الممتع في التّصريف

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »

الممتع في التّصريف

المؤلف:

أبي الحسن علي بن مؤمن بن محمّد بن علي ابن عصفور الحضرمي الإشبيلي « ابن عصفور »


المحقق: الشيخ أحمد عزّو عناية
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٠

ذكر معاني أبنية الأفعال

مجرّدة من الزيادة وغير مجرّدة وتبيين المتعدّي منها وغير المتعدّي.

فعل وفعل : يجيئان متعدّيين وغير متعدّيين ، فالمعتدّي منهما «ضرب» و «علم» ، وغير المتعدّي «قعد» و «أشر» (١).

فعل : ولا يتعدّى البتّة ، نحو «ظرف» و «شرف».

فعلل : ولا يكون إلّا متعدّيا ، نحو «جلببه» (٢) و «شملله» (٣) ، إلّا أن يكون رباعيّا ، فإنه يكون متعدّيا وغير متعدّ ، فالمتعدّي نحو «دحرجته» و «صعررته» ، وغير المتعدّي نحو «قرقر» (٤).

فيعل وفوعل وفعول وفعلى : تكون متعدّية وغير متعدّية ، فالمتعدّي منها «بيطر الدّابّة» و «صومع (٥) الثّريد» و «دهور المتاع» (٦) و «قلسى الرّجل» (٧) ، وغير المتعدّي «بيقر» (٨) و «حوقل» (٩) و «هرول» و «عنظى» (١٠) و «حنظى» (١١) و «خنذى» (١٢).

فعنل : يكون متعدّيا ، نحو «قلنس».

__________________

(١) أشر : مرح وبطر : لسان العرب ، مادة (أشر).

(٢) جلببه : ألبسه الجلباب ، لسان العرب ، مادة (جلبب).

(٣) شملل النخل : أخذ منه شماليله ، لسان العرب ، مادة (شملل).

(٤) قرقر البعير : إذا صفا صوته ورجّع ، الصحاح للجوهري ، مادة (قرقر).

(٥) صومع الثريد : المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (صومع).

(٦) دهور المتاع : جمعه وقذفه في مهواة ، لسان العرب ، مادة (دهر).

(٧) قلسى الرجل : ألبسه القلنسوة ، لسان العرب ، مادة (قلس).

(٨) بيقر : هلك ، لسان العرب ، مادة (بقر).

(٩) حوقل : كبر وعجز عن الجماع ، لسان العرب ، مادة (حقل).

(١٠) عنظى : إذ تكلم بالقبيح ، المحيط في اللغة لابن عباد ، مادة (عنظ).

(١١) خنظى : صار بذيئا فاحشا ، الصحاح للجوهري مادة (حنظ).

(١٢) خنذى : صار خليعا ماجنا ، تاج العروس ، مادة (خنذ).

١٠١

يفعل : ولا يكون إلّا متعدّيا ، نحو «يرنأ لحيته» (١).

تفعلل وتفيعل وتفعلى وتفعنل وتفوعل وتمفعل وتفعول : أكثر ما تجيء غير متعدّية ، لأنها مطاوعة للفعل الذي دخلت عليه التاء في الغالب. نحو «دحرجته فتدحرج» و «مدرعته (٢) فتمدرع». وكذلك باقيها. فكان الغالب عليها ـ لذلك ـ عدم التعدّي ، حتى تكون كـ «انفعل».

تفعلت : ولا يكون متعدّيا ، نحو «تعفرت».

تفاعل : تكون متعدّية وغير متعدّية. فالمتعدّية نحو «تقاضيته» «تنازعنا الحديث» و «تجاوزنا المكان» ، وغير المتعدّية : «تغافل» و «تعاقل» ، وإنما يجوز أن تقول «تفاعلته» ، وتعدّية إلى مفعول ، إذا لم يكن المفعول فاعلا ، نحو «تقاضيت الدّين» ، ولها ثلاثة معان :

أحدها : أن تكون للاثنين فصاعدا ، «تشاتما» و «تقاتلا».

والثاني : الرّوم (٣) ، كقولك : «تقاربت من الشيء» و «تراءيت لزيد» أي : رمت القرب ، ورمت أن يراني.

والثالث : الإبهام ، وهو أن يريك أنه في حال ليس فيها ، كقولك «تغافلت» و «تعاميت» و «تناعست» و «تجاهلت» ، أي : أظهرت ذلك ، وإن لم أكن في الحقيقة موصوفا بذلك ، قال :

*إذا تخازرت ، وما بي من خزر (٤)*

أي : أظهرت ذلك ، وقوله : «وما بي من خزر» يدلّ على ما قلناه ، من الإيهام.

تفعّل : تكون متعدّية وغير متعدّية ، فالمتعدّية نحو «تلقّفته» ، قال تعالى : (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) [الأعراف : ١١٧]. و «تخبّطه الشّيطان» ، قال تعالى : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [البقرة : ٢٧٥] ، وغير المتعدّية نحو «تحوّب» (٥) و «تأثّم» (٦) ، ولها ثمانية معان :

__________________

(١) يرنأ لحيته : صبغها بالحناء ، لسان العرب ، مادة (رنأ).

(٢) مدرعته : ألبسته المدرعة ، لسان العرب ، مادة (درع).

(٣) الرّوم : القصد والطلب.

(٤) الرجز : لعمرو بن العاص رضي الله عنه ، في الأمالي لابن سمعون ١ / ٧٦ ، وجمهرة الأمثال للعسكري نسبه إلى طفيل ص ٢١٠ ، وفي أساس البلاغة للزمخشري ، نسبه للعجاج ، ولسان العرب نسبه لأرطأة بن سهية ، مادة (خزر).

(٥) تحوب : ألقى الحوب عن نفسه أي إذا تعبد ، لسان العرب (حوب).

