الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

«بطاحيء» و «صحاريء» ، كما قالوا «قرّاء (١) وقراريء». لكن لمّا كانت مبدلة ، لأجل الألف التي قبلها ، وجب رجوعها إلى أصلها لزوال موجب القلب في الجمع ، وهو الألف التي قبلها ، فصار «صحاري ا» ، فوقعت الياء الساكنة قبل الألف التي للتأنيث ، فقلبت الألف ياء لوقوع الياء والكسرة قبلها. ثم أدغمت الياء في الياء.

فإن قال قائل : إنما يدلّ قولهم «صحاريّ» على أنّ الهمزة مبدلة من غيرها ، إذ لو لم تكن بدلا لقالوا «صحاريء» ، فأمّا أنها مبدلة من الألف فليس على ذلك دليل ، إذ لعلّها بدل من ياء أو واو؟.

فالجواب : أنه إذا ثبت أنها بدل فينبغي أن تجعل بدلا من ألف ، لأن الألف قد ثبتت للتأنيث ، كما ذكرنا ، في «حبلى» وأمثاله ، ولم تثبت الياء ولا الواو للتأنيث ، في موضع من المواضع.

فهذا جمع ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، مقيسا فيه ، وغير مقيس.

* * *

__________________

(١) القراء : الناسك المتفقه القارئ ، لسان العرب ، مادة (قرأ).

١٨١

باب إبدال الهمزة من الواو

الواو لا يخلو من أن تكون ساكنة ، أو متحركة. فإن كانت متحركة فلا يخلو من أن تكون أوّلا ، أو غير أوّل. فإن كانت أوّلا فلا يخلو أن تكون وحدها ، أو ينضاف إليها واو أخرى. فإن انضاف إليها أخرى أبدلت الأولى همزة ، هروبا من ثقل الواوين. وذلك نحو قولهم في جمع «واصل» : «أواصل». أصله «وواصل» فقلبت الواو همزة. وكذلك «أول» أصله «وول» ، لأنه «فعل» من لفظ «أوّل» و «أوّل» فاؤه وعينه واو. فقلبت الواو الأولى همزة. ولا يجوز في هذا وأمثاله إلّا الهمز.

فإن كانت وحدها فلا يخلو من أن تكون مضمومة ، أو مكسورة ، أو مفتوحة. فإن كانت مكسورة أو مضمومة جاز أن تبدل منها همزة ، فتقول في «وعد» : «أعد» ، وفي «وقّتت» : أقّتت ، وفي «وسادة» : «إسادة» ، وفي «وعاء» : «إعاد». وقد قريئ (ثم استخرجها من إعاأ أخيه) [يوسف : ٧٦]. وكذلك تفعل بكلّ واو تقع أوّلا ، مكسورة ، أو مضمومة.

وإنما فعلت ذلك ، لثقل الضمّة والكسرة في الواو. وذلك أنّ الضمة بمنزلة الواو ، والكسرة بمنزلة الياء. فإذا كانت الواو مضمومة فكأنه قد اجتمع لك واوان. وإذا كانت مكسورة فكأنه قد اجتمع لك ياء وواو. فكما أنّ اجتماع الواوين ، والياء والواو ، مستثقل فكذلك اجتماع الواو والضمّة ، والواو والكسرة.

وزعم المازنيّ أنه لا يجوز همزة الواو المكسورة بقياس ، بل يتّبع في ذلك السماع. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، قياسا وسماعا.

أمّا القياس فلما ذكرنا من أنّ الواو المكسورة بمنزلة الياء والواو ، فكما يكرهون اجتماع الياء والواو ، حتى يقلبون الواو إلى الياء ـ تقدّمت أو تأخّرت ـ فيقولون «طويت طيّا» والأصل «طويا» ، ويقولون «سيّد» والأصل «سيود» ، فكذلك ينبغي أن يكون النّطق بالواو المكسورة مستثقلا.

فإن قال قائل : هلّا قسّم «وشاحا» وأخواته على «ويح» و «ويس» وأمثالهما ، فكما أنّ

١٨٢

الواو والياء إذا اجتمعتا في أوّل الكلمة لم يوجب ذلك قلب الواو همزة فكذلك الواو مكسورة؟.

فالجواب : أنّ الواو المكسورة إنما تشبه الواو الساكنة إذا جاءت بعدها ياء نحو «طيّ» ، وذلك أنّ الحركة في النيّة بعد الحرف. وسيقام الدليل على ذلك في موضعه. فالكسرة إذا من «وشاح» في النيّة بعد الواو ، وهي بمنزلة الياء ، وتبقى الواو ساكنة. فكما أنه إذا كانت الواو قبل الياء ، وكانت ساكنة ، يجب إعلالها نحو «طيّ» فكذلك يجب إعلال ما أشبهها. نحو «وشاح».

فإن قيل : فهلّا أعّلت بقلبها ياء ، كما فعل بها في «طيّ»؟.

فالجواب : أنهم لم يفعلوا ذلك ، لأنّ المقصود بالإعلال التخفيف ، والكسرة في الياء ثقيلة ، فأعلّت بإبدال الهمزة منها.

وأمّا السماع فلأنهم قد قالوا «إسادة» و «إشاح» و «إعاء» و «إفادة». وكثر ذلك كثرة ، توجب القياس في كل واو مكسورة ، وقعت أوّلا.

