية جموع التكسير ، لأنه ، يجمع الاسم جمع التكسير جمعا بعد جمع فإذا وصل إلى هذا الوزن امتنع جمعه جمع التكسير كجمع كلب على أكلب ، وجمع أكلب على أكالب ، وكجمع نعم على أنعام وجمع أنعام على أناعيم. وانما قيدنا بغاية جمع التكسير ، لأنه لا يمتنع جمعه جمع السلامة ، وان لم يكن قياسا مطردا ، على ما يجيء في التصريف في باب الجمع ، نحو قوله صلّى الله عليه وسلّم :

١٤٥

«انكن صواحبات يوسف» وقوله :

جذب الصراريين بالكرور (١) ٢١

وقوله :

٣٠ ـ وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم

خضع الرقاب نواكسي الأبصار (٢)

كما ذكره أبو علي في الحجة (٣).

وضابط هذه الصيغة : أن يكون أولها مفتوحا ، وثالثها ألفا وبعدها حرفان ؛ أدغم أحدهما في الآخر ، أو ، لا ، كمساجد ، ودوابّ ، أو ثلاثة ساكنة الوسط ، فلو فات هذه الصيغة لم تؤثر الجمعية ، كما في حمر ، وحسان ، مع أن في كل واحد منهما الجمعية والصفة.

وانما شرط في هذه الصيغة أن تكون بغير هاء احترازا عن نحو : ملائكة لأن التاء تقرّب اللفظ من وزن المفرد ، نحو كراهية وطواعية وعلانية ، فتكسر من قوة جمعيّته ، فلا يقوم مقام السببين ، ولا سيّما على مذهب من قال إن قيامه مقامهما لكونه لا نظير له في الآحاد ، كما ذكرنا قبل ، ولا يلزم منع ثمان ورباع وحزاب ، وان حصلت فيها صيغة منتهى الجموع لأن هذه الصيغة شرط السبب ، والمؤثر هو المشروط مع الشرط.

قوله : «وحضاجر علما للضبع غير منصرف» ، قوله علما حال من الضمير الذي في

__________________

(١) تقدم هذا الشاهد في ص ١١٢ من هذا الجزء.

(٢) هذا البيت للفرزدق من قصيدة في مدح بني المهلب وخص من بينهم يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أحد شجعان العرب وكرمائهم. فيقول الفرزدق في هذا الشعر.

فلأمدحنّ بني المهلب مدحة

غراء ظاهرة على الأشعار

ثم قال

أما يزيد فانه تأبى له

نفس موطنة على المقدار

ورّادة شعب المنية بالقنا

فتدر كل معاند نعار

تدر أي تسيل الدم من كل معاند نعار والمعاند العرق إذا سال فلم يرقأ ، والنعّار الذي يفور منه الدم ، هذا وروى البيت نواكس بدون جمع التصحيح. وتحدث البغدادي في هذا البيت كثيرا.

(٣) الحجة : من مؤلفات أبي علي الفارسي وهو في توجيه القراءات السبع.

١٤٦

«غير منصرف» ، أي لا ينصرف في حال كونه علما للضبع. والضبع لا يطلق الا على الأنثى ، والذكر ضبعان.

وذلك لأنه لا يبقى ، إذن ، فيه معنى الجمع ، إذ يقع على كل واحدة منها ، وهي علم للجنس ، لا لواحدة معينة ، فهي كأسامة للأسد ، على ما يجيء في باب الأعلام ؛ ففيه ، إذن الشرط وحده وهو الصيغة من دون معنى الجمع ، فكان ينبغي أن يكون منصرفا كثمان ورباع.

والجواب عنه عند المصنف أن الجمع الأقصى إذا سمي به لا ينصرف لأن المعتبر ، أن يكون في الأصل كما ذكرنا في الوصف ، فلا يضر زوال الجمع ، بالعلمية لعروض الزوال ، فلا أثر على هذا القول للعلمية في منع مساجد علما ، بل المؤثر : الجمعية الأصلية القائمة مقام سببين.

فان قيل : أليس يين الجمعية والعلمية تضادّ ، كما يذكر المصنف بعد من تضاد الوصف والعلمية (١)؟

فالجواب : ليسا بمتضادتين ، ويصح اعتبار حقيقة الجمعية مع العلمية ، كما يسمّى جماعة معينة من الرجال بكرام ، مثلا ، فيكون معناه : هذه الجماعة المسماة بهذا اللفظ ، فيكون معنى الجمعية باقيا ؛ وهذا كما سمّي بأبانين (٢) جبلان فروعي مع العلمية معنى التثنية ، فهما ، وان جعلا كشيء واحد مسمّى بلفظ المثنى ، لكن يفهم من معنى : أبانين ، معنى التثنية ، إذ معناه هذان الجبلان المعّينان ، فلا تنافي بين العلمية ، والجمعية أو التثنية.

