الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

باب الألف

وأمّا الألف فأبدلت من أربعة أحرف ، وهي : الهمزة ، والياء ، والواو ، والنون الخفيفة. إلّا أنّ الذي يذكر هنا إبدالها من الهمزة والنون ، لأنّ إبدالها من الياء والواو من باب القلب.

فأبدلت من الهمزة ، باطّراد ، إذا كانت ساكنة وقبلها فتحة. نحو «رأس» و «كأس» ، تقول فيهما إذا خفّفتهما : «كاس» و «راس». إلّا أنه إذا كان الحرف المفتوح الذي تليه الهمزة الساكنة همزة التزم قلب الهمزة الساكنة ألفا ، نحو «آدم» وآمن ، أصلهما «أأدم» و «أأمن» ، إلّا أنه لا ينطق بالأصل ، استثقالا للهمزتين في كلمة واحدة.

وأبدلت ، على غير قياس ، من الهمزة المفتوحة المفتوح ما قبلها. وإنما يحفظ حفظا. نحو قوله :

إذا ملا بطنه ألبانها حلبا

باتت تغنيه وضرى ذات أجراس (١)

يريد «ملأ» فأبدل من الهمنزة ألفا. ومن أبيات الكتاب :

راحت بمسلمة البغال عشيّة

فارعي ، فزارة ، لا هناك المرتع (٢)

يريد «لا هنأك» فأبدل الهمزة ألفا. ومن أبيات الكتاب أيضا :

سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما قالت ، ولم تصب (٣)

يريد «سألت» ، فأبدل.

وأبدلت أيضا من الهمزة المفتوحة الساكن ما قبلها ، إذا كان الساكن ممّا يمكن نقل

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ٢ / ٦٦٦ ، ولسان العرب ، مادة (وضر).

(٢) البيت من الكامل ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ٤٠٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٩٤ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٣٥ ، وشرح المفصل ٩ / ١١١ ، والكتاب ، مادة (هنا).

(٣) البيت من البسيط ، وهو لحسان بن ثابت رضي الله عنه في ملحق ديوانه ص ٣٧٣ ، وشرح المفصل ٩ / ١١٤ ، والكتاب ٣ / ٤٦٨ ، والمقتضب للمبرد ١ / ١٦٧.

٢٢١

الحركة إليه ، نحو «المراة» في «المرأة» ، و «الكماة» في «الكمأة». وذلك أنهم نقلوا الفتحة إلى الساكن قبلها ، ولم يحذفوا الهمزة ، بل أبقوها ساكنة ، فجاءت ساكنة بعد فتحة ، فقلبت ألفا.

وأبدلت من النون الخفيفة ، في ثلاثة مواضع :

أحدها : في الوقف على المنصوب المنوّن غير المقصور ، نحو «رأيت زيدا» و «أكرمت عمرا». وقد بيّن في الوقف لم كان ذلك ، وأنهم قصدوا بذلك التّفرقة بين النون الزائدة على الاسم بعد كماله ، والنون التي هي من كمال الاسم.

فإن كان الاسم مقصورا فإنك تقف عليه بالألف نحو «عصا» و «رحى». لكن اختلفوا في الألف.

فمنهم من ذهب إلى أنها بدل من التنوين ، في الرفع والنصب والخفض ، وهو مذهب المازنيّ. وحجّته أنّ الذي منع أن يبدل من التنوين في الرفع والخفض إنما هو الاستثقال ، لأنه إنما ينبغي أن تبدل من التنوين حرفا من جنس الحركة التي قبله ، فلو أبدلت في الرفع لقلت «زيدو» ، وفي الخفض لقلت «زيدي» ، والياء والواو ثقيلتان. وأمّا في النصب فتبدل ، لأنّ الذي قبل التنوين فتحة ، فابذا أبدلت فإنما تبدل الألف وهي خفيفة ، نحو «رأيت زيدا». فلمّا كان ما قبل التنوين في المنقوص فتحة في جميع الأحوال ساوى الرفع والخفض النصب ، فوجب الوقف عنده في الأحوال الثلاثة بالألف.

وهذا الذي ذهب إليه باطل ، إذ لو كان الأمر على ما زعم لم تقع الألف من المقصور قافية ، لأنّ مجيء الألف المبدلة من التنوين قافية لا يجوز.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الألف هي الأصل ، والمبدلة من التنوين محذوفة في جميع الأحوال ، وهو الكسائيّ. وحجّته أنّ حذف الألف الزائدة أولى من حذف الأصليّة.

وذلك باطل ، لأنّ الزيادة لمعنى ، فإبقاؤها أولى من إبقاء الأصل. وممّا يدلّ على ذلك أنهم إذا وصلوا قالوا «هذه عصا معوجّة» ، فحذفوا الألف الأصليّة ، وأبقوا التنوين. فكذلك يجب في الوقف أن يكون المحذوف الألف الأصليّة ، ويكون الثابت ما هو عوض من التنوين.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الألف في حال الرفع والخفض هي الألف الأصليّة ، والتنوين محذوف ، وفي النصب هي الألف المبدلة من التنوين ، والألف الأصليّة محذوفة ،

٢٢٢

قياسا للمعتلّ على الصحيح. وهو مذهب سيبويه ، وهو الصحيح. ومما يؤيّد ذلك كون المنقوص يمال في حال الرفع والخفض ، ولا يمال في حال النصب ، ومجيء الألف قافية في الرفع والخفض ، ولا تكون قافية في حال النصب إلّا قليلا جدّا ، على لغة من قال «رأيت زيد». قال العجاج :

*خالط ، من سلمى ، خياشيم وفا (١)*

والثاني : الوقف على النون الخفيفة ، اللّاحقة للأفعال المضارعة للتأكيد ، نحو «هل تضربن». فإنك إذا وقفت عليه قلت «هل تضربا». والسبب في ذلك أيضا ما ذكرناه في التنوين ، من قصد التفرقة بين النون التي هي من نفس الكلمة ، والنون التي تلحق الكلمة بعد كمالها. نحو قوله :

فإيّاك والميتات ، لا تقربنّها

ولا تعبد الشّيطان ، والله فاعبدا (٢)

يريد «فاعبدن».

والثالث : الوقف على نون «إذن». تقول «أزورك إذا» تريد : إذن. وإنما جاز ذلك في «إذن» ، وإن كانت النون من نفس الكلمة ، لمضارعتها نون الصّرف ونون التأكيد في السكون ، وانفتاح ما قبلها ، وكونها قد جاءت بعد حرفين ، وهما أقلّ ما يكون عليه الاسم المتمكّن نحو «يد» و «دم». وليست كذلك في «أن» و «لن» و «عن» ، لمجيئها بعد حرف واحد ، فلم تشبه لذلك التنوين.

فهذه جملة النونات التي أبدلت منها الألف.

* * *

__________________

(١) الرجز ، للعجاج في ديوانه ٢ / ٢٢٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٤٢ ، والدرر ١ / ١١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٠٤ ، والمقتضب ١ / ٢٤٠.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٨٧ ، والأزهية ص ٢٧٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٢ ، والدرر ٥ / ١٤٩ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٤.

