الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

والذي يجعلها أصليّة يستدلّ على ذلك بما حكاه صاحب العين ، من قولهم «تأمّهت أمّا». فـ «تأمّهت» : تفعّلت بمنزلة «تنبّهت» ، مع أنّ زيادة الهاء قليلة جدّا ، فمهما أمكن جعلها أصليّة كان ذلك أولى فيها.

والصحيح أنها زائدة ، لأنّ «الأمومة» حكاها أئمة اللغة. وأمّا «تأمّهت» فانفرد بها صاحب العين. وكثيرا ما يأتي ، في كتاب العين ، مما لا ينبغي أن يؤخذ به ، لكثرة اضطرابه وخلله.

وأمّا «هجرع» و «هبلع» و «هركولة» فزعم أبو الحسن أنّ الهاء فيها زائدة ، واستدلّ على زيادتها بالاشتقاق. فأمّا «هجرع» فهو الطويل ، فكأنه مأخوذ من «الجرع» وهو المكان السهل المنقاد. وأمّا «الهبلع» فالأكول ، ففيه معنى البلع. وأمّا «الهركولة» فهي التي تركل في مشيتها. فالهاء فيها زائدة. وبعض العرب يقول «هرّكلة» و «هركلة». وينبغي أن تجعل الهاء فيها أصليّة.

والصحيح أنّ الهاء في «هبلع» زائدة ، لوضوح اشتقاقه من البلع.

وأمّا «هجرع» فوجه الجمع بينه وبين «الجرع» ليس له ذلك الوضوح الذي لـ «هبلع». فينبغي أن تجعل الهاء أصليّة ، وألّا تجعل من لفظ «الجرع». على أنّ أحمد بن يحيى قد حكى «هذا أهجر من هذا» ، أي : أطول منه. فيحتمل أن يكون من لفظ «هجرع» ، وحذفت لامه. ويكون في قولهم «أهجر من كذا» دلالة على أصالة الهاء.

وأمّا «الهركولة» فقد حكى أبو عبيدة أنها الضّخمة الأوراك. فعلى هذا تكون الهاء أصليّة ، إذ لا اشتقاق يقضي بزيادة الهاء ، لأنه ـ على هذا ـ ليس مأخوذا من «ركل». فإذا ثبت أنّ الهاء في «هركولة» أصليّة ، عند من يجعله واقعا على الضخمة الأوراك ، فكذلك ينبغي أن يجعل ، إذا وقع على المرأة التي تركل في مشيتها ، وألا يجعل ذلك مشتقّا من «ركل» ، بل اسم للمرأة التي تركل في مشيتها ، إذ قد ثبتت أصالتها في موضع.

وكذلك «هلقم» ، من قول الراجز :

*هلقم (١) ، يأكل أطراف النّجد*

ينبغي أن تكون الهاء فيه زائدة ، لأنه من «اللّقم». إلّا أنه لا ينبغي أن يجعل مستدركا

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في لسان العرب ، مادة (هلقم).

١٢١

على سيبويه ، لأنه لا يحفظ في نثر. وأمّا «هبلع» فينبغي أن يجعل من الفوائت.

وأمّا «أهراق» و «أهراح الماشية» فإن الهاء فيهما زائدة ، لأنهما في معنى «أراق» و «أراح».

فإن قيل : إنما ينبغي أن يجعل هذا من البدل ، لأنّ قياس قول سيبويه في «أسطاع» : إنّ السين عوض من ذهاب حركة العين ، أن يكون الأمر في «أهراق» و «أهراح» كذلك؟.

فالجواب : أنه ينبغي أن يجعل ذلك في باب البدل من وجه ، وفي باب الزيادة من وجه. وسنبيّن ذلك في فصل السين ، إن شاء الله تعالى.

* * *

١٢٢

باب السين

وأمّا السين فتزاد في «استفعل» وما تصرّف منه ، من مضارع ، واسم فاعل ، واسم مفعول ، ومصدر. وتزاد أيضا في الوقف ، لتبين كسرة الكاف من المؤنّث ، في لغة بعض العرب ، نحو «مررت بكس» و «أكرمتكس». وزيادتها في هذين المكانين بيّنة ، لا يحتاج إلى إقامة دليل عليها. أمّا في الوقف فلكونها لم تجعل كالجزء مما دخلت عليه ، فبانت لذلك زيادتها. وأمّا في «استفعل» فلكونه أبدا مبنيّا من فعل ثلاثيّ ، فبانت لذلك زيادتها ، لوضوح ردّها إلى الثلاثيّ غير المزيد.

وأمّا «استخذ فلان» ، من قول العرب «استخذ فلان أرضا» ، ففي ذلك قولان :

أحدهما : أنه يجوز أن يكون في الأصل «اتّخذ» وزنه «افتعل» من قوله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧] ، ثم أبدلوا السين من التاء الأولى التي هي فاء [الكلمة] ، كما أبدلوا التاء من السين في «ستّ» ، لأنّ أصلها «سدس» بدليل قولهم «أسداس». فلمّا أبدلوا التاء من السين ، فقالوا «سدت» ، أدغموا الدال في التاء. وإنما جاز ذلك ، لأنّ السين والتاء مهموسان ، فجاز إبدال كلّ واحد منهما من الآخر ، بسبب ذلك.

والآخر : أن يكون أصله «استتخذ» على وزن «استفعل» من «تخذ» أيضا ، فحذفت التاء الثانية التي هي فاء الفعل ، استثقالا للمثلين ، كما حذفوا التاء الأولى من «اتّقى» ، كراهية لاجتماع المثلين أيضا ، فقالوا «تقى يتقي». قال الشاعر :

تقوه ، أيّها الفتيان ، إنّي

رأيت الله قد غلب الجدودا (١)

يريد : اتّقوه. فعلى هذا تكون السين زائدة. وعلى الأول تكون بدلا من أصل.

والصحيح من هذين القولين عندي الثاني ، لأنه قد ثبت حذف إحدى التائين لاجتماع المثلين في «تقى» ، وباطّراد إذا كان المحذوفة زائدة في مثل «تذكّر» و «تفكّر» تريد «تتذكّر»

__________________

(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لخداش بن زهير ، في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١٩٨ ، ونوادر أبي زيد ص ٧ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٧١.

١٢٣

و «تتفكّر». ولم يثبت إبدال السين من التاء ، بل ثبت عكسه. والبدل في مثل هذا ليس بقياس ، فيقال به حيث لم يسمع. فلذلك كان الوجه الثاني أحسن الوجهين عندي ، لأنّ فيه الحمل على ما سمع مثله.

