الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

وذلك أنّ الضاد لاستطالتها اتّصلت بمخرج اللّام ، وكذلك الشين بالتفشّي الذي فيها لحقت أيضا مخرجها.

فإن كانت اللّام للتعريف التزم الإدغام ، ولم يجز البيان. والسبب في ذلك أنه انضاف إلى ما ذكرناه من الموافقة كثرة لام المعرفة في الكلام ؛ ألا ترى أنّ كلّ نكرة أردت تعريفها أدخلت عليها اللّام التي للتعريف إلّا القليل منها. وكثرة دور اللفظ في الكلام تستدعي التخفيف. وأيضا فإنّ لام المعرفة قد تنزّلت منزلة الجزء مما تدخل عليه ، وعاقبها التنوين. واجتماع المتقاربين فيما هو كالكلمة الواحدة أثقل من اجتماعهما فيما ليس كذلك. فلمّا كان فيها ثلاث موجبات للتخفيف ـ وهي : ثقل اجتماع المتقاربات ، وكثرة التكلّم بها ، وأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة ـ التزم فيها الإدغام.

وإن كانت لغير تعريف أدغمت لأجل المقاربة ، وجاز البيان لأنها لم يكثر استعمالها ككثرة لام التعريف ، ولا هي مع ما بعدها بمنزلة كلمة واحدة كما أنّ لام التعريف كذلك. والإدغام إذا كانت اللّام ساكنة أحسن منه إذا كانت متحرّكة نحو «جعل رّاشد». وإدغامها في بعض هذه الحروف أحسن منها في بعض :

فإدغامها في الراء نحو «هل «رّأيت» أحسن من إدغامها في سائرها ، لأنها أقرب الحروف إليها ، وأشبهها بها ، حتى إنّ بعض من يصعب عليه إخراج الراء يجعلها لاما.

وإدغامها في الطاء والتاء والدال والصاد والسين والزاي يلي في الجودة إدغامها في الراء. لأنها أقرب الحروف إليها بعد الراء.

وإدغامها في الثاء ـ نحو : (هل قّوّب) وقد قرأ به أبو عمرو ـ والذال والظاء يلي ذلك ، لأنّ هذه الثلاثة من أطراف الثنايا ، وقد قاربن مخرج ما يجوز إدغام اللام فيه وهو الفاء.

وإدغامها في الضاد والشين يلي ذلك ، لأنهما ليسا من حروف طرف اللسان كاللّام. وإنّما اتصلتا بحروف طرف اللسان ، بالاستطالة التي في الضاد ، والتفشيّ الذي في الشين ، كما قدّمنا. ومن إدغامها في الشين قول طريف بن تميم :

تقول إذا استهلكت مالا للذّة

فكيهة : هشّيء بكفّيك لائق (١)؟

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب لابن منظور ، مادة (لها).

٣٤١

يريد : هل شيء.

وإدغامها في النون دون ذلك كلّه ، والبيان أحسن منه. وإنما قبح إدغامها في النون ، وإن كانت أقرب إلى اللّام من غيرها من الحروف التي تقدّم ذكرها ، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون من الحروف التي أدغمت هي فيها إلّا اللّام. فكأنهم استوحشوا الإدغام فيها وأرادوا أن يجروا اللّام مجرى أخواتها من الحروف التي يجوز إدغام النون فيها. فكما أنه لا يجوز إدغام شيء منها في النون كذلك ضعف إدغام اللّام فيها.

ولا يدغم فيها إلّا النون على ما يبيّن في فصل النون.

وأما النون فلها خمسة مواضع : موضع تظهر فيه ، وموضع تدغم فيه ، وموضع تخفى فيه ، وموضع تقلب فيه ميما ، وموضع تظهر فيه وتخفى :

فالموضع الذي تظهر فيه خاصّة إذا كان بعدها هاء أو همزة أو حاء أو عين ، نحو «منها» و «ينأى» و «منحار» و «منعب».

والموضع الذي تظهر فيه وتخفى إذا وقعت بعدها الغين أو الخاء ، نحو «منغلّ» و «منخل».

والموضع الذي تدغم فيه إذا كان بعدها حرف من حروف «ويرمل».

والموضع الذي تقلب فيه إذا كان بعدها باء.

والموضع الذي تخفى فيه إذا كان بعدها حرف من سائر حروف الفم الخمسة عشر.

فأدغمت في خمسة الأحرف المتقدّمة الذكر لمقاربتها لها : أما مقاربتها للرّاء واللّام ففي المخرج. وأما مقاربتها للميم ففي الغنّة ، ليس حرف من الحروف له غنّة إلّا النون والميم. ولذلك تسمع النون كالميم ، ويقعان في القوافي المكفأة فلا يكون ذلك عيبا ، نحو قوله :

ما تنقم الحرب العوان منّي

بازل عامين ، حديث سنّي (١)

لمثل هذا ولدتني أمّي

وأما مقاربتها للياء والواو فلأنّ في النون غنّة تشبه اللين في الياء والواو ، لأنّ الغنّة

__________________

(١) الشعر من الرجز ، وهو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في ديوانه ص ١٩٢ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (نقم).

٣٤٢

فضل صوت في الحرف كما أنّ اللّين كذلك. وهي من حروف الزيادة كما أنّ الياء والواو كذلك ، وتزاد في موضع زيادتهما تقول «عنسل» و «جحنفل» و «رعشن» كما تقول «كوثر» و «صيقل» و «جدول» و «عثير» و «ترقوة» و «عفرية». وأيضا فإنها قد أدغمت فيما قارب الواو في المخرج ، وهو الميم ، وفيما هو على طريق الياء وهو الراء ؛ ألا ترى أنّ الألثغ بالراء يجعلها ياء. فأدغمت النون في الياء والواو كما أدغمت في الميم والراء. فلمّا قاربت النون هذه الحروف الخمسة أدغمت فيها.

ولا يجوز البيان إن كانت النون ساكنة. فإن كانت متحرّكة جاز ، لفصل الحركة بين المتقاربين ، لأنّ النيّة بالحركة أن تكون بعد الحرف ، وذلك نحو «ختن مّوسى».

وإذا أدغمت في الراء واللّام والواو والياء كان إدغامها بغنّة ، وبغير غنّة. أما إدغامها بغير غنّة فعلى أصل الإدغام ، لأنك إذا أدغمتها صار اللفظ بها من جنس ما تدغم فيه. فإذا كان ما بعدها غير أغنّ ذهبت الغنّة ، لكونها تصير مثله. ومن أبقى الغنّة فلأنها فصل صوت ، فكره إبطالها. فحافظ عليها بأن أدغم ، وأبقى بعضا من النون وهو الغنّة. وإبقاؤها عندي أجود ، لما في ذلك من البيان للأصل والمحافظة على الغنّة.

وإذا أدغمت في الميم قلبت إلى جنسه ، ولم يبق لها أثر ، ولست بمحتاج إلى غنّة النون ، لأنّ الميم فيها غنّة ، فإذا قلبتها ميما محضة لم تبطل الغنّة.