(٦) تأثم : ألقى الأثم عن نفسه بالعبادة ، لسان العرب ، مادة (حوب).

١٠٢

أحدها : أن تكون مطاوعة لـ : «فعّل» ، كقولك «كسّرته فتكسّر» و «قطّعته فتقطّع». والمطاوعة : أن تريد من الشيء أمرا ما ، فتبلغه.

والثاني : الحرص على الإضافة ، فإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في الشجعان والحلماء قيل «تشجّع» و «تحلّم» ، قال حاتم الطائيّ :

تحلّم عن الأدنين ، واستبق ودّهم

ولن تستطيع الودّ ، حتّى تحلّما (١)

ومنه «تقيّس» (٢) و «تنزّر» (٣) و «تعرّب» (٤).

والثالث : أخذ جزء بعد جزء نحو ، «تنقّصته» و «تجرّعته» و «تحسّيته» أي : أخذت منه الشيء بعد الشيء.

والرابع : الختل ، كقولك «تغفّله» أي : أراد أن يختله عن أمر يعوقه عنه ، و «تملّقه» نحو ذلك ؛ لأنه إنما يديره عن شيء.

والخامس : التوقّع ، كقولك : «تخوّفه» ؛ لأنّ مع التخوّف توقّع الخوف ، وأما «خافه» فلا توقّع معه.

والسادس : الطلب ، كـ : «استفعل» : نحو : «تنجّز حوائجه واستجزها».

والسابع : التكثير ، كقولك : «تعطّينا» (٥).

والثامن : الترك ، كقولك : «تحوّب» و «تأثّم» أي : ترك الإثم والحوب.

افعنلل وافعنلى : أما «افعنلل» فلا يكون متعدّيا ، نحو «اقعنسس» (٦) و «احرنجم» (٧).

وأما «افعنليت» فزعم أبو الفتح أنه يكون متعدّيا ، وغير متعدّ. فغير المتعدّي نحو

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لحاتم الطائي ، في كتاب سيبويه ٤ / ٧١ ، يتيمة الدهر للثعالبي ٤ / ٤٣٧ ، والمخصص لابن سيده ١ / ٢٥١ ، ومحاضرات الأدباء ١ / ٢٧٦ ، وديوان المتنبي ٣ / ٤٨٤.

(٢) تقيس : انتسب إلى قيس ، لسان العرب ، مادة (قيس).

(٣) نزر : انتسب إلى نزار ، لسان العرب ، مادة (نزر).

(٤) تعرب : انتسب إلى العرب ، أو تكلم بلغة العرب ، لسان العرب ، مادة (عرب).

(٥) تعطينا : تنازعنا ، وفيه معنى التكثير ، المحكم لابن سيده ، (عطا).

(٦) اقعنسس : رجع وتأخر ، الصحاح للجوهري ، مادة (قعنس).

(٧) احرنجم القوم : ازدحموا ، لسان العرب ، مادة (حرجم).

١٠٣

«احرنبى (١) الديك» ، والمتعدّي نحو «اغرندى» (٢) ، و «اسرندى» (٣) ، قال الراجز :

قد جعل النّعاس يغرنديني

أدفعه عنّي ويسرنديني (٤)

وزعم سيبويه أنه لا يتعدّى ، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، إذ لم يسمع متعدّيا إلّا في هذا الرجز ، وغالب الظنّ فيه أنه مصنوع ، قال أبو بكر الزّبيديّ : أحسب البيتين مصنوعين.

أفعل : يكون متعدّيا ، وغير متعد ، فالمتعدّي كـ «أكرم» وغير المتعدّي كـ «أخطأ» ، ولها أحد عشر معنى : الجعل والهجوم والضّياء ، ونفي الغريرة ، والتّسمية ، والدّعاء ، والتعريض ، وبمعنى «ثار صاحب كذا» ، والاستحقاق ، والوجود ، والوصول.

فالجعل على ثلاثة أوجه : أحدها : أن تجعله يفعل ، كقولك «أخرجته» و «أدخلته» أي : جعلته خارجا وداخلا ، والثاني : أن تجعله على صفة ، كقولك «أطردته» : جعلته طريدا ، والثالث : أن تجعله صاحب شيء ، نحو «أقبرته» : جعلت له قبرا.

والهجوم : كقولك «أطلعت عليهم» أي : هجمت عليهم ، وأمّا «طلعت عليهم» فـ «بدوت».

والضّياء : كقولك «أشرقت الشّمس» : أضاءت ، فأمّا «شرقت» فـ «طلعت».

ونفي الغريزة : كقولك «أسرع» و «أبطأ» ، كأنك قلت : «عجل» و «احتبس» ، فأمّا «عجل» و «بطوء» فكأنه عريزة.

والتّسمية : كقولك «أكفرته» و «أخطأته» أي سمّيته كافرا ومخطئا.

والدّعاء : كقولك «أسقيته» : دعوت له بالسّقيا. قال ذو الرّمة :

وأسقيه ، حتّى كاد ممّا أبثّه

تكلّمني أحجاره ، وملاعبه (٥)

__________________

(١) احرنبى الديك : انتفش ريشه وتهيأ للقتال ، لسان العرب ، مادة (حرب).

(٢) اغرنداه : اعتلاه ، لسان العرب ، مادة (غرند).

(٣) اسرنداه : اعتلاه ، لسان العرب ، مادة (سرند).

(٤) الرجز : بلا نسبة في لسان العرب ، مادة (سرند) ، والخصائص لابن جني ٢ / ٢٥٨ ، وتهذيب اللغة للأزهري ٨ / ٢٠٠ ، والمعجم الوسيط للزيات ورفاقه ٥ / ١٤٨ ، مادة (سرند).