وإن كانت مفتوحة لم تهمز ، إلّا حيث سمع ، لأنّ الفتحة بمنزلة الألف. فكما لا تستثقل الألف والواو ، في نحو «عاود» وأمثاله ، فكذلك لا تستثقل الواو المفتوحة. والذي سمع من ذلك «أجم» في «وجم» ، و «امرأة أناة» وأصله «وناة» من الونيّ وهو الفتور ، و «أحد» في «وحد» ، و «أسماء» في «وسماء».

فإن وقعت غير أول فلا يخلو من أن تكون مكسورة ، أو مفتوحة ، أو مضمومة. فإن كانت مضمومة جاز إبدالها همزة ، بشرط أن تكون الضمة لازمة ، وألّا يمكن تخفيفها بالإسكان. قالوا في جمع «نار» : «أنؤر» ، و «دار» : «أدؤر» ، و «ثوب» : «أثؤب» ، قال :

*لكلّ حال ، قد لبست أثؤبا (١)*

وإنما قلبت همزة لما ذكرنا من استثقال الضمّة في الواو ، مع أنه لا يمكن تخفيفها بالإسكان ، لئلّا يؤدّي ذلك إلى التقاء الساكنين. ولو أمكن ذلك لم تبدل همزة ، نحو قولهم «سور» في جمع «سوار».

فإن كان الضمّة غير لازمة لم تبدل الواو همزة ، لا تقول هذا «غزء» تريد هذا «غزو» ،

__________________

(١) الرجز ، لمعروف بن عبد الرحمن في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩٠ ، ولسان العرب ، مادة (ثوب).

١٨٣

ولا تقول «لؤ استطعنا» تريد «لو استطعنا» ، لأنّ الضمة في «غزو» إعراب ، وفي واو «لو» لالتقاء الساكنين ، وحركة الإعراب وحركة التقاء الساكنين عارضتان ، فلا يعتدّ بهما.

وزعم ابن جنّي أنه لا يجوز قلب الواو المضمومة همزة ، إذا كانت زائدة ، وإن اجتمع الشرطان ؛ فلا يقال «الترهؤك» في مصدر «ترهوك». والسبب في ذلك عنده أنها إذا كانت أصلية فإنّ تصريف الكلمة ، أو اشتقاقها ، يدل على أنّ الهمزة مبدلة من واو ، ولا يتصوّر ذلك فيها إذا كانت زائدة ، فلو أبدلت لأدّى ذلك إلى الإلباس ، في بعض المواضع ، فلم يدر : أزيدت ابتداء ، أم زيدت الواو أوّلا ثم أبدلت الهمزة منها. فلمّا كان إبدال الزائدة يؤدّي إلى الإلباس ، في بعض المواضع ، رفض إبدالها. وممّا يقوّي هذا المذهب أنها لا تحفظ من واو زائدة مبدلة.

وإن كانت مفتوحة لم يجز قلبها أصلا ، لأنّ قلبها في أوّل الكلمة ـ كما ذكرنا ـ لا يقاس ، فإذا كانت لا تهمز في أوّل الكلمة إلّا حيث سمع ـ مع أنّ أوّل الكلمة طرف ، فالتغيير إليه أسرع من التغيير إلى الحشو ـ فالأحرى ألّا تنقلب حشوا. فلا تقول في «عاود» : «عاءد» ، ولا في «ضوارب» : «ضآرب» ، ولا يحفظ من كلامهم شيء من ذلك.

فإن كان مكسورة ، أو واقعة موقع حرف مكسور ، فلا يخلو أن تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، أو لا تقع. فإن وقعت بعدها فلا يخلو أن يكون قبل الألف ياء أو واو ، أو لا يكون. فإن كان قبلها واو أو ياء لزم قلب الواو همزة ، إن كانت تلي الطرف. فتقول في جمع «أوّل» : «أوائل» ، وفي جمع «سيّد» : «سيائد». والأصل «أواول» و «سياود» ، فقلبت الواو همزة ، لاستثقال الواوين والألف ، أو الياء والواو والألف ، وبناء الجمع الذي لا نظير له في الآحاد.

هذا مذهب جمهور النحويين ، إلّا أبا الحسن الأخفش ، فإنه كان لا يهمز من ذلك إلّا ما كانت الألف منه بين واوين ، ويجعل ذلك نظيرا للواوين ، إذا اجتمعا في أوّل الكلمة. فكما أنك تهمز الأولى منهما ، للعلة التي تقدّم ذكرها ، فكذلك تهمز الواو الآخرة في «أوائل» وأمثاله. ولا يرى مثل ذلك ، إذا اجتمعت ياءان أو واو وياء. ويقول : لأنه إذا التقى الياءان أو الياء والواو أوّلا ، نحو «يين» اسم موضع ، و «ويل» و «يوم» ، لم يلزم الهمز. فكذلك لا يهمز عنده مثل «سيائق» (١) و «سيائد».

__________________

(١) السيائق : جمع سيقة ، وهو ما سيق عن النهب وطرد ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (سيق).

١٨٤

ما لم تصحّ الواو في المفرد ، في موضع ينبغي أن تعتّل فيه ، أو تكون الواو في نيّة ألّا تلي الطرف ، فإنها تصحّ إذ ذاك ، ولا يجوز أن تبدل منها الهمزة. فتقول في جمع «ضيون» (١) : «ضياون» ، ولا تقلب الواو همزة ، لصحّة الواو في «ضيون» ، إذ قد كان ينبغي أن يكون «ضيّنا» ، وتقول في جمع «عوّار» (٢) ، إذا قصرته للضرورة : «عواور» ، لأنّ الأصل فيه «عواوير» ، فلا تكون الواو تلي الطرف ، في التقدير. قال :

*وكحّل العينين ، بالعواور (٣)*

فلم تهمز ، لأنّ الأصل «العواوير».