وأمّت «أسطاع» فالسين عند سيبويه فيه عوض من ذهاب حركة العين منها. وذلك أنّ أصله «أطوع» ، فنقلت فتحة الواو إلى الطاء فصار «أطوع» ، ثم قلبت الواو ألفا ، لتحرّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها في اللفظ. ثم زيدت السين عوضا من ذهاب الحركة من العين وهي الواو ـ بجعلها على الفاء. وقد تعقّب المبرّد ذلك على سيبويه ، فقال : إنما يعوّض من الشيء إذا فقد وذهب. فأمّا إذا كان موجودا في اللفظ فلا. وحركة العين التي كانت في الواو موجودة في الطاء.

والذي ذهب إليه سيبويه صحيح ، وذلك أنّ العين لمّا سكنت توهّنت لسكونها ، وتهيّأت للحذف عند سكون اللّام ، وذلك في نحو «لم يطع» و «أطع» و «أطعت». ففي هذا كلّه قد حذفت العين ، لالتقاء الساكنين. ولو كانت العين متحرّكة لم تحذف ، بل كنت تقول «لم يطوع» و «أطوع» و «أطوعت». فزيدت السين لتكون عوضا من العين متى حذفت. وأمّا قبل حذف العين فليست بعوض ، بل هي زائدة. فلذلك ينبغي أن يجعل «أسطاع» من قبيل ما زيدت فيه السين ، بالنظر إليه قبل الحذف. ومن جعل «أسطاع» من قبيل ما السين فيه عوض فبالنظر إلى الحذف.

وكذلك الأمر في «أهراق» و «أهراح» أعني : من أنه يسوغ أن توردا في العوض ، بالنظر إليهما بعد الحذف ، وفي الزيادة بالنظر إليهما قبل الحذف.

فإن قيل : فإن سيبويه قد جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين ، لا كما ذهبت إليه من أنها عوض متى ذهبت العين؟.

فالجواب : عن ذلك شيئان :

أحدهما : أنه يمكن أن يكون أراد بقوله «من ذهاب حركة» أي : زادوا من أجل ذهاب حركة العين. لأنّ زيادة السين ـ لتكون معدّة للعوضيّة ـ إنما كان من أجل ذهاب حركة العين ، لأنّ ذهاب حركة العين هو الذي أوجب حذف العين ، عند سكون اللّام.

والآخر : أن يكون جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين ، وإن كانت إنما هي عوض من العين ، في بعض المواضع ، لأنّ السبب في حذف العين إنما هو ذهاب الحركة. فأقام السبب مقام المسبّب. وإقامة السبب مقام المسبّب كثير جدا.

١٢٤

وقال الفرّاء : شبّهوا «أسطعت» بـ «أفعلت». فهذا يدل من كلامه على أنّ أصله «استطعت». فلمّا حذفت التاء بقي على وزن «افعلت» ، ففتحت الهمزة وقطعت. وهذا الذي ذهب إليه غير مرضيّ ، لأنه لو كان بقاؤه على وزن «افعلت» بعد حذف التاء يوجب قطع همزته لما قالوا «اسطاع» بكسر الهمزة وجعلها للوصل. واطّراد ذلك عندهم ، وكثرته ، يدلّ على فساد مذهبه.

فإن قيل : ما ذهب إليه سيبويه ، من زيادة السين لتكون معدّة للعوض ، لم يثبت ، فينبغي أن يحمل «أسطاع» على ما ذهب إليه الفرّاء؟.

قيل : قد ثبت أنّ العرب تزيد غير السين لذلك في «أهراق» و «أهراح» ، فيحمل «اسطاع» على ذلك. وأما قطع همزة الوصل ، لأنّ اللفظ قد صار على وزن ما همزته همزة قطع ، فلم يستقرّ في موضع من المواضع.

* * *

١٢٥

باب الهمزة

الهمزة لا يخلو أن تقع أوّلا ، أو غير أوّل. فإن وقعت غير أوّل قضي عليها بالأصالة ، ولا يحكم عليها بالزيادة إلّا أن يقوم على ذلك دليل. وذلك أنّ الهمزة إذا وقعت غير أوّل ، فيما عرف له اشتقاق أو تصريف ، وجدت أصليّة ، ولم توجد زائدة ، إلّا في ألفاظ يسيرة. وهي :

«شمأل» (١) و «شأمل» بدليل قولهم «شملت الريح». ولو كانت الهمزة أصليّة لقالوا «شأملت» و «شمألت».

و «جرائض» (٢) ، لأنهم قالوا في معناه «جرواض».

و «حطائط» ، لأنه الصغير ، المحطوط عن قدره المعتاد.

و «قدائم» ، لأنه في معنى : قديم.

و «النّئدلان» ، لأنهم يقولون في معناه : «النّيدلان». قال :

نفرجة (٣) الهمّ ، قليل ما النّيل

يلقى عليه النّيدلان باللّيل

والنّيدلان هو الذي يسمّى الكابوس.

و «ضهيأ» ، لأنهم يقولون في معناه «ضهياء». وحروف «ضهياء» الأصول إنما هي الضاد والهاء والياء ، فكذلك «ضهيأ» المقصور. وأيضا فإنّ «الضهيأ» : المرأة التي لا تحيض ، وقيل : التي لا ثدي لها. فهو ـ على هذا ـ مشتق من «ضاهيت» أي : شابهت. قال تعالى : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) [التوبة : ٣٠]. فالهمزة ـ على هذا ـ زائدة.

وزعم الزّجّاج أنه يجوز أن تكون همزة «ضهيأ» أيضا أصليّة ، وياؤه زائدة ، ويكون

__________________

(١) الشمأل والشأمل : ريح الشمال.

(٢) الجرائض : الجمل الضخم.

(٣) الرجز ، لحريث بن زيد الخيل في شرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٣ ، وبلا نسبة من رصف المباني ص ٣٣١ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ١١١ ، ولسان العرب ، (فرج) ، وانفرجه : الجبان الضعيف.

١٢٦

مشتقّا من «ضاهأت» أي : شابهت ، لأنه يقال «ضاهيت» و «ضاهأت». وهو أولى به ، لأنّ أصالة الهمزة غير أوّل أكثر من زيادتها. فيكون «ضهياء» الممدود عنده من «ضاهيت» أي : شابهت. و «ضهيأ» المقصور من ضاهأت.

وهذا الذي ذهب إليه حسن من طريق الاشتقاق ، إلّا إنه يبقى في ذلك إثبات بناء لم يستقرّ في كلامهم. وذلك أنّ الهمزة إذا جعلت أصليّة والياء زائدة كان وزن الكلمة «فعيلا» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم ، إلّا أن يكون مكسور الفاء ، نحو «طريم» (١) و «حذيم» (٢).

