الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

«أؤاتي» ، ثم التزموا البدل ، هروبا من اجتماع الهمزتين. ثم حملوا «يواتي» و «نواتي» و «تواتي» و «موات» ، على «أواتي» ، في التزام البدل.

وزعم المازنيّ أنّ الهمزة إذا كانت مفتوحة ، وقبلها فتحة ، أنها تبدل ياء. فقال في أفعل من «أممت» : «أيمّ» ، كما تبدل إذا كانت مكسورة ، نحو «أيمّة» جمع إمام ، لأنّ الفتحة أخت الكسرة ، فالأقيس أن يكون حكم الهمزة المفتوحة كحكم المكسورة في الإبدال ، لا كالمضمومة في إبدالها واوا. ورأى أنه لا حجّة في «أوادم» ، لأنهم لمّا قالوا في المفرد «آدم» صار بمنزلة «تابل» ، فأجروا الألف المبدلة مجرى الزائدة. فكما قالوا «توابل» (١) فكذلك قالوا «أوادم». فالواو عنده بدل من الألف ، لا من الهمزة.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ الألف المبدلة لو كانت تجري مجرى الألف الزائدة لجاز أن يجمع بينها وبين الساكن المشدّد ، فكنت تقول في جمع «إمام» : «آمّة». فيكون أصله «أأممة» ، فتبدل الهمزة ألفا فيصير «آممة» ، ثم تدغم الميم في الميم فتسكن الأولى ، لأجل الإدغام ، فتقول «آمّة» ، وتجمع بين الألف والساكن المشدّد ، كما جاز ذلك في «دابّة». فقول العرب «أيمّة» ، ونقلهم الحركة إلى ما قبل ، دليل على أنها لم تجر مجرى الألف الزائدة. فكذلك أيضا «آدم» ، لا ينبغي أن تجرى هذه الألف مجرى الألف الزائدة. فينبغي أن يعتقد أنها تردّ إلى أصلها من الهمزة ، إذا جمعت ، لزوال موجب إبدالها ألفا ، وهو سكونها وانفتاح ما قبلها. فإذا ردّت إلى أصلها قالوا «أآدم» ، فاستثقلوا الهمزتين ، فأبدلوا الثانية واوا. فإذا تبيّن أنهم أبدلوا من الهمزة المفتوحة واوا في «أوادم» وجب أن يقال في «أفعل» من «أممت» : «أومّ». وهو مذهب الأخفش.

وهذا أيضا جميع ما أبدلت فيه الهمزة واوا ، إذا التقت مع همزة أخرى.

* * *

__________________

(١) التوابل ، الأبزار : أي البزر ، الصحاح للجوهري ، مادة (بزر).

٢٠١

باب الياء

وأمّا الياء فتبدل من ثمانية عشر حرفا. وهي : الألف ، والواو ، والسين ، والباء ، والراء ، والنون ، واللّام ، والصاد ، والضاد ، والميم ، والدال ، والعين ، والكاف ، والتاء ، والثاء ، والجيم ، والهاء ، والهمزة. إلّا أنه لا يذكر هنا إبدالها من الألف والواو ، لأنّ ذلك من باب القلب.

فأبدلت من السين ، من غير لزوم ، في «سادس» و «خامس». فقالوا «سادي» و «خامي». قال الشاعر :

إذا ما عدّ أربعة ، فسال

فزوجك خامس ، وحموك سادي (١)

أي «سادس». وقال الآخر :

مضى ثلاث سنين ، منذ حلّ بها

وعام حلّت ، وهذا التابع الخامي (٢)

أي «الخامس».

وأبدلت من الباء ، على غير لزوم ، في جمع «ثعلب» ، و «أرنب» ، في الضرورة. أنشد سيبويه :

لها أشارير من لحم ، تتمّره

من الثّعالي ، ووخز من أرانيها (٣)

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لامرئ القيس في ملحق ديوانه ص ٤٥٩ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٤١ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٣.

(٢) البيت من البحر البسيط ، وهو للحادرة وقطبة بن أوس في لسان العرب ، مادة (خمس) وبلا نسبة في الدرر ٦ / ٢٢٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٢ ، والمقرب ١ / ٣١٥.

(٣) البيت من البحر البسيط ، وهو لأبي كاهل النمر بن تولب اليشكري ، في الدرر ٣ / ٤٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨٣ ، ولسان العرب ، مادة (رنب) ، وبلا نسبة في الأمالي لابن الحاجب ص ٣٢٧ ، وجمهرة اللغة ص ٣٩٥ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٤٢.

٢٠٢

أراد «الثعالب» و «أرانب» فلم يمكنه أن يسكن الباء فأبدل منها ياء.

وأبدلت أيضا من الباء ، على اللزوم ، في «ديباج». وأصله «دبّاج» ، فأبدلوا الباء الساكنة ياء ، هروبا من اجتماع المثلين. والدليل على ذلك قولهم في الجمع «دبابيج». فردّوا الباء ، لمّا فرّقت الألف بين المثلين.

وأبدلت أيضا من الباء الثانية ، هروبا من التضعيف ، في «لا وربّك» ، فقالوا «لا وربيك». حكى ذلك أحمد بن يحيى.

وأبدلت من الراء ، على اللزوم ، في «قيراط» و «شيراز» (١). والأصل «قرّاط» و «شرّاز» ، فأبدلوا الياء من الراء الأولى هروبا من التضعيف ، والدليل على أنّ الأصل «قرّاط» و «شرّاز» قولهم «قراريط» و «شراريز» ، فردّ والراء ، لمّا فصلت الألف بين المثلين.

