الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

باب النون

النون تنقسم قسمين : قسم يقضى عليه بالزيادة ، وقسم يقضى عليه بالأصالة ، ولا يقضى عليه بالزيادة إلّا بدليل.

فالقسم الذي يقضى عليه بالزّيادة : النون التي هي حرف المضارعة ، نحو «نقوم» و «نخرج». والنون في «انفعل» وما تصرّف منه ، نحو «انطلق» و «منطلق». ونون التثنية ، وجمع السلامة ، ومن المذكّر ، نحو «الزّيدين» و «الزّيدين». والنون التي هي علامة الرفع في الفعل : نحو «يفعلان» و «تفعلون». والنون اللّاحقة الفعل للتأكيد ، شديدة كانت أو خفيفة ، نحو «هل تقومنّ» و «هل تقومن». ونون الوقاية اللّاحقة مع ياء المتكلم ، نحو «ضربني». ونون التنوين في نحو «رجل». والنون اللّاحقة آخر جمع التكسير ، فيما كان على وزن «فعلان» و «فعلان» ، نحو «قضبان» و «غربان» ، لأنه لا يتصوّر جعلها أصليّة ، إذ ليس في أبنية الجموع ما هو على وزن «فعلال» بضم الفاء ، ولا بكسرها. فجميع هذا لا تكون النون فيه إلّا زائدة ، ولا يحتاج على ذلك إلى إقامة دليل ، لوضوح كونها زائدة فيه.

وأمّا النون الواقعة آخر الكلمة ، بعد ألف زائدة ، فإنه يقضى عليها بالزيادة ، فيما لم يعرف له اشتقاق ولا تصريف ، لكثرة تبيّنها زائدة فيما عرف اشتقاقه أو تصريفه ، فيحمل ما لا يعرف على الأكثر. وذلك بشرطين :

أحدهما : أن يكون ما قبل الألف أكثر من حرفين أصليّين. إذ لو كان قبلها حرفان خاصة لوجب القضاء بأصالة النون ، إذ لا بدّ من الفاء والعين واللّام ، وذلك نحو «سنان» و «عنان» و «بنان» و «قران». وأمثال ذلك النون فيه أصليّة.

والآخر : ألّا تكون الكلمة من باب «جنجان» ، فإنه ينبغي أن تجعل النون فيه أصليّة. إذ لو كانت نونه زائدة لكانت الكلمة ثلاثيّة ، ويكون فاؤها جيما ولامها جيما ، فيكون من باب «سلس وقلق» ، أعني مما فاؤه ولامه من جنس واحد ، وذلك قليل جدّا. وإن جعلت النون أصليّة كانت من باب الرّباعيّ المضعّف ، نحو «صلصلت» و «قلقلت» ، وذلك باب واسع.

ومن الناس من اشترط أيضا ألّا يكون ما قبل الألف مضاعفا ، فيما قبل الألف فيه

١٤١

ثلاثة أحرف ، نحو «مرّان» (١) و «رمّان» ، لاحتمال أن تكون النون زائدة ، وأن تكون أصليّة وأحد المضعّفين زائد ، ويتساوى الأمران عنده ، لكثرة زيادة الألف والنون في الآخر ، وكثرة زيادة أحد المضعّفين.

والصحيح أنه ينبغي أن تجعل الألف والنون زائدتين ، بدليل السماع ، والقياس.

أمّا القياس فإنّ النون ختصّت زيادتها في هذا الموضع ، أو ثالثة ساكنة ، على ما يبيّن بعد. وأحد المضعّفين زائد حيث كان. وما اختصّت زيادته بموضع كان أولى بأن يجعل زائدا مما لم يختصّ ؛ ألا ترى أنّ الهمزة في «أفعى» قضينا عليها بالزيادة وعلى الألف بالأصالة ، لأنّ الألف كثرت زيادتها في أماكن كثيرة ، والهمزة لم تكثر زيادتها إلّا أولا خاصّة ، فكان المختصّ يشرك غير المختصّ ، بكثرة زيادته في ذلك الموضع ، ويزيد عليه بقوّة الاختصاص.

وأمّا السّماع فقوله عليه السّلام ، للقوم الذين قالوا له «نحن بنو غيّان» ، فقال لهم ، عليه السّلام : «بل أنتم بنو رشدان». ألا تراه ، عليه السّلام ، كيف تكرّه لهم هذا الاسم ، لأنه جعله من الغيّ ، ولم يأخذه من الغين ، وهي السحاب ، فقد دلّ هذا على إنه إذا جاء مضاعف ، في آخره ألف ونون مثل «رمّان» ، أنه ينبغي أن يقضى عليه بزيادة الألف والنون ، إلّا أن يقوم دليل على أنّ النون أصليّة ، نحو «مرّان» فإن الخليل ذهب إلى أنّ نونه أصليّة ، لأنه مشتقّ من «المرانة» التي هي اللّين.

ومنهم من شرط ألّا يكون ما قبل الألف مضاعفا ، مما قبل الألف منه ثلاثة أحرف ، وألّا يكون مع ذلك مضموم الأوّل ، اسما لبنات ، نحو «رمّان» لأن مثل هذا عنده ينبغي أن تكون نونه أصليّة ، ويكون وزنه «فعّالا» ، لأنه قد كثر في أسماء النّبات «فعّال» ، نحو «حمّاض» و «عنّاب» و «قثّاء». فحمله على ما كثر فيه.

وهذا فاسد ، لأنّ زيادة الألف والنون في الآخر أكثر من مجيء اسم النبات على «فعّال» ؛ ألا ترى أنّ ما جاء من الأسماء ، أعني أسماء النبات ، على غير وزن «فعّال» لا ينضبط كثرة ، وإن كان «فعّال» قد كثر واطّرد.

وذهب السيرافيّ إلى أنّ النون إذا أتت في الآخر ، بعد ألف زائدة ، فإنه لا يخلو أن يكون جعلها أصليّة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، أو إلى بناء موجود. فإن أدّى إلى بناء غير

__________________

(١) المران : شجر الرماح ، لسان العرب ، مادة (مرن).

١٤٢

موجود قضي عليها بالزيادة ، نحو «كروان» و «زعفران» ؛ ألا ترى أنّ النون فيهما لو كانت أصليّة لكان وزن «كروان» : «فعلالا» ، ووزن «زعفران» : «فعللالا» ، وهما بناءان غير موجودين. وإن أدّى ذلك إلى بناء موجود قضي عليها بالأصالة ، نحو «دهقان» (١) و «شيطان» ، لأنّ نون «دهقان» إذا جعلت أصليّة كان وزنه «فعلالا» ، ونون «شيطان» إذا كانت أصليّة كان وزنه «فيعالا». وهما بناءان موجودان ، نحو «شملال» (٢) و «بيطار».

