الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

فإن قيل : وفي جعلها أيضا أصلا خروج عمّا استقرّ لها ، من أنها لا تكون أصلا ، إلّا في باب «ضوضيت»؟.

فالجواب : أنه قد تقدّم أنه متى كان في الكلمة وجهان شاذّان ، أحدهما يؤدّي إلى أصالة الحرف ، والآخر يؤدّي إلى زيادته ، كانت الأصالة أولى. وأيضا فإن الواو قد جاءت أصلا في ضرب من بنات الأربعة ، وهو المضاعف ، ولم تزد أوّلا في موضع من المواضع. وأيضا فإنّ جعلها زائدة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وهو «وفنعل». وجعلها أصليّة يؤدّي إلى بناء موجود ، وهو «فعنلل» نحو «جحنفل» (١).

فإن قال قائل : إنكم استدللتم على أن «ضوضيت» وبابه من بنات الأربعة ، بقولهم «ضوضاء» و «غوغاء» ؛ لأنه لم يوجد مثل «فعلاء» في كلامهم ، ولا دليل في ذلك ، لاحتمال أن تكون الواو زائدة ، ويكون وزن الكلمة «فوعالا» كـ «توارب» (٢)؟.

فالجواب : أنه لو كان «فوعالا» لكان من باب «ددن» ، أعني مما فاؤه وعينه من جنس واحد ، وذلك قليل جدّا ، وباب «ضوضاء» و «غوغاء» و «ضوضيت» و «غوغيت» كثير ، ولا يتصوّر حمل ما جاء كثيرا على باب لم يجىء منه إلّا اليسير. وأيضا فإنّ «فوعالا» كـ «توارب» قليل جدّا. وإذا كانت الواو أصلا كان وزن الكلمة «فعلالا» كـ «صلصال» و «قلقال» ، وذلك بناء موجود في المضعّف كثيرا. فحمله على ذلك أولى.

* * *

__________________

(١) الجحنفل : العظيم الشفة ، المزهر للسيوطي ١ / ٢٠٥.

(٢) التوارب : التراب ، الكتاب لسيبويه لابن قنبر ١ / ٣٩٧.

١٦١

باب

ما يزاد من الحروف في التضعيف

اعلم أنّ التضعيف لا يخلو أن يكون من باب إدغام المتقاربين ، أو من باب إدغام المثلين. فإن كان من باب إدغام المتقاربين فلا يلزم أن يكون أحد الحرفين زائدا. بل قد يمكن أن يكون زائدا ، وأن يكون أصلا. وإذا كان الإدغام من جنس إدغام المثلين كان أحد المثلين زائدا ، إلّا أن يقوم دليل على أصالتهما ، على ما يبيّن.

فإن قيل : فيم يمتاز إدغام المتقاربين من إدغام المثلين؟.

فالجواب : عن ذلك أن نقول : إذا وجد حرف مضعّف فينبغي أن يجعل من إدغام المثلين ، ولا تجعله من إدغام المتقاربين إلّا أن يقوم على ذلك دليل ، لأنه لا يجوز أن يدغم الحرف في مقاربه من كلمة واحدة ، لئلّا يلتبس بأنه من إدغام المثلين ؛ ألا ترى أنك لا تقول في أنملة (١) : «أمّلة» ، لأنّ ذلك ملبس ، فلا يدرى هل هو في الأصل «أنملة» أو «أمملة». فإن كان في الكلمة بعد الإدغام ما يدلّ على أنه من إدغام المتقاربين جاز الإدغام ، وذلك نحو قولك «امّحى الكتاب» ، أصله «انمحى» ، بدليل أنه لا يمكن أن يكون من باب إدغام المثلين. إذ لو كان كذلك لكان «افّعل» ، و «افّعل» ليس من أبنية كلامهم. فلمّا لم يمكن حمله على أنّ الإدغام فيه من قبيل إدغام المثلين تبيّن أنه في الأصل «انمحى» لأنّ في كلامهم «انفعل».

فأمّا «همّرش» (٢) فينبغي أن يحمل على أنّ إدغامه من قبيل إدغام المثلين ، ويكون وزن الكلمة «فعّللا» ، فتكون ملحقة بـ «جحمرش» (٣) ، لما ذكرناه من أنّ الأصل في كلّ إدغام ، يكون في كلمة واحدة ، أن يحمل على أنه من قبيل إدغام المثلين ، إلّا أن يمنع من

__________________

(١) الأنملة : المفصل الأعلى من الأصبع ، لسان العرب ، مادة (نمل).

(٢) الهمرش : العجوز الكبيرة المسنة ، لسان العرب ، مادة (همرش).

(٣) الجحمرش : العجوز الكبيرة ، لسان العرب ، مادة (جحمرش).

١٦٢

ذلك مانع. فإذا صغّرت «همّرشا» على هذا القول ، أو كسّرته ، قلت «هميرش» و «همارش» ، فتحذف إحدى الميمين ، لأنها زائدة.