وزعم سيبويه أنها مع ما تدغم فيه مخرجها من الفم ، لا من الخياشيم ، لأنها لو كانت تدغم في حروف الفم ، وهي من الخياشيم ، لتفاوت ما بينها ، ولا يدغم الأبعد في الأبعد. ووافقه المبرّد في جميع ذلك ، إلّا الميم لأنها من الشفة ، فلو كانت النون المدغمة فيها من الفم لبعدت من الميم. قال : ولكن مخرجها مع الميم من الخياشيم ، لأنّ الميم تخرج من الشفة ، وتصير إلى الخياشيم للغنّة التي فيها ، فأدغمت فيها النون لتلك المجاورة.

ومذهب سيبويه عندي أولى ، لأنّ النون التي في الفم تصير أيضا إلى الخياشيم ، للغنّة التي فيها ، كما كان ذلك في الميم.

وقلبت مع الباء ميما ، ولم تدغم فيها ، لأنّ الباء لا تقارب النون في المخرج كما قاربتها الرّاء واللّام ، ولا فيما يشبه الغنّة وهو اللّين ، ولا في الغنّة كما قاربتها الميم. فلمّا تعذّر إدغامها في الباء قلبت معها ميما ، لأنّ الباء من مخرج الميم فعوملت معاملتها ، فلمّا قلبت النون مع الميم ميما قلبت ميما أيضا مع الباء. وأمن الالتباس ، لأنه ليس في الكلام ميم ساكنة قبل باء.

٣٤٣

وأظهرت مع الهمزة والهاء والعين والحاء ، لبعد ما بينها وبينهنّ ، فلم تغيّر النون بإدغام ، ولا بشبهه الذي هو الإخفاء. وأيضا فإنّ حروف الحلق أشدّ علاجا ، وأصعب إخراجا ، وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها. فإخراجها لذلك يحتاج إلى اعتمادات تكون في اللسان ، والنون الساكنة الخفيّة مخرجها من الخيشوم ، فلا علاج في إخراجها ولا اعتماد. فإذا كانت قبل حروف الحلق تعذّر النّطق بحروف الحلق ، لأنّ النون تستدعي ترك الاعتماد ، وحروف الحلق تطلب الاعتماد. فإذا بيّنت النون قبلها أمكن إخراجها ، لأنّ النون البيّنة مخرجها من اللسان ، فهي أيضا تطلب الاعتماد كسائر حروف اللسان.

وأما جواز خفائها وإظهارها مع الخاء والغين فلأنهما من أقرب حروف الحلق إلى الفم. فمن أجراهما مجرى ما تقدّمهما من حروف الحلق أظهر النون معهما. ومن أجراهما مجرى ما يليهما من حروف الفم ـ وهو القاف والكاف ـ أخفى النون معهما كما يخفيها مع القاف والكاف.

وأما إخفاؤها مع الخمسة عشر حرفا من حروف الفم الباقية فلأنها اشتركت معها في كونها من حروف الفم. وأيضا فإنها ـ وإن كانت من حروف اللسان ـ فبالغنّة التي فيها ، التي خالطت الخياشيم ، اتّصلت بجميع حروف الفم. فلمّا أشبهتها فيما ذكرنا ، وكانت قد أدغمت في بعض حروف الفم ، غيّروها بالإخفاء معها كما غيّروها بالإدغام والقلب مع حروف «ويرمل» من حروف الفم ، لأنّ الإخفاء شبيه بالإدغام ، ولم يغيّروها بالإدغام ، لأنهم أرادوا أن يفرّقوا بين ما يقاربها من حروف الفم في المخرج ـ كاللّام والراء ـ وفي الصفة ـ كالميم والياء والواو ـ وبين ما ليس كذلك. فجعلوا التغيير الأكثر للأقرب ، والتغيير الأقلّ للأبعد.

ولم يسمع من كلامهم تسكين النون المتحرّكة ، إذا جاءت قبل الحروف التي تخفى معها ، كما تسكّن مع الحروف التي تدغم معها. فلم يقولوا «ختن سليمان» كما قالوا «ختن مّوسى». لكن إن جاء ذلك لم يستنكر ، لأنّ الإخفاء نوع من الإدغام.

ولا يدغم في النون شيء إلّا اللّام. وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام.

وأما الراء فلا تدغم في شيء ، لأن فيها تكريرا ؛ ألا ترى أنك إذا نطقت بها تكرّرت في النطق. فلو أدغمتها فيما يقرب منها ـ وهو اللّام والنون ـ لأذهب الإدغام ذلك الفضل الذي فيها من التكرير ، لأنها تصير من جنس ما تدغم فيه ، وما تدغم فيه ليس فيه تكرير. فلمّا كان الإدغام يفضي إلى انتهاكها بإذهاب ما فيها من التكرار لم يجز. وقد روي إدغامها في اللّام ، وسأذكر وجه ذلك في إدغام القرآن إن شاء الله تعالى.

٣٤٤

ولا يدغم فيها إلّا اللّام والنون ، وقد تقدّم ذكر ذلك في فصليهما.

ثم الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء. كلّ واحد منهنّ يدغم في الخمسة الباقية ، وتدغم الخمسة الباقية فيه.

وتدغم أيضا هذه الستّة في الضاد والجيم والشين والصاد والزاي والسين. ولم يحفظ سيبويه إدغامها في الجيم. ولا يدغم فيهنّ من غيرهنّ إلّا اللّام. وسواء كان الأوّل منهما متحرّكا أو ساكنا ، إلّا أنّ الإدغام إذا كان الأوّل منهما ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحرّكا ، لأنه يلزم فيه تغييران : أحدهما تغيير الإدغام ، والآخر تغيير بإسكان الأوّل.

وإنما جاز إدغامها فيما ذكر لتقاربها في المخرج بعضها من بعض ، ولمقاربتها حروف الصفير في المخرج أيضا كما بيّن في مخارج الحروف.

وأما الضاد والشين فإنهما ـ وإن لم تقاربهما في المخرج ـ فإنّ التقارب بينهما وبينها من حيث لحقت الضاد ، باستطالتها ، والشين ، بتفشّيها ، مخرجها. والضاد أشبه بها من الشين ، لأن الضاد قد أشبهتها من وجه آخر ، وهو أنها مطبقة كما أنّ الطاء والظاء كذلك.

وأما إدغامها في الجيم فحملا على الشين ، لأنهما من مخرج واحد.

والإدغام في جميع ما ذكر أحسن من البيان. والسبب في ذلك أنّ أصل الإدغام لحروف طرف اللسان والفم ، بدليل أنّ حروف الحلق يدغم منها الأدخل في الأخرج ، لأنه يقرب بذلك من حروف الفم. ولا يدغم الأخرج في الأدخل ، لأنه يبعد بذلك من حروف الفم ، ويتمكّن في الحلق.

وإنما كان الإدغام في حروف الفم وطرف اللسان أولى لكثرتها ، وما كثر استدعى التخفيف. وأكثر حروف الفم من طرف اللسان ، لأنّ حروف الفم تسعة عشر. منها اثنا عشر حرفا من طرف اللسان. فلذلك حسن الإدغام في هذه الحروف.