وهذا الذي ذهب إليه ، من أصالة النون فيما يؤدي جعل النون فيه أصليّة إلى بناء موجود ـ باطل ، لأنه جعل دليله على ذلك كون سيبويه قد جعل النون أصليّة في «دهقان» و «شيطان». ولم يفعل ذلك سيبويه ، لما ذكر من أنّ جعل النون فيهما أصليّة يؤدّي إلى بناء موجود. بل لقولهم «تدهقن» و «تشيطن» ، لأنه ليس في كلامهم «تفعلن». فدلّ ذلك على أصالة النون. فأمّا «تدهّق» و «تشيّط» فليس في قوّة «تدهقن» و «تشيطن» ، لأنّ أبا عليّ قد دفعهما من طريق الرواية.

فإذا جاءت النون بعد ألف زائدة ، فيما لا تعرف له اشتقاقا ، بالشرطين المذكورين ، فاقض بالزيادة حملا على الأكثر. وكذلك تفعل إذا احتملت الكلمة اشتقاقين ، تكون في أحدهما أصليّة ، وفي الآخر زائدة. فينبغي أن تحمله على الذي تكون فيه زائدة ، حملا على الأكثر ، نحو «دكّان» ، فإنه يحتمل أن يكون مشتقّا من «دكنته أدكنه دكنا» إذا نضدت بعضه فوق بعض ، فتكون نونه أصليّة. ويحتمل أن يكون مشتقّا من قولهم «أكمة دكّاء» إذا كانت منبسطة ، و «ناقة دكّاء» إذا كان سنامها مفترشا في ظهرها ، فتكون نونه زائدة. لكنّ الذي ينبغي أن يحمل عليه هذا الاشتقاق الآخر ، لما ذكرناه من الحمل على الأكثر.

وأمّا النون إذا وقعت ثالثة ساكنة ، غير مدغمة ، في كلمة على خمسة أحرف ، نحو «جحنفل» و «عبنقس» (٣) وأمثال ذلك ، فإنه ينبغي أن تقضي عليها بالزيادة ، وإن لم تعرف للكلمة اشتقاقا ولا تصريفا ، لأنّ كلّ ما عرف له اشتقاق أو تصريف ، من ذلك ، وجدت النون فيه زائدة ، فيحمل ما لم يعرف اشتقاقه على ما عرف اشتقاقه. فما عرف اشتقاقه فوجدت النون فيه زائدة «جحنفل» و «جرنفش» (٤) ، لأنّ «الجحنفل» : الكثير ، و «الجحفل» ،

__________________

(١) الدهقان : القوي على التصرف مع شدة وخبرة ، لسان العرب (دهقن).

(٢) الشملال : السريعة الخفيفة ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه باب الشين ١ / ٤٩٥.

(٣) العبنقس : السيء الخلق ، لسان العرب ، مادة (عبقس).

(٤) الجرنفش : الرجل العظيم ، لسان العرب ، مادة (جرنفش).

١٤٣

الجيش الكثير. فهما بمعنى واحد. و «الجحنفل» أيضا : العظيم الجحفلة (١) ، فهو من لفظ الجحفلة ، فنونه زائدة. وقالوا «جرافش» في «جرنفش». ومثل ذلك كثير ، إلّا أني لم أكثر من ذلك ، لما فيه من التّطويل. فلمّا كان الأمر ، فيما له اشتقاق أو تصريف ، على ذلك حمل ما ليس له اشتقاق ولا تصريف نحو «عبنقس» ، على ذلك ، فقضي على النون بالزيادة.

وزعم ابن جنّي أنه إن جاء مثل «خزنزن» أو «عصنصن» فإنه تجعل نونه محتملة ، فلا يقضى عليها بالأصالة ولا بالزيادة ، إلّا بدليل. وإنما احتمل هذا النحو أن تكون النون فيه أصلية وزائدة ، لأنك إذا جعلت النون أصلية كان من باب «صمحمح» (٢) و «دمكمك» (٣) ، وإن كانت زائدة كان من باب «عقنقل» (٤). وباب «صمحمح» أكثر وأوسع. فإزاء كون النون ساكنة ثالثة كون باب «صمحمح» أوسع من باب «عقنقل».

وهذا الذي ذهب إليه عندي فاسد. بل ينبغي أن يقضى عليها بالزيادة ، لأنّ زيادة النون ثالثة ساكنة لازمة فيما عرف له اشتقاق ، فلا ينبغي أن يجعل بإزائه كون باب «صمحمح» أوسع من باب «عقنقل» ، لأنّ دليل اللزوم أقوى من دليل الكثرة.

وإنما لزمت زيادتها إذا كانت على ما ذكر ، لشبهها بحرف المدّ واللين ، إذا وقع في هذا الموضع. فكما أنّ حرف المدّ واللين إذا وقع في اسم على خمسة أحرف ثالثا مثل «جرافس» كان زائدا ، فكذلك ما كان بمنزلته. ولذلك حذفوا نون «عرنقصان» (٥) تخفيفا ، فقالوا «عرقصان». كما حذفوا الألف من «علابط» (٦) و «هدابد» (٧) وأمثالهما ، حين قالوا «علبط» و «هدبد». ووجه الشبه بينهما أنّ في النون غنّة في الخياشيم ، كما أنّ في حروف المدّ واللين مدّا ، والغنّة والمدّ كلّ واحد منهما فضل صوت في الحرف. ولذلك إذا جاءت النون ثالثة ساكنة ، فيما هو على خمسة أحرف ، إلّا أنها مدغمة نحو «عجنّس» (٨) لم تكن إلّا أصلية لأنها إذ ذاك تشبّث بالحركة ، والنون إذا تحرّكت كانت من الفم وضعفت الغنّة فيها. ولذلك لم تزد ثالثة ساكنة قبل حرف الحلق ، لأنها إذ ذاك تكون من الفم وتضعف فيها الغنّة ، فلا

__________________

(١) الجحفلة : مشفر البعير ، لسان العرب ، مادة (جحفل).

(٢) الصمحمح : الغليظ القصير ، الصحاح للجوهري ، مادة (صمح).

(٣) الدمكمك : القوي الشديد ، لسان العرب ، مادة (دمك).