وإن كانت الواو لا تلي الطرف لم تهمز أصلا نحو «عواوير» في جمع «عوّار» ، و «طواويس» في جمع «طاووس» ، لأنها قد قويت ببعدها عن محلّ التغيير ، وهو الطّرف. إلّا أن تكون في نيّة أن تلي الطرّف ، فإنه يلزم همزها. وذلك نحو «أوائيل» في جمع «أوّل» ، إذا اضطررت إلى زيادة هذه الياء قبل الآخر في الشعر ، لأنّ هذه الياء زيدت للضّرورة ، فلم يعتدّ بها.

فإن لم يكن قبل الألف واو ، ولا ياء ، فلا يخلو من أن تكون الواو في المفر. زائدة للمدّ ، أو لا تكون فإن كانت زائدة للمدّ قلبت همزة ، نحو «حلوبة» (٤) و «حلائب». وسبب ذلك أنها اجتمعت ساكنة مع ألف الجمع ، ولا أصل لها في الحركة فتحرّك ، فأبدلت همزة ، لأنّ الهمزة تقبل الحركة.

وإن لم تكن زائدة للمدّ لم تقلب همزة أصلا ، إلّا حيث سمع شاذّا. والذي سمع من ذلك «أقائيم» في جمع «أقوام» ، وأصله «أقاويم» ، فأبدل من الواو المكسورة همزة ، وإن كانت غير أوّل ، تشبيها لها بالواو المكسورة ، إذا وقعت أوّلا.

وأمّا «مصائب» في جمع «مصيبة» فكان القياس فيها «مصاوب» ، على ما يبيّن في باب القلب. فإمّا أن يكونوا همزوا الواو المكسورة غير أوّل شذوذا ، فتكون مثل «أقائيم» في جمع «أقوام» ، وهو مذهب الزّجّاج. وإمّا أن يكونوا غلطوا فشبّهوا ياء «مصيبة» ، وإن كانت

__________________

(١) الضيون : السنور الذكر ، لسان العرب ، مادة (ضون).

(٢) العوار : القذى أو الرمد ، للصحاح للجوهري ، مادة (عور).

(٣) الرجز ، للعجاج ، في الخصائص لابن جني ٣ / ٣٢٦ ، وللجندل بن المثنى في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٢٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٢٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٧١.

(٤) الحلوبة : ذات الحليب من الأنعام ، لسان العرب ، مادة (حلب).

١٨٥

عينا ، بالياء الزائدة في نحو «صحيفة» ، فقالوا «مصائب» كما قالوا «صحائف» ، وهو مذهب سيبويه. والأوّل أقيس عندي ، لأنّه قد ثبت له نظير ، وهو «أقائيم».

فإن لم تقع بعد ألف الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، أو وقعت بعدها في غير الأماكن المذكورة ، لم تهمز أصلا ، بلا خلاف في شيء من ذلك. إلّا أن تقع بعد ألف زائدة ، في اسم مفرد يوافق الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، في الحركات وعدد الحروف ، وقد تقدّم الألف ياء أو واو ، فإنّ في ذلك خلافا. فمذهب سيبويه إجراء ذلك مجرى الجمع ، لقربه منه ، فتبدل الواو همزة. ومذهب الزجّاج أنه لا يجوز إبدالها ، لأنّ الاسم مفرد ، وإنما ثبت إبدالها في المجموع. فتقول في «فواعل» من «القوّة» ، على مذهب سيبويه : «قواء». وعلى مذهب الزجّاج : «قواو». وهذا النوع لم يرد به سماع ، لكنّ القياس يقتضي ما ذهب إليه سيبويه. أعني من أنه إذا قوي الشبه بين شيئين حكم لكلّ واحد منهما بحكم الآخر.

فأمّا «قائم» وأمثاله فمن قبيل ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، وقد تقدّم ذلك في فصل إبدال الهمزة من الألف.

فإن كانت الواو ساكنة لم تهمز إلّا في ضرورة ، بشرط أن يكون ما قبلها حرفا مضموما ، فتقدّر الضمّة على الواو ، فتهمز كما تهمز الواو المضمومة. فتقول في الشعر في مثل «موعد» : «مؤعد». قال :

أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى

وجعدة ، إذ أضاءهما الوقود (١)

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٨٨ ، والخصائص لابن جني ٢ / ١٧٥ ، والمحتسب ١ / ٤٧ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٩.

١٨٦

باب إبدال الهمزة من الياء

الياء تبدل همزة باطّراد ، إذا وقعت بعد الألف التي في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، في مذهب سيبويه ، بشرط أن تكون قد زيدت في المفرد للمدّ ، نحو «صحيفة وصحائف» و «كتيبة وكتائب».

فإن لم تكن الياء زيدت في المفرد للمدّ لم تهمز ، إلّا بشرط أن تكون تلي الطرف لفظا أو نيّة ، وبشرط أن يكون ألف الجمع يلي واوا أو ياء. فتقول في جمع «عيّل» (١) : «عيائل» ، فتهمز لثقل البناء ، مع ثقل اجتماع حروف العلّة وهي الياءان والألف ، مع قرب الياء من محلّ التغيير ، وهو الطرف. وكذلك لو اضطررت ، فقلت في جمعه «عيائيل» ، فزدت ياء ، لهمزت ، لأنّ الياء في النّيّة تلي للطرف ، ولا يعتدّ بالياء المزيدة ، لأنها عارضة في الجمع ، إنما أتي بها للضرورة. فإذا زالت من محلّ الضرورة حذفت الياء. قال الشاعر :

*فيها عيائيل أسود ، ونمر (٢)*

فهمز.