والبيان في بعضها أحسن منه في بعض ، وذلك مبنيّ على القرب بين الحرفين. فما كان أقرب إلى ما بعده كان إدغامه أحسن. وذلك أن الإدغام كان بسبب التقارب ، فإذا قوي التقارب قوي الإدغام. وإذا ضعف ضعف الإدغام :

فتبيين هذه الستة الأحرف إذا وقعت قبل الجيم أحسن من بيانها إذا وقعت قبل الشين ، لأنّ إدغامها في الجيم بالحمل على إدغامها في الشين بل لم يحفظ سيبويه إدغامها في الجيم كما تقدّم.

٣٤٥

وتبيينها إذا وقعت قبل الشين أحسن من تبيينها إذا وقعت قبل الضاد ، لأنّ الشين أبعد منها من الضاد ، لأنّ الشين أشبهتها من جهة واحدة ، وهو اتصالها بمخرجها بالتفشّي الذي فيها ـ كما تقدّم ـ والضاد أشبهتها من وجهين ، وهما : اتصالها بها بسبب الاستطالة ، وشبهها بالطاء والظاء بسبب الإطباق كما ذكر.

وتبيينها قبل الضاد أحسن من تبيينها قبل الصاد والسين والزاي ، لأنّ الضاد أبعد منها لأنها لا تقاربها في لمخرج ، وحروف الصفير تقاربها في المخرج.

وتبيينها قبل حروف الصفير أحسن من تبيين بعضها قبل بعض ، لأنّ بعضها أقرب إلى بعض في المخرج من حروف الصفير إليها.

وتبيين الطاء والدال والتاء ، إذا وقعت قبل الظاء والثاء والذال ، أو وقعت الظاء والثاء والذال قبلها ، أحسن من تبيين الطاء والدال والتاء إذا وقع بعضها قبل بعض ، والظاء والثاء والذال إذا وقع بعضها قبل بعض. لأنّ الظاء وأختيها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الطاء وأختيها ، وكذلك الطاء وأختاها بعضها أقرب إلى بعض منها إلى الظاء وأختيها.

وتبيين الظاء وأختيها إذا وقع بعض منها قبل بعض أحسن من تبيين الطاء وأختيها إذا وقع بعضها منها قبل بعض ، لأنّ في الظاء وأختيها رخاوة فاللسان يتجافى عنهنّ ؛ ألا ترى أنّك إذا وقفت عليهنّ رأيت طرف اللسان خارجا عن أطراف الثنايا ، فكأنها خرجت عن حروف الفم إذا قاربت الشفتين. والطاء وأختاها ليست كذلك ؛ ألا ترى أنّ الأسنان العليا منطبقة على الأسنان السفلى ، واللسان من وراء ذلك فلم يتجاوز الفم. والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم.

وإذا أدغمت التاء والدال والثاء والذال في شيء ، مما تقدّم أنهنّ يدغمن فيه ، قلبت إلى جنسه. قال :

*ثار فضجّت ضجّة ركائبه (١)*

فقلب التاء ضادا. وقال ابن مقبل :

__________________

(١) الشعر من الرجز ، وهو للقتابي في شرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢ / ٤١٧ ، وبلا نسبة في الكتاب لسيبويه ٤ / ٤٦٥.

٣٤٦

وكأنّما اغتبقت صبّير غمامة

بعرا ، تصفّقه الرّياح ، زلالا (١)

فقلب التاء صادا.

وإذا أدغمت الطاء والظاء في مطبق ، مثل أن يدغما في الصاد والضاد ، أو يدغم أحدهما في الآخر ، قلب المدغم إلى جنس ما يدغم فيه.

وإذا أدغما في غير مطبق ، مثل أن يدغما في الدال والتاء ، فالأفصح ألّا يقلبا إلى جنس ما يدغمان فيه بالجملة ، بل يبقى الإطباق ، وبعض العرب يذهب الإطباق.

وإذهاب الإطباق منهما ، مع ما كان من غير المطبقات أشبه بهما ، أحسن من إذهابه مع ما لم يكن كذلك. فإذهاب الإطباق من الطاء مع الدال ، لأنهما قد اجتمعا في الشّدّة ، أحسن من إذهابه مع التاء لأنها مهموسة ، وإذهاب الإطباق من الظاء مع الزاي ، لأنهما مجهوران ، أحسن من إذهابه مع الثاء لأنها مهموسة. وتمثيل الإدغام في ذلك بيّن لا يحتاج إليه.

ولا يدغم في الحروف المذكورة من غيرها إلّا اللّام. وقد تبيّن ذلك في فصل اللّام.

ثم الصاد والسين والزاي : كلّ واحدة منهن تدغم في الأخرى ، لتقاربهنّ في المخرج ، واجتماعهنّ في الصّفير ، فإذا قلبت الأوّل منهما إلى جنس الثاني قلبته إلى مقاربه في المخرج وصفيريّ مثله. فلم يكن في الإدغام إخلال به. وسواء كان الأول متحرّكا أو ساكنا ، إلّا أنّ الإدغام إذا كان الأول ساكنا أحسن منه إذا كان الأوّل متحرّكا ، لأنه يلزم فيه تغييران : أحدهما تغيير الحرف بقلبه إلى جنس ما يدغم فيه ، والآخر تغييره بالإسكان. وإذا كان الأول ساكنا لا يلزم فيه إلّا تغيير واحد ، وهو قلب الأول حرفا من جنس ما يدغم فيه. والإدغام أحسن فيهنّ من الإظهار لأنهنّ من حروف طرف اللسان والفم ، والإدغام ـ كما تقدّم ـ أصله أن يكون في حروف الفم وطرف اللسان. وذلك نحو قولك «احبس صّابرا» و «حبس صّابر» و «احبس زّيدا» و «حبس زّيد» و «أوجز صّابرا» و «أوجز صّابر» و «أوجز سّلمة» و «أوجز سّلمة» و «افحص زّردة» و «فحص زّدرة» و «افحص سّالما» و «فحص سالم».

وإذا أدغمت الصاد في الزاي أو في السين قلبتها حرفا من جنس ما أدغمتها فيه ،

__________________

(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لتميم بن مقبل في ديوانه ص ٢٦٠ ، والكتاب لسيبويه ٤ / ٤٦٣ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (صفق).

٣٤٧

فتقلبها مع السين سينا ، ومع الزاي زايا ، إلّا أنك تبقي الإطباق الذي في الصاد محافظة عليه. وقد يجوز ترك الإطباق ، حملا على الأصل في الإدغام ، من أن يقلب الحرف إلى جنس ما يدغم فيه البتّة وإذهاب الإطباق منها مع السين أحسن من إذهابه مع الزاي ، لأنّ السين تشاركها في الهمس ، ولا تخالفها الصاد بأكثر من الإطباق.

وإذا أدغمتهما في الصاد قلبتهما صادين البتّة لأنه ليس في ذلك إخلال بهما. وكذلك إذا أدغمت السين في الزاي ، والزاي في السين ، قلبت كلّ واحدة منهما إلى جنس ما يدغم فيه البتّة ، لأنه ليس في ذلك إخلال.