وأمّا أبو الحسن فزعم أنّ «همّرشا» حروفه كلّها أصول ، وأنّ الأصل «هنمرش» بمنزلة «جحمرش» ، ثن أدغمت النون في الميم. وجاز الإدغام عنده لعدم اللّبس ، وذلك أنّ البنية ـ أعني «فعلللا» ـ لم توجد في موضع من المواضع ، قد لحقتها زوائد للإلحاق. فيعلم بذلك أنّ «همّرشا» في الأصل «هنمرش». إذ لو لم يحمل على ذلك ، وجعل من إدغام المثلين ، لكان أحد المثلين زائدا فيكون ذلك كسرا لما ثبت في هذه البنية واستقرّ ، من أنها لا تلحقها الزوائد للإلحاق. فتقول ـ على هذا ـ في تصغير «همّرش» وتكسيره : «هنيمر» و «هنامر» ، فتردّ النون إلى أصلها ، لمّا زال الإدغام ، وتحذف الآخر ، لأنّ حروف الكلمة كلّها أصول.

وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنه مبنيّ على أنّ هذه البنية لم تلحقها زيادة للإلحاق ، في موضع. وقد وجد هذا الذي أنكر ، قالوا «جرو نخورش» أي : إذا كبرخرش ؛ لا ترى أنّ الواو زائدة ، وأنّ الاسم ملحق بـ «جحمرش». فإذا تقرّر أنّ هذه البنية قد لحقتها الزوائد للإلحاق وجب القضاء على إدغام «همّرش» ، بأنه من قبيل إدغام المثلين.

فإذا كان الإدغام من جنس إدغام المتقاربين فالذي ينبغي أن يحكم به على الحرفين المتقاربين الأصالة ، إلّا أن يقوم دليل من الأدلة المتقدمة على الزيادة.

وإذا كان الإدغام من جنس إدغام المثلين فلا يخلو من أن يكون اللفظ من ذوات الثلاثة ، أو من ذوات الأربعة ، أو من ذوات الخمسة.

فإن كان من ذوات الثلاثة قضي على المثلين بالأصالة ، إذ لا بد من الفاء والعين واللام ، نحو «ردّ» و «فرّ».

وإن كان من ذوات الأربعة فإنه لا يخلو أن يكون المضعّف بين الفاء واللّام نحو «ضرّب» ، أو في الطرف بعد العين نحو «قردد» ، أو غير ذلك. فإن كان المضاعف على ما ذكرنا كان أحد المثلين زائدا. وذلك أنّ كلّ ما له اشتقاق من ذلك يوجد أحد المثلين منه زائدا ، نحو «ضرّب» ، فإنه من الضّرب ، و «قعدد» (١) فإنه من القعود. فحمل ما ليس له اشتقاق نحو «سلّم» و «قنّب» على أنّ أحد المثلين منه زائد.

__________________

(١) القعدد : القاعد عن الحرب والمكارم ، لسان العرب ، مادة (قعد).

١٦٣

وإن لم يكن المضعّف على ما ذكر كان كلّ واحد منهما أصلا ، وذلك نحو «صلصل» (١) و «فرفخ» و «قربق» (٢) و «ديدبون» (٣) و «شعلّع» (٤) ، والذي أوجب ذلك أنه لم يثبت زيادة أحد المثلين في مثل ما ذكر ، باشتقاق أو تصريف ، في موضع من المواضع ، فيحمل ما ليس فيه اشتقاق على الزيادة. بل الواجب أن يعتقد في المثلين الأصالة ، إذ الزيادة لا تعتقد إلّا بدليل. وأيضا فإنك لو جعلت أحد المثلين في جميع ذلك زائدا لكان وزن «فرفخ» : «فعفلا» ، ووزن «قربق» : «فعلفا» ، ووزن «ديدبون» : «فيفعولا» ، ووزن «شعلّع» : «فعلّعا» ، وهي أبنية لم تثبت في كلامهم. وإذا جعلت المثلين أصلين كان وزن «فرفخ» : «فعللا» ، ووزن «قربق» : «فعللا» ، ووزن «ديدبون» : «فيعلولا» ، ووزن «شعلّع» : «فعلّلا» ، وهي أبنية موجودة في كلامهم. وما يؤدّي إلى مثال موجود أولى.

وأمّا «صلصل» وبابه فلو جعلت كلّ واحد من المثلين زائدا لأدّى ذلك إلى بقاء الكلمة على أقلّ من ثلاثة أحرف ، ولو جعلت إحدى الصادين أو اللّامين من «صلصل» زائدة ، لا مجموعهما ، لم يجز ذلك ، لأنه إن جعل إحدى الصادين زائدة لم يخل من أن تكون الأولى ، أو الثانية. فإن كانت الزائدة الأولى كان وزن الكلمة «عفعلا» ، وذلك بناء غير موجود. وأيضا فإنّ الكلمة تكون إذ ذاك من باب «سلس» و «قلق» ، أعني مما لامه وفاؤه من جنس واحد ، وذلك قليل. وإن كانت الثانية كان وزن الكلمة «فعفلا» ، وذلك بناء غير موجود. وأيضا فإنّ الكلمة إذ ذاك تكون من باب ما ضوعفت فيه الفاء ، نحو «مرمريس» (٥) ، لأنّ وزنه «فعفعيل» ، وذلك قليل جدّا ، لا يحفظ منه إلّا «مرمريس» و «مرمريت» بمعناه.

وإن جعلت اللّام زائدة لم تخل من أن تكون الأولى ، أو الثانية. فإن كانت الأولى كان وزن الكلمة «فلعلا» ، وذلك بناء غير موجود. وأيضا فإنّ الكلمة تكون إذ ذاك من باب «ددن» ، أعني مما فاؤه وعينه من جنس واحد. وابن كانت الثانية كان وزن «فعلعا» ، وذلك بناء غير موجود ، وأيضا فإنه يكون من باب «سلس» و «قلق» ، لأنّ فاء الكلمة إذ ذاك ولامها الصاد ، وقد تقدّم أنه بناء قليل.