وكذلك لو بنيت «فوعلا» من البيع لقلت «بيّع». أصله «بويع» ، فقلبت الواو ياء لأجل الإدغام. فإذا جمعته قلت «بوائع» ، فتهمز الياء لما ذكرنا ، من ثقل البناء ، وثقل اجتماع حروف العلّة وهي الياء والواو والألف ، مع القرب من محل التغيير ، وهو الطرف. وكذلك لو اضطرت فزدت ياء قبل الآخر ، فقلت «بوائيع» ، لهمزت لأنّ الياء عارضة كما تقدّم.

ولو جمعت مثل «بيّاع» لقلت «بياييع» ، ولم تهمز. وإن قدّرت «بيّاعا» : فوعالا قلت «بواييع» ، ولم تهمز أيضا ، لبعد الياء من الطرف لفظا ونيّة.

__________________

(١) العيل : واحد العيال ، وهي الأولاد الذين يعال بهم ، الصحاح للجوهري ، مادة (عيل).

(٢) الرجز ، لحكيم بن معية في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٣٩ ، ولسان العرب ، مادة (نمر) وبلا نسبة في أوضح المسالك ٤ / ٣١٦.

١٨٧

وزعم أبو الحسن الأخفش أنه لا يجوز قلب الواو همزة ، إلّا إذا اكتنف الجمع واوان ، نحو «أوّل وأوائل». فأمّا إن اكتنفها ياءان ، أو واو وياء ، فلا يجوز عنده قلب حرف العلّة الذي بعد الألف. بل يقول في جمع «فوعل» من البيع : «بوايع» ، وفي جمع «بيّن» : «بياين» ، وفي جمع «سيّد» المتقدّم في فصل الواو : «سياود». وحجّته على ذلك أنّ الواوين أثقل من الياءين ، ومن الواو والياء ، والقلب لم يسمع إلّا في الواوين ، نحو قولهم في جمع «أوّل» : «أوائل» ، فلا يقاس عليه ما ليس من رتبته ، من الثقل.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بدليل ما حكاه المازنيّ عن الأصمعيّ ، من قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» بالهمزة ، ولم تكتنف ألف الجمع واوان. فدل ذلك على أنّ العرب استثقلت في هذا وأمثاله اكتناف ألف الجمع حرفا علّة.

فإن قال قائل : فلعل قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» شاذّ ، لذلك لم يسمع من ذلك إلّا هذه اللفظة ، فلا ينبغي أن يقاس عليه؟.

فالجواب : أنه ، وإن لم يسمع منه إلّا هذه اللفظة ، لا ينبغي أن يعتقد فيه الشذوذ ، لأنه لم يرد له نظير غير مهموز ، فيجعل الهمز في هذا شذوذا. بل جميع ما أتى من هذا النوع من هذا اللفظ ، وهو مهموز ، فكان جميع ما أتى من هذا الباب مهموزا ، إذ هذا اللفظ هو جميع ما أتى ، من هذا الباب. وقد جعل أبو الحسن مثل هذا أصلا ، يقاس عليه. وذلك أنه قال في النسب إلى «فعولة» : «فعليّ» ، نحو «ركبيّ» في النسب إلى «ركوبة» ، قياسا على قولهم ، في النسب إلى «شنوءة» «شنئيّ». ثم أورد اعتراضا على نفسه ، فقال : فإن قال قائل : فإن قولهم «شنئيّ» شاذّ ، فلا ينبغي أن يقاس عليه ، إذ لم يجىء غيره؟.

فالجواب : أنه جميع ما أتى ، من هذا النوع. فجعله ، لمّا لم يأت غيره مخالفا له ولا موافقا ، أصلا يقاس عليه.

فهذا جميع ما تبدل فيه الياء همزة ، باطّراد. فأمّا مثل «بائع» و «رداء» فإنّ الهمزة فيهما وأمثالهما بدل من ألف ، وإن كان الأصل «بايع» و «رداي» ، كما تقدّم.

وأبدلت منها ، من غير اطّراد ، في «أدي» وأصله «يدي» ، فردّ اللّام ، ثم أبدلت الياء همزة. حكي من كلامهم «قطع الله أديه». وقالوا «في أسنانه ألل» وأصله «يلل» (١) ، فأبدلوا

__________________

(١) اليلل : قصر الأسنان والتزاقها وإقبالها إلى داخل الفم ، لسان العرب ، مادة (يلل).

١٨٨

الياء همزة. وقالوا «رئبال» وأصله «ريبال» (١) ، فأبدلت الياء همزة. وكذلك قالوا «الشّئمة» يريدون «الشّيمة» ، ومعناها الخليقة ، فأبدلوا أيضا الياء همزة.

وإنما جعلنا الهمزة في «ألل» و «رئبال» و «الشئمة» بدلا من الياء ، ولم تجعل أصلا بنفسها ، لأنّ الأكثر في كلامهم «يلل» و «ريبال» و «شيمة» بالياء ، واستعمال هذه الأسماء بالهمزة قليل. فدلّ ذلك على أنّ الهمزة بدل ، وأن الياء هي الأصل.

