الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

إلّا في «فعول» جمعا فإنه يلزم قلب الواو الثانية ياء ، ثم تقلب الواو الأولى ياء لإدغامها في الياء ، ثم تقلب الضمّة كسرة لتصحّ الياء ، وذلك «عصيّ» و «دليّ». والسبب في ذلك ثقل الجمعيّة ، مع شبهه بـ «أجر» و «أدل» كما تقدّم. ومن العرب من يكسر حركة الفاء إتباعا لحركة العين ، فيقول «عصيّ». وضمّها أفصح وأكثر وقد شذّ من ذلك جمعان ، فجاءا على الأصل ، وهما «نحوّ» و «فتوّ» جمع «فتى» و «نحو» حكي عن بعض العرب أنه قال : «إنكم لتنظرون في نحوّ كثيرة». وقال الشاعر :

في فتوّ أنا رابئهم

من كلال غزوة ، ماتوا (١)

فإن كان ما قبل حرف العلّة حركة فلا يخلو أن تكون الحركة فتحة ، أو ضمّة ، أو كيرة.

فإن كانت فتحة قلبت حرف العلّة ألفا ، لتحرّكه وانفتاح ما قبله ، كما فعلت ذلك في الفعل ، تطرّف حرف العلّة نحو «عصا» و «رحى» و «فتى» ، أو لم يتطرّف نحو «قطاة». إلّا أن يؤدّي الإعلال إلى الإلباس فإنك تصحّح. وذلك نحو «قطوان» و «نزوان» ، فإنك تصحّح الواو ، لأنك لو أعللتها فقلبتها ألفا لالتقى ساكنان ـ الألف المبدلة من حرف العلّة ، والألف التي من «فعلان» ـ فيجب حذف أحدهما لالتقاء الساكنين ، فتقول «نزان» و «قصام» ، فيلتبس «فعلان» بـ «فعال». ومثل ذلك «رحيان» و «عصوان». صحّحت ، لأنك لو أعللت لحذفت لالتقاء الساكنين ، فكان يلتبس تثنية المقصور بتثنية المنقوص ، فيصير «رحان» و «عصان» ، كـ «يدين» و «دمين».

فإن كانت الحركة كسرة قلبت الواو ياء ، تطرّفت نحو «غاز» و «داع» من الغزو والدّعوة ، أو لم تتطرّف نحو «محنية» من «حنا يحنو» ، للعلّة التي ذكرت في الفعل. بل إذا كانوا قد قلبوا الواو في المعتلّ العين نحو «ثيرة» و «سياط» ، مع أنّ العين أقوى من اللّام ، فالأحرى أن يقلبوها إذا كانت لاما فأما قولهم «مقاتوة» (٢) فشاذّ.

وإن كان حرف العلّة ياء لم يغيّر نحو «رام» و «قاض» و «معصية» ومحمية. إلّا أنّ الياء المكسور ما قبلها إذا كانت حرف إعراب فإنه لا يظهر الإعراب فيها إلا في النصب نحو

__________________

(١) البيت من البحر المديد ، وهو لجذيمة الأبرش في خزانة الأدب للبغدادي ١١ / ٤٠٤ ، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام ص ٣٨ ، والمقاصد النحوية للعيني ٣ / ٣٤٤ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ص ٥٨٨.

(٢) المقاتوة : الخدّام ، واحدها : مقتويّ ، انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (قتو).

٢٨١

«رأيت قاضيا وغازيا». وأما في حال الرفع والخفض فيكون الإعراب مقدّرا فيها ، استثقالا للرفع والخفض في الياء ، فتسكن الياء لذلك. فإن لقيها ساكن حذفت ، وإن لم يلقها ساكن ثبتت. وذلك نحو «هذا قاض» و «مررت بقاض» حذفت الياء ، لمّا اجتمعت ساكنة مع التنوين ، و «هذا القاضي» و «مررت بالقاضي» أثبتت الياء ، لمّا لم يلها ساكن تحذف من أجله.

هذا إن كان الاسم منصرفا. فإن كان الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة غير منصرف فإن الفتحة تظهر في الياء في حال النصب لخفتها ، نحو «رأيت جواري وأعيمي». وأما في حال الرفع والخفض فإنّ العرب تستثقل الرفع والخفض فيها ، مع ثقل الاسم الذي لا ينصرف ، فتحذف الياء بحركتها ، فينقص البناء ، فيدخل التنوين ، فيصير التنوين عوضا من الياء المحذوفة ، فتقول «هذه جوار» و «مررت بجوار» ، و «هذا أعيم» و «مررت بأعيم». هذا مذهب سيبويه. ومذهب أبي إسحاق أنّ المحذوف أوّلا إنما هو الحركة في الرفع والخفض استثقالا ، فلمّا حذفت الحركة عوّض منها التنوين ، فالتقى ساكنان ـ الياء والتنوين ـ فحذفت الياء لالتقاء الساكنين.

والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، لأن تعويض الحرف من الحرف أكثر في كلامهم من تعويض الحرف من الحركة. وأيضا فإنه كان يجب أن يعوّض التنوين من الحركة التي قد حذفت في الفعل نحو «يقضي» و «يرمي».

فإن قيل : إنما منع من ذلك أنّ التنوين لا يدخل الفعل!؟.

قيل له : وكذلك التنوين لا يدخل الأسماء التي لا تنصرف وأيضا فإنه كان يجب أن يعوّض من الحركة المحذوفة التنوين في مثل «حبلى». بل كان يجب أن يكون العوض في «حبلى» ألزم ، لأنه لا تظهر الحركة في «حبلى» في حال ، وقد تظهر في «جوار» و «أعيم» وأمثالهما في حال النصب. فأن لم يفعلوا ذلك دليل على فساد مذهب أبي إسحاق.

ومما يدلّ على أنّ التنوين في «جوار» و «غواش» وأمثالهما عوض من الحرف المحذوف أنهم لا يحذفون في مثل «الجواري» و «الأعيمي» و «جواريك» و «أعيميك» ، لأنهم لو حذفوا لم يكن لهم سبيل إلى العوض ، لأنّ التنوين لا يمكن اجتماعه مع الإضافة ، ولا مع الألف واللّام. وهم قد عزموا على ألّا يحذفوا إلّا بشرط العوض ، فامتنع الحذف لذلك.

وقد تجري العرب الاسم الذي في آخره ياء مكسور ما قبلها مجرى الصحيح الآخر ،

٢٨٢

في الأحوال كلّها ، فتظهر الإعراب. وذلك في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

فيوما يوافين الهوى غير ماضي

ويوما ترى منهنّ غولا تغوّل (١)

فجرّ الياء من «ماضي». وقال الآخر :

تراه ، وقد فات الرّماة ، كأنّه

أمام الكلاب مصغي الخدّ أصلم (٢)

فرفع الياء من «مصغي». وقال الآخر :

خريع دوادي ، في ملعب

تأزّر طورا ، وترخي الإزارا (٣)

ففتح «دوادي» في موضع الخفض. وكذلك قول الآخر :

قد عجبت منّي ومن يعيليا

لمّا رأتني خلقا ، مقلوليا (٤)

ففتح الياء من «يعيلي» في موضع الخفض.