٢٢٣

[ما لم يذكره سيبويه من حروف الإبدال]

وزاد بعض النّحويّين في حروف البدل : السين ، والصاد ، والزاي ، والعين ، والكاف ، والفاء ، والشين.

فأمّا السين فأبدلت من الشين في «الشّده» و «مشدوه» ، فقال «السّده» و «مسدوه». فأمّا قول نصيب :

فلو كنت وردا لونه لعسقتني

ولكنّ ربّي سانني بسواديا (١)

فلم يبدل السين من الشين في «عشقتني» ولا في «شانني» ، بل كان له لثغ في الشين ، فكان يتعذّر عليه النّطق بها ، حتّى يجعلها سينا.

وأمّا الصاد فتبدل من السين إذا كان بعدها قاف ، أو خاء ، أو طاء ، أو غين. فتقول في «سقر» و «سراط» و «سخر» و «أسبغ» : «صقر» و «صراط» و «صخر» و «أصبغ». والسبب في ذلك أنّ القاف والطاء والخاء والغين حروف استعلاء ، والسين حرف منسفل ، فكرهوا الخروج من تسفّل إلى تصعّد ، فأبدلوا من السين صادا ، ليتجانس الحرفان.

وأمّا الشين فأبدلت من كاف المؤنث في نحو «ضربتك» ، فقالوا «ضربتش». ومنه قوله :

فعيناش عيناها جيدش جيدها

خلا أنّ عظم السّاق منش دقيق (٢)

وأبدلت من الجيم في «مدمج» فقالوا «مدمش». وذلك في الشعر ضرورة ، قال :

*إذ ذاك ، إذ حبل الوصال مدمش (٣)*

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ٢٦ ، ولسان العرب ، وتاج العروس ، مادة (عسق).

(٢) البيت من الطويل ، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٦٣ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٦٤ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٠٦ ، ولسان العرب مادة (روع).

(٣) الرجز ، بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٢٠٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٨ ، ولسان العرب ، مادة (دمج).

٢٢٤

يريد : مدمج.

وقالوا «جعشوش» و «جعسوس» أي : صغير ذليل. والأصل السين ، بدليل قولهم في الجمع «جعاسيس». فلا يأتون بالشين.

وأمّا الزاي فأبدلت من الصاد ، إذا كان بعدها قاف أو دال. فقالوا في «مصدق» و «مصدوقة» : «مزدق» و «مزدوقة». وإنما تفعل ذلك كلب. قال :

يزيد ، زاد الله في خيراته ،

حامي نزار ، عند مزدوقاته (١)

وقال الآخر :

ودع ذا الهوى قبل القلى ، ترك ذي الهوى

متين القوى ، خير من الصّرم (٢) ، مزدرا

وأمّا العين فأبدلت من همزة «أنّ» فقالوا «عن». قال الشاعر :

أعن توسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم (٣)؟

يريد «أأن توسّعت». وقال آخر :

أعن تغنّت على ساق مطوّفة

ورقاء ، تدعو هديلا فوق (٤) أعواد؟

يريد «أأن تغنّت»

وقد أبدلت من همزة «أنّ» ، فقالوا «يعجبني عنّ عبد الله قائم» يريدون «أنّ عبد الله قائم». وأبدلت من الهمزة في «مؤتلي» ، فقالوا «معتلي». قال الشاعر :

فنحن منعنا يوم حرس ، نساءكم

غداة دعانا عامر ، غير معتلي (٥)

يريد «غير مؤتلي».

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ١٩٦ ، ولسان العرب ، مادة (صدق) ، والمقرب ٢ / ١٨١.

(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣١٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٩٦ ، وهو بلا نسبة في شرح المفصل ١٠ / ٥٢ ، ولسان العرب ، مادة (صدر).

(٣) البيت من البسيط ، وهو لذي الرمة في ديوانه ١ / ٣٦٩ ، والجنى الداني ص ٢٥٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٤١ ، والخصائص ٢ / ١١ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٢.

(٤) البيت من البسيط ، وهو لإبراهيم بن هرمة في ديوانه ص ١٠٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٩٠ ، والخصائص ٢ / ٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٣٠ ، ومجالس ثعلب ص ١٠١.

(٥) البيت من الطويل ، وهو لطفيل الغنوي في ديوانه ص ٦٦ ، وأمالي القالي ٢ / ٧٩ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٢٣٥ ، والمقرب ٢ / ١٨٣.

٢٢٥

وأبدلت الفاء من الثاء في «ثمّ» و «جدث». فقالوا «قام زيد فمّ عمرو» ، والأصل الثاء ، لأنّ «ثمّ» أكثر استعمالا من «فمّ». وقالوا «جدف» في «جدث» ، والأصل الثاء ، لقولهم في الجمع «أجداث» ولم يقولوا «أجداف».

وأبدلت الكاف من تاء ضمير المخاطب في «فعلت» فقالوا : «فعلك». وأنشد سحيم قصيدة ، فقال «أحسنك والله» ، يريد «أحسنت والله». وأنشد أبو الحسن لبعضهم :

يا بن الزّبير ، طالما عصيكا

وطالما عنّيتنا ، إليكا

لنضربن ، بسيفنا ، قفيكا (١)

والسبب في أن لم يذكر سيبويه ، رحمه الله ، هذه الحروف السبعة في حروف البدل أنها تنقسم قسمين :

قسم : الإبدال فيه مراد به تقريب الحرف من غيره ، فبابه أن يذكر في البدل الذي يكون بسبب الإدغام ، لأنه يشبهه. وهو إبدال الصاد من السين ، إذا كان بعدها طاء أو خاء أو غين أو قاف ، وقد تقدّم تبيين ذلك.

وقسم : الإبدال فيه قليل جدّا ، أو في لغة بعض العرب ، فلم يعتبره. وهو ما بقي من سبعة الأحرف. فأمّا الكاف والسين والشين والفاء فإبدالها قليل جدّا. وأمّا العين فإبدالها من الهمزة قليل ، ولا يفعل ذلك إلّا بنو تميم وكذلك إبدال الزاي من الصاد إنما تفعله كلب.

* * *

تمّ ـ بعون الله ـ الجزء الأول من الممتع

ويليه الجزء الثاني ، وأوله : القلب والحذف والنقل

__________________

(١) الرجز ، لرجل من حمير ، في خزانة الأدب ٤ / ٤٢٨ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٥ ، ولسان العرب ، مادة (تا) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٩١ ، ونوادر أبي زيد ص ١٠٥.

٢٢٦

باب

القلب والحذف والنقل

وإنما أفردت لذلك بابا واحدا ، لأنّ جميع ذلك إنما يتصوّر باطّراد في حروف العلّة. فإن جاء شيء من الحذف أو القلب ، في غير حروف العلّة ، أو في حروف العلّة في خلاف ما يتضمنّه هذا الباب ، فيحفظ ولا يقاس عليه. وسيذكر من ذلك شيء ، عند الفراغ من هذا الباب.