فهذا أيضا جميع ما جاءت فيه الهمزة بدلا من الياء ، على غير اطّراد.

* * *

__________________

(١) الريبال : الأسد ، لسان العرب ، مادة (ربل).

١٨٩

باب إبدال الهمزة من الهاء

أبدلت الهمزة من الهاء في «ماء» ، وأصله «موه» ، فقلبت الواو ألفا ، والهاء همزة. والدليل على ذلك قولهم في الجمع «أمواه». وقد أبدلت الهاء أيضا همزة في جمع «ماء» ، فقالوا «أمواء». قال :

وبلدة ، قالصة أمواؤها

تستنّ ، في رأد الضّحى ، أفياؤها (١)

وإنما جعلت الهاء هي الأصل ، لأنّ أكثر تصريف الكلمة عليها. قالوا «أمواه» و «مياه» و «ماهت (٢) الرّكيّة» ، إلى غير من تصاريفها.

وأبدلت أيضا منها في «آل». أصله «أهل» ، فأبدلت الهاء همزة ، فقيل «أأل» ، ثم أبدلت الهمزة ألفا ، فقيل «آل».

فإن قيل : فهلّا جعلت الألف بدلا من الهاء أولا؟.

فالجواب : أنه لم يثبت إبدال الألف من الهاء ، في غير هذا الموضع ، فيحمل هذا عليه. وقد ثبت إبدال الهمزة من الهاء في «ماء» ، فلذلك حمل «آل» على أنّ الأصل فيه «أهل» ، فأبدلت الهاء همزة.

فإن قيل : وما الذي يدلّ على أنّ الأصل «أهل» ، وهلّا جعلت الألف منقلبة عن واو؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على ذلك قولهم في التصغير «أهيل». ولو كانت الألف منقلبة عن واو لقيل في تصغيره «أويل». وممّا يؤيد أنّ الأصل «أهل» أنهم إذا أضافوا إلى المضمر قالوا «أهلك» و «أهله» ، لأنّ المضمر يردّ الأشياء إلى أصولها. ولا يقال «آلك» و «آله» إلّا قليلا جدّا ، نحو قوله :

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في الاشتقاق ص ٣١٦ ، وجمهرة اللغة لابن دريد ، مادة (مأوي) ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٠٠.

(٢) ماهت : ظهر ماؤها وكثر ، الصحاح للجوهري ، مادة (موه).

١٩٠

وانصر ، على دين الصّلي

ب ، وعابديه ، اليوم ، آلك (١)

وقول الآخر :

أنا الرّجل الحامي حقيقة والدي

وآلي ، كما تحمي حقيقة آلكا (٢)

ونحو قول الكنانيّ «رجل من آلك وليس منك».

وممّا يدلّ ، على أنّ الألف في «آل» بدل من الهمزة المبدلة من الهاء ، أنّ العرب تجعل اللفظ ، فيه بدل من بدل ، مختصّا بشيء بعينه ؛ ألا ترى أنّ تاء القسم لمّا كانت بدلا من الواو المبدلة من باء القسم لم تدخل إلّا على اسم «الله» ، تعالى ، ولم تدخل على غيره من الأسماء الظاهرة ، ولا دخلت أيضا على مضمر. وكذلك «أسنت الرّجل» لمّا كانت التاء فيه بدلا من الياء المبدلة من الواو ، لأنّ «أسنت» من لفظ «السّنة» ، ولام «سنة» واو ، بدليل قولهم في جمعها «سنوات» ، جعلوها مختصّة بالدخول في السنة الجدبة ، وقد كان «أسنى» قبل ذلك عامّة ، فيقال «أسنى الرجل» إذا دخل في السنة ، جدبة أو غير جدبة. فكذلك «آل» لمّا لم يضف إلّا إلى الشريف ، فيقال «آل الله» و «آل السلطان» ، بخلاف «الأهل» الذي يضاف إلى الشريف وغيره ، دلّ ذلك على أنّ الألف فيه بدل من الهمزة المبدلة من الهاء ، كما تقدّم. وإنما خصّت العرب ما فيه بدل من بدل بشيء ، لأنه فرع فرع ، والفروع لا يتصرّف فيها تصرّف الأصل ، فكيف فرع الفرع.

وأبدلت أيضا من الهاء «هل» ، فقالوا «أل فعلت كذا» يريدون «هل فعلت كذا». حكى ذلك قطرب. عن أبي عبيدة. والأصل «هل» ، لأنه الأكثر.

وأبدلت أيضا من الهاء في «هذا» ، فقالوا «آذا». قال :

فقال فريق : آأذا إذ نحوتهم

نعم ، وفريق : لا يمن الله ما (٣) ندري

__________________

(١) البيت من مجزوء البحر الكامل ، وهو لعبد المطلب بن هاشم في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٠٧ ، والدرر ٥ / ٣١ ، وشرح الأشموني ١ / ٥.

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في غذاء الألباب شرح منظومة الآدب ١ / ٢٠.

(٣) البيت من البحر الطويل ، وهو لنصيب في ديوانه ص ٩٤ ، والأزهية ص ٢١ ، وتخليص الشواهد ص ٢١٩ ، والدرر ٤ / ٢١٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٩ ، ولسان العرب ، مادة (يمن).

١٩١

أراد «أهذا» فقلب الهاء همزة ، ثم فصل بين الهمزتين بألف.