والأولى ، عندي ، ألّا تنافي أيضا بين الوصف والعلمية ، وأما قول المصنف بعد في الشرح : إن العلمية تفيد الخصوص ، والصفة تفيد العموم فتنافتا ، فنقول : الاطلاق لا ينافي الخصوص إلا إذا كان الاطلاق قيدا ، كما يقال : الوصف لا بد فيه ألّا يكون

__________________

(١) يأتي هذا البحث عند الكلام على تنكير نحو أحمر بعد كونه علما.

(٢) أبانين : متالع وأبان جبلان متقابلان لبني فزارة أطلق عليهما معا اسم : أبانان.

١٤٧

لا عاما ولا خاصا بل لا بدّ فيه من الاطلاق ، ولا نسلم أن هذا القيد شرط في الصفة ، لأنك تقول هذا العالم ، وكل عالم ، والأول خاص والثاني عام وكلاهما وصفان (١).

وان أراد المصنف بالاطلاق العموم ، قلنا : لا نسلم أن ماهية الوصف لا بد فيها من معنى العموم ، بل الصفة المرادة في باب منع الصرف أن يكون الاسم وضع دالا على معنى غير الشمول وصاحبه صحيح التبعية لما يخصص ذلك الصاحب ، كما يجيء في باب الوصف (٢) ، فإذا ثبت في اسم أن دلالته على ما ذكرنا ، وصحة تبعيته لذلك المخصص وضعيتان ، فلا يضره في منع الصرف عروض ما يمنع جريه على ذلك المخصص وتبعيته له ،

ألا ترى أن نحو أسود وأرقم عرض فيه ما يمنع الجري وهو الغلبة ، لكن لما كان المعنى الموضوع له الوصف ، وهو العرض وصاحبه باقيا لم يضره ذلك العارض.

على أن لي في اعتبار كون دلالة الاسم على المعنى وصاحبه وضعية في باب منع الصرف ، نظرا ، كما ذكرنا في أربع ، فنقول.

يمكن أن يعتبر في حاتم معنى الحتم ، فيكون دالا على معنى وصاحبه ، لكن عرض له المانع من الجري وهو العلمية ، كما عرض في نحو أسود وأرقم : الغلبة المانعة من الجري ، فالعلمية ههنا كالغلبة هناك ، لا فرق بينهما الا أن الكلمة بالعلمية تصير أخصّ منها بالغلبة وحدها ، لأن العلمية تخصصها بذات واحدة ، والغلبة بنوع واحد ؛ بلى ، الفرق بين العلمية والغلبة مطلقا : ان الغلبة لا تنفكّ عن مراعاة معنى الوصف كما في أسود وأرقم ، والأكثر في العلمية عدم مراعاته ، والدليل على امكان لمح الوصف مع العلمية قولهم : انما سميت هانئا لتهنأ ، وقول حسان :

__________________

(١) وصفان : روعي معنى كلا فأخبر عنهما بالمثنى وهو جائز والمؤلف يستعمل الوجهين.

(٢) هذا الذي ذكره هنا هو تعريف النعت كما يجيء في الكلام على التوابع.

١٤٨

٣١ ـ وشقّ له من اسمه ليجلّه

فذو العرش محمود وهذا محمد (١)

وأيضا ، فنحن نعلم أن اللقب ، كالمظفّر ، وقفة ، من الأعلام ، واللقب هو الذي يعتبر فيه المدح أو الذم ، فيمكن فيه معنى الوصف الأصلي.

ويؤكد هذا قول النحاة : انما تدخل اللام على الأعلام التي أصلها المصادر والصفات ، كالفضل والعباس للمح الوصفية الأصلية ، فلو لم يجتمع الوصف مع العلمية فكيف لمح؟ ، ولو كانت الصفة من حيث هي هي ، تقتضي العموم وتنافي الخصوص لم يجز نحو : هذا العالم فانه خاص بالضرورة مع اعتبار معنى الوصف فيه.