__________________

(١) الصلصل : ناحية الفرس ، الصحاح للجوهري ، مادة (صلصل).

(٢) القربق : الحانوت ، لسان العرب ، مادة (قربق).

(٣) الديدبون : اللهو واللعب ، لسان العرب ، مادة (ددن).

(٤) الشعلع : الطويل ، لسان العرب ، مادة (شعع ، شعلع).

(٥) المرمريس : الداهية الشديدة ، الصحاح للجوهري ، مادة (مرس).

١٦٤

فلمّا ثبت أنك كيفما فعلت في جعل أحد الحرفين زائدا يؤدّي إلى بناء معلوم ، ودخول في باب قليل ، وكان باب قليل ، وكان باب «صلصل» كثيرا ، جعلت حروفه كلّها أصولا ، وجعل صنفا برأسه ، ولم يدخل في باب من الأبواب المذكورة.

وإن كان من ذوات الخمسة فلا يخلو من أن يكون المضعّف منه حرفا واحدا ، أو أزيد. فإن كان المضعّف منه حرفا واحدا فلا يخلو أن يفصل بينهما أصلا ، أو لا يفصل. فإن فصل بينهما أصل كان كلّ واحد من المثلين أصلا نحو «دردبيس» (١) و «شفشليق» (٢) ؛ ألا ترى أنّ الراء والفاء قد فصلتا بين المثلين ، وليستا من حروف الزيادة. وإنما جعل المثلان أصلين في مثل هذا ، لأنه لم يثبت زيادة أحد المثلين في مثل ذلك ، في موضع من المواضع ، باشتقاق ولا تصريف ، فحمل ما ليس له اشتقاق ولا تصريف على ذلك. وأيضا فإنك لو جعلت أحد المثلين زائدا لكان وزن «شفشليق» : «فعفليل» ، وذلك بناء غير موجود.

وإن لم يفصل بينهما أصل ، بل زائد ، أو لم يقع بينهما فاصل ، كان أحد المثلين زائدا ، وذلك نحو «شمّخر» (٣) و «خنفقيق» (٤) ، إحدى القافين وإحدى الميمين زائدتان ، وذلك أنّ كلّ ما علم له من ذلك اشتقاق ، أو تصريف ، وجد أحد المضعّفين منه زائدا ؛ ألا ترى أنّ «اشمخرّ» يدلّ على أنّ إحدى الميمين من «شمّخر» زائدة. فحمل ما ليس له اشتقاق على ذلك.

وإن كان المضعّف أزيد كان كلّ واحد من المثلين زائدا ، نحو «صمحمح» (٥) و «دمكمك» (٦) ، إحدى الميمين وإحدى الحاءين ، أو الكافين ، زائدتان ، بدليل أنّ ما له اشتقاق أو تصريف من ذلك وجد كلّ واحد من المثلين فيه زائدا ، فحمل ما ليس له اشتقاق على ذلك ، نحو «مرمريس» فإنه من المراسة ، فإحدى الميمين وإحدى الراءين زائدتان.

فإن قيل : فأيّ الحرفين هو الزائد؟.

__________________

(١) الدردبيس : الداهية ، لسان العرب ، مادة (دردبس).

(٢) الشفشليق : العجوز المسترخي لحمها ، لسان العرب (شفشلق).

(٣) الشمخر : الطامح البعيد النظر ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (شمخر).

(٤) الخنفقيق : الداهية ، والخنفقيقة من النساء الجريئة ، لسان العرب ، مادة (خنفق).

(٥) الصمحمح : الشديد القوي ، الصحاح للجوهري ، مادة (صمح).

(٦) الدمكمك : الشديد ، الصحاح للجوهري ، مادة (دمك).

١٦٥

فالجواب : أنّ في ذلك خلافا :

فمذهب الخليل أنّ الزائد الأوّل ، فاللّام الأولى من «سلّم» هي الزائد ، وكذلك الزاي الأولى من «بلزّ» (١). وحجّته أنّ الأوّل قد وقع موقعا تكثر فيه أمّهات الزوائد ، وهي الياء والألف والواو ؛ ألا ترى أنّ حروف العلّة الثلاثة قد تقع ثانية زائدة نحو «حومل» (٢) و «صيقل» و «كاهل». فإذا قضينا بزيادة اللّام الأولى من «سلّم» كانت واقعة موقع هذه الزوائد وساكنة مثلها. وكذلك أيضا قد تقع هذه الحروف ثالثة نحو «كتاب» و «عجوز» و «قضيب». فإذا جعلنا الزاي الأولى من «بلزّ» زائدة كانت واقعة موقع هذه الزوائد وساكنة مثلها.

ومذهب يونس أنّ الثاني هو الزائد. واستدلّ على ذلك أيضا بأنه إذا كان الأمر على ما ذكر وقعت الزيادة موقعا تكثر فيه أمّهات الزوائد ؛ ألا ترى أنّ الياء والواو قد تقعان زائدتين متحرّكتين ثالثتين ، نحو «جهور» (٣) و «عثير» (٤). فإذا جعلنا اللّام الثانية من «سلّم» هي الزائدة كانت واقعة موقع الياء من «عثير» والواو من «جهور» ومتحرّكة مثلهما. وكذلك أيضا تكثر زيادتهما رابعتين متحرّكتين نحو «كنهور» (٥) و «عفرية» (٦). فإذا جعلنا الزاي الثانية من «بلزّ» زائدة كانت واقعة موقع الواو من «كنهور» والياء من «عفرية» ومتحرّكة مثلهما.