وأبدلت أيضا في «تسرّيت» وأصله «تسرّرت» ، لأنه «تفعّلت» من «السّرّيّة». و «السّرّيّة» : «فعليّة» من السرور ، لأنّ صاحبها يسرّ بها ، أو من السّرّ ، لأنّ صاحبها يسرّ أمرها عن حرّته وربّة منزلة. ومن جعل «سرّيّة» «فعّيلة» من سراة الشيء ـ وهو أعلاه ـ كانت اللّام من «تسرّيت» واوا أبدلت ياء ، لوقوعها خامسة ، لأنّ «السّراة» من الواو بدليل قولهم في جمعه «سروات». قال :

وأصبح مبيضّ الصّقيع كأنّه

على سروات البيت ، قطن (٢) ، مندّف

والذي ينبغي أن يحمل عليه «سرّيّة» أنه «فعليّة» من السّرّ ، أو من السّرور. فقد دفع أبو الحسن. اشتقاقها من سراة الشيء ـ وهو أعلاها ـ بأن قال : إنّ الموضع الذي تؤتى منه المرأة ليس أعرها وسراتها. وهذا الدفع صحيح ، واشتقاقه من السّرّ أو السرور واضح. فلذلك كان أولى.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الياء من الراء.

وأبدلت من النون ، على اللزوم ، في «دينار». أصله «دنّار» ، فأبدلت الياء من النون الأولى ، هروبا من ثقل التضعيف ، بدليل قولهم «دنانير» في الجميع ، و «دنينير» في التحقير.

__________________

(١) الشيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه ، المصباح المنير للرافعي ، مادة (شرز).

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ٢ / ٢٨ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٥٦ ، وجمهرة أشعار العرب ، ص ٨٨٣.

٢٠٣

وأبدلت أيضا من نون «إنسان» الأولى ، على غير اللزوم ، فقالوا «إيسان». قال عامر بن جؤين :

فيا ليتني ، من بعد ما لاف أهلها ،

هلكت ، ولم أسمع بها صوت إيسان (١)

وقالوا في الجميع «أياسين» بالياء. والأصل النون ، لأنّ «إنسانا» و «أناسيّ» بالنون أكثر منه بالياء.

وأبدلت أيضا ، على اللزوم ، من نون «ظربان» ونون «إنسان» التي بعد الألف ، في الجمع ، فقالوا «أناسيّ» و «ظرابيّ». فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث ، لشبهها بها. فكما يبدلون من همزة التأنيث ياء ، فيقولون في «صحراء» : «صحاريّ» ، فكذلك فعلوا بنون «إنسان» و «ظربان» ، في الجمع.

وأبدلت أيضا من النون في «تظنّيت» ، لأنه «تفعّلت» من الظّنّ. فأصله «تظنّنت» ، فأبدلت النون ياء ، هروبا من اجتماع الأمثال.

وأبدلت أيضا على اللزوم ، من النون في «تسنّى» بمعنى : تغيّر. ومن ذلك قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) [البقرة : ٢٥٩] ، فحذفت الألف المبدلة من الياء للجزم. والأصل «يتسنّن» فأبدلت النون ياء ، هروبا أيضا من اجتماع الأمثال. والدليل على ذلك قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ٢٦] أي : متغيّر. فقوله تعالى : (مَسْنُونٍ) يدلّ على أنّ «يتسنّ» في الأصل من المضعّف كـ «مسنون» ، وليس من قبيل المعتلّ.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الياء من النون.

وأبدلت من اللّام في «أمليت الكتاب». إنما أصله «أمللت» ، فأبدلت اللّام الأخيرة ياء ، هروبا من التضعيف. وقد جاء القرآن باللغتين جميعا. قال تعالى : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥]. وقال عزّ وجلّ : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) [البقرة : ٢٨٢]. وإنما جعلنا اللّام هي الأصل ، لأنّ «أمللت» أكثر من «أمليت».

وأبدلت من الصاد على غير اللزوم في «قصّيت أظفاري» بمعنى «قصّصت». فأبدلوا من الصاد الأخيرة ياء ، هروبا من اجتماع الأمثال ، حكى ذلك اللّحيانيّ.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لعامر بن جرير الطائي في لسان العرب ، مادة (أنس) ولعامر بن جؤين في المقرب ٢ / ١٧١.

٢٠٤

وأبدلت من الضاد ، في قول العجّاج :

تقضّي البازي ، إذا البازي كسر (١)

إنما هو «تفعّل» من الانقضاض. وأصله «تقضّض» ، فأبدلت الضاد الأخيرة ياء. وقالوا أيضا «تقضّيت» من الفضّة ، وهو مثل «تقضّيت».

وأبدلت من الميم في «يأتمي» على غير اللزوم في الشعر ، قال :

تزور امرءا ، أمّا الإله فيتّقي

وأمّا بفعل الصّالحين فيأتمي (٢)

أصله «يأتمّ» ، فأبدل من الميم الثانية ياء ، هروبا من التضعيف.

وأبدلت أيضا في «تكمّوا» ، لأنه «تفعّلوا» من «كممت الشيء» إذا سترته. فأصله «تكمّموا» ، فأبدلوا من الميم الأخيرة ياء فقالوا «تكمّيوا» ، فاستثقلت الضمّة في الياء ، فحذفت ، فبقيت الياء ساكنة ، فحذفت لالتقائها مع واو الضمير الساكنة ، فصار «تكمّوا». قال الراجز :

بل لو شهدت النّاس ، إذ تكمّوا

بقدر ، حمّ لهم ، وحمّوا (٣)

وأبدلت أيضا من الميم الأولى في «أمّا» ، فقالوا «أيما» هروبا من التضعيف. وقد روي بيت ابن أبي ربيعة :

رأت رجلا ، أيما إذا الشّمس عارضت

فيضحى ، وأيما بالعشيّ فيخصر (٤)

وأبدلت أيضا من الميم الأولى في «ديماس» ، هروبا من التضعيف.