ولا يدغم شيء من هذه الصفيريّات في شيء مما يقاربها من الحروف ، لأنّ في ذلك إخلالا بها ، لأنها لو أدغمت لقلبت إلى جنس ما تدغم فيه فيذهب الصفير ، وهو فضل صوت في الحرف.

ويدغم فيها من غيرها اللّام ـ وقد تقدّم ذلك في فصل اللّام ـ والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء ، وقد تقدّم ذلك في فصل الطاء وأخواتها.

ثم الفاء : ولا تدغم في مقاربها ، لأنّ فيها تفشّيا ، فلو أدغمتها لذهب ذلك التفشّي. ويدغم فيها مما يقاربها الباء ، فتقول «اذهب فيّ ذلك» ، لأنه ليس في ذلك إخلال بالباء ، بل تقوية بقلبها حرفا متفشّيا.

فأما الميم والواو ، وإن كانتا تقاربان الفاء في المخرج لأنهما من الشّفتين كالفاء ، فلم تدغما في الفاء ، لأنّ الميم فيها غنّة والواو فيها لين ، والغنّة واللّين فضل صوت في الحرف ، فلو أدغمتهما فيها لقلبتهما فاء ، فتذهب الغنّة واللّين فيكون ذلك إخلالا بهما.

ثم الباء : وهي تدغم في الفاء والميم ، لقربهما منها في المخرج. وذلك نحو «اذهب فيّ ذلك» و «اصحب مّطرا». ولا يدغم فيها شيء ، وسبب ذلك أنّ الذي يقاربها في المخرج إنما هو الفاء والميم والواو : فأما الفاء فلم تدغم فيها للعلّة التي تقدّم ذكرها في فصل الفاء. وأما الميم والواو فلم تدغما في الباء. للعلّة التي منعت من إدغامهما في الفاء. وأيضا فإنّ النون الساكنة تقلب قبل الباء ميما ، فإذا كانوا يفرّون من النون الساكنة إلى الميم قبل الباء فالأحرى أن يقرّها إذا وجدوها.

ثم الميم : ولا تدغم في شيء مما يقاربها ، لأنها إنما يقاربها في المخرج الفاء والباء والواو ، وقد تقدّم ذكر السبب المانع من إدغام الميم في هذه الأحرف الثلاثة. ولا يدغم فيها إلّا النون ـ وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها ـ والياء ، وقد تقدّم ذلك في فصل الياء وأخواتها.

٣٤٨

ثم الواو وهي لا تدغم إلّا في الياء ، لاجتماعها معها في الإعلال واللين. ولا تدغم في شيء مما يقاربها ، لأنها حرف علّة ولمقارب لها حروف صحّة ـ وهي الميم والباء والفاء ـ وقد تقدّم أنّ حروف العلّة لا تدغم في حروف الصحّة. وإعطاء السبب في ذلك. ولا يدغم فيها من غيرها إلّا النون ، وقد تقدّم ذلك في فصل النون وأخواتها.

* * *

واعلم أنّ الإدغام في المتقاربين إنما يجوز إذا كانا من كلمتين. لأنه لا يلتبس إذ ذاك بإدغام المثلين ، لأن الإدغام فيما هو من كلمتين لا يلزم ، بل يجوز الإظهار فيكون في ذلك بيان للأصل. فإن اجتمع المتقاربان في كلمة واحدة لم يجز الإدغام ، لما في ذلك من اللّبس بإدغام المثلين ، لأنّ الإدغام في الكلمة الواحدة لازم. فإذا أدغمت لم يبق ما يستدلّ به على الأصل ؛ ألا ترى أنك لو أدغمت النون من «أنملة» في الميم فقلت «أمّلة» لم يدر : هل الأصل «أنملة» أو «أمملة»؟

ولأجل اللّبس ، الذي في إدغام المتقاربين من كلمة واحدة ، بيّنت العرب النون الساكنة ، إذا وقعت قبل الميم أو الواو أو الياء في كلمة ، نحو «زنم» و «أنملة» و «قنواء» و «كنية». ولم تخفها كما تفعل بها مع سائر حروف الفم ، لأنّ الإخفاء يقرّبها من الإدغام ، فخافوا أن يلتبس الإخفاء بالإدغام ، فقلبوا لذلك.

ولذلك أيضا لم يوجد في كلامهم نون ساكنة قبل راء أو لام نحو «عنل» و «قنر» ، في كلمة واحدة ، لأنك إن بيّنت ثقل لقرب النون من الراء واللّام ، وإن أدغمت التبس بإدغام المثلين.

إلّا أن يجتمع المتقاربان في «افتعل» أو «تفاعل» أو «تفعّل» ، نحو «اختصم» و «تطيّر» و «تطاير» ، فإنه يجوز الإدغام فيها. والسبب في ذلك ما ذكرناه في إدغام المثلين ، من أنّ التاء من هذه الأبنية الثلاثة تنزّلت مما بعدها منزلة المنفصل ، لأنه لا يلزم أن يكون بعدها مثلها. وكذلك أيضا لا يلزم أن يكون بعدها مقاربها كما لا يلزم ذلك في الكلمتين. فلمّا أشبه اجتماع المتقاربين فيها اجتماعهما في الكلمتين لم يلزم الإدغام كما لا يلزم ذلك في الكلمتين ، فأمن التباس إدغام المتقاربين في هذه الأبنية بإدغام المثلين ، لأنّ الإظهار يبيّن الأصل ، كما كان ذلك في الكلمتين.

فإذا أردت الإدغام قلبت أحد المتقاربين إلى جنس الآخر ـ على حسب ما أحكم في الفصول المتقدّمة ـ ثم أدغمت. فتقول في «تطيّر» و «تدارأ» إذا أردت الإدغام : «اطّيّر»

٣٤٩

و «ادّارأ» ، فتقلب التاء حرفا من جنس ما بعدها وتسكّنه بسبب الإدغام. ثم تدغم وتجتلب همزة الوصل ، إذ لا يمكن الابتداء بالساكن. وتقول في «اختصم» إذا أردت الإدغام : «خصّم» ، فتقلب التاء صادا وتسكّنها بنقل حركتها إلى ما قبلها ثم تدغم. هذا في لغة من قال «قتّل» بفتح القاف والتاء. ومن قال «قتّل» بفتح التاء وكسر القاف قال «خصّم» بكسر الخاء وفتح الصاد. ومن قال «قتّل» بكسرهما قال «خصّم» بكسر الخاء والصاد. والعلّة في ذلك كالعلّة في «قتّل» وأمثاله.

وحكم اسم الفاعل والمفعول والمصدر والمضارع أن يكون مثله من «قتّل» وأمثاله ، وقد تقدّم ، إذ ليس بين إدغام التاء من هذه الأمثلة فيما بعدها ، إذا كان مماثلا لها ، وبين إدغامها فيه إذا كان مقاربا لها فرق أكثر من أنك تقلب التاء إلى جنس ما يقاربها ، ولا تحتاج إلى ذلك إذا أدغمتها في مثلها.