قال سيبويه : وكلا القولين صحيح ومذهب.

وهذا القدر الذي احتجّ به الخليل ويونس لا حجّة لهما فيه ، لأنه ليس فيه أكثر من التأنيس بالإتيان بالنظير ، وليس فيه دليل قاطع.

وزعم الفارسيّ أنّ الصحيح ما ذهب إليه يونس ، من زيادة الثاني من المثلين. واستدلّ على ذلك بوجود «اسحنكك» (٧) و «اقعنسس» (٨) وأشباههما في كلامهم. وذلك أنّ النون في «افعنلل» من الرباعيّ لم توجد قطّ إلّا بين أصلين ، «احرنجم» (٩). فينبغي أن يكون

__________________

(١) البلز : الضخمة ، لسان العرب ، مادة (بلز).

(٢) حومل : اسم موضع.

(٣) الجهور : الجريء الماضي المقدم ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (جهر).

(٤) العثير : التراب ، لسان العرب ، مادة (عثر).

(٥) الكنهور : العظيم المتراكب من السحاب ، الصحاح للجوهري ، (كنهر).

(٦) العفرية : الداهي الخبيث الشرير ، لسان العرب ، مادة (عفر).

(٧) اسحنكك الليل : اشتدت ظلمته ، لسان العرب ، مادة (سحك).

(٨) اقعنسس : تأخر ورجع إلى الخلف ، لسان العرب ، مادة (قعس).

(٩) احرنجم القوم : اجتمعوا ، لسان العرب ، مادة (حرجم).

١٦٦

ما ألحق به من الثلاثيّ بين أصلين ، لئلا يخالف الملحق ما ألحق به. ولا يمكن جعل النون في «اسحنكك» و «اقعنسس» وأشباههما بين أصلين ، إلّا بأن يكون الأوّل من المثلين هو الأصل ، والثاني هو الزائد. وإذا ثبت في هذا الموضع أنّ الزائد من المثلين هو الثاني حملت سائر المواضع عليه.

وهذا الذي استدلّ به لا حجّة فيه ، لأنه لا يلزم أن يوافق الملحق ما ألحق به في أكثر من موافقته له في الحركات والسّكنات وعدد الحروف ؛ ألا ترى أنّ النّون في «افعنلل» من الرباعيّ بعدها حرفان أصلان ، وليس بعدها فيما ألحق به من الثلاثيّ إلّا حرفان ، أحدهما أصليّ ، والآخر زائد. فكما خالف الملحق الملحق به ، في هذا القدر ، فكذلك يجوز أن يخالفه في كون النون في الملحق به واقعة بين أصلين ، وفي الملحق به واقعة بين أصلين ، وفي الملحق واقعة بين أصل وزائد.

والصحيح عندي ما ذهب إليه الخليل ، من أنّ الزائد منهما هو الأوّل ، بدليلين :

أحدهما : أنهم لمّا صغّروا «صمحمح» قالوا «صميمح» ، فحذفوا الحاء الأولى. ولو كانت الأولى هي الأصليّة والثانية هي الزائدة لوجب حذف الثانية ، لأنه لا يحذف في التصغير الأصل ، ويبقى الزائد.

فإن قال قائل : فلعلّ الذي منع من حذف الحاء الأخيرة ، وإن كانت هي الزائدة ، ما ذكره الزّجّاج ، من أنك لو فعلت ذلك لقلت «صميحم» ، ويكون تقديره من الفعل «فعيلع» ، وذلك بناء موجود؟.

فالجواب : أنّ هذا القدر ليس بمسوّغ حذف الأصليّ وترك الزائد ، لأنّ البناء الذي يؤدّي إليه التّصغير عارض لا يعتدّ به ، بدليل أنك تقول في تصغير «افتقار» : «فتيقير» ، فتحذف همزة الوصل ، وتصير كأنك صغّرت «فتقارا» ، و «فتعال» ليس من أبنية كلامهم. فكذلك كان ينبغي أن يقال «صميحم» ، وإن أدّى إلى بناء غير موجود.

والآخر أنّ العين إذا تضعّفت ، وفصل بينهما حرف ، فإنّ ذلك الفاصل أبدا لا يكون إلّا زائدا نحو «عثوثل» (١) و «عقنقل» (٢) ؛ ألا ترى أنّ الواو والنون الفاصلتين بين العينين زائدتان. فإذا ثبت ذلك تبيّن أنّ الزائد من الحاءين في «صمحمح» هي الأولى ، لأنها

__________________

(١) العثوثل : الشيخ الثقيل ، وفي اللسان : الكثير اللحم الرخو ، مادة (عثل).

(٢) العقنقل : الكثيب العظيم من الرمل ، الصحاح للجوهري ، مادة (عقنقل).

١٦٧

فاصلة بين العينين ، فلا يتصوّر أن تكون أصلا ، لئلّا يكون في ذلك كسر لما استقرّ في كلامهم ، من أنه لا يجوز الفصل بين العينين إلّا بحرف زائد. وإذا ثبت أنّ الزائد من المثلين ، في هذين الموضعين ، هو الأول حملت سائر المواضع عليهما.