فإن قلت : وكذلك أيضا جعل الهمزة زائدة يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وهو «فعلأ» ؛ ألا ترى أنه لم يجيء منه إلّا «ضهيأ» المختلف فيه ، والمختلف فيه لا يجعل حجّة. فإذا كان جعلها زائدة أو أصلا يؤدّي إلى بناء غير موجود ، فالأصالة أولى ، لأنها أكثر؟

فالجواب : أنّ «فعلأ» و «فعيلا» ـ وإن كانا بناءين معدومين ـ ينبغي أن يحمل منهما على «فعلأ» ، لأنّ «فعيلا» يظهر منهم اجتنابه ؛ ألا ترى أنه إذا جاء في كلامهم كسروا أوّله نحو «حذيم» و «طريم». ولم يظهر منهم ذلك في «فعلأ» ، لأنهم لم يجتنبوا «فعلأ» كما فعلوا ذلك بـ «فعيل». فثبت إذا أنّ الذي ينبغي أن يدعى فيه أنه «فعلأ» ، ويكون من الأبنية التي جاءت في كلامهم مفردة ، لا ثاني لها. وأيضا فإنّ الاستدلال على زيادة همزة «ضهيأ» بـ «ضهياء» الممدودة ، أو ما في معناها ، أولى من الاستدلال بشيء آخر خلافها ، وهو «ضاهأت». فلذلك كان هذا المذهب باطلا.

فهذه جملة ما جاءت فيه الهمزة زائدة غير أوّل.

فأمّا «العالم» و «الخاتم» و «تأبل» (٣) وأمثالها فالهمزة فيها بدل من الألف ، ولم تزد فيها الهمزة ابتداء ، فينبغي أن تذكر في باب البدل.

فلمّا قلّت زيادة الهمزة ، غير أوّل ، وجب القضاء على ما لم يعرف أصله. ممّا الهمزة فيه غير أوّل ، بالأصالة ، نحو «السّأسم» (٤) و «اطمأنّ» و «برائل» (٥) ، وأمثال ذلك.

__________________

(١) الطريم : الطويل ، لسان العرب ، مادة (طرم).

(٢) خذيم ، والخديم : الحاذق ، اللسان ، مادة (حذم).

(٣) التأبل : الفحا ، كالكمون والكزبرة ونحو ذلك ، لسان العرب ، مادة (قزح) و (تبل).

(٤) السأسم : شجرة يقال لها الشّيز ، لسان العرب ، مادة (سأسم).

(٥) البرائل : عفرة الديك والحبارى ، وهو الريش الذي مستدير في عنقه ، لسان العرب ، مادة (برأل).

١٢٧

فإن وقعت أولا فلا يخلو أن يكون بعدها حرفان ، أو أزيد. فإن كان بعدها حرفان خاصّة كانت أصلا ، إذ لا بدّ من الفاء والعين واللام. وذلك نحو «أخذ» و «أكل» و «أمر».

وإن كان بعدها أزيد من حرفين فلا يخلو أن يكون بعدها أربعة أحرف ، مقطوع بأصالتها فصاعدا ، أو اثنان ، مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل للزيادة والأصالة.

فإن كان بعدها أربعة أحرف مقطوع بأصالتها فصاعدا كانت أصلا. وذلك نحو «إصطبل» و «إبريسم» (١) و «إبراهيم» و «إسماعيل» ؛ ألا ترى أنّ الصاد والطاء والباء من «إصطبل» مقطوع بأصالتها ، لأنها ليست من حروف الزيادة. وكذلك اللّام ، لأنّ المواضع التي تزاد فيها محصورة كما تقدّم. وليس «إصطبل» منها. وكذلك الباء والراء والسين والميم من «إبريسم» ، والباء والراء والهاء والميم من «إبراهيم» ، والسين والميم والعين واللّام من «إسماعيل». جميع ذلك أصل ، مقطوع بأصالته.

وإنما قطع بأصالة الهمزة في مثل هذا ، لأنّ بنات الأربعة فصاعدا لا تلحقها الزيادة من أوّلها أصلا ، إلّا الأفعال نحو «تدحرج» ، والأسماء الجارية عليها نحو «مدحرج». فلمّا كانت هذه الأسماء وأمثالها ليست من قبيل الأسماء الجارية على الأفعال قطع بأنّ الهمزة في أوّلها أصل.

وإن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها قطع بأنها زائدة. وذلك نحو «أفكل» (٢) همزته زائدة. وإنما قضينا عليها بالزيادة لأنّ كلّ ما عرف اشتقاقه من ذلك فالهمزة فيه زائدة ، نحو «أحمر» و «أصفر» و «أخضر» ، وأمثال ذلك ؛ ألا ترى أنها مشتقّة من «الحمرة» و «الصّفرة» و «الخضرة». فلمّا كانت كذلك فيما عرف اشتقاقه حمل ما جهل اشتقاقه على ما علم ، فقضي بزيادة الهمزة فيه.

وإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، كانت الهمزة أصلا ، إذ لا بدّ من الفاء والعين واللّام ، كما تقدّم ، وذلك نحو «آخذ» و «آمر» ؛ ألا ترى أنّ الألف مقطوع بزيادتها ، وأنّ الخاء والذال من «آخذ» ، والميم والراء من «آمر» ، مقطوع بأصالتها ، فلذلك كانت الهمزة أصلا فيهما ، وفي أمثالهما.

__________________

(١) الإبريسم : أحسن الحرير ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، باب الهمزة ١ / ٢.

(٢) الأفكل : الرعدة ، لسان العرب ، مادة (أفكل).

١٢٨

فإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما محتمل للأصالة والزيادة ، قضي على الهمزة بالزيادة ، وعلى ما عداها مما يحتمل الأصالة والزيادة بأنه أصليّ. وذلك نحو «أبين» (١) ، والألف من «إشفى» (٢) و «أفعى». فإنك ـ وإن لم يكن معك اشتقاق ولا تصريف ـ تقضي بزيادة الهمزة ، وأصالة ما عداها. وذلك أنّ «إشفى» و «أبين» و «أفعى» وأمثال ذلك ، الهمزة في جميع ذلك زائدة ، والياء من «أبين» والألف من «إشفى» و «أفعى» أصلان.

وإنما قضي بزيادة الهمزة ، في مثل هذا ، لأنّ جميع ما ورد من ذلك ، ممّا له اشتقاق ، الهمزة فيه زائدة ، وما عداها أصل ، نحو قوله «أغوى منه» و «أضوأ منه» و «أيدع» (٣) ، لأنّ «أغوى» من الغيّ ، و «أضوأ» من الضّوء ، ويقولون «يدّعته».

وكذلك جميع ما عرف له اشتقاق ، من هذا النوع ، همزته زائدة ، وما عداها أصليّ ، إلّا ألفاظا قليلة شذّت من هذا النوع ، وهي «أولق» (٤) و «إمّعة» و «أيصر» (٥) و «أرطى» (٦) و «أيطل». فلذلك حملنا ما ليس له اشتقاق ، نحو «أفعى» و «إشفى» و «أبين» ، على الأكثر ، فقضينا بزيادة الهمزة.

فإن قيل : فما الدليل على أصالة الهمزة ، في هذه الألفاظ الخمسة؟.