وكذلك أيضا قد يجرون المنصوب من ذلك مجرى المرفوع والمخفوض ، فيسكنون في الشعر ، نحو قوله :

وكسوت عار لحمه ، فتركته

جذلان ، يسحب ذيله ، ورداءه (٥)

يريد «عاريا لحمه».

ويجوز في لغة طيّىء أن تحوّل الكسرة التي قبل الياء فتحة ، فتنقلب الياء ألفا لتحرّكها

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ١٤٠ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٨ / ٣٥٨ ، والخصائص لابن جني ٣ / ١٥٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٤٤ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١٠ / ١٠١ ، والكتاب لسيبويه ٣ / ٣١٤ ، والمقاصد النحوية للعيني ١ / ٢٢٧ ، والمقتضب للمبرد ١ / ١٤٤ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (غول).

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لأبي خراش الهذلي في شرح أشعار الهذليين للسكري ٣ / ١٢١٩ ، والمعاني الكبير لابن قتيبة ص ٧٣٠ ، وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ١ / ٢٥٨ ، والمنصف لابن جني ٢ / ٨٦.

(٣) البيت من البحر المتقارب ، وهو للكميت بن زيد في ديوانه ١ / ١٩٠ ، والمقتضب للمبرد ١ / ١٤٤ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (دوا) وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ١ / ٣٣٤ ، والمنصف لابن جني ٢ / ٦٨.

(٤) البيت من الرجز ، وهو للفرزدق في شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري ٢ / ٢٢٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك لابن هشام ٤ / ١٣٩ ، والخصائص لابن جني ١ / ٦ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٤١ ، والكتاب لسيبويه ٣ / ٣١٥ ، والمقتضب للمبرد ١ / ١٤٢ ، والمنصف لابن جني ٢ / ٦٨ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (علا).

(٥) البيت من البحر الكامل ، وهو بلا نسبة في همع الهوامع للسيوطي ١ / ٥٣.

٢٨٣

وانفتاح ما قبلها ، فيقال في باقية وناصية : «باقاة» و «ناصاة». وأما غيرهم من العرب فلا يجيز ذلك إلّا فيما كان من الجموع على مثال «مفاعل» نحو قولك في «معاي» جمع «معيية» : «معايا» ، وفي «مدار» جمع «مدرى» : «مدارى». وإنما لم يجيزوا ذلك إلّا فيما ذكرنا ، لثقل الكسرة قبل الياء وثقل البناء مع أمنهم اللبس إذا خففوا بقلب الكسرة فتحة والياء ألفا ، لأنه لا يكون شيء من ألا ترى أنّ الفعل لا يكون قبل آخره حرف مد ولين زائدا. وكذلك أيضا لو لم تقع طرفا لم تقلب ياء ، لامتناع بناء فعل إذ ذاك مما تكون فيه ، نحو «أفعوان» و «أرجوان».

انتهى حكم الاسم والفعل الذي أحد أصوله حرف علّة.

[ما اعتل منه أكثر من أصل واحد]

فإن كان المعتلّ منه أكثر من أصل واحد فإنه لا يخلو من أن يكون معتلّ الفاء والعين صحيح اللّام ، أو معتلّ اللّام والعين صحيح الفاء ، أو معتلّ الفاء واللّام صحيح العين ، أو معتلّ الجميع.

[ما اعتلت جميع أصوله]

فأما اعتلال الجميع فلم يوجد منه إلّا كلمة واحدة ، وهي «واو». وفيما انقلبت عنه هذه الألف خلاف :

فمنهم من ذهب إلى أنها منقلبة عن الواو ، لأن ما عرف أصله من المعتلّ العين أكثر ما تكون الألف فيه منقلبة عن الواو. فحمل المجهول الأصل على الأكثر.

ومنهم من ذهب إلى أنها منقلبة عن ياء. وإلى هذا القول كان يذهب أبو عليّ ، ويعتمد في ذلك على أنه لا ينبغي أن تكون حروف الكلمة كلّها من موضع واحد ، إذ ذلك مفقود في الصحيح. فأما «ببّة» فقليل جدّا. وهو أيضا مما يجري مجرى حكاية الصوت. وكذلك «ددد» لأنه مستعمل في ضرب من اللعب ، فهو حكاية صوت عندهم. وإذا كانت الألف منقلبة عن ياء كان مما فاؤه ولامه من جنس واحد ، وقد جاء ذلك في الصحيح قليلا نحو «سلس» و «قلق» ، فحمله على ما جاء مثله في الصحيح أولى. وله أيضا أن يستدلّ ، بأن يقول : قد جاءت الياء فاء ولاما في قولهم «يديت إليه يدا» والياء أخت الواو ، فينبغي أن تحمل عليها في ذلك.

٢٨٤

والصحيح عندي الأوّل. وذلك أنه إذا جعلت فيه الألف منقلبة عن ياء اجتمع فيه حمل الألف على الأقلّ فيها ـ من كونها منقلبة عن ياء ـ مع حمل الكلمة على باب «وعوت» ـ أعني مما لامه وفاؤه واو ، وذلك معدوم في كلامهم ـ ومع حمل الكلمة على باب «حيوت» ، أعني أن يكون عينها ياء ولامها واوا ، وذلك أيضا لم يجىء في كلامهم. وإذا جعلت الألف منقلبة عن الواو كان حملا على الأكثر فيها ، ويكون في ذلك دخول في باب واحد معدوم ، وهو كون أصول الكلمة كلّها واوت.

[المعتل الفاء واللام]

فأما اعتلال الفاء واللام وصحّة العين فالذي يتصوّر في ذلك أن تكون الفاء واللّام واوين ، أو ياءين ، أو واوا وياء : وإمّا أن تكون الفاء الواو واللّام الياء أو العكس فأمّا كون الفاء واللّام واوين فلم يجىء من ذلك شيء. وأما كونهما ياءين فلم يجىء من ذلك إلّا «يتديت إليه يدا». وأما كون الفاء واوا واللام ياء فكثير في كلامهم نحو «وقيت» و «وشيت» و «وليت». وأما عكسه فلم يجىء. وجميع ما جاء من المعتلّ اللام والفاء فيحمل أوله على باب «وعد» وآخره على باب «رمى» في جميع أحكامهما.

[المعتل الفاء والعين]

وأما اعتلال الفاء والعين فإنه لا يخلو من أن يكون حرف العلّة واوين ، أو ياءين ، أو الفاء واوا والعين ياء أو العكس. فأما كون الفاء والعين واوين فلم يجىء منه فعل ، لما يلزم فيه من الاعتلال ، ولم يجىء منه اسم إلّا «أوّل». وسبب قلّته أنّ باب «سلس» أكثر من باب «ددن». فإذا لم يجىء في كلامهم مثل «وعوت» فالأحرى ألّا يجيء مثل «أوّل» ، لأنّ «وعوت» مثل «سلس» ، و «أول» مثل «ددن».

فإن قال قائل : إنما يكون ما ادّعيته في «أوّل» صحيحا ، من أنّ فاءه وعينه واوان ، إذا كان وزنها «أفعل». فما تنكر أن يكون وزنها «فعّل» ، فتكون الواو عينا مضعّفة؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على أنها «أفعل» لزوم «من» لها. فتقول «لقيته أوّل من أمس» كما تقول «زيد أفضل من عمرو» مع منع الصرف.