فحروف العلّة هي الواو والياء والألف. وهذه الحروف تكون أصولا وزوائد ، فليقدّم الآن الكلام على الأصول.

وقد بيّن ، فيما تقدّم ، أنّ الألف لا تكون أصلا بنفسها ، بل تكون منقلبة عن ياء أو واو. فعلى هذا لا يخلو أن تقع الياء والواو فاترين أو عينين ، أو لامين.

[المعتل الفاء]

فإن وقعت الواو فاء فلا يخلو من أن تقع فاء في فعل على وزن «فعل» ، أو «فعل» ، أو «فعل» ، أو لا تقع.

فإن وقعت فاء في فعل على وزن «فعل» فإنها تحذف في المضارع. فتقول في مضارع «وعد» : «يعد» ، وفي مضارع «وزن» : «يزن». وإنّما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، وهما ثقيلتان. فلمّا انضاف ذلك إلى ثقل الواو وجب الحذف. وحذفوا مع الهمزة والنون والتاء ، فقالوا «تعد» و «أعد» و «نعد» ، حملا على الياء ، كما أنهم قالوا «أكرم» وأصله «أؤكرم» فحذفوا الهمزة الثانية استثقالا لاجتماع الهمزتين ، ثم حملوا «يكرم» و «تكرم» و «نكرم» على «أكرم».

فإن قيل : فلأيّ شيء حذفت الواو في «يضع» مضارع «وضع» ولم تقع بين ياء وكسرة؟.

فالجواب : أنها في الأصل وقعت بين ياء وكسرة ، لأنّ الأصل «يوضع». لكن فتحت

٢٢٧

العين لأجل حرف الحلق ، ولو لا ذلك لم يجىء مضارع «فعل» على «يفعل» بفتح العين. فلمّا كان الفتح عارضا لم يعتدّ به ، وحذفت الواو رعيا للأصل.

فإن قيل : لو كان وقوع الواو بين ياء وكسرة يوجب حذف الواو لوجب حذفها في «يوعد» مضارع «أوعد»؟.

فالجواب : أنّ الأصل في «يوعد» : «يؤوعد». فالواو إنما وقعت في التقدير بين همزة وكسرة ، فثبتت لذلك ، ولم يلتفت إلى ما اللفظ الآن عليه ، كما لم يلتفت إلى اللفظ في «يضع».

فإن قيل : فلأيّ شيء التزموا في مضارع «فعل» الذي فاؤه واو «يفعل» بكسر العين ، وقد كان نظيره من الصحيح يجوز فيه «يفعل» و «يفعل» ، بضمّ العين وكسرها؟.

فالجواب : أنهم التزموا «يفعل» لأنه يؤدّي إلى حذف الواو ، فيخفّ اللفظ.

فإن قيل : لو ضمّوا العين في «يفعل» ، فقالوا «يوعد» ، لوجب حذف الواو لوقوعها بين ياء وضمّة ، وهما ثقيلان ؛ ألا ترى أنهم لمّا شذّوا من ذلك في حرف واحد ، فجاؤوا به على «يفعل» ، حذفوا الواو ، فقالوا «وجد يجد» ، قال الشاعر :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الصّوادي لا يجدن غليلا (١)

فالجواب : أنّ وقوع الواو بين ياء وضمّة لا يوجب الحذف ، بدليل قولهم في مضارع «وطوؤ» و «وضوؤ» : «يوطؤ» و «يوضؤ» ، فلا يحذفون. فأما حذفهم في «يجد» فلأنّ «يجد» شاذّ ، فالضمّ فيه عارض ، فحذفت فيه الواو ، كما حذفت في «يضع».

فإن قال قائل : فلعلّ الواو في «يجد» حذفت للثقل ، ولم تحذف في «يوضؤ» و «يوطؤ» مضارع «وطؤ» و «وضؤ» لأنهم التزموا في مضارع «فعل» طريقة واحدة ، ألا ترى أنه إنما يجيء على «يفعل» بضمّ العين خاصّة ، فكرهوا الحذف لئلّا يتغيّر المضارع عن أصله ، كما التزم الضمّ في غير المضارع لذلك؟.

فالجواب : أنّ الحذف ليس بمغيّر لمضارع «فعل» عن أصله ، ألا ترى أنك إذا خففّت «يوضؤ» ، ثم أدخلت الجازم ، حذفت الواو للجزم في أحد الوجهين على حدّ قوله :

__________________

(١) البيت من البحر الكامل ، وهو لجرير في المقاصد النحوية للعيني ٤ / ٥٩١ ، وللبيد بن ربيعة في شرح شافية ابن الحاجب للأستراباذي ١ / ٣٢ ، وللبيد أو جرير في لسان العرب لابن منظور ، مادة (وجد).

٢٢٨

جريء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم (١)

فخفّف همزة «يبدأ» ، ثم جراها مجرى حروف العلّة ، فحذفها للجازم. فكما أنّ هذا القدر غير متعدّ به فكذلك حذف الواو في مثل «يوضؤ» و «يوطؤ» لا يكون تغييرا.

فدلّ ذلك على أنّ الواو لا تستثقل بين الياء والضمّة ، وأنها إنما حذفت في «يجد» لما ذكرناه.

وإنما لم يكن نقل الواو بين الياء والضمّة كثقلها بين الياء والكسرة ، لأن الكسرة والياء منافرتان للواو ـ ولذلك إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وصيّر اللفظ بهما واحدا ـ فإذا وقعت الواو بينهما كانت واقعة بين شيئين ينافرانها ، وإذا وقعت بين ياء وضمّة كانت واقعة بين مجانس ومنافر. فلذلك كان وقوعها بين ياء وضمّة أخفّ من وقوعها بين ياء وكسرة.

فإذا رددت الفعل إلى ما لم يسمّ فاعله لم تحذف الواو ، فقلت «يوعد».

فإن قيل : ولم لم تحذف الواو ، وأنتم تزعمون أنّ الفعل المبنيّ للمفعول مغيّر من فعل الفاعل ، ولذلك لم تدغم العرب الواو في الياء في «بويع» و «سوير» وأمثالهما ، لأنّ الأصل «بايع» و «ساير» ، فكذلك كان ينبغي أن يقال «يعد» و «يزن» ، لأنّ الأصل «يعد» و «يزن»؟.

فالجواب : أنّ كلّ فعل مضارع ثلاثيّ مبنيّ للمفعول يأتي أبدا على وزن «يفعل» ، بضمّ حرف المضارعة وفتح العين ، ولا ينكسر ذلك في شيء منه ، فأشبه مضارع «فعل» في أنه يلزم فيه طريقة واحدة ؛ ألا ترى أنّ مضارع «فعل» إنما يأتي أبدا على «يفعل» ، بفتح حرف المضارعة وضمّ العين. فحمل عليه لذلك. وأيضا فإن العرب قد تعدّ بالعارض ، ولا تلفت إلى الأصل ، فيكون قول العرب «يوعد» من قبيل الاعتداد بالعارض ، فلذلك لم يحمل على فعل الفاعل. ويكون «سوير» من قبيل ترك الاعتداد بالعارض ، فلذلك حمل على «ساير». فلم تحذف الواو منه كما لم تحذف من مضارع «فعل».