فالجواب : أنّ الذي يدل على أصالة الهمزة في «أيصر» أنهم يقولون في جمعه «إصار» ، بإثبات الهمزة وخذف الياء ، فدلّ على أصالة الهمزة وزيادة الياء. ولا يمكن أن تجعل هذه الهمزة بدلا من ياء ، فيكون أصله «يصار» ، ثم أبدلت الهمزة من الياء ، لأنّ الياء لا تبدل همزة في أوّل الكلام.

والذي يدلّ على أصالة الهمزة في «إمّعة» أنك لو جعلتها زائدة لكان وزنها «إفعلة» و «إفعلة» لا يكون صفة أصلا ، إنما يكون اسما غير صفة نحو «إشفى» و «إنفحة» (٧). فدلّ

__________________

(١) أبين : اسم رجل من حمير.

(٢) الإشفى : المخرز ، لسان العرب ، مادة (أشف).

(٣) الأيدع : صبغ أحمر : وقيل : هو الزعفران ، الصحاح للجوهري ، واللسان ، مادة (يدع).

(٤) الأولق : الجنون ، لسان العرب ، مادة (ألق).

(٥) الأيصر : الحشيش ، الصحاح للجوهري ، مادة (أصر).

(٦) الأرطى : شجر ينبت بالرمل رائحته طيبة ، لسان العرب ، مادة (أرط).

(٧) الأنفحة : شيء يخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر ، يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن ، لسان العرب ، مادة (نفح).

١٢٩

ذلك على أنّ همزتها أصليّة ، ويكون وزنها «فعّلة» ، لأنّ «فعّلة» في الصفات موجود نحو «رجل دنّبة» (١). وأيضا فإنك لو جعلت همزة «إمّعة» زائدة لكانت إحدى الميمين منه فاء ، والأخرى عين ، فيكون من باب «ددن» (٢) ، وهو قليل جدّا ، أعني أن تكون الفاء والعين من جنس واحد. فلمّا كان جعل الهمزة زائدة يؤدّي إلى الدخول في هذا الباب القليل ، وإلى إثبات مثال في الصفات لم يستقرّ فيها ، قضي بأصالة الهمزة.

وأمّا «أرطى» فالدليل على أصالة الهمزة قولهم «أديم مأروط» أي : مدبوغ بالأرطى. فإثبات الهمزة في «مأروط» ، وحذف الألف ، دليل على أصالة الهمزة وزيادة الألف. وحكى أبو عمر الجرميّ «أديم مرطيّ». فالهمزة ـ على هذا ـ زائدة ، والألف أصل.

وأما «أولق» فالذي يدلّ على أصالة الهمزة فيه ، وزيادة الواو ، قولهم «ألق الرّجل» إذا أصابه الأولق. فقولهم «ألق» بإثبات الهمزة ، وحذف الواو ، دليل على أصالة الهمزة وزياد الواو.

فإن قيل : فلعلّ هذه الهمزة بدل من الواو ، والأصل «ولق» ، نحو قولهم في «وعد الرّجل» «أعد»؟.

فالجواب : أنه كان من قبيل «أعد» لقالوا «ولق» كما يقولون «وعد». فالتزامهم الهمزة في «ألق» دليل على أنها أصل. وأيضا فإنهم قالوا «رجل مألوق» ، ولو كانت الهمزة زائدة لقالوا «مولوق» بالواو. ولا يتصوّر أن تقدّر الهمزة في «مألوق» بدلا من الواو ، لأنّ مثل هذه الواو لا تقلب همزة. وسيبيّن ذلك في البدل.

وزعم الفارسيّ أنّ «أولقا» يحتمل ضربين من الوزن : أحدهما : ما قدّمناه من أنه «فوعل» وهمزته أصل ، من «تألّق البرق». والآخر : أنه «أفعل» وهمزته زائدة ، من «ولق» إذا أسرع ، لأنّ «الأولق» : الجنون ، وهي توصف بالسرعة.

فإن قيل : فكيف أجاز ذلك ، مع قولهم «ألق» و «مألوق»؟.

فالجواب : أنه يجعل الهمزة منهما بدلا من الواو ، والأصل «ولق» و «مولوق». ويجعل هذا من قبيل البدل اللّازم ، فتكون الواو من «ولق» لمّا أبدلت همزة لانضمامها أجريت هذه الهمزة مجرى الأصليّة ، فقالوا «مألوق». فيكون ذلك نظير قولهم «عيد»

__________________

(١) الدنبة : القصير ، الصحاح للجوهري ، مادة (دنب).

(٢) الددن : اللهو واللعب ، لسان العرب ، مادة (ددن).

١٣٠

و «أعياد» ؛ ألا ترى أنّ «عيدا» من «عاد يعود» ، وأنّ الأصل فيه «عود» ، فقلبت الواو ياء ، لسكونها ، وانكسار ما قبلها ، فقيل «عيد». وكان ينبغي ، إذا جمعنا ، أن نقول في جمعه «أعواد» بالواو ، لزوال الموجب لقلب الواو ياء ، كما قالوا في جمع «ريح» «أرواح» بالواو ، لزوال موجب قلبها ياء في «ريح» ، وهو سكونها وانكسار ما قبلها. قال :

*تلفّه الأرواح ، والسّميّ (١)*

إلّا أنهم لمّا أبدلوا الواو ياء في «عيد» أجروا هذه الياء مجرى الأصليّة.

إلّا أنّ هذا النوع من البدل ـ أعني اللّازم ـ قليل ، وأصالة الهمزة أيضا ، إذا وقعت أولا في مثل هذا ، قليل ، فتكافأ الأمران عنده ، فلذلك أجاز الوجهين.

والصحيح أنّ «الأولق» همزته أصليّة ، ولا ينبغي أن يحمل على باب «عيد وأعياد» لأنّ مثل هذا الباب قد سمع فيه الأصل ، فتقول «عيد وأعواد». ولم يقولوا «ولق» ولا مولوق ، في موضع من المواضع. فلذلك وجب حمل «أولق» على أن همزته أصليّة.

ويجوز أيضا في «أولق» أن يكون «فوعلا» ، عند من يجعله مشتقا من «ولق». ويكون أصله «وولقا» ، فأبدلت الواو الواحدة همزة ، ولزم على قياس كلّ واوين يجتمعان في أوّل الكلمة. إلّا أنّ الأولى ، عند من يجعله مشتقا من «ولق» ، أن تكون الهمزة زائدة ، ويكون وزنه «أفعل» ، لأنّ «أفعل» أكثر من «فوعل». وأيضا فإن الهمزة ينبغي أن يوقف فيها مع الظاهر ، ولا يدّعى أنها مبدلة من الواو.

وأمّا «أيطل» فالذي يدلّ على أصالة همزته ، وزيادة يائه ، قولهم في معناه : «إطل». فيحذفون الياء ويثبتون الهمزة. ولو كانت الهمزة هي الزائدة لقيل «يطل» بالياء ، ولا يمكن أن يدّعى أنّ الهمزة بدل من الياء ، لما ذكرناه ، من أنّ الياء لا تبدل همزة أولا.