وأصله «دمّاس» ، بدليل قولهم في الجمع «دماميس».

وأبدلت من الدّال ، في قوله تعالى : (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥] ،

__________________

(١) الرجز ، للعجاج في ديوانه ١ / ٤٢ ، وأدب الكاتب ص ٤٨٧ وشرح المفصل ١٠ / ٢٥ ، وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ٢ / ٩٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٩ ، والمقرب ٢ / ١٧١.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ٢ / ٧٦٠ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٩ ، وشرح المفصل ١٠ / ٢٤ ، ولسان العرب ، مادة (أمم).

(٣) الرجز ، العجاج في ديوانه ص ٦٣ ، وبلا نسبة في الأمالي في لغة العرب ١ / ٢١.

(٤) البيت من البحر الطويل ، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ١٤٨ ، والأغاني للأصبهاني ١ / ٨١ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٥ / ٣١٥ ، والدرر ٥ / ١٠٨ ، والمحتسب ١ / ٢٨٤ ، ومغني اللبيب لابن هشام ١ / ٥٥.

٢٠٥

و «التصدية» : التصفيق والصوت. و «فعلت» منه : صددت أصدّ. ومنه قوله تعالى : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) [الزخرف : ٥٧] : أي : يعجّون ويضجّون. فأصله «تصددة» ، فحوّلت إحدى الدالين ياء ، هروبا من اجتماع المثلين. وليس قول من قال إنّ الياء غير مبدلة من دال ، وجعله من «الصّدى» الذي هو الصوت ، بشيء ، وإن كان أبو جعفر الرستميّ قد ذهب إليه ، لأنّ الصّدى لم يستعمل منه فعل. فحمله على أنه من هذا الفعل المستعمل أولى.

وأبدلت من العين ، فيما أنشده سيبويه ، من قوله :

ومنهل ليس له حوازق

ولضفادي جمّه نقانق (١)

يريد «ولضفادع» ، فكره أن يسكّن العين في موضع الحركة ، فأبدل منها ما يكون ساكنا في حال الجرّ ، وهو الياء.

وأبدلت أيضا من العين ، في «تلعّيت» من اللّعاعة «تلعية». والأصل «تلعّعت تلععة» ، فأبدلت العين الأخيرة ياء ، هروبا من اجتماع الأمثال.

فإن قال قائل : فلعلّ «تلعّيت» : «تفعليت» والياء زائدة ، مثلها في «تجعبيت» ، فلا تكون إذ ذاك بدلا؟.

فالجواب : أنّ التاء إنما دخلت على «لعّيت» ، و «لعّيت» : «فعّلت» ، بدليل قولهم «تلعية» ، إذ لا يجيء المصدر على تفعلة إلّا إذا كان الفعل على وزن «فعّل». فإذا تبيّن أنّ التاء دخلت على «فعّلت» ثبت أنّ «تلعّيت» : «تفعّلت» ، وأنّ الياء بدل من العين.

وأبدلت من الكاف ، فيما حكاه أبو زيد ، من قولهم «مكّوك» و «مكاكيّ». وأصله «مكاكيك» ، فأبدلت الياء من الكاف الأخيرة ، هروبا أيضا من ثقل التضعيف.

وأبدلت من التاء ، أنشد بعضهم :

قامت بها ، تنشد كلّ منشد

فايتصلت بمثل ضوء الفرقد (٢)

يريد «فاتّصلت» ، فأبدل من التاء الأولى ياء ، كراهية التّشديد.

__________________

(١) الرجز ، لخلف الأحمر في الدرر ٦ / ٢٢٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب للبغدادي ٤ / ٤٣٨ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٦٢ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٨٠ ، والكتاب ٢ / ٢٧٣ ، والمقتضب للمبرد ١ / ٢٤٧.

(٢) الرجز ، بلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٦٤ ، وشرح المفصل ١٠ / ٢٤ ، ولسان العرب ، مادة (وصل) والمقرب ٢ / ١٧٣.

٢٠٦

وأبدلت من الثاء في «ثالث» ، فقالوا «الثالي». قال الراجز :

يفديك ، يا زرع ، أبي وخالي

قد مرّ يومان ، وهذا الثّالي

*وأنت ، بالهجران ، لا تبالي (١)*

أراد «وهذا الثالث».

وأبدلت من الجيم في جمع «ديجوج» ، فقالوا «الدّياجي». وأصله «دياجيج» ، فأبدلت الجيم الأخيرة ياء ، وحذفت الياء فيها تخفيفا.

وأبدلت من الهاء في «دهديت الحجر» أي : دحرجته. وأصله «دهدهته» ؛ ألا تراهم قالوا «دهدوهة الجعل» لما يدحرجه. قال أبو النّجم :

كأنّ صوت جرعها المستعجل

جندلة ، دهديتها بجندل (٢)

وقالوا في «صهصهت بالرّجل» إذا قلت له «صه صه» : «صهصهيت» ، فأبدلوا من الهاء ياء.