(٤) العقنقل : الكثيب العظيم متداخل الرمل ، الصحاح للجوهري مادة (عقنقل).

(٥) العرنقصان : نبات ، لسان العرب ، مادة (عرقص).

(٦) العلابط : الضخم الغليظ ، لسان العرب ، مادة (علبط).

(٧) الهدابد : اللبن الخاثر ، لسان العرب ، مادة (هدبد).

(٨) العجنس : الجمل الضخم الصلب الشديد ، لسان العرب ، مادة (عجنس).

١٤٤

تشبه حرف العلّة. ولو ورد في الكلام مثل «جحنعل» مثلا لجعلت النون فيه أصليّة كما جعلت في «عجنّس» كذلك ، لمفارقتها إذ ذاك الغنّة التي أشبهت بها حرف العلّة.

فهذه جملة الأماكن التي يقضى على النون فيها بالزيادة. وما عدا ذلك قضي عليه بالأصالة ، ولا يقضى عليه بالزيادة إلّا بدليل :

فمما زيدت فيه النون أولا لقيام الدليل على زيادتها «نرجس» وزنه «نفعل». وإنما لم تكن نونه أصليّة لأنه ليس في كلامهم «فعلل».

فإن قيل : وكذلك ليس في كلامهم «نفعل»؟.

فالجواب : أنه قد تقدّم أنّ الحرف إذا كان جعله زائدا يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وكذلك جعله أصليّا ، قضي عليه بالزيادة ، للدخول في الباب الأوسع ، لأنّ أبنية المزيد أكثر من أبنية الأصول.

وزعم ابن جنّي : أنّ النون في «نبراس» (١) زائدة ووزنه «نفعال» ، وجعله مشتقّا من «البرس» وهو القطن ، لأنّ الفتيل يتّخذ في الغالب من القطن. وذلك اشتقاق ضعيف جدّا. بل لقائل أن يقول : الغالب في الفتيل ألّا يكون من القطن. وكذلك قولهم «نفرجة القلب» وزنه عنده «نفعلة» ، لأنّ «النّفرجة» : الجبان الذي ليست له جلادة ولا حزم. واستدلّ على ذلك بقول العرب «رجل أفرج وفرج» إذا كان لا يكتم سرّا ، فجعل «نفرجة القلب» مشتقّا منه ، لأنّ إفشاء السّرّ من قلّة الحزم. وهذا الاشتقاق أيضا ضعيف ، لأنّ إفشاء السّرّ ليس بقلّة حزم ، بل هو بعض صفات القليل الحزم. وأيضا فإنّ «الأفرج» و «الفرج» لا يراد بهما الجبان كما يراد بـ «نفرجة القلب». فدلّ ذلك على ضعف هذا الاشتقاق. فينبغي أن تجعل النون فيها أصليّة.

وزيدت ثانية في «قنعاس» (٢) و «قنفخر» (٣) و «عبنبس» (٤) و «عنسل» (٥) و «عنتريس» (٦)

__________________

(١) النبراس : المصباح ، لسان العرب ، مادة (برس).

(٢) القنعاس : الجمل الضخم العظيم ، لسان العرب ، مادة (قنعس).

(٣) القنفخر : الفائق في نوعه ، لسان العرب ، مادة (قفخر).

(٤) العبنبس : الأسد ، لسان العرب ، مادة (عنبس).

(٥) العنسل : الناقة السريعة القوية ، لسان العرب ، مادة (عنسل).

(٦) العنتريس : الناقة الغليظة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة ، وقد يوصف به الفرس ، تاج العروس ، مادة (عترس).

١٤٥

و «خنفقيق» (١) و «كنهبل» (٢) و «جندب» بضمّ الدال وفتحها و «عنصر» و «تنبر» و «كنثأو» (٣) و «حنطأو» (٤) و «سندأو» (٥) و «قندأو» (٦).

فأمّا «قنعاس» فنونه زائدة ، لأنه من القعس. و «قنفخر» ؛ لأنه يقال في معناه «قفا خريّ». و «عنبس» من العبوس. و «عنسل» من العسلان. و «عنتريس» من العترسة وهي الشّدّة. و «الخنفقيق» من الخفق.

وأمّا «كنهبل» فنونه زائدة ، لأنها لو جعلت أصليّة لكان وزن الكلمة «فعلّلا» ، وهو بناء غير موجود في كلامهم.

وأمّا «جندب» و «عنصر» و «قنبر» فيدلّ على زيادة النون فيها أنك لو جعلتها أصليّة لكان وزن الكلمة «فعللا» ، وهو بناء غير موجود في كلامهم. فأمّا «جؤذر» (٧) فأعجميّ. و «برقع» و «جخدب» (٨) مخفّفان من «برقع» و «جخدب» بالضمّ. وأيضا فإنّ هذه النون قد لزمت هذا البناء ، وهي حرف زيادة ، فدلّ ذلك على زيادتها ، إذ لو كانت أصلا لجاز أن يقع موقعها غيرها من الأصول. وأيضا فإنّ ما جاء من هذا النحو ، وعلم له تصريف ، وجدت النون فيه زائدة نحو قنبر ، لأنهم يقولون في معناه «قبّر» ، فيحذفون النون ، فيحمل ، ما جهل تصريفه على ما علم. وأمّا «جندب» بكسر الجيم و «جندب» بضم الجيم والدال فنونه زائدة ، لأنه في معنى «جندب» المضموم الجيم. فينبغي أن تكون نونه زائدة كما هي في المضموم الجيم.

وأمّا «كنثأو» وأخواته فنونه زائدة ، بدليل أنّ هذه الأسماء فيها ثلاثة أحرف من حروف الزيادة : النون والهمزة والواو. فقضي على الهمزة بالأصالة ، لقلّة زيادتها غير أوّل. وقضي على الواو بالزيادة ، لملازمتها المثال.

__________________

(١) الخمنفقيق : المرأة الجرئية السريعة ، المحكم لابن سيده ، مادة (خفق).

(٢) الكنهبل : شجر ، لسان العرب ، مادة (كهبل).

(٣) الكنثأو : الوافر اللحية ، لسان العرب ، مادة (كنثأ).

(٤) الحنطأو : العظيم البطن القصير ، لسان العرب ، مادة (حنطأ).

(٥) السندأو : الجريء الشديد ، وقيل : الخفيف ، تاج العروس للزبيدي ، مادة (سدأ).

(٦) القندأو : الغليظ القصير ، المحيط في اللغة لابن عباد ، مادة (قند).