فان قلت : فإذا لم يكن بينهما تناف ، فلم لم يمتنع (٢) : هانئ ، ومحمد ، في المثل والبيت المذكورين ، وكذا كل علم ملموح فيه الوصف الأصلي؟

قلت : كذا كان يجب ، الا أن المقصود الأهمّ الأعمّ في وضع الأعلام لمّا كان تخصيص المسمّى بها ، سواء لمح فيها المعنى الأصلي كما في اللقب ، أو لم يلمح كتسميتهم الأحمر بالأسود وبالعكس ، وكان المعنى الأصلي انما يلمح لمحا خفيا فيها ، ويومأ إليه إيماء مختلسا في بعض الأعلام ؛ لم يعتدّ بذلك الوصف الأصلي لكونه كالمنسوخ مع لمحه ، وكذا نقول في الجمعية في نحو مساجد علما : انما لم تعتبر وان لم تنافها العلمية ، وأمكن لمحها في بعض الأعلام ، لأن المقصود الأهم في وضع العلم غير معنى الجمعية.

فإذا ثبت أن معنى الوصف والجمعية لا يعتبران في الموضع الذي يصح لمحهما فيه ، فكيف بالاعتبار في نحو : مساجد اسم رجل الذي لم يلمح فيه معنى الجمع ، وفي حاتم ، إذا لم يلمح فيه معنى الوصف.

__________________

(١) من أبيات لحسان بن ثابت الأنصاري في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال البغدادي انه أول الأبيات وبعده :

نبيّ أتانا بعد يأس وفترة

من الرسل والأوثان في الأرض تعبد

قال ولذلك فالصواب فيه : شق له من اسمه بدون عطف وان لزم منه أن يكون في البيت الخرم : ثم نقل عن المواهب اللدنية أبياتا أخرى فيها هذا البيت ثالث الأبيات وقبله :

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له ... الخ ثم قال وعلى هذا فرواية البيت بالواو صحيحة.

(٢) أي لم لم يمتنع كل من اللفظين من الصرف للعلمية والوصف.

١٤٩

فالأولى ، إذن ، في منع صرف : مساجد علما : ما قال أبو علي ، وهو أن فيه العلمية وشبه العجمة ، حيث لم يكن له في الآحاد نظير ، كما أن الأعجمي ليس يشبه العربي ، فيزيد عنده في الأسباب شبه العجمة.

وعند الجزولى : فيه سببان تامان ، غير مبني أحدهما على سبب آخر ، كما قال أبو علي إن فيه شبه العجمة ، وذلك أن الجزولي يعد عدم النظير في الآحاد سببا من الأسباب كالعلمية والوصفية وغيرهما ، ولم يعده شرط السبب كما فعل غيره ، وكان سعيد الأخفش (١) يصرف نحو مساجد علما لزوال السبب وهو الجمع ، وهو خلاف المستعمل عندهم.

قوله : «وسراويل» ، الأكثرون على أنه غير منصرف ، قال :

٣٢ ـ أتى دونها ذبّ الرياد كأنه

فتى فارسيّ في سراويل رامح (٢)

واختلف في تعليله ، فعند سيبويه وتبعه أبو علي : أنه اسم أعجمي مفرد ، عرّب كما عرب الآجرّ ، ولكنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا نحو قناديل ، فحمل على ما يناسبه فمنع الصرف ، ولم يمنع الآجر ، مخففا ، لأن جمع ما وازنه ليس ممنوعا من الصرف ، ألا ترى إلى نحو أكلب وأبحر ،

فعلى قوله : ليس فيه من الأسباب شيء ، لأن العجمة شرطها العلمية ، وفيه التأنيث المعنوي ، وشرطه ، أيضا ، العلمية ، وأما الصيغة فليست سببا ، بل هي شرط لسبب الجمعية الا عند الجزولي.

فسيبويه يمنعه الصرف لا لسبب ، بل لموازنة غير المنصرف ، وقال الجزولي : فيه عدم النظير والعجمة الجنسية ، ويجوز له أن يعتبرها في هذا الوزن خاصة لا في غيره ،

__________________

(١) الأخفش المشهور : اسمه سعيد ، كما تقدم وفي النسخة المطبوعة : سعيد بن الأخفش.

(٢) البيت لتميم بن أبيّ بن مقبل في وصف الثور الوحشي فشبه ما على قوائمه من الشعر الغزير بالسراويل. وخص الفتى الفارسي لأن لباس الفرس السراويل. وعنهم أخذت. وروى البغدادي أن أبا هلال العسكري نسب البيت للراعي. قال والصواب ما قدمناه. أي انه لتميم بن أبيّ بن مقبل ... ويختصر اسم هذا الشاعر فيقال تميم بن مقبل.