* * *

__________________

(١) الرجز ، لرؤبة في لسان العرب ، مادة (سما) والعجاج في ديوانه ص ٦٩ ، واللسان والصحاح والتاج ، مادة (سمو) ، والسمي : جمع سماء.

١٣١

باب الميم

الميم لا تخلو أن تقع أوّلا ، أو غير أوّل. فإن وقعت غير أول قضي عليها بالأصالة. وذلك أنها إذا وقعت غير أوّل ، فيما يعرف له اشتقاق ، وجدت أصليّة. نحو «شأمل» و «كريم» وأمثالهما ، مما لا يحصى كثرة ؛ ألا ترى أنّ «شأملا» ميمه أصليّة. بدليل قولهم «شملت الريح» ، وأنّ «كريما» كذلك ، لأنه من «الكرم». ولم توجد زائدة إلّا في أماكن محصورة ، تحفظ ، ولا يقاس عليها. وهي :

«دلامص» و «دمالص» بمعنى برّاق. قال الأعشى :

إذا جرّدت ، يوما ، حسبت خميصة

عليها ، وجريال النّضير ، الدّلامصا (١)

أي : البرّاق. وقد تحذف الألف منهما تخفيفا ، كما تحذف من «علابط» (٢) ، فيقال «دلمص» و «دملص». والدليل على زيادة الميم فيهما أنهما مشتقان من «الدّليص» وهو البريق.

و «قمارص» ، لأنه يقال «لبن قمارص» بمعنى : قارص.

و «ستهم» (٣) و «زرقم» (٤) و «فسحم» (٥) ، لأنها من الزّرقة والأسته والفسحة.

و «ضرزم» و «دردم» (٦) و «دلقم» و «دقعم» و «حلكم» و «خضرم» ، لأنّ «دردما» من «الأدرد» ، وهو الذي تكسّرت أسنانه. و «الحلكم» : الشديد السواد. فهو من «الحلكة» وهي السواد. و «الدّقعم» : التراب. فهو من «الدّقعاء». و «الدّلقم» : الناقة التي تكسّرت أسنانها

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٩٩ ، وسر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٤٢٩ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (نظر) ، والمنصف ٣ / ٢٥.

(٢) العلابط : اللبن الخاثر الغليظ المتلبد ، لسان العرب ، مادة (علبط).

(٣) الستهم : العظيم الأست ، لسان العرب ، مادة (ستن).

(٤) الزرقم : الشديد الزرقة ، لسان العرب ، مادة (زرق).

(٥) الفسحم : الواسع الصدر ، لسان العرب ، مادة (فسحم).

(٦) الدردم : الناقة المسنة ، لسان العرب ، مادة (درد).

١٣٢

فاندلق لسانها ولعابها. ولذلك قالوا «سيف دلوق» إذا كان لا يثبت في غمده. و «الضّرزم» بمعنى «الضّرزّ» وهو الشديد البخيل. و «خضرم» : البحر ، سميّ بذلك لخضرته.

و «خدلم» (١) و «شدقم» و «شجعم» ، لأنّ «خدلما» بمعنى «خدلة». قال :

ليست برسحاء ، ولكن ستهم

ولا بكرواء ، ولكن خدلم (٢)

و «الشّدقم» بمنزلة الأشدق ، وهو العظيم الشّدق. و «الشّجعم» لتأكيدهم به «الشّجاع» ، في مثل قوله :

*الأفعوان ، والشّجاع ، الشّجعما (٣)*

فهو من لفظه ، وفي معناه.

وزيدت أيضا في المضمرات ، في «أنّما» و «أنتم» ، و «قمتما» و «قمتم» ، و «ضربكما» و «ضربكم» ، و «هما» و «هم» ، علامة على تجاوز الواحد ، ثم لحقت بعد ذلك الألف علامة على التثنية ، والواو علامة على الجميع. والدليل على زيادتها في ذلك أنه قد تقرّر أنّ ما قبل الميم اسم ، إذا لم ترد التثنية ولا الجمع.

وزيدت ، من الأفعال ، في «تمسكن» و «تمدرع» (٤) و «تمندل» (٥) و «تمنطق» (٦) و «تمسلم» و «تمولى علينا» و «مرحبك (٧) الله ومسهلك». وقد حكي «مخرق» و «تمخرق» ، وضعّفهما ابن كيسان ، والصحيح أنهما لم يثبتا من كلام العرب. والدليل على زيادتها في الأفعال أنّ «تمسكن» من لفظ «المسكين» ، والميم في «مسكين» زائدة. وكذلك «تمدرع» من لفظ

__________________

(١) الخدلم : غليظة الساق مستديرتها ، والممتلئة الأعضاء ، لسان العرب مادة (خدل).

(٢) الرجز ، بلا نسبة في المنصف ٣ / ٢٥ ، والصحاح واللسان والتاج (كرا) و (خدل) ، والرسحاء ، قليلة لحم الألية والفخذين ، والكرواء : دقيقة الساقين والذراعين.

(٣) عجز بيت ، صدره :

قد سالم الحيات منه القدما ،

الرجز ، للعجاج في ملحق ديوانه ، ٢ / ٣٣٣ ، ولعبد بني عبس في خزانة الأدب للبغدادي ١١ / ٤١١ ، ولأبي حناء ، في خزانة الأدب للبغدادي ١٠ / ٢٤٠.

(٤) تمدرع : لبس المدرعة ، لسان العرب ، مادة (درع).

(٥) تمندل : تمسح بالمنديل.

(٦) تمنطق : شد على وسطه النطاق أو المنطقة ، لسان العرب ، مادة (تبل) والمعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (نطق) النون ٢ / ٩٣١.

(٧) مرحبك الله : ومسهلك ، كلمة ترحيب ، لسان العرب ، مادة (رحب).

١٣٣

«المدرعة» ، والميم في «المدرعة» أيضا زائدة. وأيضا فإنّ أكثر كلام العرب «تسكّن» و «تدرّع». و «تمندل» من «المنديل» ، والميم في «المنديل» زائدة. و «تمنطق» من «النّطاق». و «تمسلم» أي : صار يدعى مسلمة بعد أن كان يدعى بخلاف ذلك. فهو من لفظ «مسلمة» ، والميم في «مسلمة» زائدة. وكذلك «تمولى علينا» أي : تعاظم علينا. فهو من لفظ «المولى» ، والميم في «المولى» زائدة. و «مرحبك الله ومسهلك» من «الرّحب» و «السّهل».