(٥) البيت من البحر الطويل ، وهو لذي الرمة في كتاب سيبويه ٤ / ٥٩ ، وطبقات الفحول الشعراء ٢ / ٥٥٧ ، وتهذيب اللغة ١٠ / ١٦٤ ، والأغاني ١٨ / ٢٣.

١٠٤

أي : أدعو له بالسّقيا.

والتّعريض : كقولك «أقتلته» أي : عرّضته للقتل.

وبمعنى صار صاحب كذا : كقولك «أجدب المكان» أي : صار ذا جدب.

والاستحقاق : كقولك «أقطع النّخل» و «أحصد الزّرع» ، أي : استحقّا أن يفعل بهما ذلك. ومن ذلك «أحمدته» وجدته مستحقّا للحمد و «ألام الرّجل» : استحقّ أن يلام.

والوجود : كقولك «أبصره» : دلّه على وجود المبصر.

والوصول : كقولك «أغفلته» أي : وصلت غفلتي إليه.

فاعل وتكون متعدّية ، نحو «ضاربت» و «شاتمت» ، وقد تكون غير متعدّية ، نحو «سافر» ، وأكثر ما تجيء من اثنين ، نحو «ضاربت» و «قاتلت» ، وقد تكون من واحد ، نحو «سافر» و «عاقبت اللّصّ» و «طارق (١) النّعل».

فعّل : ويكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو «كسّرته» و «قطّعته». وغير المتعدّي نحو «سبّح» و «هلّل» ، ولها ثمانية معان :

أحدهما أن تكون للنّقل ، فتصيّر الفاعل مفعولا ، كقولك «فرح وفرّحته» و «غرم وغرّمته» و «فزع وفزّعته».

والثاني التكثير : كقولك «فتّحته» و «كسّرته» و «قطّعته» و «حرّكته».

والثالث الجعل على صفة : كقولك «فطّرته فأفطر».

والرابع التّسمية : كقولك «خطّأته» و «فسّقته» ، أي : سمّيته مخطئا وفاسقا.

والخامس الدعاء للشيء أو عليه : كقولك «سقّيته» : قلت له سقاك الله. و «جدّعته» و «عقّرته» أي : دعوت عليه بالجدع والعقر.

والسادس القيام على الشيء : كقولك «مرّضته» أي : قمت عليه.

والسابع الإزالة : كقولك «قذّيت عينه» أي : أزالت عنها القذى.

والثامن أن يراد بها رميته بذلك : كقولك «شجّعته» و «جبّنته» أي : رميته بالشجاعة والجبن.

__________________

(١) طارق النعل : صيرها طاقا فوق طاق ، لسان العرب ، مادة (طرق).

١٠٥

انفعل : ولا يكون متعدّيا أبدا ، وإنما يجيء في كلام العرب للمطاوعة ، وقد تقدّم تفسير المطاوعة ، والمطاوعة فيها تكون بوجهين. إمّا بأن تريد من الشيء أمرا ما ، فتبلغه بأن يفعل ما تريده ، إن كان ممّا يصحّ منه الفعل ، وإمّا بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصحّ منه الفعل ، وإن كان لا يصحّ الفعل منه ، فأمّا ما يطاوع ، بأن يفعل فعلا تريده منه ، فنحو قولك «أطلقته فانطلق» و «صرفته فانصرف» ؛ ألا ترى أنه هو الذي فعل الانطلاق والانصراف بنفسه ، عند إرادتك إياهما منه ، أو بعثك إيّاه عليهما ، وأمّا ما تبلغ منه مرادك ، بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصحّ منه الفعل ، فنحو قولك «قطعت الحبل فانقطع» و «كسرت الحبّ فانكسر» ؛ ألا ترى أنّ الحبل والحبّ لا يصحّ منهما الفعل ؛ لأنه لا قدرة لهما ، فإنما أردت ذلك منهما ، فبلغته بما أحدثته أنت فيهما ، لا أنهما توليّا الفعل ؛ لأنّ الفعل لا يصحّ من مثلهما ، ومن قلك قوله : لا خطوتي تتعاطى غير موضعها ولا يدي في حميت السّمن تندخل ، هو مطاوع «أدخلته» ، وهو من باب «انقطع الحبل» ؛ لأنّ اليد لا تكون فاعلة ، إنما هي آلة يفعل بها.

واعلم أنّ «انفعل» إنما أصله من الثلاثيّ ، ثم تلحقه الزّيادتان من أوّله ، نحو «قطعته فانقطع» و «سرحته فانسرح» ، ولا يكاد يكون «فعل» منه إلّا متعدّيا حتى تمكن المطاوعة والانفعال ؛ ألا ترى أنّ «قطعته» و «كسرته» متعدّيان ، قال أبو عليّ : وقد جاء «فعل» منه غير متعدّ ، قال الشاعر :

وكم منزل ، لولاي : طحت كما هوى

بأجرامه من قلّة النّيق منهوي (١)

وإنما هو مطاوع «هوى» إذا سقط ، وهو غير متعدّ ، كما ترى.

وجاء في هذه القصيدة «منغوي». قال أبو عليّ : إنما بنى من «غوى» و «هوى» منفعلا ، بضرورة الشعر.

ويجوز عندي أن يكون «منغو» و «منهو» مطاوعين لـ «أغويته» و «أهويته» ، فيكون مثل «أدخلته فاندخل» و «أطلقته فانطلق». ولا يكونان ، على هذا ، شاذّين.

افتعل : تكون متعدّية ، وغير متعدّية. فالمتعدّية نحو «اكتسب» و «اقتلع». وغير المتعدّية نحو «افتقر» و «استقى». ولها ستّة معان :

أحدهما : المطاوعة ، فتكون إذ ذاك بمعنى «انفعل» وذلك قليل فيها ، نحو «شويته

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، ليزيد بن الحكم ، في كتاب سيبويه ٢ / ٣٧٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٢٩٥ ، والأمالي في لغة العرب ١ / ٦٨ ، والأغاني ١٢ / ٣٤٤ ، والخصائص لابن جني ٢ / ٢٥٩.