(٧) الجؤذر : ولد البقرة الوحشية ، لسان العرب ، مادة (جذر).

(٨) الجخدب : ضرب من الجنادب ، لسان العرب مادة (جخدب).

١٤٦

فإن قيل : فإن الهمزة أيضا قد لازمت المثال؟.

فالجواب : أنه لا يمكن أيضا القضاء بزيادتها مع زيادة النون ، لئلّا يؤدّي إلى بقاء الاسم على أقلّ من ثلاثة أحرف ، إذ الواو زائدة. فلمّا تعذّرت زيادتهما معا قضي بزيادة النون ، لأنّ زيادة النون غير أوّل أكثر من زيادة الهمزة.

فإن قيل : فهلّا جعلت الواو أصليّة وقضيت على النون والهمزة بالزيادة؟.

فالجواب : أنّ القضاء على الواو بالزيادة أولى من القضاء على الهمزة والنون بذلك ، لأنّ زيادة الواو أكثر من زيادة النون والهمزة غير أوّل.

ومما يدلّ على زيادة النون في هذه الأسماء أنّه قد تقرّر في «كنثأو» زيادة النون بالاشتقاق ، لأنهم قد قالوا «كثّأت لحيته» إذا كانت كنثأوا ، فحذفوا النون. قال الشاعر :

وأنت امرؤ ، قد كثّأت لك لحية

كأنك منها قاعد في جوالق (١)

فينبغي أن يحمل ما لم يعلم له اشتقاق ، من هذه الأسماء ، على ما علم له ذلك.

وأمّا «خنزير» فنونه أصليّة. وليس في قوله :

لا تفخرنّ ، فإنّ الله أنزلكم

يا خزر تغلب ، دار الذّلّ والهون (٢)

دليل على أنّ النون زائدة ، لأنّ «خزرا» ليس بجمع خنزير ، بل هو جمع أخزر. لأنّ كلّ خنزير عندهم أخرز ، خلافا لأحمد بن يحيى ، فإنه يجعل «خزرا» جمع خنزير. وذلك فاسد. لأنه ليس قياس خنزير أن يجمع على خزر. فمهما أمكن أن يحمل على المطّرد كان أولى.

وزيدت ثالثة غير ساكنة في نحو «فرناس» و «ذرنوح» (٣). أمّا «ذرنوح» فإنهم يقولون في معناه «ذرّوح» فيحذفون النون. وأمّا «فرناس» الأسد فإنه مشتقّ من «فرس يفرس» ، لأنّ الافتراس من صفة الأسد.

وزيدت رابعة في «رعشن» (٤) و «علجن» و «ضيفن» و «خلفنة» و «عرضنة» (٥). فأمّا

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب ، وتاج العروس للزبيدي ، مادة (كثأ).

(٢) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٣٧ ، وأساس البلاغة ، وتاج العروس ، مادة (خزر).

(٣) الذرنوح : دويبة ، المحكم لابن سيده ، مادة (ح ذ ر).

(٤) الرعشن : الجبان الندي يرتعش ، لسان العرب ، مادة (رعش).

(٥) العرضنة : الذي يتعرض الناس بالباطل ، لسان العرب ، مادة (عرض).

١٤٧

«رعشن» فمن الارتعاش. و «علجن» من العلج ، وهو الغليظ ، لأنّ «العلجن» : الناقة الغليظة. و «رجل خلفنة» و «ذو خلفنة» أي : في أخلاقه خلاف. و «عرضنة» من التعرّض.

وأمّا «ضيفن» ففيه خلاف : مهم من جعل نونه زائدة ، لأنه الذي يجيء مع الضيف. فهو راجع إلى معنى الضيف. ومنهم من ذهب إلى أنّ نونه أصليّة ـ وهو أبو زيد ـ وحكى من كلامهم «ضفن الرّجل يضفن» إذا جاء ضيفا مع الضيف. فـ : «ضيفن» على هذا المذهب «فيعل». وهذا الذي ذهب إليه أبو زيد أقوى. ويقويّه أيضا أنّ باب النون ألّا تكون في مثل هذا إلّا أصليّة. وأيضا فإنّ نونه إذا كانت زائدة كان وزنه «فعلنا» ، و «فيعل» أكثر من فعلن.

* * *

١٤٨

باب التاء

التاء تنقسم قسمين : قسم يحكم عليه بالأصالة ، ولا يحكم عليه بالزّيادة إلّا بدليل ، وقسم يحكم عليه بالزّيادة أبدا ، ولا يكون أصلا.

فالقسم الذي يحكم عليه بالزيادة :

التاء التي في أوائل أفعال المطاوعة ، نحو قولك «كسّرته فتكسّر» و «قطّعته فتقطّع» و «دحرجته فتدحرح».

والتاء في أول «تفاعل» ، نحو «تغافل» و «تجاهل» ، وما تصرّف من ذلك.

والتاء التي هي من حروف المضارعة ، نحو «تقوم» و «تخرج».

والتاء التي في «افتعل» و «استفعل» وما تصرّف منهما.

والتاء التي للخطاب في نحو «أنت» و «أنت» و «أنتما» و «أنتم» و «انتنّ».

وتاء التأنيث نحو «قامت» و «خرجت» ، و «قائمة» و «حارجة» ، و «ربّت» و «تمّت» و «لات».

ومع «الآن» ، في نحو قوله :

نوّلّي قبل نأي دار ، جمانا

وصلينا ، كما زعمت ، تلانا (١)

أراد : الآن. وحكى أبو زيد أنه سمع من يقول «حسبك تلان» يريد : حسبك الآن. فزاد التاء.

ومع «الحين» ، في أحد القولين ، في نحو قوله :

العاطفون تحين ما من عاطف

والمسبغون ندى ، إذا ما أنعموا (٢)

__________________

(١) البيت من البحر الخفيف ، وهو لجميل بثينة في ديوانه ص ١٩٦ ، ولسان العرب ، مادة (تلن) وبلا نسبة في الإنصاف ، ص ١١٠.

(٢) البيت من البحر الكامل ، وهو لأبي وجزة السعدي في الأزهية ص ٢٦٤ ، والإنصاف ١ / ١٠٨ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٤ / ١٧٥ ، ولسان العرب ، مادة (ليت) والصحاح واللسان والتاج مادة (حين).

١٤٩

جميع هذا يحكم على التاء فيه بالزيادة ، ولا يحتاج في ذلك إلى دليل ، لوضوح كونها زائدة فيه.