ويأتي مصدر «فعل» الذي فاؤه واو أبدا على وزن «فعلة» ، أو «فعل» في الغالب ، نحو «وعد» و «وعدة» و «وزن» و «وزنة». وقد يأتي على خلاف هذين البناءين ، مما يرد يرد عليه الصحيح ، نحو «ورد الماء ورودا».

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٤ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٣ / ١٧ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٣٩ ، وشرح شواهد الشافية ص ١٠.

٢٢٩

فأما «فعل» فلم تحذف الواو منه لخفّة الفتحة. وأما «فعلة» فحذفت الواو منه لثقل الكسرة في الواو ، مع أنه مصدر لفعل قد حذفت منه الواو ، فقالوا في «وعدة» : «عدة» فألقوا كسرة الواو على ما بعدها ، وحذفوها.

فإن قيل : وهلّا حذفوا الواو بكسرتها؟.

فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك لاحتاجوا إلى تكلّف وصل ، لأنّ ما بعد الواو ساكن. ولزمت التاء لأنها جعلت كالعوض من الواو.

فإن ولأيّ شيء التزم في المصدر هذان البناءان ، وقد كان الصحيح يجيء على ذلك من الأبنية؟.

فالجواب : أنهم التزموهما لخفّتهما ، ألا ترى أنّ «فعلا» على ثلاثة أحرف ، وهو أخفّ أبنية الأسماء الثلاثيّة ، وأكثرها وجودا. وأما «فعلة» ؛ فلأنه يؤدّي إلى حذف الواو ، وهو حرف مستثقل ، كما أنهم التزموا في المضارع «يفعل» بكسر العين ، لأنه يؤدّي إلى التخفيف. ولو جاء على غير ذلك ، من الأوزان التي يجيء عليها مصدر الفعل الثلاثيّ الصحيح ، لم يكن في خفة ذلك.

وإن وقعت الواو فاء في فعل على وزن «فعل» بكسر العين فإنّ مضارعه يجيء على قياسه من الصحيح ، وهو «يفعل» ، ولا تحذف الواو لأنها لم تقع بين ياء وكسرة ، نحو «وجل يوجل».

فإن قيل : فلأيّ شيء لم يجيئوا بمضارعه على «يفعل» بكسر العين ، فيكون ذلك سببا للتخفيف بحذف الواو؟.

فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك لخرجوا عن قياس مضارع «فعل» ؛ ألا ترى أنه لا يجيء على «يفعل» إلّا شاذّا ، نحو «حسب يحسب». وليس كذلك «فعل» ، لأنّ «يفعل» مقيس فيه.

ومن العرب من يقلب هذه الواو طلبا للتخفيف ، فيقول «ياجل» و «ياحل» (١). وأيضا فإنه أراد أن يغيّر الواو في مضارع «فعل» ، كما غيّرها في مضارع «فعل» ، فأبدل منها أخفّ حروف العلّة ، وهو الألف.

__________________

(١) ياحل : مضارع وحل. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (حلل).

٢٣٠

ومنهم من يبدل الواو ياء ، فيقول : «ييجل» ، و «ييحل». وذلك أنه قد اجتمع له واو وياء ، وإحداهما ساكنة ، فأشبه «يوجل» وبابه لذلك «طيّا» مصدر «طويت». فكما قلب الواو ياء في «طيّ» ، وأصله «طوي» ، فكذلك فعل في «يوجل». ثم حمل «تفعل» و «نفعل» و «أفعل» على «يفعل».

ومنهم من أراد أن يجعل قلب الواو لموجب على كلّ حال ، فاستعمل لغة من يكسر حرف المضارعة من «فعل» فيقول «تعلم» ، فقال «تيجل» و «نيجل» «وإيجل» ، و «ييجل» ، فكسر حرف المضارعة إذا كان ياء استثقالا للفتحة في الياء ، فجاءت الواو بعد كسرة فقلبت ياء.

فإن قيل : فإنهم لا يقولون «يعلم» ، فيكسروا حرف المضارعة ، إذا كان ياء ، استثقالا للكسرة في الياء؟.

فالجواب : أنهم احتملوا هذا القدر من الثقل ، لأنه يؤدّي إلى التخفيف بقلب الواو ياء.

إلّا أن يكون مضاعفا فإنه لا تغيّر الواو فيه ، نحو «وددت أودّ» ، ولا تقول «آدّ» ولا «أيدّ» ولا «إيد» لقوّة الواو بالحركة.

وقد شذّت ألفاظ ، فجاء المضارع منها على «يفعل» ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة. وهي «ورث يرث» و «وري الزّند يري» و «وفق يفق» و «وغم يغم» (١) و «ومق يمق» و «وثق يثق» و «وحر صدره يحر» و «وغر يغر» (٢) و «وعم يعم» و «وسع يسع» و «وطىء يطأ».

فإن قيل : وما الدليل على أنّ «يسع» و «يطأ» : «يفعل» بكسر العين ، وهلا وقف فيهما مع الظاهر وهو «يفعل» لأن العين مفتوحة ، وأيضا فإن مضارع «فعل» : «يفعل» ، فما الذي دعا إلى جعل «يسع» و «يطأ» شاذّين؟.

فالجواب : أنّ الذي حمل على ذلك إنما هو حذف الواو ، إذ لو كانا «يفعل» لكانا «يوطأ» و «يوسع». فدلّ حذف الواو على أنهما في الأصل «يوطىء» و «يوسع» ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم فتحت العين لأجل حرف الحلق ، ولم يعتدّ بالفتح ؛ لأنه عارض.

__________________

(١) الغم : الكرب. انظر اللسان ، مادة (غمم).

(٢) وغر صدره : امتلأ غيظا ، والوغر : العداوة. انظر اللسان ، مادة (وغر).

٢٣١

وإنما كان الشاذّ من «فعل يفعل» فيما فاؤه واو أكثر من الشاذّ منه في الصحيح ، لأنّه شذوذ يؤدّي إلى تخفيف اللفظ بالحذف.

وزعم الفرّاء أنّ موجب الحذف إنما هو التّعدّي نحو «يعد» و «يزن» ، وموجب الإثبات إنما هو عدم التعدّي نحو «يوجل» و «يوحل».

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنه خارج عن القياس ، ألا ترى أنّ الحذف إنما القياس فيه أن يكون لأجل الثقل. وأيضا فإنهم قالوا : «وأل» زيد مما كان يحذره يئل و «وبل المطر يبل» و «قدت النّار تقد» و «وحر صدره يحر» و «وغر يغر». فحذفوا الواو في جميع ذلك ، وإن كان غير متعدّ ، لمّا وقعت بين ياء وكسرة.