١٠٦

فاستوى» و «غممته فاغتمّ». والأفصح «انشوى» و «انغمّ». وحكمها أيضا ألّا تبنى إلّا مما كان «فعل» منه متعدّيا. وقد يجيء من غير المتعدّي ، وذلك قليل فيها ، قال الراجز :

حتى إذا اشتال سهيل ، في السّحر

كشعلة القابس ، ترمي بالشّرر (١)

فهذا من «شال يشول» ، وهو غير متعدّ ، بدلالة قول الراجز :

*يشول بالمحجن ، كالمحروق (٢)*

ولو كان متعدّيا لقال : «يشول المحجن».

والثاني : أن يكون بمعنى «تفاعل» ، كقولك : «اجتوروا» و «اعتونوا» أي : تجاوروا وتعاونوا.

والثالث : أن يكون بمعنى الاتّخاذ ، كقولك : «اشتوى القوم» أي : اتّخذوا شواء. فأمّا «شويت» فكقولك «أنضجت». وكذلك «اختبزوا» و «اطّبخوا» و «اذّبحوا» أي : اتّخذوا خبزا ، وطبيخا ، وذبيحة. فأمّا «ذبح» فكقولك «قتل».

والرابع : التّصرّف والاجتهاد ، كقولك : «اكتسب» أي : تصرّف واجتهد ، فأما «كسب» فـ : أصاب مالا.

والخامس : أن تكون بمعنى «نفعّل» : كقولك : «ادّخل» و «ادّلج» ، تريد : تدخلّ وتدلّج (٣).

والسادس : الخطفة ، كقولك : «انتزع» و «استلب» أخذه بسرعة. فأما «نزع» فهو تحويلك إياه ، وكذلك «قلع واقتلع» و «جذب واجتذب».

استفعل : تكون متعدّية ، وغير متعدّية ، فالمتعدّية نحو «استحسنت الشيء». وغير المتعدّية نحو «استقدم» و «استأخر» ، وتكون مبنيّة من فعل متعدّ ، فالمبنيّة من متعدّ نحو «استعصم» و «استعلم» ، هما مبنيّان من «عصم» و «علم». والمبنيّة من غير المتعدّي نحو «استحسن» و «استقبح» هما مبنيان من «حسن» و «قبح». ولها خمسة معان :

__________________

(١) الرجز ، بلا نسبة في تهذيب اللغة ٣ / ٣٩ ، واللسان والتاج ، مادة (شول). واشتال : ارتفع ، والقابس ، طالب القبس.

(٢) الرجز ، بلا نسبة في اللسان ، والحكم المحيط الأعظم ، مادة (حرق). وتهذيب اللغة ٤ / ٣٠.

(٣) تدلج : تدخل ، لسان العرب ، مادة (دلج).

١٠٧

أحدهما الإصابة : كقولك «استجدته» أي : أصبته جيّدا. و «استكرمته» و «استعظمته» : أصبته كريما ، وعظيما.

والثاني الطلب : كقولك «استعطيت العطيّة» و «استعتبته» أي : طلبت له العتبى ، و «استفهمته» أي طلبت منه أن يفهمني.

والثالث التحوّل من حال إلى حال : نحو «استنوق الجمل» و «استتيست الشّاة».

والرابع بمعنى «تفعّل» كقولك «تعظّم واستعظم» و «تكبّر واستكبر».

والخامس بمعنى «فعل» : كقولك «مر واستمرّ» و «قرّ واستقرّ».

افعالّ : ولا يكون متعدّيا. وأكثر ما صيغ للألوان ، نحو قولك «اشهابّ» و «اسوادّ» و «ابياضّ» و «ادهامّ». وقد قالوا «املاسّ» و «اضرابّ» ، وليسا من اللون.

افعلّ : هو مقصور من «افعالّ» ، لطول الكلمة. ومعناها كمعناها ، بدليل أنه ليس شيء من «افعلّ» إلّا يقال فيه «افعالّ». إلّا أنه قد تقلّ إحدى اللغتين في شيء ، وتكثر الأخرى ؛ ألا ترى أنّ طرح الألف من «احمرّ» و «اصفرّ» و «ابيضّ» و «اسودّ» أكثر ، وإثباتها في «اشهالّ» و «ادهامّ» و «اكهابّ» (١) أكثر. وقد قالوا «ارقدّ (٢) في العدو» و «ارعوى» و «اقتوى» (٣) ، وكلّه «افعلّ» ، ولم يسمع منهم في شيء من ذلك «افعالّ» ، إلّا أنه يجوز بالقياس ، وهو أيضا لا يتعدّى ، كما لا يتعدّى أصله الذي قصر منه.

افعوّل : يكون متعدّيا ، وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو «اعلوّط (٤) المهر». وغير المتعدّي نحو «اخروّط (٥) السّفر» و «اجلوّذ» (٦).

افعوعل : يكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو «احلوليت الشيء». قال الشاعر :

__________________

(١) اكهابّ : صار لونه الكهبة ، وهي غبرة مشربة سوادا ، المعجم الوسيط للزيات ورفاقه ، مادة (كهب).

(٢) ارقدّ : أسرع السير ، لسان العرب ، مادة (رقد).

(٣) اقتوى : خدم بطعام بطنه ، لسان العرب ، مادة (قتا).

(٤) اعلوط المهر : تعلق بعنقه وركبه ، لسان العرب ، مادة (علط).

(٥) اخروط السفر : طال ، لسان العرب ، مادة (خرط).