وأبدلت من الهمزة باطّراد ، إذا كانت ساكنة وقبلها كسرة. فتقول في «ذئب» و «بئر» و «مئرة» (٣) : «ذيب» و «بير» و «ميرة». ولا يلزم ذلك ، إلّا أن يكون الحرف المكسور الذي قبل الهمزة الساكنة همزة أخرى ، نحو «إيمان» و «إيتاء» في مصدر «آمن» و «آتى». وأصلهما «إئمان» و «إئتاء».

وأبدلت من الهمزة المفتوحة المكسور ما قبلها ، نحو «مير» و «أريد أن أقريك» ، على غير لزوم. وقد مضى السبب في ذلك في باب تخفيف الهمز.

وكذلك أيضا تبدل من الهمزة المضمومة المكسور ما قبلها ، عند الأخفش ، نحو «هو يقريك» في «يقرئك» ، على غير لزوم أصلا. وقد تقدّم الدليل على بطلان هذا المذهب ، في باب تخفيف الهمز أيضا.

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في الدرر ٦ / ٢٢٤ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ص ٧٦٤ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٨٠ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٣.

(٢) الرجز ، لأبي النجم ، في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٢٣٣ ، والطرائف الأدبية ص ٦٥ ، وبلا نسبة في شرح المفصل ١٠ / ٢٠٦.

(٣) المئرة : العداوة ، لسان العرب ، مادة (مأر).

٢٠٧

وتبدل منها أيضا إذا وقعت بعد ياء «فعيل» ونحوه ، ممّا زيدت فيه لمدّ وبعد ياء التحقير ، على غير لزوم. فيقولون في خطيئة : «خطيّة» ، وفي «نسيء» : «نسيّ» ، وفي تحقير «أفؤس» : «أفيّس».

وإذا التقت همزتان ، وكانت الثانية متحرّكة بالكسر ، قلبت الثانية ياء على اللزوم ، نحو قولهم «أيمّة» في جمع «إمام» أصله «أأممة» ، ثم أدغمت فقلت «أئمّة» ، ثم أبدلت من الهمزة المكسورة ياء.

وتبدل أيضا من الهمزة الواقعة طرفا بعد ألف زائدة ، في التثنية ، في لغة لبعض بني فزارة. فيقولون في تثنية «كساء» و «رداء» : «كسايان» و «ردايان». حكى ذلك أبو زيد عنهم.

وأبدلت ، بغير اطّراد في «قرأت» و «بدأت» و «توضّأت» ، فقالوا قريت و «توضّيت» و «بديت». وعلى «بديت» جاء قول زهير :

جريء ، متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا ، وإلّا يبد بالظّلم يظلم (١)

فحذف الألف المنقلبة عن الياء المبدلة من الهمزة ، للجزم في «يبدى».

وقالوا في «واجىء» (٢) : «واج» ، فأبدل الهمزة ياء ، وأجراها مجرى الياء الأصليّة. الدليل على ذلك أنه جعلها وصلا لحركة الجيم ، في قوله :

وكنت أذلّ من وتد بقاع

يشجّج رأسه ، بالفهر (٣) ، واجي

وأجراها مجرى الياء الأصليّة ، في قوله قبل :

ولولاهم لكنت كحوت بحر

هوى ، في مظلم الغمرات ، داجي

ولو كانت الهمزة منويّة عنده لم يجز أن تكون الياء وصلا كما لا يجوز ذلك في الهمزة. ونحو من ذلك قول ابن هرمة :

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٤ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٣ / ١٧ ، والدرر ١ / ١٦٥ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٧٣٩ ، وشرح شواهد الألفية ص ١٠.

(٢) الواجئ : الضارب ، اللسان ، مادة (وجأ).

(٣) البيت من البحر الوافر ، وهو لعبد الرحمن بن حسان في ديوانه ص ١٨ ، والخصائص لابن جني ٣ / ١٥٢ ، والدرر ٤ / ١٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٠٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٤١ ، وشرح المفصل ٩ / ١١٤ ، والكتاب ٣ / ٥٥٥ ، ولسان العرب ، مادة (وج).

٢٠٨

إنّ السّباع لتهدى في مرابضها

والناس ليس بهاد شرّهم أبدا (١)

فأبدل الهمزة من «هادىء» ياء ضرورة. وجميع هذا لا يقاس عليه إلا في ضرورة شعر.

وأبدلت أيضا من الهمزة في «أعصر» اسم رجل ، فقالوا «يعصر». قال أبو عليّ : إنما سمّي «أعصرا» لقوله :

أبنيّ إنّ أباك شيّب رأسه

كرّ اللّيالي ، واختلاف الأعصر (٢)

* * *

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو لابن هرمة في ديوانه ص ٩٧ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٤٠ ، ولسان العرب ، مادة (هدأ).

(٢) البيت من البحر الكامل ، وهو لباهلة بن أعصر ، في اللسان والتاج ، مادة (عصر) ، ولمنبه بن سعد بن قيس عيلان في أساس البلاغة ، مادة (عصر).

٢٠٩

باب التاء

وأمّا التاء فأبدلت من ستّة أحرف ، وهي : الواو ، والياء ، والسين ، والصاد ، والطاء ، والدال.

فأبدلت من الواو ، على غير اطّراد ، في «تجاه» وهو «فعال» من «الوجه» ، و «تراث» : «فعال» من «ورث» ، و «تقيّة» : «فعيلة» من «وقيت» ، و «التّقوى : فعلى»» منه ، و «تلقاة» : «فعلة» منه ، و «توراة» عندنا «فوعلة» من «وري الزنديري» وأصله «ووراة» فأبدلوا الواو الأولى تاء ، لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لأبدلوا منها همزة هروبا من اجتماع الواوين في أوّل الكلمة. وكذلك «تولج» (١) : «فوعل» من «الولوج» أصله «وولج». وهو عند البغداديين «تفعل» ، والتاء زائدة. وحملها على «فوعل» أولى ، لقلّة «تفعل» في الكلام وكثرة «فوعل». وكذلك «توراة».