١٥٠

لاطراد منع صرف جميع ما على هذا الوزن.

وقال المبرد : هو عربي جمع سروالة ، والسروالة قطعة خرقة ، قال :

٣٣ ـ عليه من اللؤم سروالة

فليس يرق لمستعطف (١)

ويشكل عليه : أن اطلاق لفظ الجمع على الواحد ، لم يجئ في الأجناس ، فلا يقال لرجل : رجال ، بلى ، جاء ذلك في الأعلام ، كمدائن في مدينة معينة.

وجوابه : أن الجمع فيه مقدّر لا محقق ، كالعدل في عمر ، وذلك أن لنا قاعدة ممهدة : أنّ ما على هذا الوزن لا ينصرف الا للجمعية ، ولم تتحقق فيه لكونه لآلة مفردة (٢) ، فقدرناها لئلا تنخرم القاعدة ، وأيضا ، إذا اشتمل الشيء على الأقطاع (٣) ، جاز لك أن تطلق اسم تلك الأقطاع على المجتمع منها ، كبرمة أعشار.

وليس للخصم أن يقول : ان مثل هذا مختص بوزن أفعال ، لأنه قد جاء نحو قوله :

٣٤ ـ جاء الشتاء وقميصي أخلاق

شراذم يعجب منه التواق (٤)

وشراذم لفظ جمع بالاتفاق.

وقد نسب إلى سيبويه : أن أفعالا مفرد.

وقال أبو الحسن (٥) : ان من العرب من يصرف سراويل لكونه مفردا.

__________________

(١) وجه الاستشهاد بالبيت على ما ذهب إليه المبرد ظاهر. ولكنهم قالوا ان البيت مصنوع ، أو أنه مجهول القائل. وإذا كان جمع سروالة فكان المعنى عليه قطعة من اللوم. ولا يتفق مع الذم المقصود من البيت.

(٢) أي لأن السراويل موضوع لشيء مفرد وهو اللباس المعيّن.

(٣) أي الأجزاء.

(٤) شراذم أي قطع. والتّواق بالتاء المثناة وآخره قاف. قال البغدادي نقلا عن الفراء وغيره انه اسم ابن الشاعر. ولم يذكر أحد اسم هذا الشاعر أكثر من أنه بعض الاعراب. وروى : النواق بالنون. والنواق : الذي يرود الأمور ويصلح ما فسد منها. فكأنه يريد به الرفّاء.

(٥) يريد به الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة وتقدم ذكره.

١٥١

ونسب بعضهم إلى سيبويه أنه يقول بانصرافه أيضا ، نظرا إلى قوله «عرّب كما عرب الآجر» ، وهو غلط ، لأن تشبيه سيبويه (١) له بالآجر لأجل الثعريب فقط ، لا لكونه منصرفا مثله ، ألا ترى إلى قوله بعد «الا أنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف».

قوله : «وإذا صرف فلا اشكال» لأن السبب أعني الجمعية غير حاصل ، فلا يفيد الشرط وحده.

هذا ، ويمكن تقدير الجمع في سراويل مطلقا ، صرف ، أو لم يصرف ، وذلك لاختصاص هذا الوزن بالجمع ، فمن لم يصرفه فنظرا إلى ذلك المقدر ومن صرفه فلزواله بوقوعه على الواحد ، وكذا يجوز في نحو حمار حزاب ، أن يقدر الجمع ، وذلك لتجويز بعضهم فيه الصرف وتركه ، نحو رأيت حمارا حزابي وحزابيا ، فنقول : هو جمع حزباء أي الأرض الغليظة والجمع الحزابي كالصحارى بالتخفيف.

قوله : «ونحو جوار» أي المنقوص من هذا الجمع ؛ اعلم أن الأكثر على أن «جوار» في اللفظ كقاض رفعا وجرا ، وقد جاء عن بعض العرب في الجر جواري ، قال الفرزدق :

٣٥ ـ فلو كان عبد الله مولى هجوته

ولكنّ عبد الله مولى مواليا (٢)

وقال آخر :

٣٦ ـ له ما رأت عين البصير وفوقه

سماء الإله فوق سبع سمائيا (٣)

__________________

(١) انظر سيبويه ج ٢ ص ١٦.

(٢) هو بيت مفرد قاله الفرزدق يهجو عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي وكان يخطئه في شعره قالوا ولذلك صواب البيت : لو كان لأنه لا شيء قبله يعطف عليه فيكون البيت مخروما.