(٦) اجلوذ السفر : طال ، لسان العرب ، مادة (جلذ).

١٠٨

فلمّا أتى عامان ، بعد انفصاله

عن الضّرع ، واحلولى دماثا يرودها (١)

وروى ابن مقسم عن ثعلب :

لو كنت تعطي ، حين تسأل ، سامحت

لك النّفس ، واحلولاك كلّ خليل (٢)

وكذلك «اعروريت (٣) الفرس». وغير المتعدّي نحو «اغدودن» (٤) النّبت. ومعناه ـ على كلّ حال ـ المبالغة ، نحو «خشن واخشوشن» و «أعشب واعشوشب».

افعللّ : لا يكون متعدّيا أبدا ، نحو «اطمأنّ و «اقشعرّ».

* * *

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، لحميد بن ثور الهلالي في ديوانه ص ٧٣ ، وكتاب سيبويه ٤ / ٧٧ ، والتاج ، مادة (حلو) وأدب الكتاب ص ٣٦٢ ، والصحاح واللسان ، مادة (حلو).

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو بلا نسبة في الأمالي ، ٢ / ١٧٠ ، وتهذيب اللغة ٥ / ١٥٣ ، ومجمع الأمثال ١ / ٣٥٦ ، واللسان ، مادة (سمح).

(٣) اعرورى : ركبه عريا ، لسان العرب ، مادة (عرا).

(٤) اغدودة : النبت إذا اخضر حتى يضرب إلى السواد ، واغدورق الشعر ، طال ، لسان العرب ، مادة (غدن).

١٠٩
١١٠

حروف الزيادة

١١١
١١٢

حروف الزيادة

وأمّا حروف الزيادة فعشرة ، ويجمعها قولك «أمان وتسهيل».

فإن قيل : ولم يمّيت حروف الزيادة ، وهي قد تكون أصولا؟.

فالجواب : أنّ المراد بذلك أنها الحروف التي لا تكون الزيادة إلّا منها ؛ ألا ترى أنه متى وجد حرف في كلمة زائدا لا بدّ أن يكون أحد هذه الحروف.

فإن قيل : فهلّا زدتم في حروف الزيادة كاف الخطاب ، التي في «تلك» و «ذاك» ونحوهما ، والشين اللاحقة للكاف التي هي ضمير المؤنث في الوقف ، نحو «أعطيتكش» و «أكرمتكش»؟.

فالجواب : أنه لا يتكلّم في هذا الموضع ، من حروف الزيادة ، إلّا فيما جعلته العرب كالجزء من الكلمة ، نحو همزة «أحمر» وتاء «تنضب» وأشباه ذلك ؛ ألا ترى أنهما من كمال الاسم ، كالدال من «زيد» ، لأنّ هذا الضرب هو الذي يحتاج إلى إقامة الدليل على زيادته ، لمشاكلته الأصل في كونه من كمال البناء. فأمّا ما لم تجعله كالجزء مما زيد معه فزيادته بيّنة ، لا يحتاج إلى إقامة دليل عليها.

فإن قيل : فإنّ الكاف قد تزاد على أنها من نفس الكلمة؟.

فيقال «هنديّ وهندكيّ» في معنى واحد ، وهو المنسوب إلى الهند ، قال الشاعر :

ومقرونة ، دهم وكمت ، كأنّها

طماطم ، يوفون الوفاز هنادك (١)

أي : منسوبون إلى الهند؟.

فالجواب : أن «هنديّا» و «هندكيّا» من باب «سبط وسبطر» ، أعني مما تقارب فيه اللفظ ، والأصل مختلف ، لأنه لم يثبت زيادة الكاف ، في موضع غير هذا ، فيحمل هذا عليه.

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لكثير عزة في ديوانه ص ٣٤٧ ، وسر صناعة الأعراب لابن جني ١ / ٢٨١ ، ولسان العرب (هند).

١١٣

فإن قيل : فإذا كان الأمر على ما ذكرت فلم أوردوا في حروف الزيادة اللّام الرائدة ، في مثل «ذلك» ، والتاء الزائدة للتأنيث ، في مثل «قائمة» ، وهما ليسا كالجزء مما زيدا فيه ؛ ألا ترى أن «قائما» اسم كامل دون التاء ، وكذلك «ذلك» اسم كامل دون اللّام ، لأنك تقول «ذاك»؟.

فالجواب : عن ذلك شيئان :

أحدهما : أنّ التاء الزائدة قد تكون ، في موضع ، من نفس الكلمة نحو «عفريت» ، وكذلك اللّام في نحو «عبدل». و «زيدل».

فإن قيل : فإنّ اللام في «عبدل» ليست من كمال الاسم ، لأنك تقول «عبد» ، وكذلك «زيدل» لأنك تقول «زيد»؟.

فالجواب : أنّ الذي يقول «عبدلا» و «زيدلا» ليس «عبد» و «زيد» عنده باسمين كاملين ، بل هما بعض اسم ، بدليل جعلهما حرفي إعراب كالدال من «زيد». فلمّا كانا من نفس الحرف في بعض المواضيع ذكرا مع حروف الزيادة.

والآخر : أنّ تاء التأنيث في مثل «قائمة» واللّام في مثل «ذلك» بمنزلة ما هو من نفس الحرف. أمّا تاء التأنيث فلأنها قد صارت حرف إعراب. وأيضا فإنك لو أسقطتها لاختلّت دلالة الاسم ، لأنه كان يعطي التأنيث ، فإذا سقطت منه لم يبق ما يدلّ على التأنيث ، وصار مدلول الاسم شيئا آخر. وقد تلزم في بعض المواضع نحو «رفاهية». و «كراهية» ، و «طواعية» ، لا يجوز حذفها في شيء من ذلك. وأمّا اللّام فإنها إذا زيدت في اسم المشار صار اسم الإشارة يقع على البعيد ، فإذا أسقطتها منه اختلّت دلالته التي كانت له مع اللّام ، وصار يعطي القريب ، نحو «ذا».