فأمّا قولهم «تدرأ» و «تدره» للدّافع عن قومه فليس أحد الحرفين فيهما بدلا من الآخر ، بل هما أصلان ، بدليل مجيء تصاريف الكلمة عليهما. فقالوا «درأه» و «درهه» و «مدرأ» و «مدره».

* * *

١٩٢

باب إبدال الهمزة من العين

لم يجىء من ذلك إلّا قولهم «أباب» ، في قولهم «عباب». والأصل العين لأنّ «عبابا» أكثر استعمالا من «أباب». قال :

*أباب بحر ، ضاحك ، زهوق (١)*

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ص ١٠٦ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٣٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٠٧ ، ولسان العرب ، مادة (أبب) والمقرب ٢ / ١٦٤.

١٩٣

باب الجيم

وأمّا الجيم فأبدلت من الياء ، لا غير ، مشدّدة ومخفّفة. فيبدلون من الياء المشدّدة جيما مشدّدة ، ومن الياء المخفّفة جيما مخفّفة.

فمن البدل من الياء المشدّدة ما أنشده الأصمعيّ عن خلف ، قال : أنشدني رجل من أهل البادية :

خالي ، عويف ، وأبو علجّ

المطعمان اللّحم ، فالعشجّ

وبالغداة ، فلق البرنجّ (١)

يريد : «وأبو عليّ» و «بالعشيّ» و «فلق البّرنيّ». ومنه أيضا ما حكاه أبو عمرو بن العلاء ، من أنه لقي أعرابيّا فقال له «ممّن أنت»؟ فقال : «فقيمجّ». فقال له «من أيّهم»؟ فقال «مرّجّ». يريد «فقيميّ» و «مرّيّ». وهو مطّرد في الياء المشدّدة. قال يعقوب : «وبعض العرب إذا شدّد الياء صيّرها جيما. وأنشد الأعرابيّ :

كأنّ في أذنابهنّ الشّوّل

من عبس الصّيف ، قرون الأجّل (٢)

يريد : الأيّل».

ومن إبدال الجيم من الياء المخفّفة ما أنشده أبو عمرو بن العلاء ، لهميان بن قحافة ، من قوله :

*يطير عنها الوبر ، الصّهابجا (٣)*

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في أوضح المسالك لابن هشام ٤ / ٣٧٢ ، وجمهرة اللغة لابن دريد ص ٤٢ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٧٥ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٢١ ، وفلق البرني ، ضرب من التمر ، لسان العرب ، مادة (برن).

(٢) الرجز ، لأبي النجم في سمط اللآلي ص ٧١٢ ، والطرائف الأدبية ص ٦٣ ، ولسان العرب ، مادة (عبس) ، والمحتسب ١ / ٧٦.

(٣) الرجز ، لهيمان بن قحافة السعدي في أمالي القالي ٢ / ٧٧ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٧٦ ، وسمط اللآلي ص ٧١٢ ، ولسان العرب ، مادة (صهب).

١٩٤

يريد «الصّهابي» من الصّبهة. وأصله «الصّهابيّ» ، فحذف إحدى الياءين. ومن ذلك ما أنشده الفرّاء ، من قول الشاعر :

لا همّ ، إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر ، نهّات ، ينزّي وفرتج (١)

يريد : «حجّتي» و «يأتيك بي» و «ينزّي وفرتي». ومن ذلك أيضا قوله :

*حتّى إذا ما أمسجت ، وأمسجا (٢)*

يريد «أمسيت وأمسيا» ، فأبدل من الياء جيما ، ولم يبدلها ألفا.

وهو غير مطرّد في الياء الخفيفة ، بل يوقف في ذلك عند السماع.

* * *

__________________

(١) الرجز ، لرجل من اليمانيين في الدرر ٣ / ٤٠ ، وبلا نسبة في الدرر ٦ / ٢٢٩ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٧٧ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٤٩ ، ولسان العرب ، مادة (دلق).

(٢) الرجز ، للعجاج في ملحق ديوانه ٢ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٧ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٨٦ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٧٧ ، ولسان العرب ، مادة (الجيم) والمحتسب ١ / ٧٤.

١٩٥

باب الدال

وأمّا الدال فأبدلت من التاء والذال. فأبدلت من تاء «افتعل» باطّراد ، إذا كانت الفاء زايا. فتقول في «افتعل» من «الزّين» : «ازدان» ، ومن «الزّلفى» : «ازدلف» ، ومن «الزّجر» : «ازدجر» ، ومن «الزّيارة» : «ازدار». والأصل «ازتان» و «ازتجر» و «ازتلف» و «ازتار» ، فرفضوا الأصل ، وأبدلوا من التاء دالا.

والسبب في ذلك أنّ الزاي مهجورة والتاء مهموسة ، والتاء شديدة والزاي رخوة ، فتباعد ما بين الزاي والتاء ، فقرّبوا أحد الحرفين من الآخر ، ليقرب النطق بهما ، فأبدلوا الدال من التاء ، لأنها أخت التاء في المخرج والشّدّة ، وأخت الزاي في الجهر.

وكذلك تبدل فيما تصرّف من «افتعل». فتقول «مزدلف» و «مزدجر» و «مزدان» و «مزدار» ، و «ازدجار» و «ازديان» و «ازديار» و «ازدلاف». ومن كلام ذي الرّمّة ، في بعض أخباره : «هل عندك من ناقة فلتزدار عليها ميّا».

وكذلك أيضا تبدل منها ، إذا كانت الفاء دالا ، إلّا أنّ ذلك من قبيل البدل الذي يكون للإدغام. فتقول في «افتعل» من «الدّين» : «ادّان».