(٣) سمائي جمع سماء ، فهو منقوص ممنوع من الصرف على وزن منتهى الجموع. فكان القياس سماء وفيه مخالفة أخرى وهي جمع سماء على صيغة منتهى الجموع مع ابقاء الهمزة العارضة وانظر الخزانة والبيت من قصيدة لأمية بن أبي الصلت يقول فيها :

ألا كل شيء هالك غير ربنا

ولله ميراث الذي كان فانيا

قال البغدادي : الضمير في له في بيت الشاهد يرجع إلى الذي كان فانيا في هذا البيت وشرح الأبيات.

١٥٢

وهي قليلة ، واختارها الكسائي ، وأبو زيد ، وعيسى بن عمر ، ولا خلاف في النصب أنه جواري وأنه غير منصرف.

ثم اختلفوا في كون جوار ، رفعا وجرا ، منصرفا أو غير منصرف.

فقال الزجاج (١) : ان تنوينه للصرف ، وذلك أن الإعلال مقدم على منع الصرف لأن الإعلال سبب قويّ ، وهو الاستثقال الظاهر المحسوس في الكلمة ، وأما منع الصرف فسببه ضعيف ، إذ هو مشابهة غير ظاهرة بين الاسم والفعل ، على ما تبيّن قبل ، قالوا (٢) : فسقط الاسم بعد الاعلال عن وزان (٣) أقصى الجموع الذي هو الشرط ، فصار منصرفا.

والاعتراض عليه أن الياء الساقط في حكم الثابت بدليل كسرة الراء في : جاءتني جوار ، وكسر الراء حكم لفظي كالمنع من الصرف ، فاعتبار أحدهما دون الآخر تحكم ، وكل ما حذف لإعلال موجب فهو بمنزلة الباقي ، كعم وشج ، والا كان كالمعدوم ، كيد ودم ، ومن ثمّ صرف جندل ، وذلذل (٤) ، مقصوري جنادل وذلاذل.

وقال المبرد : التنوين عوض من حركة الياء ، ومنع الصرف مقدم على الاعلال ، وأصله : جواري بالتنوين ثم جواري بحذفها ، ثم جواري بحذف الحركة ثم جوار ، بتعويض التنوين من الحركة ، ليخف الثقل بحذف الياء للساكنين.

وقال سيبويه (٥) ، والخليل : ان التنوين عوض من الياء ، ففسّر بعضهم هذا القول بأن منع الصرف مقدم على الاعلال ، فأصله : جواري بالتنوين ، ثم جواري بحذفها ثم جواري بحذف الحركة للاستثقال ثم جوار بحذف الياء ، لاستثقال الياء المكسور ما قبلها في غير المنصرف الثقيل بسبب الفرعية ، وانما أبدل التنوين من الياء ليقطع التنوين الحاصل طمع الياء الساقطة في الرجوع ، إذ يلزم اجتماع الساكنين لو رجعت.

__________________

(١) تقدم ذكره أكثر من مرة انظر ص ٤٧ من هذا الجزء.

(٢) لعله أراد الزجاج ومن وافقه فعبر بقالوا

(٣) أي عن موازنة الجمع الأقصى.

(٤) الذلذل. مختصر من الذلاذل. وهي أسفل القميص مما يلي الأرض.

(٥) كتاب سيبويه ج ٢ ص ٥٧.

١٥٣

والاعتراض عليه وعلى مذهب المبرد : أنه لو كان منع الصرف مقدما على الاعلال ، لوجب الفتح في قولك : مررت بجواري ، كما في اللغة القليلة ، الخبيثة ، وذلك لأن منع الصرف يقتضي شيئين : حذف التنوين وتبعية الكسر له في السقوط وصيرورته فتحا ، وأيضا يلزم أن يقال : جاء الجوار ومررت بالجوار عند سيبويه بحذف الياء ، لأن الكلمة لا تخف بالألف واللام ، وثقل الفرعية باق معهما.