وإذا قد فرغنا من تبيين الحروف الزوائد ، والأدلّة الموصلة إلى معرفة الزائد من الأصليّ ، فينبغي أن أضع عقب ذلك بابا أبيّن فيه كيفيّة وزان الأسماء والأفعال ، والخلاف الذي بين النحويّين في ذلك.

* * *

١٦٨

باب التمثيل

اعلم أنّك إذا أردت أن تبيّن وزن الكلمة من الفعل عمدت إلى الكلمة ، فجعلت في مقابلة الأصول منها الفاء والعيم واللّام ؛ فتجعل الفاء في مقابلة الأصل الأول ، والعين في مقابلة الثاني ، واللّام في مقابلة الثالث. فإن فنيت الفاء والعين واللّام ولم تفن الأصول كرّرت اللّام في الوزن ، على حسب ما بقي لك من الأصول. حتى تفنى.

وأمّا الزوائد فلا يخلو أن تكون مكرّرة من لفظ الأصل ، أو لا تكون. فإن لم تكن مكرّرة من لفظ أبقيتها في المثال على لفظها ، ولم تجعل في مقابلتها شيئا. وإن كانت مكرّرة من لفظ الأصل وزنتها بالحرف الذي تزن به الأصل الذي تكرّرت منه.

فعلى هذا إذا قيل لك : ما وزن «زيد» من الفعل؟.

قلت : «فعل» ، لأنّ حروفه كلها أصول ، وهي ثلاثة. فتجعل في مقابلتها الفاء والعين واللّام.

فإن قيل لك : ما وزن «جعفر» من الفعل؟.

قلت : «فعلل» ، لأنّ حروفه كلّها أصول أيضا. فجعلت في مقابلتها الفاء والعين واللّام ، فبقي حرف من الأصول ، فكرّرت اللّام كما تقدّم.

فإن قيل لك : ما وزن «أحمد»؟.

قلت : «أفعل» ، لأنّ «أحمد» همزته زائدة ، فأبقيتها في الوزن بلفظها ، وسائر حروفه كلّها أصول ، فجعلت في مقابلتها الفاء والعين واللّام.

فإن قيل لك : ما وزن «عقنقل» (١)؟.

قلت : «فعنعل» ، لأنّ حرفين من حروفه زائدان ـ وهما النون وإحدى القافين ـ وسائر حروفه أصليّة ، فجعلت في مقابلة الأصول الفاء والعين واللّام ، وبقيت النون في المثال

__________________

(١) العقنقل : الكثيب العظيم من الرمل ، الصحاح للجوهري ، مادة (عقنقل).

١٦٩

بلفظها ، لأنها زائدة ، وجعلت في مقابلة القاف الزائدة العين ، ولم تزنها بلفظها ، لأنها تكرّرت من لفظ العين ، فكرّرتها في المثال من لفظ العين ، حتى يوافق المثال الممثّل.

فإن قيل : وما الفائدة في وزن الكلمة بالفعل؟.

فالجواب : أنّ المراد بذلك الإعلام بمعرفة الزائد من الأصليّ ، على طريق الاختصار ؛ ألا ترى أنك إذا وزنت «أحمد» بـ «أفعل» غني ذلك عن قولك : الهمزة من «أحمد» زائدة ، وسائر حروفه أصول. وكان أخصر منه.

فإن قيل : فلم كنوا عن الأصول بالفاء والعين واللام؟.

فالجواب : أنّ الذي حملهم على ذلك أنّ حروف ال «الفعل» أصول ، فجعلوها لذلك في مقابلة الأصول.

فإن قيل : فهلّا كنوا عن الأصول بغير ذلك من الألفاظ التي حروفها أصول ، كـ «ضرب» مثلا ؛ ألا ترى أنّ الضاد والراء والباء أصول؟.

فالجواب : أنهم لمّا أرادوا أن يكنوا عن الأصول كنوا بما من عادة العرب أن تكني به ، وهو «الفعل» ؛ ألا ترى أنّ القائل يقول لك : هل ضربت زيدا؟ فتقول : فعلت. وتكني بقولك «فعلت» عن الضرب.

وزعم أهل الكوفة أنّ نهاية الأصول ثلاثة ، فجعلوا الراء من «جعفر» زائدة ، والجيم واللّام من «سفرجل» زائدتين. وجعلوا وزن «جعفر» من الفعل «فعللا» ، ووزن «سفرجل» : «فعلّلا» كما فعلناه نحن. وأمّا الكسائيّ منهم فجعل الزيادة من «جعفر» وأشباهه ما قبل الآخر. وكان الذي حملهم على أن رأوا المثال يلزم ذلك فيه ؛ ألا ترى أنّ إحدى اللّامين من «فعلل» زائدة. وكذلك «فعلّل» اللّامان من هذه الثلاثة زائدتان. هكذا قياس كل مضعّف. أعني أن يحكم على أحد المثلين ، أو الأمثال ، بالأصالة ، وعلى ما عداه بالزيادة. فلمّا رأى ذلك لازما في المثال قضى على الممثّل بمثل ما يلزم في المثال.

وذلك فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه لا يحكم بزيادة حرف إلّا بدليل ، من الأدلّة المتقدّمة الذكر ، أعني الاشتقاق والتصريف وأخواتهما. ولا شيء من ذلك موجود في «جعفر» ، ولا «سفرجل». فالقضاء بالزيادة فيهما تحكّم محض.