فإن قيل : فلم أوردوا فيها الهاء ، وهي لا تزاد إلّا لبيان الحركة ، فلم تتنزّل منزلة الجزء مما زيدت فيه؟.

فالجواب : أنّ المبرّد قد أخرجها لذلك من حروف الزيادة ، وسنبيّن كونها من حروف الزيادة في فصل الهاء ، إن شاء الله تعالى.

فتبيّن أنّ حروف الزيادة ، التي يجب أن تورد هنا ، إنما هي العشرة المتقدّمة الذّكر ، وما عدا ذلك ، من الحروف ، لا يزاد إلّا في التصعيف. فإنّ كلّ حرف يضعّف فإنّ أحد المضعّفين زائد ، ما لم تقم الدّلالة على أصالتهما. وذلك بأن يؤدي جعل أحدهما زائدا

١١٤

إلى بقاء الكلمة على أقلّ من ثلاثة أحرف ، نحو «ردّ» ، إذ لا بدّ من فاء وعين ولام. وسنفرد لذلك بابا ، عقب الفراغ من حروف الزيادة ، وسنبيّن فيه أيّ الحرفين هو الزائد. فإن في ذلك خلافا.

ولا يزاد حرف من هذه الحروف إلّا :

للإلحاق : نحو واو «كوثر».

أو لمعنى : نحو حروف المضارعة.

أو للإمكان : نحو همزة الوصل ، فإنهما زيدت ليتوصّل بها إلى النطق بالساكن ، ونحو الهاء المزيدة ، فيما كان من الأفعال على حرف واحد ، في الوقف ، نحو «فه» و «عه». فإنه لا يمكن النّطق بحرف واحد ، إذ لا أقلّ من حرف يبتدأ به ، وحرف يوقف عليه.

أو لبيان الحركة ، في نحو : (سُلْطانِيَهْ) [الحاقة : ٢٩].

أو للمدّ : نحو «كتاب» و «عجوز» و «قضيب». وإنما زيدت هذه الحروف ، ليزول معها قلق اللسان بالحركات المجتمعة ، أو ليزول معها اجتماع الأمثال في نحو «شديد». ومما يدلّ على أنهم قد يزيدون الحرف ، للفصل بين المثلين ، قولهم في جمع قردد «قراديد» في فصيح الكلام. ولا تفعل العرب ذلك فيما ليس في آخره مثلان ، إلّا في الضرورة ، نحو قوله :

تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفي الدّراهم تنقاد الصيّاريف (١)

أو للعوض : نحو تاء التأنيث في «زنادقة» فإنها عوض من ياء «زناديق».

أو لتكثير الكلمة : نحو ألف : «قبعثرى» (٢) ونون «كنهبل» (٣) ، لأنه لا يمكن فيها الإلحاق ، إذ ليس لهما من الأصول نظير يلحقان به. وإذا أمكن أن تجعل الزيادة لفائدة كان أولى من حملها على التكثير ، إذ لا فائدة في ذلك. فلذلك جعلنا الحرف الزائد في كلمة لها نظير ، قد قابل الحرف الزائد منها حرف أصليّ من ذلك النظير ، للإلحاق ، إلّا أن يمنع من ذلك مانع.

__________________

(١) البيت من البحر البسيط ، وهو للفرزدق ، في التشبيهات لابن أبي عون ص ١٥ ، وديوان المتنبي ٢ / ٢٤٠ ، ولسان العرب ، مادة (صرف).

(٢) القبعثرى : الجمل الضخم العظيم ، لسان العرب ، مادة (قبعثر).

(٣) الكنهبل : نوع من الأشجار العظيمة ، الصحاح للجوهري ، مادة (كهبل).

١١٥

وقد تقدّم ما يعلم به أنّ الحرف ملحق في الأفعال ، عند ذكر الأفعال. وأما في الأسماء فإذا كان المزيد منها في مقابلة حرف أصليّ ، من بناء آخر على وفق البناء الذي فيه الحرف الزائد ، قضيت عليه بأنه للإلحاق ، إلّا أن يكون ذلك الحرف ألفا غير آخر ، أو ياء أو واوا حركة ما قبلهما من جنسهما ، نحو «قضيب» و «عجوز» ، أو ميما أو همزة في أوّل كلمة.

أمّا الألف فإنها لم يلحق بها حشو الكلمة ، لأنها لو جعلت للإلحاق لم تكن إلّا منقلبة ، كما أنّ ألف الأصل لا تكون إلّا منقلبة. فإذا قدّرتها منقلبة لم يخل من أن يكون الحرف الذي انقلبت عنه ساكنا أو متحرّكا فلا يتصوّر أن يكون ساكنا ، إذ لا موجب لإعلاله. ولا يتصوّر أن يكون متحركا ، لأنه يؤدّي إلى تغيّر الملحق عن بناء ما ألحق به ، وذلك لا يجوز. ولذلك احتملوا نقل اجتماع المثلين في «قردد» ولم يدغموا ، لئلّا يتغيّر عن بناء ما ألحق به ، وهو «جعفر» ، فلا يحصل الغرض الذي قصد به ، من تصيير الملحق على وفق الملحق به في الحركات والسّكنات وعدد الحروف. وأمّا إذا كانت طرفا فيتصور الإلحاق بها ، لأنها إذ ذاك تقدّر منقلبة عن حرف متحرّك. ولا يكون ذلك تغييرا لبناء الملحق عن أن يكون على مثال ما ألحق به ، لأنّ حركة الآخر ليست من البناء.