وفسّر السيرافي (١) ، وهو الحق ، قول سيبويه بأن أصله جواري بالتنوين والاعلال مقدم على منع الصرف لما ذكرنا فحذف الياء لالتقاء الساكنين ، ثم وجد بعد الاعلال صيغة الجمع الأقصى حاصلة تقديرا ، لأن المحذوف للاعلال كالثابت ، بخلاف المحذوف نسيا ، كما ذكرنا ، فحذف تنوين الصرف ثم خافوا رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا ، ومعنى بالفرعية ، فعوض التنوين من الياء ، بخلاف نحو : أحوى وأشقى ، فانه قدم الاعلال في مثلهما أيضا ، ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة ، لأن ألف أحوى المنون ثابت تقديرا ، فهو على وزن أفعل ، فحذف تنوين الصرف ، لكن لم يعوض التنوين من الألف المحذوفة ولا من حركة اللام ، كما فعل في جوار ، لأن أحوى ، بالألف أخف منه بالتنوين ، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء ، والخفة اللفظية مقصودة في غير المنصرف بقدر ما يمكن ، تنبيها بذلك على ثقله المعنوي بكونه متصفا بالفرعّيتين ، ألا ترى أنك تقول : خطايا ، وبرايا ، وأداوي بلا تنوين اتفاقا ، لمّا انقلبت الياء ألفا في الجمع الأقصى.

وكل غير منصرف منقوص حكمه حكم جوار فيما ذكرنا ، ويجييء فيه الخلاف المذكور ، نحو قاض اسم امرأة ، وأعيل تصغير أعلى.

وإذا جعل هذا النوع أعني جوار وأعيل علما ، فيونس يجعل حاله مخالفا لحاله في التنكير ، وذلك بأنه يقدم منع الصرف على الاعلال ، فتبقى الياء ساكنة في الرفع ، ومفتوحة في النصب والجر ، نحو جاءتني جواري وقاضي وأعيلي ، بياء ساكنة ، ورأيت جواري

__________________

(١) هذا التفسير مثبت على هامش كتاب سيبويه ج ٢ ص ٥٧ نقلا عن شرح السيرافي.

١٥٤

وقاضي وأعيلي ، ومررت بجواري وقاضي وأعيلي بياء مفتوحة في الحالين.

وانما قدّم منع الصرف لأن العلمية سبب قوي في باب منع الصرف ، حتى منع الكوفيون الصرف لها وحدها في نحو قوله :

فما كان حصن ولا حابس

يفوقان مرداس في مجمع (١) ـ ١٧

كما تقدم.

وأما عند سيبويه والخليل ، فحال نحو جوار وأعيل علما كان أو نكرة سواء.

واعلم أنك إذا صغّرت نحو : أحوى ، قلت : أحيّ بحذف الياء الأخيرة نسيا ، لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة في غير فعل أو جار مجراه ، كأحيّي ، والمحيّي ، وقياس مثلها الحذف نسيا كما يجيء في التصريف ان شاء الله تعالى ، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لأنه بقي في أوله زيادة دالة على وزن الفعل ؛ وعيسى بن عمر ، يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا ، بخلاف نحو جوار ، فان الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا ، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع.

والأولى قول سيبويه ، ألا ترى أنك لا تصرف نحو : يعد ، ويضع ، علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل.

وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا ، بل يعلّه إعلال أعيل ، وذلك لأن في أول الكلمة الزيادة في الفعل وهي الهمزة ، بخلاف عطى تصغير عطاء ، فجعله كالجاري مجرى الفعل ، أعني المحييّ ، في الاعلال ، فأحيّ عنده كأعيل سواء ، في الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا.

وبعضهم يقول : أحيو ، في تصغير أحوى كأسيود في تصغير أسود ، كما يجيء في التصريف ، ويكون في الصرف وتركه كأعيل ، على الخلاف المذكور.

__________________

(١) تقدم هذا الشاهد في صفحة ١٠٧ من هذا الجزء.

١٥٥

التركيب

شرط تأثيره في منع الصرف

قال ابن الحاجب :

«التركيب شرطه العلمية ، وألّا يكون باضافة ولا إسناد».

«مثل بعلبك».

قال الرضى :

إنما كان شرط التركيب العلمية لأن الكلمتين معا تدخلان في وضع العلم ، فيؤمن حذف إحداهما ، إذ العلمية ، كما قلنا ، تؤمن من النقصان ولولاها لكان التركيب عرضة للانفكاك والزوال.

قوله : «وألّا يكون باضافة ولا إسناد» ، لأنه لو كان بأحدهما ، وجب إبقاء الجزأين على حالهما قبل العلمية ، كما يجييء في باب المبنيات.

وكان عليه أن يقول : ولا معربا جزؤه الأخير قبل العلمية ، ليخرج نحو : «ان زيدا» علما ، وكذلك نحو : «ما زيد». ويقول أيضا : وألّا يكون الثاني مما يبنى قبل العلمية ليخرج نحو : سيبويه ، وخمسة عشر علما فان الأفصح ، إذن ، مراعاة البناء الأول ، على ما يجيء في باب المبنيات.