فإن قيل : وما تنكر أن يكون «أفعل» من «وألت» أو من «ألت» كما ذهب إليه الفرّاء ، فيما حكاه ثعلب عنه ، والأصل «أوأل» إن كان من «وألت» ، أو «أأول» إن كان من «ألت» ، ثم أبدل من الهمزة واو وأدغمت الواو في الواو؟.

٢٨٥

فالجواب : أنه لو كان في الأصل «أو أل» لجاز أن يجيء على أصله ، في موضع من المواضع ، ولم نسمعهم نطقوا به هكذا.

فإن قلت : فلعلّة التزم التخفيف فيه ، كما فعل في «النبيّ» و «البريّة»؟.

قيل : ذلك قليل ، مع أنّ قياس تخفيف «أوأل» : «أول» بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة.

فإن قيل : فلعلّهم خفّفوه على قياس «شيّ» و «ضوّ»؟.

فالجواب : أنّ ذلك أيضا لا يقاس ، وإنما القياس «شي» و «ضو». وأيضا فإنّا إنما قلنا إنّ «النبيّ» و «البريّة» مما ألزم التخفيف البتة لقيام الدليل على ذلك ، لكونهما من «النبأ» ومن «برأ الله الخلق» ، ولم يقم دليل على أنّ «أوّل» من «وأل» فتزعم أنه أللزم التخفيف.

فإن قيل : الذي يدلّ على أنّ العين من «أوّل» همزة قراءة من قرأ (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] ، فتكون همزة العين دالّة على أنّ الأصل الهمزة؟.

قيل : القراءة شاذّة ، وإذا ثبت بها رواية فقياسها أن تحمل على قول الشاعر :

أحبّ المؤقدين إليّ موسى

وجعدة ، إذ أصاءهما الوقود (١)

وذلك أنه أبدل الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة ، لأنّ الحركة في النيّة بعد الحرف ، فكأنّ الضمة في الواو. فثبت أنه لا يمكن أن يكون من «وألت».

ولا يمكن أيضا أن يكون من «ألت» ، لأنه لو كان منه لكان «أأول». فأما أن تبدل الهمزة ، أو الألف المنقلبة عن الهمزة ، واوا فغير معروف. والقول الأول كأنه أشبه. فأما همز «أوائل» فقد ذكرت العلّة فيه ، فلا حجّة فيه.

ولم يستعملوا منه فعلا ، لأنه لو كان الفعل على وزن «فعل» بفتح العين لوجب ، من حيث عينه واو ، أن يكون مضارعه «يفعل» بضمّ العين كـ «قال يقول». وكون فائه واوا يلزم مجيئه على «يفعل» بكسر العين ، حتى تحذف الواو كـ «يعد». فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التدافع رفض ، مع ما فيه من ثقل الواوين. ولو كان على وزن «فعل» بضمّ العين لكان

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٨٨ ، والأشباه والنظائر للسيوطي ٢ / ١٢ ، والخصائص لابن جني ٢ / ١٧٥ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٩ ، والمحتسب لابن جني ١ / ٤٧ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٠٦.

٢٨٦

المضارع بضمّ العين. فكنت تقول «وال يوول» فيؤدّي ذلك إلى اجتماع واوين وضمّة ، مع ياء المضارعة أيضا في حال الغيبة. فرفض ذلك لثقله ، فلمّا امتنع «فعل» و «فعل» رفض أيضا «فعل» بالحمل عليهما.

وأما كون الفاء والعين ياءين فلم يجىء منه فعل أصلا ، لما يلزم في ذلك من توالي الإعلال. ولم يجىء منه اسم إلّا «يين» اسم موضع.

وأما كون الفاء واوا والعين ياء نحو «ويل» و «ويح» و «ويب» و «ويس» ، أو بالعكس نحو «يوم» ، فإنّ ذلك قليل جدّا ، ولم يجىء منه فعل أصلا ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى ما يستثقل من توالي الإعلال. وذلك أنك لو بنيت من «ويل» فعلا على وزن «فعل» مفتوح العين لكان المضارع على وزن «يفعل» بكسر العين ، فيجب حذف الواو كما تحذف في باب «وعد يعد» ويجب إعلال العين كما تعلّ في باب «يبيع». ولا يتصوّر بناؤه على «فعل» مضموم العين ، لأنّ «فعل» لا يجيء فيما عينه ياء. فلمّا تعذّر «فعل» و «فعل» رفض «فعل» بالحمل عليهما.

وكذلك أيضا «يوم» لو بني منه فعل على «فعل» أو «فعل» بفتح العين أو ضمّها لكان المضارع على «يفعل» ، فكنت تقول «ييوم» فتجتمع ياءان ، في إحداهما ضمّة ، وواو وذلك ثقيل. فلمّا تعذّر «فعل» رفض أيضا «فعل» بالحمل عليهما.

فأما ما أنشدوا من قوله :

فما وال ، ولا واح

ولا واس أبو هند (١)

فمصنوع ، صنعه النحويّون. وأنشدوا آخر ، وهو قوله :

تويّل ، إذ ملات يدي وكفّي

وكانت لا تعلّل ، بالقليل (٢)

وهذا كأنه أشبه ، لأنه جاء على «فعّل» فأمن فيه الحذف والقلب. فأما قول رؤبة :

*عولة ثكلى ، ولولت بعد المأق (٣)*

__________________

(١) البيت من الهزج ، وهو بلا نسبة في شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري ١ / ٣٣٠ ، والمنصف لابن جني ٢ / ١٩٨.

(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو بلا نسبة في المنصف لابن جني ٢ / ١٩٨ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (ويل).

(٣) الشعر من الرجز ، وهو لرؤبة في ديوانه ص ١٠٧ ، ولسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي ، وأساس البلاغة للزمخشري ، مادة (تأق ـ مأق).

٢٨٧

فمعنى «ولولت» : دعت بالويل. وليس من لفظ الويل ، بل قريب منه كـ «لأآل» من «لؤلؤ». ولو كان منه لكان «ويللت» لأنه «فعللت».

المعتل العين واللام

وأما إذا كانت العين واللّام معتلّتين ، فإنه لا يخلو من أن يكونا واوين ، أو ياءين ، أو يكون العين واوا واللّام ياء ، أو العكس.

فأما أن يكون العين ياء واللّام واوا نحو «حيوت» فلا يحفظ في كلامهم في اسم ولا فعل. فأما «الحيوان» و «حيوة» فشاذّان ، والأصل فيهما «حييان» و «حيّة» ، فأبدلوا من إحدى الياءين واوا. وزعم المازنيّ أنّ هذا مما جاءت عينه ياء ولامه واو ، وأنه اسم لم يستعمل منه فعل ، كما قالوا «فاظ الميت يفيظ فيظا وفوظا» ، فاستعملوا الفعل مما عينه ياء ، ولم يستعملوه مما عينه واو.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنه قد ثبت إبدابهم الياء واوا شذوذوا ، ولم يثبت من كلامهم ما عينه ياء ولامه واو ، وأيضا فإنّ «الحيوان» من الحياة. ومعنى الحياة موجود في «الحيا» المطر ؛ ألا ترى أنه يحيي الأرض والنبات كما قال تعالى : (وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) [ق : ١١]. وهذا كثير في القرآن والشعر.