والآخر : أنّ قياس المثال أن يبقى الزائد فيه بلفظه ، إذا لم يكن من لفظ الأصل.

١٧٠

فكان ينبغي أن يجعل وزن «جعفر» من الفعل ـ على هذا ـ : «فعلر» ، عند من يجعل الآخر زائدا ، و «فعفل» عند من يجعل الزائد ما قبل الآخر ، وأن يجعل وزن «سفرجل» : «فعلجل» [أو «فعرجل»].

ومن أهل الكوفة من ذهب إلى ما ذكرناه من أنّ الأصول ثلاثة ، إلّا أنه وزن ما عدا الأصول بلفظه ، فجعل وزن «جعفر» : «فعلر» ، و «سفرجل» : «فعلجل».

ومنهم من قضى بزيادة ما عدا الثلاثة ، إلّا أنه لا يزن. فإن قيل له : ما وزن «جعفر» و «فرزدق»؟ قال : لا أدري!.

وكلّ ذلك باطل ، لما ذكرناه ، من أنه لا ينبغي أن يقضى على حرف بزيادة ، إلّا بدليل. فالصحيح في النظر ، والجاري في تمثيل الكلمة بالفعل ، ما ذهب إليه أهل البصرة.

نجز القسم الأول.

* * *

١٧١
١٧٢

ذكر القسم الثاني من التصريف : الإبدال

١٧٣
١٧٤

[حروف الإبدال]

فمن ذلك حروف البدل لغير إدغام ، وهي الحروف التي يجعلها قولك «أجد طويت منهلا». فهذه الحروف تبدل من غير إدغام ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله. فإن كان البدل لأجل إدغام لم يكن مختصّا بهذه الحروف ، بل جائز في كلّ حرف يدغم في مقاربه أن يبدل حرفا من جنس مقاربه الذي يدغم فيه ، على ما يبيّن في الإدغام ، إن شاء الله.

[إبدال الهمزة]

فأمّا الهمزة فأبدلت من خمسة أحرف. وهي الألف ، والياء ، والواو ، والهاء ، والعين.

* * *

١٧٥

[باب إبدال الهمزة من الألف]

فأبدلت من الألف على غير قياس ، إذا كان بعدها ساكن ، فرارا من اجتماع الساكنين. نحو ما حكي عن أيوب السّختيانيّ ، من أنّه قرأ (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧].

فهمز الألف ، وحرّكها بالفتح ، لأنّ الفتح أخفّ الحركات. ونحو ما حكى أبو زيد في كتاب الهمز من قولهم «شأبّة» و «دأبّة». وأنشدت الكافّة :

يا عجبا ، لقد رأيت عجبا

حمار قبّان ، يسوق أرنبا

خاطمها زأمّها ، أن تذهبا (١)

أراد «زامّها» فأبدل ، وحكى المبرّد عن المازنيّ ، عن أبي زيد ، قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، فظننت أنه قد لحن ، حتى سمعت العرب تقول «دأبّة» و «شأبّة» ، ومن ذلك قول الشاعر :

وبعد انتهاض الشّيب ، من كلّ جانب

على لمّتي ، حتّى اشعألّ بهيمها (٢)

يريد «اشعالّ» من قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤]. وقال دكين :

راكدة مخلاته ، ومحلبه

وجلّه ، حتى أبيأضّ ملببه (٣)

يريد «ابياضّ». قال كثّير :

وللأرض : أمّا سودها فتجلّلت

بياضا ، وأمّا بيضها فادهأمّت (٤)

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في الخصائص لابن جني ٣ / ١٤٨ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٤٨ ، ولسان العرب ، مادة (قبب).

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٣ ، وشرح المفصل ٩ / ١٣٠ ، ولسان العرب ، مادة (شعل) ، والمقرب ٢ / ١٦١.

(٣) الرجز ، لدكين في الخصائص لابن جني ٣ / ١٤٨ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٤ ، وسمط اللآلي ص ٥٨٧ ، والمحتسب ١ / ٣٢٠ ، وبلا نسبة في لسان العرب ، مادة (جنن).

(٤) البيت من البحر الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٣٢٣ ، والدرر ٦ / ٢٨٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٧٤ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٢ ، والمحتسب ١ / ٤٧.

١٧٦

يريد «فادهامّت».

وقد كاد يتسع هذا عندهم ، إلّا أنه مع ذلك لم يكثر كثرة توجب القياس. قال أبو العباس : قلت لأبي عثمان : أتقيس هذا النحو؟ قال «لا ، ولا أقبله». بل ينقاس ذلك عندي ، في ضرورة الشعر. ومن هذا القبيل جعل ابن جنّي قول الراجز :

من أيّ يوميّ من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر (١)؟

وذلك أنّ الأصل «أيوم لم يقدر أم يوم» ، فأبدلت الهمزة ألفا ، وإن كان قبلها ساكن ، على حدّ قولهم في المرأة «المراة» ، و «متأر» «متار». قال :

إذا اجتمعوا عليّ ، وأشقذوني

فصرت كأنّني فرأ ، متار (٢)

وذلك بأن ألقوا حركة الهمزة على الساكن ، ولم يحذفوا الهمزة ، بل جاءت ساكنة بعد الفتحة ، فأبدلت ألفا ، كما فعل ذلك بـ : «كاس» ، فصار «يقدرام» ، فاجتمعت الألف مع الميم الساكنة ، فأبدلت همزة مفتوحة فرارا من اجتماع الساكنين. وقد تقدّم في «الضرائر» أنه ممّا حذف منه النون الخفيفة ، نحو قول الآخر :