فإن قال قائل : فهلّا أجريت التاء من «استفعل» مجرى التاء من «افتعل» فأدغموها فيما يقاربها ، كما فعلوا بتاء «افتعل» ، لأنها لا يلزمها أن يكون بعدها ما يماثلها ولا ما يقاربها ، كما لا يلزم ذلك بتاء «افتعل»؟.

فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنهم لو أدغموا لاحتاجوا إلى تحريك السين كما احتاجوا إلى تحريك فاء «افتعل». فكرهوا أن يحّكوا حرفا لم تدخله الحركة في موضع ، لأنّ السين لا تزاد في الفعل إلّا ساكنة. وأما فاء «افتعل» فإنهما قد كانت متحرّكة قبل لحاق الفعل الزيادة ، فلم تكره الحركة فيها لذلك ؛ ألا ترى أنّ الخاء من «اختصم» متحرّكة في «خصم».

ولأجل تعذّر الإدغام شذّ بعضهم ، فحذف التاء من «يستطيع» لمّا استثقل اجتماع المتقاربين ، فقال : «يستطيع».

وكذلك أيضا يجوز الإدغام في المتقاربين وإن كانا في كلمة واحدة ، إذا كان بناء الكلمة مبيّنا أنّ الإدغام لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين. وذلك نحو «انفعل» من «المحو» فإنك تقول فيه «امّحى» ، لأنه لا يمكن أن يكون من قبيل إدغام المثلين ، لأنه ليس في الكلام «افّعل» ، فعلم أنه «انمحى» في الأصل.

فهذا جميع ما يجوز فيه إدغام المتقاربين ، مما هو في كلمة واحدة ، إلّا ما شذّ من خلاف ذلك ، فيحفظ ولا يقاس عليه. فمن ذلك «ستّ» و «ودّ» و «عدّان».

أما «ستّ» فأصلها «سدس» بدليل قولهم في الجمع «أسداس». فأبدلوا من السين

٣٥٠

تاء ، لأنّ السين مضعّفة وليس بينهما حاجز إلّا الدال ، وهي ليست بحاجز قويّ لسكونها. وأيضا فإنّ مخرجها من أقرب المخارج إلى مخرج السين ، فكأنه قد اجتمع فيه ثلاث سينات. وكرهوا إدغام الدال في السين ، لأنهم لو فعلوا ذلك لقالوا «سسّ» فيزداد اللفظ سينا. فأبدلوا من السين حرفا يقرب منها ومن الدال ، وهو التاء ، لأنّ التاء تقارب الدال في المخرج والسين في الهمس ، فقالوا «سدت». فكرهوا أيضا اجتماع الدال ساكنة مع التاء ، لما بينهما من التقارب حتى كأنهما مثلان ، مع أنّ الكلمة قد كثر استعمالها ، فهي مستدعية للتخفيف من أجل ذلك. فأدغموا الدال في التاء ، ليخفّ اللفظ ، فقالوا «ستّ».

وأما «ودّ» و «عدّان» فأصلهما «وتد» و «عتدان» جمع عتود. فاستثقلوا في «عتدان» اجتماع التاء الساكنة مع الدال ، للتقارب الذي بينهما حتى كأنهما مثلان ، وليس بينهما حاجز كما تقدّم. وكذلك أيضا «وتد» لمّا سكنت التاء في لغة بني تميم ـ كما يقولون في «فخذ» : فخذ ـ اجتمعت التاء ساكنة مع الدال ، فاستثقلوا ذلك كما استثقلوا في «عتدان» البيان حين أدغموا فقالوا «عدّان». والبيان فيه جائز. ولو كانت متحرّكة لم تدغم ، لأن الحركة في النيّة بعد الحرف ، فتجيء فاصلة بينهما.

ومما يبيّن استثقالهم التاء ساكنة قبل الدال اجتنابهم «وتدا» و «وطدا» في مصدر «وتد» و «وطد» ، وعدولهم عن ذلك إلى «تدة» و «طدة» ، كـ «عدة».

فإن كان الثاني من المتقاربين ساكنا بيّنا ولم يجز الإدغام. وقد شذّت العرب في شيء من ذلك ، فحذفوا أحد المتقاربين ، لمّا تعذّر التخفيف بالإدغام ، لأنه يؤدّي إلى اجتماع ساكنين ، لأنه لا يدغم الأول في الثاني حتى يسكن كما تقدّم. فقالوا «بلحارث» و «بلعنبر» و «بلهجيم» في «بني الحارث» و «بني العنبر» و «بني الهجيم». وكذلك يفعلون في كلّ قبيلة ظهر فيها لام المعرفة نحو «بلهجيم» و «بلقين» في «بني الهجيم» و «بني القين» ـ فإن لم تظهر فيها لام المعرفة لم يحذفوا ، نحو «بني النّجّار» و «بني النّمر» و «بني التّيم» لئلّا يجتمع عليه علّتان : الإدغام والحذف ـ وذلك أنه لمّا حذفت الياء من «بني» لالتقائها ساكنة مع لام التعريف اجتمعت النون مع اللّام ، وهما متقاربان ، فكره اجتماعهما لما في ذلك من الثقل ، مع أنه قد كثر استعمالهم لذلك ، وكثرة الاستعمال مدعاة للتخفيف ، فخفّفوا بالحذف ، إذ لا يمكن التخفيف بالإدغام.

* * *

٣٥١

باب

[ما أدغمة الفراء على غير قياس]

هذا باب يذكر فيه ما أدغمته القرّاء ، مما ذكر أنه لا يجوز إدغامه فمن ذلك قراءة أبي عمرو الرعب بما بإدغام باء «الرّعب» في الباء التي بعدها ، مع أنّ قبل الباء حرفا ساكنا صحيحا ، وقد تقدّم أنه لا يجوز عند البصريين. وحملوا قراءة أبي عمرو على الإخفاء ، وقد تقدّم أنّ الإخفاء يسمّى إدغاما.

ومن ذلك قراءته : (مَرْيَمَ بُهْتاناً) [النساء : ١٥٦] ، و (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام : ٥٣] ، و (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) [النحل : ٧٠] ، وأمثال ذلك بإدغام الميم في الباء ، وقد تقدم أن الميم من الحروف التي لا تدغم في مقاربها ، وينبغي أن تحمل ذلك على الإخفاء ، وعلى ذلك يتأوله أبو بكر بن مجاهد رحمه الله ، وينبغي أن يكون الإدغام في ذلك محفوظا عن أبي عمرو ، ويحكى عن البصريين أن أبا عمرو كان يختلس الحركة في ذلك ، فيرى من يسمعه ـ ممن لا يضبط سمعه ـ أنه أسكن الحرف الأول وإن كان لم يسكّن.

ومن ذلك إدغام الكسائيّ وحده الفاء من (نَخْسِفْ بِهِمُ) [سبأ : ٩] في الباء وقد تقدّم أنها من الحروف التي لا تدغم في مقاربها ، ولا يحفظ ذلك من كلامهم. وهو مع ذلك ضعيف في القياس ، لما فيه من إذهاب التفشّي الذي في الفاء.