وهم يقولون في تثنيته «حييان» بالياء لا غير. فثبت بذلك أنّ الواو في «حيوان» بدل من ياء ، وأنّ ما ذهب إليه المازنيّ فاسد.

وأما ما عينه واو ولامه ياء فكثير نحو «شويت» و «طويت». وحكم اللّام فيه حكمها في باب «رميت» في جميع الأحكام. وأما العين فصحيحة ، ولا يجوز إعلالها ، إلّا أن يؤدّي تصريف إلى وقوع واو ساكنة قبل الياء فإنّ الواو تقلب ياء ، وتدغم الياء في الياء ، نحو «شويت شيّا» و «طويت طيّا».

إلّا أن يكون اسما على وزن «فعلى» فإن الياء تقلب فيه واوا. فمن ذلك «العوّى» اسم النجم ، هو في الأصل «عويا» ، فقلبت الياء واوا كما فعل ذلك بالمعتلّ واللام خاصّة نحو «شروى» ـ وقد تقدّم السبب في ذلك ـ ثم أدغمت الواو في الواو. واشتقاقها من «عويت يده» أي : لويتها ، لأنها كواكب ملتوية.

فإن قيل : فهلّا كانت «العوّى» : «فعّلا» من «عويت» ، فلا يكون على ذلك مما قلبت فيه الياء واوا؟.

٢٨٨

فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنه ليس من أبنية كلامهم «فعّل». فأما «شلّم» (١) و «بذّر» (٢) و «بقّم (٣) فأعجميات».

وقد مدّ بعضهم فقال «العوّاء» وهو قليل ، ويحتمل ذلك ضربين من الوزن.

أحدهما : أن يكون «فعلاء» والأصل «عوياء» ، فقلبت الياء واوا وأدغمت الواو في الواو. وإنما قلبوا الياء واوا في «فعلاء» الممدودة ، وليس قياسها ذلك ، لأن الأصل والأكثر فيه القصر. وكأنهم لمّا مدّوه من قصر أبقوا الواو فيه المنقلبة عن الياء ، تنبيها على أنّ المدّ فيه عارض ، كما صحّ «عور» لأنه في معنى «اعورّ». ويكون قلبهم الياء واوا فيه شذوذا كما قالوا «عوى الكلب عوّة» ، والأصل «عوية» فقلبت الياء واوا. حكى ذلك ابن مقسم عن ثعلب.

والآخر : أن يكون «فعّالا» ، وكأنه في الأصل «عوّاي» ، ثم قلبت الياء همزة لتطرّفها ووقوعها بعد ألف زائدة ، فصار «عوّاء». وكأنه ذهب به إلى معنى المنزل ولذلك ذكّر ، وذهب بـ «عوّى» المقصورة إلى معنى المنزلة ولذلك أنّثت.

وأما ريّا التي يراد بها الرائحة ، من قوله :

إذا التفتت نحوي تضوّع ريحها

نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل (٤)

فصفة من معنى «رويت». وكان الأصل فيه «رائحة ريّا» أي : ممتلئة طيبا. ولو كانت اسما لكانت «روّى» ، لأنّ أصلها «رويا» ، فكنت تبدل الياء واوا كما فعلت ذلك في «عوّى» ، ثم تدغم الواو في الواو. فلمّا لم يقولوا ذلك علمنا أنها صفة أصلها «رويا» فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.

فإن قيل : فهلّا ادّعي أنّ «ريّا» اسم وأنها في الأصل «رييا» ، فيكون من باب ما عينه ولامه ياء ، ثم قلبت اللّام واوا فصار «ريوى» ، ثم اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء؟.

__________________

(١) شلّم : اسم بيت المقدس. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (شلم).

(٢) بذّر : ماء معروف بمكة. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (بذر).

(٣) البقّم : صبغ معروف. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (بقم).

(٤) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٥ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٣ / ١٦٠ ، ورصف المباني للمالقي ص ٣١٢ ، والمنصف لابن جني ٣ / ٢٠ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (قرنفل) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر للسيوطي ١ / ٣٤٣ ، ومغني اللبيب لابن هشام ٢ / ٦١٧.

٢٨٩

فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنه لا يحفظ من كلامهم تركيب «ري ي» ، ومن كلامهم تركيب «روي» نحو «رويت» ؛ ألا ترى أنّ قوله :

 ...

 ... ريّا المخلخل (١)

معناه : ممتلئة المخلخل. فهو من معنى «رويت».

والسبب في أن اعتلّت اللّام في هذا الباب وصحّت العين أنك لو أعللتهما جميعا لأدّى ذلك إلى الإعلال بعد الإعلال والحذف ؛ ألا ترى أنك لو قلبت الواو من «طوّيت» ألفا ـ والياء ألف ـ لتوالى الإعلال. ثم يلتقي الألفان وهما ساكنان ، فيؤدي ذلك إلى الحذف. فلمّا لم يكن إعلالهما معا أعللت إحداهما وكانت الأولى بالإعلال اللّام لأنها طرف. وأيضا فإنك لو أعللت العين وصحّحت اللّام لكنت تقول «شاي يشيّ» و «طاي يطيّ» ، فتقلب الواو التي هي عين ياء وتدغمها في الياء ، وتدخل اللّام الضمّة لأنها تجري مجرى الصحيح. فكان يلزم في ذلك تغيير وتبديل كثير. فرفض لذلك.

وقد شذّ من ذلك شيء ، فأعلّت عينه وصحّحت لامه. وجاء ذلك في الاسم لقوّته وتمكّنه ، وذلك نحو «طاية» (٢) و «ثاية» (٣) لأنهما من «طويت» و «ثويت».

وأما ما عينه ولامه واوان فإنّ العين منه تجري مجرى الحرف الصحيح أبدا. وأما اللّام فتجري مجرى اللّام في باب «غزوت» في جميع ما ذكر ، مزيدا كان الاسم أو الفعل أو غير مزيد. إلّا أنّ الفعل إذا كان على ثلاثة أحرف لم يبن إلّا على «فعل» بكسر العين بخلاف باب «غزوت». والسبب في ذلك أنك لو بنيت الفعل على «فعل» أو «فعل» بضمّ العين أو فتحها لكنت تقول «قووت» و «قووت» فتجمع بين واوين إذا رددت الفعل إذا نفسك. وكذلك المضارع لكنت تقول فيه «يقوو» فتجمع أيضا بين واوين. فلمّا تعذّرا عدل

__________________

(١) بعض عجز بيت من البحر الطويل ، والبيت بتمامه :

إذا قلت هاتي ناوليني تمايلت

عليّ هضيم الكشح ريا المخلخل

وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٥ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (هضم) ، والعين للفراهيدي ، مادة (نيل).

(٢) الطاية : الصخرة العظيمة في رملة أو أرض لا حجارة بها ، وقيل : السطح الذي ينام عليه. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (طيا).

(٣) قال ابن منظور في لسان العرب ، مادة (ثوا) : الثّوّة والثّاية والثّويّة : علامة للراعي إذا رجع إلى الغنم ليلا يهتدي بها ... وثاية الغنم والإبل : مأواها وهي عازبة ، أو مأواها حول البيوت.