وأمّا الياء المكسور ما قبلها والواو المضموم ما قبلها فأجريا في منع الإلحاق بهما مجرى الألف ، لشبههما بها في الاعتلال والمدّ.

وأمّا الهمزة والميم أوّلا فلم يلحق بهما ، لأنّ العرب قد عزمت على زيادتهما أوّلا ، إذا كان بعدهما ثلاثة أحرف أصول ، إلّا فيما شذّ ، على ما يبيّن في موضعه. فلمّا عزموا على ألّا يكونا أصلين لم يستعملوهما في ذينك الموضعين للإلحاق ، لأنّ في ذلك تقريبا لهما من الأصول ، وتنزيلا لهما منزلتها ، فيكون ذلك نقضا لما اعتزموه من زيادتهما. ومما يبيّن لك أنهما ليسا للإلحاق وجود «أشدّ» و «مفرّ» في كلامهم ، والأصل «أشدد» و «مفرر». فلو كانا للإلحاق لم يدغما كما لم يدغم مثل «قردد».

فإن قال قائل : ولأيّ شيء خصّوا هذه الأحرف العشرة بالزيادة ، من بين حروف المعجم؟.

فالجواب : أنّ أمّهات هذه الزوائد ، والذي هو زائد منها بحقّ الأصالة ، الواو والياء والألف ، لكثرة دورها في الكلام واستعمالها ؛ ألا ترى أنه لا تخلو كلمة منها أو من بعضها ، أعني الحركات : الضّمّة والكسرة والفتحة ، لأنّ الضّمة بعض الواو ، والكسرة

١١٦

بعض الياء ، والفتحة بعض الألف. ولمّا كانت أمّهات الزوائد لذلك كانت أكثر الحروف زيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله.

وأمّا الهمزة والتاء والميم والنون فزيدت لشبهها بحروف العلّة :

أمّا الهمزة فشبهها بحروف العلّة من جهة كثرة تغييرها ، بالتسهيل ، والحذف ، والبدل.

وأمّا التّاء فأشبهت الواو من جهة تقارب مخرجيهما ، ولذلك أبدلت منها في مثل «تراث» و «تكأة» ، لأنهما من «ورثت» و «توكّأت».

وأمّا الميم فمضارعة للواو أيضا ، من جهة تقاربهما في المخرج ، ومضارعة لحروف العلّة كلّها ، من جهة الغنّة التي فيها ، الشبيهة باللّين الذي في حروف العلّة ، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف ، كما أنّ اللّين كذلك.

وأما النون فأشبهت أيضا حروف العلة ، من جهة الفتّة التي فيها.

ولمّا كانت هذه الحروف قريبة الشبه من حروف العلّة كانت تليها في كثرة الزيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.

وأمّا السين واللّام والهاء : فإنها زيدت لشبهها بالحروف المشبّهة بحروف العلّة :

أمّا اللّام : فمشبهة للنّون ، من حيث تسطيل في مخرجها ، حتى تلحق بمخرج النون ، على ما يبيّن في الإدغام.

وأمّا السين : فإنها تشبه التاء ، لهمسها وتقارب مخرجيهما.

وأمّا الهاء : فمشبهة للهمزة من جهة تقارب مخرجيهما ، لأنهما من حروف الحلق.

ولمّا كانت هذه الحروف لم تشبه حروف العلّة ، بل أشبهت المشبّة بها ، لم تجىء مزيدة إلّا في ألفاظ محفوظة ، وأماكن مخصوصة لا تتعدّاها. فهي أقلّ الحروف زيادة لذلك.

* * *

١١٧

ذكر الأماكن التي تزاد فيها هذه الحروف

باب اللّام

أما اللّام فإنها تزاد في «ذلك» و «تلك» بفتح التاء وكسرها و «تالك» و «أولالك» و «هنالك». والدليل ، على زيادتها في هذه الأشياء. قولهم في معناها «ذاك» و «تيك» و «أولاك» و «هناك».

وتزاد أيضا في «عبدل» وفي «زيدل» وفي «فحجل» (١). فالدليل على زيادتها في «زيدل» أنّ معناه «زيد» ، وكذلك أيضا «عبدل» دليل زيادة لامه كونه في معنى «عبد».

وزعم أبو الحسن أنّ معنى «عبدل» : عبد الله. فعلى هذا تحتمل هذه اللّام أن تكون زائدة على «عبد» من «عبد الله». ويحتمل أن تكون هذه اللّام من «الله» فيكون «عبدل» على هذا اسما مركّبا من «عبد» و «الله» ، كما فعلوا ذلك في «عبد الدار» و «عبد قيس» ، فقالوا : «عبدريّ» ، و «عبقسيّ». فلا تكون اللّام على هذا زائدة ، بل هي بعض اسم. إذ لو جعلناها زائدة لوجب أن تكون الراء من «عبدريّ» ، والقاف من «عبقسيّ» ، زائدتين ، والراء والقاف ليسا من حروف الزيادة. وأمّا «فحجل» فالدليل على زيادة لامه أنه في معنى «الأفحج».

وحكى عليّ بن سليمان ، عن أبي العباس المبرّد ، أنه كان يقول : «العثول» : الطويل اللحية ، وهو مأخوذ من قولهم : ضبعان أعثى ، وضبع عثواء ، إذ كانا كثيري الشّعر. وكذلك يقال للرجل والمرأة. فاللّام من «عثول» زائدة كما أنها في «فحجل» كذلك.

فأمّا «فيشلة» (٢) و «هيقل» (٣) و «طيسل» (٤) فيمكن أن تجعل اللّام فيها وائدة ، لأنه يقال «فيشة» في معنى «فيشلة» ، و «هيق» في معنى «هيقل» ، و «طيس» في معنى «طيسل». ويمكن

__________________

(١) الفحجل : الذي في رجليه اعوجاج ، لسان العرب ، مادة (فحج).