ومن ذلك ما روي عن ابن كثير من إدغام التاء التي في أول الفعل المستقبل في تاء بعدها في أحرف كثيرة ، منها ما فيه قبلها متحرّك ، ومنها ما فيه قبلها ساكن من حروف المدّ واللين ومن غيرها. فأما ما قبله متحرك فنحو قوله : (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) [الأنعام : ١٥٣] و (هِيَ تَلْقَفُ) [الأعراف : ١١٧]. وأما ما كان قبله ساكن من حروف المدّ واللّين فقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) [البقرة : ٢٦٧] و (وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣] و (وَلا تَنازَعُوا) [الأنفال : ٤٦]. وأما ما كان قبله ساكن من غير حروف المدّ واللّين فقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) [آل عمران : ٣٢] ، و (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) [النور : ٥].

٣٥٢

وقد تقدّم أنّ سيبويه لا يجيز إسكان هذه التاء في «تتكلّمون» ونحوه ، لأنها إذا سكّنت احتيج لها ألف وصل ، وألف الوصل لا تلحق الفعل المضارع ، فإذا اتّصلت بما قبلها جاز ، لأنه لا يحتاج إلى همزة وصل. إلّا أنّ مثل (فَإِنْ تَوَلَّوْا) و (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) لا يجوز عند البصريين ، على حال ، لما في ذلك من الجمع بين الساكنين وليس الساكن الأول حرف مدّ ولين.

ومن ذلك قراءة أبي عمرو والحرث ذلك [الأنعام : ١٤] بإدغام الثاء في الذال وما قبلها ساكن صحيح. ولكن يتخرّج على مثل ما تقدّم من الإخفاء.

ومن ذلك ما روى اليزيديّ عن أبي عمرو من إدغام الجيم في التاء في مثل (ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ) [المعارج : ٣ ـ ٤] ، وسيبويه لم يذكر إدغامها إلّا في الشين خاصّة. فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء الحركة أيضا.

ومن ذلك إدغام أبي عمرو الحاء في العين من قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) [آل عمران : ١٨٥] في إحدى الروايتين. وذلك أنّ اليزيديّ روى عنه أنه لم يكن يدغم الحاء ا في العين إلّا في قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ،) وروى عنه أنه قال : من العرب من يدغم الحاء في العين كقوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ.) قال : وكان أبو عمرو لا يرى ذلك. والصحيح أنّ إدغام الحاء في العين لم يثبت. وإن جاء من ذلك ما يوهم أنه إدغام فإنما يحمل على الإخفاء.

ومن ذلك قراءة أبي عمرو : ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها [النحل : ٩١] بإدغام الدال في التاء. فينبغي أن يحمل ذلك أيضا على الإخفاء.

وعلى ذلك أيضا ينبغي أن تحمل قراءته (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) [فصلت : ٥٠] و (مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) [الروم : ٥٤] و (الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ٢٩] ، على أنه أخفى حركة الدال في جميع ذلك ، ولم يدغم.

ومثل ذلك أيضا قراءته (شَهْرُ رَمَضانَ) [البقرة : ١٥٨] و (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) [الأعراف : ٧٧] و (ذِكْرُ رَحْمَتِ) [مريم : ٢] و (الْبَحْرَ رَهْواً) [الدخان : ٢٤] ، أخفى حركة الراء الأولى في جميع ذلك ، ولم يدغم.

ومن ذلك ما روي عن يعقوب الحضرميّ من إدغام الراء في اللّام. وكذلك أيضا روى أبو بكر بن مجاهد عن أبي عمرو أنه كان يدغم الراء في اللّام ، متحرّكة كانت الراء أو ساكنة ، نحو (فَاغْفِرْ لَنا) [آل عمران : ١٤٧] ، و (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] و (يَغْفِرْ لَكُمْ)

٣٥٣

[الأحقاف : ٣١]. فإن سكن ما قبل الراء أدغمها في اللّام في موضع الرفع والخفض نحو : (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) [الإنسان : ١]. ولا يدغم إذا كانت الراء مفتوحة كقوله : (مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ) [يوسف : ٢١] ، و (الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ) [النمل : ٤٤] وأمثال ذلك وفصله بين الراء المفتوحة وغيرها إذا سكن ما قبلها دليل على أنّ ذلك ليس بإدغام ، وإنما هو روم لا إدغام ، والرّوم لا يتصوّر في المفتوح. وهذا مخالف لما ذكره سيبويه من أنّ الراء لا تدغم في مقاربها لما فيها من التكرار ، وهو القياس ، ولم يحفظ سيبويه الإدغام في ذلك. وروى أبو بكر بن مجاهد عن أحمد بن يحيى عن أصحابه عن الفرّاء أنه قال : كان أبو عمرو يروي عن العرب إدغام الراء في اللّام. وقد أجازه الكسائيّ أيضا ، وله وجية من القياس ، وهو أنّ الراء إذا أدغمت في اللّام صارت لاما ، ولفظ اللّام أسهل من الراء لعدم التكرار فيها ، وإذا لم تدغم الراء كان في ذلك ثقل ، لأنّ الراء فيها تكرار فكأنها راءان ، واللّام قريبة من الراء ، فتصير كأنك قد أتيت بثلاثة أحرف من جنس واحد.

ومن ذلك قراءة أبي عمرو : الشمس سراجا [نوح : ١٦] ، بإدغام السين في السين ، و (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) [النحل : ٦٢] ، بإدغام الضاد في الشين ، و (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٣] ، بإدغام النون في اللّام ، و (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] ، و (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ) [الحاقة : ١٦] ، بإدغام الياء في الياء. جميع ذلك ينبغي أن يحمل على الإخفاء ، لما في الإدغام من الجمع بين ساكنين ، وليس الأول حرف مدّ ولين. وأيضا فإنّ الضاد لا تدغم في الشين.

وأما (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ، بإدغام السين في الشين فإنّ الرواية عن أبي عمرو اختلفت في ذلك : فمنهم من روى أنه أدغم ، ومنهم من روى أنه منع. والذي عليه البصريّون أنّ إدغام السين في الشين لا يجوز. وأيضا فإنّ الإدغام يؤدّي إلى الجمع بين ساكنين ، وليس الأول حرف مدّ ولين.

ومن ذلك ما روي عنه من أنه قرأ (إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] وأمثاله بإدغام الهاء في الهاء ، وبين الهائين فاصل وهو الواو التي هي صلة الضمير ، فحذف الصّلة وأدغم. وإدغام هذا مخالف للقياس ، لأنّ هذه الواو إنما تحذف في الوقف. وأما في الوصل فتثبت. وأنت إذا أدغمت في حال وصل فينبغي ألّا تحذفها. وإذا لم تحذفها لم يمكن الإدغام. لكن وجه ذلك أمران :

أحدهما تشبيه الإدغام بالوقف ، في أنّ الابدغام يوجب التسكين للأول كما أنّ الوقف يوجب له ذلك. فحذف الواو في الإدغام على حدّ حذفها في الوقف ، فساغ الإدغام.