٢٩٠

إلى «فعل» ، لأنّ الواو تنقلب ياء لتطرّفها ووقوع الكسرة قبلها نحو «قوي» ويجيء المضارع على «يفعل» نحو «يقوى» فيخفّ اللفظ.

فأما الاسم فلا يلزم «فعل» بكسر العين ؛ بل قد تكون العين مفتوحة ، فلا يلزم قلب اللّام ياء نحو «التّوى» وهو الهلاك ، وهو مصدر «توي يتوى» كـ «قوي يقوى». وهو من مضعّف الواو ، يدلّك على ذلك قولهم «التّوّ» للمفرد ، والمعنى واحد لأنّ الهلاك أكثر ما يكون مع الوحدة والانفراد. هكذا قال أبو عليّ. وإنما لم يستنكر مجيء الاسم على «فعل» ـ وإن كان يلزم في التثنية اجتماع الواوين نحو «تووين» كما يلزم في الفعل إذا رددته إلى نفسك ـ لأن الفعل أثقل ، فاستخفّ في الاسم ـ لخفّته ـ ما لم يستخفّ في الفعل لثقله. وأيضا فإن الفعل يتصرّف فيلزم فيه الثقل في مضارعه ، وإذا رددت الفعل إلى نفسك. ولا يلزم في الاسم إلّا في حال التثنية.

وصحّت العين في نحو «قوي» للعلّة التي تقدّمت ، في نحو «طويت» و «شويت».

وأما عينه ولامه ياءان فإنّ العين منه تجري مجرى حرف صحيح ، للعلّة التي تقدّمت أيضا في باب «طويت». وأما الياء التي هي لام فتجري مجرى الياء فيما عينه صحيحة ، نحو «رمى» في جميع الأحكام ، سواء كان الاسم أو الفعل مزيدا ، أو غير مزيد. إلّا ما يعرض في هذا الباب من الإدغام ، بسبب اجتماع المثلين ، على ما يبيّن :

وذلك أنّ المثلين إذا اجتمعا في هذا النوع فلا يخلو من أن يكون الثاني ساكنا ، أو متحرّكا. فإن كان ساكنا لم يجز الإدغام ، لأنه لا يجوز الإدغام في ساكن ، لما يذكر في باب الإدغام. وذلك نحو «حييت» و «أحييت» وأشباه ذلك.

وإن كان الثاني متحرّكا فلا يخلو من أن يكون ما قبله مفتوحا ، أو غير مفتوح.

فإن كان مفتوحا قلبت الياء الثانية ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، وزال الإدغام لاختلاف الحرفين ، نحو «أحيا» «واستحيا».

فإن كان ما قبله غير مفتوح فلا تخلو الياء الثانية من أن تكون حركتها إعرابا أو بناء. فإن كانت الحركة إعرابا لم تدغم ، لأنّ الإعراب عارض ، يزول في حال الرفع والخفض ، فيسكن الحرف ، فلا يمكن الإدغام فيه ، فيحمل النصب في امتناع الإدغام على الرفع والخفض. وذلك نحو «لن يحيي» و «رأيت محييا». فلا تدغم كما لا تدغم في «هو يحيي» ، ولا في «هو محييك».

٢٩١

وإن كانت الحركة بناء فلا يخلو من أن تكون متطرّفة ، أو غير متطرّفة ، فإن كانت متطرّفة جاز الإظهار والإدغام نحو «أحيي وأحيّ» و «حيي وحيّ» و «حيي وحيّ» ، ومن قال «بيع» قال «حيّ» ، وهو الأكثر لأنه أخفّ. وقد قرأ بعض القرّاء (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢] وبعضهم (وَيَحْيى مَنْ حَيَ) بالإدغام. فمن أدغم فلأنّ الحركة لازمة ، ومن أظهر فلأنّ هذه الياء من «حيي» هي الياء الساكنة في «يحيا» التي قلبت ألفا. وكذلك الياء في «أحيي» هي الياء في «يحيا» التي قلبت ألفا. فلمّا كانت هذه الياء في موضع قد تسكن لم يعتدّ بحركتها. ومن قال «حيّ» و «عيّ» أجراهما مجرى «ردّ» ، فكما تقول «ردّوا» كذلك تقول «حيّوا» و «عيّوا». قال :

عيّوا بأمرهم كما

عيّيت ببيضتها الحمامه (١)

ومن قال «حيي» أجراه مجرى «رضي» ، فكما تقول «رضوا» تقول «حيوا». قال :

وكنّا حسبناهم فوارس كهمس

حيوا ، بعد ما ماتوا ، من الدّهر أعصرا (٢)

فإن لم تكن متطرّفة فلا يخلو أن يكون بعدها علامتا التثنية ، أو علامتا الجمع ، أو تاء التأنيث. فإن كان بعدها علامتا التثنية أو علامتا الجمع لم يجز إلّا الإظهار ، وذلك نحو «محييان» و «حييان» و «محييات». والسبب في ذلك أنّ زيادتي الجمع إنما دخلت على الإفراد ، فلما كان المفرد لو لم يلحقه شيء لا يجوز فيه الإدغام ، لأنّ الحركة إعراب ، حملت التثنية والجمع عليه.

فإن كان بعدها تاء التأنيث فلا يخلو أن تلحق التاء لفظ المفرد ، أو بناء الجمع. فإن لحقت بناء الجمع ، نحو «حياء وأحيية» و «عييّ وأعيية» ، جاز الإظهار والإدغام نحو «أحيّة» و «أعيّة». فمن أدغم فلأنّ الحركة بناء ، ولم تدخل على بناء قد امتنع فيه الإدغام قبل لحاقها. ومن أظهر فلأنّ هذه الياء هي التي تسكن في «يعيا» و «يحيا». والإدغام في «أعيّة»

__________________

(١) البيت من مجزوء الكامل ، وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص ١٣٨ ، وأدب الكاتب لابن قتيبة ص ٦٨ ، والحيوان للجاحظ ٣ / ١٨٩ ، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢ / ٤٣٠ ، وشرح شواهد الإيضاح للفارسي ص ٦٣٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١٠ / ١١٥ ، وعيون الأخبار لابن قتيبة ٢ / ٨٥ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (حيا ـ عيا) ، ولابن مفرع الحميري في ملحق ديوانه ص ٢٤٤ ، ولسلامة بن جندل في ملحق ديوانه ص ٢٤٦.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لمودود بن العنبري في شرح أبيات سيبويه للسيرافي ٢ / ٣٣٤ ، ولأبي حزابة الوليد بن حنيفة في شرح شواهد الإيضاح للفارسي ص ٦٣٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٦٢ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (حيا).

٢٩٢

أقوى منه في «أحيّة» ، لأنّ الياء في «أعيية» تلزمها الحركة في الجمع والمفرد نحو «عييّ». وأما «أحيية» فالحركة تلزم في الجمع. وأما في المفرد فلا تثبت الياء ، بل تقول «حياء» ، فتنقلب الياء همزة ، لتطرّفها بعد ألف زائدة.

فإن لحقت المفرد فلا يخلو من أن تكون عوضا من محذوف ، أو غير عوض. فإن لم تكن عوضا لم يجز إلّا الإظهار ، نحو «محيية» و «معيية». والعلّة في ذلك كالعلّة في «محييات» و «محيين» ، من أنّ العلامة دخلت على بناء لا يجوز فيها الإدغام ، وهو «محي» و «معي».