وأمّا القسم الذي يحكم عليه بالأصالة ، ولا يكون زائدا إلّا بدليل ، فما عدا ذلك. وإنما قضينا على التاء بالأصالة ، فيما عدا ذلك ، لكثرة تبيّن أصالة التاء فيما يعرف له اشتقاق أو تصريف ، نحو «توءم» ـ فإنّ تاءه أصليّة ، لأنك تقول في الجمع : تؤام. و «تؤام» : «فعال» فتاؤه أصل ـ وأمثال ذلك. ويقلّ وجودها زائدة فيما عرف له اشتقاق أو تصريف. فلمّا كان كذلك حمل ما جهل أصله على الكثير ، فقضي على تائه بالأصالة.

فمما جاءت فيه التاء زائدة أولا «تألب» و «ترتب» (١) و «تدرأ» (٢) و «تجفاف» (٣) و «تعضوض» (٤) و «تمثال» و «تبيان» و «تلقاء» و «تضراب» (٥) و «تهواء (٦) من الليل» و «تمساح» للكذّاب و «تمراد» لبيت الحمام و «رجل تقوالة».

فالدليل ، على زيادتها في «تألب» اسم الحمار ، أنه مأخوذ من قولك : ألب الحمار أتنه يألبها ، إذا طردها. وكذلك «ترتب» : «تفعل» من الشيء الرّاتب. و «تدرأ» من درأت ، أي : دفعت. وأيضا فإنه لا يمكن جعل التاء في «ترتب» و «تدرأ» أصلا ، لأنه ليس في كلامهم «فعلل».

وكذلك «تتفل» (٧) تاؤه زائدة ، لأنها لو كانت أصليّة لكان وزن الكلمة «فعللا» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم. ومن قال «تتفل» بضمّ التاء فهي عنده أيضا زائدة ، لثبوت زيادتها في لغة من فتح التاء.

وكذلك «تجفاف» و «تعضوض» و «تبيان» و «تلقاء» و «تمساح» و «تقوالة» و «ناقة تضراب» ، وهي مشتقّة من : الجفوف والعضّ والبيان واللّقاء والمسح والضّراب والقول. و «تمراد» (٨) ؛ لأنه من «مارد» أي : طويل. ومنه قصر مارد. و «تهواء من الليل» من قولهم

__________________

(١) الترتب : الشيء الراتب الثابت ، لسان العرب ، مادة (ترتب).

(٢) التدرأ : الدرء والدفع ، لسان العرب ، مادة (درأ).

(٣) التجفاف : ما جلل الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح ، لسان العرب ، مادة (جفف).

(٤) التعضوض : تمر أسود ، لسان العرب ، مادة (عضض).

(٥) التضراب : الناقة الذي ضربها الفحل ، لسان العرب ، مادة (ضرب).

(٦) التهواء : القطعة ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، الهاء ٢ / ١٠٠١.

(٧) التتفل : ولد الثعلب ، لسان العرب ، مادة (تفل).

(٨) التمراد : بيت الحمام ، لسان العرب ، مادة (مرد).

١٥٠

«مرّ هوّيّ (١) من الليل». وكذلك التاء في «تنبال» زائدة ، لأنّ «التّنبال» هو القصير ، و «النّبل» هم القصار ، فيكون «التّنبال» منه. وقد ذهب إلى ذلك بعض أهل اللغة.

وزيدت آخرا في «سنبتة» ، بدليل قولهم «مرّت عليه سنبة من الدهر» بمعنى «سنبتة» أي : قطعة. فيحذفون التاء. وفي «رغبوت» و «رهبوت» و «طاغوت» و «رحموت» و «ملكوت» و «جبروت» ، لأنها بمعنى الرغبة والرهبة والرحمة والملك والتجبّر والطّغيان. وقد قالوا : «رغبوتى» و «رهبوتى» و «رحموتى» ، والتاء فيها أيضا زائدة.

فأمّا «الثّلبوت» (٢) ، من قول لبيد :

بأحزّة الثّلبوت يربأ فوقها

قفر المراقب خوفها آرامها (٣)

فالتاء فيه أصل. وأجاز ابن جنّي أن تكون التاء زائدة ، حملا على «جبروت» وأخواته. قال : وليس ذلك بالقوّي. والصحيح أنه لا يسوغ جعل التاء فيه زائدة ، لقلة ما زيدت فيه التاء ، مما هو على وزنه ، إذ لا يحفظ منه إلّا ستّة الألفاظ المذكورة.

وكذلك هي في «عنكبوت» زائدة. واستدلّ على ذلك سيبويه ، بقولهم في جمعه «عناكب». ووجه الدليل من ذلك أنهم كسّروا «عنكبوتا» من غير استكراه. أعني : من غير أن يكلّفوا ذلك. ولو كانت التاء أصليّة لكان من بنات الخمسة. وهم لا يكسّرون بنات الخمسة إلّا استكراه. فدلّ ذلك على أنه ليس من بنات الخمسة ، وأنّ تاء زائدة. وأيضا فإنهم يقولون في معناه «العنكباء» ، وذلك قاطع بزيادة التاء.

وفي «عفريت» و «غزويت» (٤). أمّا «غزويت» فالدليل على زيادة تائه أنك لا تخلو من أن تجعل التاء والواو أصليّتين ، أو تجعل التاء أصليّة والواو زائدة أو العكس. فجعلهما أصليّتين يؤدّي إلى كون الواو أصلا ، في بنات الأربعة من غير المضعّفات. وذلك فاسد. وجعل الواو زائدة والتاء أصليّة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وهو «فعويل». فلم يبق إلّا أن تكون تاؤه زائدة وواوه أصليّة. وأمّا «عفريت» فتاؤه زائدة ، بدليل قولهم في معناه «عفرية».

__________________

(١) الهوي : القطعة من الليل ، جمهرة اللغة لابن دريد ، مادة (وه ي).

(٢) الثلبوت : اسم واد بين طيء وذبيان ، لسان العرب ، مادة (ثلب).

(٣) البيت من البحر الكامل ، وهو للبيد في ديوانه ص ٣٠٥ ، وفي اللسان والتاج ، مادة (ثلب) ، ومجمل اللغة ٢ / ١٠ ، والمخصص ١٠ / ٨٧ وبلا نسبة في تهذيب اللغة للأزهري ٦ / ٥٦٥ ، الأحزة : جمع حزيز ، وهو ما ارتفع من الأرض وغلظ ، والآرام : الإعلام ، يصف حمار وحش مع أتنه.

(٤) الغزويت : الداهية ، المنصف ١ / ١٦٩ ، وفي التاج للزبيدي ، موضع مر له الإيماء ، مادة (غزو).