٣٥٤

والآخر أن كون حذف الواو في الوصل كما حذفها الشاعر في قوله ـ أنشده الفراء ـ :

أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن

قناعه مغطيا فإنّي لمجتلي (١)

فلمّا حذف الواو أدغم. والأول أحسن لأنّ حذف الواو وصلا في مثل هذا ضرورة.

* * *

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في الأنصاف للأنباري ٢ / ٥١٨ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (غطي).

٣٥٥

باب

ما قيس من الصحيح على صحيح

معتل وما قيس من المعتل على نظيره من الصحيح

هذا الباب نبيّن فيه كيفيّة بنائك من الكلمة مثل نظائرها. فإذا قيل لك «ابن من كذا مثل كذا» فإنما معناه : فكّ صيغة هذه الكلمة ، وصغ من حروفها الأمثلة التي قد سئلت أن تبني مثلها ، بأن تضع الأصل في مقابلة الأصل ، والزائد في مقابلة الزائد إن كان في الكلمة التي تبني مثلها زوائد ، والمتحرّك في مقابلة المتحرّك. والساكن في مقابلة الساكن ، وتجعل حركات المبنيّ على حسب حركات المبنيّ مثله الذي صيغ عليه من ضمّ أو فتح أو كسر ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.

وللنحويين في هذا الباب ثلاثة مذاهب : منهم من ذهب إلى أنه لا يجوز شيء من ذلك ، وأنّ ما يصنع من ذلك فإنما القصد به أن يبيّن أنه ، لو كان من كلام العرب ، كيف كان يكون حكمه. ومنهم من ذهب إلى أنّ ذلك جائز على كلّ حال. ومنهم من فصّل ، فقال : إن كانت العرب قد فعلت مثل ما فعلته من البناء ، وكثر ذلك في كلامها واطّرد ، جاز لك ذلك ، وإلّا لم يجز.

فالذي منع من ذلك جملة حجّته أنّ في ذلك ارتجالا للّغة ؛ ألا ترى أنه ، إذا بنى من «الضّرب» مثل «جعفر» ، فقال «ضربب» ، قد أحدث لفظا ليس من كلام العرب.

والذي يجيز ذلك حجّته أنّ العرب قد أدخلت في كلامها الألفاظ الأعجميّة كثيرا ، ولم تمتنع من شيء من ذلك. وسواء كان بناء اللفظ الأعجميّ مثل بناء من أبنية كلامهم ، أو لم يكن نحو «إبراهيم» و «مرزنجوش» وأشباه ذلك. فقاس على ذلك إدخال الأبنية المصنوعة في كلامهم ، وإن لم تكن منه.

وذلك باطل : لأنّ العرب إذا أدخلت اللفظ العجميّ في كلامها لم يرجع بذلك عربيّا ، بل تكون قد تكلّمت بلغة غيرها. وإذا تكلّمنا نحن بهذه الألفاظ المصنوعة كان تكلّمنا بما لا يرجع إلى لغة من اللغات.

٣٥٦

والذي فصّل حجّته أنّ العرب إذا فعلت مثل ذلك باطّراد كان هذا الذي صنعناه نحن لاحقا به ، ومحكوما له بأنه عربيّ ، لأنه على قياس كلام العرب. فإن لم تفعل العرب مثله ، أو فعلته بغير اطّراد ، لم يجز لأنه ليس له ما يقاس عليه. فإذا بنينا من «الضرب» مثل «جعفر» فقلنا «ضربب» كان «ضربب» عربيّا. وجاز لنا التكلّم به في النظم والنثر ، لأنّ العرب قد ألحقت الثلاثي بالرباعيّ بالتضعيف كثيرا ، نحو «قردد» (١) ، و «مهدد» (٢) ، و «محبب» (٣) و «عندد» (٤) ، و «رمدد» (٥) وأمثال ذلك. إذ لا فرق بين قياس الألفاظ على الألفاظ وبين قياس الأحكام على الأحكام ؛ ألا ترى أنك تقول «طاب الخشكنان» (٦) ، فترفعه إذا كان فاعلا ، وإن لم تسمع العرب رفعته ، بل لم نسمع العرب تكلّمت به أصلا. لكن لمّا رفعت نظائره من الفاعلين قسته عليه فرفعته. فكما لا شكّ في جواز ذلك فكذلك لا ينبغي أن يشكّ في بناء مثل «جعفر» من «الضّرب» أو غيره ، مما له في كلامهم نظير باطّراد.

وينبغي أن تعلم أنه لا يجوز إلّا أن تكون الأصول من حروف الكلمة ، التي يبنى منها مثل غيرها ، مساوية لأصول المبنيّ مثله ، أو أقلّ. وأما أن تكون أكثر فلا. فيجوز أن تبني من «سفرجل» مثل «عضرفوط» (٧) ، فتقول «سفرجول». لأنّ الأصول منهما متّفقة ؛ ألا ترى أنّ كلّ واحد منهما أصوله خمسة ، وتقول في مثل «جعفر» من «الضّرب» : «ضربب» ، لأنّ أصول الضرب أقلّ من أصول «جعفر». ولا يجوز أن تبني من «سفرجل» مثل «عنكبوت» ، لأنّ الأصول من «عنكبوت» أربعة ومن «سفرجل» خمسة ، فأنت إذا بنيت منه مثل «عنكبوت» احتجت إلى حذف حرف من الأصل ، فلا يصل إلى أن يكون مثله إلّا بحذف حرف ، وحذف حرف من الأصل لا يجوز بقياس. وأيضا فإنه ، وإن كان محذوفا ، منويّ مراد. وإذا كان كذلك كان بالضرورة أكثر أصولا من الذي يبنى عليه ، فلا يحصل التوافق.

وينبغي أن تعلم أنه لا يجوز أن يدخل البناء إلّا فيما يدخله الاشتقاق والتصريف.

__________________

(١) القردد : ما أشرف من الأرض وغلظ. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (قرد).

(٢) مهدد : اسم امرأة. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (مهد).

(٣) محبب : اسم علم. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (حبب).

(٤) يقال : مالي عنه عندد ، أي : مالي عنه بدّ. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (علند ، عندد).

(٥) الرمدد : الرماد الكثير الدقيق جدّا. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (رمد).

(٦) الخشكنان : نوع من الطعام. انظر المغرب للمطرزي ، مادة (خشك).

(٧) العضرفوط : ذكر العظاء. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (عضرفط).

٣٥٧

فإن بنيت مما لا يدخله اشتقاق ولا تصريف ، مثل أن تبني من الهمزة مثلا مثل «سفرجل» أو غير ذلك ، فإنما ذلك على طريق أن ، لو جاء ، كيف يكون حكمه ، لا لأن تلحقه بكلام العرب ؛ لأنّ العرب لا تتصرّف في مثل الهمزة.

فينبغي أن تجعل مسائل هذا الباب على قسمين :

قسم يبنى ممّا يجوز التصرّف فيه.