فإن كانت التاء عوضا فإنه لا يجوز إلّا الإدغام نحو «تحيّة» مصدر «حيّا» الأصل «تحيييا» فحذفت ياء «تفعيل» ، وعوّضت التاء منها على حدّ «تكرمة» فصار «تحيية» ، فصارت هذه التاء ، لأجل العوضيّة ، كأنها جزء من الكلمة فلزمت ، فصارت الحركة لازمة لذلك ، فلزم الإدغام.

وزعم المازنيّ أنه يجوز الإظهار. واستدلّ على ذلك بجواز الإظهار في «أحيية» ، مع أنّ الهاء من «أحيية» لازمة لـ «أفعلة» ، لأنها لم تدخل على «أحي» كما أنها في «تحيّة» كذلك ، إذ لم تدخل على «تحيّ». وهذا الذي ذهب إليه ضعيف ، لأنّ الفرق بين «تحيّة» و «أحيية» بيّن. وذلك أنّ التاء من «تحيّة» صارت عوضا من حرف من نفس الكلمة ، فصارت كأنها حرف من نفس الكلمة لذلك. وأيضا فإنّ «أحيية» جمع ، والجمع فرع على الواحد ، والفروع قد لا تلحظ وقد تلحظ. وأما «تحيّة» فمصدر. والمصدر أصل. فينبغي أن يلحظ في نفسه.

وإذا أظهرت الياءين ولم تدغم ، كان الإدغام جائزا مع الإظهار أو لم يكن ، فإنّ إخفاء الحركة من الياء الأولى أفصح من الإظهار ، لأنه وسيطة بين الإظهار والإدغام ، فكان أعدل لذلك.

والإخفاء ، فيما حركة الياء الأولى منه كسرة ، أحسن من الإخفاء فيما حركتها منه فتحة. فالإخفاء في «محيييين» أحسن من الإخفاء في «محيين» ، لأنّ الكسرة في الياء أثقل من الفتحة ، فتكون الداعية إلى التخفيف مع الكسرة أشدّ.

وقد شذّ أليفاظ في هذا الفصل ، فاعتلّت فيها العين. منها «آية» و «راية» و «ثاية» و «غاية» و «طاية». وكان حقّها أن يعتلّ منها اللّام ويصحّ العين. والذي سهّل ذلك كون هذه الألفاظ أسماء ، فلا تتصرّف فيلزم فيها من الإعلال والتغيير ما يلزم في الفعل.

٢٩٣

وفي «آية» ثلاثة أقوال للنحويين :

فمذهب الخليل ما ذكرناه ، من اعتلال العين وصحّة اللّام ، شذوذا.

ومذهب الفرّاء أنّ وزنها «فعلة» وأنّ الأصل «أيّة» ، فاستقلوا اجتماع ياءين ، فأبدلوا من الساكنة ألفا تخفيفا. قال : وإذا كانوا يفعلون ذلك بالياء الساكنة وحدها ، في نحو «عيب وعاب» و «ذيم ودام» ، فالأحرى أن يفعلوا ذلك إذا انضاف إليها ياء أخرى. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ فيه إعلال العين ، مع أنّ العين معتلّة كما في مذهب الخليل ، مع أنّ إبدال الياء الساكنة ألفا ليس بمستمرّ ، وأما «العاب والعيب» و «الذام والذّيم» فهما مما جاء على «فعل» تارة ، وعلى «فعل» أخرى.

ومذهب الكسائيّ أنّ وزنها «فاعلة» ، والأصل «آيية» ، فحذفت استثقالا لاجتماع الياءين ، إذ حذفوها وحدها «بالة» وقد تقدّم. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ فيه أيضا ما في مذهب الخليل من إعلال العين ، لأن الحذف إعلال ، مع أنّ حذف الياء التي هي عين ليس بمطرّد ، مع أنه ادّعى أصلا لم يلفظ به ، ولا مانع يمنع لو كان ذلك.

فتبيّن أنّ الأولى ما ذهب إليه الخليل. وهذه المذاهب إنما تجري في «آية» ، لأنها من ذوات الياء ، بدليل قوله :

قف ، بالدّيار ، وقوف زائر

وتأيّ ، إنّك غير صاغر (١)

فمعنى «تأيّ» : انظر آياتها. فلو كانت عينها واوا لقال «وتأوّ» كما تقول «تلوّ» و «تسوّ».

وكذلك «غاية» في أحد القولين ، لأنّ أبا زيد حكى «غيّيت الغاية وأغييتها». فهذه دلالة قاطعة على أنها من الياء. فعلى هذا تجري فيها المذاهب الثلاثة التي في «آية».

وشذّ من ذلك في الفعل «استحى» ، وكان القياس «استحيا» ، لكن شذّوا فيه ، فأجروه مجرى «استبان» ، فنقلوا حركة الياء التي هي عين إلى الساكن قبلها ، وقلبوا الياء ألفا ، فصار «استحى».

فأما المازنيّ فيزعم أن الألف حذفت تخفيفا ، كما حذفت من «علبط» و «هدبد».

__________________

(١) البيت من مجزوء الكامل ، وهو للكميت في ديوانه ص ٢٢٣ ، وإصلاح المنطق لابن السكيت ص ٣٠٤ ، والمنصف لابن جني ٢ / ١٤٢ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (أيا).

٢٩٤

وأما الخليل فيزعم أنه لما اعتلّت العين سكّنت ، وسكّنت اللّام أيضا كذلك بعدها بالإعلال ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين.

فإن قيل : فلأيّ شيء لم يردّوا المحذوف في المضارع ، فيقولوا «يستحيّ» ، ويرفعوا الياء التي هي لام ، ويدغموا فيها العين؟.

فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنهم لو فعلوه لرفعوا ما لا يرتفع مثله في كلامهم ، لأنّ الأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلّا لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام. [فأما قول الشاعر :

وكأنّها ، بين النّساء ، سبيكة

تمشي بسدّة بيتها فتعيّ (١)

فبيت شاذّ ، وقد طعن على قائله.

وردّ المازنيّ مذهب الخليل ، بقول العرب في التثنية «استحيا». قال : فلو كان الحذف لالتقاء الساكنين لوجب الردّ هنا ، لأنّ اللّام قد تحرّكت لأجل التثنية ، فكانوا يقولون «استحايا». فلمّا لم يقولوا ذلك دلّ على أنّ الحذف تخفيف.

ولقائل أن يقول : لمّا حذف عين «استحى» أشبه «افتعل» ، فصرّف كتصريف ما أشبهه. ومذهب المازنيّ أقوى.

وجمع ما يجري على «استحى» مثله في اعتلال عينه ، من اسم فاعل ، واسم مفعول ، ومضارع نحو «استحى يستحي فهو مستح ومستحى منه». قال الشاعر :

وإني لأستحيي ، وفي الحقّ مستحى

إذا جاء باغي العرف ، أن أتنكّرا (٢)

ولم يستعملوا الفعل معتلّ العين إلّا بالزيادة ، فلا يقال «حاي» ، ولا «يحيّ». فأما قول الشاعر :

وكأنّها ، بين النّساء ، سبيكة

تمشي ، بسدّة بيتها ، فتعيّ

فبيت شاذّ ، وقد طعن على قائله.