١٥١

وزيدت أيضا في أوّل الكلمة وآخرها في «ترنموت» ، ووزنه «تفعلوت» ، وهو : صوت ترنّم القوس عند الإنباض. قال الراجز :

*تجاوب القوس بترنموتها (١)*

أي : بترنّمها.

__________________

(١) صدر بيت ، عجزه :

تستخرج الحبة من تايوتها ،

الرجز ، بلا نسبة في سر صناعة للإعراب لابن جني ١ / ١٥٨ ، واللسان والتاج ، مادة (رنم) ، والمنصف ١ / ١٣٩.

١٥٢

باب الألف

الألف لا تكون أبدا أصلا. بل تكون زائدة ، أو منقلبة عن ياء ، أو واو. فمثال الزائدة ألف «ضارب» ؛ لأنه من الضّرب. ومثال المنقلبة عن الياء ألف «رمى» ؛ لأنه من الرّمي. ومثال المنقلبة عن الواو ألف «غزا» ؛ لأنه من الغزو. إلّا فيما لا يدخله التصريف ، نحو الحروف ، والأسماء المتوغلة في البناء ، فإنه ينبغي أن يقضى على الألف فيه بأنها أصليّة. إذ لا دليل على جعلها زائدة ، ولا يعلم لها أصل في الياء ، ولا في الواو ، فيقضى على الألف بأنها منقلبة عن ذلك الأصل. ومما يبيّن ذلك وجود «ما» و «لا» وأمثالهما ، في كلامهم. وقد تقدّم تبيين ذلك.

والألف لا تخلو أن يكون معها حرفان أو أزيد. فإن كان معها حرفان قضيت عليها بأنها منقلبة من أصل ، إذ لا بدّ من الفاء والعين واللّام ، نحو «رمى» و «غزا».

وإن كان معها أزيد فلا يخلو أن يكون معها ثلاثة أحرف ، مقطوع بأصالتها ، فصاعدا ، أو حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل أن يكون أصلا ، وأن يكون زائدا.

فإن كان معها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، كانت الألف منقلبة عن أصل ، إذ لا بدّ من ثلاثة أحرف أصول ، كما تقدّم ، وذلك نحو «أرطى» (١) في لغة من يقول «أديم مرطيّ» ؛ ألا ترى أنّ قوله «مرطيّ» يقضي بزيادة الهمزة ، وإذا ثبتت زيادتها ثبت كون الألف منقلبة عن أصل.

وإن كان ما عداهما محتملا للأصالة والزيادة فلا يخلو أن يكون ميما ، أو همزة في أوّل الكلمة ، أو نونا ثالثة ساكنة فيما هو على خمسة أحرف ، أو غير ذلك من الزوائد.

فإن كان ميما أو همزة أولا أو نونا ثالثة ساكنة قضيت على الألف بأنها منقلبة من أصل ، وعلى الميم أو الهمزة أو النون بالزيادة. وذلك نحو «أفعى» و «موسى» ، ونحو

__________________

(١) الأرطى : شجر ينبت بالرمل ، رائحته طيبة ، لسان العرب ، مادة (أرط).

١٥٣

«عقنقى» إن ورد في كلامهم ، إلّا أن يقوم دليل على أصالتها وزيادة الألف ، وذلك قليل ، لا يحفظ منه إلّا «أرطى» ، في لغة من قال «أديم مأروط».

فإن قيل : فلأيّ شيء قضيتم بزيادة الميم والهمزة والنون. وقضيتم على الألف أنها منقلبة عن أصل؟.

فالجواب : أنّ الذي حمل على ذلك أشياء :

منها أنّ ما عرف له اشتقاق ، من ذلك ، وجد الأمر فيه على ما ذكرنا ، من زيادة الميم والهمزة والنون ، نحو «أعمى» و «أعشى» و «ملهى» و «مغزى».

ومنها أنّ الميم والهمزة والنون قد سبقت فقضي عليها بالزيادة لسبقها إلى موضع الزيادة. فلمّا قضي عليها بالزيادة وجب القضاء على الألف بانقلابها عن أصل.

ومنها أنّ الميم والهمزة والنون قد ساوت الألف ، في كثرة الزيادة ، وفضلتها بقوة الاختصاص ؛ ألا ترى أنّ الميم والهمزة قد كثرت زيادتهما أوّلا ، كما كثرت زيادة الألف ، واختصّتا بالزيادة أوّلا ، وليست الألف كذلك. وأنّ النون كثرت زيادتها. ثالثة ساكنة ، فيما هو على خمسة أحرف ، وبعد الألف الزائدة قبل آخر الكلمة ، بالشرطين المتقدّمين في فصل النون ، واختصّت بالزيادة في هذين الموضعين ، وليست الألف كذلك.

وإن كان غير ذلك من الزوائد قضيت على الألف بالزيادة ، وعلى ما عداها بالأصالة ـ إلّا ما شذّ ـ نحو «عزّى» (١) ، إلّا أن يقوم دليل على أنّ الألف منقلبة عن أصل ، وذلك نحو «قطوطى» (٢) و «شجوجى» (٣) و «ذلولى» (٤). الألف في جمع ذلك أصل.

وذلك أنّ الألف لو جعلت زائدة لم تخل الواو من أن تكون أصلا ، أو زائدة. فلو جعلتها زائدة لكان وزنها «فعولى» ، وذلك بناء غير موجود. ولو جعلت الواو أصليّة لم تخل من أن تجعل المضعّفين أصلين ، أو أحدهما أصلا والآخر زائدا. فلو جعلتهما أصلين لم يجز ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى جعل الواو أصلا ، في بنات الأربعة ، وذلك لا يجوز إلّا في

__________________

(١) العزى : اسم صنم ، مختار الصحاح للرازي ، مادة (عزز).

(٢) القطوطى : المتبختر ، المخصص لابن سيده ١ / ٣٠٩.

(٣) الشجوجى : المفرط في الطول ، لسان العرب ، مادة (شجا).

(٤) الذلولى : المسرع المستخفي ، الصحاح للجوهري ، مادة (ذلي).

١٥٤

باب «ضوضيت» (١) و «قوقيت» (٢) ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله. ولو جعلت أحدهما أصلا والآخر زائدا لكان وزنها «فعلعى» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم ، فثبت أنّ الألف بدل من أصل.