(٢) الفيشلة : رأس الذكر ، لسان العرب ، مادة (فشل).

(٣) الهيقل : الظليم ، وهو ذكر النعام ، لسان العرب ، مادة (هيق).

(٤) الطيسل : الكثير من كل شيء ، لسان العرب ، مادة (طسل).

١١٨

أيضا أن تجعل اللّام أصليّة والياء زائدة ، لأنّ زيادة الياء أوسع من زيادة اللّام ، فتكون هذه الألفاظ متقاربة وأصولها مختلفة ، نحو «ضيّاط وضيطار» و «سبط وسبطر» ؛ ألا ترى أنّ الراء لا تزاد ، وأنّ «ضيّاطا (١) وضيطارا» (٢) ، و «سبطا وسبطرا» : متقاربة ، وأصولها مختلفة.

ولا يحمل «زيدل» إلّا على زيادة اللّام ، لأنّ استعمال «زيد» أكثر من استعمال «زيدل». فدلّ ذلك على أنّ «زيدا» هو الأصل ، وأن اللّام زائدة.

وكذلك «فحجل» و «عبدل» اللّام فيهما زائدة ، ولا يجعلان من ذوات الأربعة ، ويجعل «عبد» و «أفحج» من ذوات الثلاثة ، فيكون من باب «ضيّاط وضيطار» ، لأنّ «عبدا» و «أفحج» هما الأصلان ، لكثرة استعمالهما ، وقلّة «عبدل» و «فحجل».

فأمّا «فيشة» و «فيشلة» و «هيق» و «هيقل» و «طيس» و «طيسل» فكلّ واحد من هذه الألفاظ قد كثر استعماله ، فلذلك ساغ كلّ واحد منهما أصلا بنفسه.

وزعم محمد بن حبيب أنّ اللّام من «عنسل» (٣) زائدة ، لأنه في معنى «عنس». والصحيح ما ذهب إليه سيبويه ، من أنّ لامه أصليّة ، وأنه مشتقّ من «العسلان» وهو عدو الذئب ، والنون زائدة ، لأنّ زيادة النون أسهل من زيادة اللّام ، واشتقاقه واضح لا تكلّف فيه.

وأما «ازلغبّ (٤) الفرخ». أي : «زغّب» فلامه أصليّة ، لأن «ازلغبّ» في معنى «زغّب» كثير الاستعمال ، فينبغي أن يجعل أصلا بنفسه ، ولا تجعل اللّام زائدة ، لقلّة زيادة اللّام. وبالجملة فإنّ «ازلغبّ» فعل ، ولا تحفظ زائدة في فعل.

فهذه جملة الألفاظ التي زيدت اللّام فيها.

__________________

(١) الضياط : الرجل الغليظ ، الصحاح للجوهري ، مادة (ضيط).

(٢) الضيطار : الرجل الضخم الذي لا غناء عنده ، اللسان والصحاح (ضطر).

(٣) العنسل : الناقة السريعة ، لسان العرب ، مادة (عسل).

(٤) ازلغب : شوك ريشه ، قبل أن يسود ، لسان العرب ، مادة (زلغب).

١١٩

باب الهاء

وأمّا الهاء فتزاد لبيان الحركة ، في نحو «فه» و «ارمه». وزعم أبو العبّاس أنها لا تزاد في غير ذلك. ولذلك لم يجعلها من الحروف الزوائد كما تقدّم. والصحيح أنها تزاد في غير ذلك. إلّا أنّ ذلك قليل جدّا. فالذي زيدت فيه ، من غير ذلك : «أمّهة» و «هجرع» و «هركولة» و «هبلع» و «أهراق» و «أهراح الماشية».

أمّا «أمّهة» ففيها خلاف. فمنهم من جعل الهاء فيه زائدة ، ومنهم من جعلها أصليّة. فالذي يجعلها زائدة يستدلّ ، على ذلك ، بأنها في معنى «الأمّ». قال :

*أمّهتي خندف ، والياس (١) أبي*

أي : أمي إلّا أنّ الفرق بين «أمّهة» أو «مّ» أنّ «أمّهة» إنما تقع ، في الغالب ، على من يعقل. وقد تستعمل فيما لا يعقل ، وذلك قليل جدّا ، نحو قوله :

قوّال معروف ، وفعّاله

عقّار مثنى ، أمّهات الرّباع (٢)

و «أمّ» يقع ، في الغالب ، على ما لا يعقل. وقد يقع على العاقل ، نحو قوله :

لقد ولد الأخيطل أمّ سوء

على باب استها صلب ، وشام (٣)

وممّا يدلّ أيضا ، على زيادة الهاء في «أمّهة» ، قولهم «أمّ بيّنة الأمومة» بغير هاء. ولو كانت أصليّة لثبتت في المصدر.

__________________

(١) عجز بيت ، صدره :

أنا الذي أعان فعلي حسبي ،

الرجز ، لقصي بن كلاب وفي أنساب الأشراف ١ / ٢٠ ، وجمهرة اللغة ، مادة (لهواي) والأمالي ٢ / ٣٠٥ ، وتهذيب اللغة ٦ / ٢٥١.

(٢) البيت من البحر السريع ، للسفاح بن بكير في خزانة الأدب للبغدادي ٦ / ٩٧ ، وشرح اختيار المفصل ص ١٣٦٣ ، ولسان العرب ، مادة (أمم) ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ٢ / ٥٦٥ ، والمقتضب ٣ / ١٧٠.

(٣) البيت من البحر الوافر ، لجرير في ديوانه ص ٢٨٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٩ ، وشرح المفصل ٥ / ٩٢ ، ولسان العرب ، مادة (صلب) والخصائص لابن جني ٢ / ٤١٤ ، والمقتضب ٢ / ١٤٨.

١٢٠