وزعم بعض النحويين أنّ الميم في «هرماس» و «ضبارم» و «حلقوم» و «بلعوم» و «سرطم» و «صلقم» و «دخشم» و «جلهمة» زائدة ، لأنّ «هرماسا» من أسماء الأسد ، وهو يوصف بأنه هرّاس ، لأنه يهرس في فريسته. و «ضبارم» : الأسد الوثيق ، فهو من «الضّبر» وهو شدّة الخلق. و «الحلقوم» من الحلق. و «البلعوم» : مجرى الطعام في الحلق ، فهو راجع لمعنى البلع. و «السّرطم» : الواسع السريع الابتلاع ، فهو من «السّرط» وهو الابتلاع. و «الصّلقم» : الشديد الصّراخ ، فهو من «الصّلق» ، لأنّ «الصّلق» : الصياح. و «دخشم» و «جلهمة» : اسمان علمان. فأمّا «دخشم» فمشتق من «دخش يدخش» إذا امتلأ لحما. وأما «جلهمة» فمن «جلهة» الوادي وهو ما استقبلك منه.

وينبغي عندي أن تجعل الميم في هذا كلّه أصليّة. وذلك لأنّ زيادة الميم غير أوّل قليلة ، فلا ينبغي أن يذهب إليها ، إلّا أن يقود إلى ذلك دليل قاطع. وليست هذه الألفاظ كذلك.

أمّا «هرماس» فهو من أسماء الأسد ، وليس بصفة مشتقّة من «الهرس». فلعلّه اسم مرتجل ، وليس مشتقّا من شيء ، إذ قد يوجد من الأسماء ما هو بهذه الصفة. أعني : ليس بمشتق من شيء.

وكذلك الأمر في «دخشم» و «جلهمة» ، لأنهما اسمان علمان ، والأعلام قد يكون فيها المرتجل ، وإن كان أكثرها ليس كذلك.

وأمّا «ضبارم» فقد يكون بمعنى : جريء. يقال : رجل ضبارم ، أي : جريء على الأعداء. فلعلّ الأسد الوثيق وصف بـ «ضبارم» ، لجرأته ، فلا يكون على هذا مشتقّا من «الضّبر» ، لأن الضبر لا يكون بمعنى الجرأة.

وأمّا «الحلقوم» فليس أيضا بصفة مشتقّة من لفظ «الحلق» ، فيلزم أن تكون الميم زائدة. بل هو اسم ، فيمكن أن يكون بمعنى الحلق ، وتكون ذاته مخالفة لذات «حلق» ، فيكون من باب «سبط وسبطر» ، لا سيما وقد قالوا «حلقمه حلقمة» إذا قطع حلقومه ، فأثبتوا الميم في تصريفه.

١٣٤

وكذلك «البلعوم» أعني أنه ليس بصفة مشتقّة من «البلع» ، بل هو اسم ـ كما ذكرنا ـ لمجرى الطعام في الحلق. فلعله اسم له ، لا من حيث لحظ فيه معنى «البلع» ؛ ألا ترى أنّ البياض الذي في طرف فم الحمار يسمّى «بلعوما» ، وإن لم يكن رجوعه إلى معنى «البلع». فكذلك ينبغي ألّا يجعل بالنظر إلى مجرى الطعام في الحلق.

وأمّا «الصّلقم» فيمكن أن يكون غير مشتقّ من «الصّلق» ، لأنهم يقولون «جمل صلقم» أي : ضخم. فلعلّ الشّديد الصياح قيل له «صلقم» ، لضخامة صوته ، لا لأجل الصراخ نفسه. إذ قد وقع هذا اللفظ على ما ليس براجع لمعنى «الصّلق» ، وهو الضخم من الإبل.

وأمّا «السّرطم» فإنه يحتمل ـ وإن كان واقعا على الواسع الحلق ، السريع الابتلاع ـ ألّا يكون مشتقا من «السّرط» بمعنى البلع ، لأنهم قد يوقعون «السّرطم» على القول اللّين ، فيكون الرجل الواسع الحلق وصف بـ «سرطم» ، لسهولة الابتلاع في حلقه ولينه عليه ، لا لنفس «السّرط» الذي هو الابتلاع ، كما أنّ «السّرطم» إذا عني به القول اللّيّن ليس براجع لمعنى «السّرط».

فإذا أمكن في هذه الألفاظ حملها على ما ذكرت لك كان أولى من جعل الميم زائدة غير أوّل ، لقلّة ما جاء من ذلك.

وزعم أبو الحسن ، وأبو عثمان المازنيّ ، أنّ «دلامصا» (١) من ذوات الأربعة ، وأنّ معناه كمعنى «دليص» (٢) ، وليس بمشتقّ منه ، فجعلاه من باب «سبط وسبطر». والذي حملهما على أن يقولا ذلك في «دلامص» ، ولم يقولاه في «زرقم» و «ستهم» وأشباههما ، قلّة مجيء الميم زائدة حشوا ، بل إذا جاءت زائدة غير أوّل فإنما تزاد طرفا. وكذلك ينبغي أن يكون «قمارص» (٣) عندهما.

وبالجملة ليس «دلامص» مع «دليص» كـ «سبطر» مع «سبط» ، لأنّ الذي قاد إلى ادّعاء أنّ «سبطا» و «سبطرا» أصلان مختلفان أنّ الراء لا تحفظ زائدة في موضع. وأمّا الميم فقد جاءت زائدة ، طرفا غير أول ، فيما ذكرنا ، وحشوا في «تمسكن» وأخواته ، وأوّلا فيما لا يحصى كثرة. فإذا دلّ اشتقاق على زيادتها فينبغي أن تجعل زائدة ، إذ باب «سبط وسبطر» قليل جدّا ، لا ينبغي أن يرتكب ، إلّا إذا دعت إلى ذلك ضرورة.

__________________

(١) الدلامص : البرّاق : لسان العرب ، مادة (دلمص) و (دملص).

(٢) الدليص : الدرع البراق اللينة ، لسان العرب ، مادة (دلص).

(٣) القمارص : القارص ، لسان العرب ، مادة (قرص).

١٣٥

وإن وقعت أولا فإنهما بمنزلة الهمزة. فلا يخلو أن يكون بعدها حرفان ، أو أكثر.

فإن كان بعدها حرفان قضي على الميم بالأصالة ، إذ لا بد للكلمة من فاء وعين ولام ، لأنّ ذلك أقلّ أصول الأسماء المتمكّنة والأفعال. وذلك نحو «ملك» و «مسح» وأمثالهما.

وإن كان بعدها أكثر لا يخلو أن يقع بعدها أربعة أحرف مقطوع بأصالتها ، أو ثلاثة مقطوع بأصالتها ، أو اثنان مقطوع بأصالتها ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، أو محتمل للأصالة والزيادة.

فإن كان بعدها أربعة أحرف مقطوعا بأصالتها قضي على الميم بالأصالة ، إلّا في الأفعال والأسماء الجارية عليها. وإنما كان الوجه ذلك ، لأنّ الزيادة لا تلحق بنات الأربعة من أوّلها ، إلّا في النوعين المذكورين. وأمّا بنات الخمسة فلا يلحقها من أوّلها زيادة أصلا ، لأنها لا تكون فعلا ، وذلك نحو «مرزنجوش» (١) ، ينبغي أن تكون الميم فيه أصليّة ، وكذلك كلّ ما جاء من هذا النحو.