وإذا ثبت ذلك احتملت هذه الأسماء أن تكون الواو فيها زائدة ، من غير لفط اللّام ، وأن تكون من لفظ اللّام. فإن كانت من غير لفظ اللّام كان وزن هذه الأسماء «فعوعلا» نحو «عثوثل» (٣) و «غدودن» (٤) وإن كانت من لفظ اللّام كان وزنها «فعلعلا» نحو «صمحمح» (٥) و «دمكمك» (٦). وحملها على أن تكون من باب «صمحمح» أولى ، لأنه أوسع من باب «عثوثل». وهو الظاهر من كلام سيبويه ، أعني أنها تحتمل ضربين من الوزن ، وباب «صمحمح» أولى بها.

وأمّا من زعم أنّ «قطوطى» و «ذلولى» لا يكون وزنهما إلّا «فعوعل» ، واستدلّ على ذلك بأنّ «اقطوطى» و «اذلولى» وزنهما «افعوعل» ، وزعم أنّ سيبويه لو حفظ «اقطوطى» (٧) لم يجز في «قطوطى» إلّا أن يكون «فعوعلا» فلا يلتفت إليه ، إذ ليس «قطوطى» باسم جار على «اقطوطى» ، فيلزم أن تكون الواو الزائدة فيه من غير لفظ اللّام ، كما هي في «اقطوطى». بل لا يلزم من كونهم قد اشتقّوا «اقطوطى» من لفظ «قطوطى» أكثر من أن تكون أصولهما واحدة ، وذلك موجود فيهما. لأنّ «قطوطى» إذا كان وزنه «فعلعلا» كانت إحدى العينين وإحدى اللّامين زائدتين ، فتكون حروفه الأصول : القاف والطاء والواو. وكذلك «اقطوطى» الواو وإحدى الطائين زائدتان ، وحروفه الأصول : القاف والطاء والواو التي انقلبت ألفا. والدليل على أنّ حروفه الأصول ما ذكرنا قولهم «قطوان» في معناه.

وإن كان مع الألف ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدا قضي على الألف أنها زائدة ، إلّا في مضاعف بنات الأربعة فابنّ الألف يقضى عليها بالأصالة ، لأنّ الألف لا تكون أصلا في بنات الأربعة ـ كما ذكرنا ـ إلّا منقلبة عن ياء أو واو ، والياء والواو لا

__________________

(١) ضوضيت : الضوضاء والجلبة ، لسان العرب ، مادة (ضوا).

(٢) قوقيت : من قوقت الدجاجة إذا صاحت ، لسان العرب ، مادة (قوا).

(٣) العثوثل : الشيخ الثقيل ، وفي اللسان : العثوثل : الكثير اللحم الرخو مادة (عثل).

(٤) الغدودن : المسترخي وفي المعجم الوسيط : الشاب الناعم ، مادة (غدن).

(٥) الصمحمح : الشديد القوي ، الصحاح للجوهري ، مادة (صمح).

(٦) الرمكمك : الشديد ، الصحاح للجوهري ، مادة (رمك).

(٧) اقطوطى : إذا أبطأ في المشيء ، شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٥٣.

١٥٥

يكونان أصلين في بنات الخمسة ، إلّا فيما شذّ ممّا يبيّن في بابه ، ولا في بنات الأربعة ، إلّا في المضاعف نحو «قوقى» (١) و «ضوضى» (٢).

فإن قيل : وما الدليل على أنّ الألف ليست زائدة في «ضوضى» و «قوقى»؟.

فالجواب : أنّ جعل الألف زائدة يؤدّي إلى الدخول في باب «سلس» و «قلق» ، وذلك قليل. وأيضا فإنهم قد قالوا «ضوضاء» و «غوغاء» (٣) كـ «قلقال» و «صلصال». ولا نحفظ في بنات الثلاثة اسما على «فعلاء» نحو «سلقاء» و «ضرباء» منوّنا. فدلّ مجيء «ضوضاء» و «غوغاء» على أنّ «ضوضى» و «قوقى» من بنات الأربعة كـ «صلصل» و «قلقل».

* * *

__________________

(١) قوقت الدجاجة : صاحت ، لسان العرب ، مادة (قوا).

(٢) ضوضى : من الضوضاء والجلبة ، لسان العرب ، مادة (ضوا).

(٣) الغوغاء : من غوغيت ، الصوت والجلبة ، لسان العرب ، مادة (غوغ).

١٥٦

باب الياء

الياء أيضا لا تخلو من أن يكون معها حرفان أو أزيد. فإن كان معها حرفان كانت أصلا ، إذ لا أقلّ من ثلاثة أحرف ، نحو «ظبي» و «رمي». وإن كان معها أزيد من حرفين فلا يخلو أن يكون معها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها ، فصاعدا ، أو حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل أن يكون أصلا ، وأن يكون زائدا.

فإن كان معها حرفان مقطوع بأصالتهما وما عداهما مقطوع بزيادته ، فالياء أصل ، إذ لا أقلّ من ثلاثة أحرف أصول ، نحو «ياسر» و «يافع» من اليسر ، ومن يفعة.

وإن كان ما عداهما محتملا للأصالة والزيادة فلا يخلو أن تكون الميم أوّلا ، أو الهمزة ، أو غير ذلك من الحروف الزوائد. فإن كان الميم أو الهمزة قضيت على الياء بالأصالة ، وعلى الميم والهمزة بالزيادة ، كما فعلت بهما إذا اجتمعا مع الألف. والسبب في ذلك ما قدّمناه في فصل الألف. وذلك نحو «أيدع» و «ميراث». ولا يحكم على الهمزة ولا على الميم بالأصالة ، ويحكم على الياء بالزيادة ، إلّا أن يقوم دليل على ذلك نحو «أيصر» (١). وقد تقدّم الدليل على أصالة همزته في فصل الهمزة.

وإن كان غير ذلك من الزوائد قضيت على الياء بالزيادة ، وعلى ما عداها بالأصالة ، نحو «يرمع» (٢) ، إلّا أن يقوم دليل على خلاف ذلك ، نحو «ضهيأ» و «يأجج» (٣).

وإن كان معها ثلاثة أحرف فصاعدا مقطوعا بأصالتها قضي عليها بالزيادة ، لأنّ الياء لا تكون أصلا في بنات الخمسة ، ولا في بنات الأربعة ، إلّا أن يشذّ من ذلك شيء فلا يقاس عليه ، أو في مضاعف بنات الأربعة ، نحو «حيحى» (٤).

__________________

(١) الأيصر : الحشيش ، الصحاح للجوهري ، مادة (أصر).