١٥٦

المختوم بالألف والنون

شرطه ، وبيان وجه تأثيرهما في منع الصرف

قال ابن الحاجب :

«ما فيه ألف ونون ، ان كان اسما فشرطه العلمية كعمران»

«أو صفة فانتفاء فعلانة ، وقيل وجود فعلي ، ومن ثمّ»

«اختلف في رحمن ، دون سكران وندمان».

قال الرضى :

اعلم أن الألف والنون إنما تؤثران ، لمشابهتهما ألف التأنيث الممدودة من جهة امتناع دخول تاء التأنيث عليهما معا ، وبفوات هذه الجهة يسقط الألف والنون عن التأثير.

وتشابهها ، أيضا ، بوجوه أخر ، لا يضر فوتها ، نحو تساوي الصدرين وزنا ، فسكر من سكران ، كحمر من حمراء ، وكون الزائدين في نحو سكران مختصين بالمذكر ، كما أن الزائدين في نحو حمراء مختصان بالمؤنث ، وكون المؤنث في نحو سكران صيغة أخرى مخالفة للمذكر ، كما أن المذكر في نحو حمراء كذلك ، وهذه الأوجه الثلاثة موجودة في فعلان فعلى ، غيرها حاصلة في عمران ، وعثمان ، وغطفان ونحوها.

١٥٧

وتشابهها أيضا بوجهين آخرين ، لا يفيدان من دون الامتناع من التاء ، وهما زيادة الألف والنون معا كزيادة زائدي حمراء معا ، وكون الزائد الأول في الموضعين ألفا ، فانه اجتمع الوجهان في ندمان وعريان مع انصرافهما ، فالأصل ، على هذا ، هو الامتناع من تاء التأنيث.

وقال المبرد : جهة الشبه أن النون في الأصل كانت همزة بدليل قلبها إليها في صنعانيّ وبهرانيّ ، في النسب إلى صنعاء وبهراء.

وليس بوجه ، اذ لا مناسبة بين الهمزة والنون حتى يقال : ان النون أبدل منها ، وأما صنعاني وبهراني فالقياس صنعاوي وبهراوي ، كحمراوي ، فأبدلوا النون من الواو شاذا وذلك للمناسبة التي بينهما ، ألا تري إلى ادغام النون في الواو ، وجرّ أهم على هذا الابدال قولهم في النسب إلى اللحية والرقبة : لحياني ، ورقباني ، بزيادة النون من غير أن تبدل من حرف ، فزيادتها مع كونها مبدلة من حرف يناسبها ، أولى.

ثم إنهم بعد اتفاقهم على أن تأثير الألف والنون لأجل مشابهة ألف التأنيث ، اختلفوا ، وقال الأكثرون : تحتاج إلى سبب آخر ، ولا تقوم بنفسها مقام سببين كالألف لنقصان المشبّه عن المشبّه به ، وذلك الآخر إما العلمية كعمران ، وإما الصفة كما في سكران.

وذهب بعضهم إلى أنها كالألف غير محتاجة إلى سبب آخر ، فالعلمية عندهم ، في نحو عمران ليست سببا ، بل شرط الألف والنون ، إذ بها يمتنع عن زيادة التاء ، وهذا الانتفاء هو شرطها ، سواء كانت مع العلمية أو الوصف ، والوصف عندهم في نحو سكران لا سبب ولا شرط.

والأول أولى ، لضعفها فلا تقوم مقام علتين.

قوله : «ان كان اسما» أي غير صفة ، وانما شرط فيه العلمية ليؤمن بها من دخول التاء كما ذكرنا في التأنيث بالتاء.

قوله : «أو صفة فانتفاء فعلانة» ، عطف بأو ، على عاملين مختلفين ، عطف صفة ، على كان ، وقوله : فانتفاء على «إن» ، لأن التقدير : أو إن كان صفة فشرطه انتفاء فعلانة ،

١٥٨

وليس هذا مما جوّز المصنف مثله كما يجيء في باب العطف.