وإن كان بعدها ثلاثة أحرف مقطوعا بأصالتها قضي عليها بالزيادة ، لأنّ كلّ ما جاء من ذلك ، مما يعرف له اشتقاق ، توجد الميم فيه زائدة ، نحو «ملهى» و «مضرب» وأمثال ذلك ، ممّا لا يحصى كثرة. ولم يجىء أصليّة إلّا في «مغرود» (٢) و «مغفور» (٣) و «مراجل» (٤).

فالدليل على أصالتها في «مراجل» ثباتها في تصريفه ، فقالوا «المرجل». قال :

*بشية ، كشية الممرجل (٥)*

وكذلك «مغفور» ، لأنّ الميم قد ثبتت في تصريفه ، فقالوا «ذهبوا يتمغفرون» أي : يجمعون المغفور ، وهو ضرب من الكمأة.

__________________

(١) المرزنجوش : نبت يداوى به ، الصحاح للجوهري ، مادة (عتر).

(٢) المغرود : ضرب من الكمأة ، لسان العرب ، مادة (غرد).

(٣) المغفور : صمغ شبيه بالناطف ، لسان العرب ، مادة (غفر).

(٤) المراجل : ضرب من بدو اليمن ، لسان العرب ، مادة (مرجل).

(٥) الرجز ، للعجاج في ديوانه ١ / ٢٢١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٢ / ٣٣٧ ، والكتاب ٤١ / ٣١١ ، والممرجل : ضرب من ثياب الوشي.

١٣٦

وأمّا «مغرود» فيدلّ على أصالة ميمه أنه ليس من كلامهم «مفعول» ، وفيه «فعلول».

فإذا جاء ما لا يعرف اشتقاقه بزيادة الميم فيه ، حملا على الأكثر مما عرف له اشتقاق نحو «مأسل» (١) ينبغي أن يقضي بزيادة الميم فيه وفي أمثاله ، وإن لم يعرف له اشتقاق.

وإن كان بعدها حرفان مقطوع بأصالتهما ، وما عداهما مقطوع بزيادته ، قضيت على الميم بالأصالة ، إذ لا أقلّ من ثلاثة أحرف أصول ، كما تقدّم. وذلك نحو «مالك» و «ماسح» وأمثال ذلك ؛ ألا ترى أنّ الألف مقطوع بزيادتها. وإذا كان كذلك وجب أن تكون الميم أصليّة.

وإن كان بعدها حرفان مقطوعا بأصالتهما ، وما عداهما محتمل الأصالة والزيادة ، قضي على الميم بالزيادة ، لأنّ كل ما عرف له اشتقاق من ذلك وجدت الميم فيه زائدة ، ولم توجد أصليّة ، إلّا في ألفاظ مخفوظة. وهي «معزى» و «مأجج» (٢) و «مهدد» (٣) و «معدّ» و «منجنيق» و «منجنون» (٤). فلمّا كانت زائدة في الأكثر ، مما عرف له اشتقاق ، حمل ما لم يعرف له اشتقاق ، من ذلك ، على ما عرف اشتقاقه. وذلك نحو «مذرى» (٥) و «المذروين».

فإن قيل : وما الدليل على أصالة الميم في ستّة الألفاظ المذكورة؟.

فالجواب : أنّ الذي يدلّ على أصالة الميم في «معزى» أنهم يقولون «معز» ، فيحذفون الألف. ولو كانت الميم فيه زائدة لقالوا «عزي».

فإن قيل : إنّ «المعزى» أعجميّ ، وقد تقدّم أنّ الأعجميّ لا يدخله تصريف؟.

فالجواب : أنّ ما كان من الأعجميّة نكر فإنه قد يدخله التّصريف ، لأنه محكوم له بحكم العربيّ ، بدلالة أنّ هذا النوع من العجمة لا يمنع الصّرف بخلاف العجة الشخصيّة. وسبب ذلك أنها أسماء نكرات ـ والنكرات هي الأول ـ وإنما تمكّنت بدخول الألف واللّام عليها ، كما تدخل على الأسماء العربية. ويدلّ على أنهم قد أجروها مجرى العربيّ أنهم قد اشتقّوا منها ، كما يشتقّون من العربيّ. قال رؤبة :

__________________

(١) مأسل : اسم موضع ، لسان العرب ، مادة (أسل).

(٢) مأجج : اسم موضع ، التاج للزبيدي ، مادة (مذحج).

(٣) مهدد : اسم امرأة ، لسان العرب ، مادة (مهد).

(٤) المنجنون : الدولاب ، لسان العرب ، مادة (منجنون).

(٥) المذرى : جانب الألية ، القاموس للفيروز آبادي ، مادة (فصل الذال) ١ / ١٦٥٧.

١٣٧

هل ينجينّي حلف سختيت

أو فضّة ، أو ذهب كبريت (١)؟

فقال «سختيت» من «السّخت» وهو الشديد ، وهو أعجميّ.

والذي يدلّ على أصالة الميم في معدّ أنهم يقولون «تمعدد الرّجل» إذا تكلّم بكلام معدّ ، وقيل : إذا كان على خلق معدّ. والميم في «تمعدد» أصليّة ، لأنّ «تمفعل» قليل ، نحو ما ذكرنا من قولهم «تمسكن» و «تمدرع» ، والأحسن «تسكّن» و «تدرّع». و «معدّ» هذا ـ أعني اسم القبيلة ـ منقول من «معدّ» الذي يراد به موضع رجل الرّاكب ، لأنّ الأعلام إذا علم لها أصل في النكرات فينبغي أن تجعل منقولة منه. وإذا ثبت النّقل تبيّن أنّ الميم في «معد» هذا ـ أعني اسم القبيلة ـ أصليّة ، لأنّ الميم في «معدّ» الذي هو موضع رجل الرّاكب أصليّة أيضا ، لأنّ موضع رجل الراكب فيه شدّة وصلابة ، وقد قالوا «معد» في معنى : اشتدّ. فالميم فيه أصل ، لذلك قال :

وخاربين ، خربا فمعدا

لا يحسبان الله إلا رقدا (٢)

فإن قيل : جعلك الميم أيضا أصليّة في أوّل الكلام ، وبعدها ثلاثة أحرف. قليل ، و «تمفعل» قليل ، فهلا اعتدل الأمر عندك فيهما ، فأجزت في «معدّ» الوجهين ، أعني زيادة الميم وأصالتها؟.

فالجواب : أنه لمّا كان جعلها أصلا وجعلها زائدة يؤدّيان إلى قليل كانت الأصالة ، وما يعضده الاشتقاق ، أولى.