اضرب عنك الهموم ، طارقها

ضربك بالسّوط قونس الفرس (٣)

وأبدلت أيضا من الألف ، وإن لم يكن بعدها ساكن. وذلك قليل جدّا لا يقاس ، لقلّته ، في الكلام ، ولا في الضرورة. فقد روي أنّ العجاج يهمز «العالم» و «الخاتم». قال :

*يا دار سلمى ، يا اسلمي ، ثمّ اسلمي (٤)

ثم قال :

__________________

(١) الرجز ، للإمام علي بن أبي طالب ، في ديوانه ص ٧٩ ، وحماسة البختري ص ٣٧ ، وللحارث بن منذر الجرمي في شرح شواهد المغني ٢ / ٦٧٤ ، وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ٣ / ٩٤ ، ولسان العرب ، مادة (قدر).

(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو لعامر بن كثير المحاربي في لسان العرب مادة (قدر) ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ١٧٦ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٨.

(٣) البيت من البحر المنسرح ، وهو لطرفة بن العبد في ملحق ديوانه ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب للبغدادي ١١ / ٤٥٠ ، والدرر ٥ / ١٧٤ ، ولسان العرب ، مادة (قنس) ، ونوادر أبي زيد ص ١٣.

(٤) الرجز ، للعجاج في ديوانه ١ / ٤٤٢ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٤٥ ، والإنصاف ١ / ١٠٢ ، وجمهرة اللغة لابن دريد ص ٢٠٤ ، والخصائص لابن جني ٢ / ١٩٦ ، ولسان العرب ، مادة (سمم) ، ولرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٨٣ ، وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ٢ / ٢٧٩ ، ولسان العرب ، مادة (علم).

١٧٧

*فخندف هامة هذا العألم (١)*

وحكي عن بعضهم «تأبلت القدر» إذا جعلت فيها التّابل.

وتكون الهمزة ساكنة ، إلّا أن تكون الألف في النّيّة متحرّكة فإنّ الهمزة إذ ذاك متحرّكة بالحركة التي للألف في الأصل. فمن ذلك ما حكاه بعضهم من قولهم «قوقأت الدّجاجة» و «حلّأت السّويق» و «رثأت المرأة زوجها» و «لبّأ الرّجل بالحجّ». ومنه قول ابن كثوة :

ولّى نعام بني صفوان زوزأة

لمّا رأى أسدا في الغاب قد وثبا (٢)

ومنه ما أنشده الفرّاء ، من قول الآخر :

يا دارميّ ، بدكاديك البرق

صبرا ، فقد هيّجت شوق المشتئق (٣)

وحكى أيضا من كلامهم «رجل مئل» من المال. والأصل في ذلك : «قوقى» و «حلّى» و «رثى» و «لبّى» و «الزّوزاة» و «المشتاق» و «رجل مال» (٤).

وأبدلت من الألف باطّراد في الوقف. نحو قولك في الوقف على «حبلى» و «موسى» و «رأيت رجلا» : «حبلأ» و «موسأ» و «رأيت رجلأ». وقد تقدّم ذلك في باب الوقف.

وأبدلت أيضا باطّراد من الألف الزائدة ، إذا وقعت بعد ألف الجمع ، في نحو «رسائل» في جمع «رسالة» ، هروبا من التقاء الساكنين : ألف الجمع وألف «رسالة» فقلبت همزة ، لأنّ الألف لا تقبل الحركة ، والهمزة قريبة المخرج من الألف ؛ لأنهما معا من حروف الحلق. وحرّكت الهمزة بالكسر ، على أصل التقاء الساكنين. ولا يجوز في هذا وأمثاله إلّا البدل.

ومن هذا القبيل إبدالها من الياء والواو ، إذا وقعتا طرفا بعد ألف زائدة ، نحو «كساء»

__________________

(١) الرجز ، للحجاج في ديوانه ١ / ٤٤٢ ، ورصف المباني ص ٥٦ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٩٠ ، وشرح المفصل ١٠ / ١٢ ، ولسان العرب ، مادة (بيت) ، و (علم) وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٤٧ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٠٥.

(٢) البيت من البحر البسيط ، لابن كثوة ، في الخصائص لابن جني ٣ / ١٤٥ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٩١ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (زوي).

(٣) الرجز ، لرؤبة في شرح شواهد الشافية ص ١٧٥ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الخصائص لابن جني ٣ / ١٤٥ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ص ٩١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٢٥٠ ، ولسان العرب ، مادة (دكك).

(٤) رجل مال : أي كثير المال ، لسان العرب ، مادة (صوت).

١٧٨

و «رداء» ، وذلك أنّ الأصل «كساو» و «رداي» ، فتحرّكت الواو والياء ، وقبلهما فتحة ، وليس بينهما وبينها حاجز إلّا الألف ، وهي حاجز غير حصين ، لسكونها وزيادتها ، والياء والواو في محلّ التغيير ـ أعني طرفا ـ فقلبتا ألفا. فاجتمع ساكنان : الألف المبدلة من الياء أو الواو ، مع الألف الزائدة ، فقلبت همزة. ولم تردّ إلى أصلها من الواو والياء ، لئلّا يرجع إلى ما فرّ منه.