وقد قلبت تاء «افتعل» دالا ، بغير اطّراد ، مع الجيم في «اجتمعوا» و «اجتزّ» ، فقالوا «اجدمعوا» و «اجدزّ». والأكثر التاء. قال :

فقلت لصاحبي : لا تحبسنّا

بنزع أصوله ، واجدزّ شيحا (١)

يريد «واجتزّ». ولا يقاس ذلك ، فلا يقال في «اجترأ» : «اجدرأ» ، ولا في «اجترح» : «اجدرح».

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لمضرس بن ربعي في شرح شواهد الشافية ص ٤٨١ ، وله أو ليزيد بن الطثرية في لسان العرب ، مادة (جزز) ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ص ١٨٧ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٤.

١٩٦

وأبدلت أيضا من تاء «افتعل» إذا كانت الفاء ذالا ، من غير إدغام. فقالوا «اذدكر» و «مذدكر» ، حكى ذلك أبو عمرو. وقال أبو حكاك :

تنحي على الشّوك جرازا مقضبا

والهرم تذريه اذدراء عجبا (١)

يريد «اذتراء» ، وهو «افتعال» من «ذراه يذريه». فأمّا «ادّكر» فإبدال إدغام ، فلا يذكر هنا.

وأبدلت من التاء في غير «افتعل» ، بغير اطّراد في «تولج» ، فقالوا «دولج» ، فأبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو. لأنّ الأصل «وولج» ، لأنه من الولوج. ولا تجعل الدال بدلا من الواو ، لأنه قد ثبت إبدال من التاء في «افتعل» ، كما تقدّم ، ولم يثبت إبدالها من الواو ، في موضع من المواضع.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الدال من التاء.

وأبدلت من الذال في «ذكر» جمع «ذكرة» ، فقالوا «دكر». قال ابن مقبل :

يا ليت لي سلوة ، تشفى النفوس بها

من بعض ما يعتري قلبي ، من الدّكر (٢)

بالدال. كذا رواه أبو عليّ. وكان الذي سهّل ذلك قلبهم لها في «ادّكر» و «مدّكر» ، فألف فيها القلب ، فقلبها دالا ، وإن كان موجب القلب قد زال ، وهو الإدغام.

* * *

__________________

(١) الرجز ، لأبي حكاك في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٨٧ ، وشرح المفصل ١٠ / ٤٩ ، والمقرب ٢ / ١٦٦ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة لابن دريد ص ٥٢٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٤ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٥٠ ، ولسان العرب ، (ذكر).

(٢) البيت من البسيط ، وهو لتميم بن مقبل في ديوانه ص ٨١ ، والخصائص لابن جني ١ / ٣٥١ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٨٨ ، والمنصف ٣ / ١٤٠.

١٩٧

باب الطاء

وأمّا الطاء فأبدلت من التاء ، لا غير. أبدلت باطّراد البتّة ، ولا يجوز غير ذلك ، من تاء «افتعل» إذا كانت الفاء صادا ، أو ضادا ، أو طاء ، أو ظاء. فتقول في «افتعل» من الصّبر : «اصطبر» ، ومن الضّرب : «اضطرب» ، ومن الظّهر «اظطهر» ، ومن الطّرد : «اطّرد». فتدغم ، لأنك لمّا أبدلت التاء طاء اجتمع لك مثلان ، الأوّل منهما ساكن ، فأدغمت. ولم تبدل التاء لأجل الإدغام ، بل للتباعد ، بل للتباعد الذي بين الطاء والتاء ، كما فعلت ذلك مع الضاد والظاء والصاد ؛ ألا ترى أنك أبدلت من التاء طاء ولم تدغم ، لمّا لم يجتمع لك مثلان.

والتباعد الذي بين التاء وبين هذه الحروف أنّ التاء منفتحة منسفلة ، وهذه الحروف مطبقة مستعلية. فأبدلوا من التاء أختها في المخرج ، وأخت هذه الحروف في الاستعلاء والإطباق ، وهي الطاء.

وأبدلت ، بغير اطّراد ، من تاء الضمير بعد الطاء والصاد. فقالوا «فحصط» و «خبطّ» ، يريدون «فحصت» و «خبطت». والأكثر التاء. والعلّة في الإبدال كالعلّة في «افتعل» ، من التباعد الذي ذكرنا بين التاء وبين الصاد والطاء. فقرّبوا ليسهل النّطق. ومن ذلك قوله :

وفي كلّ حيّ قد خبطّ بنعمة

فحقّ لشأس ، من نداك ، ذنوب (١)

رواه أبو عليّ ، عن أبي بكر ، عن أبي العباس : «خبطّ» ، على إبدال الطاء من التاء.

* * *

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لعلقمة الفحل في ديوانه ص ٤٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠٠ ، وشرح المفصل ٥ / ٤٨ ، ولسان العرب ، مادة (جنب) و (شأس) ومجالس ثعلب ص ٩٧.

١٩٨

باب الواو

وأمّا الواو فأبدلت من ثلاثة أحرف ، وهي الهمزة والألف والياء. إلّا أنّ يذكر هنا إبدالها من الهمزة ، لأنّ إبدالها من الياء والألف يذكر في باب القلب.

فتبدل من الهمزة ، باطّراد ، إذا كانت مفتوحة وقبلها حرف مضموم. نحو «جؤن» (١) و «سؤلة» (٢) ، تقول في تخفيفهما «جون» و «سولة». ولا يلزم ذلك.