والذي يدلّ على أصالة الميم في «مأجج» و «مهدد» أنّ الميم لو كانت زائدة لوجب الإدغام ، فتقول «مهدّ» و «مأجّ» ، كما تقول «مقرّ» و «مكرّ» و «مفرّ» و «مردّ». فدلّ ذلك على أنّ الميم أصل ، وأنهما ملحقان بـ «جعفر» نحو «قردد» (٣) ولذلك لم يدغم.

فإن قلت : أجعل الميم زائدة فيهما ، ويكون فكّ الإدغام شاذّا ، فيكون من باب

__________________

(١) الرجز ، لرؤبة في ديوانه ص ٢٧ ، ولسان العرب ، مادة (كبرت) ، وتهذيب اللغة للأزهري ، ٧ / ١٦١ ، وتاج العروس ، مادة (سخت). وكتاب العين للفراهيدي ٤ / ١٩٤.

(٢) الرجز بلا نسبة في تهذيب اللغة للأزهري ٢ / ١٥٤ ، وتاج العروس واللسان ، مادة (ضرب).

(٣) القردد : الأرض المستوية ، وهو من الأضداد ، لسان العرب ، مادة (قرد).

١٣٨

«لححت (١) عينه» و «ألل السّقاء» (٢) و «ضبب (٣) البلد» ، إذ جعل الميم أصليّة أيضا ، في أوّل وبعدها ثلاثة أحرف ، قليل؟.

فالجواب : ما تقدّم في «معدّ» ، من أنه لمّا كانت الأصالة والزيادة تفضيان إلى قليل كانت الأصالة أولى.

فإن قيل : فهلّا جعلتم الميم أصليّة في «محبب» (٤) ، بدليل فكّ الإدغام ، كما فعلتم ذلك في «مهدد»؟.

فالجواب : أنه لمّا كان جعل الميم فيها أصليّة يؤدّي إلى الحمل على القليل ، وجعلها زائدة يؤدّي أيضا إلى ذلك ، كانت الأولى الزيادة هنا ، لأنّ الميم إذا كانت زائدة كانت الكلمة من تركيب «ح بـ ب» وهو موجود ، وإذا كانت الميم أصليّة كانت الكلمة من تركيب «م ح ب» وهو غير موجود. فكان الحمل على الموجود أولى.

والذي يدلّ ، على أنّ الميم في «منجنيق» أصليّة ، أنه قد استقرّ زيادة النون الأولى ، بدليل قولهم «مجانيق» بحذفها. ولو كانت أصليّة لقلت «مناجيق». فإذا ثبت زيادة النون ثبتت بذلك أصالة الميم ، إذ لو كانت زائدة ، والنون بعدها زائدة ، لأدّى ذلك إلى اجتماع زيادتين في أوّل كلمة ، وذلك لا يوجد إلّا في الأفعال نحو «استفعل» ، أو في الأسماء الجارية عليها ، نحو «انطلق» و «منطلق». و «منجنيق» ليس باسم جار على الفعل. فإذا ثبتت أصالة الميم وزيادة النون الأولى وجب أن يقضى على النون الثانية بالأصالة ، لأنك لو جعلتها زائدة لكان وزن الكلمة «فنعنيلا» ، وذلك بناء غير موجود. وإذا جعلتها أصليّة كان وزن الكلمة «فنعليلا» نحو «عنتريس» (٥). وأيضا فإنها ليست في موضع لزمت فيه زيادتها ، ولا كثرت ، فتجعل زائدة.

فإن قيل : فهلّا استدللتم على زيادة الميم ، بما حكاه أبو عثمان عن التّوّزي ، عن أبي عبيدة ، من أنه سأل أعرابيّا عن حروب ، كانت بينهم ، فقال : «كانت بيننا حروب عون ،

__________________

(١) لحجت : لصقت ، لسان العرب ، مادة (لحح).

(٢) ألل السقاء : تغيرت رائحته ، الصحاح للجوهري ، مادة (ألل).

(٣) ضبب البلد : كثرت ضبابه ، لسان العرب ، مادة (ضبب).

(٤) محبب : اسم رجل ، المنصف ١ / ١٤١.

(٥) العنتريس : الناقة الغليظة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم الجواد الجريئة ، وقد يوصف به الفرس ، تاج العروس ، مادة (عترس).

١٣٩

تفقأ فيها العيون. مرّة نجنق ، ومرّة نرشق». فقوله «نجنق» دليل على أنّ الميم زائدة ، إذ لو كانت أصليّة لوجب أن يقول «نمجنق». وحكى الفرّاء : «جنقوهم بالمجانيق»؟.

فالجواب : أنّ الكلمة أعجميّة ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجمية ، لأنها ليست من كلامهم ؛ ألا ترى أنّ قول الراجز :

هل تعرف الدار لأمّ الخزرج

منها ، فظلت اليوم كالمزرّج (١)

أراد : سكران كالذي يشرب الزّرجون. وكان القياس أن يقول «كالمزرجن» ، لأنّ نون «زرجون» أصليّة. لكنه حذف النون ، لأنّ الكلمة أعجميّة ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجميّ ، كما تقدّم.

فإن قيل : فهلّا قلتم إنّ قولهم في الجمع «مجانيق» بحذف النون من قبيل ما خلّط فيه؟.

فالجواب : أنّ قولهم «مجانيق» يؤدّي إلى أن يكون وزن الكلمة «فنعليلا» كما تقدّم ، وهو من أبينية كلامهم. وقولهم «نجنق» و «جنقوهم» يؤدّي إلى كون الميم والنون زائدتين ، فيكون وزن الكلمة «منفعيلا» ، والزيادتان لا تلحقان الأسماء من أوّلها ، إلّا أن تكون جارية على الأفعال ، كما تقدّم.

والذي يدلّ على أصالة الميم في «منجنون» أنه لا يخلو أن تقدّر الميم والنون زائدتين ، أو أصليّتين ، أو إحداهما زائدة والأخرى أصليّة. فجعلهما زائدتين فاسد ، لما تبيّن من أنه لا يلحق الكلمة زيادتان من أوّلها إلّا الأفعال والأسماء الجارية عليها ، و «منجنون» ليس من قبيل الأسماء الجارية على الأفعال. وجعل إحداهما زائدة والأخرى أصليّة فاسد ، لأنك إن قدّرت أنّ الميم هي الزائدة كان وزن الكلمة «مفعلولا» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم. وإن قدّرت أنّ النون هي الزائدة كان فاسدا ، بدليل قولهم «مناجين» في الجمع ، بإثبات النون الأولى. فدلّ ذلك على أنهما أصلان ، ويكون وزن الكلمة «فعللولا» ، فيكون نحو «حندقوق» (٢).

* * *

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في الخصائص لابن جني ، والمنصف ١ / ١٤٨ ، واللسان (زرج).

(٢) الحندقوق : بقلة ، والرجل الطويل المضطرب ، لسان العرب ، مادة (حندق).

١٤٠