__________________

(١) البيت من البحر الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٨٩٣ ، والمحتسب لابن جني ٢ / ٢٦٩ ، والمنصف لابن جني ٢ / ٢٠٦ ، وهمع الهوامع للسيوطي ١ / ٥٣ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (عيا).

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لابن مقبل في ديوانه ص ١٣٦ ، ولسان العرب لابن منظور ، وتهذيب اللغة للأزهري ، وأساس البلاغة للزمخشري ، وتاج العروس للزبيدي ، مادة (سمح).

٢٩٥

وأما اللّام فتجري في اعتلالها مجرى لام «رمى» ، فلا تصحّ إلّا أن تضعّفها ، فإنك إذ ذاك تصحّح الأولى منهما ، وتعلّ الثانية منهما ، لأنّ نسبتها إذ ذاك من الثانية نسبة العين من اللّام في «شوى» وأمثاله. فلو بنيت من «الرمي» مثل «احمرّ» لقلت «ارميا». والأصل «ارميي» ، فصحّت اللّام الأولى ، وقلبت الثانية ألفا. وتقول في المضارع «يرميي» ، فتصحّ اللّام الأولى كما تصحّ العين في «يحيي».

وتقول في مثل «احمارّ» من «الحوّة» : «احواوى الفرس» و «احواوت الشّاة». ترجع الواو إلى أصلها ، لأنه لا مانع من ذلك. واحتملت الواوان ، لوقوعهما منفصلتين. فإن بنيت مثل «احمررت» قلت : «احوويت». واحتملت الواوان ـ وإن كانتا متصلتين ـ لأنهما في تقدير الانفصال ، لأنّ كلّ «افعلّ» مقصورة من «افعالّ».

وتقول في اسم الفاعل في «احواوى» : «محواو» ، ومن «احووى» : «محوو».

ومصدر «احواوى» «احويواء» من غير إدغام ، لأنّ الياء مدّة منقلبة عن ألف «احواوى». هكذا حكى أهل اللغة عن العرب. وزعم المبرد أنك تقول «احويّاء» من قبل أنّ المصدر اسم. فبناؤه على حالة واحدة ، فلا تكون الألف عارضة. والسماع يبطل ما قال.

ومصدر «احووى» : «احوواء». ومن قال في مصدر «اقتتل» : «قتّالا» قال في مصدر «احووى» : «حوّاء». هذا قول أبي الحسن. وغيره يقول : «حيّاء» فيقلب الواو الساكنة ياء ، لانكسار ما قبلها ، ثم تقلب الثانية ياء ، وتدغم الياء في الياء.

والصحيح قول أبي الحسين ، لأنّ الواو بالإدغام قد زال عنها المدّ ، فصارت بمنزلة الحروف الصحيحة ولذلك وقع «وليّ» في القافية مع «ظبي». و «أدل» كان كذلك لو لم تقو الكسرة على قلبها. ويقوّي ذلك قولهم «قرون ليّ» فلم يقلبوا من الضمة كسرة لمّا أمنوا قلب الياء واوا للإدغام كما قلبوها في أدل.

فإن قلت : إنّ القلب في «حيّاء» محمول على قول من قال «ليّ» بكسر اللام؟.

فالجواب : أن ذلك بعيد ؛ ألا ترى أنك لا تجد كلمة من الواو المدغمة قلبتها الكسرة إلى الياء ، لزوال المدّ عنها بالإدغام.

الرباعي المعتل

فإن كان أصول المعتلّ على أزيد من ثلاثة فإنّ نهاية ما يوجد عليه أربعة أحرف ، بشرط أن يكون مضعّفا ، أعني : تكون لامه الأولى من جنس فائه ، ولامه الثانية من جنس عينه ، كما جاءت لام «رددت» من جنس علينه. فهو في الأربعة نظير «رددت» في الثلاثة.

٢٩٦

وذلك نحو «قوقيت» (١) و «ضوضيت» (٢) في بنات الواو ، و «حاحيت» و «عاعيت» و «هاهيت» (٣) في بنات الياء. والأصل «ضوضوت» و «قوقوت» ـ فأبدلوا الواو الأخيرة ياء ، لوقوعها طرفا رابعة ، للعلّة التي ذكرنا في «أغزيت» ـ و «حيحيت» و «عيعيت» و «هيهيت» فأبدلوا من الياء ألفا. كراهية اجتماع الأمثال.

فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ «قوقيت» : «فعللت» ، ولعلها «فعليت» أو «فوعلت». وكذلك أيضا «حاحيت» ما الذي يدلّ على أنه «فعللت» ولعله «فاعلت»؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على أنّ «قوقيت» : «فعللت» أنه لو كان «فوعلت» لكان من باب «ددن». ولو كان «فعليت» لكان من باب «سلس وقلق». وهما بابان قليلان ، و «قوقيت» وأمثاله كثير. فدلّ ذلك على أنه ليس بـ «فوعلت» ، ولا بـ «فعليت».

وأما «حاحيت» وأمثالها فالذي يدلّ على أنها «فعللت» لا «فاعلت» المصدر ؛ ألا تراهم قالوا «الحيحاء» و «العيعاء» ، فيجيء بمنزلة «السّرهاف» (٤). ولو كان «فاعل» لكان مصدره «فعالا» نحو «قاتل قتالا».

فإن قيل : وقد يجيء «الفعال» مصدرا لـ «فاعل» ، قالوا «قاتله قيتالا»؟.

فالجواب : أنّ ذلك قليل ، فلا ينبغي أن يحمل عليه «الحيحاء» و «العيعاء».

والذي يدلّ أيضا على أنّ «حاحيت» و «عاعيت» : «فعللت» قولهم «الحاحاة» و «العاعاة» بمنزلة «الدّحرجة» و «القلقلة» و «الزّلزلة». ولو كانتا «فاعلت» لما جاز ذلك ؛ ألا ترى أنه لا يقال «قاتل قاتلة» ولا «ضارب ضاربة».

وأيضا فإنّ جعل الألف زائدة يؤدّي إلى دخولهما في الباب القليل ـ أعني باب «ددن» ـ وهو كون الفاء والعين من جنس واحد.

فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ الألف منقلبة عن الياء فيهما؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على ذلك أنه لم يجىء قطّ على أصله. فلو كان من ذوات الواو لجاء على أصله ، كـ «قوقيت».

__________________

(١) قوقت الدجاجة : إذا صوّتت عند البيض ، أي : صاحت. انظر العين للفراهيدي ، مادة (قوي).

(٢) الضّأضاء : صوت الناس. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (ضوا).

(٣) هذه الأصوات الثلاثة ينادى بها للغنم.

(٤) السرهاف : من قولك : سرهفت الرجل : إذا أحسنت غذاءه. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (سرهف).

٢٩٧

فإن قيل : ولأيّ شيء لم تبدل من الواو ألف ، في مثل «قوقيت»؟.

فالجواب : أنهم فرّقوا بذلك بين ذوات الياء وذوات الواو ، وكان إبدال الألف من الياء أولى ، لقرب الألف من الياء ، ولما في إظهار الياء من اجتماع الأمثال. وممّا يدلّ على أنهم يبدلون كراهية اجتماع الأمثال «دهديت» (١) ، وأصله «دهدهت». فأبدلت الهاء ياء.