وإن وقعت الواو فاء في فعل على وزن «فعل» فإن مضارعه لا تحذف منه الواو. نحو «يوضؤ» و «يوطؤ» ، لما ذكرنا من أنّ الواو بين الياء ، والضّمّة أخفّ منها بين الياء والكسرة.

وما عدا ذلك ، مما تقع الواو فيه فاء ، من اسم أو فعل على ثلاثة أحرف أو أزيد ، فإنها لا تقلب ولا تحذف ، إلّا أن تقع :

ساكنة بعد كسرة ، فإنها تقلب ياء ، نحو «ميزان» و «ميعاد». الأصل فيهما «موزان» و «موعاد» ، لأنهما من الوزن والوعد ، فقلبت الواو ياء لسكونها ، وانكسار ما قبلها.

أو ساكنة بعد فتحة في مضارع «افتعل» ، فإنها تقلب ألفا نحو «يا تعد». أصله «يوتعد» ، لأنه من الوعد ، فقلبت الواو ألفا ؛ لأنها تقلب ياء بعد الكسرة في «ايتعد» ، وتثبت بعد الضّمة في «موتعد». فلمّا كانت بعد الكسرة والضمّة على حسبهما كانت بعد الفتحة على حسبها ، فقلبت ألفا بالحمل.

وأما الياء إذا وقعت فاء فلا تقلب ، إلّا أن تقع ساكنة بعد ضمّة فإنها تقلب واوا ، نحو «موقن» ، أصله «ميقن» ، لأنه من اليقين ، فقلبت واوا لسكونها وانضمام ما قبلها أو تقع ساكنة بعد فتحة في مضارع «افتعل» نحو «ياتئس» من اليأس «ييتئس» ، فقلبت الياء ألفا ، للعلّة التي قلبت الواو في «ياتعد» ألفا. أعني : الحمل على «ايتأس» و «موتئس».

ولا تحذف أصلا إلّا في لفظتين شذّتا وهما «يبس» و «يئس» في مضارع «يبس» و «يئس». وأصلهما «ييبس» و «ييئس» ، فحذفت الياء لوقوعها بين ياء وكسرة ، كما حذفت الواو من «يعد» ، تشبيها بها في أنهما حرفا علّة ، وقد وقعا بين ياء وكسرة وإنما لم تحذف الياء باطّراد ، إذا وقعت بين ياء وكسرة ؛ لأنها أخفّ من الواو.

٢٣٢

وكذلك جاء المصدر على قياسه من الصحيح ، فجاء على «فعل» نحو «ينع» ، وعلى «فعال» نحو «يعار» ، وعلى «فعول» نحو «ينوع».

[المعتل العين]

فإن وقعت الواو والياء عينين فلا يخلو من أن يكونا عينين ، في كلمة على ثلاثة أحرف ، أو على أزيد. فإن كانت الكلمة على ثلاثة أحرف فلا يخلو أن تكون اسما أو فعلا. فإن كانت الكلمة فعلا فإن الفعل لا يخلو من أن يكون مبنيّا للفاعل ، أو مبنيّا للمفعول.

فإن كان مبنيّا للفاعل فإن الفعل من ذوات الواو يكون على «فعل» و «فعل» و «فعل» ، بضمّ العين وفتحها وكسرها. فـ «فعل» : «قام» ، و «فعل» : «طال» ، و «فعل» : خاف. ومن ذوات الياء على «فعل» و «فعل» ، بفتح العين وكسرها. ولا يجوز الضمّ استثقالا له في الياء. فـ «فعل» «باع» ، و «فعل» : «كاد».

فإن قيل : فلأيّ شيء اعتلّت هذه الأفعال ، وهلّا بقيت على أصولها ، فكنت تقول «قوم» و «طول» و «خوف» و «بيع» و «كيد»؟.

فالجواب : أن «فعل» و «فعل» قلبت فيهما الواو والياء استثقالا للضّمّة في الواو ، والكسرة في الواو والياء ، فقلبت الواو والياء إلى أخفّ حروف العلّة وهو الألف ، ولتكون العينات من جنس حركة الفاء وتابعة لها. وأما «فعل» فقلبت الواو والياء فيها ألفا لاستثقال حرف العلّة ، مع استثقال اجتماع المثلين ، أعني : فتحة الفاء وفتحة العين. فقالوا في «قوم» و «بيع» : «قام» و «باع» فقلبوا الواو والياء ألفا لخفّة الألف ، ولتكون العين حرفا من جنس حركة الفاء.

هذا حكم هذه الأفعال ، إذا أسندت إلى ضمير غيبة ، نحو «زيد قام» و «عمرو باع» ، أو إلى ظاهر نحو «قام زيد» و «باع عمرو الطعام». إلّا فعلين شذّت العرب فيهما ، وهما «كاد» و «زال» ، فأعلّوهما بنقل حركة الكسرة من العين إلى الفاء ، فقالوا «كيد» و «ما زيل».

قال :

وكيد ضباع القفّ يأكلن جثّتي

وكيد خراش يوم ذلك ييتم (١)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأبي خراش الهذلي في حماسة البحتري ص ٤٩ ، وشرح شواهد الإيضاح لأبي علي الفارسي ص ٦٢٨ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (كيد).

٢٣٣

فأجروهما على ما يجريان عليه ، إذا أسند الفعل إلى ضمير المتكلّم أو المخاطب. وسنبيّن حكم هذه الأفعال ، إذا أسندت إلى ضمير المتكلّم أو المخاطب.

فإن أسند الفعل إلى ضمير متكلّم أو مخاطب فإنه لا يخلو أن يكون على «فعل» أو «فعل» و «فعل» ، فإن كان على «فعل» أو «فعل» بضمّ العين وكسرها ، فإنك تنقل حركة العين إلى الفاء قبلها ، وتحذف العين لالتقاء الساكنين ، أعني : حرف العلّة مع ما بعده. فتقول «خفت» و «كدت» و «طلت» ، فتكسر الفاء من «فعل» ، وتضمّ الفاء من «فعل».

فإن قيل : فلأي شيء ، لمّا حذفوا العين ، نقلوا حركتها إلى الفاء؟.

فالجواب : أنهم لمّا اضطرّوا إلى الحذف كان الأسهل عندهم ألّا يحذفوا الحرف بحركته ، وأن يبقوا الحركة التي كانت في العين ، فنقلوها إلى الفاء لذلك ، وأيضا فإنهم أرادوا أن يفرّقوا بين حذف عين الفعل المتصرف ، وغير المتصرّف. فلما كانوا لا ينقلون في غير المتصرّف ، فيقولون «لست» في «ليس» ، نقلوا في المتصرّف.

فإن قيل : ليست عين «ليس» متحرّكة ، فلم يكن فيها ما ينقل؟.

فالجواب : أنّ أصلها «ليس» نحو «صيد» ثم خفّفت ، والتزم فيها التخفيف لثقل الكسرة في الياء.

فإن قيل : وما الدليل على ذلك؟.