وقوله : «وقيل وجود فعلي» ، والأول أولى لأن وجود «فعلي» ليس مقصودا لذاته ، بل المطلوب منه انتفاء التاء ، لأن كل ما يجيء منه «فعلى» لا يجيء منه «فعلانة» في لغتهم ، الا عند بعض بني أسد ، فانهم يقولون في كل فعلان جاء منه فعلى : فعلانة أيضا ، نحو غضبانة وسكرانة فيصرفون ، اذن ، فعلان فعلى ، وهذا دليل قوي على أن المعتبر في تأثير الألف والنون انتفاء التاء ، لا وجود فعلي ، فإذا كان المقصود من وجود فعلي انتقاء التاء ، وقد حصل هذا المقصود في رحمن ، لا بواسطة وجود رحمي ، بل لأنهم خصّصوا هذه اللفظة بالباري تعالى ، فلم يطلقوه على غيره ولم يضعوا منه مؤنثا ، لا من لفظه ، أعني بالتاء ، ولا من غير لفظه أعني فعلى ، فيجب أن يكون غير منصرف.

فان قلت : لا نسلم أن وجود فعلى مطلوب ليتطرّق به إلى انتفاء فعلانة بل هو مقصود بذاته لأنه يحصل بوجودها مشابهة بين الألف والنون وبين ألف التأنيث ، لكون مؤنث هذا على غير لفظه ، كما أن مذكر ذاك على غير لفظه.

قلت : هذا الوجه ، وان كان يحصل به بينهما مشابهة ، الا أنه ليس وجها للمشابهة ضروريا ، بحيث لا يؤثر الألف والنون بدونه ، بل الوجه الضروري ، كما ذكرنا ، في في التأثير : انتفاء التاء ، ألا ترى إلى عدم انصراف مروان ، وعثمان بمجرد انتفاء التاء ، التاء ، من دون وجود فعلى.

ثم نقول : منع الصرف في رحمن : أولى ، لأن الممنوع من الصرف مما هو على هذا الوزن وصفا في كلام العرب أكثر من المصروف فثبت بهذا أيضا أن اشتراط انتفاء التاء ، أولى من اشتراط وجود فعلى.

وللخصم أن يقول : بل الصرف فيما يشك فيه هل صرفته العرب أو ، لا : أولى لأنه الأصل.

وهكذا (١) الخلاف بينهم قائم في فعلان صفة ، هل انتفى منه فعلانة ، أو ، لا ، وهل

__________________

(١) هذا تلخيص لما تقدم من حكم فعلان الوصف

١٥٩

وجد له فعلى ، أو ، لا فبعضهم يصرفه لأن الصرف هو الأصل وبعضهم يمنعه الصرف ، لأنه الغالب في فعلان.

وقد جاء عريان في ضرورة الشعر ممنوع الصرف تشبيها بباب سكران ، قال :

٣٧ ـ كم دون بيشة من خرق ومن علم

كأنه لامع عريان مسلوب (١)

وقد جاءت ألفاظ تحتمل نونها الأصالة ، فتكون مصروفة إذا سميت بها وتحتمل الزيادة فلا تصرف ، نحو : حسّان ، وقبّان ، فهما إمّا من الحسن والقبن ، فيصرفان ، وإمّا من الحسّ والقبّ فلا يصرفان ، وكذا نحو : شيطان ورمّان.

وقال الأخفش : إذا سمّيت بأصيلال (٢) منعت الصرف ، لأن اللام بدل من النون ، كما لا تصرف إذا سمّيت بهراق ، إذ الهاء بدل من الهمزة.

قوله : «ومن ثم اختلف في رحمن» ، يعني ومن أجل الاختلاف في الشرط ، فمن قال الشرط : انتفاء فعلانة ، لم يصرفه في قولك : الله رحمن رحيم ، لحصول الشرط ، إذ لم يجيء رحمانة ، ومن قال : الشرط وجود فعلى ، صرفه ، إذ لم يجئ رحمى ، ولم يختلف في منع سكران لحصول الشرط على المذهبين ، ولا في صرف ندمان ، لانتفاء الشرط على المذهبين.

__________________

(١) البيت لذي الرمة. وروى كم دون ميّة ، وهو الاسم الذي يتردد في شعره. والحزق الأرض الواسعة والعلم الجبل. شبهه برجل عريان قد سلب ثوبه. ثم يصف الأرض الواسعة بعد ذلك فيقول :

كأن حرباءها في كل هاجرة

ذو شيبة من رجال الهند مصلوب

يقصد استقبال الحرباء للشمس وهي فوق أغصان الشجر.

(٢) أي على اعتبار انه تصغير أصيل المفرد تصغيرا شاذا بزيادة ألف ونون ثم ابدال النون لاما ـ وفيه وجه ضعيف انه تصغير أصلان جمع أصيل.

١٦٠