وكذلك «تخمة» لأنها من الوخامة ، و «تكأة» لأنها من «توكّأت» ، و «تكلان» لأنه من «توكّلت». و «تيقور» (٢) : «فيعول» من الوقار ، أصله «ويقور». ومن أبيات الكتاب :

*فإن يكن امسى البلى تيقوري (٣)*

يريد «وقاري». ورجل «تكلة» من «وكل يكل».

وقالوا : «أتلجة» أي : أولجه. وكذلك ما تصرّف منه ، نحو «متلج». و «أتكأه» وما تصرّف منه ؛ لأنه من «توكّأت» أيضا.

وأبدلت من واو القسم في نحو «تالله» ، لأنّ الأصل الباء ـ بدليل أنك إذا جررت

__________________

(١) التولج : كناس الوحش ، اللسان ، مادة (ولج).

(٢) التيقور : الوقار ، لسان العرب ، مادة (وقر).

(٣) الرجز ، للعجاج في ديوانه ١ / ٣٢٠ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٢٣ ، والكتاب ٤ / ٣٣٢ ، والمصنف ١ / ٢٢٧.

٢١٠

المضمر أتيت بالباء فقلت «به» و «بك» ، لأنّ المضمرات تردّ الأشياء إلى أصولها ـ ثم أبدلت الواو من الباء ، ثم أبدلت التاء من الواو.

فإن قال قائل : ولعلها أبدلت من الباء؟.

فالجواب : أنّ إبدال التاء من الواو قد ثبت ، ولم يثبت إبدالها من الباء ، فكان الحمل على ماله نظير أولى وأيضا فإنّ العرب لمّا لم تجرّ بها إلّا اسم الله تعالى دلّ ذلك على أنها بدل من بدل ، لأنّ العرب تخصّ البدل من البدل بشيء بعينه ، وقد تقدّم تبيين ذلك.

وكذلك «التّليد» و «التّلاد» من «ولد». و «تترى» : «فعلى» من «المواترة» وأصلها «وترى». و «أخت» لأنه من «الأخوّة». و «بنت» لأنه من «البنوّة». و «هنت» لقولهم في الجمع «هنوات». و «كلتا» لأنه لا يتصوّر أن تكون أصلا لحذفها في «كلا» ، ولا زائدة للتأنيث لسكون ما قبلها ، وهو حرف صحيح ، ولكونها حشوا ، ولا زائدة لغير تأنيث ، لأنّ التاء لا تزاد حشوا. فلم يبق إلّا أن تكون ممّا انقلبت عنه ألف «كلا» ، وهو الواو ، لأنّ الألف إذا جهل أصلها حملت على الواو ، لأنه الأكثر. وأيضا فإنّ إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.

وأبدلت ، باطّراد ، من الواو في «افتعل» وما تصرّف منه ، إذا كانت فاؤه واوا ، نحو «اتعّد» و «اتّزن» و «اتّلج» ، فهو «متّعد» و «متّزن» و «متّلج» ، و «يتّعد» و «يتّزن» و «يتّلج» ، و «اتّعاد» و «اتّزان» و «اتّلاج». قال :

فإن تتّعدني أتّعدك مواعدا

وسوف أزيد الباقيات القوارصا (١)

وقال طرفة :

فإنّ القوافي يتّلجن موالجا

تضايق عنها أن تولّجها الإبر (٢)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٠١ ، وخزانة الأدب للبغدادي ١ / ١٨٤ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٤٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣٩٦.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤٧ ، والخصائص لابن جني ١ / ١٤ ، وسر صناعة الإعراب ص ١٤٧ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩٠.

٢١١

وقال سحيم :

وما دمية ، من دمى ميسنا

ن معجبة نظرا واتّصافا (١)

والسبب في قلب الواو في ذلك تاء أنهم لو لم يفعلوا ذلك لوجب أن يقلبوها ياء ، إذا انكسر ما قبلها ، فيقولوا «ايتعد» و «ايتزن» و «ايتلج» ، وإذا انضمّ ما قبلها ردت للواو فيقولون «موتعد» و «موتزن» و «موتلج» ، وإذا انفتح ما قبلها قلبت ألفا فيقولون «ياتعد» و «يا تزن» و «يا تلج». فأبدلوا منها التاء ، لأنها حرف جلد لا يتغيّر لما قبله ، وهي مع ذلك قريبة المخرج من الواو ، لأنها من أصول الثنايا ، والواو من الشفة. ومن العرب من يجريها على القلب ولا يبدلها تاء.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الواو تاء.

وأبدلت من الياء ، على قياس ، في «افتعل» ، إذا كانت فاؤه ياء ، وفيما تصرّف منه. فقالوا في «افتعل» ، من «اليسر» : «اتّسر» ، ومن «اليبس» : «اتّبس». والعلّة في ذلك ما ذكرناه في الواو ، من عدم استقرار الفاء على صورة واحدة ، لأنك تقلبها واوا ، إذا انضمّ ما قبلها نحو «موتسر» و «موتبس» ، وألفا متى انفتح ما قبلها في نحو «ياتسس» و «ياتبس». فأبدلوها تاء لذلك ، وأجروها مجرى الواو. ومن العرب من لا يبدلها تاء ، بل يجريها على القلب.