فالجواب : أنه قد ثبتت أنها فعل ، والأفعال الثلاثيّة لا تخلو من أن تكون على وزن «فعل» أو «فعل» أو «فعل» ، فلا بدّ لها من أن تكون على وزن من هذه الأوزان ، وباطل أن تكون مفتوحة العين في الأصل ، لأنّ الفتحة لا تخفّف. وباطل أن تكون مضمومة العين ، لأنّ «فعل» ممّا عينه ياء لم يوجد ، فلم يبق إلّا أن تكون في الأصل مكسورة العين.

فإن كان الفعل على «فعل» فإنه لا يخلو أن يكون من ذوات الياء أو من ذوات الواو. فإن كان من ذوات الواو حوّلته إلى «فعل» ، بضمّ العين ، ثم نقلت حركة العين إلى الفاء. فتقول «قلت» و «قلت». وإن كان من ذوات الياء حوّلته إلى «فعل» ، بكسر العين ، ثم نقلت حركة العين ، إلى الفاء. فتقول «بعت» و «بعت».

فإن قيل : ولأيّ شيء حوّلت «فعل» إلى «فعل» في ذوات الواو ، وإلى «فعل» في ذوات الياء؟.

فالجواب : أنه لو نقلنا الفتحة من العين إلى التاء ، ولم نحوّلها كسرة ولا ضمّة ، لم

٢٣٤

يدر : هل الفتحة التي في الفاء هي الفتحة الأصليّة التي كانت قبل النقل أو فتحة العين ، بخلاف «فعل» و «فعل» ، لأنه إذا انضمّت الفاء أو انكسرت ، بعد أن كانت مفتوحة ، علم أنّ الحركة التي في الفعل حركة العين نقلت. فلذلك حوّلت الفتحة إلى غيرها ليعلم أنّ الحركة التي في الفاء هي حركة العين وحوّلت حركة العين في ذوات الواو إلى الضمة وفي ذوات الياء إلى الكسرة ليحصل بذلك الفرق بين ذوات الواو وذوات الياء ، لأن الضّمة تدلّ على الواو لأنها منها ، والكسرة تدلّ على الياء لأنها أيضا منها.

فإن قيل : فما الدليل على أنّ «قال» : «فعل» في الأصل ، ثم نقل إلى «فعل» وهلّا ادّعي أنه «فعل» في الأصل؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على أنه ليس بـ «فعل» في الأصل : تعدّيه نحو «قلته» ، و «فعل» لا يتعدّى ، ومجيء اسم الفاعل منه على «فاعل» نحو «قائل» ، واسم الفاعل من «فعل» إنما هو «فعيل» نحو «ظريف» ، ولا يجيء على «فاعل» إلّا شاذّا نحو «حمض فهو حامض». فأما «قام» وأمثاله ، ممّا هو غير متعدّ ، فالذي يدلّ على أنه «فعل» بفتح العين مجيء اسم الفاعل منه على «فاعل» نحو «قائم».

فإن قيل : وما الدّليل على أنّ «باع» : «فعل» في الأصل ، وهلّا ادّعيتم أنه «فعل» بكسر العين في الأصل ، ولم تدّعوا أنّ هذه الكسرة في «بعت» أبدلت من الفتحة؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على ذلك أنّ المضارع «يفعل» نحو «يبيع» ، و «يفعل» لا يكون مضارع «فعل» إلّا شاذّا.

وأمّا «خاف» و «كاد» فالذي يدلّ على أنهما «فعل» مجيء مضارعهما على «يفعل» بفتح العين ، نحو «يكاد» و «يخاف».

وأمّا «طال» فالذي يدلّ على أنه «فعل» في الأصل مجيء اسم الفاعل منه على «فعيل» ، فتقول «طويل».

فأمّا مضارع «فعل» المضمومة العين فعلى «يفعل» بضمّ العين ، على قياس نظيرها من الصحيح. لم يشذّ من ذلك شيء.

وأمّا «فعل» المكسورة العين فيجيء مضارعها أبدا على «يفعل» بفتح العين ، نحو «كدت تكاد» و «زلت تزال». ولم يشذّ من ذلك شيء إلّا لفظتان ، وهما «متّ تموت» و «دمت تدوم» فجاء مضارعهما على «يفعل» بضمّ العين. على أنه يمكن أن يكون هذا من تداخل اللّغات. وذلك أنهم قد قالوا «متّ» و «دمت» كـ «عدت» ، فيكون «تدوم» و «تموت»

٢٣٥

مضارعين لـ «دمت» و «متّ». ومن قال «متّ» بالكسر و «دمت» لم يستعمل لهما مضارعا ، بل اجتزأ بمضارع «متّ» و «دمت» عنه.

وأمّا «فعل» من ذوات الياء فمضارعها أبدا على «يفعل» بكسر العين ، نحو «باع يبيع». ولم يشذّ من ذلك شيء.

وأمّا «فعل» من ذوات الواو فمضارعها أبدا على «يفعل» بضمّ العين ، نحو «قال يقول». ولم يشذّ من ذلك شيء إلّا لفظتان ، وهما «طاح يطيح» و «تاه يتيه» ، في لغة من قال «ما أطوحه» وما «أتوهه». ولا يمكن أن يكونا ـ على هذا ـ «فعل» بكسر العين ، لأنّ «فعل يفعل» شاذّ من الصحيح والمعتلّ ، و «فعل يفعل» وإن كان شاذّا فيما عينه واو فليس بشاذّ في الصحيح. فحملهما على ما يكون مقيسا في حال أولى.

فأمّا من قال «ما أتيهه» فقوله «يتيه» على القياس. والدليل أيضا على أنّ «تاه» قد يكون من ذوات الياء قولهم «وقع في التّوه والتّيه». فقولهم «في التّيه» دليل على أنه من ذوات الياء بقاء مع الظاهر. وكذلك أيضا «تيّه» يدلّ على أنّ «تاه» من ذوات الياء.

فإن قيل : فلعل «تيّه» : «فيعل» ، وهي من ذوات الواو ، والأصل «تيوه» فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء؟.

فالجواب : أنّ «فعّل» أكثر من «فيعل» ، فيجب أن يحمل «تيّه» على «فعّل» لذلك.

وأيضا فإنّ «تيّه» للتكثير ، فينبغي أن يكون على «فعّل» ، لأنّ «فعّل» من الأبنية التي وضعتها العرب للتكثير ، نحو «قطّع» و «كسّر». وأيضا فإنهم يقولون فيه إذا ردّوه لما لم يسمّ فاعله «تيّه». ولو كان «فيعل» لقالوا «تويه» إن كان من ذوات الياء ، و «تووه» إن كان من ذوات الواو كـ «بوطر». ولم يجز الإدغام كما لم يدغم مثل «سوير» ، لأنّ الواو مدّة. وسيبيّن ذلك في بابه ، إن شاء الله تعالى.