(٢) اليرمع : حصى بيض تلمع ، لسان العرب ، مادة (رمع).

(٣) يأجج : اسم موضع التاج للزبيدي ، مادة (يأج).

(٤) حيحيت بالغنم : صوّت ، وهو أصل حاحيت.

١٥٧

والدليل ، على أنّ الياء في «حيحى» أصليّة ، أنك لو جعلتها زائدة لكان «حيحى» من باب «ددن» ، وذلك قليل جدّا. فجعلنا الياء أصليّة ، إذ قد قام الدليل على أنّ الواو والياء يكونان أصلين ، في مضاعفات بنات الأربعة ، نحو «ضوضيت» و «قوقى».

والذي شذّ من غير المضاعف ، فجاءت الياء فيه أصليّة ، نحو «يستعور» (١). وذلك أنّ السين والتاء أصلان ، إذ ليست السين في موضع زيادتها ، ولم يقم دليل على زيادة التاء. فلو جعلنا الياء زائدة لأدّى ذلك إلى شيئين : أحدهما : أن يكون وزن الكلمة «يفعلول» ، وذلك بناء غير موجود. والآخر لحاق بنات الأربعة الزيادة من أوّلها ، في غير الأسماء الجارية على الأفعال ، وذلك غير موجود في كلامهم. فلمّا كان جعلها زائدة يؤدّي إلى ما ذكر جعلناها أصلا.

فإن قيل : فإنّ في جعلها أصلا أيضا خروجا عما استقرّ في الياء ، من كونها لا تكون أصلا في بنات الأربعة فصاعدا إلّا في باب «ضوضيت»؟.

فالجواب : أنه لمّا كان جعلها زائدة يؤدّي إلى الخروج عما استقرّ ، من أن الزيادة لا تلحق بنات الأربعة فصاعدا من أوّلها ، وجعلها أصليّة يؤدّي أيضا إلى الخروج عما استقرّ للياء ، من أنها لا تكون أصلا في بنات الأربعة إلّا في باب «ضوضيت» ، كان الذي يؤدّي إلى الأصالة أولى. وأيضا فإنّ الياء قد تكون أصلا في مضاعف بنات الأربعة ، ولا تلحق بنات الأربعة فصاعدا الزيادة من أوّلها ، في موضع من المواضع. وأيضا فجعلها أصلا يؤدّي إلى بناء موجود ، وهو «فعللول» نحو «عضرفوط» (٢) ، وجعلها زائدة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وهو «يفعلول».

وزعم أبو الحسن أيضا أنّ الياء في «شيراز» (٣) أصل ، وهي بدل من واو ، بدليل قولهم في الجمع «شواريز».

فإن قيل : وما الذي حمله على جعلها أصليّة؟.

فالجواب : أنّ الذي حمله على ذلك أنه إن جعل الواو ، التي الياء بدل منها ، أصلا

__________________

(١) اليستعور : شجر ، لسان العرب ، مادة (يستعر).

(٢) العضرفوط : ذكر العظاء ، دويبة ، الصحاح للجوهري ، مادة (عضرفط).

(٣) الشيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه ، تاج العروس ، مادة (شرز).

١٥٨

أدّى ذلك إلى بناء موجود ، وهو «فعلال» نحو «سرداح» (١). وإن جعلها زائدة أدّى ذلك إلى بناء غير موجود ، وهو «فوعال». فحملها على ما يؤدّي إلى بناء موجود.

فإن قيل : وفي جعلها أصليّة خروج أيضا عن المعهود فيها؟.

فالجواب : أنه لمّا كان الوجهان كلاهما يفضيان إلى الخروج عن المعهود كان ما يفضي إلى الأصالة أولى ، لأنه مهما قدر على أن يجعل الحرف أصلا لم يجعل زائدا. وأيضا فإنه لم يثبت زيادة الواو في أول أحوالها ساكنة بعد كسرة ، فلذلك كان الأولى عنده أن تكون أصليّة.

* * *

__________________

(١) السرداح : الناقة الكريمة ، لسان العرب ، مادة (سردح).

١٥٩

باب الواو

الواو أيضا لا يخلو أن يكون معها حرفان ، وأزيد. فإن كان معها حرفان كانت أصلا ، إذ لا بدّ من ثلاثة أحرف. وإن كان معها أزيد فلا يخلو أن يكون معها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها ، فصاعدا ـ أي : أزيد ـ أو حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل للأصالة والزيادة.

فإن كان معها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، كانت الواو أصلا ، إذ لا بدّ من ثلاثة أحرف ، نحو «واقد» و «واعد».

وإن كان عداهما محتملا للأصالة والزيادة فلا يخلو أن يكون الميم ، أو الهمزة أوّلا ، أو غير ذلك من حروف الزيادة. فإن كان الميم أو الهمزة قضيت عليها بالزيادة ، وعلى الواو بالأصالة ، لما ذكرناه في فصل الألف ، وإن لم يعلم الاشتقاق نحو «الأوتكى» وهو ضرب من التمر. إلّا أن يقوم دليل على أصالة الهمزة ، من اشتقاق أو تصريف ، أو غير ذلك ، كـ «أولق» ، فيجعل الواو إذ ذاك زائدة.

وإن كان غير ذلك من حروف الزيادة قضيت على الواو بالزيادة ، وعلى ذلك الغير بالأصالة. إلّا أن يقوم دليل على أصالة الواو ، نحو «غزويت» (١) ، فإنّ واوه أصليّة وتاؤه زائدة ، لما ذكر في فصل التاء.

وإن كان معها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدا قضيت على الواو بالزيادة ، لأنّ الواو لا تكون أصلا في بنات الخمسة ، ولا في بنات الأربعة إلّا في المضعّف ، نحو «قوقيت» و «ضوضيت» ، فإنّ الواو فيه أصل. وقد تقدّم الدليل على ذلك ، بقول العرب «ضوضاء» و «غوغاء» في فصل الألف. ولا تجعل أصليّة ، فيما عدا باب «ضوضيت» ، إلّا أن يقوم على ذلك دليل ، فيكون شاذّا نحو «ورنتل» (٢) ، فإنّ الواو فيه أصليّة ، ووزن الكلمة «فعنلل». ولا تجعل زائدة ، لأنّ الواو لا تزاد أوّلا أصلا.

__________________

(١) الغزويت : الداهية ، المنصف ١ / ١٦٩ ، وفي التاج للزبيدي. موضع.

(٢) الورنتل : الداهية والأمر العظيم ، تاج العروس ، مادة (ورنتل).

١٦٠