وقسم يبنى ممّا لا يجوز ذلك فيه.

فالذي يبنى ممّا يجوز التصرّف فيه لا يخلو من أن يبنى ممّا أصوله كلّها صحاح ، أو ممّا هو معتلّ اللّام خاصّة ، أو العين خاصّة ، أو الفاء خاصّة ، أو العين واللّام ، أو الفاء واللّام ، أو من مهموز ، أو مضعّف. فأما ما أصوله كلّها معتلّة فلم يجىء منه إلّا «واو» خاصّة. وما اعتلّت عينه وفاؤه لم يجىء منه فعل ، بل جاء في أسماء قليلة نحو «ويل» و «يوم» و «أول». فلمّا لم تتصرّف فيها العرب ، لذلك ، لم يحسن لنا أن نبني منها ، ونتصرّف فيها. وأما المعتلّ الفاء واللّام فلم يكثر منه إلّا ما فاؤه واو ولامه ياء ، نحو «وقيت» ، فإذا بني من مثل هذا شيء جاز ، لتصرّف العرب فيه.

* * *

٣٥٨

مسائل من الصحيح

فإذا قيل لك : ابن من «الضّرب» مثل «درهم» قلت : «ضربب». فتجعل الأصل في مقابلة الأصل ، فإذا فنيت أصول «الضرب» كرّرت اللّام. وكذلك إن قيل لك : ابن منه مثل «فلفل» قلت «ضربب». ومثال «فطحل» (١) : «ضربّ» فتدغم الباء الأولى في الثانية لسكونها. ولا تدغم في شيء ممّا تقدّم ، لأنك لو أدغمت لاحتجت إلى تسكين الأوّل فيتغيّر البناء عمّا ألحق به. وهذا مقيس ، لأنه قد كثر وجوده في كلامهم.

فإذا قيل لك : ابن من «الضّرب» مثل «جعفر» بالياء أو بالواو ، قلت : «ضيرب» و «ضورب». ولا يجوز إلحاق مثل هذا بكلام العرب ، لقلّة مثل «صيرف» و «كوثر» في كلامهم ، وإنما تبني من ذلك ما تبنيه لتري حكمه كان يكون ، لو جاء.

وكذلك لو قيل لك : ابن من «الضّرب» مثل «سفرجل» قلت : «ضربّب» ، على نحو ما ذكرت لك إلّا أنّ هذا لا يجوز إلحاقه بكلام العرب ، لأنه لم يجىء في كلامهم نظيره ، أعني : خماسيا لا ماته الثلاثة من جنس واحد ، وإنما بنيته لتبيّن وجه الصّيغة فيه.

وينبغي أن تعلم أنه لا يتعذّر بناء شيء من الصحيح ، إلّا أن يؤدّي ذلك إلى وقوع نون ساكنة قبل راء أو لام ، فإنّ ذلك لا يجوز ، نحو بنائك من «الضّرب» أو «الجلوس» مثل «عنسل» (٢) ، فإنه يجب أن تقوّل «جنلس» أو «ضنرب». وذلك ليس من كلامهم ، أعني : وقوع النون ساكنة قبل الراء أو اللّام ، في كلمة واحدة. والسبب في أن لم يوجد في كلامهم أنّه إذا وجد لم يخل من أن يدغم أو لا يدغم. فالإدغام يفضي إلى اللّبس ، بأن يكون من قبيل إدغام المثلين والفكّ يفضي إلى الاستثقال : لأنّ النون كثيرة الشّبه بالراء واللّام ، فيصعب إظهارها.

أو يؤدّي إلى وقوع النون الثالثة الساكنة الزائدة التي بعدها حرفان مدغمة من نون تليها ، أو مقرونة بحرف حلق من بعدها. والسبب في ذلك أنّ النون إذا كانت على ما

__________________

(١) الفطحل : الضخم الممتلئ الجسم. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (فطحل).

(٢) العنسل : الناقة السريعة. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (عنسل).

٣٥٩

وصفنا كانت زائدة أبدا. والعلّة في أن كانت زائدة أنها وقعت موقع حروف العلّة الثلاثة الزوائد ، نحو واو «فدوكس» ، وياء «سميدع» وألف «عذافر». وأشبهتها في أنها زائدة كما أنّ هذه الحروف كذلك. وفيها غنّة كما أنّ هذه الأحرف فيها لين ، والغنّة واللين فضل صوت في الحرف ، كما تقدّم. ولذلك تبدل النون ألفا في نحو «رأيت زيدا» في الوقف ، وياء وواوا إذا أدغمت فيهما نحو (مَنْ يُؤْمِنُ) [التوبة : ٩٩] ، (مِنْ والٍ) [الرعد : ١١]. فلمّا كانت من جملة ما أشبهت النون به حروف العلّة الغنّة لم يجز أن يقع بعدها حرف حلق ، لأنها تبيّن عند حروف الحلق فتصير من الفم وتذهب الغنّة ، ولا أن تكون مدغمة في نون بعدها ، لأنها تقلب إذ ذاك إلى جنس النون المتحرّكة التي أدغمت فيها. والنون المتحرّكة من الفم ، فتذهب الغنّة ، ولذلك ما جعلت النون من «عجنّس» (١) و «هجنّع» (٢) كباء «عدبّس» (٣) ، ولم تجعل منهما كنون «جحنفل» (٤).

مسائل من المعتلّ اللام

إذا قيل لك : ابن من «الرّمي» مثل «اغدودن» قلت : «ارمومى» ، فتجعل الأصل في مقابلة الأصل : فتكون الراء في مقابلة الغين ، والميم التي تليها في مقابلة الدال ، والواو زائدة في مقابلة الواو من «اغدودن» ، ثم تكرّر الميم كما كرّرت في «اغدودن» الدال التي هي في مقابلتها ، ثم تأتي بعد ذلك بالياء وتقلبها ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها.

وإذا قيل لك : ابن من «الرّمي» مثل «حمصيصة» قلت : «رمويّة». والأصل «رميية» ، فأدغمت الياء الثانية في الياء التي بعدها. فصار «رمييّة» فاجتمع ثلاث ياءات ما قبل الأولى متحرّك ، فقلبت واوا استثقالا ، كما فعلت ذلك في النسب إلى «رحى» حين قلت «رحويّ».

فإذا قيل لك : ابن من «الرّمي» مثل «عنكبوت» قلت : «رميوت». تكرّر اللّام فتقول «رمييوت» ، ثم تقلب الياء الثانية ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، ثم تحذف الألف لالتقائها ساكنة مع الواو ، وتدع الياء الباقية على فتحها ، فتصير بمنزلة «مصطفون».

فإذا قيل لك : ابن من «الرّمي» مثل «بهلول» قلت : «رمييّ». والأصل «رميوي» ،

__________________

(١) العجنس : الجمل الشديد الضخم. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (عجنس).

(٢) الهجنع : الطويل الضخم. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (هجنع).

(٣) العدبس : الضخم الطويل الشديد الخلق. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (عدبس).

(٤) الجحنفل : الغليظ الشفة. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (جحفل).

٣٦٠