فإن قيل : فلأيّ شيء قالوا في مضارع «فعل» من ذوات الواو : «يفعل» ، ومن ذوات الياء : «يفعل» ، وقد كان «فعل» من الصحيح يجوز في مضارعه «يفعل» و «يفعل» ، نحو «يضرب» و «يقتل»؟.

فالجواب : عن ذلك شيئان :

أحدهما : أنه لمّا حوّل «فعل» من ذوات الواو إلى «فعل» جاء مضارعه كمضارع «فعل» ، فالتزموا فيه «يفعل» بضمّ العين. وأمّا «فعل» من ذوات الياء فلمّا حوّل إلى «فعل» أشبه «فعل» من ذوات الواو ، في أنّ بناءهما في الأصل «فعل» مفتوح العين ، وأنّ كلّ

٢٣٦

واحد منهما حوّلت حركة عينه الأصلية إلى حركة من جنس العين. فكما التزموا في مضارع «فعل» من ذوات الواو أن تكون حركة العين من جنسها ، كذلك التزموا في مضارع «فعل» من ذوات الياء أن تكون حركة العين من جنسها.

فإن قيل : فهلّا لمّا حوّلوا «فعل» من ذوات الياء إلى «فعل» جعلوا مضارعه «يفعل» بفتح العين ، كمضارع «فعل» ، ثم حملوا «فعل» من ذوات الواو على «فعل» من ذوات الياء؟.

فالجواب : أنّ «فعل» المكسور العين قد شذّوا في مضارعه ، فجاء على «يفعل» نحو «حسب يحسب» و «نعم ينعم» ، وعلى «يفعل» بضمّ العين نحو «فضل يفضل». فإذا فعلوا ذلك فيما عينه مكسورة في الأصل بالأحرى أن يجيء ذلك فيما عينه في الأصل مفتوحة. وأمّا «فعل» فلم يشذّوا في شيء من مضارعه ، فلذلك لمّا حوّلت «فعل» إليها التزموا في المضارع «يفعل» بضم العين. وأيضا فإنهم إذا جعلوا مضارع «فعل» من ذوات الواو «يفعل» بضمّ العين لم يخرجوه عمّا كان يجوز فيه قبل نقله إلى «فعل» ، لأنّ «يفعل» مضارع «فعل» في فصيح الكلام. بل يكون قد التزم فيه أحد البناءين اللذين كانا له في نظيره من الصحيح. ولو جعلت مضارع «فعل» ممّا عينه ياء على «يفعل» بفتح العين لكنت قد جعلت مضارعه بعد النقل خارجا عن قياس ما كان عليه قبل النقل.

والآخر : أنهم أرادوا التفرقة بين ذوات الواو وذوات الياء ، فالتزموا في ذوات الواو «يفعل» بضم العين ، لأنّ الضمّة من جنس الواو ، وفي «فعل» من ذوات الياء «يفعل» بكسر العين لأنّ الكسرة من جنس الياء.

وهذا الوجه الآخر أولى ، لأنهم قد فعلوا مثل ذلك في المعتل اللام : التزموا في «فعل» من ذوات الواو «يفعل» بضمّ العين نحو «يغزو» ، وفي مضارع «فعل» من ذوات الياء «يفعل» بكسر العين نحو «يرمي» ، تفرقة بين الياء والواو. وسنبيّن ذلك بعد ، إن شاء الله.

فإن قيل : فهلّا فرّقوا في مضارع «فعل» المكسورة العين ، بين ذوات الياء والواو ، فالتزموا في مضارع ذوات الواو «يفعل» بضمّ العين ، وفي مضارع «فعل» من ذوات الياء «يفعل» بكسر العين ، كما فعلوا في «فعل»؟.

فالجواب : أنهم لو فعلوا ذلك لأخرجوا مضارع «فعل» المكسور العين عن قياسه ، لأنّ المضارع منه إنّما يأتي على «يفعل» بفتح العين. وليس كذلك «فعل» ، بل مضارعه يأتي على «يفعل» و «يفعل». فالتزمنا في ذات الواحد أحد الجائزين ، وهو يفعل المضموم العين ، وفي ذوات الياء أيضا أحد الجائزين ، وهو «يفعل» المكسور العين.

٢٣٧

فإن قيل : فإنّ الأصل «يقوم» و «يصول» و «يبيع» و «يكيد» و «يخوف». فحرفا العلّة ـ وهما الواو والياء ـ قد أسكن ما قبلهما ، وإذا أسكن ما قبل حرف العلّة صحّ نحو «ظبي» و «غزو». وهذا في المعتلّ اللّام ، فالأحرى أن يكون ذلك في المعتلّ العين ، لأنّ العين أقوى من اللّام وأقرب إلى أن تصحّ؟.

فالجواب : أنهم أعلّوا المضارع حملا على الماضي ، فلم يمكنهم أن يعلّوا بقلب حرف العلّة ألفا ، مع إبقاء سكون ما قبل حرف العلّة ، فأعلوا بالنقل ، فنقلوا حركة العين إلى الفاء ، كما نقلوها في إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم والمخاطب. فلمّا نقلوا في «يقول» و «يطول» صارا «يقول» و «يطول». ولمّا نقلوا في «يبيع» صار «يبيع». ولمّا نقلوا في «يكيد» و «يخوف» صارا «يكيد» و «يخوف». ثم قلبوا الواو والياء ألفا ، لتحرّكهما في الأصل قبل النقل ، وانفتاح ما قبلهما في اللفظ. ولم يعتدّوا بالسكون ، لأنه عارض بسبب النقل ، والعارض الغالب فيه ألّا يعتدّ به.

وكذلك «قم» و «بع» أصلهما «اقوم» و «ابيع» ، ثم نقلت حركة العين إلى ما قبلهما فتحرّك فذهبت همزة الوصل ، لأنها إنما أتي بها لأجل الساكن ، فزالت لزواله. ثمّ سكّنوا الآخر ، وحذفوا حرف العلّة لالتقاء الساكنين.

ويحكى أنّ أبا عمر الجرميّ ، رحمه الله ، دخل بغداد ، وكان بعض كبار الكوفيين يغشاه ويكثر عليه المسائل ـ ويقال هو الفرّاء ـ وهو يجيبه. فقال له بعض أصحابه : إنّ هذا الرجل قد ألحّ عليك بكثرة المسائل فلم لا تسأله؟ فلمّا جاءه قال له : يا أبا فلان ، ما الأصل في «قم»؟ فقال له : «اقوم». فقال له : فما الذي عملوا به؟ فقال : استثقلوا الضّمّة على الواو ، فأسكنوها. فقال له : أخطأت لأنّ القاف قبلها ساكنة! فلم يعد إليه الرجل بعدها.

فأمّا اسم الفاعل من «فعل» فـ «فاعل» نحو «قائم» و «بائع». وقد ذكرنا من أيّ شيء أبدلت الهمزة ، في باب البدل.

وأما من «فعل» المضمومة العين فعلى قياس الصحيح. فتقول «طويل» كما تقول «ظريف».