فإن كان بعد الياء أو الواو تاء التأنيث ، أو زيادة التثنية ، فلا يخلو أن تكون الكلمة قد بنيت على التاء أو الزيادتين ، أو لا تبنى. فإن بنيت عليها بقيت الياء والواو على أصلهما ، ولم يغيّرا ، نحو «رماية» و «شقاوة» و «عقلته بثنايين» (١). وإن لم تبن عليها ، وجعلت كأنها ليست في الكلمة ، قلبت نحو «عظاءة» (٢) و «صلاءة» (٣) و «كساءان» و «رداءان».

وقد يفعل ذلك بالياء والواو ، وإن كانتا بعد ألف غير زائدة ، نحو قولهم في «آية» و «ثاية» (٤) و «طاية» (٥) في النسب : «آئيّ» و «ثائيّ» و «طائيّ» ، تشبيها للألف غير الزائدة بالألف الزائدة.

ومن هذا القبيل أيضا ، عندي ، إبدالهم الهمزة من الياء والواو ، إذا وقعتا عينين في اسم الفاعل ، بعد ألف زائدة ، بشرط أن يكون الفعل الذي أخذ منه اسم الفاعل قد اعتلّت عينه ، نحو «قائم» و «بائع». الأصل فيهما «قاوم» و «بايع» ، فتحرّكت الواو والياء ، وقبلهما فتحة ، وليس بينها وبينهما حاجز إلّا الألف الزائدة ـ وهي كما تقدّم حاجز غير حصين ـ وقد كانت الياء والواو قد اعتلتّا في الفعل في «قام» و «باع» ، فاعتلتّا في اسم الفاعل حملا على الفعل ، فقلبتا ألفا ، فاجتمع ساكنان ، فأبدل من الثانية همزة ، وحرّكت هروبا من التقاء الساكنين. وكانت حركتها الكسر على أصل التقاء الساكنين.

وزعم المبرّد أنّ ألف «فاعل» أدخلت قبل الألف المنقلبة ، في «قال» و «باع» وأمثالهما ، فالتقى ألفان ، وهما لا يكونان إلّا ساكنين ، فلزم الحذف ـ لالتقاء الساكنين ـ أو

__________________

(١) عقلت البعير بثنايين : عقلت يديه بحبل أو بطرفي حبل ، لسان العرب مادة (ثنى).

(٢) العظاءة : دويبة ، الحرذون ، لسان العرب ، مادة (حرذن).

(٣) الصلاءة : مدق الطيب ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه باب الصاد ١ / ٥٢٣.

(٤) الثأية : مأوى الغنم والبقر ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (ثال).

(٥) الطاية : مربد التمر ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (طوي).

١٧٩

التحريك. فلو حذفت لالتبس الكلام ، وذهب البناء ، وصار الاسم على لفظ الفعل ، فتحرّكت العين ؛ لأنّ أصلها الحركة. والألف إذا تحرّكت صارت همزة.

فإن صحّ حرف العلّة في الفعل صحّ في اسم الفاعل ، نحو «عاور» المأخوذ من «عور» ، على ما يحكم في باب القلب.

فالهمزة في هذا الفصل ، والذي قبله ـ وإن كانت مبدلة من الياء والواو ـ من جنس ما أبدلت فيه الهمزة من الألف ، لأنهما لا تبدل منهما همزة إلّا بعد قلبهما ألفا ، كما تقدّم ، ولا يجوز اللفظ بالأصل في «قائم» و «بائع» وبابهما ، لا تقول «قاوم» ولا «بايع».

ومن قبيل ما أبدلت الهمزة فيه من الألف باطّراد إبدالهم الهمزة من ألف التأنيث في نحو «صحراء» و «حمراء» وأشباههما. الهمزة في جميع هذا مبدلة من ألف التأنيث.

فإن قال قائل : وما الدليل على ذلك؟.

فالجواب : أن تقول : الدليل على ذلك أنّ الهمزة لا تخلو من أن تكون للتأنيث بنفسها ، أو بدلا من ألف التأنيث. فباطل أن تكون بنفسها للتأنيث ، لأمرين :

أحدهما : أنّ الألف قد استقرّت للتأنيث في «حبلى» وأشباهه ، والهمزة لم تستقرّ له ، إذ قد يمكن أن تجعل بدلا من ألف. وإذا أمكن حمل الشيء على ما استقرّ وثبت كان أولى من أن يدّعى أنه خلاف الثابت والمستقرّ.

والآخر : أنهم قالوا في جمع «صحراء» : «صحاريّ» ، وفي «بطحاء» : «بطاحيّ». قال الوليد بن يزيد :

لقد أغدو ، على أشق

ر ، يغتال الصّحاريّا (١)

وقال غيره :

إذا جاشت حوالبه ترامت

ومدّته البطاحيّ ، الرّغاب (٢)

ولو لم تكن هذه الهمزة مبدلة من ألف التأنيث لوجب ، في لغة من يحقّق ، أن يقال

__________________

(١) البيت من البحر الهزج ، وهو للوليد بن يزيد في ديوانه ص ٧٤ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٧ / ٤٢٤ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٨٦ ، وشرح شواهد الشافية ص ٩٥ ، وشرح المفصل ٥ / ٥٨.

(٢) البيت من البحر الوافر ، وهو بلا نسبة في خزانة الأدب للبغدادي ٧ / ٤٢٦ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٨٦ ، وشرح المفصل لابن يعيش ٥ / ٥٨.

١٨٠