فإن قال قائل : فلأيّ شيء قلبت الياء في مثل «ياتسر» إذا انفتح ما قبلها؟.

فالجواب : أنه لمّا وجب في حرف العلّة أن يكون على حسب ما قبله إذا انكسر أو انضمّ ، فتقول «ايتبس» و «موتبس» ، حملوا الفتح على الكسر والضمّ ، فجعلوا حرف العلّة إذا كان ما قبله مفتوحا ألفا. فيكون موافقا للحركة التي تقدّمته ، كما كان ذلك في حين انكسار ما قبله وانضمامه. ولهذه العلّة بنفسها قلبت الواو ألفا في مثل «يا تعد» من «الوعد» أعني أنه حمل الفتح على الكسر والضمّ في مثل «ايتعد» و «موتعد».

وأبدلت من الياء على غير اطّراد في قولهم «ثنتان». ويدلّ على أنها من الياء أنها من «ثنيت» ، لأنّ «الاثنين» قد «ثني» أحدهما إلى صاحبه. وأصله «ثني» ، يدلّ على ذلك جمعهم إيّاه على «أثناء» بمنزلة أبناء وآخاء. فنقلوه من «فعل» ، كما فعلوا ذلك في «بنت».

__________________

(١) البيت من المتقارب ، وهو لسحيم عبد بني الحسحاس في ديوانه ص ٥٤٣ والخصائص ١ / ٢٨٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٧ ، ولسان العرب ، مادة (ميس).

٢١٢

وأبدلوا من الياء في «كيت وكيت» و «ذيت وذيت» ، وأصلهما «كيّة وكيّة» و «ذيّة وذيّة». ثم إنهم حذفوا التاء وأبدلوا من الياء ـ التي هي لام ـ تاء.

وأبدلت من السين على غير اطّراد في «ستّ» في العدد. وأصله «سدس» ، بدليل قولهم في الجمع «أسداس» ، وفي التصغير «سديسة». وسيذكر السبب في ذلك في الإدغام.

وقد أبدلوها أيضا من السين في «النّاس» و «أكياس» ، أنشد أحمد بن يحيى :

يا قاتل الله بني السّعلاة

عمرو بن يربوع ، شرار النّات (١)

غير أعفّاء ، ولا أكيات*

وإنما أبدلت من السين لموافقتها إياها في الهمس ، والزيادة ، وتجاور المخرج.

وأبدلت أيضا منها في «طسّ» فقالوا «طست». وإنما جعلت التاء في «طست» بدلا من السين ، ولم تجعل أصلا ، لأنّ «طسّا» أكثر استعمالا من «طست».

وأبدلت من الصّاد في «لصت ولصوت» ، والأصل «لصّ ولصوص» ، لأنهما أكثر استعمالا بالصاد من التاء.

وأبدلت من الطاء في «فستاط» ، والأصل «فسطاط» ، بدليل قولهم «فساطيط» ولا يقولون «فساتيط». وفي «أستاع يستيع» والأصل «أسطاع يسطيع».

وأبدلت من الدّال في قولهم «ناقة تربوت» ، والأصل «دربوت» أي : مذلّة ، لأنه من الدّربة.

* * *

__________________

(١) الرجز ، لعلياء بن أرقم في لسان العرب ، مادة (نوت) ، ونوادر أبي زيد ص ١٠٤ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١١٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٤٣ ، والخصائص ٢ / ٥٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٥٥ ، وسمط اللآلي ص ٧٠٣.

٢١٣

باب الميم

وأمّا الميم فأبدلت من أربعة أحرف وهي : الواو ، والنون ، والياء ، واللّام.

فأبدلت من الواو في قولهم «فم» ، والأصل «فوه» ، فحذفت الهاء تخفيفا ، فلمّا صار الاسم على حرفين ، الثاني منهما حرف لين ، كرهوا حذفه للتنوين ، فيجحفوا به ، فأبدلوا من الواو ميما لقرب الميم من الواو. وقد تشدّد الميم في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

يا ليتها قد خرجت من فمّه

حتّى يعود البحر في أسطمّه (١)

روي بفتح الفاء من «فمّه» وضمها ، والدليل على أنّ الأصل فيه «فوه» قولهم «أفواه» و «فوهاء» و «أفوه» و «مفوّه».

وأبدلت باطّراد من النون الساكنة عند الباء في نحو «عمبر» و «شمباء» (٢). وذلك لأنّ النون أخت الميم وقد أدغمت في الميم ، فأرادوا إعلالها أيضا مع الباء كما أعلّوها مع الميم بالإدغام. وسنبيّن ذلك بأكثر من هذا ، في الإدغام ، إن شاء الله تعالى.

وقد أبدلت من نون «البنان» فقالوا «البنام». قال :

يا هال ذات المنطق التّمتام

وكفّك ، المخضّب البنام (٣)

يريد «البنان».

وأبدلت أيضا من الباء في قولهم «بنات بخر» و «بنات مخر». وهنّ سحائب يأتين قبل الصّيف ، بيض منتصبات في السّماء. قال طرفة :

__________________

(١) الرجز ، للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٣٢٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٩٣ ، والدرر ١ / ١٠٩ ، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٩٢ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٥ ، وشرح المفصل ١٠ / ٣٣.

(٢) الشمباء : العذبة الفم ، لسان العرب ، مادة (شنب).

(٣) الرجز ، لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٣ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٢٢ ، وديوان المتنبي ٣ / ٢١٦ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٤٠١ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٦٠.