وتبدل أيضا ، باطّراد ، إذا كانت ساكنة وقبلها ضمّة ، ولا يلزم ذلك أيضا. نحو «بؤس» و «نؤي» (٣) ، نقول فيهما إذا أردت التخفيف «بوس» و «نوي».

وتبدل أيضا ، باطّراد ، إذا كانت قبل الألف في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، بشرط أن يكتنف ألف الجمع همزتان ، نحو «ذوائب» في جمع «ذؤابة». أصله «ذآئب» ، فأبدلت الهمزة واوا ، هروبا من ثقل البناء ، مع ثقل اجتماع الهمزتين والألف ، لأنّ الألف قريبة من الهمزة ، لأنها من الحلق ، كما أنّ الهمزة كذلك. فكأنه قد اجتمع في الكلمة ثلاث همزات ، فالتزموا لذلك إبدال الهمزة واوا.

وأبدلت أيضا ، باطّراد على اللزوم ، إذا كانت للتأنيث ، في ثلاثة مواضع : التثنية ، والجمع بالألف والتاء ، والنسب. نحو «صحراوين» و «صحراوات» و «صحراويّ».

وباطّراد ، من غير لزوم ، في الهمزة المبدلة من أصل ، أو من حرف زائد ملحق بالأصل ، إذا كانت طرفا بعد ألف زائدة ، نحو «كساء» و «رداء» و «علباء» (٤) و «درحاء» ، حيث قلبت همزة التأنيث ، نحو «علباوين» و «كساوين» و «رداوين» و «درحاوين» و «علباوي» و «كساويّ» و «رداويّ» و «درحاوات» في جمع «درحاءة».

__________________

(١) الجؤن : جمع جؤنة وهي سلة مستديرة مغشاة جلدا ، يجعل فيها الطيب والثياب ، لسان العرب ، مادة (جأن).

(٢) السؤلة : كثير السؤال ، الكتاب ٢ / ٣١٤.

(٣) النؤي : الحفير حول الخيمة ليمنع عنها ماء المطر ويبعده ، لسان العرب ، مادة (نأى).

(٤) العلباء : عصب عنق البعير ، لسان العرب ، مادة (علب).

١٩٩

ومن الهمزة الأصليّة إذا وقعت طرفا بعد ألف زائدة ، وذلك قليل ، حيث قلبت همزة التأنيث أيضا ، نحو «قرّاء» (١) ؛ لأنه من «قرأ». فإنه قد حكي «قرّاويّ» ، وفي التثنية «قرّاوان».

وأبدلت ، من غير اطّراد ، في «واخيت» ، أصله «آخيت» ، فأبدلت الهمزة واوا. ولا يمكن أن يدّعى أنّ الواو في «واخيت» أصل ، وليست ببدل من الهمزة ، لأنّ اللّام من «واخيت» واو ، لأنه من «الأخوّة». وإنما قلبت ياء في «واخيت» ، لوقوعها رابعة ، كما قلبت في «غازيت» ، على ما يبيّن في بابه. فإذا تبيّن أنّ اللّام واو لم يمكن أن تكون الفاء واوا ، لأنه لم يجىء في كلامهم مثل «وعوت».

وتبدل أيضا واوا ، على غير اللزوم ، إذا وقعت بعد الواو الزائدة للمدّ ، فتقول في «مقروء» : «مقروّ».

وتبدل أيضا ، إذا وقعت بعد الواو ، وإن لم تكن زائدة للمدّ ، فتقول في «سوءة» : «سوّة». إلّا أنّ ذلك قليل جدّا.

فهذا جميع ما أبدلت فيه الهمزة واوا ، إذا لم تنضمّ إليها همزة أخرى. فإن انضمّ إليها همزة أخرى فلا يخلو أن تكون الثانية ساكنة أو متحرّكة. فإن كانت ساكنة فإنه يلزم إبدالها واوا ، إذا كانت الهمزة الأولى مضمومة. فتقول في «أفعل» من «أتى» : «أوتي». وأصله «أؤتي» ، إلّا أنه رفض الأصل ، هروبا من اجتماع الهمزتين ، فلزم البدل.

فإذا كانت الثانية متحرّكة فإنها تبدل واوا ، إذا كانت متحرّكة بالضمّ ، أو بالفتح. فتقول في مثل «أبلم» (٢) من «أممت» : «أومّ». أصله «أؤمم» ، فنقلت ضمّة الميم إلى الهمزة ، وأدغمت فقلت «أومّ» ولزم ذلك ، وتقول في «أفعل» من «أممت» : «أومّ». وأصله «أأمم» ، ثم نقلت فتحة الميم إلى الهمزة ، وأدغمت فقلت «أأمّ». ثم أبدلت الهمزة واوا ، فقلت «أومّ». كما أنهم لمّا اضطرّوا إلى ذلك ، في جمع «آدم» ، قالوا «أوادم» ، فأبدلوا الهمزة واوا.

وسواء كان من قبل هذه الهمزة المفتوحة مفتوحا ، أو مضموما ، في التزام إبدالها واوا. فمثال انضمام ما قبلها «أواتي» في مضارع «آتى» : «فاعل» من الإتيان. أصله

__________________

(١) القراء : الناسك المتفقة القارئ ، لسان العرب ، مادة (قرأ).

(٢) الأبلم : خوص المقل ، لسان العرب ، مادة (بلم).

٢٠٠