وزعم المازنيّ أنّ الألف منقلبة عن واو ، وحجّته أنّ الألف لمّا لم ينطق لها بأصل ، لا من ياء ولا من واو ، حملها على ما نطق له بأصل ، وهو «قوقيت».

والأوّل أقيس وأحسن ، لأنّ فيه محسّنا لقلب الياء ألفا. وليس في مذهب المازنيّ ما يحسّن القلب.

وجاء من ذلك في الأسماء «غوغاء» ، فيمن صرف فقال «غوغاء» ، أو من ألحق التاء فقال «غوغاءة». والأصل «غوغاو» و «غوغاوة» فقلبت الواو همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة.

فإن قيل : ولعلّ الهمزة منقلبة عن حرف علّة ملحق بالأصل؟.

فالجواب : أنّ حمل الكلمة على ذلك يؤدّي إلى كون الكلمة من باب «سلس وقلق» وذلك قليل جدّا ، فحملت على الباب الأوسع. وأيضا فإنّ العرب لم تلحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة شيئا على وزن «فعلاء» ، لم يوجد من كلامها مثل «حمراى» منوّنا.

فإن قيل : ولعلّ الواو زائدة ، ووزن الكلمة «فوعال» نحو «توراب»؟.

فالجواب : أنّ هذا البناء قليل ، فلا ينبغي أن يحمل عليه. وأيضا فإنه يؤدّي إلى الدخول في باب «ددن» ، وهو أقلّ من باب «سلس».

فأما من منع الصرف فالهمزة عنده زائدة ، والكلمة من باب «سلس».

وكذلك «الصّيصية» (٢) و «الدّوداة» (٣) و «الشّوشاة» (٤). فأما «الصّيصية» فمن مضعّف الياء. وأما «الدّوداة» و «الشّوشاة» فمن مضعّف الواو. ولا ينبغي أن يدّعى في «صيصية»

__________________

(١) دهديت الحجر : دحرجته. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (دهده).

(٢) الصيصية : الحصن ، وكل شيء امتنع به وتحصّن. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (صيص).

(٣) الدوداة : الأرجوحة التي يلعب بها الصبيان. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (دود).

(٤) الشوشاء : الناقة الخفيفة ، والمرأة تعاب بذلك. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (شوش).

٢٩٨

أنها في الأصل «صوصية» ، فقلبت الواو ياء للكسرة قبلها ، لأنه خروج عن الظاهر بغير دليل. وأيضا فإنها لو كانت من ذوات الواو لقالوا في الجمع «صواصّ» ، لتحرّك الواو وزوال الكسرة. فلمّا قالوا «صياص» علمنا أنها من ذوات الياء. قال تعالى : (مِنْ صَياصِيهِمْ) [الأحزاب : ٢٦]. ولا تجعل الياء الثانية زائدة ويكون وزن الكلمة «فعلية» نحو «عفرية» (١) ، لأنّ في ذلك دخولا في باب «قلق» وهو قليل. وكذلك «الدّوداة» و «الشّوشاة» ، لو جعلت الواو فيهما زائدة لكانا من باب «ددن» ، وهو قليل ، ولو كانت الألف زائدة لكانا من باب «سلس». وهو قليل أيضا.

فأما «الفيفاء» (٢) فالألف والهمزة زائدتان ، لأنهم قد يحذفونهما ، فيقولون «الفيف». وكذلك «القيقاء» (٣) و «الزّيزاء» (٤) ، بمنزلة «علباء» (٥) ، ولا يكونان من باب المضعّف ، لأنهما ليسا بمصدرين ، و «فعلال» لا يوجد إلّا في المصادر.

وحكم اللام المعتلّة ، في جميع الأحوال ، حكمها في مزيد الثلاثيّ. وحكم العين حكمها في الثلاثيّ.

ولم تجىء الواو أصلا في بنات الأربعة غير المضعّف إلّا في «ورنتل» (٦) ـ وهو شاذّ ـ وفي أسماء قليلة ، قد نبّهنا عليها في الأبنية. وكذلك الياء لم تجيء أصلا فيما زادت أصوله على ثلاثة أحرف إلّا في «يستعور» (٧) ، وفي ألفاظ قليلة ، نبّهنا أيضا عليها في الأبنية. وقد تقدّم الكلام فيها.

* * *

__________________

(١) العفرية : الداهية. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (عفر).

(٢) الفيفاء : الصحراء الملساء. انظر الصحاح للجوهري ، مادة (فيف).

(٣) قال ابن منظور في لسان العرب ، مادة (قيصر). القيقاء : مكان ظاهر غليظ كثير الحجارة ، وهي مستوية بالأرض وفيها نشوز وارتفاع مع النشوز ، نثرت فيها الأحجار نثرا لا تكاد تمشي فيها ، وما تحت الحجارة المنثورة حجارة غاصّ بعضها ببعض لا تقدر أن تحفرها.

(٤) الزيراء : ما غلظ من الأرض. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (زور).

(٥) العلباء : عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل. انظر النهاية لابن الأثير ، مادة (علب).

(٦) الورنتل : الداهية والأمر العظيم. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (ورل).

(٧) اليستعور : شجر تصنع منه المساويك ، ومساويكه أشد إنقاء للثغر وتبييضا للأسنان. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (يستعر).

٢٩٩

باب

أحكام حروف العلّة الزوائد

وهي ثلاثة الياء والواو والألف.

باب الياء

أما الياء منها فلا تخلو من أن تكون ساكنة ، أو متحرّكة. فإن كانت ساكنة فلا يخلو من أن تقع بعد ساكن ، أو متحرّك. فإن وقعت بعد ساكن فإن كان الساكن حرف علّة حذف ، فتقول في «مصطفى» : «مصطفين» في النصب والخفض. إلّا أن تكون الياء علامة تثنية فإنك تحرّك الساكن الذي قبلها وتقلبه ياء إن كان ألفا ، فتقول «مصطفيين» في النصب والخفض ، أو تكون الألف ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، فإنك تبدل الياء همزة وتحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين ، نحو «صحائف». وقد تقدّم ذكر السبب في ذلك باب البدل. فإن كان حرفا صحيحا كسرته وثبتت الياء ، نحو قوله في التذكر : قدي ، والإنكار : أزيدنيه.

وإن وقعت بعد متحرك فلا يخلو من أن تكون بعد حرف مفتوح ، أو حرف مكسور ، أو حرف مضموم.

فإن كانت بعد حرف مفتوح نحو «بيطر» لم تعتلّ ، إلّا أن ينضاف إليها ثلاث ياءات فإنه يجوز حذفها استثقالا ، وذلك نحو «أميّة» إذا نسبت إليه فإن من العرب من يقول «أمويّ» فيحذف ياء «أميّة» الزائدة ، فيكون كأنه قد نسب إلى «أمى» كـ «هدى» فيقول «أمويّ» كـ «هدويّ».

وإن كانت بعد حرف مكسور فهي على حالها أيضا نحو «قضيب».

وإن كانت بعد حرف مضموم قلبت واوا ، نحو «بيطر» إذا بنيته للمفعول فإنك تقول «بوطر».

وإن كانت متحرّكة فلا يخلو من أن تكون أوّلا ، أو بعد حرف. فإن كانت أوّلا لم

٣٠٠