٢١٤

كبنات المخر ، يمأذن كما

أنبت الصّيف عساليج الخضر (١)

وإنما جعلت الباء الأصل ، لأنّ «البخر» مشتقّ من البخار ، لأنّ السحاب إنما ينشأ عن بخار البحر.

وأبدلت أيضا من الباء فيما حكاه أبو عمرو الشيبانيّ ، من قولهم «ما زال راتما على كذا» و «راتبا» أي : مقيما ، من الرّتبة.

وأبدلت أيضا من الباء ، في قولهم «رأيته من كثب» و «من كثم» أي : من قرب. ثم قالوا «قد أكثب» هذا الأمر أي قرب ، ولم يقولوا «أكثم». فدلّ على أنّ الباء هي الأصل.

وأبدلت أيضا من الباء ، في «نغب» جمع «نغبة» (٢) ، فقالوا «نغم». قال الشاعر :

فبادرت شربها عجلى مثابرة

حتّى استقت دون محنى جيدها نغما (٣)

وأبدلت من النون فيما حكاه يعقوب عن الأحمر من قولهم «طانه الله على الخير» و «طامه» أي : جبله وهو يطينه ولا يقال «يطيمه». فدلّ ذلك على أنّ النون هي الأصل. وأنشد :

لقد كان حرّا يستحي أن تضمّه

ألا تلك نفس طين منها حياؤها (٤)

وأبدلت من لام التعريف ، ومنه قوله عليه السّلام : «ليس من امبرّ امصيام في امسفر».

* * *

__________________

(١) البيت من الرمل ، وهو لطرفة في ديوانه ص ٥٣ ، واللسان والتاج ، مادة (خضر).

(٢) النغبة : الجرعة من الماء ، الصحاح للجوهري ، مادة (نغب).

(٣) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في سر صناعة الإعراب ١ / ٤٢٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٨٣ ، وشرح المفصل ١٠ / ٣٣ ، ولسان العرب ، مادة (نغب).

(٤) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٧ ولسان العرب ، مادة (طين).

٢١٥

باب النون

وأمّا النّون فأبدلت من اللّام في «لعل» ، فقالوا «لعن». قال أبو النجم :

*اغد ، لعنّا في الرّهات نرسله (١)*

وإنما جعل الأصل «لعلّ» لأنه أكثر استعمالا.

وأبدلت من الهمزة ، في النسب إلى «صنعاء» و «بهراء» ، فقالوا : «صنعانيّ» و «بهرانيّ».

وزعم بعض النحويين أنّ النون في «فعلان» الذي مؤنثه «فعلى» بدل من الهمزة. واستدلّوا على ذلك بأنهما قد تشابها ـ أعني : فعلان وفعلاء ـ في العدد والتوافق في الحركات والسّكنات والزيادتين في الآخر ، وأنّ المذكّر في البابين بخلاف المؤنث ، وأنّك تقول في جمع «سكران» : «سكارى» ، كما تقول في جمع «صحراء» : «صحارى».

والصحيح أنها ليست ببدل ، إذ لم يدع إلى الخروج عن الظاهر داع ، لأنه لا يلزم من توافقهما في الوزن ، ومخالفة المذكر للمؤنث أن يشتبها في أن يكون كلّ واحد منهما مؤنثا بالهمزة ، وأمّا جمعهم «فعلان» على «فعالى» فللشبه الذي بينه وبين «فعلاء» فيما ذكر ، لا أنه في الأصل «فعلاء». وأيضا فإنّ النون لا تبدل من الهمزة إلّا شذوذا ، نحو «بهرانيّ» و «صنعانيّ» ، لا يحفظ غيرهما.

* * *

__________________

(١) الرجز ، لأبي النجم في الدرر ٢ / ١٦٦ ، وسر صناعة الإعراب ص ٤٣٣ ، وسط اللآلي ص ٣٢٨ ، وشرح المفصل ٨ / ٧٩.

٢١٦

باب الهاء

وأمّا الهاء فأبدلت من خمسة أحرف ، وهي : الهمزة ، والألف والياء ، والواو ، والتاء.

فأبدلت من الهمزة ، في «إيّاك» ، فقالوا «هيّاك». أنشد أبو الحسن :

فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت

موارده ضاقت عليك مصادره (١)

ويقال أيضا «أيّاك» و «هيّاك» بالفتح.

وطيّىء تبدل همزة «إن» الشرطيّة هاء ، فتقول «هن فعلت فعلت» ، تريد «إن».

وأبدلت أيضا من الهمزة في «إنّ» مع اللّام ، على اللزوم فقالوا «لهنّك». قال الشاعر :

ألا يا سنا برق ، على قلل الحمى

لهنّك من برق عليّ كريم (٢)

وقرأ بعضهم : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [طه : ١ ـ ٢]. وقالوا : أراد «طأ الأرض بقدميك جميعا» ، لأنّ النبيّ ، عليه السّلام ، كان يرفع إحدى رجليه في صلاته.

وقالوا «أيا» و «هيا» في النداء. والهاء بدل من الهمزة ، لأنّ «أيا» أكثر من «هيا». قال :

وانصرفت ، وهي حصان مغضبه

ورفعت ، بصوتها : هيا أبه (٣)

يريد «أيا أبه».

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لمضرس بن ربعي ، في شرح شواهد الشافية ص ٤٧٦ ، ولطفيل الغنوي أو لمضرس في ديوان الطفيل ص ١٠٣ ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ٢١٥ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٥٢.

(٢) البيت من الطويل ، وهو لمحمد بن مسلمة في لسان العرب ، مادة (لهن) ، ولرجل من بني نمير في خزانة الأدب ١٠ / ٣٣٨ ، وأمالي الزجاجي ص ٢٥٠.