وأما من «فعل» ، إن جاء على «فاعل» ، فإنك تبدل الهمزة من العين نحو «خائف» ، وقد ذكر في البدل ، وإن جاء على «فعل» فإن حرف العلّة ينقلب ألفا لتحرّكه وانفتاح ما قبله ـ كما فعل بالفعل ـ نحو «خاف» و «مال» ، اسما فاعل من «خاف الرجل» ، و «مال» إذا كثر ماله. جاء على «فعل» على حدّ قولهم : حذر يحذر فهو «حذر» في الصحيح.

٢٣٨

فإن كان الفعل مبنيّا للمفعول صيّرته على «فعل» ، فتضمّ فاءه وتكسر عينه ، فتقول «قول» و «بيع». فتستثقل الكسرة في الياء والواو :

فمنهم من يحذفها فيسكن الواو فتصير «قول» ، ويسكن الياء ، فتصير ساكنة بعد ضمّة فتقلب واوا ، فيقول «بوع». وجعلت العين في هذا الوجه تابعة لحركة الفاء ، كما كانت في فعل الفاعل.

ومنهم من ينقل الكسرة من العين إلى الفاء ، فيقول «بيع». وأمّا «قول» فينقل الكسرة من العين إلى الفاء فتصير الواو ساكنة بعد كسرة فتنقلب ياء ، فيقول «قيل».

وإنما جاز نقل حركة العين إلى الفاء ، في فعل المفعول ، من غير أن يسند إلى ضمير المتكلّم أو المخاطب ، ولم يجز ذلك في فعل الفاعل إلّا في «كاد» و «زال» كما تقدّم ـ تشبيها للكسرة التي في عين «فعل» بالكسرة التي في عين «فعل» من ذوات الياء إذا حوّلت ، من جهة أنّ كلّ واحدة من الكسرتين أصلها الفتح. ولأنّ في نقل حركة العين إلى الفاء تخفيفا بقلب ياء ، والياء أخفّ من الواو ، فتصير ذوات الواو والياء بلفظ واحد. وفي نقل حركة العين إلى الفاء في فعل الفاعل تثقيل ، لأنك تقول «كيد» و «زيل» ، و «كاد» و «زال» أخفّ ، لأنّ الألف أخفّ من الياء. ولذلك كان النقل في «فعل» أحسن من حذف الكسرة من العين ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى قلب الياء واوا ، فتقول «بوع» ، فتخرج الأخفّ إلى الأثقل.

ومن العرب من إذا نقل الكسرة من العين إلى الفاء أشمّ الفاء الضمّة. دليلا على أنّ الفاء مضمومة في الأصل. وذلك بأن تضمّ شفتيك ثم تنطق بالفعل ، ولا تلفظ بشيء من الضمّة. ولو لفظت بشيء من الضّمة لكان روما لا إشماما. قال الزّجاجيّ : وذلك لا يضبط إلا بالمشافهة إشارة إلى أنه لا يسمع «بل يرى». وأمّا بعض النّحويّين وكافّة القرّاء فإنهم يجعلون الكسرة بين الضمّة والكسرة. والذي عليه المحقّقون من النحويّين ما ذكرت لك. ولذلك سمّوه إشماما.

هذا ما لم تسند الفعل إلى ضمير المتكلّم أو المخاطب. فإن أسندته إليهما فإنّ الذي يخلص الضمّ ، فيقول «بوع» و «كول (١) زيد الطعام» ، يقول : «بعت» و «كلت الطعام» ، فيخلص الضمّ أيضا. والذي يقول «بيع» و «كيل» فيشمّ يقول : «بعت» و «كلت» فيشمّ. والذي

__________________

(١) كول : أعطي الطعام بالكيل. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (كيل).

٢٣٩

يقول «بيع» و «كيل» فيخلص الكسر يقول «بعت» و «كلت» فيشمّ ، تفرقة بين فعل الفاعل وفعل المفعول ، ومنهم من يخلص الكسر ـ وذلك قليل ـ ويتّكل في التّفرقة على القرائن ، وما يتّصل بالفعل ، من قبل أو بعد.

فإذا بنيت منه لمضارع ضممت أوّله وفتحت ما قبل آخره ، فقلت «يقول» و «يبيع». ثم تعلّه حملا على الماضي ـ كما كان ذلك في مضارع فعل الفاعل ـ فتنقل فتحة العين إلى الفاء ، فيصير «يقول» و «يبيع». فتقلب الواو والياء ألفا ، لانفتاح ما قبلهما ، ولتحرّكهما في الأصل. لأنّ السكون عارض بسبب النقل ، والأحسن في العارض ألّا يعتدّ به ، فيقال «يقال» و «يباع».

وأمّا اسم المفعول فإنّه يأتي على وزن «مفعول» على قياس الصحيح ، نحو «مبيوع» و «مقوول». فيعلّ حملا على فعله ، فتنقل حركة العين إلى الساكن قبل ، فيصير «مقوول» و «مبيوع» فيجتمع ساكنان : واو «مفعول» والعين ، فتحذف واو «مفعول» ، فيقال «مقول» في ذوات الواو. وأمّا «مبيوع» فإنه إذا حذفت واو «مفعول» قلبت الضمّة التي قبل العين كسرة ، لتصحّ الياء ، فتقول «مبيع». هذا مذهب الخليل وسيبويه.

وأما أبو الحسن فإنه ينقل الحركة من العين إلى الفاء ، في ذوات الواو ، فيلتقي له ساكنان ، فيحذف العين فيقول «مقول». وفي ذوات الياء نحو «مبيوع» ينقل الضمّة من الياء إلى ما قبلها ، ثم يقلب الضمّة كسرة لتصحّ الياء فيلتقي ساكنان ـ الياء وواو «مفعول» ـ فتحذف الياء ، فتجيء الواو ساكنة بعد كسرة ، فتقلب الواو ياء ، فيقول «مبيع».

فمما يحتجّ به للخليل أنّ الساكنين إذا اجتمعا في كلمة حرّك الثاني منهما ، دون الأول. فكما يوصل إلى إزالة التقائهما بتحريك الثاني منهما ، كذلك يوصل إلى إزالة التقائهما بحذف الثاني منهما. وأيضا فإنّ حذف الزائد أسهل من حذف الأصل ، فلذلك كان حذف واو «مفعول» أسهل من حذف العين. وأيضا فإنهم قد قالوا «مشيب» في «مشوب» ، و «غار منيل» (١) في «منول» ، و «أرض مميت عليها» في «مموت» ، و «مريح» (٢) في «مروح». فقلبوا الواو ياء شذوذا ، فدلّ ذلك على أنّ الواو المبقاة هي العين ، وأن المحذوفة واو «مفعول» ، لأنهم قد قلبوا الواو التي هي عين ياء ، فقالوا «حير» في «خور». أنشد أبو زيد :

__________________

(١) المنيل : الذي ينال فيه. انظر المصباح المنير للفيومي ، مادة (نال).

(٢) يقال : غصن مريح ، أي : أصابته الريح فحركته. انظر تاج العروس للزبيد ، مادة (روح).

٢٤٠