(٣) الرجز ، للأغلب العجلي في ديوانه ص ١٤٨ ، وله أو لامرأة من بني سعد «العجفاء» في فصل المقال ص ٢١٨ ، وللعجفاء ، في مجمع الأمثال ٢ / ١٣٤ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٧٦.

٢١٧

وقالوا «هما والله لقد كان كذا» يريدون : أما والله لقد كان كذا.

وأبدلت أيضا من الهمزة ، في «أثرت التّراب» و «أرحت الماشية» و «أرقت الماء» و «أردت الشّيء» وفيما يتصرّف منها. فقالوا «هثرت» و «هرحت» و «هرقت» و «هردت» ، و «أهثير» و «أهريق» و «أهريد» ، و «مهثير» و «مهريح» و «مهريق» و «مهريد».

وتبدل أيضا من همزة الاستفهام ، فيقولون «هزيد منطلق» ، يريدون «أزيد منطلق». وأنشد الفرّاء :

وأتى صواحبها فقلن : هذا الذي

منح المودّة غيرنا ، وجفانا (١)؟

يريد «إذا الذي».

وأبدلت من الألف في «هنا» ، في الوقف ، فقالوا «هنه» ، قال الراجز :

قد وردت من أمكنه

من هاهنا ومن هنه (٢)

وأبدلت من الياء في «هذي» ، فقالوا «هذه» في الوقف. وقد تبدل أيضا منها في الوصل. والدليل على أنّ الياء هي الأصل قولهم في تحقير «ذا» : «ذيّا» وفي تحقير «ذي» : «تيّا». و «ذي» إنما هو تأنيث «ذا» ، فكما لا تجد الهاء في المذكّر أصلا فكذلك المؤنث.

وأبدلت أيضا من الياء في تصغير «هنة» : «هنيهة». والأصل «هنيوة» ـ لقولهم في الجمع «هنوات» ـ ثم «هنيّة» لأجل الإدغام ، ثم أبدلوا من الياء الثانية هاء ، فقالوا «هنيهة».

وأبدلت من الواو في «هناه» ، والأصل «هناو» ، فأبدلت الواو هاء. وهو من لفظ «هن». ولا تجعل الهاء التي بعد الألف أصلا ، لأنه لا يحفظ تركيب «هنه». وأيضا فإنه لو كان كذلك لكان من باب «سلس» و «قلق» ، وذلك قليل. وذهب أبو زيد إلى أنّ الهاء إنما لحقت في الوقف ، لخفاء الألف ، كما لحقت في الندبة في «زايداه» ، ثم شبّهت بالهاء الأصليّة ، فحرّكت. فيكون ذلك نظير قوله :

يا مرحباه ، بحمار ناجيه

إذا أتى قرّبته ، للسّانيه (٣)

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٩٦ ، ولسان العرب ، مادة (ذا) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ١٥٣.

(٢) الرجز ، بلا نسبة في لسان العرب وتاج العروس ، مادة (هنا).

(٣) الرجز ، بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٠ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٨٨ ، والخصائص ٢ / ٣٥٨ ، والدرر ٦ / ٢٤٨ ، ورصف المباني ص ٤٠٠ ، وشرح المفصل والمنصف ٣ / ١٤٢ ، وتاج العروس ، (سني).

٢١٨

فيكون ذلك من باب إجراء الوصل مجرى الوقف ، المختصّ بالضّرائر. ويكون ، على القول الأول ، قد أبدلت فيه الواو هاء ، وذلك أيضا شاذّ لا يحفظ له نظير.

والوجه عندي أنها زائدة للوقف ؛ لأنّ ذلك قد سمع له نظير في الشعر ، كما ذكرت لك. وأيضا فإنّ ابن كيسان ، رحمه الله ، قد حكى في «المختار» له أنّ العرب تقول «يا هناه» بفتح الهاء الواقعة بعد الألف ، وكسرها وضمّها ، فمن كسرها فلأنها هاء السّكت ، فهي في الأصل ساكنة ، فالتقت مع الألف ، فحرّكت بالكسر ، على أصل التقاء الساكنين. ومن حرّكها بالفتح فإنه أتبع حركتها حركة ما قبلها. ومن ضمّ فإنه أجراها مجرى خرف من الأصل ، فضمّها كما يضمّ آخر المنادى. ولو كانت الهاء بدلا من الواو لم يكن للكسر والفتح وجه ، ولوجب الضمّ كسائر المناديات.

وأبدلت من تاء التأنيث في الاسم ، في حال الإفراد في الوقف ، نحو «طلحة» و «فاطمه». وحكى قطرب عن طيّىء أنهم يفعلون ذلك بالتاء من جمع المؤنث السالم ، فيقولون : «كيف الإخوة والخواه ، وكيف البنون والبناه»؟

* * *

٢١٩

باب اللّام

وأمّا اللّام فأبدلت من الضّاد في «اضطجع». قال الراجز :

لمّا رأى أن لا دعه ، ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف ، فالطجع (١)

يريد «فاضطجع».

وأبدلوا اللّام من النون ، في «أصيلان» تصغير «أصلان» ، فقالوا «أصيلانا» و «أصيلالا».

* * *

__________________

(١) الرجز ، لمنظور بن حبّة الأسدي في شرح التصريح ٢ / ٣٦٧ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٠ ، وأوضح المسالك ٤ / ٥٨٤ ، والخصائص ١ / ٦٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٣٢١ ، وشرح الأشموني.

٢٢٠